الصحيفة السجادية

الصحيفة السجادية12%

الصحيفة السجادية مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 309

الصحيفة السجادية
  • البداية
  • السابق
  • 309 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 102396 / تحميل: 8543
الحجم الحجم الحجم
الصحيفة السجادية

الصحيفة السجادية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ولذلك قال تعالى:( فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) (1) .

فالآية تريد أن تحدد المسؤوليات، وتسد أبواب التملصات المقيتة، من قبل من يظهرون الطاعة والإنقياد، ويبطنون الصدود والعناد، ويدبرون في الخفاء للإستئثار بالأمر، وإقصاء صاحبه الشرعي عنه، ولا شيء يدفعهم إلى ذلك سوى حب الدنيا وزينتها، وعدم الإعتداد بشيء آخر سواها..

فعلى الناس أن يحفظوا نعمة الله عليهم، وأن لا يفرطوا فيما حباهم الله به، ولا يخضعوا لأهواء أهل الكفر، ولا يخشوا كيدهم ومؤامراتهم، وإلا فإنهم سيذوقون وبال أمرهم، وستكون أعمالهم هي السبب في سلب هذه النعمة منهم وعنهم.

أكملت.. أتممت:

ويلاحظ: أن الآية قد عبرت بالإكمال بالنسبة للدين، وبالإتمام بالنسبة للنعمة، وربما يكون الفرق بينهما: أن الإكمال هو تتميم خاص، فإنه يستعمل حيث يكون للشيء أجزاء لها أغراض وآثار مستقلة، فكلما حصل جزء، تحقق معه أثره وغرضه.

فهو من قبيل العموم الأفرادي، ويمكن أن يمثل له بصيام شهر رمضان، فإن صيام أي يوم منه يوجب تحقيق أثره، ويسقط وجوبه، وتبقى سائر الأيام على حالها..

____________

1- الآية 150 من سورة البقرة.

٢٤١

أما الإتمام، فيستعمل فيما يكون له أجزاء لا يتحقق لها أثر حتى تكتمل، فيكون الأثر لمجموعها، فلو فقد واحد منها لانتفى الأثر المترتب على المجموع.

فهو نظير ساعات اليوم الذي يصام فيه، فإنها لا يترتب الأثر على صيامها إلا بعد انضمام أجزائها إلى بعضها، بحيث لا يتخلف جزء منها، فإنه يوصف بالتمام في هذه الحال، ولذلك قال تعالى:( أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (1) ، وكذلك الحال في الصلاة بالنسبة لأجزائها الأساسية الواجبة، فإن بطلان أو إسقاط أي جزء منها يوجب سقوط الصلاة نفسها، وبطلانها.

والدين هو مجموعة قضايا، ومفاهيم وأحكام، لها آثارها الخاصة بها، ولكل واحد منها طاعته ومعصيته على حدة.. فيصح التعبير عنه بالإكمال.

أما النعمة التي أتمها الله فهي هنا تشريع ما يكون موجباً لحفظ الدين، وهو ولاية أولياء الله تبارك وتعالى، لتقام بهم أركان الإسلام، وتنشر بهم أعلامه. وبذلك يأمن المؤمنون من أي فتنة أو افتتان.

ويتحقق بذلك شرط قبول أعمال العباد، فإذا نقض المسلمون عهدهم، ولم يلتزموا بطاعة الإمام، حرمـوا من بركـات وجوده، وعاشوا في المصائب والبـلايـا في حياتهم الدنيـا، ويكـونـون عرضـة للفتن والمحن بما كسبت أيديهم.

____________

1- الآية 187 من سورة البقرة.

٢٤٢

الإسلام مرضي لله تعالى دائماً:

وليس معنى قوله تعالى:( وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (1) . أن الإسلام لم يكن مرضياً قبل ذلك اليوم.. فإن الإسلام مرضي دائماً لله تعالى، والآية لا مفهوم لها..

لأنها تريد أن تقول: إن يأس الكفار، وإتمام النعمة وإكمال الدين، الذي رضيه الله تعالى لكم أيها البشر قد كان في هذا اليوم، فالله سبحانه راض لكم هذا في كل حين، وقد بلغه لكم على لسان أنبيائه، ووضع الضمانات لحفظ حدوده وشرائعه، وهيأ الظروف لبقائه واستمراره، من خلال تشريع الولاية، وتعريف الناس بأئمة دينهم، وبما يحفظهم من الضلال، ويدفع عن دينه تحريف المبطلين، وشبهات المضلين..

أو يكون المراد: أن الله كما لا يرضى الإسلام الناقص، لا يرضى الإسلام بدون حافظ لحدوده وشرائعه..

فإذا لم يبلغ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ما أنزل إليه من ربه كان الإسلام ناقصاً، وبلا حافظ معاً. ولا سيما مع ملاحظة: أن قبول الأعمال مرهون بولايته (عليه‌السلام ).

آية الإكمال نزلت مرتين:

ذكرنا في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

____________

1- الآية 3 من سورة المائدة.

٢٤٣

أموراً كثيرة حول آية الأمر بالبلاغ.. وآية إكمال الدين.. فلا غنى عن مراجعته.

وقلنا في ذلك الكتاب ما يلي: إن سورة المائدة قد نزلت يوم عرفة دفعة واحدة، فقرأها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على الناس، وسمعوا آية الإكمال، وحاول أن يبلغ أمر الإمامة في عرفة، فمنعته قريش وأعوانها.

ثم بدأت الأحداث تتوالى، وتنزل تلك الآيات المرتبطة بكل حدث على حدة. فنزلت بعد ذلك آية:( بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (1) . وجاءته بالعصمة من ربه، فبادر إلى إعلان إمامة علي (عليه‌السلام ) يوم الغدير، ثم تلا عليهم، أو نزلت عليه آية الإكمال بعد نصبه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) في ذلك اليوم الأغر، وقبل أن يشرع الناس بالتفرق.

فيكون الحديثان في نزول هذه الآية يوم عرفة، ويوم الغدير صحيحين معاً، لكن نزولها يوم عرفة كان في ضمن السورة، التي نزلت دفعة واحدة، ونزولها يوم الغدير كان بصورة منفردة عن بقية آيات السورة، بل ومنفردة عن سائر فقرات الآية التي هي في ضمنها كجملة إعتراضية، حسبما بيناه..

وقد نقل الرواية بذلك الطبرسي في الإحتجاج ونقلها غيره أيضاً(2) ،

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- راجع: الإحتجاج (ط دار النعمان ـ النجف الأشرف) ج1 ص66 فما بعدها، وبحار الأنوار ج37 ص201 واليقين لابن طاووس ص343 والتفسير الصافي ج2 ص53 وروضة الواعظين ص89 وغاية المرام ج1 ص327 وج2 ص142 وج3 ص337 وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم‌السلام " للنجفي ج8 ص48

٢٤٤

وفيها: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قرأ عليهم آية إكمال الدين يوم عرفة، حيث أمره الله تعالى بتبليغ ولاية علي (عليه‌السلام )، ولم تنزل العصمة.

ويعلم بالمراجعة: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حاول تنفيذ هذا الطلب، فمنع، فنزل قوله تعالى:( بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ..) (1) ، ففعل ذلك في يوم الغدير، ولم ينبس أحد منهم ببنت شفة إلا همساً.

ويؤيد هذ المعنى: ما ذكر في بعض الروايات، من أن يوم الغدير كان يوم الخميس كما سيأتي.

وهذا لا يتلاءم مع قولهم: إن يوم عرفة كان يوم الخميس، بل يتلاءم مع كون عرفة يوم الثلاثاء.

وقد روي عن عمر(2) ، ومعاوية، وسمرة بن جندب، ونسب إلى علي

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- راجع: الدر المنثور ج2 ص258 عن الحميدي، و عن عبد بن حميد، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان، والبيهقي في سننه، وراجع: صحيح البخاري ج5 ص186 وج8 ص137 و (ط دار المعرفة) ج1 ص16 وصحيح مسلم ج8 ص238 و 239 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص181 وج5 ص118 وسنن النسائي ج8 ص114 ومسند أحمد ج1 ص28 وسنن الترمذي ج4 ص316 وعمدة القاري ج18 ص199 وج25 ص23 ومسنـد الحميـدي ج1 ص19 والسنن الكـبرى للنسائي ج2 ص420 = = والمعجم الأوسط للطبراني ج1 ص253 وج4 ص174 ومسند الشاميين ج2 ص60 وفضائل الأوقات للبيهقي ص351 وكنز العمال ج2 ص399 وجامع البيان ج6 ص109 و 111 ومعاني القرآن للنحاس ج2 ص261 وتفسير السمعاني ج2 ص10 وشرح أصول الكافي ج6 ص121 وج11 ص278 والمحلى لابن حزم ج 7 ص 272.

٢٤٥

(عليه‌السلام ) أيضاً أن آية الإكمال نزلت في يوم عرفة(1) .

وهو ما يعني: أن آية الإكمال قد نزلت يوم عرفة في ضمن تمام السورة. ثم نزلت في موردها وحدها يوم الخميس، وهو يوم غدير خم.

ولو قلنا: إن الآية لم تنزل يوم الغدير، بل نزلت يوم عرفة فقط، لم يمكن أن نجد لمضمون الآية مورداً، ومنطبقاً حسبما أوضحناه.

كلام الأميني (رحمه‌الله ):

توضيح: أما العلامة الأميني (رحمه‌الله ) فلم يرتض ما ذكروه من أن

____________

1- راجع: مجمع الزوائد ج7 ص13 والمعجم الكبير ج7 ص220 وج12 ص198 وج19 ص392 ومسند الشاميين ج3 ص396 والجامع لأحكام القرآن ج2 ص15 والدر المنثور ج2 ص258 وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص318 وسير أعلام النبلاء ج5 ص323 وتاريخ الإسلام للذهبي ج8 ص508 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص15 والكامل لابن عدي ج5 ص11 وكنز العمال ج2 ص400 وجامع البيان ج6 ص106.

٢٤٦

آية إكمال الدين قد نزلت في عرفة، وأورد أدلة عديدة على بطلان ذلك..

وكلامه صحيح إن كان يقصد تكذيب قولهم: إن شأن نزولها هو يوم عرفة وحسب، وأنها نزلت فيه لحضور مناسبة نزولها.. فراجع كلامه(1) ..

ولكننا ذكرنا: أن سورة المائدة كانت قد نزلت قبل يوم الغدير كلها، بما فيها آية الإكمال، ثم صارت الأحداث تحصل، فتنزل الآيات المرتبطة بها مرة ثانية، فكلام الأميني (رحمه‌الله ) لا ينفي قولنا هذا..

أبو طالب لم يكن حاضراً:

وقد رووا عن ابن عباس: أن أبا طالب (عليه‌السلام ) كان يرسل كل يوم رجالاً من بني هاشم، يحرسون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حتى نزلت هذه الآية( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2) ، فأراد أن يرسل معه من يحرسه، فقال: يا عم: إن الله عصمني من الجن والإنس(3) .

____________

1- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ج31 ص313 و 315.

2- الآية 67 من سورة المائدة.

3- الجامع لأحكام القرآن ج6 ص158 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص81 والغدير ج1 ص228 ولباب النقول للسيوطي (ط دار إحياء العلوم) ص95 و (ط دار الكتب العلمية) ص83 ومجمع الزوائد ج7 ص17 وأسباب نزول الآيات ص135 والمعجم الكبير ج11 ص205 والدر المنثور ج2 ص298 وعن ابن مردويه، والطبراني.

٢٤٧

ونقول:

أولاً: إن ما ذكرناه آنفاً من الإجماع على نزول سورة المائدة في المدينة، وأنها آخر ما نزل، أو من آخر ما نزل.. ومن الصحابة من يقول: إنها نزلت في حجة الوداع ـ إن ذلك ـ يكفي للرد على هذه المزعمة. فإن أبا طالب قد توفي قبل الهجرة إجماعاً..

ثانياً: لقد كانت هناك حراسات للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تجري في المدينة، وفي المسجد أسطوانة يقال لها: أسطوانة المحرس.. وكان علي (عليه‌السلام ) يبيت عندها يحرس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. فإذا كانت الآية المشار إليها قد نزلت في مكة، فترك الحرس منذئذٍ، فلا معنى لتجديد الحراسات عليه في المدينة.

ثالثاً: تقدم في هذا الكتاب: أن أبا طالب (عليه‌السلام ) كان في الشعب إذا حلَّ الظلام، وهدأت الأصوات يقيم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من موضعه، وينيم علياً (عليه‌السلام ) مكانه. حتى إذا حدث أمر، فإن علياً يكون هو الفداء للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فلو صح: أن أبا طالب كان يرسل رجالاً لحراسته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كل يوم، فلا تبقى حاجة لهذا الإجراء، فإن الحرس موجودون، وأي أمر يحدث، فإنهم هم الذين يتصدون له..

ويلاحظ هنا: أن أبا طالب لم يختر غير علي (عليه‌السلام ) لهذه المهمة، الأمر الذي لم يكن بلا موجب وسبب، ولعل السبب أمر إلهي كان لا بد من امتثاله.

٢٤٨

رابعاً: إن آية الهجرة التي دلت على مبيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في الغار، وحديث مبيت علي (عليه‌السلام ) في فراش النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يكذب هذه الرواية أيضاً.

ويظهر لنا: أن المطلوب بهذه الرواية المكذوبة إلقاء الشبهة حول مبيت علي (عليه‌السلام ) مكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في الشعب، وحول مبيته (عليه‌السلام ) مكانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في ليلة الهجرة.

بلغ ما أنزل إليك.. في اليهود:

من الأساليب التي يتبعونها لتضييع الحقيقة تكثير الأقوال في المورد، وقد زعموا: أن الأقوال في شأن نزول آية:( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) . بلغت العشرة(2) .

وقد رجح الرازي: أنها تريد أن تؤمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من كيد اليهود والنصارى، فأمره الله بإظهار التبليغ، وعدم المبالاة بهم، ودليله على ذلك: أن ما قبل الآية وما بعدها مرتبط بأهل الكتاب(3) .

ونقول:

أولاً: إن السياق ليس حجة، ولا سيما بعد ورود الروايات الكثيرة المبينة لشأن النزول..

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- التفسير الكبير للرازي ج12 ص49 والغدير ج1 ص225 و226.

3- التفسير الكبير ج12 ص50 والغدير ج1 ص226.

٢٤٩

ثانياً: إن أمر اليهود قد حسم قبل نزول الآية بعدة سنوات، أما النصارى فلم يكن لهم حضور يذكر ولا نفوذ ذو بال في جزيرة العرب..

ثالثاً: لم يكن قد بقي شيء من الشريعة يتوهم أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )يمتنع عن إبلاغه خشية منهم، فكيف إذا كانت تصرح بأن الذي أمر الله نبيه بإبلاغه يعدل الدين كله، فقد قالت:( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (1) . مع أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد بلغ الرسالة كلها.. باستثناء بضعة أحكام قد لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة. فذلك كله يدل: على أن ما أمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بإبلاغه له مساس بجميع أحكام الدين وشرائعه وحقائقه.. وهو الأمر الذي تخشاه قريش والطامعون والطامحون.. والذين أسلموا في الفتح وبعده.. وهو أخذ البيعة لعلي (عليه‌السلام ) بالخلافة من بعده.

مم يخاف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؟!:

وفي الآية وعد للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن الله تعالى سوف يعصمه من الناس، ويحفظه منهم، فيرد سؤال: من أي شيء كان (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يخاف، إن بلَّغ ما أمره الله به؟! مع علمنا: بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يبخل بنفسه ولا بأي شيء يعود إليه عن البذل في سبيل الله تعالى..

ونجيب:

بأن الذي أظهرته النصوص التي تقدمت في فصل سابق تحدثنا فيه عما

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

٢٥٠

جرى في عرفة: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يخاف من قومه الذين كانوا حديثي عهد بجاهلية أن يتهموه فيما يبلغهم إياه بما يبطل أثر تبليغه، ويوجب فساد دعوته، فهو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان بصدد تحصين دعوته عن أن ينالها أولئك المتربصون بها بسوء.

ولعلك تقول: إذا كان هذا هو ما يخشاه الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلا شك في أن الله يعلمه، فلماذا أمره بالتبليغ مع علمه بعدم إجتماع شرائطه؟!

ونجيب:

أولاً: إن الله تعالى تارة يأمر نبيه أمراً تنجيزياً فعلياً حاضراً بأمر قد اجتمعت شرائطه، وارتفعت موانعه.. وتارة يأمره بإبلاغ أمر بنحو يجعل للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه مهمة توفير بعض الشرائط، وإزالة بعض الموانع، وتوخي الوقت الأنسب، والأسلوب الأصوب في ذلك، والأمر في موضوع الإمامة من هذا القبيل، فإنه كان يحتاج إلى الإعداد الصحيح، وتهيئة النفوس، وتمهيد الوسائل المناسبة له..

ثانياً: إن قوله تعالى لنبيه وإن لم تفعل، لا يعني أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي يختار أن لا يفعل، بل معناه: أن هذا الفعل إن لم يصدر منك بسبب منعهم إياك، كما حصل في عرفات، ثم في منى، فإننا سوف نعتبر أننا قد عدنا معهم إلى نقطة الصفر، وربما تقوم الضرورة بحربهم، كما حوربوا في بدر وأحد، والخندق، والفتح، وحنين..

ومما يدل على أن المشكلة هي في الناس الذين يمنعون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٢٥١

قوله تعالى: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. وقوله: إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ. فإن هذه الفقرات قد جاءت لتؤيد وتؤكد صحة فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وصدق توقعاته، وأن ما فعله كان في محله، وأنه لولا العصمة الإلهية لم يصح التبليغ، لأنه سيكون بمثابة التفريط بالمهمة، وعدم توخي الظرف الملائم.

وربما يشير إلى ذلك أيضاً:( أنه عطف بالواو لا بإلفاء في قوله تعالى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ) (1) ، إذ لو عطف بإلفاء لأفاد أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي يمتنع عن الإبلاغ بقرار منه، ووجود الداعي إلى هذا الإمتناع لديه، ولكنه حين عطف بالواو أفاد أن عدم الفعل سوف يطرأ عليه بسبب مانع وعارض.

فما بلغت رسالته:

إن قوله تعالى:( فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (2) . يدل على أن هذا الذي يراد تبليغه يوازي في أهميته وخطورته تبليغ الرسالة كلها، فبدونه تصبح الرسالة كلا شيء، وتذهب كل الجهود والتضحيات التي بذلت سدى أو فقل: لولاه تصبح الرسالة كلها، بمثابة الجسد الذي لا روح فيه، فهو تام التكوين، ولكن جميع أعضائه معطلة، فإذا نفخت فيه الروح، وسرت فيه الحياة، تحركت جميع الأجهزة وعملت بصورة منتظمة، فتصير العين ترى،

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- الآية 67 من سورة المائدة.

٢٥٢

والأذن تسمع، واللسان يتكلم، واليد تتحرك.. والقلب ينبض..وتكون له مشاعر وأحاسيس، فيحب ويبغض، ويفرح ويحزن و.. و.. إلخ..

وولاية علي (عليه‌السلام ) كذلك، فإنها إن فقدت، فإن جميع أعمال الإنسان تفقد خصوصية التأثير في السعادة الأخروية، ويفتقد معها كثيراً من المنافع في الدنيا..

ولأجل ذلك ورد: أما لو أن رجلاً صام نهاره وقام ليله، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله ثواب، ولا كان من أهل الايمان(1) .

تبرئة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

والتعبير في الآية الكريمة بـ:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (2) ، ليفيد: أن هذا الأمر ليس أمراً تدبيرياً أتى به الرسول من عند

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- راجع: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص119 وج27 ص42 و 66 و (ط دار الإسلامية) ج1 ص91 وج18 ص26 و 44 ومستدرك الوسائل ج17 ص269 وبحار الأنوار ج23 ص294 وج65 ص333 والكافي ج2 ص19 والمحاسن للبرقي ج1 ص287 وكتاب الأربعين للماحوزي ص97 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص588 وج10 ص459 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج3 ص440 وج12 ص227 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص544 والوافية للفاضل التوني ص174 وغاية المرام ج3 ص78.

٢٥٣

نفسه، بل هو أمر يبلغه لهم من حيث هو رسول يأتيهم بالقرار الرباني، الذي لا خيار له ولهم فيه..

ثم بين لهم بصورة أصرح وأوضح أن هذا الأمر أُنْزِلَ إِلَيْكَ.

ولكي لا تذهب بهم الأوهام إلى أن الذي جاء به هو الملك أو غيره، صرح لهم: بأنه مِنْ رَبِّكَ.

٢٥٤

الفصل الثامن: آيات سورة المعارج.. وسورة العصر..

٢٥٥

٢٥٦

الغدير وآيات سورة المعارج:

وتذكر هنا قضية ذلك المستكبر الذي لم يرض بنصب علي (عليه‌السلام ) إماماً يوم الغدير، فطلب من الله تعالى أن ينزل عليه العذاب، فنزل، ونزل قوله تعالى:( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ) (1) . وقد ناقش ابن تيمية في صحة هذه القضية.. ورد العلماء كلامه..

وقد ذكرنا ذلك كله في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقد رأينا أنفسنا أمام أحد ثلاثة خيارات:

أولها: أن نهمل ذلك كله، فلا نورد منه شيئاً في كتابنا هذا.. ولم يعجبنا هذا الخيار لأسباب كثيرة منها حرمان القارئ الكريم من أمر له ارتباط ظاهر بحياة علي (عليه‌السلام )، وبأهم قضية تعنيه.

الثاني: أن نعيد كتابة ذلك كله من جديد. وهو خيار غير سديد، لأنه سيكون مجرد إتلاف للوقت، وضرب للجهد، لأجل اعتبارات شخصية ليست ذات أهمية.

الثالث: أن نستعير ما كتبناه هناك ونضعه هنا بين يدي القارئ الكريم

____________

1- الآيتان 1 و 2 من سورة المعارج.

٢٥٧

وقد آثرنا هذا الخيار الأخير، رغم ما فيه من حزازة شخصية بالنسبة إلينا..

فإليك ما أوردناه في الجزء الحادي والثلاثين من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حرفياً، وبدون أدنى تصرف فيه:

سورة المعارج مكية:

زعموا في مناقشاتهم لهذه الواقعة: أن سورة المعارج مكية، وهو ما ذكرته الرواية عن ابن عباس(1) ، وابن الزبير(2) ، فتكون قد نزلت قبل بيعة الغدير بسنوات.

ونقول:

الصحيح: أنها نزلت في المدينة، بعد حادثة الغدير، حيث طار خبر ما جرى في غدير خم في البلاد، فأتى الحارث بن النعمان الفهري أو (جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري).

____________

1- الدر المنثور ج6 ص263 عن ابن الضريس، والنحاس، وابن مردويه، والبيهقي، وسعد السعود لابن طاووس ص291 وفتح القدير ج5 ص287 وتفسير الميزان ج6 ص56 وج20 ص11 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص219 و (ط دار الكتب العلمية) ص202 وتفسير ابن أبي حاتم ج5 ص1690 وج10 ص3373 عن السدي.

2- الدر المنثور ج6 ص263 عن ابن مردويه، وفتح القدير ج5 ص287 وتفسير الميزان ج6 ص56.

٢٥٨

في هامش الغدير: (لا يبعد صحة ما في هذه الرواية من كونه جابر بن النضر، حيث إن جابراً قتل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) والده النضر صبراً، بأمر من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما أسر يوم بدر)(1) .

فقال: يا محمد، أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وبالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، فقبلنا منك، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك، ففضلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله؟!

فقال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله ): والذي لا إله إلا هو، إن هذا من الله.

فولى جابر، يريد راحلته، وهو يقول: اللهم، إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته، وخرج من دبره، وقتله. وأنزل الله تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ الآية)(2) .

____________

1- الغدير ج1 ص239 هامش.

2- الغدير ج1 ص239 عن غريب القرآن لأبي عبيد، ونقله أيضاً عن مصادر كثيرة أخرى. وراجع: شفاء الصدور لأبي بكر النقاش، والكشف والبيان للثعلبي، وتفسير فرات ص190 و (1410هـ ـ 1990م) ص505 وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص88 وكنز الفوائد للكراجكي، وشواهد التنزيل ج2 ص383 و 381 ودعاة الهداة للحاكم الحسكاني. والجامع لأحكام القرآن ج18 ص278 وتـذكـرة الخـواص ص30 والإكتفاء للوصـابي الشـافعي، وفرائـد = = السمطين ج1 ص82 وإقبال الأعمال لابن طاووس ج2 ص251 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص240 وبحار الأنوار ج37 ص136 و 162 و 176 وكتاب الأربعين للماحوزي ص154 و 161 وكتاب الأربعين للشيرازي ص115 ومعارج الوصول للزرندي الحنفي، ونظم درر السمطين ص93 والفصول المهمة لابن الصباغ ص41 وجواهر العقدين للسمهودي الشافعي، وتفسير أبي السعود للعمادي ج9 ص29 والسراج المنير (تفسير) للشربيني الشافعي ج4 ص364 والأربعين في مناقب أمير المؤمنين لجمال الدين الشيرازي ص40 وينابيع المودة ج2 ص370 وفيض القدير ج6 ص218 ومنهاج الكرامة ص117 والعقد النبوي والسر المصطفوي لابن العيدروس، ووسيلة المآل لأحمد بن باكثير الشافعي ص119 و 120 ونزهة المجالس للصفوري الشافعي ج2 ص209 والسيرة الحلبية ج3 ص302 و (ط دار المعرفة) ج3 ص337 والصراط السوي في مناقب النبي للقادري المدني، وشرح الجامع الصغير للحفني الشافعي ج2 ص387 ومعارج العلى في مناقب المرتضى لمحمد صدر العالم، وتفسير شاهي لمحمد محبوب العالم، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج7 ص13 وذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآلي لعبد القادر الحفظي الشافعي، والروضة الندية لمحمد بن إسماعيل اليماني ص156 ونور الأبصار للشبلنجي الشافعي ص159 والمنار (تفسير) لرشيد رضا ج6 ص464 والأربعون حديثاً لابن بابويه ص83 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص342 و 357 و 362 و 368 و 370 والمراجعات ص274 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص52.

٢٥٩

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٧-إلهِي أَنْتَ الَّذي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ بَابَاً إلَى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، فَقُلْتَ:( تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحَاً ) ، فَما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ الْبابِ بَعْدَ فَتْحِهِ.

٨-إلهِي إنْ كانَ قَبُحَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ.

٩-إلهِي ما أَنَا بِأَوَّلِ مَنْ عَصاكَ، فَتُبْتَ عَلَيْهِ، وَتَعَرَّضَ بِمَعْرُوفِكَ، فَجُدْتَ عَلَيْهِ، يا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّ، يا كَاشِفَ الضُّرِّ، يا عَظِيمَ الْبِرِّ، يا عَليمَاً بِما فِي السِّرِّ، يا جَمِيلَ السِّتْرِ اسْتَشْفَعْتُ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ إلَيْكَ، وَتَوَسَّلْتُ بِجَنابِكَ وَتَرَحُّمِكَ لَدَيْكَ، فَاسْتَجِبْ دُعآئِي، وَلا تُخَيِّبْ فِيكَ رَجآئِي وَتَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَكَفِّرْ خَطيئَتِي، بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

٢٨١

المناجاة الثانية: مناجاة الشاكرين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(إلهِي إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ طَوِيلَةَ الأمل، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ.

٢-إلهِي أَشْكُو إلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّنِي، وَشَيْطانَاً يَغْوِينِي، قَدْ مَلاَ بِالْوَسْواسِ صَدْرِي، وَأَحاطَتْ هَواجِسُهُ بِقَلْبِي يُعاضِدُ لِيَ الْهَوى، وَيُزَيِّنُ لِي حُبَّ الدُّنْيَا، وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَالزُّلْفى.

٣-إلهِي إلَيْكَ أَشْكُو قَلْبَاً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً، وَعَيْنَاً عَنِ الْبُكآءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً، وَإلى ما تَسُرُّها طامِحَةً.

٢٨٢

٤-إلهِي لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِقُدْرَتِكَ، وَلا نَجاةَ لِي مِنْ مَكارِهِ الدُّنْيا إلاَّ بِعِصْمَتِكَ، فَأَسْأَلُكَ بِبَلاغَةِ حِكْمَتِكَ، وَنَفاذِ مَشِيَّتِكَ، أَنْ لا تَجْعَلَنِي لِغَيْرِ جُودِكَ مُتَعَرِّضاً، وَلا تُصَيِّرَنِي لِلْفِتَنِ غَرَضاً، وَكُنْ لِي عَلَى الأعْدآءِ ناصِرَاً، وَعَلَى الْمَخَازِي وَالْعُيُوبِ ساتِراً، وَمِنَ الْبَلاءِ واقِياً، وَعَنِ الْمَعاصِي عاصِمَاً، بِرَأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

المناجاة الثالثة: مناجاة الخائفين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-إلهِي أَتَراكَ بَعْدَ الإيمان بِكَ تُعَذِّبُنِي، أَمْ بَعْدَ حُبِّي إيَّاكَ تُبَعِّدُنِي، أَمْ مَعَ رَجآئِي يرحمَتِكَ وَصَفْحِكَ تَحْرِمُنِي، أَمْ مَعَ اسْتِجارَتِي بِعَفْوِكَ تُسْلِمُنِي؟ حاشا لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تُخَيِّبَنِي، لَيْتَ شِعْرِي، أَلِلشَّقآءِ وَلَدَتْنِي أُمِّي، أَمْ لِلْعَنآءِ رَبَّتْنِي؟ فَلَيْتَهَا لَمْ تَلِدْنِي وَلَمْ تُرَبِّنِي، وَلَيْتَنِي عَلِمْتُ أَمِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ جَعَلْتَنِي؟

٢٨٣

وَبِقُرْبِكَ وَجَوارِكَ خَصَصْتَنِي؟ فَتَقَرَّ بِذلِكَ عَيْنِي، وَتَطْمَئِنَّ لَهُ نَفْسِي.

٢-إلهِي هَلْ تُسَوِّدُ وُجُوهً خَرَّتْ ساجِدَةً لِعَظَمَتِكَ؟ أَوْ تُخْرِسُ أَلْسِنَةً نَطَقَتْ بِالثَّنآءِ عَلَى مَجْدِكَ وَجَلالَتِكَ؟ أَوْ تَطْبَعُ عَلَى قُلُوب انْطَوَتْ عَلى مَحَبَّتِكَ؟ أَوْ تُصِمُّ أَسْماعَاً تَلَذَّذَتْ بِسَماعِ ذِكْرِكَ فِي إرادَتِكَ؟ أَوْ تَغُلُّ أَكُفَّاً رَفَعَتْهَا الامالُ إلَيْكَ رَجآءَ رَأْفَتِكَ؟ أَوْ تُعاقِبُ أَبْداناً عَمِلَتْ بِطاعَتِكَ حَتَّى نَحِلَتْ فِي مُجاهَدَتِكَ، أَوْ تُعَذِّبُ أَرْجُلاً سَعَتْ فِي عِبادَتِكَ.

٣-إلهِي لا تُغْلِقْ عَلى مُوَحِّدِيكَ أَبْوابَ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْجُبْ مُشْتاقِيكَ عَنِ النَّظَرِ إلَى جَمِيلِ رُؤْيَتِكَ.

٤-إلهِي نَفْسٌ أَعْزَزْتَها بِتَوْحِيدِكَ، كَيْفَ تُذِلُّها بِمَهانَةِ هِجْرانِكَ؟ وَضَمِيرٌ انْعَقَدَ عَلى مَوَدَّتِكَ كَيْفَ تُحْرِقُهُ بِحَرَارَةِ نِيرانِكَ؟

٥-إلهِي أَجِرْنِي مِنْ أَلِيمِ غَضَبِكَ وَعَظِيمِ سَخَطِكَ، يا

٢٨٤

حَنَّانُ يا مَنَّانُ، يا رَحِيمُ يا رَحْمنُ، يا جَبَّارُ يا قَهَّارُ، يا غَفَّارُ يا سَتَّارُ، نَجِّنِي بِرَحْمَتِكَ مِنْ عَذابِ النَّارِ، وَفَضِيحَةِ الْعارِ، إذَا امْتازَ الاَخْيارُ مِنَ الاَشْرارِ، وَحالَتِ الاَحْوالُ، وَهالَتِ الاَهْوالُ وَقَرُبَ الْمُحْسِنُونَ، وَبَعُدَ الْمُسِيؤُونَ، وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْس ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.)

المناجاة الرابعة: مناجاة الراجين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(يا مَنْ إذا سَأَلَهُ عَبْدٌ أَعْطَاهُ، وَإذا أَمَّلَ ما عِنْدَهُ بَلَّغَهُ مُناهُ، وَإذا أَقْبَلَ عَلَيْهِ قَرَّبَهُ وَأَدْناهُ، وَإذا جاهَرَهُ بِالْعِصْيانِ سَتَرَ عَلَى ذَنْبِهِ وَغَطَّاهُ، وَإذا تَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَبَهُ وَكَفَاهُ.

٢-إلهِي مَنِ الَّذِي نَزَلَ بِكَ مُلْتَمِساً قِراكَ فَما قَرَيْتَهُ؟ وَمَنِ الَّذِي أَناخَ بِبابِكَ مُرْتَجِياً نَداكَ فَما أَوْلَيْتَهُ؟ أَيَحْسُنُ أَنْ أَرْجِعَ عَنْ بابِكَ بِالْخَيْبَةِ مَصْرُوفاً، وَلَسْتُ

٢٨٥

أَعْرِفُ سِواكَ مَوْلىً بِالإحْسانِ مَوْصُوفاً؟ كَيْفَ أَرْجُو غَيْرَكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ؟! وَكَيْفَ أُأَمِّلُ سِوَاكَ وَالْخَلْقُ وَالأمْرُ لَكَ؟! أَأَقْطَعُ رَجآئِي مِنْكَ وَقَدْ أَوْلَيْتَنِي ما لَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِكَ؟! أَمْ تُفْقِرُنِي إلى مِثْلِي وَأَنَا أَعْتَصِمُ بِحَبْلِكَ؟! يا مَنْ سَعِدَ بِرَحْمَتِهِ الْقاصِدُونَ، وَلَمْ يَشْقَ بِنِقْمَتِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ، كَيْفَ أَنْسَاكَ وَلَمْ تَزَلْ ذاكِرِي؟! وَكَيْفَ أَلْهُو عَنْكَ وَأَنْتَ مُراقِبِي؟!

٣-إلهِي بِذَيْلِ كَرَمِكَ أَعْلَقتُ يَدِي، وَلِنَيْلِ عَطاياكَ بَسَطْتُ أَمَلِي، فَأَخْلِصْنِي بِخالِصَةِ تَوْحِيدِكَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ صَفْوَةِ عَبِيدِك، يا مَنْ كُلُّ هارِب إلَيْهِ يَلْتَجِئُ، وَكُلُّ طالِب إيَّاهُ يَرْتَجِي، يا خَيْرَ مَرْجُوٍّ، وَيا أَكْرَمَ مَدْعُوٍّ، وَيا مَنْ لا يُرَدُّ سآئِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ، يا مَنْ بابُهُ مَفْتُوحٌ لِدَاعِيهِ، وَحِجابُهُ مَرْفُوعٌ لِراجِيهِ، أَسْأَلُكَ بِكَرَمِكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ مِنْ عَطآئِكَ بِما تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي، وَمِنْ رَجآئِكَ بِما تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي، وَمِنَ الْيَقِينِ بِما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيَّ مُصِيباتِ الدُّنْيا، وَتَجْلُو بِهِ عَنْ بَصِيرَتِي غَشَواتِ الْعَمى بِرَحْمتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

٢٨٦

المناجاة الخامسة: مناجاة الراغبين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(إلهِي إنْ كانَ قَلَّ زادِي فِي الْمَسِيرِ إلَيْكَ، فَلَقَدْ حَسُنَ ظَنِّي بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَإنْ كَانَ جُرْمِي قَدْ أَخافَنِي مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَإنَّ رَجآئِي قَدْ أَشْعَرَنِي بِالأمْنِ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَإنْ كانَ ذَنْبِي قَدْ عَرَّضَنِي لِعِقابِكَ، فَقَدْ آذَنَنِي حُسْنُ ثِقَتِي بِثَوابِكَ، وَإنْ أَنامَتْنِي الْغَفْلَةُ عَنِ الاسْتِعْدادِ لِلِقآئِكَ، فَقَدْ نَبَّهَتْنِي الْمَعْرِفَةُ بِكَرَمِكَ وَآلائِكَ، وَإنْ أَوْحَشَ ما بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَرْطُ الْعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ، فَقَدْ آنَسَنِي بُشْرَى الْغُفْرانِ وَالرِّضْوانِ، أَسْأَلُكَ بِسُبُحاتِ وَجْهِكَ وَبِأَنْوارِ قُدْسِكَ، وَأَبْتَهِلُ إلَيْكَ بِعَوَاطِفِ رَحمَتِكَ وَلَطائِفِ بِرِّكَ، أَنْ تُحَقِّقَ ظَنِّي بِما أُؤمِّلُهُ مِنْ جَزِيلِ إكْرامِكَ، وَجَمِيلِ

٢٨٧

إنْعامِكَ فِي الْقُرْبى مِنْكَ، وَالزُّلْفى لَدَيْكَ، وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ، وَها أَنَا مُتَعَرِّضٌ لِنَفَحاتِ رَوْحِكَ وَعَطْفِكَ، وَمُنْتَجِعٌ غَيْثَ جُودِكَ وَلُطْفِكَ، فَارٌّ مِنْ سَخَطِكَ إلى رِضاكَ، هارِبٌ مِنْكَ إلَيْكَ، راج أَحْسَنَ ما لَدَيْكَ مُعَوِّلٌ عَلى مَواهِبِكَ، مُفْتَقِرٌ إلى رِعايَتِكَ.

٢-إلهِي ما بَدَأْتَ بِهِ مِنْ فَضْلِكَ فَتَمِّمْهُ، وَما وَهَبْتَ لِي مِنْ كَرَمِكَ فَلا تَسْلُبْهُ، وَما سَتَرْتَهُ عَلَيَّ بِحِلْمِكَ فَلا تَهْتِكْهُ، وَما عَلِمْتَهُ مِنْ قَبِيحِ فِعْلِي فَاغْفِرْهُ.

٣-إلهِي اسْتَشْفَعْتُ بِكَ إلَيْكَ وَاسْتَجَرْتُ بِكَ مِنْكَ أَتَيْتُكَ طامِعَاً فِي إحْسانِكَ، راغِباً فِي امْتِنانِكَ، مُسْتَسْقِياً وابِلَ طَوْلِكَ مُسْتَمْطِراً غَمامَ فَضْلِكَ، طالِباً مَرْضاتِكَ، قاصِدَاً جَنابَكَ، وارِداً شَرِيعَةَ رِفْدِكَ، مُلْتَمِساً سَنِيَّ الْخَيْراتِ مِنْ عِنْدِكَ، وافِدَاً إلى حَضْرَةِ جَمالِكَ، مُرِيداً وَجْهَكَ، طارِقاً بابَكَ، مُسْتَكِيناً لِعَظَمَتِكَ وَجَلالِكَ، فَافْعَلْ بِي ما أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلا تَفْعَلْ بِي ما أَنَا أَهْلُهُ مِنَ الْعَذابِ وَالنِّقْمَةِ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

٢٨٨

المناجاة السادسة: مناجاة الشاكرين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(إلهِي أَذْهَلَنِي عَنْ إقامَةِ شُكْرِكَ تَتابُعُ طَوْلِكَ، وَأَعْجَزَنِي عَنْ إحْصآءِ ثَنآئِكَ فَيْضُ فَضْلِكَ، وَشَغَلَنِي عَنْ ذِكْرِ مَحامِدِكَ تَرادُفُ عَوآئِدِكَ، وَأَعْيانِي عَنْ نَشْرِ عوارِفِكَ تَوالِي أَيدِيكَ، وَهذَا مَقامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبُوغِ النَّعْمآءِ، وَقابَلَها بِالتَّقْصِيرِ، وَشَهِدَ عَلى نَفْسِهِ بِالإهْمالِ وَالتَّضْيِيعِ، وَأَنْتَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ الْبَرُّ الْكَرِيمُ، الَّذِي لا يُخَيِّبُ قاصِدِيهِ، وَلا يَطْرُدُ عَنْ فِنآئِهِ آمِلِيهِ، بِساحَتِكَ تَحُطُّ رِحالُ الرَّاجِينَ، وَبِعَرْصَتِكَ تَقِفُ آمالُ الْمُسْتَرْفِدِينَ، فَلا تُقابِلْ آمالَنا بِالتَّخْيِيبِ وَالأياسِ، وَلا تُلْبِسْنا سِرْبالَ الْقُنُوطِ وَالإبْلاسِ.

٢-إلهِي تَصاغَرَ عِنْدَ تَعاظُمِ آلائِكَ شُكْرِي، وَتَضَاءَلَ

٢٨٩

فِي جَنْبِ إكْرَامِكَ إيَّايَ ثَنآئِي وَنَشْرِي، جَلَّلَتْنِي نِعَمُكَ مِنْ أَنْوَارِ الإيْمانِ حُلَلاً، وَضَرَبَتْ عَلَيَّ لَطآئِفُ بِرِّكَ مِنَ الْعِزِّ كِلَلاً، وَقَلَّدْتَنِي مِنْكَ قَلائِدَ لا تُحَلُّ، وَطَوَّقْتَنِي أَطْوَاقَاً لا تُفَلُّ، فَآلاؤُكَ جَمَّةٌ ضَعُفَ لِسانِي عَنْ إحْصائِها، وَنَعْمآؤُكَ كَثِيرَةٌ قَصُرَ فَهْمِي عَنْ إدْرَاكِها فَضْلاً عَنِ اسْتِقْصآئِها، فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ، وَشُكْرِي إيَّاكَ يَفْتَقِرُ إلى شُكْر، فَكُلَّما قُلْتُ: لَكَ الْحَمْدُ، وَجَبَ عَلَيَّ لِذلِكَ أَنْ أَقُولَ: لَكَ الْحَمْدُ.

٣-إلهِي فَكَما غَذَّيْتَنا بِلُطْفِكَ، وَرَبَّيْتَنا بِصُنْعِكَ، فَتَمِّمْ عَلَيْنَا سَوابِغَ النِّعَمِ، وَادْفَعْ عَنَّا مَكارِهَ النِّقَمِ، وَآتِنا مِنْ حُظُوظِ الدَّارَيْنِ أَرْفَعَهَا وَأَجَلَّها عاجِلاً وَآجِلاً، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى حُسْنِ بَلاَئِكَ وَسُبُوغِ نَعْمآئِكَ حَمْدَاً يُوافِقُ رِضاكَ، وَيَمْتَرِي الْعَظِيمَ مِنْ بِرِّكَ وَنَداكَ، يا عَظِيمُ يا كَرِيمُ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

٢٩٠

المناجاة السابعة: مناجاة المطيعين للهِ

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا طاعَتَكَ، وَجَنِّبْنا مَعْصِيَتَكَ، وَيَسِّرْ لَنا بُلُوغَ ما نَتَمَنّى مِنِ ابْتِغآءِ رِضْوانِكَ، وَأَحْلِلْنا بُحْبُوحَةَ جِنانِكَ، وَاقْشَعْ عَنْ بَصائِرنا سَحابَ الارْتِيابِ، وَاكْشِفْ عَنْ قُلُوبِنا أَغْشِيَةَ الْمِرْيَةِ وَالْحِجابِ، وَأَزْهِقِ الْباطِلَ عَنْ ضَمآئِرِنا، وَأَثْبِتِ الْحَقَّ فِي سَرائِرِنا، فَإنَّ الشُّكُوكَ وَالظُّنُونَ لَواقِحُ الْفِتَنِ، وَمُكَدِّرَةٌ لِصَفْوِ الْمَنآئِحِ وَالْمِنَنِ.

٢-اَللَّهُمَّ احْمِلْنا فِي سُفُنِ نَجاتِكَ، وَمَتِّعْنا بِلَذِيْذِ مُناجاتِكَ، وَأَوْرِدْنا حِياضَ حُبِّكَ، وَأَذِقْنا حَلاوَةَ وُدِّكَ وَقُرْبِكَ، وَاجْعَلْ جِهادَنا فِيكَ، وَهَمَّنا فِي طاعَتِكَ، وَأَخْلِصْ نِيَّاتِنا فِي مُعامَلَتِكَ، فَإنَّا بِكَ وَلَكَ، وَلا وَسِيلَةَ لَنا إلَيْكَ إلاَّ أَنْتَ.

٣-إلهِي اجْعَلْنِي مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيارِ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ الأبْرارِ، السَّابِقِينَ إلَى الْمَكْرُماتِ، الْمسارِعِينَ إلَى الْخَيْراتِ، الْعامِلِينَ لِلْباقِياتِ الصَّالِحاتِ، السَّاعِينَ إلى رَفِيعِ الدَّرَجاتِ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ، وَبِالإجابَةِ جَدِيرٌ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

٢٩١

المناجاة الثامنة: مناجاة المريدين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(سُبْحانَكَ ما أَضْيَقَ الطُّرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَلِيلَهُ! وَما أَوْضَحَ الْحَقَّ عِنْدَ مَنْ هَدَيْتَهُ سَبِيلَه!

٢-إلهِي فاسْلُكْ بِنا سُبُلَ الْوُصُولِ إلَيْكَ، وَسَيِّرْنا فِي أَقْرَبِ الطُّرُقِ لِلْوُفُودِ عَلَيْكَ، قَرِّبْ عَلَيْنَا الْبَعِيدَ، وَسَهِّلَ عَلَيْنَا الْعَسِيرَ الشَّدِيدَ، وَأَلْحِقْنا بِعِبادِكَ الَّذِينَ هُمْ بِالْبِدارِ إلَيْكَ يُسارِعُونَ، وَبابَكَ عَلَى الدَّوامِ يَطْرُقُونَ، وَإيَّاكَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يَعْبُدُونَ، وَهُمْ مِنْ هَيْبَتِكَ مُشْفِقُونَ، الَّذِينَ صَفَّيْتَ لَهُمُ الْمَشارِبَ، وَبَلَّغْتَهُمُ الرَّغآئِبَ،

٢٩٢

وَأَنْجَحْتَ لَهُمُ الْمَطالِبَ، وَقَضَيْتَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ الْمَآرِبَ، وملأت لَهُمْ ضَمآئِرَهُمْ مِنْ حُبِّكَ وَرَوَّيْتَهُمْ مِنْ صافِي شِرْبِكَ، فَبِكَ إلى لَذِيذِ مُناجاتِكَ وَصَلُوا، وَمِنْكَ أَقْصى مَقاصِدِهِمْ حَصَّلُوا، فَيا مَنْ هُوَ عَلَى الْمُقْبِلِينَ عَلَيْهِ مُقْبِلٌ، وَبِالْعَطْفِ عَلَيْهِمْ عآئِدٌ مُفْضِلٌ، وَبِالْغافِلِينَ عَنْ ذِكْرِهِ رَحِيمٌ رَؤُوفٌ، وَبِجَذْبِهمْ إلى بابِهِ وَدُودٌ عَطُوفٌ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ أَوْفَرِهِمْ مِنْكَ حَظّاً، وَأَعْلاهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلاً، وَأَجْزَلِهِمْ مِنْ وُدِّكَ قِسَماً، وَأَفْضَلِهِمْ فِي مَعْرِفَتِكَ نَصِيباً، فَقَدِ انْقطَعَتْ إلَيْكَ هِمَّتِي، وَانْصَرَفَتْ نَحْوَكَ رَغْبَتِي، فَأَنْتَ لاَ غَيْرُكَ مُرادِي، وَلَكَ لا لِسِواكَ سَهَرِي وَسُهادِي، وَلِقاؤُكَ قُرَّةُ عَيْني، وَوَصْلُكَ مُنى نَفْسِي، وَإلَيْكَ شَوْقِي، وَفِي مَحَبَّتِكَ وَلَهِي، وَإلى هَواكَ صَبابَتِي، وَرِضاكَ بُغْيَتي، وَرُؤْيَتُكَ حاجَتِي، وَجِوارُكَ طَلَبِي، وَقُرْبُكَ غايَةُ سُؤْلِي، وَفِي مُنَاجَاتِكَ رَوْحِي وَراحَتِي، وَعِنْدَكَ دَوآءُ

٢٩٣

عِلَّتِي، وَشِفآءُ غُلَّتِي، وَبَرْدُ لَوْعَتِي، وَكَشْفُ كُرْبَتِي. فَكُنْ أَنِيْسِي فِي وَحْشَتِي، وَمُقِيلَ عَثْرَتِي، وَغافِرَ زَلَّتِي، وَقابِلَ تَوْبَتِي، وَمُجِيبَ دَعْوَتِي، وَوَلِيَّ عِصْمَتِي، وَمُغْنِيَ فاقَتِي، وَلا تَقْطَعْنِي عَنْكَ، وَلا تُبْعِدْنِي مِنْكَ يا نَعِيمِي وَجَنَّتِي، وَيا دُنْيايَ وَآخِرَتِي، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

المناجاة التاسعة: مناجاة المحبّين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(إلهِي مَنْ ذَا الَّذِي ذَاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ، فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ، فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاً؟

٢-إلهِي فَاجْعَلْنا مِمَّنِ اصْطَفَيْتَهُ لِقُرْبِكَ وَوِلايَتِكَ، وَأَخْلَصْتَه لِوُدِّكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَشَوَّقْتَهُ إلى لِقَآئِكَ، وَرَضَّيْتَهُ بِقَضآئِكَ، وَمَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ إلى وَجْهِكَ، وَحَبَوْتَهُ بِرِضاكَ، وَأَعَدْتَهُ مِنْ هَجْرِكَ وَقِلاكَ، وَبَوَّأْتَهُ مَقْعَدَ الصِّدْقِ فِي جَوارِكَ، وَخَصَصْتَهُ بِمَعْرِفَتِكَ، وَأَهَّلْتَهُ

٢٩٤

لِعِبادَتِكَ، وَهَيَّمْتَ قَلْبَهُ لإرادَتِكَ، وَاجْتَبَيْتَهُ لِمُشاهَدَتِكَ، وَأَخْلَيْتَ وَجْهَهُ لَكَ، وَفَرَّغْتَ فُؤادَهُ لِحُبِّكَ، وَرَغَّبْتَهُ فِيمَا عِنْدَكَ، وَأَلْهَمْتَهُ ذِكْرَكَ، وَأَوْزَعْتَهُ شُكْرَكَ، وَشَغَلْتَهُ بِطاعَتِكَ، وَصَيَّرْتَهُ مِنْ صالِحِي بَرِيَّتِكَ، وَاخْتَرْتَهُ لِمُناجاتِكَ، وَقَطَعْتَ عَنْهُ كُلَّ شَيْء يَقْطَعُهُ عَنْكَ.

٣-اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ دَأْبُهُمُ الارْتِياحُ إلَيْكَ وَالْحَنِينُ، وَدَهْرُهُمُ الزَّفْرَةُ وَالأنِينُ، جِباهُهُمْ سَاجِدَةٌ لِعَظَمَتِكَ، وَعُيُونُهُمْ ساهِرَةٌ فِي خِدْمَتِكَ، وَدُمُوُعُهُمْ سآئِلَةٌ مِنْ خَشْيَتِكَ، وَقُلُوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحَبَّتِكَ، وَأَفْئِدَتُهُمْ مُنْخَلِعَةٌ مِنْ مَهابَتِكَ، يا مَنْ أَنْوارُ قُدْسِهِ لأبْصارِ مُحِبِّيهِ رآئِقَةٌ، وَسُبُحاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عارِفيهِ شآئِقَةٌ، يا مُنى قُلُوبِ الْمُشْتاقِينَ، وَيا غَايَةَ آمالِ الْمُحِبِّينَ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ كُلِّ عَمَل يُوصِلُنِي إلى قُرْبِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا سِواكَ وَأَنْ تَجْعَلَ حُبِّي

٢٩٥

إيَّاكَ قآئِداً إلى رِضْوانِكَ، وَشَوْقِي إلَيْكَ ذآئِداً عَنْ عِصْيانِكَ، وَامْنُنْ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ عَلَيَّ، وَانْظُرْ بِعَيْنِ الْوُدِّ وَالْعَطْفِ إلَيَّ، وَلا تَصْرِفْ عَنِّي وَجْهَكَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الإسْعادِ وَالْحُظْوَةِ عِنْدَكَ، يا مُجِيبُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

المناجاة العاشرة: مناجاة المتوسّلين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(إلهِي لَيْسَ لِي وَسِيلَةٌ إلَيْكَ إلاَّ عَواطِفُ رَأفَتِكَ، وَلا لِي ذَرِيعَةٌ إلَيْكَ إلاَّ عَوارِفُ رَحْمَتِكَ، وَشَفاعَةُ نَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، وَمُنْقِذِ الاُمَّةِ مِنَ الْغُمَّةِ، فَاجْعَلْهُما لِي سَبَباً إلى نَيْلِ غُفْرانِكَ، وَصَيِّرْهُمَا لِي وُصْلَةً إلَى الْفَوْزِ بِرِضْوانِكَ، وَقَدْ حَلَّ رَجآئِي بِحَرَمِ كَرَمِكَ، وَحَطَّ طَمَعِي بِفِنآءِ جُودِكَ. فَحَقِّقْ فِيكَ أَمَلِيْ وَاخْتِمْ بِالْخَيْرِ عَمَلِي، وَاجْعَلْنِي مِنْ صَفْوَتِكَ الَّذِينَ أَحْلَلْتَهُمْ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِكَ، وَبَوَّأْتَهُمْ دارَ كَرامَتِكَ

٢٩٦

وَأَقْرَرْتَ أَعْيُنَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ يَوْمَ لِقآئِكَ، وَأَوْرَثْتَهُمْ مَنازِلَ الصِّدْقِ فِي جِوارِكَ.

٢-يا مَنْ لا يَفِدُ الْوافِدُونَ عَلى أَكْرَمَ مِنْهُ، وَلا يَجِدُ الْقاصِدُونَ أَرْحَمَ مِنْهُ، يا خَيْرَ مَنْ خَلا بِهِ وَحِيدٌ، وَيا أَعْطَفَ مَنْ أَوى إلَيْهِ طَرِيدٌ، إلى سَعَةِ عَفْوِكَ مَدَدْتُ يَدِي وَبِذَيْلِ كَرَمِكَ أَعْلَقْتُ كَفِّي، فَلا تُولِنِي الْحِرْمانَ، وَلا تُبْلِنِي بِالْخَيْبَةِ وَالْخُسْرانِ، يا سَمِيعَ الدُّعآءِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

المناجاة الحادية عشرة: مناجاة المفتقرين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-إلهِي كَسْرِي لا يَجْبُرُهُ إلاَّ لُطْفُكَ وَحَنانُكَ، وَفَقْرِي لا يُغْنِيهِ إلاَّ عَطْفُكَ وَإحْسانُكَ، وَرَوْعَتِي لا يُسَكِّنُهَا إلاَّ أَمانُكَ، وَذِلَّتِي لا يُعِزُّها إلاَّ سُلْطانُكَ، وَأُمْنِيَّتِي لا يُبَلِّغُنِيها إلاَّ فَضْلُكَ، وَخَلَّتِي لا يَسُدُّها إلاَّ طَوْلُكَ، وَحاجَتِي لا يَقْضِيها غَيْرُكَ، وَكَرْبِي

٢٩٧

لاَ يُفَرِّجُهُ سِوى رَحْمَتِكَ، وَضُرِّي لا يَكْشِفُهُ غَيْرُ رَأْفَتِكَ، وَغُلَّتِي لا يُبَرِّدُها إلاَّ وَصْلُكَ، وَلَوْعَتِي لا يُطْفِيها إلاَّ لِقآؤُكَ، وَشَوْقِي إلَيْكَ لا يَبُلُّهُ إلاَّ النَّظَرُ إلى وَجْهِكَ، وَقَرارِي لا يَقِرُّ دُونَ دُنُوِّي مِنْكَ، وَلَهْفَتِي لاَ يَرُدُّها إلاَّ رَوْحُكَ، وَسُقْمِي لا يَشْفِيهِ إلاَّ طِبُّكَ، وَغَمِّي لا يُزِيلُهُ إلاَّ قُرْبُكَ، وَجُرْحِي لا يُبْرِئُهُ إلاَّ صَفْحُكَ، وَرَيْنُ قَلْبِي لا يَجْلُوهُ إلاَّ عَفْوُكَ، وَوَسْواسُ صَدْرِي لا يُزِيحُهُ إلاَّ أَمْرُكَ.

٢-فَيا مُنْتَهى أَمَلِ الآملين، وَيا غايَةَ سُؤْلِ السَّآئِلِينَ، وَيا أَقْصى طَلِبَةِ الطَّالِبِينَ، وَيا أَعْلَى رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ، وَيا وَلِيَّ الصَّالِحِينَ، وَيا أَمانَ الْخآئِفِينَ، وَيا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، وَيا ذُخْرَ الْمُعْدِمِينَ، وَيا كَنْزَ الْبآئِسِينَ، وَيا غِياثَ الْمُسْتَغيثِينَ، وَيا قَاضِيَ حَوائِجَ الْفُقَرآءِ وَالْمَساكِينِ، وَيا أَكْرَمَ الأكْرَمِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، لَكَ تَخَضُّعِي وَسُؤالِي، وَإلَيْكَ تَضَرُّعِي وَابْتِهالِيْ،

٢٩٨

أَسْأَلُكَ أَنْ تُنِيلَنِي مِنْ رَوْحِ رِضْوانِكَ، وَتُدِيمَ عَلَيَّ نِعَمَ امْتِنانِكَ، وَها أَنَا بِبابِ كَرَمِكَ واقِفٌ، وَلِنَفَحاتِ بِرِّكَ مُتَعَرِّضٌ، وَبِحَبْلِكَ الشَّدِيدِ مُعْتَصِمٌ، وَبِعُرْوَتِكَ الْوُثْقى مُتَمَسِّكٌ.

٣-إلهِي ارْحَمْ عَبْدَكَ الذَّلِيلَ، ذَا اللِّسانِ الْكَلِيلِ وَالْعَمَلِ الْقَلِيلِ، وَامْنُنْ عَلَيْهِ بِطَوْلِكَ الْجَزِيلِ، وَاكْنُفْهُ تَحْتَ ظِلِّكَ الظَّلِيلِ يا كَرِيمُ يا جَمِيلُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.)

المناجاة الثانية عشرة: مناجاة العارفين

بسم الله الرحمن الرحيم

١-(إلهِي قَصُرَتِ الألْسُنُ عَنْ بُلُوغِ ثَنآئِكَ، كَما يَلِيقُ بِجَلالِكَ، وَعَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إدْراكِ كُنْهِ جَمالِكَ، وَانْحَسَرَتِ الأبْصارُ دُونَ النَّظَرِ إلى سُبُحاتِ وَجْهِكَ، وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً إلى مَعْرِفَتِكَ إلاَّ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِكَ.

٢-إلهِي فَاجْعَلْنا مِنَ الَّذِينَ تَرَسَّخَتْ أَشْجارُ الشَّوقِ

٢٩٩

إلَيْكَ فِي حَدآئِقِ صُدُورِهِمْ، وَأَخَذَتْ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجامِعِ قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ إلَى أَوْكارِ الأفْكارِ يَأْوُونَ، وَفِي رِياضِ الْقُرْبِ وَالْمُكاشَفَةِ يَرْتَعُونَ، وَمِنْ حِياضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلاطَفَةِ يَكْرَعُونَ، وَشَرايعَ الْمُصافاةِ يَرِدُونَ، قَدْ كُشِفَ الْغِطآءُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، وَانْجَلَتْ ظُلْمَةُ الرَّيْبِ عَنْ عَقآئِدِهِمْ، وَانْتَفَتْ مُخالَجَةُ الشَّكِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَرآئِرِهِمْ، وَانْشَرَحَتْ بِتَحْقِيقِ الْمَعْرِفَةِ صُدُورُهُمْ، وَعَلَتْ لِسَبْقِ السَّعادَةِ فِي الزَّهادَةِ هِمَمُهُمْ، وَعَذُبَ فِي مَعِينِ الْمُعامَلَةِ شِرْبُهُمْ وَطابَ فِي مَجْلِسِ الاُنْسِ سِرُّهُمْ، وَأَمِنَ فِي مَوْطِنِ الْمَخافَةِ سِرْبُهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ بِالرُّجُوْعِ إلى رَبِّ الأرْبابِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَيَقَّنَتْ بِالْفَوْزِ وَالْفَلاحِ أَرْواحُهُمْ، وَقَرَّتْ بِالنَّظَرِ إلى مَحْبُوبِهِمْ أَعْيُنُهُمْ، وَاسْتَقَرَّ بِإدْراكِ السُّؤْلِ وَنَيْلِ الْمَأْمُولِ قَرَارُهُمْ، وَرَبِحَتْ فِي بَيْعِ الدُّنْيَا بالآخرة تِجارَتُهُمْ.

٣-إلهِي ما أَلَذَّ خَواطِرَ الإلْهامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ،

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309