نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١١

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 362

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 362 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 294652 / تحميل: 6137
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

دحض المعارضة

بـ « ما صبّ الله شيئاً في صدري

إلّا وصببته في صدر أبي بكر »

٢٠١

٢٠٢

قوله:

« مثل: ما صبّ الله شيئاً في صدري إلّا وصببته في صدر أبي بكر ».

أقول:

هذه المعارضة مردودة باطلة لوجوه:

١ - الحديث مختلق

إنّ آثار الإِختلاق على هذا الحديث ظاهرة، والعقل السَّليم يحكم ببطلانه، وذلك لأنَّ مفاده المساواة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر في جميع العلوم، وهذا مما يقطع ببطلانه كلّ مسلم.

٢٠٣

٢ - مصادمته للواقع

وأيضاً، يفيد هذا الكلام أنَّ أبابكر كان حاملاً لجملة علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو باطل من هذا الحيث كذلك، لأنَّ جهل أبي بكر بالأحكام وغيرها لا يكاد يخفى على أحدٍ، وقد فصّل الكلام على موارد من ذلك في كتاب ( تشييد المطاعن )، حيث يظهر بمراجعته جهل أبي بكر بكثير من الأحكام والمعارف اليقينيّة والآيات القرآنيّة ومسائل الشّريعة حتى لقد اعترف بالجهل في مواضع ورجع إلى غيره يستفتيه في الحوادث الواقعة وهذا ما يدلّ على أنَّ « ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر » كذب موضوع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ - رأي ابن الجوزي

وقال ابن الجوزي بعد إيراد نبذةٍ من الموضوعات في شأن أبي بكر: « قال المصنف: وقد تركت أحاديث كثيرة يروونها في فضل أبي بكر، منها صحيح المعنى لكنه لا يثبت منقولاً، ومنها ما ليس بشيء، وما أزال أسمع العوام يقولون عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنه قال: ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر. وإذا اشتقت إلى الجنة قبّلت شيبة أبي بكر. وكنت أنا وأبوبكر كفرسي رهان سبقته فاتّبعني ولو سبقني لاتّبعته في أشياء ما رأينا لها أثراً لا في الصحيح ولا في الموضوع، ولا فائدة في الإِطالة بمثل هذه الأشياء »(١) .

وفي هذا الكلام فوائد:

____________________

(١). الموضوعات: ١ / ٣١٩.

٢٠٤

الأولى: لقد بلغ هذا الحديث المزعوم من البطلان حدّاً حتّى لم يفرده ابن الجوزي بالذكر والقدح فيه، بل تركه مع الأحاديث الواضحة الهوان والبيّنة البطلان

الثانية: إن هذا الكلام ممّا افتراه العوام وتناقلوه، وأنّ العلماء لم يتطرّقوا إلى ذكره مطلقاً

الثالثة: إنّه من المفتريات التي لا أثر لها لا في الصحيح ولا في الموضوع، وهذا غاية السّقوط

الرابعة: إنّه لا فائدة في الاطالة بمثله.

ومن عجيب صنع ( الدهلوي ) أنه عند ما يحاول عبثا الطعن في حديث ( مدينة العلم ) يستند إلى كلام ( ابن الجوزي )، ولكنّه يعرض عن طعنه في: « ما صبّ الله في صدري » المزعوم ...!! وهذا ممّا لا يكاد يقضى منه العجب إلى آخر الأبد، وكم مثله ( للدهلوي ) المتعوّد للأود واللد

٤ - رأي الطّيبي

ونصَّ على وضعه الحسين بن عبد الله الطّيبي في كتابه ( الخلاصة في أصول الحديث ) كما سيعلم من عبارتي الفتني والشوكاني

ترجمة الطّيبي

والطيبي - هذا - من مشاهير محققي أهل السّنة في الحديث:

قال الخطيب التبريزي في خاتمة ( الاكمال في أسماء الرجال ): « وفرغت من هذه تصنيفاً يوم الجمعة عشرين رجب الحرام الفرد، سنة أربعين وسبعمائة من جمعه وتهذيبه وتشذيبه، وأنا أضعف العباد الراجي عفو الله تعالى وغفرانه محمد بن

٢٠٥

عبد الله الخطيب إبن محمّد، بمعاونة شيخي ومولاي سلطان المفسّرين وإمام المحققين، شرف الملة والدين، حجة الله على المسلمين، الحسين بن عبد الله بن محمد الطيبي، متعهّم الله بطول بقائه، ثم عرضته عليه كما عرضت المشكاة، فاستحسنه كما استحسنها، واستجاده كما استجادها، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وأصحابه أجمعين ».

وقال ابن حجر: « الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي، الامام المشهور، صاحب شرح المشكاة وغيره كان كريماً متواضعاً حسن المعتقد مقبلاً على نشر العلم، آيةً في استخراج الدقائق من القرآن والسنن »(١) .

وقال السيوطي: « الامام المشهور العلّامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان » ثم نقل كلام ابن حجر العسقلاني(٢) .

٥ - رأي ابن القيّم

وهذا الكلام في رأي ابن قيم الجوزية « مما وضعه جهلة المنتسبين إلى السّنة » وسيأتي كلامه بعينه عن القاري قريباً.

ترجمة ابن القيّم

ونكتفي لترجمة ابن القيّم بما ذكره السيوطي وهذا نصّه « محمد بن أبي بكر ابن أيوب بن سعيد بن جرير، الشمس ابن قيم الجوزية الحنبلي العلامة، ولد في سابع صفر سنة ٦٩١، وقرأ العربية على المجد التونسي، وابن أبي الفتح البعلي،

____________________

(١). الدرر الكامنة: ٢ / ٦٨.

(٢). بغية الوعاة: ٢٢٨.

٢٠٦

والفقه والفرائض على ابن تيمية، والأصلين عليه وعلى الصفي الهندي، وسمع الحديث من التقي سليمان، وأبي بكر بن عبد الدائم، وأبي نصر ابن الشيرازي، وعيسى المطعم، وغيرهم.

وصنّف وناظر واجتهد، وصار من الأئمة الكبار في التفسير والحديث والفروع والأصلين العربية، وله من التصانيف: زاد المعاد، ومفتاح دار السعادة، مهذّب سنن أبي داود، سفر النجدين بين رفع اليدين في الصلاة، معالم الموقعين عن ربّ العالمين، »(١) .

٦ - رأي الفيروزابادي

وقال مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي في خاتمة كتابه ( سفر السعادة ): « ومن أشهر الموضوعات في باب فضائل ابي بكررضي‌الله‌عنه حديث: إنّ الله يتجلّى يوم القيامة للناس عامة ولأبي بكر خاصة ، و حديث: ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر ، و حديث: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا اشتاق الجنة قبّل شيبة [ أبي بكر ] و حديث: أنا وأبوبكر كفرسي رهان و حديث: إن الله تعالى لمـّا اختار الأرواح اختار روح اختار روح أبي بكر. وأمثالها من المفتريات المعلوم بطلانها ببداهة العقل ».

فهل يجوز الإِستناد إلى مثل هذا الكلام والاعتماد عليه لاثبات علمٍ لأبي بكر؟ إنَّ هذا لعمري من أفظع الفظائع وأشنع الشنائع وأفجر الصنائع!!

____________________

(١). بغية الوعاة: ٢٥. وله ترجمة في الدرر الكامنة ٣ / ٤٠٠، والوافي بالوفيات ٢ / ٢٧٠، والبدر الطالع: ٢ / ١٤٣.

٢٠٧

٧ - رأي الفتني

وصرّح محمد طاهر الكجراتي الفتني بوضعه حيث قال: « في الخلاصة: ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا صببته في صدر أبي بكر، موضوع ».(١) .

٨ - رأي القاري

وقال القاري في ( الموضوعات الكبرى ) نقلاً عن ابن القيّم: « وممّا وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة في فضل الصّديق حديث: إن الله يتجلى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة و حديث: ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا صببته في صدر أبي بكر و حديث: كان إذا اشتاق إلى الجنة قبّل شيبة أبي بكر و حديث: أنا وأبكر كفرسي رهان و حديث: إنّ الله لمـّا اختار الأرواح اختار روح أبي بكر وحديث عمر: كان رسول اللهعليه‌السلام وأبي [ أبو ] بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما وحديث: لو حدّثتكم بفضائل عمر عمر نوحٍ في قومه ما فنيت وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر، و حديث: ما سبقكم أبي [ أبو ] بكر بكثرة صوم ولا صلاة وإنّما سبقكم بشيء وقر في صدره، وهذا من كلام أبي بكر ابن عيّاش ».

ومن هنا يعلم أنّ احتجاج ( الدهلوي ) بهذا الإِفك المبين - مع ما يدّعيه لنفسه من الفضل والعلم - ليس إلّا مكابرة ومعاندةً للحق وأهله

٩ - رأى عبد الحق الدّهلوي

ولقد أيّد الشيخ عبد الحق الدهلوي رأي الفيروزآبادي في ( شرح سفر

____________________

(١). تذكرة الموضوعات: ٩٣.

٢٠٨

السعادة ) بقوله: « قال المصنف: إن أمثال هذه الأحاديث - لاستلزامها الأفضلية من جميع الخلائق من الأنبياء وغيرهم، أو إفادتها المساواة لسيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رتبته، أو خروجها عن دائرة حكم العقل والعادة - كلّها موضوعات ».

١٠ - رأي الإِله آبادي

واعترف محمد فاخر الإِله آبادي بوضع هذا الفرية الشّنيعة وأثبت ذلك بما لا مزيد عليه وبيان ذلك:

إنّ النيسابوري قال بتفسير آية الغار: « استدل أهل السنة بالآية على أفضلية أبي بكر، وغاية إنجاده ونهاية صحبته وموافقة باطنه ظاهره، وإلّا لم يعتمد الرسول عليه في مثل تلك الحالة، وأنه كان ثاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار، وفي العلم لقوله: ما صبّ شيء في صدري إلّا وصببته في صدر أبي بكر »(١) .

فردّ عليه العلّامة نور الله التستري في ( كشف العوار في تفسير آية الغار ) بقوله: « وأما ما ذكره من انضمام كون ثاني اثنين في العلم، ثم الاستدلال عليه بقول: ما صبّ في صدري إلّا صببته في صدر أبي بكر، فمن فضول الكلام ولا تعلَّق له بالاستدلال من الآية على أفضلية أبي بكر، على أنَّ الشيخ الفاضل خاتم محدثي الشافعية مجد الدين الفيروزآبادي - صاحب القاموس في اللغة - قد ذكر في خاتمة كتابه المشهور الموسوم بسفر السعادة: إنَّ هذا الحديث وغيره مما روي في شأن أبي بكر من أشهر الموضوعات والمفتريات المعلوم بطلانها ببداهة العقل إلخ ».

فقال محمد فاخر الإِله آبادي في كتابه ( درّة التحقيق في نصرة الصدّيق ) في ردّه على القاضي التستري مع الإِشارة إلى كلام النيسابوري.

____________________

(١). تفسير النيسابوري ١٠ / ٩٠.

٢٠٩

« وأمّا خامساً: فلأن الحديث الذي أتى به دليلاً على الثانويّة في العلم فنحن أيضاً بحمد الله تعالى نعرفه من الموضوعات، صرّح به غير واحدٍ من الجهابذة الثقات، وددت أنَّ العلامة المستدل به لم يحتج به، وأسقط هذه الثانوية من نضد الكلام، لضعف الاحتجاج وإيهامه سوء الأدب، هل يكون أحد ثانياً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العلم نبيّاً كان أو وليّاً؟ هذا دأب من لا خلاق له من الدين، ولا يعرف مقام سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما يذكره الشيعة في فضائل أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، عفا الله تعالى عنا وعن العلامة وعن سائر من اجترأ مثل جرأته، فالله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصدّيق والأئمة - رضي الله تعالى عنهم - برآء عن أمثال هذه الإِطراءات، ولله در الامام الهمام - رحمه الله تعالى - حيث لم يذكر هذه الثانوية، كما يظهر من عبارة التفسير الكبير، ومرّ سابقاً ».

أقول : وهذا الكلام يدل على بطلان الحديث المزعوم من جهات عديدةٍ لا تخفى، وأمّا ما شنَّع به بزعمه على الشّيعة فهو منبعث من عدم معرفته بمراتب أئمة أهل البيت ومنازلهم السّامية من جهةٍ، ومن عدم وقوفه على الأحاديث الصحيحة الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقهم في هذا الباب من جهة أخرى، وقد تقدّم منا ذكر شطر منها في مؤيّدات حديث مدينة العلم فليراجع.

ترجمة الإِله آبادي

والإِله آبادي من كبار محدّثي أهل السّنة، في الهند. ترجم له وبالغ في الثناء عليه: الصديق حسن خان في ( إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين ).

٢١٠

١١ - رأي الشوكاني

وقال قاضي القضاة الشوكاني في ( الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ): « حديث: ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر، ذكره صاحب الخلاصة وقال: موضوع ».

١٢ - بطلانه من كلام الدهلوي

ويثبت بطلان هذا الكلام المنسوب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذباً وافتراءً من كلام ( الدهلوي ) نفسه. فقد ذكر في ( التحفة ) أنَّ كلّ حديث لا سند له لا يصغى إليه، وقد تقدَّم نصُّ ابن الجوزي على أنّه من الأحاديث التي لا أثر لها لا في الصحيح ولا في الموضوع، فمن العجيب - اذن - احتجاج ( الدهلوي ) بهذا الكلام المزعوم.

خلاصة ونقاط

فتلخّص ممّا تقدّم أمور:

الأوّل: إنّه ليس لأهل السّنة دليل يحتجّون به على اتّصاف أبي بكر بالعلم، لا من الصحاح ولا من الموضوعات، وإلّا لم يحتجّوا بمثل هذا الكلام من خرافات العوام وهفوات الجهّال

الثاني: لقد علم من كلام ابن الجوزي أنّ هذا الكلام من أخسّ الموضوعات وأرذل المفتريات، ولم نجد أحداً من جهابذة الحديث خالفه في هذا الحكم، فكيف أعرض ( الدهلوي ) عن كلامه المقبول لدى الجميع فاستند إلى تجاسره في القدح في حديث مدينة العلم مع ردّ كبار الحفاظ عليه؟ إن هذا

٢١١

عجيب!! ومن هنا يظهر مجانية ( الدهلوي ) للانصاف وسلوكه طريق الغيّ والاعتساف

الثالث: لقد علم من كلام الفيروزابادي أنّه من الموضوعات والمفتريات المعلوم بطلانها ببداهة العقل فما ظنّك بـ ( الدهلوي ) الّذي يحتجّ به؟!!

الرّابع: لقد علم من كلام ابن القيّم أنّ هذا الكلام ممّا وضعه جهلة المنتسبين إلى السّنة ومنه يعلم أنَّ ( الدهلوي ) قد اقتفى أثر الجهلة باحتجاجه بهذا الكلام، فعدّه حينئذٍ في زمرة العلماء ونظمه في سلك المحدثين ظلم قبيح.

الخامس: لقد علم من كلام ابن الجوزي أنَّ هذا الكلام ممّا صدر من العوام وسمع منهم، وأنّه لا أثر له لا في الصحيح ولا في الموضوع وبذلك يعرف شأن ( الدهلوي )

٢١٢

دحض المعارضة

بـ « لو كان بعدي نبي لكان عمر »

٢١٣

٢١٤

قوله:

« ومثل: لو كان بعدي نبي لكان عمر ».

أقول:

إن هذا باطل، والمعارضة به ساقطة لوجوه:

١ - كفرُ عمر سابقا ً

لا خلاف بين المسلمين في أنَّ عمر بن الخطاب كان قد أمضى شطراً كبيراً من عمره في الشرك وعبادة الأوثان، وهذا الأمر ثبت بالتواتر ولا يحتاج إلى الاستدلال والبرهان، ولا يسع أحداً - ولو كان في غاية العصبيّة والعناد - جحده، فمن المستحيل صدور هذا الكلام - الدال على استحقاق عمر للنبوّة - من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه يخالف الاجماع القائم بين المسلمين على أنّ الكفر

٢١٥

مانع عن النّبوة، والمسبوق بالكفر لا يكون نبياً.

وأمّا دلالته على استحقاقه النبوّة فواضحة جداً، وظاهرة من كلمات القوم ويشهد بذلك:

أوّلاً: أنّهم أوردوا هذا الكلام في باب فضائل عمر بن الخطّاب

وثانياً: أن الطيبيّ زعم بلوغ عمر درجة الأنبياء في الإلهام، ثمّ ذكر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّه تردّد في أنه هل هو نبي أم لا!! ثم ذكر هذا الحديث المزعوم تأييداً لكلامه، وهذا نصّه كما جاء في ( المرقاة ) بشرح حديث أبي هريرة: « لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدّثون فإنْ يك من أمتي أحد فإنّه عمر ». قال:

« قال الطيبي: هذا الشرط من باب قول الأجير: إنْ كنت عملت لك فوفِّني حقّي، وهو عالم بذلك، ولكنّه يُخيّل من كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه، والمراد بالمحدّث: الملهم المبالغ فيه الذي انتهى إلى درجة الأنبياء في الإِلهام، فالمعنى: لقد كان فيما قبلكم من الأمم أنبياء يلهمون من قبل الملأ الأعلى، فإن يك في أمتي أحد هذا شأنه فهو عمر، جعله لانقطاع قرينه وتفوّقه على أقرانه في هذا، كأنّه تردّد في أنه هل هو نبي أمْ لا، فاستعمل إنْ، ويؤيّده ما ورد في الفصل الثاني: لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطّاب، فـ « لو » في الحديث بمنزلة « إنْ » على سبيل الفرض والتقدير، كما في قول عمررضي‌الله‌عنه : نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه »(١) .

وثالثاً: لقد ذكر الشيخ أحمد السرهندي المجدّد في مكاتيبه(٢) : انّ الشيخين

____________________

(١). المرقاة في شرح المشكاة: ٥ / ٥٣١ - ٥٣٢.

(٢). المكتوب رقم: ٢٥١.

٢١٦

يعدّان في الأنبياء، وهما محفوفان بفضائل الأنبياء. ثمّ احتجَّ لذلك بهذا الكلام الباطل.

ورابعاً: قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ) بشرحه: « قوله: لكان عمر بن الخطاب. لعلّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك لأجل كون عمر ملهماً محدَّثاً، يلقي الملك في روعه الحق، وله مناسبة بعالم الوحي والنبوة. والله أعلم ».

وخامساً: قال الشيخ ولي الله الدهلوي: « النوع التاسع والثلاثون: لو كان بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي لكان عمر، فقد روي عن عقبة بن عامر أنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب. أخرجه الترمذي »(١) .

٢ - عمر غير معصوم

إتفق المسلمون على أنَّ عمر لم يكن معصوماً. والشواهد على هذا من كلامه هو وغيره كثيرة جداً، ومن لم يكن معصوماً فلا يجوز أنْ يكون نبيّاً ألبتة، فالكلام المحتجّ به - الدالّ على جواز نبوّة عمر لو كان بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّ - باطل.

٣ - إستلزامه أفضليّة عمر من أبي بكر

ثمَّ إنَّ هذا الكلام يستلزم أنْ يكون عمر أفضل من أبي بكر، ولكنهم أجمعوا على أنّ الأفضل منهما هو أبوبكر، فهذا دليل آخر على بطلان هذا الحديث

____________________

(١). قرة العينين: ١٨.

٢١٧

المزعوم.

ومن الغريب ذكر بعضهم إيّاه في الأدلّة الدالّة على أنَّ الأفضلية بترتيب الخلافة، قال التفتازاني في ( تهذيب الكلام ): « والأفضلية بترتيب الخلافة، أما إجمالاً: فلأنَّ اتّفاق أكثر العلماء على ذلك يشعر بوجود دليل لهم عليه. وأمّا تفصيلا فلقوله تعالى:( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) وهو أبوبكر. ولقولهعليه‌السلام : والله ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيّين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر و قوله: خير أمّتي أبوبكر ثم عمر.

و قال: لو كان بعدي نبي لكان عمر و قال: عثمان أخي ورفيقي في الجنة ».

لكنَّ الملّا يعقوب اللّاهوري - نبّه إلى خطأ هذا الاستدلال فقال في ( شرح التهذيب ): « و لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير أمتي أبوبكر ثم عمر و قالعليه‌السلام : لو كان بعدي نبي لكان عمر.

لا شكّ أنّ هذا وما بعده يدل على فضل من ورد في فضله، وأما على الوجه الذي يدّعيه أهل الحق ففي ثباته له نوع تردّد، ولو قرّرنا هذا الدليل بأنّه لو كان بعدهعليه‌السلام نبي لكان هو خيراً من غيره وأنَّ عمر وحده صالح لنيل النبوة على تقدير عدم ختمها، يلزم أن يكون عمر أفضل من أبي بكر، والتخصيص يخلّ بالتنصيص ».

٤ - بطلانه ببداهة العقل

إنّ هذا الحديث المزعوم من الموضوعات المعلوم بطلانها ببداهة العقل، كسائر ما روي في شأن أبي بكر وعمر، وقد أورد الفيروزآبادي بعضها - وقد تقدّم نصّ كلامه -. بل إنّه أعظم وأطمّ من تلك كما هو واضح.

٢١٨

٥ - ضعف أسانيده

وهو - بالإِضافة الى ما تقدّم - ضعيف سنداً، ولنوضّح ذلك فيما يلي:

إنهم يروونه - في الأكثر - من حديث « عقبة بن عامر » ومداره على « مشرح ابن هاعان».

قال الترمذي: « حدثنا سلمة بن شبيب، نا المقري، عن حياة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطّاب. هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من حديث مشرح بن هاعان »(١) .

ضعف مشرح بن هاعان

فنقول: إنّ « مشرح بن هاعان » من ضعفاء المحدّثين، ذكره ابن الجوزي في ( الضعفاء والمتروكين ) قائلاً: « مشرح بن هاعان المغافري المصري لا يحتج به ». وقال بعد القدح. فيه وهو الحديث الثاني من فضائل عمر: « قال ابن حبان: انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به »(٢) .

وقال الذهبي: « د ت ق: مشرح بن هاعان المصري، عن عقبة بن عامر، صدوق، ليّنه ابن حبان، وقال عثمان بن سعيد عن ابن معين ثقة، وقال ابن حبان: يكنى أبا مصعب، يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها. روى عنه الليث وابن لهيعة.

____________________

(١). صحيح الترمذي: ٥ / ٦١٩.

(٢). الموضوعات: ١ / ٣٢١.

٢١٩

فالصواب ترك ما انفرد به. وذكره العقيلي فما زاد في ترجمته من أن: قيل: إنه جاء مع الحجاج إلى مكة ونصب المنجنيق على الكعبة »(١) .

وفي ( حسن المحاضرة ) بترجمته: « قال ابن حبان: يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها »(٢) .

فظهر ضعف الرجل وسقوط حديثه فقد أورده ابن الجوزي في ( الضعفاء والمتروكين ) والعقيلي في ( الضعفاء ) وقال ابن الجوزي: « لا يحتج به »، وقال ابن حبّان: « انقلبت عليه صحائفه فبطل الاحتجاج به ».

ولأنّه جاء مع الحجاج إلى مكة ونصب المنجنيق على الكعبة، وأيّ قدح أعلى من هذا؟ وهل يجوز الاحتجاج بحديث من هذا حاله وفعله؟

ومن هنا يظهر أيضاً سقوط توثيق ابن معين - على فرض ثبوته - له، على أنّ الجرح المفسَّر سببه مقدَّم على التعديل كما تقرّر في محلّه، وكأنَّ الذهبي استصغر هذه الطامّة من الرَّجل فقال: صدوق!!

ويزيد سقوط الحديث وضوحاً قول ابن حبان: « يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها ». وقد علمت أنّ هذا الحديث منها، وقوله أيضاً: « فالصواب ترك ما انفرد به » وقد علمت من كلام الترمذي إنفراده به

ضعف بكر بن عمرو

ثم إن راويه عن مشرح هو: « بكر بن عمرو المغافري » وهو أيضاً مطعون فيه، قال ابن حجر: « قال الحاكم: سألت الدار قطني عنه فقال: ينظر في أمره »(٣)

____________________

(١). ميزان الاعتدال: ٤ / ١١٧.

(٢). حسن المحاضرة: ١ / ٢٧٠.

(٣). تهذيب التهذيب: ١ / ٤٨٦.

٢٢٠

وقال الذهبي: « قال أبو عبد الله الحاكم: ينظر في أمره »(١) وفي ( تهذيب التهذيب ) « قال ابن القطّان: لا نعلم عدالته »(٢) .

ومن هنا فقد ذكره ابن حجر العسقلاني في مقدمة ( فتح الباري ) في سياق أسماء من طعن فيه من رجال البخاري(٣) .

الحديث من طريق آخر

ورواه الطّبراني في ( المعجم الصّغير ) من رواية « عصمة بن مالك » لكنَّ إسناده ضعيف كذلك، قال المناوي: « لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب. أخبر عمّا لم يكن لو كان كيف يكون، وفيه إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين، حم ت ك‍ عن عقبة بن عامر الجهني طب عن عصمة بن مالك وإسناده ضعيف »(٤) .

وقال بعد قول السيوطي: « طب عن عصمة بن مالك » قال: « قال البيهقي: وفيه: الفضل بن مختار، وهو ضعيف »(٥) .

ضعف الفضل بن المختار

أقول: ولنذكر بعض كلماتهم في ضعف هذا الرجل:

قال ابن الجوزي في ( الضعفاء والمتروكين ): « الفضل بن المختار أبو سهل

____________________

(١). ميزان الاعتدال: ١ / ٣٤٧.

(٢). تهذيب التهذيب: ١ / ٤٨٦.

(٣). هدي الساري ٣٩١.

(٤). التيسير في شرح الجامع الصغير: ٢ / ٣١٠.

(٥). فيض القدير في شرح الجامع الصغير: ٥ / ٣٢٥.

٢٢١

البصري. منكر الحديث. وقال ابو حاتم الرازي: يحدث بالأباطيل، سمع محمد ابن مسلم الطائفي، وأبان بن أبي عيّاش. روى عنه إبراهيم بن مخلّد، وسعيد بن عفير ».

وفي ( ميزان الاعتدال ): « الفضل بن المختار أبو سهل البصري، عن ابن أبي ذئب وغيره، قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة يحدّث بالأباطيل. وقال الأزدي: منكر الحديث جدّاً، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة عامّتها لا يتابع عليها » ثم روى عنه أحاديث فقال: « فهذه أباطيل وعجائب»(١) .

وفي ( المغني في الضعفاء ): « الفضل بن المختار أبو سهل عن ابن أبي ذئب، مجهول، قال أبو حاتم: ويحدّث بأباطيل »(٢) .

وفي ( لسان الميزان ): « وقال العقيلي يحدِّث عن محمد بن مسلم الطّائفي، وهو منكر الحديث »(٣) .

وقال السّيوطي في ( ذيل اللآلي المصنوعة ): « ابن عدي: حدثنا الحسين بن عبد الغفار الأزدي، حدثنا سعيد بن كثير بن عفير، حدثنا الفضل بن المختار، عن أبان، عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي بكر: يا أبابكر ما أطيب مالك، منه بلال مؤذّني وناقتي التي هاجرت عليها، وزوجتني ابنتك، وواسيتني بنفسك ومالك، كأني أنظر إليك على باب الجنّة تشفع لأمتي. أورده ابن الجوزي في الواهيات، وقال: أبان متروك، والفضل بن المختار قال أبو حاتم الرازي: يحدّث بالأباطيل، وأورده صاحب الميزان في ترجمة الفضل وقال: هذا باطل ».

____________________

(١). ميزان الاعتدال: ٣ / ٣٥٨.

(٢). المغني في الضعفاء: ٢ / ٥١٣.

(٣). لسان الميزان: ٤ / ٤٤٩.

٢٢٢

الحديث بلفظٍ آخر

وجاء بعض الوضّاعين فنسب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعمر بن الخطاب: « لو كان بعدي نبي لكنته ».

لكنّ المحققّين النقاد من أهل السّنة كالخطيب البغدادي وابن عساكر أنكروه، فقد قال المتقي: « عن ابن عمر: قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر بن الخطاب: لو كان بعدي نبي لكنته. خط وقال: منكر، كر »(١) .

وقال: « لو كان بعدي نبي لكنته قاله لعمر. الخطيب في رواة مالك، وابن عساكر عن ابن عمر وقال: منكر »(٢) .

بل لقد أورده ابن الجوزي في ( الموضوعات ) قال البدخشاني في ( تحفة المحبين ): « لو كان بعدي نبي لكنته. قاله لعمر. خط في رواة مالك، عس وقال: منكر، كلاهما عن ابن عمر، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ».

الغرض من وضع هذا الحديث

ثمّ إنَّ الغرض من هذا الإِفتراء والتزوير هو مقابلة الحديث المتواتر الوارد في حق أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » إذْ فيه إيماء لطيف إلى أنّه لو كان بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي لكان عليعليه‌السلام ، وقد اعترف علماء أهل السنة بهذا المعنى، كما لا يخفى على من لاحظ ( المرقاة في شرح المشكاة ).

____________________

(١). كنز العمال: ١٤ / ٢٤٤.

(٢). كنز العمال: ١٢ / ١٨٦.

٢٢٣

بل لقد صرَّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا في بعض طرق حديث المنزلة قال العلامة ابن شهرآشوب: « وفي رواياتٍ كثيرة: إلّا أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنته. رواه الخطيب في التاريخ، وعبد الملك العكبري في الفضائل، وأبوبكر بن مالك، وابن الثلاج، وعلي بن الجعد، في أحاديثهم، وابن فياض في شرح الأخبار عن عمّار بن مالك، عن سعيد بن خالد، عن أبيه »(١) .

وقال السيوطي في ( بغية الوعاة ) في « باب في أحاديث منتقاة من الطبقات الكبرى، عنَّ لنا أن نختم بها هذا المختصر، ليكون المسك ختامه والكلم الطيب تمامه » بعد أحاديث رواها بسنده عن الخطيب:

« وبه إليه: أنبأنا أبو القاسم الأزهري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا ابن أبي الأزهر، حدثنا أبو كريب محمد بن العلا، حدثنا محمد بن إسماعيل بن صبيح، حدثنا أبو أويس، حدثنا محمد بن المنكدر، حدثنا جابر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ولو كان لكنته »(٢) .

بل إنَّ هناك أحاديث أخرى من فضائله تدل على هذا المعنى، ففي كتاب ( المودّة في القربى للهمداني ): « عن أنسرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اصطفاني على الأنبياء واختار لي وصيّاً وخيرت ابن عمي وصيّي، وشدّ به عضدي كما شدّ عضد موسى بأخيه هارون، وهو خليفتي ووزيري، ولو كان بعدي النبوة لكان نبيا ».

ويؤيّده أخبار أخرى، منها ما رواه النطنزي في ( الخصائص العلوية ) بقوله: « أخبرني أبو علي الحداد قال: حدّثني أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن الأشج قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب: ٣ / ٦.

(٢). بغية الوعاة: ٤٤٠.

٢٢٤

يقول: يا علي إنَّ اسمك في ديوان الأنبياء الذين لم يوح إليهم ».

تقليب الحديث الموضوع

والجدير بالذكر أن بعض مهرة الوضع قلب متن ذاك الحديث الموضوع فذكره بلفظ « لو لم أبعث فيكم لبعث عمر » فقد جاء في ( ميزان الاعتدال ) ما نصه: « رشدين بن سعد المهري المصري، عن زهرة بن معبد، ويونس بن يزيد وعنه: قتيبة، وأبو كريب، وعيسى بن مثرود، وخلق. قال أحمد: لا يبالي عمّن روى، وليس به بأس في الرقاق وقال: أرجو أنه صالح الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال الجوزجاني: عنده مناكير كثيرة. قلت: كان صالحاً عابداً سيّئ الحفظ غير معتمد. مات سنة ١٨٨. وقال أبو يوسف الرقي: إذا سمعت بقيّة يقول ثنا أبو الحجاج المهري فاعلم أنّه رشدين بن سعد، وعن قتيبة قال: ما وضع في يد رشدين شيء إلّا وقرأه، وقال س: متروك.

عمرو الناقد، ثنا عبد الله بن سليمان الرقي، ثنا رشدين، عن عقيل، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعاً: لكلّ شيء قمامة وقمامة المسجد لا والله وبلى والله.

رشدين، عن ريان بن قائد، عن سهل بن معاذ، عن أبيه مرفوعاً: الذي يتخطّى رقاب الناس يوم الجمعة يتّخذ جسراً إلى جهنم.

أحمد بن الحجاج القهستاني، ثنا ابن المبارك، ثنا رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحرث، عن أبي السمج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد: لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفاعل والمفعول به وقال: أنا منهم بريء.

ابن أبي السري العسقلاني، ثنا رشدين، ثنا ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر مرفوعاً: لو لم أُبعث فيكم لبعث عمر نبياً. قال ابن

٢٢٥

عدي: قلّب رشدين متنه، إنما متنه لو كان بعدي نبي لكان عمر »(١) .

أورده ابن الجوزي في الموضوعات

بل لقد أورده ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ضمن الأحاديث الموضوعة في فضل عمر قائلاً: « الحديث الثاني: أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال: أنبأنا ابن مسعدة قال: أنبأ حمزة قال: أنبأ ابن عدي قال: ثنا علي بن الحسن بن قديد قال: ثنا زكريا ابن يحيى الوقار قال: ثنا بشر بن بكر، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، عن عصيف بن الحارث، عن بلال بن رباح قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

قال ابن عدي: وثنا عمر بن الحسن بن نصر الحلبي قال: ثنا مصعب بن سعد أبو خيثمة قال: ثنا عبد الله بن واقد قال: حدّثنا حيوة بن شريح، عن بكر ابن عمرو، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

قال المصنف: هذان حديثان لا يصحّان عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. أمّا الأوّل: فإن زكريا بن يحيى كان من الكذّابين الكبار، قال ابن عدي: كان يضع الحديث. وأمّا الثّاني: فقال أحمد ويحيى: عبد الله بن واقد ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبّان: انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به »(٢) .

____________________

(١). ميزان الاعتدال: ٢ / ٤٩.

(٢). الموضوعات: ١ / ٣٢٠.

٢٢٦

دفاع السّيوطي

ومن الصنائع المستفظعة: كلام السّيوطي في تعقيب كلام ابن الجوزي والدفاع عن هذا الحديث الباطل والكذب الواضح، إذ قال: « ابن عدي، ثنا علي بن الحسين بن قدير، ثنا زكريا بن يحيى الوقار، ثنا بشر بن بكر، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني، عن ضمرة، عن عصيف بن الحارث، عن بلال ابن رباح مرفوعاً: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

وقال: ثنا عمر بن الحسن بن نصر الحلبي، ثنا معصب بن سعد أبو حنيفة، ثنا عبد الله بن واقد، ثنا حياة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح ابن هاعان، عن عقبة بن عامر مرفوعاً: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر. لا يصح. زكريا كذّاب يضع، وابن واقد متروك، ومشرح لا يحتج به.

قلت: زكريا ذكره ابن حبان في الثقات، وابن واقد هو أبو قتادة الحراني وثّقه ابن معين وأحمد وغيرهما، ومشرح ثقة صدوق، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة.

وقال أبو العباس الزوزني في كتاب شجرة العقل: ثنا علي بن الحسين بالرقة، ثنا أبو عبد الله محمد بن عتبة المعروف بالرملي، ثنا الحسين بن الفضل الواسطي، ثنا عبد الله بن واقد، عن صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عبد الله بن جبير الحضرمي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر: لو لم أبعث لبعثت.

وقد ورد من حديث أبي بكر وأبي هريرة. قال الديلمي: أنا أبي، أنا عبد الملك بن عبد الغفار، أنا عبد الله بن عيسى بن هارون، عطاء بن ميسرة الخراساني، عن أبي هريرة رفعه: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر، أيّد الله عمر بملكين يوفّقانه ويسدّدانه، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صوابا قال الديلمي: تابعه راشد بن سعد، عن المقدام بن معدي كرب، عن أبي بكر الصديق. والله

٢٢٧

أعلم »(١) .

الرّد على دفاع السّيوطي

ودفاع السّيوطي عن هذا الحديث المصنوع الموضوع مردود وذلك:

أوّلاً: لأنّ السّيوطي قد حرَّف كلام ابن الجوزي، فقد جاء في كلامه في جرح ( زكريّا بن يحيى ) قوله: « كان من الكذابين الكبار » لكنّ السّيوطي ذكر بدل هذه الجملة كلمة « كذّاب ».

كما ذكر ابن الجوزي عن أحمد ويحيى قولهما في ( عبد الله بن واقد ): « ليس بشيء ». لكنّ السّيوطي أسقط ذلك من عبارة ابن الجوزي تمهيداً لزعمه بعد ذلك « وثّقه ابن معين وأحمد ».

وأيضاً، جاء في كلام ابن الجوزي عن ابن حبان « انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به » لكنّ السّيوطي حوّرها إلى كلمة « لا يحتج به ».

إلى غير ذلك من الدقائق التي لا تخفى على أهل النظر

وثانياً: لأنّ قوله في حق ( زكريا بن يحيى ): « ذكره ابن حبان في الثقات » لو سلّم فهو معارض بطعن وجرح جماعة من الأئمة، قال الذهبي: « زكريا بن يحيى المصري، أبو يحيى الوقار، عن ابن وهب فمن بعده، قال ابن عدي: يضع الحديث، كذّبه صالح جزرة، قال صالح: ثنا زكريا الوقار وكان من الكذّابين الكبار، وقال ابن يونس: كان فقيها صاحب حلقة، عاش ثمانين سنة، وقيل كان من الصلحاء العباد الفقهاء نزح عن مصر أيام محنة القرآن إلى طرابلس المغرب، ضعّفه ابن يونس وغيره »(٢) .

____________________

(١). اللئالي المصنوعة: ١ / ٣٠٢.

(٢). ميزان الاعتدال: ٢ / ٧٧.

٢٢٨

وقال ( المغني في الضعفاء ): « زكريا بن يحيى الوقار عن ابن وهب، وكان احد الفقهاء اتّهم بالكذب »(١) .

بل لقد ضعّفه السّيوطي نفسه ونقل كلمات الأعلام في ذلك، فقد جاء في كتاب الأنبياء والقدماء من ( ذيل اللآلي المصنوعة ) بعد حديث: « قلت: زكريا الوقار، قال ابن عدي: يضع الحديث. وقال صالح جزرة: كان من الكذّابين الكبار. وقال ابن حبان: أخطأ في هذا الحديث. وقال العقيلي: حدّث عن ابن وهب حديثاً باطلاً ».

وثالثاً: لأنّ ما ذكره لتوثيق « ابن واقد » مردود بما تقدّم في كلام ابن الجوزي عن احمد ويحيى من أنّه « ليس بشيء » وعن النسائي: « متروك الحديث ». لكنّ السّيوطي أسقط من كلام ابن الجوزي قدح أحمد ويحيى، ولم ينسب قدح النسائي إليه بل قال: « متروك » من دون ما نسبة إلى قائل وهل هذا إلّا تخديع شنيع؟!.

ولو كان السيوطي بصدد التحقيق في المسألة لكان مقتضى القاعدة عدم تحريف كلام ابن الجوزي، وذكر نصه بتمامه ثم التحقيق في ثبوت قدح أحمد ويحيى، فإمّا يذعن بذلك وإما يبطله ويثبت توثيقهما الرجل ببرهان مبين، أو يرجّح التوثيق على الجرح - لو ثبت كلا الطرفين - بدليل

لكنّه سلك غير سبيل المحقّقين وارتكب ما لا يجوز

والتحقيق: إنّه لو ثبت توثيق أحمد ويحيى « لابن واقد » لعارضه جرحهما إيّاه - بنقل ابن الجوزي - وتكون النتيجة سقوطهما معا، وبقاء جرح النسائي بلا معارض، وهو كاف لضعف الرجل. فكيف وقد وافقه على ذلك جماعة، كأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، وابن سعد، وصالح جزرة، والحربي، وابن عدي، والدار قطني، وأبى داود، وأبي نعيم، وغيرهم؟!. بل لو فرض ثبوت توثيق

____________________

(١). المغني: ١ / ٢٤٠.

٢٢٩

أحمد ويحيى لم يلتفت إليه مع ذلك قال الذهبي: « ق: عبد الله بن واقد، أبو قتادة الحراني، مات سنة عشر ومائتين. قال البخاري: سكتوا عنه، وقال أيضاً: تركوه، وقال أبو زرعة والدار قطني: ضعيف، وقال أبو حاتم: ذهب حديثه، وروى عبد الله بن أحمد عن ابن معين: ليس بشيء، وروى الدولابي عن عباس عن يحيى: ليس بشيء، وقال أيضا: ليس به بأس، كثير الغلط.

ابن عدي، ثنا ابن حوصا، ثنا عباس بن محمد عن ابن معين: أبو قتادة الحراني ثقة. وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: إن يعقوب بن إسماعيل بن صبيح ذكر أن أبا قتادة الحراني كان يكذب، فعظم ذلك عنده جدّا وقال: هؤلاء أهل حران يحملون عليه، كان أبو قتادة يتحرّى الصّدق، ولقد رأيته يشبه أصحاب الحديث، وقال أحمد في موضع آخر: ما به بأس، رجل صالح يشبه أهل النسك وربّما أخطأ وقال الجوزجاني: متروك.

وقال يحيى بن بكير: قدم ابو قتادة على الليث وعليه جبّة صوف وهو يكتب في كتف قد وضع صوفة في قشر جوزة فكتب منها، فلمـّا ذهب إلى منزله بعث إليه سبعين ديناراً فردّها.

وقال ابن حبان: كان أبو قتادة من عبّاد الجزيرة فغفل عن الإِتقان، فوقعت المناكير في أخباره، فلا يجوز أنْ يحتجّ بخبره »(١) .

وقال ابن حجر: « قال الميموني عن أحمد: ثقة إلّا أنّه كان ربما أخطأ، وكان من أهل الخير يشبه النسّاك، وكان له ذكاء، وقال عبد الله عن أبيه نحو ذلك، وزاد: فقيل له: إن قومه يتكلّمون فيه، قال: لم يكن به بأس، فقلت: إنهم يقولون: لم يكن يفصل بين سفيان ويحيى بن أبي أنيسة، قال: لعلّه اختلط، أما هو فكان ذكيا، فقلت: إن يعقوب بن إسحاق بن صبيح ذكر أنه كان يكذب، فعظم ذلك عنده جدّا وقال: كان أبو قتادة يتحرى الصّدق وأثنى عليه قال: قد رأيته

____________________

(١). ميزان الاعتدال: ٢ / ٥١٧.

٢٣٠

يشبه أصحاب الحديث، وأظنّه كان يدلّس، ولعله كبر فاختلط.

قال عبد الله بن أحمد: وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال الدوري عن يحيى: ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه فقلت: ضعيف الحديث؟ قال: نعم لا يحدّث عنه. قال: وسألت أبي عنه، فقال: تكلّموا فيه، منكر الحديث وذهب حديثه، وقال البخاري: تركوه منكر الحديث وقال في موضع آخر: سكتوا عنه، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزجاني: متروك الحديث. قال البخاري مات سنة ٢٠٧. وقال أبو عروبة الحراني: ذكر أصحابنا أنه مات سنة ٢١٠.

قلت: وقال ابن سعد: كان لأبي قتادة فضل وعبادة ولم يكن في الحديث بذاك، وقال البزار: لم يكن بالحافظ، وكان عفيفاً متفّقهاً بقول أبي حنيفة، وكان يغلط ولا يرجع إلى الصواب. وقال ابن حبان: كان من عبّاد الجزيرة فغفل عن الإِتقان وحدّث عن الوهم فوقع المناكير في حديثه، فلا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة: ضعيف مهين. وقال الحربي: غيره أوثق منه - وهذه العبارة يقولها الحربي في الذي يكون شديد الضعف - وقال أبو عروبة: كان يتكّل على حفظه فيغلط، وقال ابن عدي: ليس هو عندي ممّن يتعمّد الكذب، إنما يخطئ، وقال أبو داود: أهل حرّان يضعّفونه وأحمد ثنا عنه. وقال: إنما كان يؤتى من لسانه، وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بقائم، وقال أبو نعيم الاصبهاني: روى عن هاشم وابن جريح منكرات »(١) .

وأمّا دعوى السيوطي توثيق « غيرهما » - أي غير أحمد ويحيى - « لابن واقد » فلم نجد في كتب الرجال ما يدلّ عليها، وعلى المدّعي إثبات ذلك نعم ذكروا القدح فيه عن جماعة من الأساطين بالاضافة إلى أحمد ويحيى، كما علم من عبارات ( الميزان ) و ( تهذيب التهذيب ) وكذا في غيرهما من الكتب ففي

____________________

(١). تهذيب التهذيب: ٦ / ٦٦.

٢٣١

( الضعفاء المتروكين لابن الجوزي ): « عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني مشهور بالحديث والزهد. قال أبو حاتم: ذهب حديثه. وقال الدار قطني وغيره: ضعيف. وأما أحمد فقال: ما به بأس وربما أخطأ، وقال البخاري: تركوه ».

وفي ( تقريب التهذيب ): « عبد الله بن واقد الحراني أبو قتادة، أصله من خراسان -: متروك، وكان أحمد يثني عليه وقال: لعلّه كبر واختلط وكان يدلّس. من التاسعة. مات سنة ٢١٠ »(١) .

وقال السندي في ( مختصر تنزيه الشريعة ): « عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني، روى خبراً موضوعاً مهتوكاً قال الذهبي هو آفته، وقال ابن الجوزي: دسّ في حديثه، وكان مغفّلاً ».

بل انّ السّيوطي نفسه طعن فيه، وهذا من العجائب المستطرفة - فقد جاء في كتاب الجهاد من ( ذيل اللآلي المصنوعة ) ما نصه: « الديلمي: أنبأنا أبي، أنبأنا عبد الباقي بن محمد، أنبأنا أحمد بن محمد بن عمران، أنبأنا الحسن بن أحمد بن سعيد الرهاوي، حدثني سعيد، عن عثمان بن مطر، عن قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن واقد، عن أبي سعيد رفعه: من رابط يوماً في سبيل الله كان له كعتاقه ألف رجل كل رجل عبد الله ألف عام.

عثمان بن مطر متروك، وكذا عبد الله بن واقد ».

فتخلّص: أن ضعف « عبد الله بن واقد » ثابت لدى المحققين. بل لقد زاد الحديث المفتعل « لو لم أبعث فيكم لبعث عمر » ضعفاً وهواناً وقوعه في سنده، ومن هنا ذكره الذهبي في ( الميزان ) بترجمة ابن واقد ضمن الأحاديث الضّعيفة بسببه حيث قال: « ابو خيثمة مصعب بن سعيد، ثنا عبد الله بن واقد، ثنا حياة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح، عن عقبة بن عامر قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر »(٢) .

____________________

(١). تقريب التهذيب: ١ / ٤٥٩.

(٢). ميزان الاعتدال: ٢ / ٥١٩.

٢٣٢

ورابعاً: لأنَّ ما ذكره بصدد توثيق « مشرح » يبطله ما تقدم سابقا من وجوه ضعفه عن العقيلي، وابن حبان، وابن الجوزي

وخامساً: لأنّ ما أورده عن الزوزني في سنده « ابن واقد » أيضاً وقد عرفته، وأيضاً في سنده « راشد بن سعد الحمصي » وقد ضعّفه الدار قطني وابن حزم. قال ابن حجر بترجمته: « وذكر الحاكم أن الدار قطني ضعّفه، وكذا ضعّفه ابن حزم. وقد ذكر البخاري أنه شهد صفين مع معاوية»(١) .

بل يكفي في سقوطه ما ذكره البخاري من خروجه مع الفئة الباغية على أنّه من أهل حمص، وأهل حمص معروفون ببغض أمير المؤمنينعليه‌السلام ونصبهم العداء له، كما أنّهم موصوفون بالرّقاعة، كما لا يخفى على من راجع ( معجم البلدان )(٢) و ( شرح مقامات الحريري ) وغيرهما.

وسادساً: لأنَّ حديث أبي هريرة - الذي رواه الديلمي وذكره السيوطي مؤيّداً للحديث المفتعل - في طريقه « إسحاق بن نجيح » وهو من أكذب النّاس لدى نقّاد الحديث وعلماء الرجال:

قال ابن الجوزي في ( الضعفاء والمتروكين ): « إسحاق بن نجيح أبو صالح الملطي أكذب الناس».

وقال الذهبي في ( ميزان الاعتدال ): « قال أحمد: هو من أكذب الناس. وقال يحيى: معروف بالكذب ووضع الحديث، وقال يعقوب الفسوي: لا يكتب حديثه، وقال س والدار قطني: متروك. وقال الفلّاس: كان يضع الحديث صراحاً

وقال يزيد بن مروان الخلّال: ثنا إسحاق بن نجيح، عن عطا، عن أبي

____________________

(١). تهذيب التهذيب: ٣ / ٢٢٦.

(٢). معجم البلدان: ٢ / ٣٠٤: « ومن عجيب ما تأملّته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثل، ان أشد الناس على عليرضي‌الله‌عنه بصفين مع معاوية كان اهل حمص وأكثرهم تحريضاً عليه وجدّاً في حربه ».

٢٣٣

هريرة مرفوعاً: إن لكلّ نبي خليلاً من أمته وإنّ خليلي عثمان. وهذا باطل، ويدل على ذلك قولهعليه‌السلام : لو كنت متّخذاً من هذه الأمة خليلاً لاتخذت أبابكر خليلاً. قال أحمد بن حنبل فيما رواه عنه ابنه عبد الله: إسحاق بن نجيح من أكذب الناس، يحدّث عن النّبي وعن ابن سيرين برأي أبي حنيفة. وقال أحمد بن محمد القاسم بن المحرز: سمعت يحيى بن معين يقول: إسحاق بن نجيح الملطي كذاب عدوّ الله رجل سوء خبيث. وقال عبد الله بن علي المديني: سألت أبي عن إسحاق الملطي فقال بيده هكذا، أي ليس بشيء. ومن علي المديني: سألت أبي عن إسحاق الملطي فقال بيده هكذا، أي ليس بشيء. ومن أباطيل الملطي »(١) .

وذكره الذهبي في ( المغني في الضعفاء ) قائلاً: « إسحاق بن نجيح الملطي، عن عطاء الخراساني وابن نجيح: معروف بالوضع »(٢) .

وقال ابن حجر: « قال أحمد: إسحاق من أكذب الناس يحدّث عن النبيّ - يعني عثمان - وعن ابن سيرين برأي أبي حنيفة. وقال ابن محرز: سمعت ابن معين يقول: كذاب عدوّ الله رجل سوء خبيث. وقال ابن أبي شيبة عنه: كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق بن نجيح الملطي، وقال ابن أبي مريم عنه: من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عنه فقال بيده هكذا، أي ليس بشيء وضعّفه، وقال في موضعٍ آخر: روى عجائب، وقال عمرو بن علي: كذّاب كان يضع الحديث، وقال الجوزجاني: غير ثقة ولا من أوعية الأمانة، وقال علي بن نصر الجهضمي والبخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال يعقوب الفسوي: لا يكتب حديثه، وقال صالح بن محمد: ترك حديثه، وقال أبو أحمد بن عدي: أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامّة ما أتى عن ابن جريح بكلّ منكر وضعه عليه، وهو بيّن الأمر في الضعفاء، وهو ممّن يضع الحديث.

____________________

(١). ميزان الاعتدال: ١ / ٢٠٠.

(٢). المغني في الضعفاء: ١ / ٧٤.

٢٣٤

قلت: وقال النسائي في التمييز: كذّاب، وقال أبو أحمد الحاكم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحاً، وقال البرقي: نسب إلى الكذب، وقال الجوزجاني: كذّاب وضّاعٌّ لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره، وأبو سعيد النّقاش: مشهور بوضع الحديث، وقال ابن طاهر: دجال كذاب، وقال ابن الجوزي: أجمعوا على أنه كان يضع الحديث. وذكره الدولابي والساجي والعقيلي وغيرهم في الضعفاء »(١) .

بل لقد ضعّفه السيوطي نفسه، فقد قال في ( ذيل اللآلي المصنوعة ) بعد أنْ روى حديثه « إن لكلّ نبي خليلاً من أمته وإن خليلي عثمان بن عفان » قال: أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: إسحاق بن نجيح معروف بالكذب ووضع الحديث. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على رسول الله صراحاً. ويزيد بن مروان قال يحيى: كذّاب. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به. وقال في الميزان: هذه من أباطيل إسحاق ».

وفي كتاب الأطعمة منه بعد حديثٍ: « إسحاق بن نجيح كذّاب يضع الحديث ».

فالعجب كيف يذكر في هذا المقام حديث هذا الدجّال الكذّاب مؤيّداً للحديث المفتعل الموضوع في فضل عمر؟!

هذا كلّه مضافاً إلى:

أن في إسناد حديث أبي هريرة « عطاء الخراساني » وقد ذكره البخاري والعقيلي في الضعفاء، وكان يكذب على سعيد بن المسيب، وقال ابن حبان: كان رديَّ الحفظ يخطئ ولا يعلم، فبطل الاحتجاج به جاء ذلك بترجمته في ( ميزان الاعتدال ٣ / ٧٤ ) و ( تهذيب التهذيب ٧ / ٢١٢ ).

وإلى أنَّ عطاء عن أبي هريرة مرسل، قال ابن حجر: « روى عن الصحابة

____________________

(١). تهذيب التهذيب: ١ / ٢٥٢.

٢٣٥

مرسلاً كابن عباس، وعدي بن عدي الكندي، والمغيرة بن شعبة، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وأنس، وكعب بن عجرة، ومعاذ بن جبل. وغيرهم ».

قال « وقال الطبراني: لم يسمع من أحدٍ من الصّحابة إلّا من أنس »(١) .

واذا كان مرسلاً ولم يعرف الواسطة فلا اعتبار لهذا الحديث من هذه الجهة كذلك.

وباختصار: إنَّ هذا الحديث موهون للغاية، ومن هنا قال المناوي: « وأما خبر الديلمي عن أبي هريرة: لو لم أبعث لبعث عمر فمنكر »(٢) .

وأمّا حديث أبي بكر الذي جعله السيوطي مؤيّداً للحديث الموضوع فمداره على « راشد بن سعد ». وقد عرفته فيما تقدّم.

فظهر: بطلان حديث الديلمي بكلا طريقيه وسقوطه عن درجة الاعتبار، ومن هنا أورده البدخشاني في ( تحفة المحبّين ) عن الفردوس عن أبي بكر وأبي هريرة، في الفصل الثالث - من باب فضائل عمر - الذي خصّه بالأحاديث الضّعاف، كما لا يخفى على من راجع الكتاب المذكور.

فسقط دفاع السّيوطي عن الحديث المفتعل الموهون، وسقوط ما ذكره بالتفصيل، ولله الحمد على ذلك حمداً كثيراً.

____________________

(١). تهذيب التهذيب: ٧ / ٢١٢.

(٢). فيض القدير: ٥ / ٣٢٥.

٢٣٦

وجوه استدلال الشيعة بروايات أهل السنة

قوله:

« فإنّ اعتبرت روايات أهل السنة فهي معتبرة بالنسبة إلى الكل، وإلّا سقط إلزامهم، لأنهم لا يلزمون بروايةٍ واحدة ».

أقول:

يتضّح سقوط هذا الكلام وسخافته بالوجوه التالية:

١ - بطلان إحتجاجاته به

إنه يجوز للشّيعة إلزام ( الدهلوي ) وسائر علماء أهل السنة بنفس هذا البيان الذي أورده لإلزامهم، فلهمْ أن يقولوا - لمن احتجّ بروايةٍ من رواياتهم من باب

٢٣٧

الالزام - هذا الكلام في جوابه، وعلى هذا الأساس تبطل جميع احتجاجات ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ).

٢ - النقض باستدلال المسلمين

ولو كان هذا الكلام صحيحاً لبطل استدلال المسلمين بروايات المخالفين من اليهود والنصارى وغيرهم وإلزامهم بها، إذْ يجوز لهم - بناءً عليه - أن يجيبوا عن ذلك بمثل هذا الكلام، وبه يبطل ما يذكره المسلمون ويستدلون به على نبوّة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ضوء روايات المخالفين.

وكأنَّ ( الدهلوي ) حيث يريد نصرة المشايخ الثلاثة لا يدري - أو لا يلْتفت - إلى ما يترتّب على كلامه من المفاسد!!

٣ - لزوم غلق باب الإِلزام

بل إنّه يستلزم غلق باب الالزام والاحتجاج، وهو أهمّ أبواب علم الكلام والمناظرة، لأنَّ كلاً من المتخاصمين يحتجّ بروايات الآخر ليلزمه بها، فلكلٍ منهما أنْ يقول هذا الكلام في جواب الآخر، وحينئذٍ ينسدّ باب المناظرة، وتبطل جميع إستدلالات المتكلّمين في سائر كتب الكلام.

٤ - وجه استدلال الشّيعة

إنَّ إستدلال أهل الحق بحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » بإخراج أهل السّنة إيّاه في كتبهم، ليس من جهة أنّهم يعتقدون صحة تلك الروايات واعتبارها، بل إنّما يستدّلون بتلك الرّوايات لإِتمام الحجة على أهل السّنة،

٢٣٨

ودعوتهم الى الأخذ به والعمل بمقتضاه، وبذلك يسقط ما ذكره ( الدهلوي ) ولا يصغى إليه.

٥ - قاعدة الاقرار

إنّه لمـّا كانت قضّية ( إقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود ) مسلَّمة لدى جميع العقلاء، وكان حديث مدينة العلم قد رواه وأخرجه كبار علماء أهل السّنة، وأوضحوا دلالته على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافته بلا فصل، صحّ للشّيعة الاستدلال على مطلوبهم بروايات أهل السّنة، وكان في غاية المتانة.

وأمّا احتجاج ( الدهلوي ) بروايات بعض أهل نحلته في فضل الخلفاء فهي من متفردات رواتها وواضعيها، فلا يجوز له الإِستناد إليها، وإلزام أهل الحق بها ألبتة

وبهذا الوجه أيضاً يبطل هذا الكلام

٦ - اعتبار اقرار الخصم

إن موقف أهل السّنة - حيث يروون ويثبتون حديث « أنا مدينة العلم » وغيره من فضائل امير المؤمنينعليه‌السلام - موقف الخصم المقر، وفي مورد رواية فضائل الشّيوخ موقف الخصم المدعي، وقد تقرَّر لدى الجميع إعتبار إقرار الخصم على كلّ حالٍ، وبطلان دعواه إلّا أن يقيم عليها الدليل والبرهان.

وعلى هذا الأساس يتم إستدلال أهل الحق بروايتهم حديث « مدينة العلم » ولا يتمُّ ( للدهلوي ) الاحتجاج بحديث « ما صبّ الله » وحديث « لو كان بعدي ». لأنّه إدعاء محض، وكان على ( الدهلوي ) إقامة البرهان والدليل

٢٣٩

على صحّة هذين الحديثين ليجوز له الاحتجاج بهما.

ولا يخفى أنّ الشَّواهد على ما ذكرنا من اعتبار إقرار الخصم دون دعواه - إلّا مع الدليل - كثيرة جدا، لكنّا نكتفي هنا بذكر واحدٍ منها، وذلك ما جاء في ( تاريخ الخلفاء ) حيث قال: « وأخرج عن إبراهيم بن الحسن قال قال المدائني للمأمون: إن معاوية قال: بنو هاشم أسود وأحداء ونحن أكثر سيداً، فقال المأمون: إنّه قد أقرّ وادّعى، فهو في ادّعائه خصم وفي إقراره مخصوم »(١) .

فظهر أنَّ ما أراده ( الدهلوي ) من إلزام أهل الحق - الذين يحتجون برواية أهل السنة فضائل الامامعليه‌السلام - بقبول « ما صبّ الله » وغيره من الخرافات لا يلتفت إليه أدنى إلتفات

٧ - كلام رشيد الدين

ولقد قال رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) في ( الشوكة العمرية ): « إنّه وإنْ كان الأئمة الأطهارعليهم‌السلام - بمقتضى الأحاديث التي ذكرها صاحب الرسالة وغيرها من الأحاديث الشائعة المستفيضة - سادة الأمّة، وإن أخبار أولئك الأخيار هي مفاتيح المغلقات ومصابيح الظلمات ومصادر الحكمة ومظاهر الشريعة، إلاّ أنّ الكلام في أسانيد تلك الأخبار، وكثيرا ما يكون رواة إحدى الفرق لديهم مأمونين ولدي غيرهم مطعونين، ولذا ترى كلّ فرقة صحّة ما ورد عن طريق رواتها وتقدح ما ورد عن طريق رواة الفرقة المخالفة لها ».

فمن العجيب تغافل ( الدهلوي ) عن هذا الأصل الذي ذكره تلميذه في مقام البحث والمناظرة فيطالب الشيعة بقبول « ما صبّ الله » وأمثاله من الخرافات، في مقابل احتجاجهم بروايات أهل السّنة في باب فضائل أمير المؤمنين

____________________

(١). تاريخ الخلفاء: ٣٢٥.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362