تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195990 / تحميل: 5939
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

١٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن جندب قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ »(١) قال إمام إلى إمام

حتى أن لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه ، قالوا : اليهود والنصارى تعني يا رسول الله؟ قال : فمن أعني لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة وآخر الصلاة.

ويحتمل أن يكون المراد تطابق أحوال خلفاء الجور في الشدة والفساد ، قال البيضاوي «طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » ، أي حالا بعد حال مطابقة لأختها في الشدة أو مراتب الشدة بعد المراتب.

الحديث الثامن عشر : ضعيف.

«وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ » قال الطبرسي (ره) : أي فصلنا لهم القول وبينا عن ابن عباس ، ومعناه آتينا بآية بعد آية ، وبيان بعد بيان وأخبرناهم بأخبار المهلكين من أممهم «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » ، أي ليتذكروا أو يتفكروا فيعلموا الحق ويتفطنوا ، وقال البيضاوي : أي أتبعنا بعضه بعضا في الإنزال ليتصل التذكير أو في النظم ، ليتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد ، والنصائح بالعبر.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام يحتمل وجهين : الأول : أن يكون المعنى قول إمام في حق إمام آخر ، ونصه عليه ، فقوله : إلى إمام ، يعني مفوضا أمره إلى إمام آخر والثاني : أن يكون المراد بالقول الحكم والأحكام والمعارف ، أي وصلناها لهم بنصب إمام بعد إمام ، فالمعنى موصلا إلى إمام من لدن آدم إلى انقراض الدنيا ، فيكون مناسبا لما مر من قصص الأنبياءعليهم‌السلام ، ويؤيده ما رواه علي بن إبراهيم بسند آخر عنهعليه‌السلام وفيه قال : إمام بعد إمام.

ويحتمل أن يكون المراد بالقول القول بالإمامة أي كلما مضى إمام لا بد لهم من القول بإمامة إمام آخر ، أو المراد قوله تعالى : «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »(٢)

__________________

(١) سورة القصص : ٥٠.

(٢) سورة البقرة : ٣٠.

٢١

١٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان ، عن سلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى : «قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا »(١) قال إنما عنى بذلك علياعليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين وجرت بعدهم في الأئمةعليهم‌السلام ثم يرجع القول من الله في الناس فقال «فَإِنْ آمَنُوا » يعني الناس

أي هذا الوعد والتقدير متصل إلى آخر الدهر.

الحديث التاسع عشر : مجهول.

« في قوله تعالى » الآية في سورة البقرة هكذا : «وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ،قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » وذكر المفسرون أن الخطاب في قوله : «قُولُوا » للمؤمنينلقوله : فإن آمنوا بمثل آمنتم به ، وضمير آمنوا لليهود والنصارى «بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ » قال البيضاوي : من باب التعجيز والتبكيت كقوله تعالى : «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ »(٢) إذ لا مثل لما آمن به المسلمون ، ولا دين كدين الإسلام ، وقيل : الباء للآلة دون التعدية ، والمعنى أن تحروا الإيمان بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم ، فإن وحدة المقصد لا تأتي بطرق متعددة أو مزيدة للتأكيد كقوله : «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها »(٣) والمعنى فإن آمنوا بالله إيمانا مثل أيمانكم أو المثل مقحم كما في قوله : «وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ »(٤) أي عليه «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ » أي إن أعرضوا من الإيمان أو عما تقولون لهم فما هم إلا في شقاق الحق ، وهي المناواة والمخالفة ، فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر ، انتهى.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٦.

(٢) سورة البقرة : ٢٣.

(٣) سورة الشورى : ٤٠.

(٤) سورة الأحقاف : ١٠.

٢٢

«بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ » يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمةعليهم‌السلام «فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ ».

٢٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى : «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ

وتأويلهعليه‌السلام يرجع إلى ذلك لكن خص الخطاب بكل المؤمنين الموجودين في ذلك الزمان ، ثم من كان بعدهم من أمثالهم كما في سائر الأوامر المتوجهين إلى الموجودين في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشاملة لمن وجد بعدهم وهو أظهر من توجه الخطاب إلى جميع المؤمنين ، لقوله : «وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا » لأن الإنزال ابتداء حقيقة على من كان في بيت الوحي وأمر بتبليغه ، ولأنه قرن بما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وسائر النبيين ، فكما أن المنزل إليهم في قرينه هم النبيون والمرسلون ، ينبغي أن يكون المنزل إليهم أولا أمثالهم وأضرابهم من الأوصياء والصديقين ، فضمير آمنوا راجع إلى سائر الناس غيرهم من أهل الكتاب وقريش وغيرهم ، فظهر أن ما ذكرهعليه‌السلام أظهر مما ذكره المفسرون.

والظاهر أن المشار إليه بذلك الخطاب بقوله : قولوا وإن سقط من الخبر ، لما رواه العياشي بإسناده عن المفضل بن صالح عن بعض أصحابه في قوله : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ، الآية ، أما قوله : قولوا فهم آل محمدعليهم‌السلام لقوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ، وعلى ما في هذه الرواية يحتمل أن يكون المراد إنما عنى بضميري آمنا وإلينا والمآل واحد ، ثم على تفسيرهعليه‌السلام يدل على إمامتهم وجلالتهمعليهم‌السلام ، وكون المعيار في الاهتداء متابعتهم في العقائد والأعمال والأقوال ، وأن من خالفهم في شيء من ذلك فهو شقاق ونفاق.

الحديث العشرون : ضعيف على المشهور.

«إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ » أي أحق الناس بالانتساب به وكونه على ملته

٢٣

اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا »(١) قال هم الأئمةعليهم‌السلام ومن اتبعهم.

٢١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن مالك الجهني قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله عز وجل : «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ »(٢) قال من بلغ أن يكون إماما من

الحنيفية ومتابعته في التوحيد الخالص ، وقال الطبرسي (ره) أي أحق الناس بنصرة إبراهيم بالحجة أو بالمعونة للذين اتبعوه في وقته وزمانه ، وتولوه بالنصرة على عدوه حتى ظهر أمره وعلت كلمته «وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » يتولون نصرته بالحجة لما كان عليه من الحق وتنزيه كل عيب عنه ، أي هم الذين ينبغي أن يقولوا إنا على دين إبراهيم ولهم ولايته «وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » لأنه يتولى نصرتهم وإنما أفرد الله النبي بالذكر تعظيما لأمره وإجلالا لقدره ، وفي الآية دلالة على أن الولاية تثبت بالدين لا بالنسب ، ويعضد ذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم ، بما جاءوا به ، ثم تلا هذه الآية فقال : إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته(٣) وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته ، انتهى.

وقال البيضاوي «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ » ، أي أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب «لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » من أمته «وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الأصالة ، وقرئ وهذا النبي بالنصب عطفا على الهاء في اتبعوه ، وبالجر عطفا على إبراهيم ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : هم الأئمة ومن اتبعهم ، لا ريب في أن المؤمن لا يطلق إلا عليهم وعلى من اتبعهم وسائر الفرق منافقون بل مشركون.

الحديث الحادي والعشرون : كالسابق.

«وَمَنْ بَلَغَ » أكثر المفسرين جعلوه معطوفا على ضمير المخاطب فيقوله : «لِأُنْذِرَكُمْ » ووجهوا الخطاب إلى الحاضرين أو الموجودين ، وفسروا من بلغ بمن

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦٧.

(٢) سورة الأنعام : ١٨.

(٣) اللُحمة ـ بضمّ اللام وسكون الحاء ـ : القرابة.

٢٤

آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن مفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً »(١) قال عهدنا إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم أنهم هكذا وإنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به

بلغه من الغائبين أو المعدومين ، وعلى تفسيرهعليه‌السلام في موضع رفع عطفا على الضمير المرفوع « في أنذركم » ويجوز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، وقيل : هو مبتدأ بتقدير من بلغ فهو ينذركم ، فيكون من عطف الجملة على الجملة ، والمراد بمن بلغ حينئذ من كمل أو وصل حد الإنذار وصار أهلا له.

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف.

قوله : فترك ، تفسير للنسيان بالترك كما فسر به أكثر المفسرون أيضا ، قال الطبرسي (ره) في تفسير هذا الآية : أمرناه وأوصينا إليه أن لا يقرب الشجرة ولا يأكل منها فترك الأمر عن ابن عباس «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » ثابتا وقيل : معناه فنسي من النسيان الذي هو السهو ، ولم نجد له عزما على الذنب لأنه أخطأ ولم يتعمد ، وقيل : ولم نجد له حفظا لما أمر به ، انتهى.

ولم يكن له عزم ، كأنه محمول على أنه لم يكن له اهتمام تام وسرور بهذا الأمر ومزيد تذكر له وتبجج به كما كان لغيره من أولي العزم وكان اللائق بحاله ذلك فترك الأولى وإلا فعصمتهعليه‌السلام ونبوته وجلالته تمنع من أن ينسب إليه عدم قبول ما أوحى الله إليه ، وعدم الرضا بقضائه تعالى ، وقيل : أي ترك التوسل بهمعليهم‌السلام بعد ارتكاب الخطيئة حتى ألهمه الله ذلك.

__________________

(١) سورة طه : ١١٤.

٢٥

٢٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن محمد بن عيسى القمي ، عن محمد بن سليمان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ » كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمةعليهم‌السلام من ذريتهم «فَنَسِيَ » هكذا والله نزلت على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن خالد بن ماد ، عن محمد بن الفضل ، عن الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أوحى الله إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(١) قال إنك

الحديث الثالث والعشرون ضعيف.

« هكذا والله نزلت » ظاهر بل صريح في التنزيل ، وتأويله بالتأويل بأن يكون المعنى قال جبرئيلعليه‌السلام عند نزوله أن معناه هذا في غاية البعد.

الحديث الرابع والعشرون مجهول.

والأخبار في تفسير الصراط بالأئمةعليهم‌السلام وولايتهم كثيرة ، والصراط ما يؤدي الناس إلى مقصودهم ، وهم صراط الله المستقيم الذي لا يوصل إلى الله وطاعته وقربه ورضوانه إلا بولايتهم ، والقول بإمامتهم وطاعتهم ، وصراط الآخرة صورة هذا الصراط فمن استقام على هذا الصراط في الدنيا يجوز صراط الآخرة آمنا إلى الجنة كما روى الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن المفضل قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصراط فقال : هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل ، وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم ، فقوله تعالى : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ » أي بجميعها الذي عمدتها ولاية علي وسائر الأئمةعليهم‌السلام ، فإن بها يتم ويعرف ما سواها قولا وعملا وتبليغا ، فإنك على الدين الحق الذي عمدتها الولاية فلا تقصر في تبليغها ودعوة الناس إليها خوفا من المنافقين.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٢.

٢٦

على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم.

٢٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال نزل جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما

قال ابن شهرآشوب (ره) في المناقب بعد إيراد هذه الرواية : معنى ذلك أن علي بن أبي طالب الصراط إلى الله كما يقال فلان باب السلطان إذا كان يوصل به إلى السلطان ، ثم الصراط الذي عليه عليعليه‌السلام يدلك وضوحا على ذلك قوله : صراط الذين أنعمت عليهم ، يعني نعمة الإسلام ، لقوله «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ »(١) والعلم :

«وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ »(٢) والذرية الطيبة «إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً »(٣) الآية وإصلاح الزوجات لقوله : «فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ »(٤) فكان عليعليه‌السلام في هذه النعم في أعلى ذراها.

الحديث الخامس والعشرون ضعيف.

«بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ » الآية هكذا : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ » قال البيضاوي : ما نكرة بمعنى شيء مميزة لفاعل بئس المستكن « واشتروا » صفة ومعناه باعوا أو شروا بحسب ظنهم فإنهم ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم من العقاب بما فعلوا «أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ » هو المخصوص بالذم «بَغْياً » طلبا لما ليس لهم وحسدا ، وهو صلة يكفروا دون اشتروا للفصل «أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ » أي لأن ينزل أي حسدوه على أن ينزل الله من فضله يعني الوحي «عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » على من اختاره للرسالة ، انتهى.

والآية في سياق ذكر أحوال اليهود ، فلو كان قوله في علي تنزيلا يكون ذكر

__________________

(١) سورة لقمان : ٢٠.

(٢) سورة النساء : ١١٣.

(٣) سورة آل عمران : ٣٣.

(٤) سورة الأنبياء : ٩٠.

٢٧

«أَنْزَلَ اللهُ » في علي «بَغْياً »(١) .

٢٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر قال نزل جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية على محمد هكذا «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي

ذلك بين أحوال اليهود لبيان أن المنكرين لولاية عليعليه‌السلام بمنزلة اليهود في إنكار ما أنزل الله ، ولو كان تأويلا يحتمل وجهين :

الأول : أن عمدة ما أنزل الله الولاية كما عرفت.

والثاني : أن ظهر الآية في اليهود وبطنه في أضرابهم من المنكرين لما أنزل الله في علي ، فإن الآية النازلة في جماعة لا تختص بهم بل تجري في أمثالهم ، وأشباههم إلى يوم القيامة.

الحديث السادس والعشرون كالسابق.

وكان الأولى وبهذا الإسناد عن جابر ، ولعله إشارة أنه أخذ من كتاب ابن سنان.

«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا » قال البيضاوي : إنما قال «مِمَّا نَزَّلْنا » لأن نزوله نجما فنجما بحسب الوقائع كما يري عليه أهل الشعر والخطابة مما يريبهم كما حكى الله عز وجل عنهم «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً » فكان الواجب تحديهم على هذا الوجه إزاحة للشبهة ، وإلزاما للحجة ، وأضاف العبد إلى نفسه تنويها بذكره وتنبيها على أنه مختص به منقاد لحكمه ، والسورة : الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات «مِنْ مِثْلِهِ » صفة سورة أي بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزلنا ، ومن للتبعيض أو للتبيين ، وزائدة عند الأخفش أي بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة وحسن النظم أو لعبدنا ومن للابتداء أي بسورة كائنة ممن هو على حاله مع كونه بشرا أميا لم يقرأ الكتب ولم يتعلم العلوم أو صلة فأتوا والضمير للعبد ، والرد إلى المنزل أوجه لأنه المطابق لسائر الآيات ، انتهى.

وتتمة الآية : «وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » أي ادعوا لمعارضة من

__________________

(١) سورة البقرة : ٩٠.

٢٨

رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا » في علي «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ »(١) .

٢٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال نزل جبرئيلعليه‌السلام على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الآية هكذا «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا » في علي «نُوراً مُبِيناً »(٢) .

حضركم أو من رجوتم معونته من جنكم وإنسكم وآلهتكم غير الله إن كنتم صادقين أنه من كلام البشر ، والرواية تدل على أن شكهم كان فيما يتلوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن عليعليه‌السلام فرد الله عليهم بأن القرآن معجز لا يمكن أن يكون من عند غيره سبحانه ، فما نزل فيهعليه‌السلام من عنده سبحانه ، وظاهر الخبر أنه تنزيل وأول بالتأويل كما مر.

الحديث السابع والعشرون كالسابق.

وليس في المصحف هكذا ، بل صدر الآية في أوائل سورة النساء هكذا : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً » وآخرها في أواخر تلك السورة هكذا : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً » وكأنه سقط من الخبر شيء ، وكانعليه‌السلام ذكر اسمهعليه‌السلام في الموضعين فسقط آخر الآية الأولى واتصلت بآخر الآية الثانية لتشابه الآيتين ، وكثيرا ما يقع ذلك ، ويحتمل أن يكون في مصحفهمعليهم‌السلام إحدى الآيتين هكذا وعلى الأول ظاهره التنزيل ويحتمل التأويل أيضا كما عرفت مرارا.

ولا يتوهم أن قوله في الآية الأولى «مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ » ينافي ذلك على الاحتمال الأول ، لأن معاداة أهل الكتاب لأمير المؤمنينعليه‌السلام كانت أشد منها لغيره لأنهعليه‌السلام قتل كثيرا منهم بيده ، فيحتمل أن يكون الخطاب إليهم وقوله : مصدقا لما معكم لأنه كان اسمهعليه‌السلام كاسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثبتا عندهم في كتبهم كما دلت عليه الأخبار الكثيرة ، وكذا قوله : أوتوا الكتاب ، وإن احتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣.

(٢) راجع الشرح.

٢٩

٢٨ ـ علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي طالب ، عن يونس بن بكار ، عن أبيه ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ » في علي «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ »(١) .

٢٩ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن مثنى الحناط ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ

الحديث الثامن والعشرون مجهول.

والآية في سورة النساء وقبلها : «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ، وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ ،وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » وقد مر في باب التسليم أن الخطاب في قوله تعالى : جاءوك ، ويحكموك ، وقضيت ، لأمير المؤمنينعليه‌السلام فيحتمل أن يكون «ما يُوعَظُونَ » به في علي إشارة إلى هذا ويحتمل التنزيل والتأويل كما مر.

الحديث التاسع والعشرون ضعيف على المشهور.

والسلم الإسلام أو الاستسلام والانقياد ، والولاية داخلة فيهما بل أعظم أجزائهما ، قال الطبرسي (ره) : ادخلوا في السلم أي في الإسلام ، وقيل : الطاعة وهذا أعم ويدخل فيه ما رواه أصحابنا من أن المراد به الدخول في الولاية كافة أي ادخلوا جميعا في الاستسلام والطاعة ،ولا تتبعوا خطوات الشيطان أي آثاره ونزغاته لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع للشيطان.

وروى العياشي في تفسيره بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، قال

__________________

(١) سورة النساء : ٦.

٣٠

عَدُوٌّ مُبِينٌ »(١) قال في ولايتنا.

٣٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله جل وعز : «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا » قال ولايتهم «وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى » قال ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام «إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى »(٢) .

٣١ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن علي ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال «أَفَكُلَّما جاءَكُمْ (محمد)بِما

أتدري ما السلم؟ قال : أنت أعلم ، قال : ولاية علي والأئمة والأوصياء من بعدهعليهم‌السلام قال : وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان.

الحديث الثلاثون ضعيف على المشهور.

« قال : ولايتهم » عبر عن ولايتهم بالحياة الدنيا لأنها سبب لجمعها وحيازتها ، ولهذا اختارها الأشقياء على ولاية إمام الحق لأنهعليه‌السلام كان يقسم بالسوية ، وهم كانوا يؤثرون الكبراء والأشراف فمالوا إليهم وقووا بذلك ، وكذا عبر عن ولايتهعليه‌السلام بالآخرة ، لأنها سبب للحياة الأبدية الأخروية ، ثم رغب في اختيار الآخرة باختيار ولايته بأنها خير وأبقى ، ثم قال «إِنَّ هذا » أي كون الآخرة خيرا وأبقى أو كون ولاية علي سببا لحصول ما هو خير وأبقى ، أو أصل الولاية «لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى » مذكورة فيها ثم بين الصحف الأولى بأنها صحف إبراهيم وموسى ، وفي بعض النسخ بدل ولايتهم ولاية شبويه ، بالباء الموحدة ثم المثناة التحتانية نسبة إلى شبوة وهي العقرب أو إبرتها كأنهعليه‌السلام شبه الجائر بالعقرب.

الحديث الحادي والثلاثون ضعيف.

«جاءكم محمد» الآية في سورة البقرة هكذا : «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٠.

(٢) سورة الأعلى : ١٦ ـ ١٨.

٣١

لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ( بموالاة علي)فاسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً ( من آل محمد )كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ »(١) .

٣٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، عن الرضاعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ (بولاية علي)ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ »(٢) يا محمد من ولاية علي هكذا في الكتاب مخطوطة.

رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » والخطاب ظاهرا إلى اليهود فلو كان ما ذكرهعليه‌السلام تنزيلا كان وجه توجه الخطاب إليهم ما تقدم ذكره من شدة عداوتهم لهعليه‌السلام وكونهعليه‌السلام حاميا للدين وحافظا للملة التي كانوا يريدون إزالتها ، ولو كان تأويلا فيحتمل ذلك ويحتمل كون المراد جريان حكم الآية في كل من عارض الحق بهواه ، وأشدهم في ذلك الناصبون المنكرون للإمامة.

قال البيضاوي :بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ، بما لا تحبه ، يقال : هوى بالكسر هوى إذا أحب ، وهوى بالفتح هويا بالضم سقط ، وسقطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به توبيخا لهم على تعقيبهم ذاك بهذا ، وتعجيبا من شأنهم ، ويحتمل أن يكون استينافا والفاء للعطف على مقدر «اسْتَكْبَرْتُمْ » عن الإيمان واتباع الرسل «فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ » كموسى وعيسى ، والفاء للسببية أو التفصيل «وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » كزكريا ويحيى ، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضارا لها في النفوس فإن الأمر فظيع ومراعاة للفواصل ، أو للدلالة على أنكم بعد فيه ، فإنكم حول قتل محمد لو لا أني أعصمه منكم ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة ، انتهى.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام لا يحتاج إلى تكلف.

الحديث الثاني والثلاثون ضعيف على المشهور.

« مخطوطة » أي مكتوبة وهو صريح في التنزيل وحمله على التأويل بأن يكون المراد أنها مخطوطة شرحا وتفسيرا للآية ، أو كون المراد أنها مكتوبة في الكتاب من الكتب التي عندهم لا القرآن بعيد.

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٧.

(٢) سورة الشورى : ١١ ـ ١٢.

٣٢

٣٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن هلال ، عن أبيه ، عن أبي السفاتج ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله جل وعز : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ »(١) فقال إذا كان يوم القيامة دعي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبأمير المؤمنين وبالأئمة من ولدهعليهم‌السلام فينصبون للناس فإذا رأتهم شيعتهم قالوا «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ » يعني هدانا الله في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام .

٣٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن أورمة ومحمد بن عبد الله ، عن علي بن حسان ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى : «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » قال النبأ العظيم الولاية وسألته عن قوله : «هُنالِكَ

الحديث الثالث والثلاثون ضعيف.

وقالوا الحمد لله ، في الأعراف هكذا : «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ » إلخ ، واللام في لنهتدي لتوكيد النفي وجواب لو لا محذوف دل عليه ما قبله ، وضمير قالوا راجع إلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وليس المؤمن إلا الشيعة ، ولا تقبل الأعمال الصالحة إلا منهم« فينصبون للناس » أي لحساب. الخلق وشفاعتهم ، وقسمة الجنة والنار بينهم كما سيأتي في خطبة الوسيلة في الروضة وسائر الأخبار التي أوردناها في الكتاب الكبير مشحونة بذلك ، فإذا رأوا أئمتهم وشفعاءهم بتلك المنزلة الرفيعة قالوا تبجحا وشكرا الحمد لله إلخ« في ولاية أمير المؤمنين » أي لها أو للآيات النازلة فيها ، أو التقدير نزلت فيها تأكيدا أو في سببية أي هدانا إلى هذه المنزلة والكرامة بسبب ولايتهعليه‌السلام .

الحديث الرابع والثلاثون كالسابق ، والظاهر عبد الرحمن بن كثير كما سيأتي بعينه في الثاني والخمسين من الباب.

«عَمَّ يَتَساءَلُونَ » عم أصله عما حذف الألف لاتصال ما بحرف الجر ، قال الطبرسيقدس‌سره : قالوا لما بعث رسول الله وأخبرهم بتوحيد الله وبالبعث بعد الموت

__________________

(١) سورة الأعراف : ٤١.

٣٣

وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم ، أي يسأل بعضهم بعضا على طريق الإنكار والتعجب ، فيقولون : ما ذا جاء به محمد وما الذي أتى به؟ فأنزل الله تعالى : «عَمَّ يَتَساءَلُونَ » أي عن أي شيء يتساءلون؟ قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام والمعنى تفخيم القصة كما تقول : أي شيء زيد؟ إذا عظمت شأنه ، ثم ذكر أن تسائلهم عما ذا؟ فقال «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » وهو القرآن ، ومعناه الخبر العظيم الشأن لأنه ينبئ عن التوحيد وتصديق الرسول ، والخبر عما يجوز وعما لا يجوز ، وعن البعث والنشور وقيل : يعني نبأ يوم القيامة وقيل :النبإ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع وصفاته والملائكة والرسل والبعث والجنة والنار والرسالة والخلافة ، فإن النبإ معروف يتناول الكل «الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » فمصدق به ومكذب «كَلاَّ » أي ليس الأمر كما قالوا «سَيَعْلَمُونَ » عاقبة تكذيبهم حتى ينكشف الأمور «ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » هذا وعيد على أثر وعيد ، وقيل كلا أي حقا سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم ، وقيل : كلا سيعلمون ما ينالهم يوم القيامة ثم كلا سيعلمون ما ينالهم في جهنم من العذاب.

وروى السيد ابن طاوسرضي‌الله‌عنه في الطرائف عن محمد بن مؤمن الشيرازي في تفسيره بإسناده عن السدي قال : أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا محمد هذا الأمر بعدك لنا أم لمن؟ قال : يا صخر الأمر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل الله تعالى «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » ، منهم المصدق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب بهما ، ثم قال : كلا ، وهو رد عليهم ، سيعلمون خلافته بعدك أنها حق ثم كلا سيعلمون ، يقول : يعرفون ولايته وخلافته إذ يسألون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا بحر ولا بر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد الموت

٣٤

الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ »(١) قال ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

يقولون : للميت من ربك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك؟ والأخبار في ذلك كثيرة من طرق الخاصة والعامة أوردتها في الكتاب الكبير.

«هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ » الآية في سورة الكهف ، وقبلها قصة الأخوين اللذين أحدهما مؤمن والآخر كافر ، وكان للكافر جنتان وكفر بالبعث فأرسل الله عليهما عذابا من السماء حيث قال : «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ » إلى قوله تعالى : «وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً ، هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً » قال البيضاوي : «هُنالِكَ » أي في ذلك المقام ، وفي تلك الحال «الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ » : النصرة له وحده ، ولا يقدر عليها غيره.

أقول : على تأويلهعليه‌السلام لعل المعنى أن الأمثال التي يضربها الله لهذه الأمة ليس الغرض منها محض الحكاية والقصة ، بل لتنبيه هذه الأمة وتذكيرهم لاجتناب سوء أعمالهم واقتفاء حسن آثارهم ، والمصداق الأعظم لهذا المثل وموردها الأكبر قصة غصب الخلافة واختيار الغاصبين وأعوانهم الدنيا على الآخرة إما لإنكارهم البعث حقيقة غصب الخلافة واختيار الغاصبين وأعوانهم الدنيا على الآخرة إما لإنكارهم البعث حقيقة كالخلفاء الثلاثة وبعض أتباعهم ، أو لعدم يقينهم كما هو حقه بالآخرة. وإن كانوا يعتقدونها في الجملة كما في بعض أتباعهم ، والأخ المؤمن مثل لأمير المؤمنين وأتباعهم ، فإنهم وعظوا هؤلاء وزجروهم فلم ينزجروا حتى نزل بهم عذاب الله في الدنيا والآخرة ، ولم ينتفعوا كثيرا بدنياهم ، فالمراد بقوله ولاية أمير المؤمنين أن مورد المثل ولايتهعليه‌السلام لا أن المراد بالولاية ولايتهعليه‌السلام مع أنه يحتمل ذلك أيضا بأن يكون المراد بالولاية ولايتهعليه‌السلام في بطن الآية ، لأنه مورد المثل فالمعنى أن الولاية الخالصة لله الحق الذي لا تغيير في ذاته وصفاته ، هي ولايتهعليه‌السلام ، وولاية المعارضين له لمحض الدنيا ، أو نسب ولاية عليعليه‌السلام إلى نفسه مبالغة وكناية لتلازمهما كقوله تعالى : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ

__________________

(١) سورة الكهف : ٤٣.

٣٥

٣٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً »(١) قال هي الولاية.

٣٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن إبراهيم الهمذاني يرفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ »(٢) «لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » قال الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام .

فَقَدْ أَطاعَ اللهَ »(٣) وقوله : «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ »(٤) وأمثاله كثيرة.

الحديث الخامس والثلاثون : مجهول.

«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ » قال الطبرسي (ره) : أي أقم قصدك للدين ، والمعنى كن معتقدا للدين ، وقيل : معناه أثبت ودم على الاستقامة وقيل : معناه وأخلص دينك ، وقيل : معناه سدد عملك ، فإن الوجه ما يتوجه إليه ، وعمل الإنسان ودينه ما يتوجه الإنسان إليه لتسديده وإقامته «حَنِيفاً » أي مائلا إليه ثابتا عليه مستقيما فيه لا ترجع عنه إلى غيره ، انتهى.

والحاصل أنه أمر بالتوجه التام إلى الدين القويم ، والاعتراض عن جميع الأديان الباطلة والآراء الفاسدة ، ولا ريب أنه ولاية أمير المؤمنين والأئمةعليهم‌السلام أعظم أجزائه ، بل لا يعرف غيرها إلا به وتأنيث الضمير باعتبار الخبر.

الحديث السادس والثلاثون : مرفوع.

«وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ » قال البيضاوي : أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال وقيل : وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ، وإفراد القسط لأنه مصدر وصف به للمبالغة «لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » لجزاء يوم القيامة أو لأهله أو فيه كقولك : جئت لخمس خلون من الشهر ، انتهى.

__________________

(١) سورة الروم : ٢٩.

(٢) سورة الأنبياء : ٤٨.

(٣) سورة النساء : ٨٠.

(٤) سورة الفتح : ١٠.

٣٦

وفسرعليه‌السلام الميزان بالأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، وقد وردت الأخبار الكثيرة بذلك واختاره الصدوق (ره) في رسالة العقائد ، وأكثر المتكلمين على أن لله في القيامة ميزانا ذا كفين توزن به صحائف الأعمال ، ويعطي الله الصحائف خفة وثقلا بحسب ما كتب فيه ، ولا تنافي بينهما فإن الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام هم الحاضرون عند الميزان ، وإليهم إياب الخلق وعليهم حسابهم.

قال الصدوققدس‌سره في رسالة العقائد : اعتقادنا في الحساب أنه حق منه ما يتولاه الله عز وجل ومنه ما يتولاه حججهعليهم‌السلام فحساب الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يتولاه الله عز وجل ويتولى كل نبي حساب أوصيائه ويتولى الأوصياء حساب الأمم فالله عز وجل الشهيد على الأنبياء والرسل ، وهم الشهداء على الأئمة ، والأئمة الشهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ، وقوله عز وجل : «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ »(١) يعني بالشاهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقوله عز وجل : «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ »(٢) وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً »(٣) قال : الموازين الأنبياء والأوصياء ، ومن الخلق من يدخل الجنة بغير حساب.

وقال الشيخ المفيد نور الله ضريحه في شرح هذا الكلام : الحساب هو المقابلة بين الأعمال والجزاء عليها والموافقة للعبد على ما فرط منه والتوبيخ له على سيئاته والحمد على حسناته ومعاملته في ذلك باستحقاقه ، وليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات والموازنة بينهما على حسب استعداد الثواب والعقاب عليهما إذا كان التحابط بين الأعمال غير صحيح ، ومذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت ، وما تعتمد الحشوية في معناه غير معقول والموازين هي التعديل بين الأعمال والجزاء عليها ،

__________________

(١) سورة هود : ١٧.

(٢) سورة الغاشية : ٢٥.

(٣) سورة الأنبياء : ٤٧.

٣٧

ووضع كل جزاء في موضعه وإيصال كل ذي حق إلى حقه ، فليس الأمر في معنى ذلك ما ذهب إليه أهل الحشو من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا لكل ميزان كفتان توضع الأعمال فيها ، إذ الأعمال أعراض والأعراض لا يصح وزنها ، وإنما توصف بالثقل والخفة على وجه المجاز ، والمراد بذلك أن ما ثقل منها هو ما كثر واستحق عليه عظيم الثواب ، وما خف منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب ، والخبر الوارد أن أمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمة من ذريتهعليهم‌السلام هم الموازين ، فالمراد أنهم المعدلون بين الأعمال فيما يستحق عليها والحاكمون فيها بالواجب والعدل ، ويقال : فلان عندي في ميزان فلان ويراد به نظيره ، ويقال : كلام فلان عندي أوزن من كلام فلان ، والمراد به أن كلامه أعظم وأفضل قدرا ، والذي ذكره الله تعالى في الحساب والخوف منه إنما هو المواقفة على الأعمال ، لأن من وقف على أعماله لم يتخلص من تبعاتها ومن عفا الله عنه في ذلك فاز بالنجاة ، ومن ثقلت موازينه بكثرة استحقاق الثواب فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه بقلة أعمال الطاعات فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ، والقرآن إنما أنزل بلغة العرب وحقيقة كلامها ومجازه ، ولم ينزل على ألفاظ العامة وما سبق إلى قلوبها من الأباطيل ، انتهى.

وقال بعض المحققين : ميزان كل شيء هو المعيار الذي به يعرف قدر ذلك الشيء فميزان يوم القيامة للناس ما يوزن به قدر كل إنسان وقيمته على حساب عقائده وأخلاقه وأعماله ، لتجزي كل نفس بما كسبت ، وليس ذلك إلا الأنبياء والأوصياء ، إذ بهم وباقتفاء آثارهم وترك ذلك والقرب من طريقتهم والبعد عنها يعرف مقدار الناس وقدر حسناتهم وسيئاتهم ، فميزان كل أمة هو نبي تلك الأمة ووصي نبيها ، والشريعة التي أتى بها فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم.

أقول : وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب بحار الأنوار.

٣٨

٣٧ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن محمد بن جمهور ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ »(١) قال قالوا أو بدل علياعليه‌السلام .

الحديث السابع والثلاثون : ضعيف.

«بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا » الآية في سورة يونس هكذا : «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ » وقال الطبرسيقدس‌سره : «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا » المنزلة في القرآن «بَيِّناتٍ » أي واضحات في الحلال والحرام وسائر الشرائع ، وهي نصب على الحال «قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا » أي لا يؤمنون بالبعث والنشور ولا يخشون عذابنا ولا يطمعون في ثوابنا «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا » الذي تتلوه علينا «أَوْ بَدِّلْهُ » فاجعله على خلاف ما تقرؤه والفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه وتبديله لا يكون إلا برفعه ، وقيل : معنى قوله بدله غير أحكامه من الحلال والحرام ، أرادوا بذلك زوال الخطر عنهم وسقوط الأمر منهم ، وأن يخلي بينهم وبين ما يريدونه «قُلْ » يا محمد «ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي » أي من جهة نفسي لأنه معجز لا أقدر على الإتيان بمثله «إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَ » أي ما أتبع إلا الذي أوحي إلى ، انتهى.

وأقول : تأويلهعليه‌السلام ليس ببعيد من ذلك ، لأن عمدة ما كان يكرهه المشركون والمنافقون ولاية عليعليه‌السلام لما قتل وأسر منهم من الجم الغفير ، كما ورد في تأويل قوله تعالى : «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ »(٢) إنه لما بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم ما بلغ وشاع ذلك في البلاد أتى الحارث بن نعمان الفهري فقال : يا محمد أمرتنا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي

__________________

(١) سورة يونس : ١٦.

(٢) سورة المعارج : ١.

٣٩

٣٨ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن القمي ، عن إدريس بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن تفسير هذه الآية : «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ »(١) قال عنى بها لم نك من أتباع الأئمة

مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته(٢) وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله تعالى : «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ » وروى هذا أبو عبيد والثعلبي والنقاش وسفيان بن عيينة والرازي والنيسابوري والطبرسي والقزويني والطوسي في تفاسيرهم.

فالمرادبقوله عليه‌السلام : أو بدل عليا بدل الآيات التي نزلت فيه وفي إمامته ، وولايتهعليه‌السلام ، مع كون سائر القرآن بحاله ، أو أترك هذا القرآن وأت بقرآن لا يكون فيه ذكرهعليه‌السلام .

ويحتمل أن يكون المراد بالآيات الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام كما مر أنهم آيات الله ، أي إذا يتلى عليهم في القرآن ذكرهمعليهم‌السلام وفضلهم قالوا ائت بقرآن لا يكون فيه ذكرهم ، أو بدل من هذا القرآن الآيات الدالة على إمامة عليعليه‌السلام ، والأول أوفق بظاهر الآية ، وعلى التقديرين قوله : ما يكون لي أن أبدله ، يرجع إلى أنه ليست الإمامة والخلافة بيدي وباختياري حتى يمكنني أن أبدله من قبل نفسي ، بل أتبع في ذلك ما يوحى إلى وإن عصيته في ذلك إني أخاف عذاب يوم عظيم.

الحديث الثامن والثلاثون : ضعيف على المشهور.

«ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » قال الطبرسي (ره) هذا سؤال توبيخ أي يطلع أهل الجنة على أهل النار فيقولون لهم : ما أوقعكم في النار؟ قالوا :لم نك من المصلين ، أي كنا

__________________

(١) سورة المدّثّر : ٤٣ و٤٤.

(٢) الهامة : الرأس.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

والخلاف هنا كالخلاف هناك.

وكذا يجوز بيعها قبل بدوّ الصلاح سنتين فصاعداً.

ويجوز بيعها منضمّةً إلى الاُصول قبل بدوّ الصلاح وبعده وبشرط القطع وعدمه.

وكذا يجوز منضمّة إلى غيرها مطلقاً قبل انعقادها وبعده ، سواء كان بارزاً كالتفّاح والمشمش والعنب ، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره ، كالجوز في القشر الأسفل ، واللوز ، أو في قشر لا يحتاج إليه ، كالقشر الأعلى للجوز والباقلاء(١) الأخضر والهُرْطُمان(٢) والعدس.

وكذا السنبل يجوز بيعه ، سواء كان بارزاً كالشعير ، أو مستترا كالحنطة ، وسواء بيع منفردا أو مع أصله ، وسواء كان قائما أو حصيدا من غير اعتبار كيل أو وزن ، إلاّ إذا كان البيع بعد التصفية.

مسألة ١٦٨ : بدوّ الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقادُ ، وفي الزرع عند اشتداد الحبّ‌ ؛ لأنّ عمّار بن موسى سأل الصادقَعليه‌السلام عن الكرم متى يحلّ بيعه؟ فقال : « إذا عقد وصار عنقوداً(٣) - والعنقود اسم الحِصْرِم بالنبطيّة - »(٤) .

وعن محمّد بن شريح عن الصادقعليه‌السلام في ثمر الشجر « لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته » فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : « إذا عقد بعد سقوط ورده »(٥) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : والباقلي.

(٢) الهُرْطُمانُ : حبٌّ متوسّط بين الشعير والحنطة نافع للإسهال والسُّعال. القاموس المحيط ٤ : ١٨٩.

(٣) في المصدر : عقوداً.

(٤) التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٨٨ ، الاستبصار ٣ : ٨٩ / ٢٠٣.

٣٦١

وقال الشافعي : إن كانت الثمرة ممّا تحمرّ أو تصفرّ أو تسودّ ، فبدوّ الصلاح أن تحصل فيها هذه الألوان. وإن كانت ممّا تبيضّ فأن تتموّه ، وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويصفرّ لونه. وإن كان ممّا لا يتلوّن - كالتفّاح - فبأن يحلو ويطيب أكله. وإن كان بطّيخا فأن يقع فيه النضج. وإن كان مثل القثّاء والخيار الذي لا يتغيّر لونه ولا طعمه فبأن يتناهى عظم بعضه وهو وقت أخذه(١) .

والنقل على ما ذكرناه ، فهو أولى من الأخذ بالتخمين والاستحسان.

الثالث : الخضر - كالقثّاء والباذنجان والبطّيخ والخيار - يجوز بيعه‌ بعد انعقاده وظهوره. ولا يشترط أزيد من ذلك من تغيّر لونٍ أو طعمٍ أو غيرهما ؛ لأنّه مملوك طاهر منتفع به ، فجاز بيعه ، كغيره من المبيعات.

ويجوز بيعها منفردة ومنضمّة إلى أصولها وغير أصولها بشرط القطع والتبقية ومطلقا.

وقال الشافعي : إن كان البيع للثمرة خاصّة قبل بدوّ الصلاح ، وجب شرط القطع ، كما في ثمرة النخل. وإن باع الأصل خاصّة ، صحّ البيع.

وكذا لو باعها منضمّةً إلى الثمرة التي لم يَبْدُ صلاحها(٢) .

وإذا باع البطّيخ وغيره من الخضر بعد بدوّ الصلاح في الجميع أو في بعضه [ جاز ](٣) مطلقاً عندنا.

وقال الشافعي : يجب شرط القطع إن خِيف خروج غيره ؛ لأنّه إذا وجب‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٥ - ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٢ ، المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠١ - ٣٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

٣٦٢

شرط القطع خوفاً من الجائحة التي الغالب فيها العدم ، فلأن يجب خوفاً من الاختلاط الذي الغالب فيه الوجود كان أولى(١) .

والجواب : المنع من كون الاختلاط مانعاً من البيع ؛ لإمكان المخلص عنه.

وإن لم يخف اختلاطه بغيره ، صحّ بيعه بشرط القطع وبغير شرطه(٢) .

مسألة ١٦٩ : لو اُفردت اُصول البطّيخ وغيره من الخضر بالبيع بعد ظهور الثمرة عليها ، صحّ البيع‌ ، وكانت الثمرة للبائع ؛ عملاً باستصحاب الملك السالم عن شرط إدخاله في البيع ، سواء كان قد بدا صلاحها أو لا.

ولا يجب اشتراط القطع إذا لم يخف الاختلاط.

ثمّ الحمل الموجود يكون للبائع ، وما يحدث بعده للمشتري ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن خِيف اختلاط الحملين ، لم يجب شرط(٤) القطع عندنا ؛ للأصل.

وقال الشافعي : يجب(٥) .

ولو باع الاُصول قبل خروج الحمل ، فلا يجب اشتراط القطع ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع أو القلع كالزرع(٦) .

ولو باع البطّيخ مع اُصوله ، لم يجب شرط القطع عندنا ، كالثمرة مع الشجرة.

وقال بعض أصحاب الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع ، بخلاف الثمرة مع‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « اشتراط » بدل « شرط ».

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

٣٦٣

الشجرة ؛ لأنّ الشجرة غير معرّضة للجائحة ، بخلاف البطّيخ مع أصله ؛ فإنّه متعرّض لها. أمّا لو باع البطّيخ وأصله والأرض أيضاً ، استغنى عن شرط القطع ، وكان الأرض هنا كالأشجار ثَمَّ(١) .

مسألة ١٧٠ : لو باع الثمرة الظاهرة وما يظهر بعد ذلك ، صحّ البيع عندنا‌ - وبه قال مالك(٢) - لأصالة الصحّة. ولأنّ المتجدّد هنا كالمتجدّد في الثمرة في السنة الثانية ، فكما يصحّ(٣) بيع الثمرة سنتين صحّ هنا. ولأنّ ذلك يشقّ تمييزه ، فجعل ما لم يظهر تبعاً لما يظهر ، كما أنّ ما لم يَبْدُ صلاحه تبع لما بدا صلاحه.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين : « لا بأس به »(٤) والخضراوات من جملة الثمار.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - لأنّها ثمرة لم تخلق ، فلا يجوز بيعها ، كما لا يجوز بيعها قبل ظهور شي‌ء منها(٥) .

والجواب : الفرق ، فإنّ مع الظهور يبقى المعدوم تابعاً ، فجاز بيعه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢) الموطّأ ٢ : ٦١٩ ذيل الحديث ١٣ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٨ / ٢٨٣٨٧ ، و ١٠٩ /٢٨٣٨٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

(٣) في « ق ، ك » : صحّ.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٩ / ٢٨٣٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

٣٦٤

بخلاف عدم الظهور ؛ فإنّ العدم يبقى أصلاً.

مسألة ١٧١ : ويجوز بيع ما يجزّ جزّةً وجزّات‌ ، وكذا ما يخرط خرطةً وخرطات ، كلّ ذلك مع ظهور الجزّة الاُولى والخرطة الاُولى ، سواء بدا صلاحها أو لا ، كالكرّاث والهندباء والنعناع والتوت والحِنّاء ؛ عملاً بالأصل السالم عن معارضة المبطل.

ولما رواه ثعلبة بن زيد(١) ، قال : سألت الباقرعليه‌السلام : عن الرطبة تباع قطعتين أو الثلاث قطعات ، فقال : « لا بأس به » قال : فأكثرت السؤال عن أشباه هذا ، فجعل يقول : « لا بأس »(٢) .

وعن سماعة قال : سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : « إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر ما شئت من خرطةٍ »(٣) .

وعن معاوية بن ميسرة قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن بيع النخل سنتين ، قال : « لا بأس به » قلت : فالرطبة نبيعها هذه الجزّة وكذا وكذا جزّة بعدها؟ قال : « لا بأس به » ثمّ قال : « كان أبي يبيع الحِنّاء كذا وكذا خرطة »(٤) .

تذنيب : مَنْ جوّز بيع الثمرة قبل ظهورها عامين‌ يحتمل تجويز بيع الورق من التوت والحنّاء وشبههما خرطتين قبل ظهورها.

أمّا ما يجزّ كالكرّاث قبل ظهوره فالأولى - تفريعاً على الجواز في‌

____________________

(١) في الكافي : عن ثعلبة عن بريد. وفي التهذيب : ثعلبة بن زيد عن بريد.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٤ ( باب بيع الثمار وشرائها ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٧ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٨.

٣٦٥

الثمرة - المنع فيه ؛ لأنّه لا أصل له ظاهراً يرجع إلى معرفة المجزوز تقريباً ، ولا فرع ظاهر له ، بخلاف ورق التوت والحنّاء.

ولو بِيع ما يُخرط أو يُجزّ مع أصله ، صحّ ، سواء بدا صلاحه أو لا.

المطلب الثاني : في الأحكام.

مسألة ١٧٢ : يجوز بيع الزرع قصيلاً(١) بشرط القطع وبشرط التبقية ومطلقاً‌ ؛ عملاً بالأصل السالم عن المبطل.

فإن شرط القصل أو أطلق واقتضت العادة فيه القصل ، وجب على المشتري قصله ، فإن لم يفعل ، فللبائع قطعه وتركه بالاُجرة.

وإن شرط التبقية ، جاز ، ووجب على البائع إبقاؤه إلى كمال حدّه ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع الزرع الأخضر إلّا بشرط القطع(٢) .

ولو باعه الزرع مع الأرض ، جاز إجماعاً.

وكذا عندنا يجوز بيع البقول دون الأرض بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها وبعده مطلقاً وبشرط القطع والتبقية منضمّةً إلى الأرض ومنفردةً ؛ عملاً بالأصل والعمومات.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع البقول في الأرض دون الأرض إلّا بشرط القطع أو القلع ، سواء كان ممّا يُجزّ مراراً أو مرّة واحدة(٣) .

____________________

(١) القَصْل : القطع. والقصيل : ما اقتصل من الزرع أخضر. لسان العرب ١١ : ٥٥٧ و ٥٥٨ « قصل ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٦٦

ولو باع الزرع بعد اشتداد الحبّ ، فهو كما لو باع الثمرة بعد بدوّ الصلاح.

مسألة ١٧٣ : الثمرة إمّا بارزة ، كالتفّاح والكُمَّثْرى والخوخ والمشمش وأشباهه ، فهذا يجوز بيعه بعد ظهوره في شجره وعلى الأرض إجماعاً ، لظهوره ومشاهدته. وإمّا غير بارزة بل مستورة بالكمام ، وهو قسمان :

الأوّل : ما يكون كمامه من مصلحته يحفظ رطوبته ويبقى معه ، كالرمّان والجوز واللوز في القشر الثاني ، فهذا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأنّه إذا اُخرج من قشره ، سارع إليه الفساد ، فلم يقف بيعه على ذلك. ولا فرق بين أن يباع على شجرة أو مقطوعاً على الأرض.

الثاني : ما لا يكون بقاء قشره من مصلحته ، كالجوز واللوز في قشريه ، فإنّه يجوز بيعه عندنا ، سواء قشر من قشره الأعلى أو لا ، وسواء كان مقطوعاً على الأرض أو باقياً على الشجرة - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه حائل من أصل الخلقة ، فلا يمنع من جواز البيع ، كقشر الرمّان والبيض.

وكذا الباقلاء الأخضر يجوز بيعه وإن لم ينزع عنه القشر الأعلى ، سواء كان رطباً أو يابساً ، وسواء بِيع منفرداً أو منضمّاً ومقطوعاً وغير مقطوع ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(٢) - لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع ذلك كلّه إلّا بعد أن يقشر الجوز واللوز‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، التلقين ٢ : ٣٧٤.

(٢) المغني ٤ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤.

٣٦٧

وشبههما من القشر الأعلى ، لا على رأس الشجرة ولا على وجه الأرض ، ولا بيع الباقلاء الأخضر حتى ينزع عنه القشر الأعلى(١) .

وجوّز أبو العباس بن القاص وأبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأعلى ، وهو قول الشافعي أيضاً ؛ لأنّه يؤكل رطباً ، وبقاؤه في قشره الأخضر يحفظ رطوبته. وكذا قالا في الجوز واللوز إذا كانا رطبين ، فأمّا إذا يبسا ، فلا يجوز بيعهما في القشر الأعلى(٢) .

واحتجّ الشافعي : بأنّ المقصود مستور فيما لا يدّخر عليه وفيما لا مصلحة له فيه ، فلم يجز بيعه ، كالمعادن والحيوان المذبوح قبل سلخه(٣) .

والجواب : المنع من اللازم ، فإنّه يجوز عندنا بيعُ المعادن بشرط المشاهدة ، وبيعُ الحيوان قبل سلخه إن لم نشترط فيه الوزن.

مسألة ١٧٤ : السنبل يجوز بيعه‌ ، سواء كان حبّه ظاهراً ، كالشعير والسلت ، أو مستوراً ، كالحنطة والعدس والسمسم ، قبل بدوّ الصلاح وبعده بشرط القطع والتبقية ومطلقاً - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - للأصل والعمومات.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٥ ، منهاج الطالبين : ١٠٧ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٢ ، التلقين ٢ : ٣٧٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١.

٣٦٨

وقال الشافعي : إن كان الحبّ ظاهراً ، جاز بيعه مع السنبل بعد الحصاد وقبله ؛ لظهور المقصود. وإن كان مستوراً كالحنطة ، لم يجز بيعه في السنبلة دون السنبلة ، ومع السنبلة قولان :

القديم : الجواز ؛ لنهيهعليه‌السلام عن بيع الحبّ حتى يشتدّ(١) ، وقد اشتدّ ، فيزول النهي ، وإلّا انتفت فائدة الغاية.

والجديد : المنع ؛ لأنّ المقصود مستور بما لا يتعلّق به الصلاح(٢) .

أمّا الاُرز فإنّه كالشعير عنده يجوز بيعه في سنبله ؛ لأنّه يدّخر في قشره(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كالحنطة(٤) .

مسألة ١٧٥ : إذا كان المقصود مستوراً في الأرض ، لم يجز بيعه‌ إلّا بعد قلعه ، كالجزر والثوم والبصل - وبه قال الشافعي(٥) - للجهالة ، لانتفاء المشاهدة والوصف.

ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع والإبقاء ، خلافاً للشافعي في الإبقاء(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٣ / ٣٣٧١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ - ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ و ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٦٩

والشلجم نوعان : منه ما هو مستور لا يجوز بيعه قبل قلعه. ومنه ما يكون ظاهراً ، فيجوز(١) بيعه بشرط القطع والتبقية.

ويجوز أيضاً بيع اللوز في قشره الأعلى قبل انعقاد الأسفل ؛ لأنّه مأكول كلّه كالتفّاح ، عند الشافعي(٢) .

وعندنا يجوز مطلقاً ، سواء يبس قشره أو لا ، وسواء انعقد الأسفل أو لا.

فروع :

أ - اختلف الشافعيّة في المنع من(٣) جميع ما تقدّم قول الشافعي بالمنع فيه‌ هل هو مقطوع به أو مفرّع على قول منع بيع الغائب؟

قال الجويني : إنّه مفرّع عليه ، فلو جوّز بيع الغائب ، صحّ البيع فيها جميعاً(٤) .

وقيل : إنّ المنع في بيع الجزر في الأرض وما في معناه ليس مبنيّاً على بيع الغائب ؛ لأنّ في بيع الغائب يمكن ردّ المبيع بعد الرؤية بصفته وهنا لا يمكن(٥) .

ب - على قول الشافعي بالمنع لو باع الجوز‌ - مثلاً - في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض ، فطريقان :

أحدهما : أنّ البيع باطل في الجوز والحبّ ، وفي الشجر والأرض قولا تفريق الصفقة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : يجوز.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣) في « ق ، ك» : « في » بدل « من ».

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧٠

وأصحّهما عندهم : القطع بالمنع في الكلّ ؛ للجهل بأحد المقصودين وتعذّر التوزيع(١) .

والأقوى عندنا : الجواز ، والجهالة في بعض أجزاء المبيع غير مضرّة.

ج - لو باع أرضاً فيها بذر لم يظهر مع البذر ، صحّ عندنا إن كان البذر تابعاً.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : بطلان البيع في البذر خاصّة. وفي الأرض طريقان سبقا. ومَنْ قال بالصحّة في الأرض لا يذهب إلى التوزيع ، بل يوجب جميع الثمن بناء على أحد القولين فيما لو باع ماله ومال غيره وصحّحنا البيع في ماله وخيّرناه ، أنّه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن(٢) .

وأمّا على مذهبنا فإذا كان البذر مقصودا ، بطل البيع في الجميع ؛ للجهالة.

ولو باع البذر وحده ، بطل عندنا وعند كلّ من يوجب العلم في المبيع ، سواء عرف قدر البذر وشاهده قبل رميه أو لا ، لخفاء حاله عند العقد ، وإمكان تجدّد الفساد بعد العقد ، فخالف بيع الغائب بعد المشاهدة ، فإنّ فساده معلوم الوقت.

ولو باع الأرض وحدها ، صحّ البيع ، ووجب عليه الصبر إلى وقت أخذ الزرع. وله الخيار في الفسخ والإمضاء مجّانا إن لم يكن عالما بالحال.

مسألة ١٧٦ : كما يصحّ بيع الثمرة يصحّ بيع أبعاضها على رؤوس الأشجار‌ ومقطوعة قبل بدوّ الصلاح وبعده مع شرط القطع والتبقية والإطلاق‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧١

بشرطين : الإشاعة والعلم بالجزئيّة - كالنصف والثلث مثلاً - في كلّ صورة يصحّ بيع الجميع فيها ، عند علمائنا أجمع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ البيع قبل بدوّ الصلاح ؛ لأنّ البيع يفتقر إلى شرط القطع ، ولا يمكن قطع النصف إلّا بقطع الجميع ، فيتضرّر البائع بنقصان غير المبيع(١) .

والجواب : المنع من اشتراط القطع ، وقد تقدّم.

سلّمنا ، لكن لا يلزم ثبوته ؛ لإمكان قسمة الثمار على رؤوس الأشجار.

سلّمنا ، لكن هذا الضرر أدخله البائع على نفسه ، كما لو باع ثمرة تفتقر إلى سقي يضرّ بالأصل.

فروع :

أ - لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل ، صحّ إجماعا ، وكانت الثمرة تابعة عند المانعين(٢) من البيع قبل بدوّ الصلاح.

ب - لو كانت الثمرة لإنسان والشجرة لآخر ، فباع صاحب الثمرة نصف ثمرته من صاحب الشجرة ، صحّ عندنا مطلقا على ما تقدّم.

وللشافعي وجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع هنا(٣) .

ج - لو كانت الأشجار والثمار مشتركةً بين رجلين ، فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة ، جاز عندنا.

ومَنَع الشافعي من الجواز(٤) .

ولو اشترى نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٧٢

ومَنَع الشافعي من جوازه مطلقاً ، وجوّزه بشرط القطع ؛ لأنّ جملة الثمار تصير لمشتري الثمرة ، وجملة الأشجار للآخر ، وعلى مشتري الثمرة قطع الكلّ ؛ لأنّه بهذه المقابلة(١) اُلزم قطع النصف المشتري بالشرط ، واُلزم تفريغ الأشجار لصاحبها ، وبيع الشجرة على أن يفرغها المشتري جائز(٢) .

وكذا لو كانت الأشجار لأحدهما والثمرة بينهما ، فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة ، جاز مطلقاً عندنا ، وبشرط القطع عند الشافعي(٣) .

مسألة ١٧٧ : يجوز للبائع أن يستثني جزءاً مشاعاً - كالثلث وشبهه‌ - إجماعاً ؛ لأنّه لا يؤدّي إلى جهالة المستثنى منه.

وكذا يجوز أن يستثني نخلاتٍ بعينها إجماعاً ، وأن يستثني عذقاً معيّناً مشخّصاً من أعذاق النخلة الواحدة ، ولا يجوز أن يستثني نخلةً غير معيّنة ولا عذقاً غير مشخّص إجماعاً ، ولا الأجود ولا الأردأ ؛ لأنّ الاستثناء غير معلوم ، فصار المبيع مجهولاً.

وهل يجوز استثناء أرطال معلومة وإمداد معلومة؟ ذهب علماؤنا إلى جوازه - وبه قال مالك(٤) - لأنّه استثنى معلوماً ، فأشبه ما لو استثنى جزءاً مشاعاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله ربعي : إنّ لي نخلاً بالبصرة فأبيعه واُسمّي الثمن وأستثني الكرَّ من التمر أو أكثر ، قال : « لا بأس »(٥) .

____________________

(١) في المصدر : « المعاملة » بدل « المقابلة ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢٣٦ - ٢٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ - ٨٨ / ٣٠٠.

٣٧٣

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل : لا يجوز ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع السنين وعن الثنيا(١) . ولأنّ المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر ، فالاستثناء منه يُغيّر حكم المشاهدة ؛ لأنّه(٢) لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة منه فلم يجز(٣) .

والجواب : المراد بالنهي : الثنيا المجهولة ؛ لجواز استثناء الجزء المشاع والنخلة المعلومة إجماعاً. والعلم بالمشاهدة حاصل مع الاستثناء وعدمه ، وجهالة القدر حاصلة فيهما معاً ، فلا وجه للتخصيص.

فروع :

أ - إذا استثنى جزءاً مشاعاً أو أرطالاً معيّنة فتلف من الثمرة شي‌ء ، سقط من الثنيا بحسابه.

أمّا في الجزء المشاع : فظاهر.

وأمّا في الأرطال المعلومة : فيؤخذ منه بالحزر والتخمين ، فيقال : هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها؟ فيذهب من الثنيا بقدر تلك النسبة.

أمّا لو استثنى مائة رطل - مثلاً - من الثمرة وممّا(٤) يتخلّف منها ، احتمل بطلان البيع.

ب - لو استثنى نخلاتٍ بعينها أو عذقاً معيّناً من نخلة‌ فذهب بعض‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٣٠٤ ، مسند أحمد ٤ : ٣٣٨ ، ١٤٥٠٤.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : فالاستثناء منه بغير حكم المشاهدة ولأنّه.

والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠ ، الاُم ٣ : ٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٤) في « ق » : وما.

٣٧٤

الثمرة ، فإن كان من الثنيا ، سقط التالف. وإن كان التالف غير المستثنى ، كان المستثنى للبائع.

ج - لو قال : بعتك من هذه الصبرة قفيزاً إلّا مكّوكاً ، صحّ البيع ؛ لأنّ القفيز معلوم القدر ، والمكّوك أيضاً معلوم ، فكان الباقي معلوماً. هذا إذا علم وجود القفيز في الصبرة.

مسألة ١٧٨ : لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح على شرط القطع‌ ومطلقاً عندنا ، أو باع لقطة واحدة من القثّاء والبطّيخ وشبههما ثمّ تجدّد في النخل ثمرة اُخرى أو في اُصول الخضر ، كان المتجدّد للبائع تبعاً للأصل إذا لم يشترطه المشتري.

فإنّ تميّزت ، فلا بحث. وإن اختلطت بغيرها بحيث لا تتميّز ، فإمّا أن يكون بعد القبض أو قبله.

فإن كان بعد القبض ، كان المشتري شريكاً للبائع ، فإن علم القدر دون العين ، أخذ كلّ منهما من الثمرة بقدر الذي له من الجملة. فإن لم يعلم القدر ولا العين ، اصطلحا ، كما لو وقع طعام شخص على طعام غيره ولم يعلما قدرهما.

وإن كان قبل القبض ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء ؛ للتعيّب في يد البائع ، فإن فسخ ، أخذ الثمن الذي دفعه. وإن أمضى البيع ، كان شريكاً : إن علما مقدار ما لكلٍّ منهما ، أخذ القدر الذي له. وإن جهلاه ، اصطلحا. وحكم ما إذا لم يتميّز البعض حكم ما إذا لم يتميّز الجميع.

وأمّا عند الشافعي : إذا امتزجت الاُولى بالثانية ولم تتميّزا ، فقولان :

أحدهما : فسخ البيع - قاله في الإملاء - لتعذّر التسليم جملةً ، فانفسخ البيع ، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

٣٧٥

والثاني : أنّه لا ينفسخ البيع ، فإن سلّم البائع الجميعَ إلى المشتري ، اُجبر المشتري على قبوله ، ومضى البيع. وإن امتنع ، فسخ البيع - وبه قال المزني - لأنّ المبيع زاد ، وذلك لا يوجب بطلان العقد ، كما لو طالت الشجرة أو بلغت الثمرة(١) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ الزيادة في الطول والبلوغ زيادة في عين المبيع فيرجع في الحقيقة إلى زيادة صفة ، فوجب عليه قبولها ، بخلاف الامتزاج ؛ فإنّه يتضمّن زيادة العين ، فلا يجب قبولها ، كما لو باع ثوباً فاختلط الثوب بآخر فدفعهما البائع ، لم يجب على المشتري قبولهما ، ولا يجبر البائع على تسليمهما ، بخلاف طول الغصن وبلوغ الثمرة ؛ فإنّه يجب على البائع تسليم الأصل والزيادة.

فروع :

أ - لو باع ما يعلم امتزاجه قبل إدراك الأوّل وعدم امتيازه ، فإن شرط القطع ، صحّ البيع قطعاً ، سواء أهمل حتى امتزج أو لا. وان لم يشترطه ، فإن قلنا ببطلان البيع على تقدير الامتزاج ، احتمل البطلان هنا حذراً من الاختلاط. والصحّة ؛ لأنّ الثمرة الآن لا موجب لفسخ البيع فيها ، والمزج مترقّب الحصول ، فلا يؤثّر في البيع السابق.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : الأوّل. والثاني : أنّ البيع يقع موقوفاً ، فإن سمح البائع بدفع المتجدّد إلى المشتري تبيّنّا صحّة البيع. وإن لم يدفع ،

____________________

(١) مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، و ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٦

يظهر عدم انعقاده من أصله(١) .

ب - لو باع بشرط القطع أو التبقية مع ندور الاختلاط فحصل الاختلاط ، فقد قلنا : إن كان قبل القبض ، كان للمشتري الفسخُ ، ولا يبطل البيع. وإن كان بعده ، لم ينفسخ.

وللشافعيّة قولان قبل القبض :

أحدهما : الفسخ ؛ لتعذّر تسليم المبيع قبل القبض(٢) . وهو ممنوع.

والثاني : عدم الفسخ ؛ لبقاء عين المبيع ، وإمكان إمضاء البيع ، فيثبت للمشتري الخيار(٣) .

وقال بعضهم : لا خيار له ، وإنّه لا فرق بين المزج قبل القبض وبعده(٤) .

ثمّ إن قال البائع : أسمح بترك المتجدّدة ، ففي سقوط خيار المشتري وجهان :

أصحّهما عندهم : السقوط ، كما في الإعراض عن نعل الدابّة المردودة بالعيب.

والثاني : عدمه ؛ لما في قبوله من المنّة(٥) . وهو الوجه عندي.

ولو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى امتزجا ، جرى القولان في الفسخ. وكذا لو باع حنطةً فانثال عليها مثلها قبل القبض ، أو المائعات(٦) .

ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها ، قال بعضهم : ينفسخ البيع قطعاً ؛ لأنّه يورث الاشتباه ، وأنّه مانع من صحّة البيع لو فُرض‌

____________________

(١ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٧

في الابتداء ، وفي الحنطة غايته ما يلزم الإشاعة ، وهي غير مانعة(١) .

وفيه وجهٌ : أنّه لا ينفسخ ؛ لإمكان تسليمه بتسليم الجميع(٢) .

ولو باع جزّةً من القتّ والكرّاث وشبههما من المجزوزات بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذّر التميّز ، جرى القولان(٣) .

ومنهم مَنْ قطع بعدم الفسخ هنا ؛ تشبيهاً لطولها بكبر الثمرة وسمن الحيوان(٤) .

وفرّق الأوّلون : بأنّ الزيادة في الطلع وسمن الحيوان من نماء الطلع والحيوان ، الذي هو ملك المشتري ، فلهذا كانت له ، بخلاف طول القتّ والكرّاث ؛ لأنّها حدثت من الاُصول التي هي ملك البائع ، فكانت له ، فيجي‌ء القولان ؛ لحصول المزج وعدم التميّز(٥) .

ج - لو حصل الامتزاج بعد القبض ، لم يبطل البيع عندنا ، وقد سبق(٦) .

وللشافعيّة طريقان :

القطع بعدم الفسخ - وهو اختيار المزني - كالحنطة إذا امتزجت باُخرى.

والثاني : أنّه على القولين في الممتزج قبل القبض ، بخلاف مسألة الحنطة ؛ لأنّ هناك قد تمّ التسليم وانقطعت العلائق بينهما ، وفي الثمار لا تنقطع ، لأنّ البائع يدخل الحائط للسقي وغيره(٧) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٥) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٦) في ص ٣٧٤.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٨

د - كلّ موضع قلنا بعدم الفسخ إن تصالحا واتّفقا على شي‌ء ، فلا بحث. وإن تحاكما ، قدّم قول صاحب اليد في قدر حقّ الآخر. وهذا ظاهر في الحنطة وشبهها.

أمّا في الثمار فمَنْ هو صاحب اليد؟ للشافعيّة وجهان بناءً على الجائحة من ضمان البائع أو المشتري؟(١) .

ولهم وجه ثالث : أنّها في يدهما جميعاً(٢) .

والوجه أن نقول : إن كان البائع سلّم الثمرة بتسليم الأصل ، فهي في يد المشتري. وإن كانت الاُصول في يد البائع والثمرة في يد المشتري ، فهُما صاحبا يد. أمّا في صورة الحنطة فصاحب اليد هو المشتري ، فالقول قوله في قدر حقّ البائع. فإن كان المشتري قد أودع البائع الحنطة بعد القبض ثمّ حصل الاختلاط ، فالقول قول البائع في قدر حقّ المشتري.

مسألة ١٧٩ : لو باع شجرة عليها ثمرة ، فالثمرة للبائع‌ إلاّ في طلع النخل غير المؤبّر على ما يأتي ، فإنّه للمشتري. أمّا ثمرة النخل المؤبّرة أو ثمرة غير النخل مطلقا فهي للبائع.

فإن كانت الشجرة تُثمر في السنة مرّتين ويغلب عليها التلاحق ، صحّ البيع عندنا على ما تقدّم ، ولا يخفى الحكم السابق عندنا.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع إلّا بشرط أن يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط(٣) . ويجي‌ء خلافهم السابق فيما إذا كان المبيع الثمرة(٤) .

ثمّ إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة ممّا يندر فيها التلاحق فاتّفق ذلك ، فعندنا يبقى شريكاً

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٩

ويصطلحان.

ونقل المزني عن الشافعي قولين في الانفساخ(١) .

ولأصحاب الشافعي طريقان : فعن بعضهم : القطع بعدم الانفساخ ، وتخطئة المزني في نَقْله ؛ لأنّ الاختلاط وتعذّر التسليم لم يوجد في المبيع ، بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار(٢) .

وأثبت الأكثرون القولين وقالوا : الاختلاط وإن لم يوجد في المبيع لكنّه وجد في المقصود بالعقد ، وهو الثمرة الحادثة ، فإنّها مقصود المشتري من الشراء للاُصول ، فجاز أن يجعل كالمبيع. فإن قلنا بعدم الانفساخ ، فإن سمح البائع بترك الثمرة القديمة ، اُجبر المشتري على القبول. وان رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة ، اُجبر البائع على القبول ، واُقرّ العقد(٣) .

ويحتمل أن يجي‌ء في الإجبار على القبول للشافعيّة خلاف.

وإن استمرّا على النزاع ، قال المثبتون للقولين : يفسخ العقد بينهما ، كما لو كان المبيع الثمرة.

وقال القاطعون : لا فسخ ، بل إن كانت الثمرة والشجرة في يد البائع ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه المشتري مع يمينه. وإن كانتا في يد المشتري ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه البائع ، وهو الذي يقتضيه القياس ، لأنّ الفسخ لا يفيد رفع النزاع ، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري.

قالوا : ولو قلنا بالفسخ ، استردّ المشتري الثمنَ وردَّ الشجرة مع جميع الثمار(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458