تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196944 / تحميل: 5949
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

المحاضرة التاسعة والعشرون:

علوّ الهمة

الهدف

تعويد الناس على تحمّل مسؤولياتهم والمشاركة في القضايا الحسّاسة والمهمّة.

تصدير الموضوع

"وعليك يا واحدي عكفت همّتي، وفيما عندك بسطت رغبتي".

المدخل

يُربّي الإسلام المؤمن على امتلاك همّة عالية تتّجه الى الغايات السامية والأهداف الكبيرة، وعدم الركون الى صغار القضايا وسفاسفها، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "إنّ الله يحبّ معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها"(١) .

____________________

١- ميزان الحكمة، ج٤، ص٣٤٦٨.

١٢١

محاور الموضوع

علوّ الهمّة يتطلّب من الإنسان السعي والمثابرة والجد والسهر وعدم الإستسلام للخطأ، والإيمان القوي بما يقوم به، ولعلّ من أبرز الأمثلة والمصاديق اليوم ما استطاعت المقاومة أن تحقّقه من إنجازات وانتصارات بفضل ثبات مجاهديها وعلو همتهم واصرارهم على إلحاق الهزيمة بالعدوّ رغم كلّ التفاوت في العدّة والعتاد.

فعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: "ما رفع امرء كهمّته ولا وضعه كشهوته"(١) .

وعلوّ الهمّة سيف ذو حدّين إذ يمكن استغلالها في الطاعة والعبادة ويمكن استغلالها في المعصية والبعد عن الله، ولذلك اهتمّت النصوص الشريفة ببيان ما ينبغي طلبه بعلو الهمّة.

ما ينبغي طلبه بعلو الهمّة:

١- طاعة الله: من عبادة، ونشر للدين، وإعلاء لكلمة الحق، والجهاد في سبيل الله، ومساعدة الناس والفقراء، وسوى ذلك ممّا يندرج في دائرة الطاعة والتقرّب إلى الله.

____________________

١- عيون الحكم والمواعظ، ص٤٨٤.

١٢٢

فعن الإمام عليعليه‌السلام :" واصرفوا همّتكم بالتقرّب الى الله"(١) .

وفي دعاء للإمام السجّادعليه‌السلام : "فقد انقطعت إليك همتي. وفي دعاء آخر وهب لي.......همّةً متّصلة بك"(٢) .

٢- النجاة في الآخرة: بطلب العلم ومعرفة عواقب الأمور والتوبة والإنابة، فعن الإمام الباقرعليه‌السلام : "ولتكن همّتك لما بعد الموت"(٣) .

٣- إصلاح النفس والمجتمع: إنّ مبدأ التغيير وإصلاح المجتمع على كافّة المستويات من أهمّ ما ينبغي تعويد النفس عليه، وحملها على المشاركة في كلّ ما يمكن فعله لخدمة الناس، وتلبية حاجاتهم، وعلى المرء أن يبدأ بنفسه أوّلاً ثمّ يتبعه بإصلاح الآخرين.

فعن الإمام عليعليه‌السلام : "إن سمت همّتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، وإن تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر عيب"(٤) .

ومن أهمّ مصاديق علوّ الهمّة المشاركة الفعّالة في التغيير السياسيّ والإجتماعيّ من إعلاء الصوت والإستنكار الميدانيّ ومواجهة الظلم ورفع الفساد بكافّة الوسائل المتاحة.

____________________

١- ميزان الحكمة، ج٤، ص٣٤٦٩.

٢- الصحيفة السجادية (ابطحي)، الإمام زين العابدين، ص٤١٢.

٣- حاشية مجمع الفائدة والبرهان، الوحيد البهبهاني، ص٢٤.

٤- ميزان الحكمة، ج٣، ص٢٢٠٦.

١٢٣

من آثار ضعف الهمّة

مقت الله: أي استصغار الله لهذا الإنسان عن الإمام عليعليه‌السلام : "أمقت العباد الى الله سبحانه من كانت همّته بطنه وفرجه"(١) .

عدم إدراك المعالي: فضعف الهمّة يبقي الإنسان وضيعاً هامشيّاً، يخشى عظائم الأمور فينأى بنفسه عنها، فيمضي أيّامه دون أن يقوم بأيّ دور أو يترك أيّ أثر.

عن الإمام الصادقعليه‌السلام :" ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمّة، وقلّة الحيلة، وضعف الرأي"(٢) .

____________________

١- ميزان الحكمة، ج١، ص٢٧٢.

٢- ميزان الحكمة، ج٤، ص٣٤٧١.

١٢٤

المحاضرة الثلاثون:

ترشيد الإستهلاك

الهدف:

أهميّة ضبط الإنفاق وبيان فوائده ومفاسد التبذير والهدر على المستوى الفرديّ والعامّ، وتوعية الناس على المراقبة الدائمة لسياسات صرف المال لا سيّما فيما يرتبط بالشأن العامّ.

تصدير الموضوع:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا(١) .

المدخل

ترشيد الإنفاق من الأمور التي تحتاج إلى توعية دائمة للفرد والأسرة

____________________

١- الفرقان، ٦٧.

١٢٥

والمتصدّين للشأن العام، لما يشكّل من ركيزة مهمّة على مستوى استقرار المجتمع واكتفائة واستغنائنه عن الآخرين من خلال دراسة الأولويّات والحاجات الضروريّة، واعتبرت الشريعة الإسراف صفةً للطغاة والجبابرة كما هو الحال الذي نراه عند الحكّام والأمراء والملوك في العالم. قال تعالى: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ(١) .

محاور الموضوع:

موقف الشريعة من الإسراف وعدم الترشيد

حثّت الشريعة على ضرورة ضبط الإنفاق وترشيده حفظاً لمقدرات الأمّة من الضياع، وصوناً للمجتمع من الفقر والعوز، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "إيّاكم في السرف في المال والنفقة، وعليكم بالإقتصاد، فما افتقر قوم قط اقتصدوا"(٢)

وعن الإمام العسكريعليه‌السلام : "عليك بالإقتصاد، وإيّاك والإسراف، فإنّه من فعل الشيطنة"(٣) .

____________________

١- يونس، ٨٣.

٢- كنز العمال، المتقي الهندي، ج٣، ص٥٣.

٣- مستدرك سفينة البحار، ج٥، ص٢٣.

١٢٦

مجالات ترشيد الإستهلاك

١- ترشيد الإنفاق عل المستوى الفرديّ: كصرف المال في الملاهي والأمور العبثيّة وتمضية الوقت بلا طائل، كالسهرات الفارغة والرحلات غير الموجّهة دون التفكير في تدبير المستقبل من قضايا الزواج والأسرة وطلب العلم.

٢- ترشيد الإنفاق على مستوى الأسرة: ويتجلّى في الترشيد في الملبس، كما جاء في صفات المتقين عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : "ملبسهم الإقتصاد "(١) والمأكل، قال تعالى: ﴿وَ کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(٢) .

وحاجات الأثاث والمقتنيات الضروريّة للمنزل، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : للمسرف ثلاث علامات: يشتري ما ليس له، ويلبس ما ليس له، ويأكل ما ليس له(٣) .

ووضع سياسة تتوازن بين الراتب وموارد الصرف وفي الإنتباه للمسائل الصحيّة والعلميّة، فقد ورد عن الإمام عليعليه‌السلام : "حسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الإسراف"(٤) .

____________________

١- نهج البلاغة، الخطبة ١٩٣.

٢- الأعراف، ٣١.

٣- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.١٧، ص٦٥.

٤- مصباح البلاغة، الميرجهاني، ح٤، ص٢٠٨.

١٢٧

٣- ترشيد الإنفاق على مستوى المجتمع: ويتجلّى في عدم التفريط بالمال العامّ لأمور شخصيّة، وصرف هذا المال في الموارد التي هي حاجة الناس الضروريّة والإبتعاد عن مظاهر الترف عند المسؤولين، كما يتطلّب من الفرد التعاون في ترشيد استهلاك الطاقة والمياه وكافّة مقدّرات البلاد.

عن الإمام الصادقعليه‌السلام : "إنّ القصد أمر يحبّه الله عزّوجلّ، وإنّ السرف يبغضه الله حتى طرحك للنواة فإنّها تصلح لشيء، وحتى صبّك شرابك"(١) .

____________________

١- عوائد الايام، المحقق النراقي، ص٦١

١٢٨

١٢٩

١٣٠

المحاضرة الأولى:

المرأة النموذج والقدوة

المناسبة: وفاة السيّدة خديجة الكبرى رضي الله عنها.

التاريخ: السابع من شهر رمضان المبارك.

الهدف:

التعريف بالجوانب المشرقة للسيّدة خديجة رضي الله عنها وعلوّ شأنها، ومساهماتها في نجاح الدعوة.

تصدير الموضوع:

قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(١)

المدخل

من الضروري الإلمام الواسع بعظمة هذه الشخصيّة التاريخيّة

____________________

١- الواقعة، ١٠ - ١١

١٣١

وأسبقيّتها في حمل أعباء الرسالة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودورها الفعّال في دفع عجلة الرسالة الى الأمام، والوفاء لجهادها وبذلها وتضحياتها مع بدايات الدعوة، وتخليداً لها، وتقديمها كنموذج للإقتداء لا سيّما في حياة المرأة.

محاور الموضوع:

إسلامها وإيمانها

كانت أوّل الناس تصديقاً بنبوّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإيماناً برسالة الإسلام من النساء، كما كان الإمام عليعليه‌السلام أوّل المؤمنين من الرجال، وقد تشرّفت بمنقبة الوضوء وصلّت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل يوم نزلت فيه فريضة الصلاة(١) .

وكانت أول من بايع علياًعليه‌السلام بعد إسلامها فقد قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "يا خديجة هذا عليّ مولاك ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي، فقالت: صدَّقتُ يا رسول الله، قد بايعته على ما قلت"(٢) .

____________________

١- يراجع: كشف الغمة، ج١، ص٨١ و المناقب، ج٢، ص١٥

٢- بحار الأنوار، ج١٨، ص٢٣٢ / جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج١، ص ٤٨٢.

١٣٢

منزلتها ومقامها

وقد اعتبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم وفاتها يوم مصيبة على الأمّة نظراً لدورها وجهادها في سبيل الدعوة إذ قال: "اجتمعت على هذه الأمّة في هذه الأيام مصيبتان (أي وفاة السيدة خديجة ووفاة أبي طالب) لا أدري بأيّهما أنا أشدّ جزعاً"(١) .

وورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "إنّ أفضل نساء أهل الجنّة أربع: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون"(٢) .

جهادها وبذلها مالها في الدعوة

تبرعها بمالها: "والله يا محمّد إنّ مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمّد إجلالاً وإعظاماً له"(٣) .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "ما نفعني مال قطّ كما نفعني مال خديجة"، وهذا الموقف الكريم منها مدحه الله تعالى بقوله:﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى(٤) أي بمال خديجة(٥)

____________________

١- تاريخ اليعقوبي، ج١، ص٣٥٥

٢- أسد الغابة، ج٧، ص٨٣

٣- بحار الأنوار، ج١٦، ص٥٥

٤- الضحى، ٨

٥- المناقب، ج٣، ص١٢٠

١٣٣

فقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفكّ من مالها الغارم والعاني ويحمل الكلّ ويعطي في النائبة ويرفد فقراء أصحابه ويحمل من أراد منهم الهجرة(١)

وقد كان لمالها الفضل في صمود المسلمين عندما حاصرتهم قريش في شعب أبي طالب، فقد ورد أنّ خديجة وأبو طالب أنفقا جميع مالهما(٢) .

ومن جهادها أنّها آثرت الحصار في شعب أبي طالب رغم صعوبة العيش وتحملها الجوع والعطش وحرارة الشمس وعزلتها عن قومها على الحياة الهانئة المرفّهة التي كانت تحظى بها، وما ذلك إلاّ مواساةً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانتصاراً للرسالة.

مقامها في الآخرة

عند اشتداد مرضها أتى جبرائيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له: "يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام - أو طعام أو شراب - فإذا هي أتتك فاقرأعليها‌السلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة"(٣) .

____________________

١- الامالي، الشيخ الطوسي، ص ٤٦٨.

٢- الخرائج، ج١، ص٨٥

٣- أسد الغابة، ج٧، ص٨٤

١٣٤

المحاضرة الثانية:

أبو طالب ناصر الرسالة والرسول

المناسبة: وفاة أبي طالب.

التاريخ: العاشر من شهر رمضان المبارك.

الهدف:

التعريف بشخصيّة أبي طالب وأهمّ مواقفه الرساليّة ودوره في إعلاء صوت الرسالة ومؤازرته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تصدير الموضوع:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "هبط عليّ جبرائيل فقال لي: يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلب وبطن حملك وحجر كفلك...... وأمّا حجر كفلك فحجر أبي طالب"(١) .

____________________

١- الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص٤٤٦.

١٣٥

المدخل

أبو طالب: اسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، ومن ألقابه أبو طالب وسيّد البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكّة وبيضة البلد والشيخ وشيخ الأباطح(١) .

كان يتمتّع بشخصيّة ومهابة في نفوس قومه، وكان طاهراً مستقيماً يقلّدونه في أفعاله ولا يتقدّمونه في أمر إلاّ بعد أن يستشيروه، وكانت رئاسة قريش له بعد عبد المطلب، وكان أمره نافذا(٢)

محاور الموضوع:

القنوط من الكبائر

علاقته بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

كفل أبو طالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطلبٍ من عبد المطلب فكان عنده كأحد أبنائه، بل كان يتقدّمهم في الرعاية والعطف والمودّة، فكان ينام بجنبه، وإذا خرج يخرجه معه، وكان يخصّه بالطعام، فشبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أبي طالب يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أمور الجاهليّة ومعائبها لما يريد من كرامته(٣) .

____________________

١- عمدة الطالب في أنساب أبي طالب، ص٢٠

٢- أسنى المطالب، ابن دحلان، ص٦

٣- السيرة النبوية لإبن كثير، ج١، ص ٢٤٩

١٣٦

وفي روايةٍ أنّ جبرائيل نزل ليلة وفاة أبي طالب فقال: يا محمّد أخرج من مكّة، فما لك بها ناصر بعد أبي طالب(١) .

نصرته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ولقد تجلّت نصرته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال المواقف الداعمة له لا سيّما والرسالة في بداياتها، وفي كفّ أذى قريش عنه، وأهمّ ما يمكن إلفات النظر إليه:

١- تعزيزه واكرامه أمامهم: فكان يقدمه في الحديث على ساداتهم ولا يرضى منهم بمقاطعته ويصدّقه ويكذّبهم، حتى أنّ أبا لهب حاول أن يعترض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً بالكلام فقال له أبو طالب: أسكت يا أعور ما أنت وهذا، ثمّ قال: لا يقومنّ أحد، فجلسوا ثمّ قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قم يا سيّدي فتكلّم بما تحبّ وبلّغ رسالة ربّك فإنّك الصادق المصدّق(٢) .

٢- دعوة اقربائه لنصرته: كان أبو طالب يحثّ أبنائه طالباً وعقيلاً وجعفراً وعليّاً على الإيمان برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتصديق به وشدّ إزره، فكان يقول لعليعليه‌السلام دائماً: الزم ابن عمّك(٣) .

____________________

١- الغدير، الأميني، ج٧، ص٣٩٠

٢- النهاية لابن كثير، ج٣، ص٣١٩

٣- سيرة ابن هشام، ج١، ص٢٤٧

١٣٧

٣- وقوفه في وجه قريش: فعندما عزمت قريش على مواجهة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أبو طالب بالمرصاد، يواجههم ولا يستجيب لمطالبهم، وتحدّى في ذلك وجهاء القوم وساداتهم، كما أنّه كان يدعوهم الى الإيمان برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ومن مواقفه طلبه من النجاشي إكرام مهاجري الرسالة الى الحبشة(١) .

٤- رفضه كافّة العروض لإبعاده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وحاولت قريش إقصاء أبي طالب وإبعاده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال عرضها عليه المال وخيرة أبنائها وسلطانها على أن يسلّمهم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فواجههم وأحبط كيدهم وأبطل مخطّطاتهم.

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفاة أبي طالب

وعند وفاة أبي طالب اقترب رسول الله من الجنازة وهي محمولة على الأكتاف وقال: وصلتك رحم يا عمّ جزيت خيراً، فلقد ربيّت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً، ثمّ تبعه الى حفرته وقال له: أما والله لأستغفرنّ لك ولأشفعنّ فيك شفاعة يعجب بها الثقلان(٢) .

____________________

١- ن.م. ج١، ص٣٣٣

٢- تذكرة الخواص، ص٦

١٣٨

المحاضرة الثالثة:

الأخوّة الإسلاميّة مدخل لتحصين المجتمع

المناسبة: المؤخاة بين المهاجرين والأنصار.

التاريخ: الثاني عشر من شهر رمضان المبارك.

الهدف

تعميق رابط الأخوّة بين أهل الإيمان والتعريف بحقوق الأخوّة والحثّ على إحترامها والتقيّد بها.

تصدير الموضوع

قال تعالى: ﴿وَ اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً(١) .

____________________

١- آل عمران ١٠٢.

١٣٩

المدخل

قدّمت الشريعة العلاقة التي تربط أهل الإيمان بعضهم ببعض بأبهى صورة وهي علاقة الأخوة، وحثّت على إيلائها أهميّة خاصّة وتفضيلها على كلّ أنواع العلاقات التي تربط الناس، كالعلاقات الناشئة من وحدة المنطقة أو اللغة أو العمل أو القرابة أو المصالح الخاصّة وسوى ذلك مما لا ينفع الإنسان يوم القيامة.

قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(٢) .

وعندما آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المهاجرين والأنصار قدّموا لهم نصف ما يملكون، في إشارة إلى أنّ ما يربط المهاجرين والأنصار من علاقة أقوى من الأموال والأرزاق.

محاور الموضوع

أهميّة الأخوّة

وحثّت الشريعة على اتخاذ الإخوان لما يساهم ذلك من ترسيخ روابط الأخوّة وتلاحم المجتمع الإسلاميّ وتماسكه.

____________________

٢- الزخرف ٦٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

للمشتري ، وإن لم يكن علم ، فهو للبائع »(١) .

والجواب : أنّه محمول على ما إذا شرطه المشتري ؛ عملاً بالأصل ، وبما تقدّم(٢) في رواية محمّد بن مسلم.

والحقّ أنّ المال للبائع ، سواء علم به أو لا ما لم يشترطه المشتري.

ب - لو اشتراه ومالَه جميعاً ، صحّ البيع بشرطين : العلم بمقداره ، وأن لا يتضمّن الربا. فلو كانت معه مائة درهم واشتراه مع ماله بمائة درهم ، لم يصحّ البيع ؛ لأنّه ربا. ولو اشتراه بمائة ودرهم ، صحّ البيع ، وكان المائة مقابلة المائة ، والدرهم في مقابلة العبد. وكذا لو اشتراه بغير الجنس أو لم يكن الثمن ربويّاً أو لم يكن المال الذي معه ربويّاً.

ولو اشتراه ومالَه مع جهله بالمال ، لم يصحّ ؛ لأنّه جزء من المبيع مقصود فوجب العلم به.

ج - لو اشتراه وشرط مالَه ، فكذلك. فإن كانا ربويّين ، شرطت زيادة الثمن ، وإلّا فلا ، إلّا في شي‌ء واحد ، وهو العلم بقدر المال ، فإنّه ليس شرطاً هنا ؛ لأنّه تابع للمبيع ليس مقصوداً بالذات ، فكان كماء الآبار وخشب السقوف.

وقال(٣) بعض الشافعيّة : إنّما تجوز الجهالة فيما كان تبعاً(٤) إذا لم يمكن إفراده بالبيع ، وإنّما تجوز الجهالة في مال العبد ؛ لأنّه ليس بمبيع ، وإنّما يبقى على ملك العبد ، والشرط يفيد عدم زوال ملكه إلى‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٨ / ٦٠٥ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٧.

(٢) في ص ٣١٩.

(٣) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : وبه قال. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : بيعاً. والصحيح ما أثبتناه.

٣٢١

البائع ، بل يكون للعبد ، فيكون المشتري يملك عليه(١) .

د - إن قلنا : إنّ العبد يملك ، فإنّه يملك ملكاً ناقصاً لا تتعلّق به الزكاة ، وحينئذٍ تسقط ، أمّا عن العبد : فلعدم تماميّة الملك ، كالمكاتب.

وأمّا عن السيّد : فلأنّه ملك الغير. وإن نفينا الملك ، فالزكاة على السيّد ؛ لتماميّة الملك في حقّه.

ولو ملّكه جاريةً ، جاز له وطؤها على التقديرين ؛ لجواز الإباحة ، فالتمليك لا يقصر عنها وإن نفيناه لتضمّنه إيّاها.

وإذا وجب عليه كفّارة ، فإن قلنا : يملك ، كفّر بالمال ، وإلّا بالصيام ، ولا يدخل في البيع وإن قلنا : إنّ العبد يملك ؛ لما تقدّم من الأحاديث.

ه- لو اشترى عبداً له مال وقلنا بملكيّة العبد‌ فاشترطه المبتاع فانتزعه المبتاع من العبد فأتلفه(٢) ثمّ وجد بالعبد عيباً ، لم يكن له الردّ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ العبد يكثر قيمته إذا كان له مال ، وبتلف المال نقصت قيمته ، فلم يجز ردّه ناقصاً.

وقال داوُد : يردّ العبد وحده ؛ لأنّ ما انتزعه لم يدخل في البيع(٤) .

وهو غلط ؛ لنقص القيمة كما قلناه.

و - لو اشترى عبداً مأذوناً له في التجارة وقد ركبته الديون ولم يعلم المشتري ؛ لم يثبت له الخيار ؛ لأنّ الديون تتعلّق بالمولى. وإن قلنا : تتعلّق‌

____________________

(١) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٧ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٠٣.

(٢) في « ق ، ك» : وأتلفه.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٢٧٧ ، وحكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٢٥ ، المسألة ٢١٠.

(٤) المحلّى ٨ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢٣ - ٣٢٤ ، وحكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٢٥ ، المسألة ٢١٠.

٣٢٢

بالعبد ، فلا تتعلّق برقبته بل بذمّته ، وذلك غير ضائر للمشتري ، فلا يكون عيباً في حقّه ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال مالك : يثبت له الخيار(٢) .

وقال أبو حنيفة : البيع باطل. وبناه على أصله من تعلّق الديون برقبته(٣) .

ز - لو قال العبد لغيره : اشترني ولك عليَّ كذا ، لم يلزمه شي‌ء ، سواء كان للمملوك مال حين قوله أولا ، وسواء شرط المبتاع المالَ أو لا ، وسواء قلنا : العبد يملك أو لا ، وسواء قلنا : المال يدخل في الشراء مع علم البائع أو لا ؛ لأنّ المولى لا يثبت له على عبده شيئاً.

وللشيخ قول آخر : إنّه يجب عليه الدفع إن كان له شي‌ء في تلك الحال ، وإلّا فلا(٤) .

وقد روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال له غلام : إنّي كنت قلت لمولاي : بِعْني بسبعمائة درهم ولك عليَّ ثلاثمائة درهم ، فقال الصادقعليه‌السلام : « إن كان لك يوم شرطت أن تعطيه [ شي‌ء ](٥) فعليك أن تعطيه ، وإن لم يكن لك يومئذٍ شي‌ء فليس عليك شي‌ء »(٦) .

مسألة ١٤٢ : لو دفع إنسان إلى عبد غيره مأذوناً له في التجارة مالاً ليشتري نسمةً ويُعتقها ويحجّ عنه بالباقي ، فاشترى المأذون أباه ودفع إليه بقيّة المال للحجّ فحجّ به ، ثمّ اختلف مولى المأذون وورثة الدافع ومولى‌

____________________

(١ -٣ ) حلية العلماء ٤ : ٢٧٣.

(٤) النهاية : ٤١٢.

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) الكافي ٥ : ٢١٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٧٤ / ٣١٦.

٣٢٣

الأب ، فكلُّ منهم يقول : اشتُري بمالي ، قال الشيخ : يردّ الأب إلى مواليه يكون رقّاً كما كان ، ثمّ أيّ الفريقين الباقيين أقام البيّنة بما ادّعاه ، حُكم له به(١) ؛ لما رواه ابن أشيم عن الباقرعليه‌السلام في عبدٍ لقومٍ مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم ، فقال : اشتر بها نسمةً وأعتقها عنّي وحجّ بالباقي ، ثمّ مات صاحب الألف ، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميّت ودفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت ، فحجّ عنه ، فبلغ ذلك موالي أبيه وورثة الميّت جميعاً فاختصموا جميعاً في الألف ، فقال موالي معتق العبد : إنّما اشتريت أباك بمالنا. وقال الورثة : إنّما اشتريت أباك بمالنا. وقال موالي العبد : إنّما اشتريت أباك بمالنا ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ ، وأمّا المعتق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه ، وأيّ الفريقين أقاموا البيّنة أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقّاً »(٢) .

وابن أشيم ضعيف ، فلا يعوّل على روايته ، على أنّا نحمل الرواية على إنكار موالي الأب البيعَ ، وحينئذٍ يقدّم قوله ، ثمّ أيّ الفريقين أقام البيّنة على دعواه حُكم له بها. وعلى ظاهر الرواية ينبغي أن يدفع الأب إلى مولى الابن المأذون ؛ لأنّ ما في يد المملوك لمولاه.

ولو أقام كلٌّ من الثلاثة بيّنةً على دعواه ، فإنّ رجّحنا بيّنة ذي اليد ، فالحكم كما تقدّم من دفع الأب إلى مولى المأذون. وإن رجّحنا بيّنة الخارج ، فالأقرب : ترجيح بيّنة الدافع ؛ عملاً بمقتضى صحّة البيع ، فهو معتضد بالأصل.

____________________

(١) النهاية : ٤١٤.

(٢) الكافي ٧ : ٦٢ / ٢٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ - ٢٣٥ / ١٠٢٣ ، و ٩ : ٢٤٣ - ٢٤٤ / ٩٤٥ بتفاوت في بعض الألفاظ.

٣٢٤

ويحتمل تقديم بيّنة مولى الأب ؛ لادّعائه ما ينافي الأصل ، وهو الفساد.

مسألة ١٤٣ : إذا كان مملوكان لشخصين مأذونان لهما في التجارة‌ اشترى كلٌّ منهما الآخرَ من مالكه لمولاه ، فإن سبق عقد أحدهما ، صحّ عقده ، وبطل عقد الآخر ؛ لأنّ للمأذون الشراء لمولاه والعبد قابل للنقل بالابتياع ، فلا مانع للمقتضي عن مقتضاه ، ولمـّا انتقل العبد إلى مولى الأوّل بطل الإذن من مولاه له ، فلم يصادف العقد أهلاً يصدر عنه على الوجه المعتبر شرعاً ، فكان عقده لاغياً.

وإن اقترن العقدان في وقتٍ واحد ، بطلا ؛ لأنّ حالة شراء كلّ واحد منهما لصاحبه هي حالة بطلان الإذن من صاحبه له.

وقال الشيخ في النهاية : يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه كان البيع له ، ويكون الآخر مملوكه.

ثمّ قال : وقد روي أنّه إذا اتّفق أن يكون العقدان في حالة واحدة ، كانا باطلين. والأحوط ما قدّمناه(١) .

ويؤيّد ما اخترناه نحن من البطلان مع الاتّفاق زماناً : روايةُ أبي خديجة عن الصادقعليه‌السلام في رجلين مملوكين مفوّض إليهما يشتريان ويبيعان بأموالهما وكان بينهما كلام فخرج هذا ويعدو إلى مولى هذا ، وهذا إلى مولى هذا ، وهُما في القوّة سواء ، فاشترى هذا من مولى هذا العبد ، وذهب هذا فاشترى هذا من مولى العبد الآخر فانصرفا إلى مكانهما فتشبّث كلّ واحد منهما بصاحبه وقال له : أنت عبدي قد اشتريتك من سيّدك. قال :

____________________

(١) النهاية : ٤١٢.

٣٢٥

« يحكم بينهما من حيث افترقا ، يذرع الطريق فأيّهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد ، وإن كانا سواءً فهما ردّ على مواليهما ، جاءا سواءً وافترقا سواءً إلّا أن يكون أحدهما سبق صاحبه ، فالسابق هو له إن شاء باع وإن شاء أمسك ، وليس له أن يضرّ به »(١) .

ثم قال الشيخ في التهذيب عقيب هذه الرواية : وفي رواية اُخرى : « إذا كانت المسافة سواء يقرع بينهما فأيّهما وقعت القرعة به كان عبداً للآخر »(٢) .

فروع :

أ - حكم الإمامعليه‌السلام بذرع الطريق بناءً على الغالب والعادة ، فإنّ كلّ واحد منهما يجدّ فيما يرومه ؛ لدلالة قول الراوي : ذهب كلٌّ منهما يعدو إلى مولى الآخر. والتقدير أنّهما متساويان في القوّة ، والأصل عدم المانع ، فبالضرورة يكون مَنْ كانت مسافته أقلّ أسبق في العقد من الآخر ، ومع التساوي في المسافة يحكم بالاقتران ؛ للظنّ الغالب به ، فإن فُرض تقدّم أحدهما ، صحّ عقده ، وإلّا بطلا ؛ لما تقدّم.

ب - الرواية بالقرعة لم نقف عليها ، لكنّ الشيخرحمه‌الله ذكر هذا الإطلاق في النهاية والتهذيب(٣) .

والظاهر أنّ القرعة لاستخراج الواقع أوّلاً مع علم المتقدّم واشتباه تعيينه ، أو مع الشكّ في التقدّم وعدمه ، أمّا مع الاقتران فلا وجه للقرعة.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٧٢ - ٧٣ / ٣١٠.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١١.

(٣) النهاية : ٤١٢ ، التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١١.

٣٢٦

ج - لو قلنا بصحّة وكالة السيّد لعبده في الشراء‌ فاتّفق أن وكّل كلّ واحد منهما مملوكه في شراء الآخر له ، صحّ العقدان معاً إن لم تبطل الوكالة مع الانتقال.

د - لا نريد بالبطلان في الموضع الذي حكمنا به هنا وقوع العقدين فاسدين ، بل أن يكون العقدان هنا بمنزلة عقد الفضولي إن أجازه المولَيان ، صحّا معاً ، وإلّا فلا. ولو أجازه أحدهما خاصّة ، صحّ عقده خاصّة.

ه- لو اشترى كلٌّ منهما الآخرَ لنفسه بإذن مولاه‌ وقلنا : إنّ العبد يملك ما يملكه مولاه ، فإن اقترنا ، بطلا. وان سبق أحدهما ، فهو المالك للآخر(١) .

مسألة ١٤٤ : لو اشترى من غيره جاريةً ثمّ ظهر أنّها سُرقت من أرض الصلح‌ ، قال الشيخرحمه‌الله : يردّها المشتري على البائع أو ورثته ويسترجع الثمن. ولو لم يخلف وارثاً ، استُسعيت الجارية في ثمنها(٢) ؛ لما رواه مسكين السمّان ، قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن رجل اشترى جاريةً سُرقت من أرض الصلح ، قال : « فليردّها على الذي اشتراها منه ، ولا يقربها إن قدر عليه لو كان موسراً » قلت : جعلت فداك فإنّه قد مات ومات عقبه ، قال : « فليستسعها »(٣) .

ولأنّه بيع باطل ؛ لظهور الملكيّة لغير البائع.

والردّ على البائع ؛ لاحتمال أن يكون السارق غيره وقد حصلت في يده ، فتُدفع إليه على سبيل الأمانة إلى أن يحضر مالكها ويُسترجع الثمن منه.

____________________

(١) الفرعان « د ، ه‍ » لم يردا في « ك».

(٢) النهاية : ٤١٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٨٣ / ٣٥٥ ، وفيه : « أو كان موسراً ».

٣٢٧

وبالجملة ، فهذه الرواية مشكلة.

والمعتمد هنا : أنّ المشتري يدفع الجارية إلى الحاكم ليجتهد في ردّها على مالكها الذي سُرقت منه ، ولا شي‌ء للمشتري مع تلف البائع من غير تركة. ولا تستسعى الجارية ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه.

وقيل : تكون بمنزلة اللقطة(١) .

مسألة ١٤٥ : لو اشترى عبداً موصوفاً في الذمّة فدفع البائع إليه عبدين‌ ليختار واحداً منهما فأبق أحدهما من يد المشتري ، قال الشيخرحمه‌الله : يردّ المشتري إلى البائع العبدَ الباقي ، ويسترجع نصف الثمن ، ويطلب الآبق ، فإن وجده ، اختار حينئذٍ ، وردّ النصف الذي قبضه من البائع إليه. وإن لم يجده ، كان العبد الباقي بينهما(٢) ؛ لما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام في رجل اشترى من رجل عبداً وكان عنده عبدان وقال للمشتري : اذهب بهما فاختر أحدهما وردّ الآخر وقد قبض المال ، فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده ، قال « ليردّ الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن ممّا أعطى من البيّع ، ويذهب في طلب الغلام ، فإن وجده اختار أيّهما شاء وردّ النصف الذي أخذ ، وإن لم يجده كان العبد بينهما ، نصف للبائع ونصف للمبتاع »(٣) .

والرواية ضعيفة السند. ومثل هذه الرواية رواها محمّد بن مسلم عن الباقر(٤) عليه‌السلام .

____________________

(١) القائل به هو ابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٥٦.

(٢) النهاية : ٤١١.

(٣) التهذيب ٧ : ٨٢ - ٨٣ / ٣٥٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢١٧ / ١ ، الفقيه ٣ : ٨٨ / ٣٣٠.

٣٢٨

والمعتمد : أنّ التالف مضمون على المشتري بقيمته ؛ لأنّه كالمقبوض بالسوم ، وله المطالبة بالعبد الثابت في ذمّة البائع بالبيع.

فرع : لو اشترى عبداً من عبدين ، لم يصحّ ؛ للجهالة.

مسألة ١٤٦ : يجب على البائع للجارية استبراؤها قبل بيعها‌ - إذا كان يطؤها - بخمسة وأربعين يوماً إن كانت من ذوات الحيض ولم تر الدم. ولو رأت الدم ، استبرأها بحيضة. ولو كانت صغيرةً أو يائسةً أو حاملاً أو حائضاً ، فلا استبراء.

وكذا يجب على المشتري استبراؤها بعد شرائها قبل وطئها لو جهل حالها ؛ لئلّا تختلط الأنساب.

وهذا الاستبراء بمنزلة العدّة في الحُرّة.

ولو أخبره البائع الثقة باستبرائها ، صدّقه ، ولم يجب عليه الاستبراء ؛ تنزيلاً لإخبار المسلم على الصدق.

ولو كانت الجارية لامرأةٍ فاشتراها منها ، لم يجب عليه الاستبراء ؛ إذ لا يتحقّق اختلاط النسب هنا.

ولو اشترى أمةً حاملاً ، لم يجز له وطؤها قُبُلاً قبل مضيّ أربعة أشهر وعشرة أيّام ، إلّا أن تضع ، فإن وطئها ، عزل عنها استحباباً. وإن(١) لم يعزل ، كره له بيع ولدها. ويستحبّ له أن يعزل له من ميراثه قسطاً.

تنبيه : أطلق علماؤنا كراهة وطئ الأمة الحامل بعد مضيّ أربعة أشهر وعشرة أيّام. وعندي في ذلك إشكال.

____________________

(١) في « ق ، ك» : فإن.

٣٢٩

والتحقيق فيه أن نقول : هذا الحمل إن كان من زنا ، لم تكن له حرمة ، وجاز وطؤها قبل أربعة أشهر وعشرة أيّام وبعدها. وإن كان عن وطىءٍ مباح أو جُهل الحال فيه ، فالأقوى : المنع من الوطئ حتى تضع.

مسألة ١٤٧ : يكره وطؤ المولودة من الزنا بالملك والعقد معاً ؛ لأنّه قد ورد كراهة الحجّ والتزويج من ثمنها فالنكاح لها أبلغ في الكراهة.

روى أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : تكون لي المملوكة من الزنا أحجّ من ثمنها وأتزوّج؟ فقال : « لا تحجّ ولا تتزوّج منه »(١) .

وعن أبي خديجة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لا يطيب ولد الزنا أبداً ، ولا يطيب ثمنه ، والممزيز(٢) لا يطيب إلى سبعة آباء » فقيل : وأيّ شي‌ء الممزيز(٣) ؟ قال : « الرجل يكسب مالاً من غير حلّه فيتزوّج أو يتسرّى فيولد له فذلك الولد هو الممزيز(٤) »(٥) .

إذا ثبت هذا ، فإن خالف ووطئ ، فلا يطلب الولد منها.

مسألة ١٤٨ : يكره للرجل إذا اشترى مملوكاً أن يُريه ثمنه في الميزان. ويستحبّ له تغيير اسمه ، وأن يُطعمه شيئاً من الحلاوة ، وأن يتصدّق عنه بأربعة دراهم ؛ لما رواه زرارة قال : كنت عند الصادقعليه‌السلام ، فدخل عليه رجل ومعه ابنٌ له ، فقال له الصادقعليه‌السلام : « ما تجارة ابنك؟ » فقال : التنخّس ، فقال له الصادقعليه‌السلام : « لا تشتر سبياً ولا غبيّاً(٦) ، فإذا اشتريت رأساً فلا ترين ثمنه في كفّة الميزان ، فما من رأس يرى ثمنه في كفّة الميزان‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٧٨ / ٣٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٠٥ / ٣٦٨.

(٢ - ٤ ) في الطبعة الحجريّة : الممزير. وفي الكافي : الممراز.

(٥) الكافي ٥ : ٢٢٥ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٧٨ / ٣٣٣.

(٦) في الكافي : « ولا عيباً ».

٣٣٠

فأفلح ، وإذا اشتريت رأساً فغيِّر اسمه وأطعمه شيئاً حلواً إذا ملكته ، وتصدّق عنه بأربعة دراهم»(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « مَنْ نظر إلى ثمنه وهو يُوزن لم يفلح »(٢) .

مسألة ١٤٩ : قد بيّنّا أنّه يجب الاستبراء في شراء الإماء‌ ، وستأتي تتمّته في باب العِدَد إن شاء الله تعالى.

إذا ثبت هذا ، فإذا باع الجارية وسلّم المشتري إلى الثمن ، وجب عليه تسليم الجارية في مدّة الاستبراء إلى المشتري ، سواء كانت جميلةً أو قبيحةً ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) .

وقال مالك : إن كانت جميلةً ، لا يسلّمها ، وإنّما يضعها على يدي عَدْلٍ حتى تستبرأ. وإن كانت قبيحةً اُجبر على تسليمها ؛ لأنّ الجميلة يلحقه فيها التهمة فمُنع منها(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الظاهر العدالة والسلامة ، فلا يسقط حقّه من القبض بالتهمة.

ويبطل أيضاً بأنّه مبيع لا خيار فيه ، فإذا نقد الثمن ، وجب تسليمه ، كسائر المبتاعات(٥) .

إذا تقرّر هذا ، فإن اتّفقا على وضعها على يد عَدْلٍ ، فإن قبضها‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٢ / ١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٠ - ٧١ / ٣٠٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٢ / ١٥ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٣.

(٣) الاُمّ ٣ : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٧٩ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٢٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٧٩ ، حلية العلماء ٧ : ٣٦٤ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤.

(٥) في « ق ، ك» : البياعات.

٣٣١

المشتري وسلّمها إلى العَدْل ، فهي من ضمانه. وإن سلّمها البائع ، كانت من ضمانه ؛ لأنّ التسليم لم يحصل للمشتري ولا لوكيله ، وليس العدل نائباً عنه في القبض.

فإن اشتراها بشرط أن يضعها البائع على يد عَدْلٍ ، كان الشرط والبيع صحيحين ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

ولأنّه شرط سائغ مرغوب فيه ، فوجب أن يكون مباحاً.

وقال الشافعي : يفسد الشرط والعقد معاً ؛ لأنّ العقد على المعيّن لا يجوز فيه شرط التأخير(٢) . وهو ممنوع.

تذنيب : ليس للمشتري بعد شرائه الجاريةَ شراءً مطلقاً أن يطلب من البائع كفيلاً بالثمن أو ببدن البائع لو خرجت حاملاً ؛ لأنّه لم يشترط الكفيل في العقد ، فلا تلزمه إقامته بعده ، كما لو باع بثمنٍ مؤجّل ثمّ طلب منه كفيلاً أو رهناً فامتنع البائع ؛ إذ لو سلّم إليه الثمن ثمّ طلب منه كفيلاً على عهدة الثمن ، لم يكن له ذلك.

مسألة ١٥٠ : لا يجوز التفرقة بين الاُمّ وولدها في البيع‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا توله والدة بولدها »(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) اُنظر : الاُمّ ٣ : ٨٧.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٢ - ١٣٣ ، الوسيط ٣ : ٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢ ، تحفة الفقهاء ٢ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٨ ، المغني ١٠ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٨.

(٤) أورد نصّه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٢ ، وفي سنن البيهقي ٨ : ٥ ، =

٣٣٢

وعن أبي أيّوب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ فرّق بين والدة وولدها فرّق الله بينه وبين أحبّته يوم القيامة »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه سماعة قال : سألته عن أخوين مملوكين هل يفرّق بينهما ، وعن المرأة وولدها؟ فقال : « لا ، هو حرام إلّا أن يريدوا ذلك »(٢) .

وفي الحسن عن هشام بن الحكم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : اشتريت له جارية من الكوفة ، قال : فذهبت لتقوم في بعض الحاجة فقالت : يا اُمّاه ، فقال لها أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ألكِ اُمّ؟ » قالت : نعم ، فأمر بها فرُدّت ، فقال : « ما آمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره »(٣) .

وفي الحسن عن معاوية بن عمّار قال : سمعت الصادقَعليه‌السلام يقول : « اُتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبي من اليمن ، فلمـّا بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جاريةً من السبي كانت اُمّها معهم ، فلمـّا قدموا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمع بكاءها ، فقال : ما هذه؟ قالوا : يا رسول الله احتجنا إلى نفقة فبِعْنا ابنتها ، فبعث بثمنها فاُتي بها وقال : بيعوهما جميعاً أو أمسكوهما جميعاً »(٤) .

وفي الصحيح عن ابن سنان ، قال الصادقعليه‌السلام في الرجل يشتري‌

____________________

= وغريب الحديث - للهروي - ٣ : ٦٥ والكامل - لابن عدي - ٦ : ٢٤١٢ : « لا توله والدة عن ولدها ».

(١) سنن الترمذي ٣ : ٥٨٠ / ١٢٨٣ ، و ٤ : ١٣٤ / ١٥٦٦ ، سنن الدار قطني ٣ : ٦٧ / ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٩ : ١٢٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٥ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٤ : ١٨٢ / ٤٠٨٠ ، مسند أحمد ٦ : ٥٧٥ / ٢٣٠٠٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٨ - ٢١٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ / ٦٠٠ ، التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١٣.

(٤) الكافي ٥ : ٢١٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ / ٥٩٩ ، التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١٤.

٣٣٣

الغلام أو(١) الجارية وله الأخ أو الاُخت أو اُمّ بمصر من الأمصار ، قال : « لا يخرجه من مصر إلى مصر آخر إن كان صغيراً ولا تشتره ، وإن كانت له اُمّ فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت»(٢) .

ولاشتماله على ضرر كلَّ من الاُمّ والولد ، فيكون منفيّاً بقوله تعالى :( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣) وبقولهعليه‌السلام : « لا ضرر ولا إضرار »(٤) .

فروع :

أ - إنّما يتحقّق المنع مع حاجة الولد إلى الاُمّ ، فلو استغنى عنها ، زال المنع ؛ لأصالة الإباحة السالم عن معارضة الضرر الحاصل بالتفريق.

ب - لو فرّق بينهما بالبيع ، لم يصحّ عندنا‌ - وبه قال الشافعي(٥) - لما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الردّ.

وقال أبو حنيفة : يصحّ ؛ لأنّ المنع لا يعود إلى المبيع وإنّما يعود إلى الضرر اللاحق بهما ، فلا يمنع صحّة البيع ، كالبيع وقت النداء(٦) .

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٩ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ / ٦١٦ ، التهذيب ٧ : ٦٧ - ٦٨ / ٢٩٠.

(٣) الحج : ٧٨.

(٤) سنن الدار قطني ٤ : ٢٢٨ / ٨٥ ، مسند أحمد ١ : ٥١٥ / ٢٨٦٢.

(٥) الوجيز ١ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، الوسيط ٣ : ٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٣ ، تحفة الفقهاء ٢ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٣٢ ، المغني ١٠ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٠.

(٦) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٦٢ / ١٢٤٢ ، تحفة الفقهاء ٢ : ١١٥ ، بدائع الصنائع =

٣٣٤

وهو خطأ ؛ لأنّ النهي عنه لمعنى في البيع ، وهو حصول الضرر بالتفرقة. ولأنّ التسليم تفريق محرَّم ، فيكون كالمتعذّر ؛ إذ لا فرق بين العجز الحسّي والشرعي.

ج - لو رضي كلُّ من الولد والاُمّ بالتفريق ، صحّ التفريق ؛ لعدم المقتضي للمنع. ولحديث ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام ، وقد سبق(١) .

د - الضابط في غاية التحريم الاستغناء ، فمتى حصل استغناء الطفل عن الاُمّ ، جاز التفريق ، وإلّا فلا.

ويحصل الاستغناء ببلوغ سبع سنين.

وقيل : بالاستغناء عن الرضاع(٢) .

والمشهور : الأوّل ؛ لأنّه سنّ التمييز ، فيستغنى عن التعهّد والحضانة ، وهو أحد قولي الشافعي(٣) .

ويقرب منه قول مالك حيث جعل التحريم ممتدّاً إلى وقت سقوط الأسنان(٤) .

____________________

= ٥ : ٢٣٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤١ - ٤٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٤ ، المغني ٤ : ٣٣٣ ، و ١٠ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٣ ، المعونة ٢ : ١٠٧١.

(١) في ص ٣٣٣.

(٢) كما في شرائع الإسلام ٢ : ٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٣ ، المجموع ٩ : ٣٦١ ، المغني ١٠ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٦٣ ، بداية المجتهد ٢ : ١٦٨ ، تحفة الفقهاء ٢ : ١١٥.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٦٨ ، المعونة ٢ : ١٠٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، المغني ١٠ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٩.

٣٣٥

وقال في الآخر : حدّه البلوغ(١) . وبه قال أبو حنيفة(٢) ؛ لما رواه عبادة بن الصامت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يفرّق بين الاُمّ وولدها » قيل : إلى متى؟ قال : « حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية »(٣) .

ه- قال بعض(٤) علمائنا بكراهة التفريق لا بتحريمه ، والمشهور : التحريم.

وهذا الخلاف إنّما هو إذا كان التفريق بعد سقي الاُمّ ولدها اللّبأ ، فأمّا قبله فلا يجوز قطعاً ؛ لأنّه يسبّب إلى إهلاك الولد.

و - يكره التفريق بعد البلوغ‌ - وبه قال الشافعي(٥) - لما فيه من التوحّش بانفراد كلٍّ منهما عن صاحبه.

والتقييد بالصغر في حديث(٦) ابن سنان ؛ للتحريم لا الكراهة.

ولو فرّق مع البلوغ بالبيع أو الهبة ، صحّا - وبه قال الشافعي(٧) - لوجود المقتضي السالم عن معارضة النهي ؛ لاختصاصه بالصغر.

وقال أحمد : يبطل البيع والهبة(٨) . وليس بمعتمد.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، المجموع ٩ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٣ ، المغني ١٠ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٩.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٦٢ ، تحفة الفقهاء ٢ : ١١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، المغني ١٠ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٩.

(٣) سنن الدار قطني ٣ : ٦٨ / ٢٥٨ ، سنن البيهقي ٩ : ١٢٨ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٢.

(٤) كالشيخ الطوسي في النهاية : ٥٤٦ ، والمحقّق الحلّي في المختصر النافع : ١٣٢ ، وشرائع الإسلام ٢ : ٥٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٣ ، المجموع ٩ : ٣٦١.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٣٣ ، الهامش (٢).

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٣.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣.

٣٣٦

ز - الأقوى كراهة التفريق بين الأخوين وبين الولد والأب أو الجدّ في البيع ، وليس محرّماً - وبه قال الشافعي(١) - عملاً بالأصل. ولأنّ القرابة بينهما لا تمنع القصاص فلا تمنع التفرقة في البيع ، كابن(٢) العمّ عندهم(٣) .

وفي قولٍ آخر له : إنّ التفريق بين الولد والجدّة والأب وسائر المحارم كالاُمّ في تحريم التفريق(٤) .

وقال أبو حنيفة : يحرم التفريق بين الأخوين ؛ لأنّه رحم ذو محرم من النسب ، فأشبه الولد(٥) .

والجواب : الفرق بجواز القصاص هنا دون الأوّل عندهم.

ح - يجوز التفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن وقبله‌ إن كان ممّا يقع عليه الذكاة(٦) أو كان له ما يُموّنه من غير لبن اُمّه.

ومَنَع بعض الشافعيّة من التفريق قبل الاستغناء ؛ قياساً على الآدمي(٧) . والحرمة فارقة بينهما.

ط - كما لا يجوز التفريق بالبيع كذا لا يجوز بالقسمة والهبة وغيرها‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٦ ، المجموع ٩ : ٣٦١.

(٢) في بدائع الصنائع والمغني : كابني.

(٣) المغني ٤ : ٣٣٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٢٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٦ ، المجموع ٩ : ٣٦١ و ٣٦٢.

(٥) تحفة الفقهاء ٢ : ١١٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٤.

(٦) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : الزكاة. والصحيح ما أثبتناه.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، المجموع ٩ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٤.

٣٣٧

من العقود الناقلة للعين ، بخلاف نقل المنافع ، فله أن يؤجر الاُمّ من شخصٍ وولدها من آخر ، إلّا أن يستوعب المدّة الممنوع من التفرقة فيها ؛ فإنّ الأقوى المنع من التفريق حسّاً بحيث لا يجتمعان إلّا نادراً.

ي - لا يحرم التفريق بالعتق ، فلو أعتق الاُمّ دون ولدها أو بالعكس ، فلا بأس. ولا في الوصيّة ، فلعلّ الموت يكون بعد انقضاء زمان التحريم.

فإن اتّفق قبله ، فإشكال.

يأ - لو لم تحصل التفرقة الحسّيّة ، فالأقوى جواز البيع ، كمن يبيع الولد ويشترط استخدامه مدّة المنع. وكذا لو باعه على مَنْ لا يفارق البائع والاُمّ بل يلازمهما.

يب - في الردّ بالعيب إشكال ، أقربه : المنع ؛ لحصول التفريق فيه ، فلو اشترى الجارية والولد ثمّ تفاسخا البيع في أحدهما أو ردّه بعيبٍ فيه ، مُنع ؛ لما فيه من التفريق.

وقال بعض الشافعيّة : يجوز(١) .

أمّا الرهن : ففي التفريق بينهما به إشكال ، أقربه : الجواز ، لكن ليس للمرتهن البيع ولا للراهن إلّا مع الآخر.

يج - لا بأس بالتفريق بالسفر ؛ لعدم المقتضي للمنع ، وأصالة الإباحة.

يد - لو كانت الاُمّ رقيقةً والولد حُرّاً وبالعكس ، لم يمنع من بيع الرقيق ؛ لثبوت التفريق قبل البيع ، فلا يُحدث البيع تفريقاً ؛ لاستحالة تحصيل الحاصل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ ، المجموع ٩ : ٣٦٠.

٣٣٨

مسألة ١٥١ : يجوز لمن يشتري الأمة أن ينظر إلى وجهها ومحاسنها‌ وأن يمسّها بيده ويقلبها - إلّا العورة ، فلا يجوز له النظر إليها - للحاجة الداعية إلى ذلك ، فوجب أن يكون مشروعاً لينتفي الغرر.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها ، قال : « لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها ويمسّها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي له النظر إليه »(١) .

ولا يجوز ذلك لمن لا يريد الشراء إلّا في الوجه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا اُحبّ للرجل أن يقلب جاريةً إلّا جاريةً يريد شراءها »(٢) .

وسأله حبيب بن معلى الخثعمي : إنّي اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت ، قال : « أمّا لمن يريد أن يشتري فليس به بأس ، وأمّا لمن لا يريد أن يشتري فإنّي أكرهه »(٣) .

مسألة ١٥٢ : لو اشترى جاريةً فوطئها ثمّ ظهر استحقاقها لغير البائع مع جهل المشتري‌ ، فإن كانت بكراً ، غرم عُشْر قيمتها لصاحبها ، ودفعها إليه.

وإن كانت ثيّباً ، كان عليه نصف العُشْر ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رجل تزوّج امرأةً حُرّة فوجدها أمة دلّست نفسها ، إلى أن قال : « ولمواليها عليه عُشْر قيمة ثمنها إن كانت بكراً ، وإن كانت ثيّباً فنصف عُشْر قيمتها بما استحلّ من فرجها »(٤) .

ولأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وانتفع بما لَه عوضٌ ، فوجب‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٧٥ / ٣٢١.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٢٩.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٩ / ١٤٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٢١٦ - ٢١٧ / ٧٨٧.

٣٣٩

الرجوع عليه به.

وقال الشافعي : يجب مهر المثل(١) .

وهو ممنوع ؛ إذ لا عقد نكاح هنا.

فإن أولدها المشتري الجاهل بالغصبيّة ، فالولد لا حق به ؛ لموضع الشبهة ، وهو حُرٌّ ؛ لأنّه اعتقد أنّه ملكها بالشراء ، وعليه قيمته لمولاه يوم سقط حيّاً - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه أتلف على مولاها رقّه باعتقاده أنّها ملكه.

ولا يُقوّم حملاً لعدم إمكان تقويم الحمل ، فيُقوَّم في أوّل حالة انفصاله ؛ لأنّها أوّل حالة إمكان تقويمه. ولأنّ ذلك هو وقت الحيلولة بينه وبين سيّده.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه » قلت : فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال : « يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤدّيه ويأخذ ولده » قلت : فإن أبى الأب السعي في ثمن ابنه؟

قال : « فعلى الإمام أن يفديه ، ولا يُملك ولدٌ حُرّ »(٣) .

وقال أبو حنيفة : يُقوَّم يوم المطالبة ؛ لأنّ ولد المغصوبة لا يضمنه إلّا بالبيع(٤) .

وقد بيّنّا أنّه يحدث مضموناً ، فيُقوَّم حال إتلافه.

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧٠ - ٤٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٤٦.

(٢) مختصر المزني : ١١٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٣ ، الوجيز ١ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٤٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥٠ / ١٤٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٧ - ٢١٨ / ٧٩٠.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ١٥٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458