تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 197577 / تحميل: 5964
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

والخلاف هنا كالخلاف هناك.

وكذا يجوز بيعها قبل بدوّ الصلاح سنتين فصاعداً.

ويجوز بيعها منضمّةً إلى الاُصول قبل بدوّ الصلاح وبعده وبشرط القطع وعدمه.

وكذا يجوز منضمّة إلى غيرها مطلقاً قبل انعقادها وبعده ، سواء كان بارزاً كالتفّاح والمشمش والعنب ، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره ، كالجوز في القشر الأسفل ، واللوز ، أو في قشر لا يحتاج إليه ، كالقشر الأعلى للجوز والباقلاء(١) الأخضر والهُرْطُمان(٢) والعدس.

وكذا السنبل يجوز بيعه ، سواء كان بارزاً كالشعير ، أو مستترا كالحنطة ، وسواء بيع منفردا أو مع أصله ، وسواء كان قائما أو حصيدا من غير اعتبار كيل أو وزن ، إلاّ إذا كان البيع بعد التصفية.

مسألة ١٦٨ : بدوّ الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقادُ ، وفي الزرع عند اشتداد الحبّ‌ ؛ لأنّ عمّار بن موسى سأل الصادقَعليه‌السلام عن الكرم متى يحلّ بيعه؟ فقال : « إذا عقد وصار عنقوداً(٣) - والعنقود اسم الحِصْرِم بالنبطيّة - »(٤) .

وعن محمّد بن شريح عن الصادقعليه‌السلام في ثمر الشجر « لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته » فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : « إذا عقد بعد سقوط ورده »(٥) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : والباقلي.

(٢) الهُرْطُمانُ : حبٌّ متوسّط بين الشعير والحنطة نافع للإسهال والسُّعال. القاموس المحيط ٤ : ١٨٩.

(٣) في المصدر : عقوداً.

(٤) التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٨٨ ، الاستبصار ٣ : ٨٩ / ٢٠٣.

٣٦١

وقال الشافعي : إن كانت الثمرة ممّا تحمرّ أو تصفرّ أو تسودّ ، فبدوّ الصلاح أن تحصل فيها هذه الألوان. وإن كانت ممّا تبيضّ فأن تتموّه ، وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويصفرّ لونه. وإن كان ممّا لا يتلوّن - كالتفّاح - فبأن يحلو ويطيب أكله. وإن كان بطّيخا فأن يقع فيه النضج. وإن كان مثل القثّاء والخيار الذي لا يتغيّر لونه ولا طعمه فبأن يتناهى عظم بعضه وهو وقت أخذه(١) .

والنقل على ما ذكرناه ، فهو أولى من الأخذ بالتخمين والاستحسان.

الثالث : الخضر - كالقثّاء والباذنجان والبطّيخ والخيار - يجوز بيعه‌ بعد انعقاده وظهوره. ولا يشترط أزيد من ذلك من تغيّر لونٍ أو طعمٍ أو غيرهما ؛ لأنّه مملوك طاهر منتفع به ، فجاز بيعه ، كغيره من المبيعات.

ويجوز بيعها منفردة ومنضمّة إلى أصولها وغير أصولها بشرط القطع والتبقية ومطلقا.

وقال الشافعي : إن كان البيع للثمرة خاصّة قبل بدوّ الصلاح ، وجب شرط القطع ، كما في ثمرة النخل. وإن باع الأصل خاصّة ، صحّ البيع.

وكذا لو باعها منضمّةً إلى الثمرة التي لم يَبْدُ صلاحها(٢) .

وإذا باع البطّيخ وغيره من الخضر بعد بدوّ الصلاح في الجميع أو في بعضه [ جاز ](٣) مطلقاً عندنا.

وقال الشافعي : يجب شرط القطع إن خِيف خروج غيره ؛ لأنّه إذا وجب‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٥ - ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٢ ، المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠١ - ٣٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

٣٦٢

شرط القطع خوفاً من الجائحة التي الغالب فيها العدم ، فلأن يجب خوفاً من الاختلاط الذي الغالب فيه الوجود كان أولى(١) .

والجواب : المنع من كون الاختلاط مانعاً من البيع ؛ لإمكان المخلص عنه.

وإن لم يخف اختلاطه بغيره ، صحّ بيعه بشرط القطع وبغير شرطه(٢) .

مسألة ١٦٩ : لو اُفردت اُصول البطّيخ وغيره من الخضر بالبيع بعد ظهور الثمرة عليها ، صحّ البيع‌ ، وكانت الثمرة للبائع ؛ عملاً باستصحاب الملك السالم عن شرط إدخاله في البيع ، سواء كان قد بدا صلاحها أو لا.

ولا يجب اشتراط القطع إذا لم يخف الاختلاط.

ثمّ الحمل الموجود يكون للبائع ، وما يحدث بعده للمشتري ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن خِيف اختلاط الحملين ، لم يجب شرط(٤) القطع عندنا ؛ للأصل.

وقال الشافعي : يجب(٥) .

ولو باع الاُصول قبل خروج الحمل ، فلا يجب اشتراط القطع ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع أو القلع كالزرع(٦) .

ولو باع البطّيخ مع اُصوله ، لم يجب شرط القطع عندنا ، كالثمرة مع الشجرة.

وقال بعض أصحاب الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع ، بخلاف الثمرة مع‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « اشتراط » بدل « شرط ».

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

٣٦٣

الشجرة ؛ لأنّ الشجرة غير معرّضة للجائحة ، بخلاف البطّيخ مع أصله ؛ فإنّه متعرّض لها. أمّا لو باع البطّيخ وأصله والأرض أيضاً ، استغنى عن شرط القطع ، وكان الأرض هنا كالأشجار ثَمَّ(١) .

مسألة ١٧٠ : لو باع الثمرة الظاهرة وما يظهر بعد ذلك ، صحّ البيع عندنا‌ - وبه قال مالك(٢) - لأصالة الصحّة. ولأنّ المتجدّد هنا كالمتجدّد في الثمرة في السنة الثانية ، فكما يصحّ(٣) بيع الثمرة سنتين صحّ هنا. ولأنّ ذلك يشقّ تمييزه ، فجعل ما لم يظهر تبعاً لما يظهر ، كما أنّ ما لم يَبْدُ صلاحه تبع لما بدا صلاحه.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين : « لا بأس به »(٤) والخضراوات من جملة الثمار.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - لأنّها ثمرة لم تخلق ، فلا يجوز بيعها ، كما لا يجوز بيعها قبل ظهور شي‌ء منها(٥) .

والجواب : الفرق ، فإنّ مع الظهور يبقى المعدوم تابعاً ، فجاز بيعه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢) الموطّأ ٢ : ٦١٩ ذيل الحديث ١٣ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٨ / ٢٨٣٨٧ ، و ١٠٩ /٢٨٣٨٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

(٣) في « ق ، ك » : صحّ.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٩ / ٢٨٣٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

٣٦٤

بخلاف عدم الظهور ؛ فإنّ العدم يبقى أصلاً.

مسألة ١٧١ : ويجوز بيع ما يجزّ جزّةً وجزّات‌ ، وكذا ما يخرط خرطةً وخرطات ، كلّ ذلك مع ظهور الجزّة الاُولى والخرطة الاُولى ، سواء بدا صلاحها أو لا ، كالكرّاث والهندباء والنعناع والتوت والحِنّاء ؛ عملاً بالأصل السالم عن معارضة المبطل.

ولما رواه ثعلبة بن زيد(١) ، قال : سألت الباقرعليه‌السلام : عن الرطبة تباع قطعتين أو الثلاث قطعات ، فقال : « لا بأس به » قال : فأكثرت السؤال عن أشباه هذا ، فجعل يقول : « لا بأس »(٢) .

وعن سماعة قال : سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : « إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر ما شئت من خرطةٍ »(٣) .

وعن معاوية بن ميسرة قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن بيع النخل سنتين ، قال : « لا بأس به » قلت : فالرطبة نبيعها هذه الجزّة وكذا وكذا جزّة بعدها؟ قال : « لا بأس به » ثمّ قال : « كان أبي يبيع الحِنّاء كذا وكذا خرطة »(٤) .

تذنيب : مَنْ جوّز بيع الثمرة قبل ظهورها عامين‌ يحتمل تجويز بيع الورق من التوت والحنّاء وشبههما خرطتين قبل ظهورها.

أمّا ما يجزّ كالكرّاث قبل ظهوره فالأولى - تفريعاً على الجواز في‌

____________________

(١) في الكافي : عن ثعلبة عن بريد. وفي التهذيب : ثعلبة بن زيد عن بريد.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٤ ( باب بيع الثمار وشرائها ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٧ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٨.

٣٦٥

الثمرة - المنع فيه ؛ لأنّه لا أصل له ظاهراً يرجع إلى معرفة المجزوز تقريباً ، ولا فرع ظاهر له ، بخلاف ورق التوت والحنّاء.

ولو بِيع ما يُخرط أو يُجزّ مع أصله ، صحّ ، سواء بدا صلاحه أو لا.

المطلب الثاني : في الأحكام.

مسألة ١٧٢ : يجوز بيع الزرع قصيلاً(١) بشرط القطع وبشرط التبقية ومطلقاً‌ ؛ عملاً بالأصل السالم عن المبطل.

فإن شرط القصل أو أطلق واقتضت العادة فيه القصل ، وجب على المشتري قصله ، فإن لم يفعل ، فللبائع قطعه وتركه بالاُجرة.

وإن شرط التبقية ، جاز ، ووجب على البائع إبقاؤه إلى كمال حدّه ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع الزرع الأخضر إلّا بشرط القطع(٢) .

ولو باعه الزرع مع الأرض ، جاز إجماعاً.

وكذا عندنا يجوز بيع البقول دون الأرض بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها وبعده مطلقاً وبشرط القطع والتبقية منضمّةً إلى الأرض ومنفردةً ؛ عملاً بالأصل والعمومات.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع البقول في الأرض دون الأرض إلّا بشرط القطع أو القلع ، سواء كان ممّا يُجزّ مراراً أو مرّة واحدة(٣) .

____________________

(١) القَصْل : القطع. والقصيل : ما اقتصل من الزرع أخضر. لسان العرب ١١ : ٥٥٧ و ٥٥٨ « قصل ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٦٦

ولو باع الزرع بعد اشتداد الحبّ ، فهو كما لو باع الثمرة بعد بدوّ الصلاح.

مسألة ١٧٣ : الثمرة إمّا بارزة ، كالتفّاح والكُمَّثْرى والخوخ والمشمش وأشباهه ، فهذا يجوز بيعه بعد ظهوره في شجره وعلى الأرض إجماعاً ، لظهوره ومشاهدته. وإمّا غير بارزة بل مستورة بالكمام ، وهو قسمان :

الأوّل : ما يكون كمامه من مصلحته يحفظ رطوبته ويبقى معه ، كالرمّان والجوز واللوز في القشر الثاني ، فهذا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأنّه إذا اُخرج من قشره ، سارع إليه الفساد ، فلم يقف بيعه على ذلك. ولا فرق بين أن يباع على شجرة أو مقطوعاً على الأرض.

الثاني : ما لا يكون بقاء قشره من مصلحته ، كالجوز واللوز في قشريه ، فإنّه يجوز بيعه عندنا ، سواء قشر من قشره الأعلى أو لا ، وسواء كان مقطوعاً على الأرض أو باقياً على الشجرة - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه حائل من أصل الخلقة ، فلا يمنع من جواز البيع ، كقشر الرمّان والبيض.

وكذا الباقلاء الأخضر يجوز بيعه وإن لم ينزع عنه القشر الأعلى ، سواء كان رطباً أو يابساً ، وسواء بِيع منفرداً أو منضمّاً ومقطوعاً وغير مقطوع ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(٢) - لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع ذلك كلّه إلّا بعد أن يقشر الجوز واللوز‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، التلقين ٢ : ٣٧٤.

(٢) المغني ٤ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤.

٣٦٧

وشبههما من القشر الأعلى ، لا على رأس الشجرة ولا على وجه الأرض ، ولا بيع الباقلاء الأخضر حتى ينزع عنه القشر الأعلى(١) .

وجوّز أبو العباس بن القاص وأبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأعلى ، وهو قول الشافعي أيضاً ؛ لأنّه يؤكل رطباً ، وبقاؤه في قشره الأخضر يحفظ رطوبته. وكذا قالا في الجوز واللوز إذا كانا رطبين ، فأمّا إذا يبسا ، فلا يجوز بيعهما في القشر الأعلى(٢) .

واحتجّ الشافعي : بأنّ المقصود مستور فيما لا يدّخر عليه وفيما لا مصلحة له فيه ، فلم يجز بيعه ، كالمعادن والحيوان المذبوح قبل سلخه(٣) .

والجواب : المنع من اللازم ، فإنّه يجوز عندنا بيعُ المعادن بشرط المشاهدة ، وبيعُ الحيوان قبل سلخه إن لم نشترط فيه الوزن.

مسألة ١٧٤ : السنبل يجوز بيعه‌ ، سواء كان حبّه ظاهراً ، كالشعير والسلت ، أو مستوراً ، كالحنطة والعدس والسمسم ، قبل بدوّ الصلاح وبعده بشرط القطع والتبقية ومطلقاً - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - للأصل والعمومات.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٥ ، منهاج الطالبين : ١٠٧ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٢ ، التلقين ٢ : ٣٧٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١.

٣٦٨

وقال الشافعي : إن كان الحبّ ظاهراً ، جاز بيعه مع السنبل بعد الحصاد وقبله ؛ لظهور المقصود. وإن كان مستوراً كالحنطة ، لم يجز بيعه في السنبلة دون السنبلة ، ومع السنبلة قولان :

القديم : الجواز ؛ لنهيهعليه‌السلام عن بيع الحبّ حتى يشتدّ(١) ، وقد اشتدّ ، فيزول النهي ، وإلّا انتفت فائدة الغاية.

والجديد : المنع ؛ لأنّ المقصود مستور بما لا يتعلّق به الصلاح(٢) .

أمّا الاُرز فإنّه كالشعير عنده يجوز بيعه في سنبله ؛ لأنّه يدّخر في قشره(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كالحنطة(٤) .

مسألة ١٧٥ : إذا كان المقصود مستوراً في الأرض ، لم يجز بيعه‌ إلّا بعد قلعه ، كالجزر والثوم والبصل - وبه قال الشافعي(٥) - للجهالة ، لانتفاء المشاهدة والوصف.

ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع والإبقاء ، خلافاً للشافعي في الإبقاء(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٣ / ٣٣٧١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ - ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ و ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٦٩

والشلجم نوعان : منه ما هو مستور لا يجوز بيعه قبل قلعه. ومنه ما يكون ظاهراً ، فيجوز(١) بيعه بشرط القطع والتبقية.

ويجوز أيضاً بيع اللوز في قشره الأعلى قبل انعقاد الأسفل ؛ لأنّه مأكول كلّه كالتفّاح ، عند الشافعي(٢) .

وعندنا يجوز مطلقاً ، سواء يبس قشره أو لا ، وسواء انعقد الأسفل أو لا.

فروع :

أ - اختلف الشافعيّة في المنع من(٣) جميع ما تقدّم قول الشافعي بالمنع فيه‌ هل هو مقطوع به أو مفرّع على قول منع بيع الغائب؟

قال الجويني : إنّه مفرّع عليه ، فلو جوّز بيع الغائب ، صحّ البيع فيها جميعاً(٤) .

وقيل : إنّ المنع في بيع الجزر في الأرض وما في معناه ليس مبنيّاً على بيع الغائب ؛ لأنّ في بيع الغائب يمكن ردّ المبيع بعد الرؤية بصفته وهنا لا يمكن(٥) .

ب - على قول الشافعي بالمنع لو باع الجوز‌ - مثلاً - في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض ، فطريقان :

أحدهما : أنّ البيع باطل في الجوز والحبّ ، وفي الشجر والأرض قولا تفريق الصفقة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : يجوز.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣) في « ق ، ك» : « في » بدل « من ».

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧٠

وأصحّهما عندهم : القطع بالمنع في الكلّ ؛ للجهل بأحد المقصودين وتعذّر التوزيع(١) .

والأقوى عندنا : الجواز ، والجهالة في بعض أجزاء المبيع غير مضرّة.

ج - لو باع أرضاً فيها بذر لم يظهر مع البذر ، صحّ عندنا إن كان البذر تابعاً.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : بطلان البيع في البذر خاصّة. وفي الأرض طريقان سبقا. ومَنْ قال بالصحّة في الأرض لا يذهب إلى التوزيع ، بل يوجب جميع الثمن بناء على أحد القولين فيما لو باع ماله ومال غيره وصحّحنا البيع في ماله وخيّرناه ، أنّه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن(٢) .

وأمّا على مذهبنا فإذا كان البذر مقصودا ، بطل البيع في الجميع ؛ للجهالة.

ولو باع البذر وحده ، بطل عندنا وعند كلّ من يوجب العلم في المبيع ، سواء عرف قدر البذر وشاهده قبل رميه أو لا ، لخفاء حاله عند العقد ، وإمكان تجدّد الفساد بعد العقد ، فخالف بيع الغائب بعد المشاهدة ، فإنّ فساده معلوم الوقت.

ولو باع الأرض وحدها ، صحّ البيع ، ووجب عليه الصبر إلى وقت أخذ الزرع. وله الخيار في الفسخ والإمضاء مجّانا إن لم يكن عالما بالحال.

مسألة ١٧٦ : كما يصحّ بيع الثمرة يصحّ بيع أبعاضها على رؤوس الأشجار‌ ومقطوعة قبل بدوّ الصلاح وبعده مع شرط القطع والتبقية والإطلاق‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧١

بشرطين : الإشاعة والعلم بالجزئيّة - كالنصف والثلث مثلاً - في كلّ صورة يصحّ بيع الجميع فيها ، عند علمائنا أجمع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ البيع قبل بدوّ الصلاح ؛ لأنّ البيع يفتقر إلى شرط القطع ، ولا يمكن قطع النصف إلّا بقطع الجميع ، فيتضرّر البائع بنقصان غير المبيع(١) .

والجواب : المنع من اشتراط القطع ، وقد تقدّم.

سلّمنا ، لكن لا يلزم ثبوته ؛ لإمكان قسمة الثمار على رؤوس الأشجار.

سلّمنا ، لكن هذا الضرر أدخله البائع على نفسه ، كما لو باع ثمرة تفتقر إلى سقي يضرّ بالأصل.

فروع :

أ - لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل ، صحّ إجماعا ، وكانت الثمرة تابعة عند المانعين(٢) من البيع قبل بدوّ الصلاح.

ب - لو كانت الثمرة لإنسان والشجرة لآخر ، فباع صاحب الثمرة نصف ثمرته من صاحب الشجرة ، صحّ عندنا مطلقا على ما تقدّم.

وللشافعي وجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع هنا(٣) .

ج - لو كانت الأشجار والثمار مشتركةً بين رجلين ، فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة ، جاز عندنا.

ومَنَع الشافعي من الجواز(٤) .

ولو اشترى نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٧٢

ومَنَع الشافعي من جوازه مطلقاً ، وجوّزه بشرط القطع ؛ لأنّ جملة الثمار تصير لمشتري الثمرة ، وجملة الأشجار للآخر ، وعلى مشتري الثمرة قطع الكلّ ؛ لأنّه بهذه المقابلة(١) اُلزم قطع النصف المشتري بالشرط ، واُلزم تفريغ الأشجار لصاحبها ، وبيع الشجرة على أن يفرغها المشتري جائز(٢) .

وكذا لو كانت الأشجار لأحدهما والثمرة بينهما ، فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة ، جاز مطلقاً عندنا ، وبشرط القطع عند الشافعي(٣) .

مسألة ١٧٧ : يجوز للبائع أن يستثني جزءاً مشاعاً - كالثلث وشبهه‌ - إجماعاً ؛ لأنّه لا يؤدّي إلى جهالة المستثنى منه.

وكذا يجوز أن يستثني نخلاتٍ بعينها إجماعاً ، وأن يستثني عذقاً معيّناً مشخّصاً من أعذاق النخلة الواحدة ، ولا يجوز أن يستثني نخلةً غير معيّنة ولا عذقاً غير مشخّص إجماعاً ، ولا الأجود ولا الأردأ ؛ لأنّ الاستثناء غير معلوم ، فصار المبيع مجهولاً.

وهل يجوز استثناء أرطال معلومة وإمداد معلومة؟ ذهب علماؤنا إلى جوازه - وبه قال مالك(٤) - لأنّه استثنى معلوماً ، فأشبه ما لو استثنى جزءاً مشاعاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله ربعي : إنّ لي نخلاً بالبصرة فأبيعه واُسمّي الثمن وأستثني الكرَّ من التمر أو أكثر ، قال : « لا بأس »(٥) .

____________________

(١) في المصدر : « المعاملة » بدل « المقابلة ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢٣٦ - ٢٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ - ٨٨ / ٣٠٠.

٣٧٣

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل : لا يجوز ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع السنين وعن الثنيا(١) . ولأنّ المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر ، فالاستثناء منه يُغيّر حكم المشاهدة ؛ لأنّه(٢) لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة منه فلم يجز(٣) .

والجواب : المراد بالنهي : الثنيا المجهولة ؛ لجواز استثناء الجزء المشاع والنخلة المعلومة إجماعاً. والعلم بالمشاهدة حاصل مع الاستثناء وعدمه ، وجهالة القدر حاصلة فيهما معاً ، فلا وجه للتخصيص.

فروع :

أ - إذا استثنى جزءاً مشاعاً أو أرطالاً معيّنة فتلف من الثمرة شي‌ء ، سقط من الثنيا بحسابه.

أمّا في الجزء المشاع : فظاهر.

وأمّا في الأرطال المعلومة : فيؤخذ منه بالحزر والتخمين ، فيقال : هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها؟ فيذهب من الثنيا بقدر تلك النسبة.

أمّا لو استثنى مائة رطل - مثلاً - من الثمرة وممّا(٤) يتخلّف منها ، احتمل بطلان البيع.

ب - لو استثنى نخلاتٍ بعينها أو عذقاً معيّناً من نخلة‌ فذهب بعض‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٣٠٤ ، مسند أحمد ٤ : ٣٣٨ ، ١٤٥٠٤.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : فالاستثناء منه بغير حكم المشاهدة ولأنّه.

والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠ ، الاُم ٣ : ٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٤) في « ق » : وما.

٣٧٤

الثمرة ، فإن كان من الثنيا ، سقط التالف. وإن كان التالف غير المستثنى ، كان المستثنى للبائع.

ج - لو قال : بعتك من هذه الصبرة قفيزاً إلّا مكّوكاً ، صحّ البيع ؛ لأنّ القفيز معلوم القدر ، والمكّوك أيضاً معلوم ، فكان الباقي معلوماً. هذا إذا علم وجود القفيز في الصبرة.

مسألة ١٧٨ : لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح على شرط القطع‌ ومطلقاً عندنا ، أو باع لقطة واحدة من القثّاء والبطّيخ وشبههما ثمّ تجدّد في النخل ثمرة اُخرى أو في اُصول الخضر ، كان المتجدّد للبائع تبعاً للأصل إذا لم يشترطه المشتري.

فإنّ تميّزت ، فلا بحث. وإن اختلطت بغيرها بحيث لا تتميّز ، فإمّا أن يكون بعد القبض أو قبله.

فإن كان بعد القبض ، كان المشتري شريكاً للبائع ، فإن علم القدر دون العين ، أخذ كلّ منهما من الثمرة بقدر الذي له من الجملة. فإن لم يعلم القدر ولا العين ، اصطلحا ، كما لو وقع طعام شخص على طعام غيره ولم يعلما قدرهما.

وإن كان قبل القبض ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء ؛ للتعيّب في يد البائع ، فإن فسخ ، أخذ الثمن الذي دفعه. وإن أمضى البيع ، كان شريكاً : إن علما مقدار ما لكلٍّ منهما ، أخذ القدر الذي له. وإن جهلاه ، اصطلحا. وحكم ما إذا لم يتميّز البعض حكم ما إذا لم يتميّز الجميع.

وأمّا عند الشافعي : إذا امتزجت الاُولى بالثانية ولم تتميّزا ، فقولان :

أحدهما : فسخ البيع - قاله في الإملاء - لتعذّر التسليم جملةً ، فانفسخ البيع ، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

٣٧٥

والثاني : أنّه لا ينفسخ البيع ، فإن سلّم البائع الجميعَ إلى المشتري ، اُجبر المشتري على قبوله ، ومضى البيع. وإن امتنع ، فسخ البيع - وبه قال المزني - لأنّ المبيع زاد ، وذلك لا يوجب بطلان العقد ، كما لو طالت الشجرة أو بلغت الثمرة(١) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ الزيادة في الطول والبلوغ زيادة في عين المبيع فيرجع في الحقيقة إلى زيادة صفة ، فوجب عليه قبولها ، بخلاف الامتزاج ؛ فإنّه يتضمّن زيادة العين ، فلا يجب قبولها ، كما لو باع ثوباً فاختلط الثوب بآخر فدفعهما البائع ، لم يجب على المشتري قبولهما ، ولا يجبر البائع على تسليمهما ، بخلاف طول الغصن وبلوغ الثمرة ؛ فإنّه يجب على البائع تسليم الأصل والزيادة.

فروع :

أ - لو باع ما يعلم امتزاجه قبل إدراك الأوّل وعدم امتيازه ، فإن شرط القطع ، صحّ البيع قطعاً ، سواء أهمل حتى امتزج أو لا. وان لم يشترطه ، فإن قلنا ببطلان البيع على تقدير الامتزاج ، احتمل البطلان هنا حذراً من الاختلاط. والصحّة ؛ لأنّ الثمرة الآن لا موجب لفسخ البيع فيها ، والمزج مترقّب الحصول ، فلا يؤثّر في البيع السابق.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : الأوّل. والثاني : أنّ البيع يقع موقوفاً ، فإن سمح البائع بدفع المتجدّد إلى المشتري تبيّنّا صحّة البيع. وإن لم يدفع ،

____________________

(١) مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، و ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٦

يظهر عدم انعقاده من أصله(١) .

ب - لو باع بشرط القطع أو التبقية مع ندور الاختلاط فحصل الاختلاط ، فقد قلنا : إن كان قبل القبض ، كان للمشتري الفسخُ ، ولا يبطل البيع. وإن كان بعده ، لم ينفسخ.

وللشافعيّة قولان قبل القبض :

أحدهما : الفسخ ؛ لتعذّر تسليم المبيع قبل القبض(٢) . وهو ممنوع.

والثاني : عدم الفسخ ؛ لبقاء عين المبيع ، وإمكان إمضاء البيع ، فيثبت للمشتري الخيار(٣) .

وقال بعضهم : لا خيار له ، وإنّه لا فرق بين المزج قبل القبض وبعده(٤) .

ثمّ إن قال البائع : أسمح بترك المتجدّدة ، ففي سقوط خيار المشتري وجهان :

أصحّهما عندهم : السقوط ، كما في الإعراض عن نعل الدابّة المردودة بالعيب.

والثاني : عدمه ؛ لما في قبوله من المنّة(٥) . وهو الوجه عندي.

ولو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى امتزجا ، جرى القولان في الفسخ. وكذا لو باع حنطةً فانثال عليها مثلها قبل القبض ، أو المائعات(٦) .

ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها ، قال بعضهم : ينفسخ البيع قطعاً ؛ لأنّه يورث الاشتباه ، وأنّه مانع من صحّة البيع لو فُرض‌

____________________

(١ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٧

في الابتداء ، وفي الحنطة غايته ما يلزم الإشاعة ، وهي غير مانعة(١) .

وفيه وجهٌ : أنّه لا ينفسخ ؛ لإمكان تسليمه بتسليم الجميع(٢) .

ولو باع جزّةً من القتّ والكرّاث وشبههما من المجزوزات بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذّر التميّز ، جرى القولان(٣) .

ومنهم مَنْ قطع بعدم الفسخ هنا ؛ تشبيهاً لطولها بكبر الثمرة وسمن الحيوان(٤) .

وفرّق الأوّلون : بأنّ الزيادة في الطلع وسمن الحيوان من نماء الطلع والحيوان ، الذي هو ملك المشتري ، فلهذا كانت له ، بخلاف طول القتّ والكرّاث ؛ لأنّها حدثت من الاُصول التي هي ملك البائع ، فكانت له ، فيجي‌ء القولان ؛ لحصول المزج وعدم التميّز(٥) .

ج - لو حصل الامتزاج بعد القبض ، لم يبطل البيع عندنا ، وقد سبق(٦) .

وللشافعيّة طريقان :

القطع بعدم الفسخ - وهو اختيار المزني - كالحنطة إذا امتزجت باُخرى.

والثاني : أنّه على القولين في الممتزج قبل القبض ، بخلاف مسألة الحنطة ؛ لأنّ هناك قد تمّ التسليم وانقطعت العلائق بينهما ، وفي الثمار لا تنقطع ، لأنّ البائع يدخل الحائط للسقي وغيره(٧) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٥) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٦) في ص ٣٧٤.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٨

د - كلّ موضع قلنا بعدم الفسخ إن تصالحا واتّفقا على شي‌ء ، فلا بحث. وإن تحاكما ، قدّم قول صاحب اليد في قدر حقّ الآخر. وهذا ظاهر في الحنطة وشبهها.

أمّا في الثمار فمَنْ هو صاحب اليد؟ للشافعيّة وجهان بناءً على الجائحة من ضمان البائع أو المشتري؟(١) .

ولهم وجه ثالث : أنّها في يدهما جميعاً(٢) .

والوجه أن نقول : إن كان البائع سلّم الثمرة بتسليم الأصل ، فهي في يد المشتري. وإن كانت الاُصول في يد البائع والثمرة في يد المشتري ، فهُما صاحبا يد. أمّا في صورة الحنطة فصاحب اليد هو المشتري ، فالقول قوله في قدر حقّ البائع. فإن كان المشتري قد أودع البائع الحنطة بعد القبض ثمّ حصل الاختلاط ، فالقول قول البائع في قدر حقّ المشتري.

مسألة ١٧٩ : لو باع شجرة عليها ثمرة ، فالثمرة للبائع‌ إلاّ في طلع النخل غير المؤبّر على ما يأتي ، فإنّه للمشتري. أمّا ثمرة النخل المؤبّرة أو ثمرة غير النخل مطلقا فهي للبائع.

فإن كانت الشجرة تُثمر في السنة مرّتين ويغلب عليها التلاحق ، صحّ البيع عندنا على ما تقدّم ، ولا يخفى الحكم السابق عندنا.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع إلّا بشرط أن يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط(٣) . ويجي‌ء خلافهم السابق فيما إذا كان المبيع الثمرة(٤) .

ثمّ إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة ممّا يندر فيها التلاحق فاتّفق ذلك ، فعندنا يبقى شريكاً

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٩

ويصطلحان.

ونقل المزني عن الشافعي قولين في الانفساخ(١) .

ولأصحاب الشافعي طريقان : فعن بعضهم : القطع بعدم الانفساخ ، وتخطئة المزني في نَقْله ؛ لأنّ الاختلاط وتعذّر التسليم لم يوجد في المبيع ، بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار(٢) .

وأثبت الأكثرون القولين وقالوا : الاختلاط وإن لم يوجد في المبيع لكنّه وجد في المقصود بالعقد ، وهو الثمرة الحادثة ، فإنّها مقصود المشتري من الشراء للاُصول ، فجاز أن يجعل كالمبيع. فإن قلنا بعدم الانفساخ ، فإن سمح البائع بترك الثمرة القديمة ، اُجبر المشتري على القبول. وان رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة ، اُجبر البائع على القبول ، واُقرّ العقد(٣) .

ويحتمل أن يجي‌ء في الإجبار على القبول للشافعيّة خلاف.

وإن استمرّا على النزاع ، قال المثبتون للقولين : يفسخ العقد بينهما ، كما لو كان المبيع الثمرة.

وقال القاطعون : لا فسخ ، بل إن كانت الثمرة والشجرة في يد البائع ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه المشتري مع يمينه. وإن كانتا في يد المشتري ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه البائع ، وهو الذي يقتضيه القياس ، لأنّ الفسخ لا يفيد رفع النزاع ، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري.

قالوا : ولو قلنا بالفسخ ، استردّ المشتري الثمنَ وردَّ الشجرة مع جميع الثمار(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

٣٨٠

الشرط فاسداً ؛ لأنّه يجب عليه أن يمنع أهل الحرب من دخول دار الإسلام ، فلا يجوز أن يشترط خلافه. وإن كانوا في دار الحرب أو بين دار الإسلام ودار الحرب ، كان الشرط جائزاً ؛ لعدم تضمّنه تمكين أهل الحرب من دار الإسلام.

إذا ثبت هذا ، فمتى قصدهم أهل الحرب ولم يدفعهم عنهم حتى مضى حول ، فلا جزية عليهم ؛ لأنّ الجزية تُستحقّ بالدفع ، فإن سباهم أهل الحرب ، فعليه أن يردّ ما سبي منهم من الأموال ؛ لأنّ عليه حفظ أموالهم. فإن كان في جملته خمر أو خنزير ، لم تلزمه استعادته(١) ؛ لأنّه لا يحلّ إمساكه.

وإذا أغار أهل الحرب على أهل الهدنة وأخذوا أموالهم وظفر الإمام بأهل الحرب واستنقذ أموال أهل الهدنة ، قال الشافعي : يردّها الإمام عليهم(٢) .

وكذا إذا اشترى مسلم من أهل الحرب ما أخذوه من أهل الهدنة ، وجب ردّه عليهم ، لأنّه في عهدٍ منه ، فلا يجوز أن يتملّك ما سبي منهم ، كأهل الذمّة.

وقال أبو حنيفة : لا يجب ردّ ما أخذوه من أهل الحرب من أموالهم ؛ لأنّه لا يجب عليه أن يدفعهم عنهم ، فلا يلزمه ردّ ما استنقذه منهم ، كما لو أغار أهل الحرب على أهل الحرب(٣) .

____________________

(١) في « ق ، ك» : « استيفاؤه » بدل « استعادته ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣١.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٧.

٣٨١

وقول أبي حنيفة فيه قوّة.

مسألة ٢٢٧ : إذا انتقض العهد ، جاز قصد بلدهم وتبييتهم والإغارة عليهم في بلادهم‌ إن علموا أنّ ما أتوا به ناقض للعهد. وإن لم يعلموا ، فكذلك الحكم ، أو لا يقاتلون إلّا بعد الإنذار للشافعيّة وجهان(١) .

والأولى أنّه إذا لم يعلموا أنّه خيانة ، لا ينتقض العهد إلّا إذا كان المأتيّ به ممّا لا يشكّ في مضادّته للهدنة ، كالقتال.

فأمّا مَنْ دخل داراً بأمانٍ أو مهادنة ، فلا يغتال وإن انتقض عهده ، بل يبلغ المأمن.

ولو(٢) نقض السوقةُ العهد ولم يعلم الرئيس والأشراف بذلك ، احتمل النقض في حقّ السوقة ، وعدمه ؛ لأنّه لا اعتبار بعقدهم فكذا بنقضهم.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

ولو نقض الرئيس وامتنع الأتباع وأنكروا ، ففي الانتقاض في حقّهم للشافعي قولان ، أحدهما : الانتقاض ؛ لأنّه لم يبق العهد في حقّ المتبوع فلا يبقى في حقّ التابع(٤) .

هذا حكم نقض عهد(٥) الهدنة ، وأمّا نقض الذمّة : فنقضه من البعض ليس بنقضٍ من الباقين ، وقد سلف الفرق.

والمعتبر في إبلاغ الكافر المأمن أن يمنعه من المسلمين ويلحقه بأوّل بلاد الكفر(٦) ، ولا يلزم إلحاقه ببلده الذي يسكنه فوق ذلك إلّا أن يكون بين‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٢.

(٢) في « ق » : « وإن » بدل « ولو ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٣.

(٥) كلمة « عهد » لم ترد في « ق ، ك».

(٦) في « ق » : الكفّار.

٣٨٢

أوّل بلاد الكفر وبلده الذي يسكنه بلدٌ للمسلمين يحتاج إلى المرور عليه.

وإذا هادنه الإمام مدّةً لضعفٍ وخوف ثمّ زال الخوف وقوي المسلمون ، وجب البقاء عليه ؛ لقوله تعالى :( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) (١) وإن كانت المدّة عشر سنين.

ويجب على الذين هادنّاهم الكفّ عن قبيح القول والعمل في حقّ المسلمين وبذل الجميل منهما. ولو كانوا يُكرمون المسلمين فصاروا يُهينونهم ، أو يضيفون الرسل ويصلونهم فصاروا يقطعونهم ، أو يعظّمون كتاب الإمام فصاروا يستخفّون ، أو نقصوا عمّا كانوا يخاطبونه به ، سألَهم الإمام عن سبب فعلهم ، فإن اعتذروا بما يجوز قبول مثله ، قَبِله ، وإن لم يذكروا عذراً ، أمرهم بالرجوع إلى عادتهم ، فإن امتنعوا ، أعلمهم بنقض الهدنة ونقَضَها ، عند الشافعيّة(٢) .

وسبُّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنتقض به الهدنة كالذمّة ، عند الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة فيهما(٤) .

مسألة ٢٢٨ : لو كان تحت كافرٍ عشرُ زوجات فأسلمن وهاجرن وجاء الزوج يطلبهنّ ، اُمر باختيار أربع منهنّ ، ويعطى مهورهنّ ، سواء اختار الأكثر مهراً أو الأقلّ ، وسواء اختار مَنْ دفع إليهنّ المهر أو بعضه أو مَنْ لم يدفع إليهنّ ، فإذا اختار مَنْ لم يدفع إليهنّ شيئاً ، لم يرجع بشي‌ء.

ولو جاءت مستولدةً ، فهي كالأمة.

____________________

(١) التوبة : ٤.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٣ - ٥٢٤.

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٣.

٣٨٣

وأمّا المكاتبة : فإن اقتضى الحال عتقها ، فكذلك ، وتبطل الكتابة ، وإلّا فهي على كتابتها. فإن أدّت مالَ الكتابة ، عُتقت بالكتابة. قال الشافعي : وللسيّد الولاء(١) . فإن عجزت ورُقّتْ ، حُسب ما أخذ من مال الكتابة بعد إسلامها من ضمانها ، ولا يُحسب منه ما اُخذ قبل الإسلام.

مسألة ٢٢٩ : لو عقدنا الهدنة بشرط أن يردّوا مَنْ جاءهم منّا مرتدّاً ويُسلّموه إلينا ، وجب عليهم الوفاء بما التزموه ، فإن امتنعوا ، كانوا ناقضين للعهد.

وإن عقدنا بشرط أن لا يردّوا مَنْ جاءهم ، ففي الجواز إشكال.

وللشافعي قولان :

أشهرهما : الجواز ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط ذلك في مهادنة قريش(٢) .

والثاني : المنع ؛ لإعلاء الإسلام ، وإقامة حكم المرتدّين [ عليه ](٣) (٤) .

وقال بعضهم : هذا الشرط يصحّ في حقّ الرجال دون النساء كما لو شرط ردّ مَنْ جاءنا مسلماً ؛ لأنّ الإبضاع يحتاط لها ، ويحرم على الكافر من المرتدّة ما يحرم على المسلم(٥) .

فإن أوجبنا الردّ ، فالذي عليهم التمكين والتخلية دون التسليم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣٠.

(٢) المغازي - للواقدي - ٢ : ٦١١ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٣٢ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٤ : ١٤٧ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٤٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤١١ / ١٧٨٤.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : حكمهم. وما أثبتناه من المصادر.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣٠.

٣٨٤

وكذا الحكم لو جرت المهادنة مطلقاً من غير تعرّضٍ لردّ من ارتدّ بالنفي والإثبات.

وحيث لا يجب عليهم التمكين ولا التسليم فعليهم مهر مَنْ ارتدّ من نساء المسلمين ، وقيمة مَنْ ارتدّ من رقيقهم ، ولا يلزمهم غُرْم مَنْ ارتدّ من الرجال الأحرار.

ولو عاد المرتدّون إلينا ، لم نردّ المهر ، ورددنا القيمة ؛ لأنّ الرقيق بدفع القيمة يصير ملكاً لهم والنساء لا يصرن زوجاتٍ.

وحيث يجب التمكين دون التسليم فمكّنوا ، فلا غرم عليهم سواء وصلنا إلى المطلوبين أو لم نصل. وحيث يجب التسليم فنطالبهم به عند الإمكان.

فإن فات التسليم بالموت ، فعليهم الغرم.

وإن هربوا نُظر إن هربوا قبل القدرة على التسليم ، فلا يغرمون ، أو بعدها ، فيغرمون.

ولو هاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة وطلبها زوجها وجاءتهم امرأة منّا مرتدّة ، لا نغرم لزوج المسلمة المهر ، ولكن نقول له : واحدة بواحدة ، ونجعل المهرين قصاصاً ، ويدفع الإمامُ المهر إلى زوج المرتدّة ، ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة المسلمة.

هذا إن تساوى القدران ، ولو كان مهر المهاجرة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المرتدّة منه إلى زوجها والباقي إلى زوج المهاجرة. وإن كان مهر المرتدّة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلى زوجها والباقي إلى زوج المرتدّة.

٣٨٥

وبهذه المقاصّة فسّر أكثر الشافعيّة(١) قوله تعالى :( وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا ) (٢) .

ولو قال زوج المسلمة : لا ذنب لي في التحاق المرتدّة بدار المهادنين فلِمَ منعتموني حقّي ، قلنا : ليس لك حقٌّ على قياس أعواض المتلفات ، وإنّما نغرم لك بحكم المهادنة ، وأهل المهادنة في موجب المهادنة كالشخص الواحد.

البحث السابع : في الحكم بين المعاهدين والمهادنين.

مسألة ٢٣٠ : إذا تحاكم إلينا أهل الذمّة بعضهم مع بعض ، تخيّر الحاكم‌ بين الحكم بينهم على مقتضى حكم الإسلام وبين الإعراض عنهم - وبه قال مالك(٣) - لقوله تعالى :( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (٤) .

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الإنجيل يتحاكمون إليه ، كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم وإن شاء تركهم »(٥) .

ولأنّهما لا يعتقدان صحّة الحكم ، فأشبها المستأمنين.

وقال المزني : يجب الحكم - وللشافعي قولان - لقوله تعالى :( وَأَنِ

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣١.

(٢) الممتحنة : ١١.

(٣) أحكام القرآن - لابن العربي - ٢ : ٦٢٠ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ١٠٣.

(٤) المائدة : ٤٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٠٠ / ٨٣٩.

٣٨٦

احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (١) والأمر للوجوب.

ولأنّ دفع الظلم عنهم واجب على الإمام ، والحكم بينهم دفع لذلك عنهم ، فلزمهم(٢) كالمسلمين(٣) .

وآيتنا أخصّ ، والقياس باطل ؛ لأنّ المسلمين يعتقدون صحّة الحكم.

ولو تحاكم إلينا ذمّيُّ مع مسلم أو مستأمنٌ مع مسلم ، وجب على الحاكم أن يحكم بينهما على ما يقتضيه حكم الإسلام ؛ لأنّه يجب عليه حفظ المسلم من ظلم الذمّي ، وبالعكس.

ولو تحاكم إلينا مستأمنان حربيّان من غير أهل الذمّة ، لم يجب على الحاكم أن يحكم بينهما إجماعاً ؛ لأنّه لا يجب على الإمام دفع بعضهم عن بعض ، بخلاف أهل الذمّة. ولأنّ أهل الذمّة آكد حرمةً ؛ فإنّهم يسكنون دار الإسلام على التأبيد.

مسألة ٢٣١ : إذا استعدى أحد الخصمين إلى الإمام ، أعداه على الآخر‌ في كلّ موضع يلزم الحاكم الحكم بينهما ، فإذا استدعى خصمه ، وجب عليه الحضور إلى مجلس الحكم ؛ لأنّ هارون بن حمزة سأل الصادقَعليه‌السلام : رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديّان كان بينهما خصومة ، فقضى بينهما حاكم من حُكّامهما بجَوْزٍ فأبى الذي قُضي عليه أن يقبل ، وسأل أن يردّ إلى حكم المسلمين ، قال : « يردّ إلى حكم المسلمين »(٤) .

____________________

(١) المائدة : ٤٩.

(٢) كذا ، والظاهر : فلزمه.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٨٥ - ٣٨٦ ، الوجيز ٢ : ١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ١٠٣ ، الوسيط ٥ : ١٣٨ - ١٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٤٩٠ - ٤٩١ ، المغني ١٠ : ١٩٠ ، التفسير الكبير ١١ : ٢٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ١٨٤.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٢.

٣٨٧

ويجب إذا حكم بينهم أن يحكم بحكم المسلمين ، لقوله تعالى :( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) (١) وقال تعالى :( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) (٢) .

ولو جاءت ذمّيّة تستعدي على زوجها الذمّيّ في طلاقٍ أو ظهارٍ أو إيلاءٍ ، تخيّر في الحكم بينهم والردّ إلى أهل نحلتهم ليحكموا بينهم بمذهبهم. فإن حَكَم بينهم ، حَكَم بحكم الإسلام ، ويمنعه في الظهار من أن يقربها حتى يكفّر. ولا يجوز له أن يكفّر بالصوم ؛ لافتقاره إلى نيّة القربة ، ولا بالعتق ؛ لتوقّفه على ملك المسلم ، وهو لا يتحقّق في طرفه إلّا أن يسلم في يده أو يرثها ، بل بالإطعام.

مسألة ٢٣٢ : يجوز للمسلم أخذ مالٍ من نصرانيّ مضاربةً ، ولا يكره ذلك ؛ لأنّ المسلم لا يتصرّف إلّا فيما يسوغ.

ويكره للمسلم أن يدفع إلى المشرك مالاً مضاربةً ؛ لأنّ الكافر قد يتصرّف بما لا يسوغ في الشرع ، فإن فَعَل ، صحّ القراض.

وينبغي له إذا دفع إليه المال أن يشترط عليه أن لا يتصرّف إلّا بما يسوغ في شرعنا ، فإن شرط عليه ذلك فابتاع خمراً أو خنزيراً ، فالشراء باطل ، سواء ابتاعه بعين المال أو في الذمّة ؛ لأنّه خالف الشرطَ. ولا يجوز له أن يقبض الثمن ، فإن قَبَض الثمنَ ، ضمنه.

وإن لم يشترط عليه ذلك بل دفع المال إليه مطلقاً فابتاع ما لا يجوز ابتياعه ، فالبيع باطل ، فإن دفع الثمن ، فعليه الضمان أيضاً ؛ لأنّه ابتاع ما ليس بمباح عندنا.

وإطلاق العقد يقتضي أن يبتاع لربّ المال ما يملكه ربّ المال ،

____________________

(١) المائدة : ٤٢.

(٢) المائدة : ٤٩.

٣٨٨

فإذا(١) خالف ، ضمن.

فإن باع المضارب ونضّ المال ، فإن علم ربّ المال أنّه تصرّف في محظورٍ ، أو خالَط محظوراً ، لم يجز له قبضه ، كما لو اختلطت اُخته بأجنبيّاتٍ ، وإن علم أنّه عين المباح ، قَبَضه ، وإن شكّ ، جاز على كراهة.

ولو أكرى نفسه من ذمّيّ ، فإن كانت الإجارة في الذمّة ، صحّ ؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته. وإن كانت معيّنةً ، فإن استأجره ليخدمه شهراً أو يبني له شهراً ، صحّ أيضاً. وتكون أوقات العبادة مستثناةً منها.

مسألة ٢٣٣ : لو فَعَل الذمّيّ ما لا يجوز في شرع الإسلام ولا في شرعهم‌ - كالزنا واللواط والسرقة والقتل والقطع - كان الحكم في ذلك كالحكم بين المسلمين في إقامة الحدود ؛ لأنّهم عقدوا الذمّة بشرط أن يجرى عليهم أحكام المسلمين.

وإن كان ما يجوز في شرعهم - كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ونكاح المحارم - لم يتعرّض لهم ما لم يُظهروه ؛ لأنّا نُقرّهم عليه ، وترك التعرّض لهم فيه ؛ لأنّهم عقدوا الذمّة وبذلوا الجزية على هذا. فإن أظهروا ذلك وأعلنوه ، مَنَعهم الإمام وأدَّبهم على إظهاره.

قال الشيخ : وقد روى أصحابنا أنّه يُقيم عليهم الحدّ بذلك ، وهو الصحيح(٢) .

ولو جاء نصرانيّ باع من مسلم خمراً أو اشترى منه خمراً ، أبطلناه بكلّ حال تقابضا أو لا ، ورددنا الثمن إلى المشتري. فإن كان مسلماً ، استرجع الثمن ، وأرقنا الخمر ؛ لأنّا لا نقضي على المسلم بردّ الخمر ، وجاز إراقتها ؛ لأنّ الذمّيّ عصى بإخراجها إلى المسلم ، فيعاقب بإراقتها عليه. وإن‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فإن.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦١.

٣٨٩

كان المشتري المشركَ ، رددنا إليه الثمن ، ولا نأمر الذمّيّ بردّ الخمر ، بل يُريقها ؛ لأنّها ليست كمال الذمّيّ.

ونمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازاً للقرآن ، فإن اشترى ، لم يصح البيع.

وقال بعض الشافعيّة : يملكه ويلزم البيع(١) .

والأوّل أنسب بإعظام القرآن.

قال الشيخ : وكذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وآثار السلف وأقاويلهم - والأقوى عندي الكراهة - أمّا كتب النحو واللغة والشعر وباقي الأدب : فإنّ شراءها جائز لهم ؛ إذ لا حرمة لها(٢) .

مسألة ٢٣٤ : لو أوصى مسلم لذمّيٍّ بعبدٍ مسلم ، لم تصحّ الوصيّة ؛ لأنّ المشرك لا يملك المسلم.

وقال بعض الناس(٣) : تصحّ الوصيّة ، وتلزم برفع اليد عنه ، كما لو ابتاعه.

فعلى هذا لو أسلم وقَبِل الوصيّة ، صحّ ، وملكه بعد موت الموصي.

وعلى الأوّل لا يملكه وإن أسلم في حياة الموصي ؛ لأنّ الوصيّة وقعت في الأصل باطلةً.

ولو كان العبد مشركاً فأسلم العبد قبل موت الموصي ثمّ مات ، فقَبِله الموصى له ، لم يملكه ؛ لأنّ الاعتبار في الوصيّة حال اللزوم ، وهي حالة الوفاة.

وعلى القول الثاني يملكه ويرفع يده عنه.

ولو أوصى الذمّيّ ببناء كنيسة أو بيعة أو موضع عبادة لهم ، لم تصحّ ؛

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧ ، حلية العلماء ٤ : ١١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٤ ، المجموع ٩ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٢.

(٣) كما في المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٢ ، وانظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٣٩٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧ ، وروضة الطالبين ٣ : ١١.

٣٩٠

لأنّها في معصية.

وكذا لو أوصى أن يستأجر خدماً للبِيعة والكنيسة ، أو يعمل صلباناً ، أو يشتري مصباحاً أو يشتري أرضاً فيوقف عليها.

ولو أوصى الذمّيّ ببناء كنيسة تنزلها المارّة من أهل الذمّة أو من غيرهم ، أو وقفها على قومٍ يسكنونها ، أو جعل اُجرتها للنصارى ، جازت الوصيّة ؛ لأنّ نزولهم ليس بمعصية ، إلّا أن تبنى لصلواتهم.

وكذا لو أوصى للرهبان بشي‌ء ، صحّت الوصيّة ؛ لجواز صدقة التطوّع عليهم.

ولو أوصى أن يكون لنزول المارّة للصلاة فيه ، قيل : تبطل الوصيّة في الصلاة ، وتصحّ ( في نزول )(١) المارّة ، فتبنى كنيسة بنصف الثلث لنزول المارّة خاصّةً ، فإن لم يمكن ذلك ، بطلت الوصيّة(٢) .

وقيل : تبنى الكنيسة بالثلث ، وتكون لنزول المارّة ، ويُمنعون من الاجتماع للصلاة فيها(٣) .

ولو أوصى بشي‌ء تكتب به التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غير ذلك من الكتب القديمة ، بطلت الوصيّة ؛ لأنّها كتب محرَّفة مبدَّلة منسوخة.

وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً من داره فوجد في يد عمر صحيفةً ، فقال :

« ما هي؟ » فقال : من التوراة ، فغضب عليه ورماها من يده ، وقال : « لو كان موسى أو عيسى حيّين لما وسعهما إلّا اتّباعي »(٤) .

إذا ثبت(٥) هذا ، فإنّه يكره للمسلم اُجرة رمّ ما يستهدم من الكنائس والبِيَع من بناء ونجارة وغير ذلك ، وليس محرَّماً.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : لنزول.

(٢ و ٣) لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٣ : ٣٥٥ باختصار.

(٥) في « ق » : « عرفت » بدل « ثبت ».

٣٩١

الفصل السادس : في قتال أهل البغي‌

الأصل في ذلك قول الله تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (١) .

قيل : وردت في طائفتين من الأنصار وقع بينهم [ قتال ](٢) فلمـّا نزلت ، قرأها عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقلعوا. وليس فيها تعرّضٌ للخروج والبغي على الإمام ، ولكن إذا اُمرنا بقتال طائفة بغَتْ على طائفة اُخرى ، فلأن نقاتل الذين بغوا على الإمام إلى أن يفيئوا إلى أمر الله أولى(٣) .

والمراد بالباغي في عرف الفقهاء : المخالف للإمام العادل ، الخارج عن طاعته بالامتناع عن أداء ما وجب عليه بالشرائط الآتية. وسُمّي باغياً إمّا لتجاوزه الحدّ المرسوم له ، والبغي : مجاوزة الحدّ.

وقيل : لأنّه ظالم بذلك ، والبغي : الظلم. قال الله تعالى :( ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ) (٤) أي : ظُلم(٥) .

وقيل : لطلبه الاستعلاء على الإمام ، من قولهم : بغى الشي‌ء ، أي : طلبه(٦) .

مسألة ٢٣٥ : قتال أهل البغي واجب بالنصّ والإجماع.

____________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٦٩ - ٧٠.

(٤) الحجّ : ٦٠.

(٥ و ٦) كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٦٩.

٣٩٢

قال الله تعالى :( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ) (١) .

وروى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ حمل علينا السلاح فليس منّا »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول عليعليه‌السلام : « القتال قتالان : قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يُسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ، وقتال لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتى يفيئوا إلى أمر الله أو يُقتلوا »(٣) .

ولا خلاف بين المسلمين كافّة في وجوب جهاد البُغاة ، وقد قاتل عليٌّعليه‌السلام ثلاثَ طوائف : أهل البصرة يوم الجمل : عائشة وطلحة والزبير وعبد الله بن الزبير وغيرهم ، وهُم الناكثون الذين بايعوه ونكثوا بيعته. وقاتل أهلَ الشام معاوية ومَنْ تابعه ، وهُم القاسطون ، أي : الجائرون. وقاتل أهلَ النهروان : الخوارج ، وهُم المارقون ، وقد أخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين »(٤) .

قال الشيخرحمه‌الله : وهؤلاء كلّهم عندنا محكوم بكفرهم ، لكن ظاهرهم الإسلام. وعند الفقهاء أنّهم مسلمون لكن قاتلوا الإمامَ العادل ، فإنّ الإمامة كانت لعليُّعليه‌السلام بعد عثمان عندهم(٥) .

والأصل في ذلك : أنّ الإمامة عندنا من شرائط الإيمان ، فلا يستحقّ‌

____________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) صحيح البخاري ٩ : ٦٢ ، صحيح مسلم ١ : ٩٨ و ٩٩ / ٩٨ و ١٠٠ و ١٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٦٠ / ٢٥٧٥ ، مسند أحمد ٣ : ١٤٤ / ٩١٢٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١١٤ / ٣٣٥ ، و ٦ : ١٤٤ / ٢٤٧.

(٤) المستدرك - للحاكم - ٣ : ١٤٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٦٤.

٣٩٣

الثواب الدائم إلّا به.

مسألة ٢٣٦ : قد جرت العادة بين الفقهاء أن يذكروا الإمامة في هذا الموضع‌ ليُعرف الإمام الذي يجب اتّباعه ، ويصير الإنسان باغياً بالخروج عليه ، وليست من علم الفقه ، بل هي من علم الكلام ، فلنذكر كلاماً مختصراً ، فنقول‌ يشترط في الإمام اُمور :

الأوّل : أن يكون مكلّفاً ؛ فإنّ غيره مولّى عليه في خاصّة نفسه ، فكيف يلي أمر الاُمّة!

الثاني : أن يكون مسلماً ليراعي مصلحة المسلمين والإسلام ، وليحصل الوثوق بقوله ، ويصحّ الركون إليه ؛ فإنّ غير المسلم ظالم وقد قال الله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١) .

الثالث : أن يكون عدلا ؛ لما تقدّم ؛ فإنّ الفاسق ظالم ولا يجوز الركون إليه والمصير إلى قوله ؛ للنهي عنه في قوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٢) . ولأنّ الفاسق ظالم ، فلا ينال مرتبة الإمامة ، لقوله تعالى :( لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٣) .

الرابع : أن يكون حُرّاً ؛ فإنّ العبد مشغول بخدمة مولاه لا يتفرّغ للنظر في مصالح المسلمين. ولأنّ الإمامة رئاسة عامّة والعبد مرؤوس ، وهي من المناصب الجليلة ، فلا تليق به.

الخامس : أن يكون ذَكَراً ليُهاب ، وليتمكّن من مخالطة الرجال ،

____________________

(١ و ٢) هود : ١١٣.

(٣) البقرة : ١٢٤.

٣٩٤

ويتفرّغ للنظر ؛ فإنّ المرأة ناقصة العقل.

السادس : أن يكون عالماً ، ليعرف الأحكام ويعلّم الناس ، فلا يفوت الأمر عليه بالاستفتاء والمراجعة.

السابع : أن يكون شجاعاً ، ليغزو بنفسه ، ويعالج الجيوش ، ويقوى على فتح البلاد ، ويحمي بيضة الإسلام.

الثامن : أن يكون ذا رأي وكفاية ؛ لافتقار قيام نظام النوع إليه.

التاسع : أن يكون صحيح السمع والبصر والنطق ، ليتمكّن من فصل الاُمور. وهذه الشرائط غير مختلف فيها.

العاشر : أن يكون صحيح الأعضاء ، كاليد والرِّجْل والاُذن. وبالجملة اشتراط سلامة الأعضاء من نقصٍ يمنع من استيفاء الحركة وسرعة النهوض. وهو أولى قولي الشافعيّة(١) .

الحادي عشر : أن يكون من قريش ؛ لقولهعليه‌السلام : « الأئمّة من قريش »(٢) وهو أظهر قولي الشافعيّة(٣) .

وخالف فيه الجويني(٤) ، مع أنّه لا خلاف في أنّ أبا بكر احتجّ على‌

____________________

(١) الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٣.

(٢) المستدرك - للحاكم - ٤ : ٧٦ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ : ١٦٩ - ١٧٠ / ١٢٤٣٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١ : ٢٥٢ / ٧٢٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢١ ، و ٨ : ١٤٤ ، مسند أحمد ٤ : ٢٩ / ١٢٤٨٩ ، و ٥ : ٥٧٩ / ١٩٢٧٨.

(٣) الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٢.

(٤) الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧١.

٣٩٥

الأنصار يوم السقيفة به(١) ، وبذلك أخذت الصحابة بعده.

قالت الشافعيّة : فإن لم يُوجد في قريش مَنْ يستجمع الصفات المعتبرة ، نُصب كنانيٌّ ، فإن لم يُوجد ، فرجلٌ من ولد إسماعيلعليه‌السلام (٢) .

وهو باطل عندنا ؛ لأنّ الإمامة عندنا محصورة في الاثني عشرعليهم‌السلام على ما يأتي.

ثمّ إنّ قريشاً ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ، فعلى قولهم : « إذا لم يُوجد قرشي ، ينبغي نصب كنانيّ » ينبغي أنّه إذا لم يُوجد كنانيٌّ ، نُصب خزيميّ وهكذا يرتقي إلى أبٍ بعد أبٍ إلى أن ينتهي إلى إسماعيلعليه‌السلام .

فإن لم يُوجد من ولد إسماعيل مَنْ يصلح لذلك ، قال بعضهم : يُولّى رجلٌ من العجم(٣) .

وقال بعضهم : يُولّى جُرْهُميٌّ ، وجُرْهُم أصل العرب ، وفيهم تزوّج إسماعيلعليه‌السلام حين أنزله أبوهعليه‌السلام أرضَ مكة. فإن لم يوجد جُرْهميُّ ، فرجلٌ من نسل إسحاق(٤) .

ولا يشترط أن يكون هاشميّاً عندهم(٥) .

الثاني عشر : يجب أن يكون الإمام معصوماً عند الشيعة ؛ لأنّ المقتضي لوجوب الإمامة ونصب الإمام جواز الخطأ على الاُمّة ، المستلزم لاختلال النظام ؛ فإنّ الضرورة قاضية بأنّ الاجتماع مظنّة التنازع والتغالب ، فإنّ كلّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧١ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ : ٢٢٠ ، والكامل في التاريخ ٢ : ٣٢٥.

(٢ - ٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٣.

٣٩٦

واحد من بني النوع يشتهي ما يحتاج إليه ، ويغضب على مَنْ يزاحمه في ذلك ، وتدعوه شهوته وغضبه إلى الجور على غيره ، فيقع من ذلك الهرج والمرج ، ويختلّ أمر الاجتماع ، مع أنّ الاجتماع ضروريّ لنوع الإنسان ؛ فإنّ كلّ شخص لا يمكنه أن يعيش وحده ، لافتقاره إلى غذاء وملبوس ومسكن ، وكلّها صناعيّة لا يمكن أن تصدر عن صانعٍ واحد إلّا في مدّة لا يمكن أن يعيش تلك المدّة فاقداً لها ، أو يتعسّر إن أمكن ، وإنّما يتيسّر لجماعة يتعاونون ويتشاركون في تحصيلها ، يفرغ كلّ واحد منهم لصاحبه عن بعض ذلك ، فيتمّ النظام بمعاوضة عملٍ بعمل ومعاوضة عملٍ باُجرة ، فلهذا قيل : الإنسان مدنيُّ بالطبع ، فلا بدّ حينئذٍ من سلطانٍ قاهر ، مُطاع ، نافذ الأمر ، متميّز عن غيره من بني النوع ، وليس نصبه مفوّضاً إليه ، وإلّا وقع المحذور ، ولا إلى العامّة ؛ لذلك أيضاً ، بل يكون من عند الله تعالى.

ولا يجوز وقوع الخطأ منه ، وإلّا لوجب أن يكون له إمام آخر ، ويتسلسل ، فلهذا وجب أن يكون معصوماً.

ولأنّه تعالى أوجب علينا طاعته وامتثال أوامره ؛ لقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) وذلك عامّ في كلّ شي‌ء ، فلو لم يكن معصوماً ، لجاز أن يأمر بالخطإ ، فإن وجب علينا اتّباعه ، لزم الأمر بالضدّين ، وهو محال ، وإن لم يجب ، بطل العمل بالنصّ.

ويجب عندهم أن يكون معصوماً من أوّل عمره إلى آخره ؛ لسقوط محلّه‌

____________________

(١) النساء : ٥٩.

٣٩٧

عند الناس لولاه.

الثالث عشر : أن يكون منصوصاً عليه من الله تعالى ، أو من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو ممّن ثبتت إمامته بالنصّ فيهما ؛ لأنّ العصمة من الاُمور الخفيّة التي لا يمكن الاطّلاع عليها ، فلو لم يكن منصوصاً عليه ، لزم تكليف ما لا يطاق. والنصّ من الله تعالى يُعلم إمّا بالوحي على نبيّهعليه‌السلام ، أو بخلق مُعجزٍ(١) على يده عقيب ادّعائه الإمامة.

الرابع عشر : أن يكون أفضلَ أهل زمانه ، ليتحقّق التميز عن غيره.

ولا يجوز عندنا تقديم المفضول على الفاضل - خلافاً لكثير من العامّة(٢) - للعقل والنقل.

أمّا العقل : فإنّ الضرورة قاضية بقبحه.

وأمّا النقل : فقوله تعالى :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٣) وهذه صيغة تعجّبٍ من الله تعالى ، دالّة على شدّة الإنكار ؛ لامتناعه في حقّه تعالى.

والأفضليّة تتحقّق بالعلم والزهد والورع وشرف النسب والكرم والشجاعة وغير ذلك من الأخلاق الحميدة(٤) .

الخامس عشر : أن يكون منزَّهاً عن القبائح ؛ لدلالة العصمة عليه. ولأنّه يكون مستحقّاً للإهانة والإنكار عليه ، فيسقط محلّه من قلوب العامّة ، فتبطل فائدة نصبه. وأن يكون منزَّهاً عن الدناءات والرذائل ، كاللعب‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : معجزة.

(٢) اُنظر : الأحكام السلطانيّة - للماوردي - ٨ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٢ ، وروضة الطالبين ٧ : ٢٦٣.

(٣) يونس : ٣٥.

(٤) في متن الطبعة الحجريّة : « الجميلة » بدل « الحميدة ». وفي هامشها كما هنا.

٣٩٨

والأكل في الأسواق وكشف الرأس بين الناس وغير ذلك ممّا يُسقط محلَّه ويوهن مرتبتَه. وأن يكون منزَّهاً عن دناءة الآباء وعهر الاُمّهات. وقد خالفت العامّة في ذلك كلّه.

مسألة ٢٣٧ : وإنّما تنعقد الإمامة بالنصّ عندنا على ما سبق. ولا تنعقد بالبيعة ، خلافاً للعامّة بأسرهم ؛ فإنّهم أثبتوا إمامة أبي بكر بالبيعة ، ووافقونا على صحّة الانعقاد بالنصّ ، لكنّهم جوّزوا انعقادها باُمور :

أحدها : البيعة(١) . واختلفوا في عدد الذين تنعقد الإمامة ببيعتهم.

فقال بعضهم : لا بدّ من أربعين ؛ لأنّ عهد الإمامة أعظم خطراً من عقد الجُمُعة ، وهذا العدد معتبر في الجُمُعة عند الشافعيّة ففي البيعة أولى(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يكفي أربعة ؛ لأنّه أكمل نُصُب الشهادات(٣) .

وقال بعضهم : ثلاثة ؛ لأنّ الثلاثة مطلق الجمع ، فإذا اتّفقوا ، لم يجز مخالفة الجماعة(٤) .

وقال بعضهم : اثنان ؛ لأنّ أقلّ الجمع اثنان(٥) .

وقال بعضهم : واحد ؛ لأنّ عمر بن الخطّاب بايع أبا بكر أوّلاً ثمّ وافقه الصحابة(٦) .

وقال بعضهم : يعتبر بيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يسهل حضورهم ، ولا يشترط اتّفاق أهل الحلّ والعقد في سائر البلاد ، بل إذا وصل الخبر إلى أهل البلاد البعيدة ، فعليهم الموافقة والمتابعة(٧) . وعلى هذا فلا يتعيّن للاعتبار عدد ، بل لا يشترط العدد ، فلو تعلّق الحلّ والعقد بواحد مُطاع ، كفت بيعته لانعقاد الإمامة(٨) .

____________________

(١ - ٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٢ - ٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٣.

(٧) في « ق » : « المبايعة » بدل « المتابعة ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٤.

٣٩٩

قالوا : ولا بدّ وأن يكون الذين يبايعون بصفات الشهود حتى لو كان واحداً ، شرط ذلك فيه.

وهل يشترط في البيعة حضور شاهدين؟ وجهان للشافعيّة.

ويشترط في انعقاد البيعة أن يُجيب الذين يبايعونه ، فإن امتنع ، لم تنعقد إمامته(١) .

الأمر الثاني : استخلاف الإمام قبله ، وعهده إليه ، كما عهد أبو بكر إلى عمر. وانعقد الإجماع بينهم على جوازه(٢) .

قالوا : والاستخلاف أن يجعله خليفةً في حياته ثمّ يخلفه بعد موته(٣) .

ولو أوصى له بالإمامة من بعده ، ففيه وجهان عندهم ؛ لأنّه بالموت يخرج عن الولاية ، فلا يصحّ منه تولية الغير(٤) .

ويشكل بأنّ مرادهم بجعله خليفةً في حياته إن كان استنابه ، فلا يكون عهداً إليه بالإمامة ، أو جعله إماماً في الحال ، فهذا إمّا خلعٌ لنفسه أو اجتماع إمامين في وقتٍ واحد ، أو جعله إماماً بعد موته ، وهذا معنى لفظ الوصيّة(٥) .

ولو جعل الأمر شورى بين اثنين فصاعداً بعده ، كان كالاستخلاف ، إلّا أنّ المستخلَف غير معيّن ، فيحتاج إلى تشاورهم اتّفاقهم على جعل واحد منهم خليفة ، كقضيّة عمر حيث جعل الأمر شورى في ستّة(٦) .

ثمّ اختلفوا في أنّه هل يشترط في المـُولّى شروط الإمامة من وقت العهد إليه حتى لو كان صغيراً أو فاسقاً عند العهد ، بالغاً عدلاً عند موت المـُولّي ، لم ينصب إماماً إلّا أن يبايعه أهل الحلّ والعقد؟(٧) وبعضهم لم يشترط ذلك(٨) .

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٣ - ٧٤.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٤ - ٢٦٥.

(٧ و ٨) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٥.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458