نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١١

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 362

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 362 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308092 / تحميل: 6424
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

عليه، وكان معنى الحديث أنّ علياًعليه‌السلام حافظ العلم والحكمة، فلا يتطرّق إليهما ضياع ولا يخشى عليها ذهاب، فوصف علياً بأنّه حافظ العلم والحكمة، ويكفى علياًعليه‌السلام علوّاً في مقام العلم والفضيلة أنْ جعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حافظاً للعلم والحكمة »(١) .

٥ - دلالته على وجوب الرجوع إليه

ويدلّ حديث مدينة العلم على وجوب رجوع الأمّة إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام لأخذ العلم منه، ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذيله « فمن أراد العلم فليأت الباب » و قال « كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من الباب ».

وهذا أيضاً وجه آخر لإِثبات المطلوب. والحمد لله.

قال العلاّمة ابن شهرآشوب عليه الرحمة بعد نقل الحديث من طرق المخالفين: « وهذا يقتضي وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّه كنّى عنه بالمدينة وأخبر أن الوصول إلى علمه من جهة علي خاصة، لأنه جعله كباب المدينة الذي لا يدخل إليها إلّا منه. ثمّ أوجب ذلك الأمر به بقوله: « فليأت الباب ». وفيه دليل على عصمته، لأنّه من ليس بمعصوم يصحّ منه وقوع القبيح، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا فيؤدّى إلى أن يكونعليه‌السلام قد أمر بالقبيح وذلك لا يجوز، ويدلّ أيضاً: أنه أعلم الأمة، يؤيد ذلك ما قد علمناه من اختلافها ورجوع بعضها إلى بعض وغناهعليه‌السلام عنها، وأبانعليه‌السلام ولاية عليعليه‌السلام وإمامته وأنّه لا يصح أخذ العلم والحكمة في حياته وبعد وفاته إلّا من قبله وروايته عنه كما قال الله تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) »(٢) .

____________________

(١). مطالب السئول: ٦١ - ٦٢.

(٢). مناقب آل أبي طالب: ٢ / ٣٤.

١٨١

وقال القاضي التستري الشهيد نوّر الله مرقده في ( إحقاق الحق ):

« أقول: في الحديث إشارة إلى قوله تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وفي كثير من روايات إبن المغازلي تصريح بذلك، ففي بعضها مسنداً إلى جابررضي‌الله‌عنه : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. و في بعضها مسنداً إلى عليعليه‌السلام : يا علي أنا مدينة وأنت الباب كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلّا من الباب. و روى عن ابن عباس: أنا مدينة الجنة وعلي بابها فمن أراد الجنّة فليأتها من بابها و عن ابن عباس أيضا بطريق آخر: أنا دار الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب.

وهذا يقتضي وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّى عن نفسه الشريفة بمدينة العلم وبدار الحكمة، ثم أخبر أنْ الوصول إلى علمه وحكمته وإلى جنّة الله سبحانه من جهة علي خاصة، لأنّه جعله كباب مدينة العلم والحكمة والجنة التي لا يدخل إليها إلّا منه، وكذّبعليه‌السلام من زعم أنّه يصل إلى المدينة لا من الباب، وتشير إليه الآية أيضاً كما ذكرناه.

وفيه دليل على عصمته وهو ظاهر، لأنّهعليه‌السلام أمر بالاقتداء به في العلوم على الإطلاق، فيجب أن يكون مأموناً عن الخطأ، ويدل على أنه إمام الأمة لأنه الباب لتلك العلوم، ويؤيد ذلك ما علم من اختلاف الأمة ورجوع بعض إلى بعض وغناؤهعليه‌السلام عنها، ويدل أيضاً على ولايته وإمامتهعليه‌السلام ، وأنّه لا يصح أخذ العلم والحكمة ودخول الجنة في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا من قبله، ورواية العلم والحكمة إلّا عنه، لقوله تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) حيث كانعليه‌السلام هو الباب، ولله در القائل:

« مدينة علم وابن عمك بابها

فمن غير ذاك الباب لم يؤت سورها ».

ويدل أيضاً: على أنه من أخذ شيئاً من هذه العلوم والحكم التي احتوى عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير جهة عليعليه‌السلام كان

١٨٢

عاصياً كالسارق والمتسوّر، لأنّ السارق والمتسوّر إذا دخلا من غير الباب المأمور بها ووصلا إلى بغيتهما كانا عاصيين، و قولهعليه‌السلام : « فمن أراد العلم فليأت الباب » ليس المراد به التخيير، بل المراد به الإيجاب والتهديد كقوله عز وجل( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) والدليل على ذلك: أنّه ليس هاهنا نبي غير محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو مدينة العلم ودار الحكمة، فيكون العالم مخيّراً بين الأخذ من أحدهما دون الآخر. وفقد ذلك دليل على إيجابه وأنّه فرض لازم. والحمد لله ».

وقال: ثمّ لا يخفى على أولي الألباب أن المراد بالباب في هذه الأخبار الكناية عن الحافظ للشيء الذي لا يشذّ عنه منه شيء ولا يخرج الاّ منه ولا يدخل عليه الّا به، وإذا ثبت أنهعليه‌السلام الحافظ لعلوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحكمته، وثبت أمر الله تعالى ورسوله بالتوصّل به إلى العلم والحكمة وجب اتباعه والأخذ عنه، وهذا حقيقة معنى الامام كما لا يخفى على ذوي الأفهام ».

٦ - دلالته على أنّ الامام أوّل من يقاتل أهل البغي

وممّا يدلُّ عليه حديث مدينة العلم ما ذكره الكنجي من أنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أوّل من يقاتل أهل البغي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهذا الوجه أيضاً يقتضي أفضليّة الامامعليه‌السلام من سائر الأصحاب، وصحّة الاستدلال به على مطلوب أهل الحق وهذا نصّ كلام الحافظ الكنجي:

« قلت - والله أعلم -: إنّ وجه هذا عندي أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله تعالى علّمني العلم وأمرني بدعاء الخلق إلى الإقرار بوحدانيّته في أوّل النّبوة، حتى مضى شطر زمان الرسالة على ذلك، ثم أمرني الله بمحاربه من أبى الإِقرار لله عز وجل

١٨٣

بالوحدانيّة بعد منعه من ذلك، فأنا مدينة العلم في الأوامر والنواهي وفي السلم والحرب، حتى جاهدت المشركين، وعلي بن أبي طالب بابها، أي: هو أوّل من يقاتل أهل البغي بعدي من أهل بيتي وسائر أمتي، ولو لا أنّ علياً بيّن الناس قتال أهل البغي، وشرع الحكم في قتلهم وإطلاق الأسارى منهم وتحريم سلب أموالهم وسبى ذراريهم، لما عرف ذلك، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنَّ في قتال المشركين ونهب أموالهم وسبي ذراريهم، وسنَّ عليّ في قتال أهل البغي أنْ لا يجهز على جريح ولا يقتل الأسير ولا تسبى النساء والذريّة ولا تؤخذ أموالهم، وهذا وجه حسن صحيح.

ومع هذا، فقد قال العلماء من الصّحابة والتابعين وأهل بيته: بتفضيل علي، وزيادة علمه، وغزارته، وحدّته فهمه ووفور حكمته، وحسن قضاياه وصحّة فتواه، وقد كان أبوبكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصّحابة يشاورونه في الأحكام، ويأخذون بقوله في النقض والإِبرام، إعترافاً منهم بعلمه ووفور فضله ورجاحة عقله وصحة حكمه، وليس هذا الحديث في حقّه بكثير، لأنّ رتبته عند الله عزّ وجل وعند رسوله وعند المؤمنين من عباد أجلّ وأعلى من ذلك »(١) .

٧ - الحديث في رواية جابر

قال الخطيب: « أخبرنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري قال: أخبرنا أبوبكر بن المقري قال: ثنا أبو الطيب محمد بن عبد الصّمد الدقاق قال: حدثنا أحمد ابن عبيد الله أبو جعفر المكتّب قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: ثنا سفيان عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن بهمان قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبيّة وهو آخذ بيد علي: هذا أمير

____________________

(١). كفاية الطالب: ٢٢٢.

١٨٤

البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، يمدّ بها صوته، أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

وقال ابن المغازلي: « أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار الفقيه الشافعي - رحمه الله تعالى ، بقراءتي عليه فأقرّ به، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة - قلت له: أخبركم أبو محمّد عبد الله بن محمد بن عثمان المزني - الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطيرحمه‌الله - نا عمر بن الحسن الصيرفيرحمه‌الله ، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد، نا عبد الرزاق قال: أنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن بن بهمان عن جابر بن عبد الله قال: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضد علي فقال: هذا أمير البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره مخذول من خذله، ثم مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ».

وقال: « أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصّلت القرشي، نا علي بن محمد بن المقري، نا محمد بن عيسى ابن شعبة البزاز، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب، نا عبد الرزاق، أنا معمر عن عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - يوم الحديبيّة، وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب -: هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، ثم مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(٢) .

وقال الكنجي: « أخبرنا العلامة قاضي القضاة أبو نصر محمد بن هبة الله ابن قاضي القضاة محمد بن هبة الله بن محمد الشيرازي، أخبرنا الحافظ أبو القاسم، أخبرنا القاسم بن السمرقندي، أخبرنا أبو القاسم بن مسعدة، أخبرنا حمزة بن يوسف، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا النعمان بن هارون البلدي

____________________

(١). تاريخ بغداد ٢ / ٣٧٧، ٤ / ٢١٩.

(٢). مناقب امير المؤمنين لابن المغازلي: ٨٠.

١٨٥

ومحمد بن أحمد بن المؤمّل الصيرفي وعبد الملك بن محمد قالوا: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدّب، حدثنا عبد الرزاق، عن سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن بهمان قال: سمعت جابراً يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - يوم الحديبيّة وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب وهو يقول -: هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول منخذله، ثمّ مدّ بها صوته وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. قلت: هكذا رواه ابن عساكر في تاريخه، وذكر طرقه عن مشايخه »(١) .

أقول: فهذا الحديث قد رواه كبار الحفّاظ أمثال:

عبد الرّزاق بن همام الصنعاني.

وابن السقاء الواسطي.

وأبي الحسن العطّار الشافعي.

والخطيب البغدادي.

وأبي محمد الغندجاني.

وابن المغازلي.

وابن عساكر، والكنجي الشافعي.

وهذا الحديث يدلُّ من جهاتٍ عديدةٍ على اهتمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإِفصاح عن إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وأفضليّته قولاً وفعْلاً، وتلك الجهات هي:

١ - إيرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الكلام « يوم الحديبية »، وهو مشهد عظيم من مشاهد المسلمين يجتمع فيه الوضيع والشريف والصغير والكبير

٢ - أخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضبع أمير المؤمنينعليه‌السلام لمزيد التأكيد وإتمام الحجة على الحاضرين والغائبين...

____________________

(١). كفاية الطالب: ٢٢٠.

١٨٦

٣ - قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه: « هذا أمير البررة وقاتل الكفرة » وهو نصّ صريح في إمامته

٤ - قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « منصور من نصره مخذول من خذله » إيجاباً لطاعته وإلزاماً لاتّباعه

٥ - مدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته بقوله: « أنا مدينة » إبلاغاً لجميع الحاضرين فكيف يقال: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقصد بهذا الحديث إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ وأنّ هذا الحديث ليس فيه دلالة على مدّعي أهل الحق؟

٨ - الحديث في خطبة الامام الحسن عليه‌السلام

روى القندوزي الحنفي:

« عن الأصبغ بن نباتة قال: لمـّا جلس عليعليه‌السلام في الخلافة خطب خطبةً ذكرها أبو سعيد البختري إلى آخرها، ثم قال للحسنعليهما‌السلام : يا بني فاصعد المنبر وتكلّم، فصعد وبعد الحمد والتّصلية قال: أيها الناس سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهل تدخل المدينة إلّا من بابها. فنزل.

ثم قال الحسينعليه‌السلام فاصعد المنبر وتكلّم فصعد، فقال بعد الحمد والتّصلية: أيّها الناس سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ علياً مدينة هدى فمن دخلها نجى ومن تخلّف عنها هلك، فنزل.

ثم قال عليعليه‌السلام : أيها الناس إنّهما ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وديعته التي استودعهما على أمّته، وسائل عنهما »(١) .

____________________

(١). ينابيع المودة: ٧٢.

١٨٧

فذكر الامام الحسنعليه‌السلام حديث مدينة العلم في هذا الحال - أي عند جلوس الامام عليعليه‌السلام في الخلافة - واقتصاره عليه، من أوضح البراهين على دلالته على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ووجوب متابعته والانقياد له

٩ - رجوع الطرق إلى الامام عليه‌السلام

قال شهاب الدين أحمد بن عبد القادر العجيلي:

« ودعوة الحق وباب العلم

وأعلم الصّحب بكلّ حكم ».

قالت أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أما ترضين - يا فاطمة - أنْ زوّجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً و قالت أمّ سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض.

فهو الداعي إلى الحق وهو دعوة الحق.

وفي الجامع الكبير: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي سبعة أجزاء والناس جزء وعلي أعلم بالواحد منه منهم.

وأخرج الترمذي أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب.

ولهذا كانت الطرق والسّلسلات راجعة إليه ».

أي: لمـّا كان عليعليه‌السلام باب مدينة العلم كانت الطرق والسّلسلات راجعة إليه، وهذا المعنى أيضاً يثبت أفضليته، وثبوتها كاف في هذا الباب كما لا يخفى على أولى الألباب »(١) .

____________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

١٨٨

١٠ - دلالة الحديث على أنّ الامام خاتم الأولياء

قال المولوي حسن الزمان:

« تنبيه: ومن أحسن بيّنة على معنى ختم الأولياء: الحديث المشهور الصحيح الذي صحّحه جماعات من الأئمة:

منهم: أشدّ الناس مقالاً في الرجال سند المحدثين إبن معين، كما أسنده ووافقه الخطيب في تاريخه - وقد كان قال أوّلاً لا أصل له -.

ومنهم: الامام الحافظ المنتقد المجتهد المستقل المجدد الجامع من العلوم - كما ذكره السيوطي، وابن حجر، والتاج السبكي، والذهبي، والنووي، عن الامام الحافظ الخطيب البغدادي ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، ويؤيده قول إمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير - في تهذيب الآثار، وقد قال الخطيب: لم أرد مثله في معناه، كما نقل كلامه السيوطي في مسند علي من جمع الجوامع.

ومنهم: الحاكم.

ومن آخرهم: المجد الشيرازي شيخ ابن حجر، في نقد الصحيح، وأطنب في تحقيقه كما نقله الدهلوي في لمعات التنقيح.

واقتصر على تحسينه: العلائي، والزركشي، وابن حجر، في أقوامٍ أخر، ردّاً على ابن الجوزي.

من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها، قال الله تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) . وهو أقوى شاهد لصحة رواية صحّحها الحاكم: فمن أراد العلم فليأت الباب.

وهذا مقام الختم من أنّه لا وليّ بعده إلّا وهو راجع إليه، آخذ من لديه،

١٨٩

وإليه الاشارة بما في الحديث الصحيح المستفيض المشهور بل المتواتر، من الأمر بسدّ كلّ باب في المسجد إلّا بابه، مستنداً إلى أمر الله تعالى بذلك، فهو سدّ كلّ باب من صاحب الشريعة إلّا ما شاء في الطريقة إلى الحقيقة إلّا بابه، فلا جرم قد انحصرت سلاسل الطريقة في باب المرتضى إلّا ما ندر كخوخة الصديق أبي بكر، ويؤيّده الأحاديث الصحيحة المذكورة وغيرها المشهورة.

ومن هنا كان المرتضى مثل عيسى - على نبيّنا وكلّ الأنبياء الصلاة والسلام - في إفراط وتفريطهم فيه كما ورد، وقد استشهد ليلة رفع فيها عيسى كما ورد من طرق عن الامام الحسن بن علي في الخطبة، فإنّه خاتم الولاية العامة من آدم إلى آخر ولي.

والمرتضى كرّم الله وجهه خاتم الولاية الخاصة المحمدية الأكبر، فالمهدي الوارد فيه - عند الطبراني وجماعة: المهدي منّا أهل البيت يختم الدين به كما فتح بنا - فولي آخر من العرب من أكرمها أصلاً، ويدا كان الشيخ الأكبر خاتم الولاية المحمدية الأصغر عاصره ولقيه ونفيه خاتماً خاصاً في العالم غيره قبل تحققه برتبته وإنْ كان بشّر به فنسي، ثم لمـّا تحقّق حقّق »(١) .

وحاصل هذا الكلام: إن حديث مدينة العلم من أحسن بيّنةٍ على أن أمير المؤمنينعليه‌السلام خاتم الأولياء، وأنَّ كلّ ولي راجع إليه، آخذ من لديه، وهذا وجه آخر لدلالة حديث مدينة العلم على أفضليته فإمامتهعليه‌السلام

____________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن ١٨٤.

١٩٠

قوله:

« غاية ما في الباب أنّه قد تحقّق فيه شرط من شروط الامامة على الوجه الأتم، ومع وجدان أحد الشروط لا يلزم وجود المشروط ».

أقول:

لقد ثبت - من البحوث المتقّدمة - دلالة حديث مدينة العلم على إمامة سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وكلام ( الدهلوي ) هذا يؤيّد استدلال أهل الحق بهذا الحديث الشريف على الامامة والخلافة، لأنَّ تحقق أحد شُروط الامامة فيه - وهو العلم - بالوجه الأتم ثبتت أعلمية الامامعليه‌السلام ، وهذه تقتضي أفضليّته وحينئذٍ لا يبقى ريب في وجدانه لسائر شرائط الامامة.

أدلة أخرى على استلزام الأعلمية للأفضلية فالامامة

وبالرغم من ثبوت استلزام الأعلمية للأفضلية، وأيضاً استحقاق الأعلم للإِمامة والخلافة، من الوجوه المذكورة سابقاً، لكنّا نذكر فيما يلي بعض الأدلّة المحكمة على هذا المطلب:

١ - قصّة جالوت

قال الله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ

١٩١

أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلمـّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) .

قال الثعلبي والبغوي والنسفي وغيرهم: «( قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ ) اختاره( عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً ) فضيلةً وسعة( فِي الْعِلْمِ ) وذلك أنه كان أعلم بني إسرائيل في وقته »(١) .

٢ - قصّة استخلاف داود سليمان عليهما‌السلام

وهذه القصّة ذكرها أبو الحسن محمد بن عبد الله الكسائي في ( قصص الأنبياء )، وأبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي في ( العرائس )، وعبيد الله الكاشغري في ( نفائس العرائس ) بألفاظٍ متقاربة، وهذه هي القصة بلفظ أبي أسحاق الثعلبي:

« باب في قصّة استخلاف داود ابنه سليمان -عليهما‌السلام - وذكر بدو الخاتم. قال أبو هريرةرضي‌الله‌عنه :

أنزل الله تعالى كتاباً من السماء على داودعليه‌السلام مختوماً بخاتم من ذهب فيه ثلاثة عشر مسألة، فأوحى الله تعالى إليه أن سل عنها ابنك، فإنْ هو أخرجهنّ فهو الخليفة من بعدك، قال: فدعا داودعليه‌السلام سبعين قسّاً وسبعين حبراً، وأجلس سليمان بين أيديهم وقال: يا بنيّ إن الله تعالى أنزل عليّ كتاباً من السماء فيه مسائل، وأمرني أن أسألك منها، فإنْ أخرجتهنّ فأنت الخليفة من بعدي. فقال سليمان: ليسأل نبيّ الله عمّا بدا له وما توفيقي إلّا بالله، قال داود:

____________________

(١). معالم التنزيل ١ / ٣٤٣.

١٩٢

يا بني ما أقرب الأشياء؟ وما أبعد الأشياء؟ وما آنس الأشياء؟ وما أوحشها؟ وما أحسن الأشياء؟ وما اقبحها؟ وما أقل الأشياء؟ وما أكثرها؟ وما القائمان؟ وما الساعيان؟ وما المشتركان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره؟ وما الأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره؟

فقال سليمانعليه‌السلام : أمّا أقرب الأشياء فالآخرة، وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا، وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح، وأما أوحش الأشياء فجسد لا روح فيه، وأمّا أحسن الأشياء فالإيمان بعد الكفر، وأمّا أقبح الأشياء فالكفر بعد الايمان، وأما أقل الأشياء فاليقين، وأما أكثر الأشياء فالشك، وأما القائمان فالسماء والأرض، وأما الساعيان فالشمس والقمر، وأما المشتركان فالليل والنهار، وأما المتباغضان فالموت والحياة، وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم عند الغضب، وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدّة عند الغضب.

قال: ففكّوا الخاتم، فإذا جواب المسائل سواء على ما نزل من السماء فقال القسيسون: لا نرضى حتى نسأله عن مسألة، فإن أخرجها فهو الخليفة من بعدك، فقال سليمانعليه‌السلام : سلوني وما توفيقي إلّا بالله، فقالوا له: ما الشيء الذي إذا صلح صلح كلّ شيء من الإنسان، وإذا فسد فسد كلّ شيء من الإنسان؟ فقال: هو القلب.

فقام داود فصعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: إن الله تعالى يأمرني أنْ أستخلف عليكم سليمان. قال: فضجّت بنو إسرائيل وقالوا: غلام حدث يستخلف علينا! وفينا من هو أفضل منه وأعلم! فبلغ ذلك داودعليه‌السلام ، فدعا أسباط رؤساء بني إسرائيل وقال لهم: إنه قد بلغني مقالتكم، فأروني عصيّكم، فأيّ عصاه أثمرت فإنّ صاحبها ولي هذا الأمر بعدي، قالوا: قد رضينا فجاءوا بعصّيهم، فقال لهم داود: ليكتب كلّ رجل منكم اسمه على عصاه، فكتبوا، ثم جاء سليمان بعصاه، فكتب عليها اسمه، ثم أدخلت بين

١٩٣

العصيّ وأُغلق عليها الباب وحرست رؤس أسباط بني إسرائيل، فلما أصبح صلّى بهم الغداة ثم أقبل ففتح فأخرج عصّيهم فإذا هي كما هي، وعصا سليمان قد أورقت وأثمرت، قال: فسلّموا ذلك لداودعليه‌السلام ، فلما رأى ذلك داود حمد الله وجعل سليمان خليفة ثم سار به في بني إسرائيل فقال: إنّ هذا خليفتي عليكم من بعدي ».

٣ - حديث: من استعمل عاملاً

ومن الأدّلة على تعيّن الأعلم للخلافة والامامة: ما جاء في ( كنز العمال ) من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنّة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين. م د. عن ابن عباس »(١) .

لأنّه إذا كان استعمال عامل هذا شأنه في أمرٍ صغير خيانةً لله ورسوله وجميع المسلمين، فما ظنّك بالولاية العامة والامامة الكبرى والخلافة العظمى عن رسول الله؟!

٤ - الدليل من الأشعار المرويّة

ومن الأدلة على اقتضاء الأعلمية للامامة: الأشعار التي رويت عن واحد من الصحابة أنه قالها بعد السقيفة في مدح عليعليه‌السلام ، وبيان أنّه صاحب الخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دون أبي بكر بن أبي قحافة، وهذه هي:

____________________

(١). كنز العمال: ٦ / ٤٠.

١٩٤

ما كنت أحسب أنَّ الأمر منحرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالآثار والسّنن

وأقرب الناس عهداً بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما في جميع الناس كلّهم

وليس في الناس ما فيه من الحسن

ما ذا الذي ردّكم عنه فنعرفه

ها إن بيعتكم من أول الفتن »

وهذه الأبيات ذكرها الخوارزمي ونسبها إلى « العباس بن عبد المطلب »(١) .

وذكرها الأيوبي في ( المختصر في أخبار البشر ) إلّا البيت الأخير منها مع اختلافٍ يسير في بعض الألفاظ، ناسباً إيّاها إلى « عتبة بن أبي لهب »(٢) وعزاها في ( الموفقيات ) إلى « بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلّب » وهذا نصّ كلامه:

« روى محمد بن إسحاق: إن أبابكر لمـّا بويع افتخرت تيم بن مرة، قال:

وكان عامة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أن علياً هو صاحبها بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الفضل بن عباس: يا معشر قريش - وخصوصاً يا بني تيم - إنكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا، حسداً منهم لنا وحقداً علينا، وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه، وقال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسّنن

وأقرب الناس عهداً بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في الناس ما فيه من الحسن

ما ذا الذي ردّهم عنه فنعلمه

ها إنَّ ذا غبننا من أعظم الغبن »

____________________

(١). المناقب للخوارزمي: ٨.

(٢). المختصر في اخبار البشر: ١ / ١٥٦.

١٩٥

وعزاها الزين العراقي في ( شرح الألفية ) وفي ( التقييد والإيضاح )، وكذا السخاوي في ( فتح المغيث - شرح ألفية الحديث ) في البحث حول أوّل من أسلم إلى « خزيمة بن ثابت » وهذا نصّ كلام العراقي في كتابه الثاني:

« والصحيح أنّ عليّاً أوّل ذكر أسلم، وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه كما سيأتي، وقال ابن إسحاق في السيرة: أول من آمن خديجة ثم علي بن أبي طالب، وكان أوّل ذكر آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن عشر سنين، ثم زيد ابن حارثة فكان أول ذكر أسلم بعد علي، ثم أبوبكر فأظهر إسلامه إلى آخر كلامه. وما ذكرنا أن الصحيح من أن علياً أول ذكر أسلم هو قول أكثر الصحابة: أبي ذر، وسلمان الفارسي، وخباب بن الأرت، وخزيمة بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي أيوب الأنصاري، والمقداد بن الأسود، ويعلى بن مرة، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعفيف الكندي.

وأنشد أبو عبد الله المرزباني لخزيمة بن ثابت:

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفاً

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتهم

وأعلم الناس بالفرقان والسنن »(١)

وكذا نسبها إليه الشيرازي في ( روضة الأحباب ) والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ).

وعزاها بعضهم كالفخر الرازي في تفسيره ( مفاتيح الغيب ) والنيسابوري في تفسيره ( غرائب القرآن ) والبيضاوي في ( تفسيره ) إلى « حسّان بن ثابت »(٢) .

وعزاها بعضهم كأبي جعفر الإِسكافي في ( نقض العثمانيّة ) إلى « أبي سفيان ابن حرب » حيث قال في بيان أنهعليه‌السلام أوّل من أسلم: « وأما الأشعار المرويّة

____________________

(١). فتح المغيث ٣ / ١٢٤.

(٢). الرازي النيسابوري البيضاوي تفسير الآية: ٣٤ من سورة البقرة.

١٩٦

فمعروفة كثيرة منتشرة، فمنها قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مجيباً للوليد بن عقبة بن أبي معيط:

وإنّ وليّ الأمر بعد محمد

علي وفي كل المواطن صاحبه

وصي الرسول حقاً وصنوه

وأوّل من صلّى ومن لاذ جانبه

وقال خزيمة بن ثابت:

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه مذ كان في سالف الزمن

وأوّل من صلّى من الناس كلّهم

سوى خيرة النسوان والله ذو منن

وقال أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس حين بويع أبوبكر:

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتهم

وأعلم الناس بالأحكام والسنن

وقال أبو الأسود الدؤلي يهدّد طلحة والزبير:

وإنّ علياً لكم مصحر

يماثله الأسد الأسود

أما إنه أوّل العابدين

بمكّة والله لا يعبد

وقال سعيد بن قيس الهمداني يرتجز بصفين:

هذا علي وابن عم المصطفى

أوّل من أجابه فيما روى

هو الامام لا يبالي من غوى

وقال زفر بن يزيد بن حذيفة الأسدي:

فحوطوا علياً وانصروه فإنّه

وصي وفي الاسلام أول أول

وإن تخذلوه والحوادث جمّة

فليس لكم عن أرضكم متحوّل

١٩٧

والأشعار كالأخبار إذا امتنع في مجىء القبيلتين التواطي والاتفاق كان ورودهما حجة ».

٥ - قول عمر: لو أدركت معاذ بن جبل

ومن غرائب الأمور: ما رووه عن عمر بن الخطاب أنّه كان يتمنّى وجود معاذ بن جبلٍ حين موته ليستخلفه من بعده، وكان السبب في ذلك ما كان سمعه - على حدّ زعمه - من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّ معاذ « إن العلماء إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم ».

وممّن روى هذه القصّة: إبن سعد ( الطبقات ) وأحمد ( المسند ) وابن قتيبة ( الامامة والسياسة ) وأبو نعيم ( الحلية ) وابن حجر والعسقلاني ( فتح الباري ) والمتقى ( كنز العمال )

قال ابن سعد: « أخبرنا يزيد بن هارون، أنا سعيد بن أبي عروبة: سمعت شهر بن حوشب يقول: قال عمر بن الخطاب: لو أدركت معاذ بن جبل فاستخلفته، فسألني عنه ربي لقلت: ربي! سمعت نبيّك يقول: إن العلماء إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم بقذفة حجر»(١) .

ومن هنا يعلم أن تقدّم الرجل في العلم كافٍ لاستخلافه، وأن عمر كان يرى جواز ذلك بالاستناد إلى تلك الجهة، وهذا من أقوى الشواهد على أفضليّة الأعلم وأولويّته بالخلافة والامامة، ومن ادعى خلاف هذا المعنى فقد سفّه عمر وجهّله

هذا، مع عدم وجدان معاذ غير العلم من الشروط المعتبرة في الامام، منها القرشيّة وقد تقرّر أن « الأئمة من قريش »

١٩٨

قوله:

« لا سيّما مع وجود ذاك الشرط أو ما يفوقه في غيره، كما ثبت برواية أهل السنة، مثل: ما صبّ الله شيئاً في صدري إلّا وقد صببته في صدر أبي بكر ».

أقول:

إنّ من له أدنى تتبّع للأخبار والآثار يعلم أنّ الشيوخ الثلاثة كانوا على جانبٍ عظيم من الجهل والغباوة، وقد ذكر العلامة السيد محمد قلي طرفاً من براهين ذلك في ( تشييد المطاعن ) ومن شاء فليراجع.

وبالنظر إلى هذه الحقيقة الراهنة لم يشترط أهل السنة في الامام أن يكون عالماً بالفعل بجميع الأحكام، بل اكتفى جمهورهم باشتراط الاجتهاد، إلّا أن بعضهم لم يشترطها وجوّز أن يكون الامام مقلّداً للمجتهدين في أمور الدين، وليس هذا إلّا محاولةً منهم لتصحيح خلافة المشايخ

وقد ذكر ذلك كلّه التفتازاني في ( شرح المقاصد ) في ذكر شروط الامام حيث قال « وزاد الجمهور اشتراط أنْ يكون شجاعاً لئلّا يجبن عن إقامة الحدود ومقاومة الخصوم، مجتهداً في الأصول والفروع ليتمكّن من القيام بأمر الدين، ذا رأي في تدبير الأمور لئلّا يخبط في سياسة الجمهور.

ولم يشترطها بعضهم لندرة إجتماعها في الشخص، وجواز الاكتفاء فيها بالاستعانة من الغير، بأن يفوّض أمر الحروب ومباشرة الخطوب إلى الشجعان، ويستفتي المجتهدين في أمور الدين، ويستشير أصحاب الآراء الصائبة في أمور الملك »(١) .

____________________

(١). شرح المقاصد ٥ / ٢٤٤.

١٩٩

ولقد أيّد صديق حسن خان قول هذا البعض ودافع عنه في ( أكليل الكرامة في تبيان الامامة).

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

كالشيخ محمد بن محمد الأمير الأزهري المالكي كما في ( رسالة أسانيده ) وشاه ولي الله الدهلوي كما في ( الإِرشاد إلى مهمات الاسناد )، والشوكاني كما في ( إتحاف الأكابر بأسناد الدفاتر ). وغيرهم.

(١٢٥)

إثبات البرزنجي المدني

وقال محمد بن عبد الرسول البرزنجي الكردي المدني في ( الاشاعة في أشراط الساعة ) بعد نقل الحكاية الموضوعة في تعلم الخضر من أبي حنيفة عن كتاب ( المشرب الوردي في مذهب المهدي لعلي القاري ) قال:

« قال الشيخ علي: ولا يخفى أن هذا مع ركاكته ولحنه كلام بعض الملحدين الساعين في فساد الدين، إذ حاصله: أن الخضر الذي قال الله تعالى في حقه( عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ) وقد تعلم منه موسىعليه‌السلام تلميذ أبي حنيفة، وما أسرع فهم التلميذ حيث أخذ عن الخضر في ثلاث سنين ما تعلّم الخضر من أبي حنيفة حيّاً وميتاً في ثلاثين سنة، وأعجب منه أن أبا القاسم القشيري ليس معدوداً في طبقات الحنفية، ثم العجب من الخضر أنه أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يتعلّم منه الإسلام، ولا من علماء الصحابة كعلي باب مدينة العلم وأقضى الصحابة ».

ترجمته:

ترجم لهالمرادي بقوله: « محمد البرزنجي ابن عبد الرسول بن عبد السيد ابن عبد الرسول بن قلندر بن عبد السيد، المتصل النسب بسيدنا الحسن بن علي ابن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، الشافعي البرزنجي الأصل والمولد، المحقق المدقق

٢٨١

النحرير الأوحد الهمام، ولد بشهر زور ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة أربعين وألف، ونشأ بها وقرأ القرآن وجوده على والده، وبه تخرّج في بقية العلوم ثمّ توطّن المدينة الشريفة وتصدّر التدريس وصار من سراة رءوسها، وألّف تصانيف عجيبة وبالجملة، فقد كان من أفراد العالم علماً وعملاً، وكانت وفاته في غرة محرم سنة ثلاث ومائة وألف، ودفن بالمدينةرحمه‌الله تعالى »(١) .

(١٢٦)

رواية البدخشاني

ورواه الميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي البدخشاني بقوله: « وأخرج البزار عن جابر بن عبد الله، والعقيلي وابن عدي عن ابن عمر، والطبراني عن كليهما والحاكم عن علي وابن عمر، وأبو نعيم في المعرفة عن عليرضي‌الله‌عنه قالوا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. زاد الطبراني في رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: فمن أراد العلم فليأته من بابه.

وهذا الحديث صحيح على رأي الحاكم، وخالفه ابن الجوزي فذكره في الموضوعات، وقال الحافظ ابن حجر: الصّواب خلاف قوليهما معاً، فالحديث حسن لا صحيح ولا موضوع، وهو عند الترمذي وأبي نعيم في الحلية عن علي كرّم الله وجهه بلفظ: أنا دار الحكمة وعلي بابها »(٢) .

ورواه في ( مفتاح النجا ) كذلك ثم قال: « أقول: ذهب أكثر محققي المحدثين إلى أن هذا الحديث حديث حسن، بل قال الحاكم صحيح، ولم يصب ابن الجوزي في إيراده في الموضوعات»(٣) .

____________________

(١). سلك الدرر ٤ / ٦٥ - ٦٦.

(٢). نزل الابرار بما صح في مناقب اهل البيت الاطهار - ٧٣.

(٣). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

٢٨٢

ورواه في ( تحفة المحبين ) أيضاً بقوله: « أنا مدينة العلم وعلي بابها. ر، طس عن جابر بن عبد الله، عق، طب، عد عن ابن عمر. عم في المعرفة عن علي. ك عن كلا الأخيرين.

أقول: هذا الحديث صحّحه الحاكم وخالفه ابن الجوزي فذكره في الموضوعات، وقال الحافظ ابن حجر: الصواب خلاف قوليهما معاً، فالحديث حسن لا صحيح ولا موضوع. أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه. طب عن ابن عباس »(١) .

(١٢٧)

إثبات صدر العالم

وقد أثبته محمد صدر العالم(٢) حيث أورد كلام الحافظ السيوطي في ( جمع الجوامع ) بطوله، وقد تقدم نصه في محله ( الوجه ٨٨ ).

(١٢٨)

رواية شاه ولي الله

وأرسله شاه ولي الله والد ( الدهلوي ) في مواضع من كتابه ( قرة العينين )

____________________

(١). تحفة المحبين - مخطوط.

والبدخشاني من كبار محدثي أهل السنة المعتمدين، فان كثيراً من علمائهم المتأخرين عنه ينقلون عن كتبه: نزل الابرار، تحفة المحبين، مفتاح النجا، ويستشهدون برواياته فيها وقد ترجم له صاحب ( نزهة الخواطر ٦ / ٢٥٩ ) قائلاً: « الشيخ العالم المحدث محمد بن رستم بن قباد الحارثي البدخشي، أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال » ثم ذكر كتبه المذكورة وغيرها.

(٢). وهو من كبار علماء أهل السنة في الديار الهندية في القرن الثاني عشر، كان معاصراً لشاه ولي الله الدهلوي وقد أثنى عليه ومدحه في كتابه ( التفهيمات الالهية ).

٢٨٣

إرسال المسلم، فمنها: قوله في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام : « وقد شهدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلمه بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وبتفوّقه في القضاء بقوله: أقضاكم علي ».

ومنها: قوله: « وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

ومنها قوله: « النكتة السابعة: لقد شاء الله تعالى انتشار دينه بواسطة رسوله في جميع الآفاق، وهذا لم يمكن إلّا عن طريق العلماء والقرّاء الذين أخذوا القرآن منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأظهر سبحانه على لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضائل جماعة من الصحابة ليكون حثّاً للناس على أخذ العلم والقرآن منهم، وأصبحت تلك الفضائل بمثابة إجازات المحدثين لتلاميذهم، ليعرف الأقوال بالرجال من لا يعرف الرجال بالأقوال، ولقد كان علماء الأصحاب يشتركون في هذه الفضائل كما تنطق بذلك كتب الحديث، ومن هذا الباب: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأقرؤكم أبي، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ».

وقال شاه ولي الله في ( ازالة الخفا في سيرة الخلفا ) في مآثر أمير المؤمنينعليه‌السلام « وعن ابن عباس رضي الله عنها قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. و عن جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب ».

ولقد اعترف ( الدهلوي ) برواية والده حديث مدينة العلم حيث قال في رسالته التي ألّفها في بيان اعتقادات والده - على ما في ( ذخيرة العقبى لعاشق علي خان الدهلوي ) قال: « وقد أخرج في مصنفاته ما لا يحصى من أحاديث مناقب أمير المؤمنين، ولا سيّما « حديث غدير خم » و « أنت مني وأنا منك » و « من فارقك يا علي فقد فارقني » و حديث « ائتني بأحب خلقك إليك » و « أنا مدينة العلم وعلي بابها » و حديث « هذا أمير البررة وقاتل الفجرة » وأخرج حديث رد الشمس - الذي اختلف المحدثون فيه - بطريق صحيح عن الشيخ أبي طاهر المدني عن أبي القاسم

٢٨٤

الطبراني، ثم نقل شواهده عن الطحاوي وغيره من كبار المحدثين، وحكم بصحته، كما روى كرامات عديدة للمرتضى بطرق صحيحة ».

ترجمته:

والشاه ولي الله الدهلوي غني عن التعريف، فهو شيخ علماء الهند ومن عليه اعتمادهم، فقد وصفه محمد معين السندي بـ « عالم الهند وعارف وقته »(١) .

وفي موضع آخر بـ « قدوة علماء دهره يعسوب زماننا، الشيخ الأجل، الصوفي الأكمل، إمام بلاد الهند »(٢) .

ووصفه رشيد الدين الدهلوي في ( غرة الراشدين ) بـ « عمدة المحدثين، قدوة العارفين ».

ووصفه حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام ) بـ « خاتم العارفين، قاصم المخالفين، سيد المحدثين، سند المتكلمين، حجة الله على العالمين ». وترجم له الصديق حسن خان القنوجي في ( اتحاف النبلاء ) و ( أبجد العلوم )، وهذه خلاصة ما ذكر في الكتاب الثاني:

« مسند الوقت الشيخ الأجل شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم المحدِّث الدهلوي. له رسالة سماها الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضعيف ذكر فيها ترجمته بالفارسية مفصلة، حاصلها: إنه ولد يوم الأربعاء رابع شوال وقت طلوع الشمس في سنة ١١١٤ الهجرية، تاريخه عظيم الدين، ورأى جماعة من الصلحاء منهم والده الماجد مبشرات قبل ولادته، وهي مذكورة في كتاب القول الجلي في ذكر آثار الولي للشيخ محمد عاشق بن عبيد الله البارهوي البهليتي المخاطب بعلي، واكتسب في صغر سنّه الكتب الفارسية والمختصرات من العربية، واشتغل بأشغال المشايخ

____________________

(١). دراسات اللبيب في الاسوة الحسنة بالحبيب: ٢٧٣.

(٢). نفس المصدر: ٢٩٢.

٢٨٥

النقشبندية، ولبس خرقة الصوفية، وأجيز بالدّرس وفرغ من تحصيل العلم، وأجازه والده بأخذ البيعة ممن يريدها وقال: يده كيده، ثم اشتغل بالدرس نحو اثني عشرة سنة، وحصل له فتح عظيم في التوحيد والجانب الواسع في السلوك، ونزل على قلبه العلوم الوجدانية فوجاً فوجاً، وخاض في بحار المذاهب الأربعة واشتاق إلى زيارة الحرمين الشريفين، فرحل إليهما في سنة ١١٤٣ وأقام هناك عامين كاملين، وتلمذ على الشيخ أبي الطاهر المدني وغيره من مشايخ الحرمين.

ومن نعم الله تعالى عليه أن أولاه خلعة الفاتحية، وألهمه الجمع بين الفقه والحديث، وأسرار السنن ومصالح الأحكام، وسائر ما جاء بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ربه عزّ وجل، حتى أثبت عقائد أهل السنة بالأدلة والحجج، وطهّرها من قذى أهل المعقول، وأعطي علم الابداع والخلق والتدبير والتدلي مع طول وعرض وعلم استعداد النفوس الانسانية لجميعها، وأفيض عليه الحكمة العملية وتوفيق تشييدها بالكتاب والسنة، وتمييز العلم المنقول من المحرف المدخول، وفرق السنة السنية من البدعة غير المرضية. انتهى.

وكانت وفاته سنة ١١٧٦ الهجرية. وله مؤلفات جليلة ممتعة يجل تعدادها منها: فتح الرحمن في ترجمة القرآن، والفوز الكبير في أُصول التفسير، والمسوّى والمصفّى في شروح الموطإ، والقول الجميل والخير الكثير، والانتباه، والدر الثمين، وكتاب حجة الله البالغة، وكتاب إزالة الخفا عن خلافة الخلفاء، ورسائل التفهيمات. وغير ذلك.

وقد ذكرت له ترجمة حافلة في كتابي إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين، وذكر له معاصرنا المرحوم المولوي محمد محسن بن يحيى البكري التيمي الترهتيرحمه‌الله ترجمة بليغة في رسالته اليانع الجني، وبالغ في الثناء عليه، وأتى بعبارة نفيسة جداً، وأطال في ذكر أحواله الأُولى والأُخرى وأطاب ».

٢٨٦

(١٢٩)

إثبات محمد معين السندي

وقال معين بن محمد أمين السندي: « واستدلّوا على حجية القياس بعمل جمع كثير من الصحابة، وأن ذلك نقل عنهم بالتواتر، وإنْ كانت تفاصيل ذلك آحاداً، وأيضاً: عملهم بالقياس وترجيح البعض على البعض تكرر وشاع من غير نكير، وهذا وفاق وإجماع على حجية القياس.

فالجواب: إنه كما نقل عنهم القياس نقل ذمّهم القياس أيضاً، فعن باب مدينة العلمرضي‌الله‌عنه أنه قال: لو كان الدين بالقياس لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره »(١) .

ترجمته:

ومحمد معين السندي من مشاهير محققي أهل السنة، ومن تلامذة الشيخ عبد القادر مفتي مكّة المكرّمة ومن معاصري شاه ولي الله، وكتابه ( دراسات اللبيب ) من الكتب المعتبرة المشهورة، قال فيه: « وقد وافقنا على هذا الرأي قدوة علماء دهره يعسوب زماننا الشيخ الأجل الصوفي الأكمل إمام بلاد الهند الشيخ ولي الله ابن عبد الرحيم مشافهاً، في جملة صالحة من آرائنا مخاطباً لي في تفرّدي ببعض ما خالفت فيه الجماهير: ومن الرديف فقد ركبت غضنفراً؟. والحمد لله تعالى على ذلك حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ».

وقد ذكره المولوي صديق حسن خان القنوجي في ( إتحاف النبلاء المتقين

____________________

(١). دراسات اللبيب: ٢٨٤.

٢٨٧

بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين ) ووصفه بـ « الشيخ الفاضل المحقق » وأثنى عليه وعلى كتابه المذكور، ونوّه بالقصيدة التي أنشدها بعض معاصري السندي - وهو القاضي البشاوري - في وصف ( دراسات اللبيب ) واستجودها، وهي مطبوعة في آخر الكتاب المذكور.

(١٣٠)

إثبات محمد سالم الحفني

وأثبته الشيخ محمد بن سالم الحفني الشافعي في ( حاشية الجامع الصغير ) بقوله: « قوله ( فليأت الباب ) يعني: علياً، فقد ورد إن العلم جزّاً عشرة أجزاء أعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً، ولذا سئل سيدنا معاوية فقال للسائل: سل علياً فإنه أعلم مني ».

ترجمته:

١ - محمد بن محمد الأمير الأزهري في ( أسانيده ) بعد ذكر أخيه جمال الدين الحفني « ومنهم أخوه طراز عصابة العلماء المحققين، وبقية السادة الهداة العارفين، بهجة الدنيا وزينة الملة والدين، موصل السالكين ومجمل الواصلين، الاستاذ الأعظم شيخ الشيوخ، أبو عبد الله بدر الدين سيدي محمد الحفنيرضي‌الله‌عنه وأرضاه، حضرته في مجالس من الجامع الصغير والنجم الغيطي في مولدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي متن الشمائل للترمذي، وماترحمه‌الله أثناء قراءتها، وتلقنت عنه الذكر من طريق الخلوتية، وأجازني إجازة عامّة ».

٢ - المرادي: « محمد الحفني - الشيخ العالم المحقق المدقق العارف بالله تعالى قطب وقته أبو المكارم نجم الدين، ولد سنة ١١٠١ ودخل الأزهر واشتغل

٢٨٨

بالعلم على من به من الفضلاء، وألَّف التآليف النافعة، وكان يحضر درسه أكثر من خمسمائة طالب، وكان حسن التقرير ذا فصاحة وبيان، شهماً مهاباً محققاً مدققاً يهرع إليه الناس جميعاً، واشتهرت طريقة الخلوتية عنه في مشرق الأرض ومغربها في حياته. وكانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة ١١٨١ » إنتهى ملخصاً(١) .

(١٣١)

رواية محمد بن إسماعيل الأمير

وروى محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليماني الصنعاني حديث مدينة العلم وأثبت صحته، إذ قال في ( الروضة الندية في شرح التحفة العلوية ) ما نصه: « قوله:

[ باب علم المصطفى إنْ تأته

فهنيئاً لك بالعلم مريا ] البيت

إشارة إلى الحديث المشهور المروي من طرق ابن عباس وغيره، ولفظه عن ابن عباس أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. أخرجه العقيلي وابن عدي والطبراني والحاكم.

أخرج ابن عدي أيضاً والحاكم من حديث جابر، و أخرج الترمذي من حديث عليعليه‌السلام بلفظ: أنا دار الحكمة وعلي بابها قال الترمذي: هذا حديث غريب - وفي نسخة: منكر -.

وقال العلّامة الحافظ الكبير المجتهد محمد بن جرير الطبري: هذا حديث عندنا صحيح، صحيح سنده. وقال الحاكم في حديث ابن عباس: صحيح الاسناد. وروى الخطيب في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن

____________________

(١). سلك الدرر ٤ / ٣٨.

٢٨٩

عباس وقال: هو صحيح.

وقال ابن عدي: إنه موضوع، وأورد ابن الجوزي الحديثين حديث جابر وابن عباس في الموضوعات، وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: قد قال ببطلانه أيضاً الذهبي في الميزان وغيره، ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعاً بالصدر.

وقال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع وقال: الصواب خلاف قول الحاكم إنه صحيح وخلاف قول ابن الجوزي إنه موضوع، بل هو من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحطُّ إلى الكذب.

قال الحافظ السيوطي: قد كنت أجيب بهذا الجواب - وهو أنه من قسم الحسن - دهراً إلى أنْ وقفت [ على ] تصحيح ابن جرير لحديث علي في تهذيب الآثار مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس، فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتقاء الحديث عن رتبة الحسن إلى رتبة الصحة. إنتهى.

قلت: قد قسم أئمة الحديث الصحيح من الأحاديث إلى أقسام سبعة أحدها: أن ينص إمام من أئمة الحديث غير الشيخين [ على ] أنه صحيح، وهذا الحديث قد نص إمامان حافظان كبيران الحاكم أبو عبد الله والعلامة محمد بن جرير الذي قال الخطيب البغدادي في حقه: وكان ابن جرير من الأئمة يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، جمع من العلوم ما لم يشاركه أحد من أهل عصره، وقال في حقه المعروف عندهم بإمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، وأما الحاكم فهو إمام غير منازع. قال الذهبي في حقه: المحدِّث الحافظ الكبير إمام المحدّثين، وقال الخليل بن عبد الله: هو ثقة واسع بلغت تصانيفه قريباً من خمسمائة.

قلت: فأين يقع ابن الجوزي عند هذين الامامين؟ وأين هو من طبقتهما وحفظهما وإتقانهما؟ وهو الذي قال الحافظ الذهبي في حقه - نقلاً عن الموقاني - أن

٢٩٠

ابن الجوزي كان كثير الغلط فيما يصنفه، ثم قال الذهبي قلت: نعم له وهم كثير في تواليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحوّل من كتاب إلى آخر. انتهى.

قلت: وسمعت ما قاله الحافظ العلائي أنه لا علة قادحة، وإنما دعوى الوضع دفع بالصدر، وقد قال الذهبي في حق العلائي: إنه قرأ وأفاد وانتقى ونظر في الرجال والعلل، وتقدّم في هذا الشأن مع صحة الذهن وسرعة الفهم. انتهى. هذا كلام الذهبي فيه وهو عصريّه ومن أقرانه، وقد أثنى عليه غيره ممن تأخر عن عصره بأكثر من هذا.

فظهر لك بطلان دعوى الوضع وصحة القول بالصحة كما أختاره الحافظ السيوطي، وهو قول الحاكم وابن جرير ».

وفي ( الروضة الندية ) أيضاً:

« وكفاه كونه للمصطفى ثانياً

في كلّ ذكرٍ وصفيّاً

قوله: وكفاه، أي كفاه شراً وفخراً أنه يذكر ثانياً وتالياً لذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه صفي ومختار لله تعالى ولرسوله كما تقدم من إكرامه، والبيت يشير إلى ما خص الله الوصيعليه‌السلام من إلقاء ذكره الشريف على ألسنة العالم من صبي ومكلّف وحرٍ وعبدٍ وذكرٍ وأنثى، فإنهم إذ ذكروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكروه لذكره، وهذا من إكرام الله له، ينشأ الصبي فيهتف يا محمد يا علي، والعامي وغيرهما، وهذا من رفع الذكر الذي طلبه خليل الله في قوله:( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) وهو الذي امتن الله به على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى:( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) .

وكفاه شرفاً أنه أول السابقين إلى الاسلام.

وكفاه شرفاً أنه أول من صلّى، والذي رقى جنب أبي القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكسر الأصنام.

وكفاه شرفاً أنه الذي فداه بنفسه ليلة مكر الذين كفروا به.

٢٩١

وكفاه شرفاً أنه الذي أدّى عنه الأمانات.

وكفاه شرفاً أنه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة الرأس من البدن.

وكفاه شرفاً أنه من رسول الله وأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه.

وكفاه شرفاً أنه سلّمت عليه الأملاك يوم بدر.

وكفاه شرفاً أنه الذي قطر أبطال المشركين في كلّ معركة.

وكفاه شرفاً أنه قاتل عمرو بن عبد ود.

وكفاه شرفاً أنه فاتح خيبر.

وكفاه شرفاً أنه مبلّغ براءة إلى المشركين.

وكفاه شرفاً أن الله سبحانه زوّجه البتول.

وكفاه شرفاً أن أولاده لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاد.

وكفاه شرفاً أنه خليفته يوم غزوة تبوك، وأنه منه بمنزلة هارون من موسى.

وكفاه شرفاً أنه أحبّ الخلق إلى الله بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً أنه أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً أن الله باهى به ملائكته.

وكفاه شرفا أنه قسيم النار والجنة.

وكفاه شرفاً أنه أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً أنه من آذاه فقد أذى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً أن النظر إلى وجهه عبادة.

وكفاه شرفاً أنه لا يبغضه إلّا منافق ولا يحبّه إلّا مؤمن.

وكفاه شرفاً أن فيه مثلاً من عيسى بن مريمعليهما‌السلام .

وكفاه شرفاً أنه ولي كلّ مؤمن ومؤمنة.

وكفاه شرفاً أنه سيّد العرب.

وكفاه شرفاً أنه سيد المسلمين.

وكفاه شرفاً أنه يحشر راكباً.

٢٩٢

وكفاه شرفاً أنه يسقى من حوض رسول الله المؤمنين ويذود المنافقين.

وكفاه شرفاً أنه لا يجوز أحد الصراط إلّا بجوازٍ منه.

وكفاه شرفاً أنه يكسى حلة خضراء من حلل الجنة.

وكفاه شرفاً أنه ينادى من تحت العرش نعم الأخ أخوك علي.

وكفاه شرفاً أنه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصره مع ابنته سيدة نساء العالمين.

وكفاه شرفاً أنه حامل لواء الحمد، آدم ومن ولده يمشون في ظله.

وكفاه شرفاً أنه يقول أهل المحشر حين يرونه: ما هذا إلّا ملك مقرب أو نبي مرسل، فينادي مناد ليس هذا بملك مقرب ولا نبي مرسل، ولكنه علي بن أبي طالب أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً أنه مكتوب اسمه مع اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به.

وكفاه شرفاً أنه يقبض روحه كما يقبض روح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً أنه تشتاق اليه الجنة كما في حديث أنس: تشتاق الجنة إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان.

وكفاه شرفاً أنه باب مدينة علمه.

وكفاه شرفاً أنها سدّت الأبواب إلّا بابه.

وكفاه شرفاً أنه لم يرمد بعد الدعوة النبوية ولا أصابه حر ولا برد.

وكفاه شرفاً أنه أول من يقرع باب الجنة.

وكفاه شرفاً أن قصره في الجنة بين قصري خليل الرحمن وسيد ولد آدمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً نزول آية الولاية فيه.

وكفاه شرفاً أن الله سماه مؤمناً في عشرة آيات.

٢٩٣

وكفاه شرفاً أكله من الطائر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً بيعة الرضوان.

وكفاه شرفاً أنه رأس أهل بدر.

وكفاه شرفاً أنه وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكفاه شرفاً أنه وزيره.

وكفاه شرفاً أنه أعلم أمته.

وكفاه شرفاً أنه يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تنزيله.

وكفاه شرفاً أنه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وكفاه شرفا أنه حامل لوائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ معركة.

وكفاه شرفاً أنه الذي غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتولّى دفنه.

وكفاه شرفاً ما أعطاه الله من الزهادة والعبادة والتأله.

وكفاه شرفاً ما فاز به من الزهادة والزلفى.

هذي المفاخر لا قعبان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد ابوالا

ترجمته:

توجد مفاخره السامية وترجمته الحافلة في الكتب التالية:

١ - البدر الطالع ٢ / ١٣٣ - ١٣٩.

٢ - الجنة في الاسوة الحسنة بالسنّة للقنوجي.

٣ - إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين.

٤ - الحطة في ذكر الصحاح الستّة للقنوجي.

٥ - ذخيرة المآل في عدّ مناقب الآل، للعجيلي.

٦ - أبجد العلوم ٨٦٨.

٧ - التاج المكلل ٤١٤.

وغيرها

٢٩٤

(١٣٢)

رواية محمّد الصبان

وقال محمد بن علي الصبان: « أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر ابن عبد الله، والطبراني والحاكم والعقيلي في الضعفاء، وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي والحاكم عن علي. قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، وفي رواية: فمن أراد العلم فليأت الباب، و في أخرى عند الترمذي عن علي: أنا دار الحكمة وعلي بابها ، و في أخرى عند ابن عدي: علي باب علمي.

وقد اضطرب الناس في هذا الحديث، فجماعة على أنه موضوع، منهم ابن الجوزي والنووي، وبالغ الحاكم على عادته فقال: إن الحديث صحيح، وصوّب بعض محققي المتأخرين المطّلعين من المحدّثين أنه حسن »(١) .

(١٣٣)

إثبات سليمان الجمل (٢)

وقال الشيخ سليمان جمل في كتاب ( الفتوحات الأحمدية بالمنح المحمدية )

____________________

(١). اسعاف الراغبين هامش نور الأبصار: ١٥٦.

وأبو العرفان الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي المتوفى سنة ١٢٠٦ عالم كبير محقق، ولد بمصر وتخرج على علمائها حتى برع في العلوم النقلية والعقلية، واشتهر بالتحقيق والتدقيق وشاع ذكره في مصر والشام، وله مؤلفات كثيرة مفيدة.

(٢). هو الشيخ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الازهري المعروف بالجمل، فاضل من أهل منية عجيل - احدى قرى الغربيّة بمصر - انتقل الى القاهرة، له مؤلفات » الاعلام ٣ / ١٣١ وأرخ وفاته بسنة ١٢٠٤.

٢٩٥

بشرح:

« ووزير ابن عمه في المعالي

ومن الأهل تسعد الوزراء »

وقوله « ومن الأهل إلخ » من تلك السعادة ما أمدّ به من المؤاخاة، فقد أخرج الترمذي: آخىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد. فقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة، ومنها العلوم التي أشار إليها بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ».

(١٣٤)

إثبات الاورنقابادي

وقال قمر الدين الحسيني الاورنقابادي في ( نور الكونين ) في ذكر بيت النبوة: « حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وسدّوا كلّ خوخة إلّا خوخة أبي بكر، وسدّوا كل خوخة إلّا باب علي، فيها إشارة إلى كلية هذا البيت، وإلى أبوابه ».

ترجمته:

١ - غلام علي آزاد في سبحة المرجان ١٠١.

٢ - صديق حسن خان القنوجي في ( أبجد العلوم ): « السيد قمر الدين الحسيني الأورنك آبادي، كان قمراً طالعاً في ميزان الشرع المبين، وكوكباً ساطعاً في أوج الشرف الرصين، آباؤه من سادات خجند، والسيد ظهير الدين منهم هاجر منها إلى الهند، وتوفّى في أمن آباد من توابع لاهور، ثم ابنه السيد محمد رحل إلى الدكن، وكان ابنه السيد عناية الله من العرفاء، أخذ الطريقة النقشبندية عن

٢٩٦

الشيخ أبي المظفر البرهانفوري عن الشيخ محمد معصوم عن أبيه الشيخ أحمد السهرندي، وتوطّن ببلدة بالابور على أربع منازل برهانفور، وتوفي بها سنة ١١١٧، وابنه السيد منيب الله المتوفى سنة ١١٦١ كان من العرفاء أيضاً، وصاحب هذه الترجمة ولده الأرشد.

ولد سنة ١١٢٣ وساح في مناهج الفنون وبرع في العلوم العقلية والنقلية، حتى صار في النقليات إماماً بارعاً، وفي العقليات برهاناً ساطعاً، حفظ القرآن وزان العلم بالعمل وراح إلى دهلي وسهرند، وزار قبر المجدد، ورحل إلى لاهور واجتمع بطائفة من العلماء والعرفاء في تلك البلاد، ثم رجع إلى بالابور، وجاء إلى أورنك آباد، وانعقد الوداد بينه وبين السيد آزاد، فكانا فرقدين على فلك الاتحاد، ثم ارتحل إلى الحرمين الشريفين مع ابنيه الكريمين مير نور الهدى ومير نور العلى، ورجع إلى الهند، ثم انتهض مع أهل بيته إلى أورنك آباد، له كتاب في مسألة الوجود سماه مظهر النور، بين فيه مذاهب العلماء ومسالك المتكلمين والحكماء، ذكر طرفاً منها السيد آزاد في السبحة، وأرخ له بأبيات عربية

توفي في أورنك آباد في سنة ١١٩٣ ودفن داخل البلد. قال آزاد في تاريخ وفاته: موت العلماء ثلمة ».

(١٣٥)

رواية شهاب الدين العجيلي

وقال شهاب الدين أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي ما نصه:

« ودعوة الحق وباب العلم

وأعلم الصحب بكل حكم

قالت أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أما ترضين يا فاطمة أن زوّجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم

٢٩٧

حلماً؟ و قالت أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فهو الداعي إلى الحق، وهو دعوة الحق. و في الجامع الكبير: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً وعلي أعلم بالواحد منهم.

وأخرج الترمذي أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، ولهذا كانت الطرق والسلسلات راجعة اليه. و في الكبير للسيوطيرحمه‌الله قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي باب علمي ومبين لأمّتي ما أرسلت به من بعدي، رواه أبو ذر و فيه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله وأكثر الناس حباً وتعظيماً لأهل لا إله إلّا الله. أخرجه أبو نعيم. وكان عمررضي‌الله‌عنه يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن، ويقول: إن علياً أقضانا، ولو لا علي لهلك عمر. وقالت عائشة رضي الله عنها: إنه أعلم من بقي بالسنة، و من كلامهرضي‌الله‌عنه : لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير سورة الفاتحة و كان يشير إلى صدره ويقول: كم من علوم هاهنا لو وجدت لها حاملاً »(١) .

وقال أيضاً: « والمراد بقولي على اصطلاح العلماء، أعني مدينة العلمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأعني أعلم خلق الله بمراد الله، وأعني باب المدينة ونقطة الباءرضي‌الله‌عنه ، وأعني عالم قريش الذي يملأ طباق الأرض علماً، ومن تابعهم على ذلك المنهج سلفاً وخلفاً، فإن صريح أقوالهم ما ذكرته في المنظومة: إن الشيعة كلّ من تولّى علياً وأهل بيته وتابعهم في أقوالهم وأفعالهم، فمن سلك منهجهم القويم واتخذهم أولياء صدق عليه اسم التشيع، إذ هو المتبع لهم حقيقة ولا نفضّل مذهباً من مذهب ولا فرقة من فرقة، ومن أظهر اتباعهم وتشيع به وهو عارٍ منه فهو من أعدائهم وان تسمى بذلك الاسم، فالأسماء لا تغيّر المعاني، ومن تبعني فإنّه مني ».

____________________

(١). ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللال - مخطوط.

٢٩٨

وقال بعد نقل كلام نسبوه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام في حق الشيخين « فانظر إلى كلام باب مدينة العلم وشهادته لهما بالحق، فإنك تعرف بذلك من دخل الباب ومن خرج »(١) .

(١٣٦)

رواية محمد مبين السهالوي

وقال محمد مبين بن محب الله السهالوي:

« وأما بيان علمه وحكمته وحلّه للمشكلات وفقاهته وذكائه وجوده، فالقلم عاجز عنه، ولكن نتعرض إلى طرف منه، ويكفي لطالبي الحقيقة قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه: أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرجه البزار عن جابر ابن عبد الله والعقيلي وابن عدي عن ابن عمر، والطبراني عن كليهما، والحاكم عن علي وابن عمر، وزاد الطبراني في رواية عن ابن عباس مرفوعاً: فمن أراد العلم فليأته من بابه. وهذا الحديث صحيح على رأي الحاكم وقال ابن حجر حسن، وهو عند الترمذي وأبي نعيم عن علي بلفظ: أنا دار الحكمة وعلي بابها.

بار بگشا أي علي مرتضى

اى پس از سوء القضا حسن القضا

چون تو بابى آن مدينه علم را

چون شعاعى آفتاب حلم را

باز باش اى باب رحمت تا ابد

بارگاه ما له كفوا أحد

از همه طاعات اينت بهترست

سبق يأبى بر هر آن سابق كه هست»(٢)

____________________

(١). والعجيلي من كبار علماء القرن الثالث عشر وأدبائه، ترجم له القنوجي: « بالشيخ العلامة المشهور، عالم الحجاز على الحقيقة لا المجاز » الخ. التاج المكلل: ٥٠٩.

(٢). وسيلة النجاة: ١٣٦.

٢٩٩

وكفاه شرفاً أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتجاه.

ترجمته:

ذكرنا مآثره ومفاخره عن أهل السنة في مجلد ( حديث الولاية )، وقد وصفه صاحب نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣ بالشيخ الفاضل الكبير أحد الفقهاء الحنفية ثم ذكر كتابه، وأرخ وفاته بسنة ١٢٢٥.

(١٣٧)

رواية ثناء الله باني بتي

وقال ثناء الله باني بتي في ( السيوف المسلول ): « الخامس حديث جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. رواه البزار والطبراني عن جابر، وله شواهد من حديث ابن عمر وابن عباس وعلي وأخيه، وصحّحه الحاكم، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال يحيى بن معين: لا أصل له، وقال البخاري والترمذي: إنه منكر وليس له وجه صحيح، وقال النووي والجزري: إنه موضوع. وقال الحافظ ابن حجر: الصواب خلاف قول الفريقين - يعني من قال إنه صحيح ومن قال إنه موضوع - فالحديث حسن لا صحيح ولا موضوع.

أقول: ما ذكره ابن حجر هو الصواب بالنظر إلى سند الحديث، وأما بالنظر إلى كثرة شواهده فيحكم بصحته.

والجواب: إن هذا الحديث لا دلالة فيه على الامامة ».

ترجمته:

قالالصديق حسن خان القنوجي في ( إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين ) ما حاصله: « القاضي ثناء الله باني بتي، من أحفاد الشيخ

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362