تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198336 / تحميل: 5976
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ذي الحجة سنة ٨٥٥ »(١) .

٣ - السيوطي أيضاً: « وكان إماماً عالماً علّامة »(٢) .

٤ - محمود بن سليمان الكفوي: « قاضي القضاة بدر الدين ذكر جلال الدين السيوطي في طبقات الحنفية المصرية في حسن المحاضرة، قال »(٣) .

٥ - الزرقاني المالكي: « وتفقه واشتغل بالفنون وبرع »(٤) .

٦ - الأزنيقي: « وتفقه، واشتغل بالفنون، وبرع ومهر وولي قضاء الحنفية بالقاهرة، وكان إماماً عالماً علامة بالعربية والتصريف وغيرهما »(٥) .

٧ - وقال الكاتب الجلبي في شروح البخاري: « ومن الشروح المشهورة أيضاً شرح العلامة بدر الدين فإن شرحه حافل كامل في معناه، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلفه وهلمّ جرّاً »(٦) .

٨ - وقد احتج المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام ) بكلمات العيني في مقابلة أهل الحق، مع الثناء على شرحه للبخاري - عمدة القاري - وقال في حق العيني بأن تبحّره وغزارة علومه ومهارته في فن الحديث أشهر من أن يذكر.

وهنا يحق لنا أن نسأل المولوي حيدر علي وأمثاله فنقول: كيف يجوز التمسك بما قال العيني في مجال الردّ على الشيعة، مع وصفه بالتبحر والمهارة والفقه والامامة وغير ذلك من الأوصاف الجليلة - ولا يجوز الالتفات إلى كلامٍ له أو روايةٍ له لحديث ينفع الشيعة فيما يذهبون إليه؟

____________________

(١). حسن المحاضرة ١ / ٤٧٣.

(٢). بغية الوعاة ٢ / ٢٧٥.

(٣). كتاب الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط.

(٤). شرح المواهب اللدنية ١ / ٥٨.

(٥). مدينة العلوم للأزنيقي.

(٦). كشف الظنون ١ / ٥٤٨.

٢٤١

(١٧)

رواية السيوطي

وروى جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي حديث نزول آية التبليغ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في واقعة يوم غدير خم، في فضل سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، وهذا نص عبارته في تفسير الآية المذكورة: « أخرج أبو الشيخ عن الحسن: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الله بعثني برسالة، فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذّبي، فوعدني لأبلغنَّ أو ليعذّبني، فأنزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لمـّا نزلت( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع، يجتمع عليّ الناس فنزلت:( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس:( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلّغ رسالته.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . إن علياً مولى المؤمنين( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل

٢٤٢

فقال: إن ناساً يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس. فقال: ألم تعلم أن الله قال:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . والله ما ورّثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوداء في بيضاء »(١) .

وجوه اعتبار هذه الرواية

ورواية السيوطي هذا الخبر في سبب نزول آية التبليغ في يوم غدير خم في كتاب ( الدر المنثور ) معتبرة من وجوه:

الأول: إن سياق كلام السيوطي ظاهر في أنه يرى أن هذا القول هو الحق من بين الأقوال في هذا المقام، لأنه لم ينقل قولا آخر يخالفه في الدلالة، أما قول الحسن فلا ينافي القول بنزولها يوم الغدير في فضل عليعليه‌السلام ، لأنه روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الله تعالى بعثه برسالة فضاقصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها ذرعاً فأنزلت الآية فلم يبيّن في هذه الرواية حقيقة تلك الرسالة، فلا تأبى الحمل على أنها كانت حول الامامة والخلافة، ونصب أمير المؤمنينعليه‌السلام لها، بل إن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فضقت بها ذرعاً وعرفت الناس مكذبي » يؤيد هذا الحمل ويؤكّده.

وكذا الأمر بالنسبة إلى ما ذكره مجاهد، وإلى الخبرين عن ابن عباس، فإن هذه الأخبار أيضاً لا تنافي خبر نزول الآية الكريمة في واقعة يوم غدير خم بوجه من الوجوه.

الثاني: إن كلام السيوطي في خطبة كتابه ( الدر المنثور ) صريح في أن الآثار المذكورة فيه في ذيل الآيات مستخرجة من الكتب المعتبرة، وهذا نص عبارته: « الحمد لله الذي أحيا بمن شاء مآثر الآثار بعد الدثور، ووفق لتفسير كتابه العزيز بما وصل إلينا بالاسناد العالي من الخبر المأثور، وأشهد أن لا اله إلّا الله وحده لا

____________________

(١). الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.

٢٤٣

شريك له، شهادة تضاعف لصاحبها الأجور، وأشهد أن سيدنا محمّداً عبده ورسوله الذي أسفر فجره الصادق فمحى ظلمات أهل الزيغ والفجور، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوى العلم المرفوع والفضل المشهور، صلاة وسلاماً دائمين على مرّ الليال والدهور.

وبعد - فلمـّا ألّفت كتاب « ترجمان القرآن » وهو التفسير المسند عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقد تمّ بحمد الله في مجلدات، وكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخّصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر، مصدّراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته بالدر المنثور في التفسير بالمأثور، والله أسأل أن يضاعف لمؤلفه الأجور، ويعصمه عن الخطأ والزور، بمنه وكرمه، لأنه البر الغفور ».

الثالث: إن كتاب ( الدر المنثور ) من التفاسير الممدوحة المشهورة التي ذكرها ( الدهلوي ) في رسالته في ( أصول الحديث )، ذكره في عداد تفاسير ابن مردويه والديلمي وابن جرير ثم قال: وإن الدر المنثور للشيخ جلال الدين السيوطي أجمعها.

وقد صرّح صاحب ( منتهى الكلام ) بأن معنى « الشهرة » في هذا المقام هو الاعتبار والاعتماد عند العلماء الأعلام.

الرابع: إن السيوطي قد نصَّ في مواضع عديدة من ( الدر المنثور ) على ضعف الخبر، وهذا يدل على أنه لا يترك الحديث بحاله، بل ينبّه على ضعفه إن كان ضعيفاً عنده، وعلى هذا الاساس يجوز لنا الاحتجاج بكل حديث يخرجه فيه ولا ينص على جرح له، وقد ذكر هذا المعنى المولوي حيدر علي بالنسبة إلى حديث رواه الشيخ ابن بابويه الصدوق ولم يتعرض إلى جرح فيه.

وحينئذٍ نقول: إن السيوطي أخرج الروايتين الدالتين على نزول آية التبليغ

٢٤٤

في يوم الغدير ولم يقدح فيهما أصلاً بنوع من الأنواع.

الخامس: لقد أكثر علماء الحديث والكلام من أهل السنة من الاستناد إلى أحاديث ( الدر المنثور ) والاحتجاج بها. ففي ( تنبيه السفيه ) لسيف الله بن أسد الله الملتاني ذكر ( الدر المنثور ) في سياق كتب مهمة ككتاب: الأسماء والصفات للبيهقي، والمصنف لابن أبي شيبة، والآثار للإمام محمّد الشيباني، قائلاً بأنها مصادر كتاب ( التحفة الاثنا عشرية ) من كتب أهل السنة.

وفي ( الشوكة العمرية ) لمحمّد رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) ذكر ( الدر المنثور ) في كتب التفسير لأهل السنة، المشتملة على الأخبار التفسيرية الواردة عن أمير المؤمنين وغيره من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

السادس: لقد زعم ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) أن علماء أهل السنة ومحدثيهم مشهورون بالتقى والعدالة والديانة، بخلاف الرواة في الفرق الأخرى - ولا سيما الشيعة - فإن جميعهم مطعونون ومجروحون عند أنفسهم(١) .

أقول: وهذا الكلام - بغض النظر عمّا فيه من جميع نواحيه - فيه أعلى درجات التوثيق وأقصى مراتب التعديل لرواة أهل السنة ورجال أحاديثهم وأخبارهم، وعلى هذا الأساس تسقط جميع المناقشات الصادرة من ( الدهلوي ) وغيره في أسانيد أحاديث فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، التي رواها المحدّثون من أهل السنة، وأخرجها الأئمة والحفاظ في كتبهم المعتبرة، ومنها حديث نزول آية التبليغ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في فضل سيدنا الأميرعليه‌السلام يوم الغدير، فإنه حديث أخرجه جماعة كثيرة من كبار أئمة القوم، عن جماعة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وكفى الله المؤمنين القتال. والحمد لله ربّ العالمين.

____________________

(١). التحفة. الباب الحادي عشر وفي جواب المطعن الثامن من مطاعن الصحابة.

٢٤٥

(١٨)

رواية محبوب العالم

وروى محمّد محبوب العالم ابن صفي الدين جعفر المعروف ببدر العالم نزول الآية المباركة:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) في يوم غدير خم بتفسير الآية في تفسير المشهورة ( تفسير شاهي ) حيث قال بعد ترجمة الآية، ونقل رواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في معنى العصمة: « وفي النيسابوري عن أبي سعيد الخدري: هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه يوم غدير خم، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله تعالى عنه وقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي رضي الله تعالى عنهم ».

وقد أورد هذه الرواية ولم يذكر رواية أخرى مخالفة لها.

اعتبار تفسير شاهي من كلام ( الدهلوي ) وغيره

وقد نص ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) على اعتبار ( تفسير شاهي )، ووصف الروايات الواردة فيه عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بأنها « مضبوطة » وهذا كلامه حيث قال بتعريف كتب الشيعة: « وأما التفاسير فمنها « التفسير » الذي ينسبونه إلى الامام الحسن العسكريعليه‌السلام ، رواه عنه ابن بابويه بإسناده عنه، ورواه عنه غيره أيضا بإسناده، مع تفاوت زيادة ونقصانا.

وإن أهل السنة أيضا يروون عن الامام المذكور وغيره من الأئمة في التفسير، كما جاء في « الدر المنثور »، وتلك الروايات مجموعة ومضبوطة في « تفسير

٢٤٦

شاهي »، لكن ما يرويه الشيعة عن الأئمة لا يتطابق أبدا مع تلك الروايات »(١).

وبعد هذا المدح والثناء للتفسيرين المذكورين، لا تسمع الخدشة في ثبوت هذا الحديث المذكور فيهما، لأنه لا يكون إلاّ عن مكابرة واضحة.

كما ذكر تلميذه محمّد رشيد الدين خان الدهلوي « تفسير شاهي » مع تفسير الفخر الرازي، في بيان أن تفاسير أهل السنة مليئة بالأخبار والروايات عن الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، ومن هذا الكلام يتضح أن هذا التفسير من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنة. والعجب أنهم مع ذلك يقدحون في حديث نزول آية التبليغ المروي في « تفسير شاهي » - وتفسير الرازي أيضاً - وينسون ما ذكروه في الثناء والاعتماد على التفسير المذكور!!

(١٩)

رواية الحاج عبد الوهاب البخاري

وروى الحاج عبد الوهاب بن محمّد بن رفيع الدين أحمد نزول الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم حيث قال بتفسير قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : « عن البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أي بلّغ من فضائل علي. نزلت الآية في غدير خم. فخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فقال عمررضي‌الله‌عنه : بخ بخ يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. رواه أبو نعيم. وذكره أيضاً الثعالبي في كتابه ».

____________________

(١). التحفة الاثنا عشرية. الباب الثالث: ١١١.

٢٤٧

ترجمة الحاج عبد الوهاب

والحاج عبد الوهاب البخاري من أكابر العلماء المشاهير من أهل السنّة، ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ في ( أخبار الأخيار )(١) .

وكذلك ترجم له السيد محمّد ابن السيد جلال ماه عالم في ( تذكرة الأبرار ). وقد توفي عبد الوهاب البخاري سنة: ٩٣٢.

(٢٠)

رواية جمال الدين المحدّث

ورواه عطاء الله بن فضل الله الشيرازي، المعروف بجمال الدين المحدّث، حيث قال بعد ذكر حديث الغدير: « أقول: أصل هذا الحديث - سوى قصة الحارث - تواتر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . وهو متواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً. رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة.

فرواه ابن عباس ولفظه قال: لما أمر النبي أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به، فانطلق النبي إلى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر، ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه، ثم مضى حتى قضى حجة الوداع، ثم رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فقام مناد فنادى الصلاة جامعة، ثم قام وأخذ بيد علي فقال: « من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٢)

____________________

(١). أخبار الأخيار: ٢٠٦. وتوجد ترجمته في كتاب نزهة الخواطر ٤ / ٢٢٣ وقد وصفه بقوله: « الشيخ الصالح » ولد سنة ٨٦٩. توفي سنة ٩٣٢.

(٢). كتاب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.

٢٤٨

خطبة كتاب الأربعين

ويتّضح من كلام الجمال المحدّث في خطبة كتاب ( الأربعين ) إعتبار الأحاديث المخرجة فيه، فإنه قال: « وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني عطاء الله بن فضل الله المشتهر بجمال الدين المحدّث الحسيني، حسّن الله أحواله وحقّق بجوده العميم آماله: هذه أربعون حديثا في مناقب أمير المؤمنين وإمام المتقين ويعسوب المسلمين، ورأس الأولياء والصدّيقين، ومبينّ مناهج الحق واليقين، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب، المتصدّق في المحراب، فارس ميدان الطعان والضراب، المخصوص بكرامة الأخوة والانتخاب، المنصوص عليه بأنه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب، المكنى بأبي الريحانتين وأبي تراب.

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب

المشرف بمزيّة: من كنت مولاه فعلي مولاه، المدعو بدعوة: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فكم كشف عن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من شدة وبؤسى، حتى خصّه بقوله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وكم فرّج عنه من عمة وكربى حتى أنزل الله فيه( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .

ثم زاده شرفاً ورفعة، ووفّر حظه من أقسام العلى توفيراً، وإنما أنزل فيه وفي بنيه:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) مظهر جسيمات المكارم، ومظهر عميمات المنن، الذي حبه وحب أولاده العظام وأحفاده الكرام من أوفى العدد وأوقى الجنن، شعر:

أخو أحمد المختار صفوة هاشم

أبو السادة الغر الميامين مؤتمن

وصيّ إمام المرسلين محمد

علي أمير المؤمنين أبو الحسن

٢٤٩

هما ظهرا شخصين والنور واحد

بنص حديث النفس والنور فاعلمن

هو الوزر المأمول في كلّ حطّة

وإنْ لا تنجينا ولايته فمن؟

عليهم صلاة الله ما لاح كوكب

وما هزّ ممراض النسيم على فنن

وإنْ كانت مناقبه كثيرة وفضائله جمة غزيرة، بحيث لا تعد ولا تحصى ولا تحد ولا تستقصى، كما ورد عن ابن عباس مرفوعاً: لو أنّ الرياض أقلامٌ والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب. وروي: أن رجلاً قال لابن عباس: سبحان الله ما أكثر مناقب علي بن أبي طالب! إني لأحسبها ثلاثة آلاف. قال: أولاً تقول أنها إلى ثلاثين ألف أقرب؟

لكني اقتصرت منها على أربعين حديثاً روماً للاختصار، ومراعاة لما اشتهر من سيد الأبرار وسند الأخيار محمّد المصطفى الرسول المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله ما ترادف الليل والنهار وتعاقب العشى والابكار أنه قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله تعالى فقيهاً عالماً. وفي رواية: بعثه الله تعالى يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء. وفي رواية: كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء. وفي رواية: وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا وفي رواية: قيل له: أدخل من أي أبواب الجنة شئت.

جمعتها من الكتب المعتبرة على طريقة أهل البيتعليهم‌السلام ».

(٢١)

رواية شهاب الدين أحمد

وروى شهاب الدين أحمد نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ذكر الآيات النازلة في حق أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: « قوله تعالى:( يا أَيُّهَا

٢٥٠

الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وبالاسناد المذكور عن أبي الجارود إلى حمزة [ أبي جعفر - ظ ] قال:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) نزلت في شأن الولاية. وفي رواية أبي بكر ابن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبارك وسلّم:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إن عليّاً مولى المؤمنين و( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) »(١) .

وقد ذكر شهاب الدين أحمد في عنوان الباب الذي ذكر فيه الآيات النازلة في حق الامامعليه‌السلام : « الباب الثاني في فضله الذي نطق القرآن ببيانه، وما نزل من الآيات في علو شأنه - إعلم أن الآيات بعضها وردت متفقاً عليها في شأن هذا الولي النبي، وبعضها قد اختلف فيها هل هي لغيره أم هي فيه، فأنا أذكرهما كليهما، معتمداً على ما رواه الصالحاني الامام، وأسردهما كما ذكرها بإسناده برواية الحفّاظ الأعلام، عن الحافظ أبي بكر ابن مردويه، بإسناده إلى أفضل البشر مرفوعاً، أو جعله في التحقيق بالاعتزاء إلى الصحابي مشفوعاً، غير أني أذكر السور على ترتيب المصاحف في الآفاق، وإنْ وافقه غيره من الأئمة في شيء أذكر ذلك الوفاق ».

عبارته في خطبة كتابه

وذكر في خطبة كتابه ما يدل على عظمة شأن هذا الكتاب، وجلالة الأحاديث المروية فيه حيث قال: « واعلم أن كتابي هذا إن شاء الله تعالى خال عن موضوعات الفريقين، حالٍ بتحري الصدق وتوخّي الحق وتنحّي مطبوعات

____________________

(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.

٢٥١

الطريقين ».

وقال: « وخرّجت من كتب السنّة المصونة عن الهرج ودواوينها، وانتهجت فيه منهج من لم ينتهج بنهج العوج عن قوانينها، أحاديث حدث حديثها عن حدث الصدق في الأخبار، ومسانيد ما حدث وضع حديثها بغير الحق في الأخبار. معزوة في كلّ فصل إلى رواتها، مجلوّة في كلّ أصل عن تداخل غواتها ».

قال: « فيا أهل الانتصاب وجيل سوء الاصطحاب، ويا شرّ القبيل، لا تغلو في دينكم غير الحق، ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلوا كثيراً، وضلّوا عن سواء السبيل، إنْ تجدوا في الكتاب ما وجدتكم على وجدانكم مخالفاً لأمر الخلافة، أو ترونه على رأيكم مناقضاً للاجماع على تفضيل الصديق منبع الحلم والرأفة، فلا تواضعوا رجماً بالغيب في الحكم، تحكماً بوضع أخبار أخبر بها نحارير علماء السنة في فضائل مولانا المرتضى، ولا تسارعوا نبذا في الجيب إلى إلقائها قبل تلقّيها، فإنّها تلاقت قبول مشاهير عظماء الأمة من كل من اختار الحق وارتضى

والغرض في هذا الباب من تمهيد هذه القواعد، أن لا يقوم بالرد لأخبار هذا الكتاب من كان كالقواعد، فإنّ معظماتها في الصحاح والسنن، ومروياتها مأثورات أصحاب الصلاح في السنن ».

(٢٢)

رواية البدخشاني

وروى الميرزا محمّد بن معتمد خان الحارثي البدخشاني نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير، كما عرفت في تخريج رواية ابن مردويه، ورواية عبد الرزاق الرسعني، وهذا نص عبارته كاملة في هذا المقام:

٢٥٢

« الآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كثيرة جداً لا أستطيع استيعابها، فأوردت في هذا الكتاب لبّها ولبابها

وأخرج - أي ابن مردويه - عن زر عن عبد اللهرضي‌الله‌عنه قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إن عليا مولى المؤمنين و( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: لمـّا نزلت هذه الآية( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبي بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه مثله، وفي آخره: فنزلت( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية. فقال النبي: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة البدخشاني

والميرزا محمّد البدخشاني من أكابر مشاهير علماء أهل السنة، وقد صرّح محمّد رشيد الدين خان الدهلوي في ( ايضاح لطافة المقال ) بأنه من عظماء أهل السنة، وإن كتابه ( مفتاح النجا ) يدلّ كغيره من كتب عظماء أهل السنة - بزعمه - على موالاة أهل السنة لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

وذكر المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( إزالة الغين ) هذا الرجل من جملة علماء أهل السنة، الذين يعتقدون بلعن يزيد بن معاوية عليه اللعنة وسوء العذاب.

* * *

____________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٥٣

دلالة نزول آية التبليغ في الغدير على الامامة

ثمّ إن نزول هذه الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم دليل على أنها إنّما نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لتأكّد على لزوم تبليغه أمر خلافة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، وتوضّح المراد من حديث الغدير وما خطب به رسول الله في ذلك اليوم، إذْ أن قوله تعالى:( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) يدل على عظمة شأن ما أمره تعالى بتبليغه، بحيث أنه إن لم يبلّغه القوم فما بلغ الرسالة الاسلامية، ولذهبت متاعبه وأعماله هباءاً منثوراً، وما ذلك إلّا حكم الامامة الذي هو أصل عظيم من أصول الدين، وبه يتم صلاح المسلمين في الدنيا والآخرة.

قال في ( بحار الأنوار ): « إن الأخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) مما يعين أن المراد بالمولى: الأولى والخليفة والامام، لأن التهديد بأنه إن لم يبلّغه فكأنه لم يبلّغ شيئاً من رسالاته، وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافة الأنام، وبه

٢٥٤

يتبين للناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة، وكان قبوله صعبا على الأقوام، وليس ما ذكروه من الاحتمالات في لفظ « المولى » مما يظن فيه أمثال ذلك، فليس المراد إلّا خلافتهعليه‌السلام وإمامته، إذ بها يبقى ما بلّغهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحكام الدين، وبها ينتظم أمور المسلمين. وضغائن الناس لأمير المؤمنينعليه‌السلام كان مظنة إثارة الفتن من المنافقين، فلذا ضمن الله له العصمة من شرّهم »(١) .

ثم إنه لمـّا نزلت الآية المباركة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمر بتبليغ هذه الرسالة العظيمة مع ذلك التهديد، ضاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ذرعاً لأنه عرف أن الناس يكذّبونه. وذلك من جملة البراهين الواضحة على عظمة تلك الرسالة وصعوبة تقبّل بعض الصحابة إياها، ولو كان من أمر بتبليغه من الأمور الفرعية السهلة، أو كان مجرّد إيجاب محبّة أمير المؤمنين ومودّته لما ضاق بابلاغه ذرعاً، ولما خاف تكذيب الناس إياه، والحال أن جملة من روايات حديث الغدير تضمّنت هذه الجهات:

فعن كتاب ( مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ) لابن مردويه بإسناده في شأن نزول آية التبليغ: « عن زيد بن علي قال: لمـّا جاء جبرئيلعليه‌السلام بأمر الولاية ضاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ذرعا وقال: قومي حديثو عهد بجاهلية فنزلت ».

وعنه باسناده « عن ابن عباس قال: لمـّا أمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رب إن قومي حديثو عهد بالجاهلية، ثم مضى بحجّة، فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم أنزل الله عليه( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فأخذ بعضد علي ثم خرج إلى الناس. إلى آخر ما سيجيء فيما بعد إن شاء الله تعالى ».

____________________

(١). بحار الأنوار ٣٨ / ٢٤٩.

٢٥٥

وقد رواه السيد جمال الدين المحدث الشيرازي كما عرفت.

وعرفت أيضاً قول السيوطي: « أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّ الله بعثني رسالة فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذبي، فوعد ربي لأبلغنّ أو ليعذبني، فأنزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لمـّا نزلت( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) قال رسول الله: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس! فنزلت( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) (١) .

وما رواه ابن مردويه وغيره يفسر هذا الحديث، لأن « الحديث يفسر بعضه بعضاً » كما تقرر في علم أصول الحديث. ونص عليه الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) وقد تقدم ذكر عبارته سابقاً.

فإن قيل: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحذر تكذيب الكفار والمشركين لا الصحابة.

قلنا: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر بتبليغ هذه الرسالة إلى المسلمين، وقد كان الحاضرون في يوم الغدير كلهم مسلمين وصحابة له، ومتى كان الكفار موجودين في الغدير حتى يخافصلى‌الله‌عليه‌وآله تكذيبهم؟!

فإن قيل: فقد كان من بين الصحابة منافقون.

قلنا: فذلك ما نقول به، وقد كان أكثرهم كذلك، ولو كانوا أقل من المؤمنين به والمخلصين له لما خاف وضاق بالتبليغ ذرعاً، ولما قال: « يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس »، على أن اللفظ الذي رواه المحدث وابن مردويه صريح في أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخاف صحابته المسلمين الذين وصفهم بأنهم حديثو عهد بالجاهلية، ولو كان الذين يحذرهم كفرة لما وصفهم بهذا

____________________

(١). الدر المنثور ٢ / ٢٩٨.

٢٥٦

الوصف.

فتلخص أن نزول الآية المباركة في الغدير، وإن ما كان في ذلك اليوم، دليل قطعي على الامامة والخلافة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل، وأنه لم يكن ما أمر بتبليغه مجرد إيجاب مودة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، الأمر الذي فعله من ذي قبل مراراً وتكراراً، إما تصريحاً باسمه وإما في ضمن إيجاب مودّة أهل البيت وذوي القربى، من غير خوف وحذر، مع كون الصحابة أقرب عهداً بالكفر والجاهلية.

لا يقال: فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن أمر الخلافة قبل يوم الغدير، وعيّن أمير المؤمنينعليه‌السلام لها، فيلزم أن يكون من الرسالة غيرها.

لأن الغرض إثبات أن الأمر الذي أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بتبليغه في غاية العظمة والأهمية، ولا يتصور غير الامامة والخلافة أمر آخر بهذه المثابة، بحيث يخاف من تكذيب الصحابة، وإن تبليغ هذا الأمر العظيم من ذي قبل لا ينافي تبليغه والتأكيد عليه في حجة الوداع وفي يوم الغدير، مع أمور جديدة لم تقع من قبل، وهي استخلافهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي والتنصيص على ذلك، وأخذ البيعة على خلافته قرب وفاته، وفي هذا المشهد العظيم المنقطع النظير.

* * *

٢٥٧

٢٥٨

(٢)

نزول قوله تعالى:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

٢٥٩

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وهذا عندنا كلّه باطل ؛ لما تقدّم.

مسألة ١٨٨ : واستثني من المزابنة العرايا ، وهي جمع عريّة‌ ، والعريّة : النخلة تكون في دار الإنسان أو في بستانه ، فيباع ثمرتها رطباً بخرصها تمراً كيلاً ، فلا تجوز العرايا في أكثر من نخلة واحدة في عقدٍ واحد.

والشافعي أطلق الجواز في بيع العرايا ، وهو أن يبيع الرطب على رؤوس النخل بخرصه تمراً فيما دون خمسة أوسق ، سواء تعدّدت النخلة أو اتّحدت. ولا يجوز عنده فيما زاد على خمسة أوسق قولاً واحداً. وفي خمسة أوسق قولان - وبه قال أحمد - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق(١) . الشكّ من الراوي(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز بيع العرايا مطلقاً بحال البتّة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن المزابنة(٣) . وهي بيع التمر بالتمر كيلاً ، وبيع العنب بالزبيب كيلاً. ولأنّه لا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق كذلك في خمسة أوسق ، كما لو كان على وجه الأرض(٤) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٩٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٧١ / ١٥٤١ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٥٢ / ٣٣٦٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٩٥ / ١٣٠١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١١ ، الموطّأ ٢ : ٦٢٠ / ١٤.

(٢) الوجيز ١ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٠١ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٤ - ١٧٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢١٦ ، المغني ٤ : ١٩٦ - ١٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٥ - ١٦٦.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١١٧١ / ١٥٤٢ ، الموطّأ ٢ : ٦٢٤ - ٦٢٥ / ٢٣ - ٢٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٢ / ٢٢٦٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٩٤ / ١٣٠٠ ، سنن النسائي ٧ : ٣٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٧.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٧٤ - ١٧٦ ، المغني ٤ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٥.

٤٠١

والجواب : الخاصّ مقدّم على العامّ.

وقال مالك : يجوز في موضعٍ مخصوص ، وهو أن يكون قد وهب لرجل ثمرة نخلة ثمّ شقّ عليه دخوله إلى قراحه ، فيشتريها منه بخرصها من التمر يعجّله له ؛ لأنّ العريّة في اللغة هي : الهبة والعطيّة(١) .

وقال أحمد في إحدى الروايتين : يخرص الرطب في رؤوس النخل ويبيعه بمثله تمراً(٢) .

إذا تقرّر هذا ، فإنّ العريّة عندنا إنّما تكون في النخلة الواحدة تكون في دار الإنسان ، فلا تجوز فيما زاد على النخلة الواحدة ؛ عملاً بالعموم ، واقتصاراً في الرخص على مواردها.

مسألة ١٨٩ : وهذه الرخصة عامّة للغني والفقير‌ - وبه قال الشافعي في الاُمّ(٣) - لعموم اللفظ. ولأنّ كلّ بيع جاز للفقير جاز للغني ، كسائر البياعات.

وقال في الإملاء واختلاف الحديث : لا يجوز بيع العرايا إلّا للفقير خاصّة - وبه قال أحمد - لأنّ محمود بن لبيد قال : قلت لزيد بن ثابت : ما عراياكم هذه؟ فسمّى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله ٦ أنّ الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطباً يأكلونه مع الناس ، وعندهم فضول من قوتهم من التمر ، فرخّص أن يبتاعوا العرايا بخرصها من‌

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣١٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٦ ، المغني ٤ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٨.

(٢) المغني ٤ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٦.

(٣) الاُمّ ٣ : ٥٦ ، وكما في الحاوي الكبير ٥ : ٢١٨.

٤٠٢

التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطباً(١) (٢) .

والجواب : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والحديث دلّ على أنّ سبب الرخصة الحاجة ، وهي غير مختصّة بالفقراء.

مسألة ١٩٠ : قد بيّنّا أنّ الضابط في التسويغ إنّما هو بالنخلة الواحدة في الدار الواحدة‌ أو البستان الواحد. ولو كان له عدّة دُوْر في كلّ واحدة نخلة ، جاز بيعها عرايا.

وأجاز الشافعي العريّة في أقلّ من خمسة(٣) بمهما كان قولاً واحداً ، وبه قال المزني وأحمد. ومَنَع من الزيادة. وفي الخمسة قولان ؛ لأنّ النبيّ ٦ رخّص في العرايا الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة(٤) . ولأنّ الخمسة جُعلت في حدّ الكثرة ، ووجبت الزكاة. واستدلّ على الجواز في الخمسة بإطلاق التسويغ في العريّة ثمّ ورد النهي فيما(٥) زاد على خمسة أوسق(٦) .

مسألة ١٩١ : إذا تبايعا العريّة ، وجب أن ينظر إلى الثمرة على النخلة‌ ويحزر ذلك رطباً فيتبايعاه بمثله تمراً ، ولا يشترط التماثل في الخرص بين‌

____________________

(١) أورده الشافعي في اختلاف الحديث : ١٩٧ ، والمزني في مختصره : ٨١ ، وابن قدامة في المغني ٤ : ١٩٨.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٧ - ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٨ ، المغني ٤ : ٢٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٧ ، وانظر : اختلاف الحديث : ١٩٧.

(٣) أي : خمسة أوسق.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ٣١١ ، المغني ٤ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٦.

(٥) في « ق » : « عمّا » بدل « فيما ».

(٦) الاُمّ ٣ : ٥٤ - ٥٥ ، مختصر المزني : ٨١ ، الوجيز ١ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٠١ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٥ و ١٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٢ ، المغني ٤ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٥.

٤٠٣

ثمرتها عند الجفاف وثمنها ، ولا يجوز التفاضل عند العقد ، ولا تكفي مشاهدة التمر على الأرض ولا الخرص(١) فيه ، بل لا بُدّ من معرفة مقداره بالكيل أو الوزن.

وقال الشافعي : يجب التماثل بين ثمرتها عند الجفاف وبين التمر المجعول ثمناً(٢) .

والأصل العدم. والربا لا يثبت على تقدير إتلاف الرطب. ولا يجب الترقّب بحيث يثبت فيه. نعم ، يحرم التفاضل بين الرطب والتمر ، وتجب المساواة وإن كنّا قد منعنا من بيع الرطب بالتمر ؛ لأنّ هذا مستثنى ؛ للرخصة.

مسألة ١٩٢ : لا يجب التقابض في الحال عندنا قبل التفرّق‌ ، بل الحلول ، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر ؛ للأصل والإطلاق.

وقال الشافعي : يجب التقابض في الحال قبل التفرّق(٣) . فيخلّي صاحب الثمرة بينها وبين مشتريها ويسلّم صاحب التمر التمر إلى مشتريه لينقله ويحوّله.

وليس من شرط ذلك عنده(٤) حضور التمر عند العقد ، بل إذا شاهد الثمرة على رؤوس النخل ثمّ شاهد التمر على الأرض ثمّ تبايعا ومضيا جميعاً إلى النخلة فسلّمها إلى مشتريها ثمّ مضيا إلى التمر فسلّمه إلى مشتريه ، جاز عنده(٥) ؛ لأنّ التفرّق لم يحصل بينهما قبل التقابض ، والاعتبار بتفرّقهما دون مكان البيع.

____________________

(١) في « ق » : « الحزر » بدل « الخرص ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، المغني ٤ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٨.

(٤و٥) اُنظر : المغني ٤ : ٢٠٠ ، والشرح الكبير ٤ : ١٦٨.

٤٠٤

مسألة ١٩٣ : لا يجوز بيع أكثر من النخلة الواحدة عريّةً‌ ؛ لعموم المنع من المزابنة(١) ، خرج عنه العريّة في النخلة الواحدة - وبه قال أحمد(٢) - للحاجة ، فيبقى الباقي على المنع ، سواء اتّحد العقد أو تعدّد. أمّا لو تعدّد المشتري فالوجه : الجواز.

وقال الشافعي : يجوز أن يبيع العريّة من رجل ثمّ يبيع منه أو من غيره عريّة اُخرى في عقدٍ آخر حتى يأتي على جميع حائطه ؛ للعموم(٣) .

وهو ممنوع. ولأنّ فيه توصّلاً إلى المحرَّم وهو المزابنة ؛ لأنّه يبيع جميع النخل في عقود متعدّدة.

فروع :

أ - لو باع في صفقة واحدة من رجلين كلّ واحد منهما نخلة معيّنة ، جاز. وكذا لو باعهما نخلتين مشاعاً بينهما ، وبه قال الشافعي(٤) ، خلافاً لأحمد ؛ لأنّ البائع - عنده - لا يجوز أن يبيع أكثر من عريّة واحدة(٥) .

ب - لو باع رجلان من واحد صفقة واحدة نخلتين عريّة ، جاز‌ - وهو‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١١٦٨ / ١٥٣٩ ، و ١١٧١ / ١٥٤٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٩٤ / ١٣٠٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٧ ، الموطأ ٢ : ٦٢٤ - ٦٢٥ / ٢٣ - ٢٥.

(٢) المغني ٤ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٠.

(٣) الوجيز ١ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨ ، المغني ٤ : ١٩٧ - ١٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٧ ، المغني ٤ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٦.

٤٠٥

أحد وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ تعدّد الصفقتين بتعدّد البائع أظهر من تعدّدها بتعدّد المشتري.

والثاني لهم : لا تجوز الزيادة على خمسة أوسق نظراً إلى مشتري الرطب ؛ لأنّه محلّ الخرص الذي هو خلاف قياس الربويّات ؛ فلا ينبغي أن يدخل في ملكه أكثر من القدر المحتمل دفعةً واحدة(٢) .

والجواب : أنّ ذلك يأتي في بائعٍ واحد ، أمّا في اثنين فلا.

ج - لو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة ، احتمل جواز أربع نخلات.

وقال الشافعي : لا يجوز في أكثر من عشرة أوسق ، ويجوز فيما دونها ، وفي العشرة قولان(٣) .

مسألة ١٩٤ : وهل تثبت العريّة في العنب؟ إن قلنا بتناول تحريم المحاقلة العنب ، احتمل الثبوت ، وإلّا فلا بأس في بيعه بالزبيب أو العنب ؛ اقتصاراً بالمنع على مورده ، وانتفاء أصالة العلّيّة بالربا ؛ لانتفاء شرطه ، وهو الكيل أو الوزن في الثمرة على رؤوس الأشجار.

أمّا الشافعي فإنّه عمّم التحريم في العنب كالثمرة ، وجوّز بيع العريّة منه ؛ لأنّ في حديث ابن عمر أنّه قال : والعرايا بيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب(٤) . ولأنّ العنب يخرص كما يخرص النخل ويوسق ، وهو ظاهر يمكن معرفة مقداره بالتخمين(٥) .

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٧١ / ١٥٤٢.

(٥) الاُم ٣ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢١٩ ، التهذيب =

٤٠٦

أمّا ما عدا ذلك من الثمار التي تجفّف - كالمشمش والخوخ والإجّاص - ففي جواز بيعه على شجرة بخرصه للشافعي قولان :

الجواز ، كالرطب والعنب ؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه.

والمنع ؛ لأنّ العُشْر لم يجب ، ولم يُسنّ الخرص منها. ولأنّها تستتر في ورقها فيخفى خرصها(١) .

مسألة ١٩٥ : إنّما يجوز بيع الرطب بخرصه تمراً‌ إذا كان على رؤوس النخل في العريّة خاصّة ، فأمّا إذا كان الرطب على وجه الأرض ، فإنّه لا يجوز ؛ لأنّ ذلك إنّما جاز للحاجة ولا حاجة إلى شراء ذلك على وجه الأرض ، وإنّما الغرض في جوازه على النخل ليؤخذ شيئاً فشيئاً.

ولو باع الرطب على رؤوس النخل بالرطب على رؤوس النخل خرصا أو باع الرطب على رؤوس النخل خرصاً بالرطب على وجه الأرض كيلاً ، فالأقوى : الجواز ؛ للأصل السالم عن معارضة الربا ؛ ( لانتفائه بانتفاء شرطه )(٢) - وبه قال أبو علي ابن خيران من الشافعيّة(٣) - لما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رخّص في بيع العرايا بالتمر والرطب(٤) .

____________________

= - للبغوي - ٣ : ٤٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨ ، المغني ٤ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٩.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢١٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ك ‍» : لانتفاء شرطه.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٩٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٦٨ / ١٥٣٩ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥١ / ٣٣٦٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٧ و ٢٦٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١١.

٤٠٧

وقال أبو إسحاق منهم : إنّه إن كان نوعاً واحداً ، لم يجز. وإن كان نوعين ، جاز ؛ لأنّ في النوع الواحد لا حاجة إليه ، وقد ثبت غرض صحيح في النوعين(١) .

وقال الاصطخري منهم : إنّه لا يجوز ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما رخّص في بيعه بالتمر(٢) ، فلم يجز غير ذلك(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ المساواة بين الرطب والرطب أقرب منها بين الرطب والتمر.

ولو باع الرطب على وجه الأرض بالرطب على وجه الأرض متساوياً ، جاز عندنا على ما تقدّم في باب الربا ، خلافاً للشافعي(٤) .

مسألة ١٩٦ : ظاهر كلام الأصحاب يقتضي المنع من بيع العريّة على غير مالك الدار‌ أو البستان أو مستأجرهما أو مشتري ثمرة البستان على إشكال ، لأنّ النخلة إذا كانت للغير في ملك إنسان ربما لحقه التضرّر بدخول مشتري الثمرة إليها ، وكذا في بستانٍ ، وكذا في ثمرة بستانه ، فاقتضت الحكمة جواز بيعها على مالك الدار والبستان ومستأجرهما ومشتري الثمرة ، دفعاً للحاجة ، بخلاف غيرهما.

وظاهر كلام المجوّزين من الجمهور : العموم ، فيجوز لصاحب‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٨.

٤٠٨

البستان أن يبيع خمسة أوسق من الرطب بخرصها تمراً لأيّ شخص كان.

مسألة ١٩٧ : يجوز أن يتقبّل أحد الشريكين بحصّة صاحبه من الثمرة بشي‌ء معلوم منها‌ لا على سبيل البيع ؛ عملاً بالأصل. ولأنّ الحاجة قد تدعو إليه.

ولما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه : اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلاً مسمّى وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ، وإمّا أن آخذه أنا بذلك وأردّ عليك ، قال : « لا بأس بذلك »(١) .

وهل يجوز البيع؟ يحتمل ذلك ؛ عملاً بالأصل السالم عن معارضة الربا ؛ إذ لا وزن في الثمرة على رأس الشجرة ، فعلى تقدير جواز البيع يثبت فيه أحكامه من الضمان على البائع قبل الإقباض ، وعلى المشتري بعده.

وإن منعنا البيع وجوّزنا التقبّل ، كان معناه أنّ المتقبّل يأخذ جميع الثمرة ويدفع إلى شريكه عن قدر حصّته ما تقبّل به ، فإن كان ما حصل مساوياً لما تقبّل به ، فلا بحث. وإن زاد فله. وإن نقص فعليه.

وهل يكون ذلك لازماً؟ إشكال. وعلى تقدير لزومه هل يكون الناقص عليه؟ وهل يكون مضموناً في يده؟ الأقرب : ذلك ، لأنّه إمّا بيعٌ فاسد أو تقبّل.

ولو تلفت الثمرة بآفة سماويّة بعد القبض ، هل يسقط من المال الذي تقبّل به شي‌ء أم لا؟

مسألة ١٩٨ : يجوز لمشتري الثمرة أن يبيعها بزيادة عمّا ابتاعه‌ أو‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٣ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ / ٦٢٣ ، التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٨٩.

٤٠٩

نقصان قبل قبضه وبعده ؛ عملاً بالأصل ، وبما رواه محمّد الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يأخذها ، قال : « لا بأس به إن وجد ربحاً فليبع »(١) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام أنّه قال في رجل اشترى الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يقبضها ، قال : « لا بأس »(٢) .

مسألة ١٩٩ : لو اشترى الزرع قصيلاً مع اُصوله ، صحّ. فإن قطعه فنبت ، فهو له. فإن شرط صاحب الأرض قطعه فلم يقطعه ، كان عليه اُجرة الأرض. ولو لم يشرط المشتري الأصل ، فهو لصاحبه. فإذا قصله المشتري ونبت ، كان للبائع. ولو لم يقصله ، كان شريكاً للبائع ويحكم بالصلح.

تذنيب : لو سقط من الحبّ المحصود شي‌ء فنبت في القابل‌ ، فهو لصاحب البذر لا الأرض - خلافاً لأحمد(٣) - سواء سقاه صاحب الأرض وربّاه أو لا ، ولصاحب الأرض الاُجرة ؛ لأنّه شغلها بماله.

آخر : لو اشترى نخلاً ليقطعه أجذاعاً فتركه حتى حمل ، فالحمل له ، وعليه الاُجرة ، سواء سقاه صاحب الأرض أو لا.

وفي رواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع فيحمل النخل ، قال : « هو له إلاّ أن يكون صاحب الأرض سقاه وقام عليه»(٤) .

وهذه الرواية محمولة على جريان عقد المساقاة بينهما.

مسألة ٢٠٠ : يجوز للإنسان إذا مرّ بشي‌ء من ثمرة النخل والشجر‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٨ - ٨٩ / ٣٧٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٨٩ / ٣٧٧.

(٣) المغني ٤ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٤١.

(٤) التهذيب ٧ : ٩٠ / ٣٨٢.

٤١٠

والزرع أن يأكل منها(١) من غير إفساد. ولا يحلّ له أن يأخذ منها شيئاً يحمله ويخرج به ؛ لما رواه ابن أبي عمير - في الصحيح - عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمرة فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال : « لا بأس »(٢) .

وقد روى عليّ بن يقطين - في الصحيح - عن الرضاعليه‌السلام ، قال سألته عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر أيحلّ له أن يتناول منه شيئاً ويأكل بغير إذن من صاحبه؟

وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره المقيم فليس له؟ وكم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال : « لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً »(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : قوله : « لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً » محمول على ما يحمله معه ، فأمّا ما يأكله في الحال من الثمرة فمباح(٤) ، للرواية السابقة. ولما رواه الحسين بن سعيد عن أبي داود عن بعض أصحابنا عن محمّد بن مروان عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : أمرّ بالثمرة فآكل منها؟

قال : « كُلْ ولا تحمل » قلت : جعلت فداك ، التجّار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : « اشتروا ما ليس لهم »(٥) .

مسألة ٢٠١ : لو كان في قرية نخل وزرع وبساتين وأرحاء وأرطاب‌ ، جاز للإنسان أن يشتري غلّتها ؛ للأصل.

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : منه ، وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) التهذيب ٧ : ٩٣ / ٣٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٩٠ / ٣٠٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٩٢ / ٣٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٩٠ / ٣٠٧.

(٤) التهذيب ٧ : ٩٢ - ٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٩٠ ذيل الحديث ٣٠٧.

(٥) التهذيب ٧ : ٩٣ / ٣٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٩٠ / ٣٠٥.

٤١١

ولما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن قرية فيها أرحاء ونخل وزرع وبساتين وأرطاب أشتري غلّتها؟ قال : « لا بأس »(١) .

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز أن يشتري ما فيها من الثمار والزروع ، ويشترط منفعة الرحى مدّة معلومة بشي‌ء معلوم ، وأن يتقبّل بمنافع هذه القرية على اختلاف أصنافها بشي‌ء معيّن ؛ للأصل.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٠ / ٣٨٣.

٤١٢

٤١٣

الفصل الثالث

في الصرف‌

وهو بيع الأثمان من الذهب أو الفضّة بالأثمان.

وإنّما سُمّي صرفاً ؛ لأنّ الصرف في اللغة هو : الصوت ، ولمـّا كان الصوت يحصل بتقليب الثمن والمثمن هنا سُمّي صرفاً.

وهو جائز إجماعاً ، وله شرائط تأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ٢٠٢ : من شرط الصرف التقابضُ في المجلس قبل التفرّق‌ ، سواء تماثلا جنساً أو اختلفا ، وسواء كانا معيّنين أو غير معيّنين بل موصوفين ، لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ هاء وهاء »(١) وهي تقتضي وجوب التقابض في المجلس.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلّا يداً بيد ، ولا يبتاع ذهباً بفضّة إلّا يداً بيد »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر ، سواء اتّفقا في الجنس أو اختلفا ، وسواء اتّحدا وزناً أو اختلفا ، وسواء تساويا وصفاً أو‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في الكتب الحديثيّة المتوفّرة لدينا ، وفي صحيح البخاري ٣ : ٩٧ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٧ / ٢٢٥٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ : « الذهب بالذهب ربا إلّا هاء وهاء ». و « هاء » اسم فعل ، بمعنى « خُذْ ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٥١ / ٣١ ، التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٨.

٤١٤

تضادّا ؛ لأنّ التقابض في المجلس شرط فيه ، ولا يتحقّق ذلك مع إسلاف أحدهما في الآخر.

ولقول الباقرعليه‌السلام أنّه قال : « في الورق بالورق وزناً بوزن ، والذهب بالذهب وزناً بوزن »(١) .

فروع :

أ - لو افترقا قبل التقابض ، بطل البيع ؛ لعدم الشرط.

ولو تفرّقا وقد تقابضا البعض خاصّة ولمـّا يتقابضا في الباقي ، بطل البيع فيما لم يتقابضا فيه ، ويكونان بالخيار في الباقي ؛ لتبعّض الصفقة في حقّهما ، ولا يبطل في الباقي المقبوض. وللشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة(٢) .

ب - لو قاما عن ذلك المجلس قبل التقابض مصطحبين ، لم يحصل الافتراق ، وكان البيع صحيحاً ، فإن تقابضا في غير ذلك المجلس ولم يفترقا ، صحّ البيع ولزم ، لحصول التقابض قبل التفرّق ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا اشتريت ذهباً بفضّة ، أو فضّة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، وإن نزا حائطاً فانز معه »(٣) .

ولأنّ خيار المجلس يبطل مع الافتراق ولا يبطل مع مفارقتهما لذلك المجلس مصطحبين ، فلا يكون ذلك افتراقاً.

ج - قد بيّنّا أنّه يشترط الحلول ؛ لاشتراط التقابض في المجلس ، فلو‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٨ / ٤٢٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٢٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٩.

٤١٥

أسلف أحدهما في الآخر بأجل قصير جدّا ولو ساعة مع الضبط ولم يتفارقا حتى تقابضا ، لم يصحّ البيع أيضا ، لما تقدّم(١) في الحديثين عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وعن الباقرعليه‌السلام .

د - لو تصارفا ذهباً بذهب أو فضّة ، أو فضّةً بفضّة أو ذهب ، لم يضرّ طول لبثهما في المجلس‌ ولا طول مصاحبتهما ، سواء كان الثمن والمثمن معيّنين أو مطلقين في الذمّة أو معيّناً ومطلقاً ولو امتدّ إلى سنة وأزيد.

ه- لو وكّل أحدهما وكيلاً في القبض أو وكّلا وكيلين فيه وتقابض الوكيلان ، صحّ البيع‌ إن تقابض الوكيلان أو قبض وكيل أحدهما من العاقد قبل مفارقة المتبايعين ، وإلّا بطل ؛ لأنّ المجلس متعلّق ببدن المتعاقدين.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن بيع الذهب بالدراهم فيقول : أرسل رسولاً فيستوفي لك ثمنه ، قال : « يقول : هات وهلمّ ويكون رسولك معه »(٢) .

و - لو لم تتّفق المصاحبة ولا ملازمة المجلس فأرسل أحدهما وكيله ليقبض من صاحبه ، بطل ذلك العقد ، واحتاج إلى أن يجدّده الوكيل ؛ لفوات الشرط.

ولأنّ ابن الحجّاج سأله عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها وينتقدها ويحسب ثمنها كم هو دينار ثمّ يقول : أرسل غلامك معي حتى اُعطيه الدنانير ، فقال : « ما أحبّ أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير » فقلت : إنّما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض وهذا يشقّ عليهم ، فقال : « إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي‌

____________________

(١) في ص ٤١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٢ / ٣٣ ، التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٢٨.

٤١٦

يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ويدفع إليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق»(١) .

ز - لا تقوم مصاحبة الوكيل مقام مصاحبة الموكّل ، بل متى تعاقدا وتفرّقا واصطحب الوكيل والآخر ، بطل البيع ؛ لانتفاء الشرط.

ح - لو تصارف الوكيلان أو أحدُ صاحبي المال مع وكيل الآخر ، كان الاعتبار بالمتعاقدين لا بالمالكين ، فلو تفرّق الوكيلان المتعاقدان دون صاحبي المال ، بطل البيع ، وبالعكس لا يبطل.

ط - لو تعذّر عليهما التقابض في المجلس وأرادا الافتراق ، لزمهما أن يتفاسخا العقد بينهما ، فإن تفرّقا قبله ، كان ذلك ربا ، وجرى مجرى بيع مال الربا بعضه ببعض نسيئةً ، ولا يغني تفرّقهما ؛ لأنّ فساد العقد إنّما يكون به شرعاً ، كما أنّ العقد مع التفاضل فاسد ويأثمان به.

مسألة ٢٠٣ : لو اشترى بنصف دينار شيئا وبنصفه ورقا ، جاز‌بشرط أن يقبض ما قابل الورق ، لما رواه الحلبي - في الصحيح(٢) - قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام : عن رجل ابتاع من رجل بدينار وأخذ بنصفه بيعا وبنصفه ورقا ، قال : « لا بأس به » وسألته هل يصلح له أن يأخذ بنصفه ورقاً أو بيعاً ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ به ورقاً أو بيعاً؟ فقال : « ما اُحبّ أن أترك منه شيئاً حتى آخذه جميعاً فلا يفعله »(٣) .

واعلم أنّ الدينار المقبوض إذا كان قد انتقل بالبيع ، لم يجز التفرّق قبل قبض الورق ، سواء قبض العوض الآخر أو لا. ولو قبض العوض‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٢ / ٣٢ ، التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٩٤ / ٣٢٠.

(٢) « في الصحيح » لم ترد في « ق ، ك ».

(٣) التهذيب ٧ : ٩٩ - ١٠٠ / ٤٣٠.

٤١٧

الآخر ، لم يكف في قبض الورق ، وصحّ البيع فيه خاصّة وإن لم يقبضه.

ولو انعكس الفرض فدفع نصف الدينار خاصّة بعد إقباض الورق والمبيع الآخر ، فإن نوى بالدفع عن الورق ، صحّ البيع فيهما. وإن نوى بالدفع عن الآخر ، بطل في الورق ، وتخيّر في الآخر. وإن أطلق ، احتمل ضعيفاً صرفه إلى الورق تصحيحاً للعقد ، والبطلان في نصف الورق.

مسألة ٢٠٤ : لو اشترى الإنسان من غيره دراهم بدنانير ثمّ اشترى بها دنانير‌ قبل قبض الدراهم ، بطل الثاني ؛ لأنّه بيع الموزون قبل قبضه ، وهو منهيّ عنه(١) على ما تقدّم(٢) ؛ فإن(٣) افترقا ، بطل العقدان معاً ؛ للتفرّق قبل التقابض في الصرف. ولو كان ثمن الدراهم غير الدنانير ، لم يبطل الأوّل ؛ إذ القبض في المجلس ليس شرطاً فيه.

مسألة ٢٠٥ : لو كان للإنسان على غيره دراهم وأمره بأن يحوّلها إلى الدنانير‌ أو بالعكس بعد المساعرة على جهة التوكيل في البيع ، صحّ وإن تفرّقا قبل القبض ؛ لأنّ النقدين من واحد ، وهو بعينه موجب للبيع بالأصالة وقابل بالوكالة ، فكان بمنزلة المقبوض.

ولما رواه إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : يكون للرجل عندي الدراهم فيلقاني فيقول : كيف سعر الوضح اليوم؟ فأقول : كذا وكذا ، فيقول : أليس لي عندك كذا وكذا ألف درهم وضحاً؟ فأقول : نعم ، فيقول : حوّلها إلى دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك ، فما ترى في هذا؟

فقال لي : « إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذٍ فلا بأس بذلك » فقلت :

____________________

(١) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ١٢ / ١٠٨٧٥.

(٢) في ص ١٢٠ و ١٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « وإن » بدل « فإن ».

٤١٨

إنّي لم اُوازنه ولم اُناقده وإنّما كان كلام منّي ومنه ، فقال : « أليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك؟ » قلت : بلى ، قال : « فلا بأس »(١) .

أمّا لو لم يكن على جهة التوكيل في البيع بل اشترى منه بالدراهم - التي في ذمّته - دنانير ، وجب القبض قبل التفرّق ؛ لأنّه صرفٌ فات شرطه فكان باطلاً.

مسألة ٢٠٦ : لا يشترط الوزن والنقد حالة العقد ولا حالة القبض‌ ، فلو صارفة مائة دينار بألف درهم ثمّ دفع إليه دراهم غير معلومة القدر والنقد وتفرّقا ، صحّ البيع إن كان المدفوع قد اشتمل على الحقّ أو زاد ، أمّا لو نقص ، فإنّه يبطل في القدر الناقص خاصّة ؛ لوجود المقتضي للصحّة ، وعدم المانع ، وهو انتفاء القبض ؛ إذ لم يشرط في القبض التعيين.

ولما رواه إسحاق بن عمّار ، قال : سألت الكاظمعليه‌السلام عن الرجل يأتيني بالورق فأشتريها منه بالدنانير فأشتغل عن تحرير وزنها وانتقادها وفضل ما بيني وبينه ، فاُعطيه الدنانير وأقول له : إنّه ليس بيني وبينك بيع ، وإنّي قد نقضت الذي بيني وبينك من البيع ، وورقك عندي قرض ، ودنانيري عندك قرض ، حتى يأتيني من الغد فاُبايعه ، فقال : « ليس به بأس »(٢) .

ولو كان المدفوع أقلّ من المستحَقّ ، بطل الصرف في الناقص خاصّة ، وتخيّر في الفسخ في الباقي ؛ لتبعّض الصفقة.

وكذا لو دفع إليه الدراهم بقدر حقّه إلّا أنّ فيها زيوفاً ، فإنّه يصحّ البيع إن كان الغشّ من الجنس بسبب اختلاف الجوهر في النعومة والخشونة‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤٤١.

(٢) التهذيب ٧ : ١٠٣ / ٤٤٤.

٤١٩

وشبهه ؛ لأنّه من جنس الحقّ ، ولو رضي قابضه به ، لزم البيع ، بخلاف ما إذا لم يكن من الجنس.

ولأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام عن الرجل يبيعني الورق بالدنانير وأتّزن منه وأزن له حتى أفرغ فلا يكون بيني وبينه عمل إلّا أنّ في ورقه نفاية(١) وزيوفا وما لا يجوز ، فيقول : انتقدها وردّ نفايتها ، فقال : « ليس به بأس ولكن لا تؤخّر ذلك أكثر من يوم أو يومين فإنّما هو الصرف » قلت : فإن وجدت(٢) في ورقه فضلاً مقدار ما فيها من النُّفاية؟ فقال : « هذا احتياط ، هذا أحبّ إليَّ »(٣) .

مسألة ٢٠٧ : الجيّد من الجوهرين مع الردي‌ء منه واحد مع اتّحاد الجنس‌ ، وكذا المصوغ والمكسّر ، فلو باع آنيةً من ذهب أو فضّة بأحد النقدين ، وجب التقابض قبل التفرّق ؛ لأنّ أصالة الجوهريّة مانعة من التكثّر ، والكسرُ وضدُّه غير موجبين له. وكذا جيّد الجوهر - كالفضّة الناعمة - مع رديئه كالخشنة - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٤) - لأنّ الصفة لا قيمة لها في الجنس ، فإنّه لا يجوز بيع المصوغ بالتبر متفاضلاً.

وخالف فيه الشافعي ؛ لأنّ قيمة الصحيح أكثر من قيمة المكسور ، فيؤدّي إلى التفاضل فيلزم الربا(٥) .

____________________

(١) النُّفاية : ما نفيتَه من الشي‌ء لرداءته. الصحاح ٦ : ٢٥١٤ « نفا ».

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « أخذت » بدل « وجدت ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٠٣ / ٤٤٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٤١ و ١٩٦.

(٥) مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤٣ ، الوجيز ١ : ١٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458