نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١١

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 362

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 362 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 294303 / تحميل: 6128
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

عليه‌السلام وأهل البيت الطاهرين.

٨ - كلام الدهلوي في صدر التحفة

ولقد ذكر ( الدهلوي ) نفسه في صدر كتابه ( التحفة ) بأنه قد التزم فيه الاحتجاج مع الشيعة بما ورد في كتبهم المعتبرة، لأنَّ كلا من الطرفين المتخاصمين ينسب الآخر إلى التّعصب والعناد ولا يثق برواياته فالعجب منه كيف نسي هذا الألزام؟! وكيف احتجّ بـ « ما صبّ الله » وغيره من الخرافات؟! وكيف طالب الشيعة بقبول هذه الخرافات؟! وهل هذا إلّا تهافت غريب وتناقض عجيب؟!!

٩ - كلام والده

وبمثل كلام الرشيد صرّح شاه ولي الله الدهلوي في خاتمة كتابه ( قرة العينين في تفضيل الشيخين ). وقد صرّح بأنّه لا يجوز المناظرة مع الامامية بأحاديث الصحيحين فضلا عن غيرها فليراجع.

١٠ - بطلان الحديثين المزعومين

لقد ظهر بالتفصيل صحّة حديث مدينة العلم وثبوته سندا ودلالة، حسب تصريحات كبار أعلام أهل السنة. وظهر بطلان « ما صبّ الله » و « لو كان بعدي » حسب تصريحات كبار علمائهم كذلك.

فمطالبة أهل الحق باعتبار هذين الحديثين - بعد ذلك - وعدم الالتزام بمقتضى حديث ( مدينة العلم ) سخيف للغاية.

٢٤١

ومن هنا يظهر انطباق المثل الذي ذكره على نفسه، والله سبحانه العاصم وهو ولي التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

والحمد لله رب العالمين.

قال الميلاني: هذا آخر الكلام على ما تفّوه به ( الدهلوي ) في الجواب عن حديث « أنا مدينة العلم » ولنتعرّض لما أتى به غيره من علماء أهل السنة في هذا الباب والله المستعان.

٢٤٢

مع العلماء الآخرين

فيما قالوه حول حديث مدينة العلم

٢٤٣

٢٤٤

وإذ فرغنا من نقض كلمات ( الدهلوي ) حول حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وإبطال هفواته في تضعيفه، كان من المناسب التعرّض لكلمات غيره من علماء ومحدّثي أهل السّنة بالنّسبة إلى هذا الحديث، أو حديث « أنا دار الحكمة وعلي بابها » إفحاماً للخصام واستيفاء للكلام، والله وليّ التوفيق:

(١)

مع العاصمي

في كلامه حول حديث أنا مدينة العلم

قال أبو محمد أحمد بن محمد بن علي العاصمي ما نصّه:

« وتكلّموا في تأويل هذا الحديث.

فذهبت الخوارج ومن قال بقولهم إلى أنه أراد بقوله « وعلي بابها » الرفيع الباب من العلوّ، علي بمعنى العالي لا الاسم العلم الذي كان المرتضى رضوان الله عليه

٢٤٥

مسمّىً به، يقال: شيء عال وعليّ، وباب عال وعليّ، مثل سامع وسميع، وعالم وعليم، وقادر وقدير.

وإنما أرادوا بذلك الوقيعة في المرتضى رضوان الله عليه والحطّ عن رتبته. وهيهات لا يخفى على البصر النّهار.

وذهب بعض من يخالفهم الى أنَّ المرتضى - رضوان الله عليه - لما كان باب المدينة، ولا يوصل إلى المدينة إلّا من جهة بابها، فكذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدينة العلم والنبوة، ولا يوصل إلى علم النبي إلّا من جهة علي.

وهذا أيضاً غلو وتجاوز عن الحدّ، نستعيذ بالله مما يوجب سخط الله، لأنّهم يتطرّقون بذلك إلى إبطال إمامة الشيخين، ثم إلى إبطال إمامة ذي النورين! وإنْ كان الأمر على ما قالوا لما كان يوصل إلى العلم والأحكام والحدود وشرائع الاسلام إلّا من جهته، ولكان فيه إبطال كلّ حديث لم يكن المرتضى طريقه، ولكان فيه إبطال كثير من شرائع الدين التي أجمعت عليها الأمة باليقين.

ووجه الحديث عندنا: إنّ المدينة لا تخلو من أربعة أبواب، لأنّها مبنيّة على أربعة أركان وأسباب، ففي كل ركن باب، وقد كان المرتضى أحد أبوابها، وكان الخلفاء الثلاثة قبله هم الأبواب الثلاثة، وهذا وإنْ كان صحيحاً في المعنى والحكم فإنّ تخصيص النبيعليه‌السلام إيّاه بلفظة باب مدينة العلم يدل على تخصيص كان له في العلم والخبرة وكمال في الحكمة ونفاذ في القضية، وكفى بها رتبة وفضيلة ومنقبة شريفة جليلة »(١) .

دلالة الحديث على مذهب الامامية

أقول: لا ريب في أنَّ الصحيح هو الوجه الثاني، لكنَّ العاصمي رماه بالغلو والتّجاوز، لأنّه يقتضي إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول الله صلّى

____________________

(١). زين الفتى في تفسير سورة هل أتى. مخطوط.

٢٤٦

الله عليه وآله وسلّم بلا فصلٍ فاستعاذ منه، والحال أن ما ذكره الامامية هو المعنى الحقيقي لحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « فمن أراد العلم فليأت الباب » كما رواه الحاكم وغير واحد، و قوله « فمن أراد العلم فليأت باب المدينة » كما رواه سويد الحدثاني، و قوله: « فمن أراد المدينة فليأت الباب » كما رواه الحاكم في المستدرك، و قوله: « فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » كما رواه محمد ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار ، و قوله: « فمن أراد العلم فليأته من بابه » كما رواه الطبراني في المعجم الكبير ، و قوله: « يا علي كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها » كما رواه أبو الحسن الحربي في كتاب الأمالي، و قوله: « ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها » كما رواه ابن المغازلي في المناقب، و قوله: « كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من قبل الباب » كما رواه ابن المغازلي أيضاً في المناقب

كلّ ذلك من الشواهد الواضحة والدلائل الساطعة على هذا المعنى.

بل إنَّ كلمات كبار علماء أهل السّنة في شرح حديث « أنا مدينة العلم » صريحة في هذا المعنى، قال المناوي: « فإنّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة الجامعة لمعانى الديانات كلّها ولا بدّ لها من باب، فأخبر أنَّ بابها هو علي كرم الله وجهه، فمن أخذ طريقه دخل المدينة، ومن أخطأه أخطأ طريق المهدي »(١) .

وقال أيضاً: « قال الحرالي: قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع الله من القلوب الحجاب، حتى يتحقّق اليقين الذي لا يتغيّر بكشف الغطاء. إلى هنا كلامه »(٢) .

____________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ / ٤٦.

(٢). المصدر نفسه ٣ / ٤٧.

٢٤٧

وقال أيضاً: « فإنّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المدينة الجامعة لمعانى الديانات كلّها، ولا بدّ للمدينة من باب يدخل منه، فأخبر أنّ بابها هو علي، فمن أخذ طريقه دخل المدينة، ومن لا فلا »(١) .

وقال محمد بن إسماعيل الأمير اليماني - بعد كلامٍ له في معنى هذا الحديث -: « وإذا عرفت هذا عرفت أنه قد خصّ الله الوصيّعليه‌السلام بهذه الفضيلة العجيبة ونوّه شأنه، إذ جعله باب أشرف ما في الكون وهو العلم، وأنّ منه يستمد ذلك من أراده، ثم إنه باب لأشرف العلوم وهي العلوم النبوية، ثم لأجمع خلق الله علما وهو سيد رسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ هذا الشرف يتضاءل عنه كلّ شرف، ويطأطئ رأسه تعظيماً له كلّ من سلف وخلف »(٢) .

فإنكار العاصمي هذا المعنى الواضح الذي ينادي به الحديث الشريف بمختلف ألفاظه، ويعترف به غير واحد من شرّاحه وغيرهم، عجيب للغاية.

ومن آيات علوّ الحق: أنّ السخاوي والزركشي قد أيّدا في ( المقاصد الحسنة ) و ( الدرر المنتثرة ) حديث مدينة العلم بحديث: « علي مني وأنا من علي لا يؤدّي عني إلّا أنا أو علي » الدال بصراحة على إنحصار أداء الأحكام وغيرها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ عليه الصلاة والسلام، فيكون معنى حديث مدينة العلم عندهما نفس المعنى الذي ذكرناه، وهو أنّه لا يمكن الوصول إلى علم رسول الله إلّا من طريق أمير المؤمنين. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر!

وأمّا قول العاصمي: « وإنْ كان الأمر على ما قالوا لما كان يوصل إلى العلم والأحكام والحدود وشرائع الإسلام إلّا من جهته » فكلام عاطل، لأنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر أنَّ الطريق الموصل إلى ذلك هو طريق عليعليه‌السلام لا غير، وأنَّ من زعم الوصول إلى ذلك لا عن طريقه فهو مفتر كذّاب، ويكفى في

____________________

(١). التيسير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٨٤.

(٢). الروضة الندية: ٧٦.

٢٤٨

إظهار كذبهم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها » وأيضاً قوله عليه وآله الصلاة والسلام: « كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من قبل الباب ».

ولو سلّم وصول بعضهم إلى بعض الأمور لا عن طريقه لم يكن ذلك وصولا على المنهج المعتبر والوجه المأمور به، بل يكون وصولهم كوصول السّارق والمتسوّر، قال الله عزّ وجلّ:( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) (١) . ومن هنا قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطبه: « ونحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقا » وقد ذكر الشيخ سليمان القندوزي هذا الكلام ضمن شواهد حديث مدينة العلم(٢) كما ورد في كتاب ( نهج البلاغة ) الذي اعترف أكابر علماء أهل السّنة بأنّه من كلام سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد قال عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي بشرحه:(٣)

« ثم ذكر أنْ البيوت لا تؤتى إلّا من أبوابها. قال الله تعالى:( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ثم قال: من أتاها من غير أبوابها سمّى سارقا، وهذا حق ظاهرا وباطنا. أما الظاهر فلأن من يتسوّر البيوت من غير أبوابها هو السارق. وأما الباطن فلأن من طلب العلم من غير أستاذ محقق فلم يأته من بابه فهو أشبه شيء بالسارق »(٤) .

ثم إنّ هذا المعنى الذي يذكره أهل الحق لا يستلزم إبطال كلّ حديث لم يكن الامامعليه‌السلام في طريقه، بل ينظر فإن كان من طريق الصحابة العدول

____________________

(١). سورة البقرة: ١٧٧.

(٢). ينابيع المودة ١ / ٧٥.

(٣). نهج البلاغة ط صبحي الصالح: ٢١٥.

(٤). شرح نهج البلاغة ٩ / ١٦٥.

٢٤٩

المقبولين، وكان موافقاً لما وصل من طريق باب مدينة العلم، لم يكن لابطاله وجه، وإلّا كان باطلاً بلا ريب، فبطل ما زعمه العاصمي. والحمد لله.

وأيضاً: لا يستلزم ذلك إبطال شيءٍ من شرائع الدين التي أجمعت عليها الأمّه، لأنَّ الاجماع على تلك الشرائع إن كان أمير المؤمنينعليه‌السلام داخلاً فيه وجب اتباع تلك الشّرائع - ولا يجوز إنكار الوصول إليها من طريقهعليه‌السلام - وإن لم يكن الامام داخلا فيه لم يجز اتّباعها والعلم بها، بل لا يجوز دعوى اجماع الأمّة عليها حينئذٍ، بل إطلاق « شرائع الدين » عليها بعيد عن الصّواب.

وجوه الجواب عن تأويل العاصمي

وأمّا قوله: « ووجه الحديث عندنا أنّ المدينة لا تخلو من أربعة أبواب، لأنها مبنيّة على أربعة أركان وأسباب، ففي كلّ ركنٍ باب، وقد كان المرتضى أحد أبوابها، وكان الخلفاء الثلاثة قبله هم الأبواب الثلاثة » فالجواب عنه من وجوه:

١ - إنه دعاوى فارغة

إنّ هذا الوجه ليس إلّا دعاوى فارغة وتخرّصات عاطلة، فإنّه يدّعي أولاً « أن المدينة لا تخلو من أربعة أبواب » ثم يعلّل هذه الدعوى بقوله « لأنّها مبنيّة على أربعة أركان وأسباب » ويستنتج: « وقد كان المرتضى » وكلّ ذلك دعوى بلا دليل، بل إنّها دعاوى ممنوعة، لأنّ المدينة قد تخلو من أربعة أبواب، ولا يشترط أن تكون مبنيّة على أربعة أركان وأسباب، ولو سلّم ذلك فلا يشترط أنْ يكون في كلّ ركنٍ باب، ومع التّسليم فكيف يجوز قياس مدينة العلم بالمدينة المادية الظاهريّة؟

٢٥٠

إنّ أهل الحق ليترفّعون عن التفّوه بمثل هذه الكلمات والتخيّلات، والتشبث بها في مقام الإِستدلال

٢ - لم يذكر النبي الّا باباً واحدا ً

ولو كان الخلفاء الثلاثة الأبواب الثلاثة الأخرى للمدينة لذكر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك كما ذكر عليّاًعليه‌السلام ، بل كان عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يذكرهم قبله - على ما يدّعي العاصمي - والّا لزم ترجيح المرجوح في الذكر وترك ذكر الراجح والأسبق، وهو غير جائز.

وحيث لم يذكرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باباً للمدينة سوى أمير المؤمنينعليه‌السلام ظهر بطلان ما زعمه العاصمي في معنى الحديث.

وبما ذكرنا يظهر لنقّاد الكلام إن ما تفوّه به العاصمي - على أثر حبّ الشيوخ الثّلاثة - من الكلام الباطل العاطل في نفسه يستلزم نسبة الظلم إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعياذ بالله.

٣ - أمر النبي بإتيان هذا الباب فقط

وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في ذيل الحديث - بإتيان الباب، وهو لا يريد من « الباب » إلّا « عليّاًعليه‌السلام »، بل لقد صرّح باسمه في بعض ألفاظ الحديث بقوله: « فمن أراد بابها فليأت علياً»(١) .

ومن الواضح جيّداً: أنّه لو كان الخلفاء الثلاثة قد بلغوا هذه المرتبة لذكرهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ذكره، إذْ لو كان ثمّة مصلحة لعدم ذكرهم في صدر

____________________

(١). من ذلك: الحديث في فرائد السمطين، فراجع.

٢٥١

الحديث فلا أقل من الإرجاع إليهم والأمر بإتيانهم في ذيله!

وإذْ لم يشر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذا الأمر، واقتصر على ذكر عليعليه‌السلام كيف يجوز أن يقال بأنّهم كانوا الأبواب الثلاثة؟ وهل هذا إلّا مجرّد الإفك والافتراء؟

٤ - عدم ذكره الثلاثة في حديث آخر

ولو فرض وجود مصلحةٍ لترك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر كون الثلاثة الأبواب الأخرى لمدينة العلم في هذا الحديث، كان من اللازم أنْ يصرّح بهذا المعنى في حديثٍ آخر، ولكن دون إثبات ذلك خرط القتاد.

ومن هنا أيضاً يظهر أنّ دعوى العاصمي ذلك ليس إلّا من الهواجس النفسانية.

٥ - اعترافهم بالجهل في مواضع عديدة

ومما يبطل الوجه الذي ذكره العاصمي جهل المشايخ بالأحكام والقضايا، واعترافهم بعدم التفقّه في الدين، في مواضع كثيرة جداً، فمن لم يكن له حظ من العلم كيف يكون باباً لمدينة العلم؟.

٦ - النقض عليه بكلام نفسه

وبالتّالي، فإنّ هذا الوجه الذي ذكره العاصمي منقوض بما قاله هو في الجواب عمّا يذهب إليه الشيعة من أنه « إنْ كان الأمر على ما قالوا لما كان يوصل إلى العلم والأحكام والحدود وشرائع الاسلام إلّا من جهته، ولكان فيه إبطال كلّ حديثٍ لم

٢٥٢

يكن المرتضى طريقه، ولكان فيه إبطال كثيرٍ من شرائع الدين التي أجمعت عليها الامّة باليقين » فإنّ هذا الكلام بعينه يتوجّه إلى الوجه الذي اختاره، ولا سيّما وأنّ أهل السّنة يأخذون عن كلّ من دبّ ودرج من أصحابهم، وأنّ روايات غير الخلفاء في مصادر الحديث عندهم اكثر بكثير من روايات الخلفاء.

٧ - بطلانه من ذيل كلامه

ومن الطّريف قول العاصمي بعدئذ: « وهذا وإن كان صحيحا في المعنى والحكم، فإن تخصيص النبيعليه‌السلام إيّاه بلفظة باب مدينة العلم يدلّ على تخصيص كان له في العلم والخبرة وكمال في الحكمة ونفاذٍ في القضيّة، وكفى بها رتبة وفضيلة ومنقبة شريفة جليلة ». فإنه بعد ما حاول تأويل الحديث وتوجيهه بما ذكره لم يجد بدّا من الاعتراف بتخصيص أمير المؤمنينعليه‌السلام بهذه الفضيلة، لعدم وصف أولئك بلفظ « باب مدينة العلم » أو نحوه لا في هذا الحديث ولا في غيره من الأحاديث، فاعترف بدلالة هذا التخصيصٍ « على تخصيص كان له في العلم والخبرة وكمال في الحكمة ونفاذ في القضية، وكفى بها رتبة وفضيلة ومنقبة شريفه جليلة » وهذا يفيد أعلمية الامامعليه‌السلام .

فهذا الحديث يدلّ على إمامته من جهة دلالته على الأعلمية. كما يدلّ على الامامة من جهة دلالته على أنّه لا يوصل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا من جهته عليه الصلاة والسلام.

فكلام العاصمي هذا يتضمّن وجها آخر لدلالة حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام . والله يحق الحق بكلماته، ويبطل الباطل بقواهر حججه وبيّناته.

٢٥٣

(٢)

مع العاصمي أيضا ً

واعلم أنّ للعاصمي في كتابه المذكور كلاماً آخر حول حديث مدينة العلم هذا نصّه:

« قلت: ومعنى الحديث أنّ النبي صلّى الله عليه مثل المدينة، وإذا كانت مدينة مثل النبي صلّى الله عليه فليس بعجبٍ أنْ يكون لها أبواب كثيرة، لأن مدينةً مثلها مثل النّبيعليه‌السلام فليس بعجب أنْ يكون لها طول وسعة وعرض كأوسع مدينة في الدنيا، وليس بعجب أنْ يكون لها أبواب كثيرة.

فعلي باب منها في القضاء، كما خصّه النبي صلّى الله عليه به: أخبرنا الحسين بن محمد البستي قال: حدّثنا عبد الله بن أبي منصور قال: حدّثنا محمد بن بشر قال: حدّثنا محمد بن إدريس قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن المثنى قال: حدّثني حميد عن أنس قال: قضى علي قضاء، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه فأعجبه فقال: الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت. قال: وبعثه رسول الله صلّى الله عليه إلى اليمن بالقضاء فقال: يا رسول الله لا علم لي بالقضاء. فوضع النبي صلّى الله عليه يده على صدره ثم قال: أللهم اهد قلبه وسدّد لسانه. قال: فما شككت في قضاء بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا.

ثم يكون أبوبكر الصديق رضوان الله عليه باباً منها، وهو أوّل باب وأفضل باب، حيث جعله النبي صلّى الله عليه أوّلهم في الحديث الذي ذكر فيه أصحابه وخصَّ كلّ واحدٍ منهم بخاصيّةٍ، فكان رضوان الله عليه باباً في الرحمة والرأفة

٢٥٤

بالمسلمين والشفقة عليهم كما قال صلّى الله عليه: أرحم أُمتي أبوبكر. و في رواية أخرى: أرأف أُمتي بأمتي أبوبكر. ولا يكون الرحمة بالمسلمين إلّا من أصل العلم.

وبعد الصّديق كان عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه باباً في الشدّة على المنافقين والمخالفين في الدين، قوله صلّى الله عليه: وأشدّهم - وروي: وأصلبهم - في دين الله عمر بن الخطاب.

ثم عثمان بن عفان الباب الثالث منها في صدق الحياء، قوله صلّى الله عليه: وأصدق أُمتي حياء عثمان بن عفان.

وباب منها: أبيُّ بن كعب حيث فضّله النبي صلّى الله عليه بعلم القرآن وقراءته، قولهعليه‌السلام : وأقرؤهم أبيّ بن كعب، و روي: وأقرؤهم لكتاب الله.

ومنها: معاذ بن جبل، لما فضّله النبي صلّى الله عليه في العلم خاصة دون غيره، قولهعليه‌السلام : وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل.

وباب منها: زيد بن ثابت، لما فضّله النبي صلّى الله عليه بعلم الفرائض خاصةً دون غيره، قولهعليه‌السلام : وأفرض أُمتي زيد بن ثابت.

وباب منها: أبو عبيدة بن الجراح في الأمانة في الإسلام، حيث خصّه النبيعليه‌السلام بالأمانة في الاسلام، والأمانة لا تؤدّى إلّا بالعلم، قولهعليه‌السلام : ولكل أُمة أمين وأمين هذه الأُمة أبو عبيدة بن الجرّاح.

ثم قال لأبي ذر في غير هذا الحديث: من أراد أنْ ينظر إلى بعض زهد عيسى فلينظر إليه. فينبغي أنْ يكون له باب في الزهد من تلك المدينة. وجعل له أيضاً باب الصّدق، قوله صلّى الله عليه: ما حملت الأرض ولا أظلّت الخضراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر، فجعل له بابين: باب الصدق وباب الزهد. والزهد في الدنيا جامع للعلم كلّه، وقد ذكرنا - في فضل مشابه أبينا آدمعليه‌السلام - في معنى هذا الحديث ما اغنى عن إعادته هاهنا ».

٢٥٥

وجوه الجواب عن هذا الكلام

وفي هذا الكلام وجوه من النّظر، منها ما نذكره فيما يلي باختصار:

١ - التناقض في كلماته

إن هذا الكلام يناقض كلامه المردود المتقدّم، لأنّه زعم هناك « إنّ المدينة لا تخلو من أربعة أبواب، لأنّها مبنيّة على أربعة أركان وأسباب » فجعل الخلفاء الأربعة الأبواب المؤدية الى المدينة، وهنا يقول: « فليس بعجب أن يكون لها أبواب كثيرة » ثم ذكر تسعة أشخاص جعلهم الأبواب الموصلة إليها، مستندا إلى روايات موضوعة سيأتي بيان حالها.

٢ - بطلان دعوى اختصاص علي بالقضاء

وإن قوله: « فعلي باب منها في القضاء » تخصيص بلا مخصّص إلاّ التعصّب والعناد، وأمّا الحديثان اللذان ذكرهما في باب قضائهعليه‌السلام فلا يقتضيان تخصيص حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » بكونه بابها في القضاء، بل إنّهما يدلّان على علوّ مقامه في القضاء وأعلميته من سائر الأصحاب، وذلك يستلزم إمامته وخلافته من تلك الجهة، كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

على أنّه لو سلّم هذا التخصيص في حديث « أنا مدينة العلم » فإنّه سيأتي أن تخصيص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه بهذه الفضيلة تصريح منه بأنّه قد جمع له جميع العلوم وسائر أنواعها وأقسامها، فلو فرض أن يكون معنى حديث أنا مدينة العلم كون عليعليه‌السلام بابا لها في القضاء، ثبت كونه بابا إليها في جميع

٢٥٦

العلوم، ومن هنا قال ابن حجر المكي: « تنبيه - ممّا يدلّ على أنّ الله سبحانه اختص علياً من العلوم بما تقصر عنه العبارات: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقضاكم علي. وهو حديث صحيح لا نزاع فيه، و قوله: أنا دار الحكمة - وفي رواية - مدينة العلم وعلي بابها »(١) حيث جعل كلا من حديث « مدينة العلم » و حديث « أقضاكم علي » دالا على أنّ الله سبحانه اختص عليا من العلوم بما تقصر عنه العبارات

٣ - حديث: أرحم أمتي موضوع

واستند العاصمي في هذا الكلام إلى حديث: أرحم أمتي أبوبكر وهو من الأكاذيب الموضوعة والأباطيل المصنوعة، حسب اعتراف كبار حفّاظ أهل السّنة ومشاهير علمائهم، كما سنوضّح ذلك عن قريب.

ولمـّا كان هذا الحديث مما وضعته ألسنة المفترين وصنعته أيدي الوضّاعين والكذّابين، نجد الاختلاف الفاحش في ألفاظه، فهو في بعضها كذب من أوّله إلى آخره، وفي بعضها يشتمل على بعض الجمل الصادقة الصادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام وبعض خواص أصحابه، وهي فضائل واردة في أحاديث صحيحة خلطتها أيدي الخيانة مع هذا الحديث الموضوع لغرض التغطية. ولنرفع السّتار عن ذلك بالإجمال فنقول:

الحديث عن أنس بن مالك

لقد رووا هذا الحديث عن أنس بن مالك، وأخرجه الترمذي وابن ماجة من أصحاب الصحاح قال الترمذي: « مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت

____________________

(١). المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية: ١٢٠.

٢٥٧

وأبي وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم:

حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن داود بن العطار، عن معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر، واشدّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان ابن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلّا من هذا الوجه.

وقد رواه أبو قلابة عن أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحوه: - حدثنا محمد بن بشار، نا عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي، حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم أُمتي بأًمتي أبوبكر، وأشدّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل. ألا وإنّ لكلّ أمّة أمينا وإنّ أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. هذا حديث حسن صحيح »(١) .

وقال ابن ماجة: « حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، ثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أرحم أمتي بأمتي أبوبكر، وأشدّهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإنّ لكلّ أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح. حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة مثله »(٢) .

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٢٣.

(٢). سنن ابن ماجة ١ / ٥٥.

٢٥٨

نظرةٌ في رجاله

أمّا « أنس بن مالك » فهو من كبار أعداء أمير المؤمنينعليه‌السلام . وحديث قصّة الطائر المشوي من أصدق الشواهد على ذلك، بل يدلّ على ذلك هذا الحديث نفسه - على فرض ثبوته - حيث مدح فيه الثلاثة وجماعة من أشياعهم، ولم يذكر فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وأمّا « أبو قلابة » الذي عليه مدار حديثي ابن ماجة وطريقه الثاني عند الترمذي، فهو أيضاً مقدوح ومجروح كما سيأتي.

وأمّا « خالد الحذاء » - وهو من رجال ابن ماجة في طريقيه والترمذي في الطريق الثاني - فقد طعن فيه وجرحه أعلام القوم: كشعبة بن الحجاج، وابن علّية وحمّاد بن زيد، وسليمان التيمي، وأبي حاتم، والعقيلي صاحب الضعفاء كما لا يخفى على ناظر كتب القوم، وستسمع بعض ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأمّا « عبد الوهاب بن عبد المجيد » - الثقفي الواقع في الطريق الثاني عند الترمذي، والأول عند ابن ماجة - فقد قال ابن حجر العسقلاني: « عدّه ابن مهدي فيمن كان يحدّث عن كتب الناس ولا يحفظ ذلك الحفظ » قال: « وقال الدوري عن ابن معين: اختلط بآخره. وقال عقبة بن مكرم: اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع سنين » وفيه: « وقال عمرو بن علي: اختلط حتى كان لا يعقل، وسمعته وهو مختلط يقول: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان باختلاط شديد »(١) وقال سبط ابن العجمي الحلبي: « عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت قال عقبة بن مكرم: كان قد اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع. قال أبو داود: تغيّر، وذكره العقيلي فقال: تغيّر في آخر عمره، وذكره ابن الصلاح أيضاً

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٦ / ٣٩٧.

٢٥٩

فيهم »(١) .

وأمّا « محمد بن بشار » - راويه عن « عبد الوهاب » في الطريق الثاني عند الترمذي - فسيأتي القدح فيه إنْ شاء الله تعالى.

وأمّا « سفيان الثوري » - راويه عن « خالد » عند ابن ماجة في الطريق الثاني - فسيأتي بيان القدح فيه كذلك.

وأمّا « وكيع » - راويه عن « سفيان » عند ابن ماجة في الطريق الثاني - فقد طعن فيه أحمد وابن المديني كما في ( تهذيب التهذيب )(٢) وذكره الذهبي في ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال)(٣) .

وأمّا « قتادة » - راويه عن « أنس » في الطريق الأول عند الترمذي - فله قوادح عظيمة ومثالب جسيمة، لا تخفى على من راجع ترجمته في ( تهذيب التهذيب )(٤) وغيره.

وأمّا « داود بن العطار » - راويه عن « معمر » في أول طريقي الترمذي - ففي ( ميزان الاعتدال ): « قال الحاكم: قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث. وقال الأزدي: يتكلّمون فيه»(٥) .

وأمّا « سفيان بن وكيع » - في طريق الترمذي - فمقدوح كذلك، قال الذهبي: « قال البخاري: يتكلّمون فيه لأشياء لقّنوه إيّاها، وقال أبو زرعة: يتّهم بالكذب، وقال ابن أبي حاتم: أشار أبي عليه أنْ يغيّر ورّاقه فإنّه أفسد حديثه »(١) وفي ( الكاشف ): « ضعيف »(٢) وذكره الذهبي أيضاً في ( المغني في الضعفاء ) قائلاً: « ضعّف. وقال أبو زرعة: كان يتّهم بالكذب »(٣) .

____________________

(١). الاغتباط بمن رمي بالاختلاط.

(٢). تهذيب التهذيب ١١ / ١٠٩.

(٣). ميزان الاعتدال ٤ / ٣٣٦.

(٤). تهذيب التهذيب ٨ / ٣١٥.

(٥). ميزان الاعتدال ٢ / ١٢.

٢٦٠

إنه لا يخلو عن إرسال

ثمّ إنّ هذا الحديث لا يخلو عن إرسالٍ، فلو سلم رواته عن الطعن لم يجز الحكم بصحته قال ابن حجر بشرح قول عمر « أقرؤنا أبيّ »: « كذا أخرجه موقوفاً، وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعاً في ذكر أبي وفيه ذكر جماعة وأوّله: أرحم أمتي بأمتي أبوبكر وفيه: أقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب. الحديث وصححه. لكنْ قال غيره: إن الصّواب إرساله»(٤) .

وقال السخاوي في حديث أرحم أُمتي بأُمتي أبوبكر: « والحديث أعلّ بالإرسال، وسماع أبي قلابة من أنس صحيح إلّا أنه قيل: إنه لم يسمع منه هذا. وقد ذكر الدار قطني في العلل الاختلاف فيه على أبي قلابة، ورجّح هو وغيره كالبيهقي والخطيب في المدرج أن الموصول منه ذكر أبي عبيدة، والباقي مرسل، ورجّح ابن الموافق وغيره رواية الموصول »(٥) .

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ١٧٣.

(٢). الكاشف ١ / ٣٧٩.

(٣). المغني ١ / ٢٦٩.

(٤). فتح الباري في شرح البخاري ٨ / ١٣٥.

(٥). المقاصد الحسنة: ١٢٤.

٢٦١

المرسل حديث ضعيف

ومن المعلوم أنَّ الحديث المرسل ضعيف والاحتجاج به ساقط، وقد نصَّ على ذلك ابن الصّلاح في ( علوم الحديث ) والسّيوطي في ( تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ) وكذا غيرهما، وهذه عبارة السيوطي: « ثم المرسل حديث ضعيف لا يحتجّ به عند جماهير المحدثين والشافعي، كما حكاه عنهم مسلم في صدر صحيحه، وابن عبد البر في التمهيد، وحكاه الحاكم عن ابن المسيّب ومالك وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول والنظر »(١) .

رواية العاصمي واضحة الارسال

وأمّا العاصمي نفسه فقد روى هذا الحديث بسندٍ مرسل، حيث رواه بإسناده عن أبي قلابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا وساطة أنس، فانّه لم يجرأ على دعوى سماعها منه، ومن المعلوم ان أبا قلابة تابعي لم يدرك صحبة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا نصّ روايته: « أخبرني شيخي محمد بن أحمدرحمه‌الله قال: حدثنا أبو سعيد الرازي قال: حدثنا يوسف بن عاصم الرازي البزار قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال: حدثنا حماد عن عاصم الأحول، عن أبي قلابة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أرحم أمتي بأمتي أبوبكر، وأحدّهم في دين الله عمر، وأكثرهم حياء عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبيّ بن كعب، ولكلّ أمةٍ أمين وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح ».

____________________

(١). تدريب الراوي ١ / ١٦٢.

٢٦٢

رواية قتادة مرسلا ً

بل يظهر من مراجعة ( المصابيح ) و ( المشكاة ) و ( فتح الباري ) رواية قتادة هذا الحديث مرسلاً، فلم يجرأ على دعوى سماعها من أنس كذلك، وهذه عبارة [ المصابيح للبغوي ]: « عن أنسرضي‌الله‌عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أرحم أُمتي بأُمتي أبوبكر، وأشدّهم بأُمّتي في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، ولكل أمّة أمين وأمين هذه الأُمة أبو عبيدة بن الجراح. صح. ورواه بعضهم عن قتادةرضي‌الله‌عنه مرسلاً وفيه: وأقضاهم علي ».

حصيلة البحث

إن هذا الحديث عن أنس مرسل، فضلاً عن كونه ضعيفاً سنداً، وجعلُ الترمذّي وابن ماجة - ومن حذا حذوهما - أنساً بين أبي قلابة أو قتادة وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطأ فاحش أو تدليس ظاهر.

الحديث عن ابن عمر

وقد روي هذا الحديث الموضوع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برواية عبد الله بن عمر قال الحاكم: « حدّثنا عبد الرحمن بن حمدان الجلّاب بهمدان، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرّهاوي، حدثنا الكوثر ابن حكيم أبو محمد الحلبي، عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ أرأف أُمتي بها أبوبكر، وإنّ أصلبها في أمر الله عمر، وإنّ أشدّها

٢٦٣

حياءً عثمان، وإنّ أقرأها أبيّ بن كعب، وإنّ أفرضها زيد بن ثابت، وإنّ أقضاها علي بن أبي طالب، وإنّ أعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وإنّ أصدقها لهجةً أبو ذر، وإنّ أمين هذه الأُمة أبو عبيدة بن الجراح، وإنّ حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس »(١) .

نظرة في رجاله

وهذا السند ضعيف أيضا، فأمّا « محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي » فقد صرّحوا بضعفه، ففي ( الميزان ): « قال الدار قطني: ضعيف وقال النسائي: ليس بالقوي »(٢) وأورده في ( المغني في الضّعفاء )(٣) وقال ابن حجر: « قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بشيء، هو أشدّ غفلةً من أبيه وقال البخاري أبو فروة متقارب الحديث إلا ابنه محمداً يروي عنه مناكير. وقال الآجري عن أبي داود: وأبو فروة الجزري ليس بشيء وابنه ليس بشيء. وقال النسائي ليس بالقوي قال الترمذي: لا يتابع على روايته وهو ضعيف وقال الدار قطني: ضعيف »(٤) وقال ابن حجر في ( تقريب التهذيب ): « ليس بالقوي »(٥) .

وأمّا « كوثر بن حكيم » ففي ( الضعفاء والمتروكين للبخاري ): « كوثر بن حكيم عن نافع: منكر الحديث » وفي ( الضّعفاء والمتروكين للنّسائي ): « متروك الحديث » وقال الذهبي: « قال أبو زرعة: ضعيف، وقال ابن معين، ليس بشيء، وقال أحمد بن حنبل، أحاديثه بواطيل ليس بشيء، وقال الدار قطني وغيره:

____________________

(١). المستدرك ٣ / ٥٣٥.

(٢). ميزان الاعتدال ٤ / ٦٩.

(٣). المغني في الضعفاء ٢ / ٦٤٤.

(٤). تهذيب التهذيب ٩ / ٤٦٢.

(٥). تقريب التهذيب ٢ / ٢١٩.

٢٦٤

متروك »(١) وقال الذهبي أيضاً « تركوا حديثه، له عجائب »(٢) .

طريق آخر عن ابن عمر

وقد أورد السيوطي هذا الحديث الموضوع عن مسند أبي يعلى الموصلي عن ابن عمر حيث قال: « أرأف أُمّتي بأُمتي أبوبكر، وأشدّهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ. ألا وإنَّ لكلّ أمةٍ أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح. عن ابن عمر »(٣) .

نظرة في سنده

لا حاجة لأنْ نراجع مسند أبي يعلى للوقوف على رجال هذا السند بالتفصيل، لأن الحافظ السخاوي والعلامة المنّاوي قد نصّا - كما ستسمع - على أنّه من طريق إبن البيلماني عن أبيه، وكلاهما ساقط عن درجة الاعتبار، فأمّا « محمد بن عبد الرحمن البيلماني » فقد قال البخاري: « محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه. منكر الحديث، كان الحميدي يتكلّم فيه » وقال النسائي: « منكر الحديث »(٤) وفي ( الموضوعات لابن الجوزي ) بعد حديث في فضل جدّة: « محمد بن عبد الرحمن قال يحيى: ليس بشيء. وقال ابن حبان: حدّث عن أبيه بنسخةٍ شبيهاً بمائتي

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٤١٦.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ٥٣٤.

(٣). الجامع الصغير بشرح المناوي ١ / ٤٥٩.

(٤). الضعفاء والمتروكين انظر المجموع: ٢٠٥.

٢٦٥

حديث كلّها موضوعة، لا يحل الاحتجاج به »(١) وفي ( ميزان الاعتدال ): « محمد ابن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه: ضعّفوه. وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال الدار قطني وغيره: ضعيف قال ابن عدي: كلّما يرويه ابن البيلماني البلاء منه »(٢) وقال في ( المغني في الضعفاء ): « ضعّفوه. وقال ابن حبان: روى عن أبيه نسخة موضوعة »(٣) وأورده سبط ابن العجمي في ( الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث ) وقال ابن حجر: « ضعيف، وقد اتّهمه ابن عدي وابن حبان »(٤) .

وأمّا أبوه « عبد الرحمن بن البيلماني » ففي ( ميزان الاعتدال ): « عبد الرحمن ابن البيلماني، من مشاهير التابعين، يروي عن ابن عمر، ليّنه أبو حاتم وقال الدار قطني: ضعيف لا تقوم به حجة »(٥) وذكره في ( المغني في الضعفاء )(٦) وفي ( تقريب التهذيب ): « ضعيف »(٧) .

حصيلة البحث

فظهر بطلان هذا الحديث عن ابن عمر بكلا طريقيه، ومن هنا قال الحافظ السخاوي: « وعن ابن عمر عند ابن عدي في ترجمة كوثر بن حكيم، وهو متروك. وله طريق أخرى في مسند أبي يعلى من طريق ابن البيلماني عن أبيه عنه »(٨) فإنّ في

____________________

(١). الموضوعات ٢ / ٥١.

(٢). ميزان الاعتدال ٣ / ٦١٧.

(٣). المغني في الضعفاء ٢ / ٦٠٣.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ١٨٢.

(٥). ميزان الاعتدال ٢ / ٥٥١.

(٦). المغني ٢ / ٣٧٧.

(٧). تقريب التهذيب ١ / ٤٧٤.

(٨). المقاصد الحسنة ١٢٤.

٢٦٦

هذا الكلام فوائد:

١ - إن حديث: ارحم أمتي بأمتي عن ابن عمر مذكور في كتاب الكامل لابن عدي، وذلك مما يدلّ على وهنه، لأنّ كتاب الكامل لابن عدي موضوعه الضّعفاء والمجروحون وأحاديثهم.

٢ - إن ابن عدي أورد هذا الحديث في ترجمة كوثر بن حكيم، ومنه يظهر أنّه يتّهم كوثر بن حكيم بوضع هذا الحديث.

٣ - إن راويه كوثر بن حكيم متروك عند الحافظ السخاوي.

٤ - إن طريقه الآخر هو من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر.

٥ - إن ضعف ابن البيلماني وأبيه ثابت مشهور إلى حدَّ أعرض السخاوي عن بيانه، واكتفى بالقول بأنه من طريق ابن البيلماني عن أبيه.

الحديث عن جابر

وأخرج الطبراني هذا الحديث الموضوع عن جابر حيث قال: « ثنا علي بن جعفر الملحي الاصبهاني، ثنا محمد بن الوليد العباسي، ثنا عثمان بن زفر، ثنا مندل بن علي، عن ابن جريح، عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاريرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم أُمتي بأُمتي أبوبكر، وأرفق أمّتي لأمّتي عمر بن الخطاب، وأصدق أمتي حياء عثمان، وأقضى أمتي علي بن أبي طالب، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل يجيء يوم القيامة أمام العلماء برتوة، وأقرأ أمتي أبي بن كعب، وأفرضها زيد بن ثابت. وقد أوتي عويمر عبادة يعني أبا الدرداء رضي الله عنهم أجمعين. لم يروه عن ابن جريح إلّا مندل »(١) .

____________________

(١). المعجم الصغير ١ / ٢٠١.

٢٦٧

نظرة في رجاله

وهذا الحديث أيضاً مطروح، لأن في طريقه « مندل بن علي » - وقد تفرّد به عن ابن جريح كما نص عليه الطبراني نفسه - قال النسائي ( كتاب الضعفاء والمتروكين ): « مندل بن علي ضعيف » وقال الذهبي: « قال أبو حاتم: شيخ. وقال أبو زرعة: ليّن. وقال أحمد: ضعيف »(١) وفي ( الضعفاء للذهبي ): « فيه لين، ضعّفه أحمد والدار قطني »(٢) وقال ابن حجر: « قال الجوزجاني: ذاهب الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. وقال الساجي: ليس بثقة، روى مناكير. وقال ابن معين: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدّث عنه. وقال ابن قانع والدار قطني: ضعيف. وقال ابن حبان: كان ممن يرفع المراسيل والموقوفات من سوء حفظه فاستحق الترك. وقال الطحاوي: ليس من أهل الثبت في الرواية بشيء ولا يحتجّ به »(٣) وفي ( تقريب التهذيب ): « ضعيف »(٤) وقال صفي الدين الخزرجي: « ضعّفه أحمد وغيره »(٥) .

و « ابن جريج » قال ابن حجر العسقلاني « قال الجرمي عن مالك: كان ابن جريح حاطب ليل » قال: « وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ليس بشيء في الزهري » قال: « وقال جعفر بن عبد الواحد عن يحيى بن سعيد: كان ابن جريح صدوقاً فإذا قال حدثني فهو سماع، وإذا قال أخبرني فهو قراءة، وإذا قال: قال فهو شبه الريح »(٦) . قلت: وأنت ترى في سند الطبراني أنّه لم يقل: « قال » أيضا.

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٤ / ١٨٠.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ٦٧٦.

(٣). تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٦٤.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ٢٧٤.

(٥). خلاصة تذهيب الكمال: ٣٨٧.

(٦). تهذيب التهذيب ٦ / ٣٥٧.

٢٦٨

وقال الدارقطني بأنّه قبيح التّدليس، ففي ( تهذيب التهذيب ): « وقال الدار قطني يتجنّب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلّس إلّا ممّا سمعه من مجروح » وفيه عن ابن حبان: « وكان يدلّس » وفيه: « وقال أبوبكر: ورأيت في كتاب علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريح عن عطاء الخراساني فقال: ضعيف. قلت ليحيى: انه يقول: أخبرني. قال: لا شيء، إنه ضعيف، إنما هو كتاب وقفه عليه »(١) .قلت : وسيأتي ذكر بعض المطاعن التي تترتّب على ارتكاب التّدليس، ولقد بلغت جرأة ابن جريح على التّدليس حدّا كان يرتكب الكذب فيه بصراحةٍ ووضوح ففي ( تهذيب التهذيب ): « قال ابن سعد: ولد سنة ٨٥ عام الجحاف. أنا محمد بن عمر - يعني الواقدي - قال ثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد قال: شهدت ابن جريح جاء إلى هشام بن عروة فقال: يا أبا المنذر الصحيفة التي أعطيتها فلانا أهي من حديثك؟ قال: نعم. قال محمد بن عمر: فسمعت ابن جريج بعد ذلك يقول: حدثنا هشام الأحصى »(٢) .

الحديث عن أبي سعيد الخدري

وروى ابن عبد البر هذا الحديث الموضوع عن أبي سعيد الخدري حيث قال: « وقد أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدثنا سلام، عن زيد العمي عن أبي الصّديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم أمتي بها أبوبكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٦ / ٣٥٩.

(٢). تهذيب التهذيب ٦ / ٣٥٩.

٢٦٩

الجراح، وأبو هريرة ووعاء للعلم - أو قال ووعاء العلم - وعند سلمان علم لا يدرك، وما أظلّت الخضراء ولا أقلَّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر »(١) .

نظرة في رجاله

وفي سنده « زيد العمّي » قال النسائي ( كتاب الضعفاء والمتروكين ): « زيد العمى ضعيف »(٢) وفي ( ميزان الاعتدال ): « قال ابن معين: صالح، وقال مرةً: لا شيء. وقال مرةً: ضعيف يكتب حديثه. وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه. وقال الدار قطني: صالح. وضعّفه النسائي. وقال ابن عدي: لعلّ شعبة لم يرو عن أضعف منه. وقال السعدي: متماسك »(٣) وقال في ( الكاشف ): « فيه ضعف »(٤) وقال ابن حجر: « ضعيف »(٥) .

وفي هذا السند « سلام » وهو « سلام بن سليم الطويل » قال النسائي « متروك الحديث »(٦) وفي ( الموضوعات لابن الجوزي ) في حديث في فضل المؤذّنين: « وفيه سلام الطويل قال يحيى: ليس بشيء لا يكتب حديثه. وقال البخاري: تركوه. وقال النسائي والدار قطني: متروك وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المعتمّد لها »(٧) وقد أورد الذهبي هذا الحديث بعد كلمات القدح فيه في ( ميزان الاعتدال ) وذكره في ( المغني في الضعفاء )(٨) وقال ابن حجر: « قال

____________________

(١). الاستيعاب ١ / ١٧.

(٢). الضعفاء والمتروكين: ١٠٦.

(٣). ميزان الاعتدال ٢ / ١٠٢.

(٤). الكاشف ١ / ٣٣٧.

(٥). تقريب التهذيب ١ / ٢٧٤.

(٦). الضعفاء والمتروكين. المجموع: ١١٣.

(٧). الموضوعات ٢ / ٨٨.

(٨). ميزان الاعتدال ٢ / ١٧٦، المغني في الضعفاء ١ / ٢٧٠.

٢٧٠

أحمد: روى أحاديث منكرة. وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: له أحاديث منكرة. وقال الدوري وغيره عن ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن المديني: ضعيف. وقال ابن عمار: ليس بحجة. وقال الجوزجاني: ليس بثقة. وقال البخاري: تركوه. وقال مرةً: يتكلّمون فيه. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، تركوه. وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال النسائي: متروك وقال مرة: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. قال ابن خراش: كذّاب، وقال مرةً: متروك. وقال أبو القاسم البغوي: ضعيف الحديث جدّاً. وروى ابن عدي أحاديث وقال: لا يتابع على شيء منها وقال ابن حبان: روى عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمّد لها وقال العجلي: ضعيف. وقال الساجي: عنده مناكير. وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة. وقال أبو نعيم في الحلية في ترجمة الشعبي: سلام بن سليم الخراساني متروك باتفاق »(١) .

ومن هنا ترى الحافظ السخاوي يقول في هذا الحديث بهذا الطريق: « وعن أبي سعيد عن قاسم بن أصبغ، عن ابن أبي خيثمة. وعنه العقيلي في الضعفاء عن علي بن عبد العزيز كلاهما عن أحمد بن يونس عن سلام عن زيد العمي عن أبي الصديق عنه. وزيد وسلام ضعيفان »(٢) .

وقال محمد بن معتمد خان في ( تحفة المحبين ) في فصل الأحاديث الضّعيفة: « أرحم أمتي بها أبوبكر أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب عن أبي سعيد الخدري. وفي سنده سلام وهو الطويل متروك عن زيد العمي ضعيف »(٣) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٤ / ٢٤٧.

(٢). المقاصد الحسنة: ١٢٤.

(٣). تحفة المحبين - مخطوط.

٢٧١

الحديث عن أبي محجن الثقفي

وأخرجه ابن عبد البر عن أبي محجن الثقفي حيث قال: « وقد وصف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوه أصحابه وخلالهم ليقتدى به فيهم بمثل ذلك، فيما رواه شيخنا عيسى بن سعيد بن سعدة المقري قال: حدّثنا أبوبكر أحمد بن إبراهيم ابن شاذان قال: حدّثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، وأنبأنا به أبو عثمان سعيد بن عثمان قال: حدّثنا أحمد بن دحيم قال: حدّثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدّثنا محمد بن عبيد بن ثعلبة العامري بالكوفة قال: حدّثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحماني قال: حدّثنا أبو سعد الأعور. يعني البقال وكان مولى لحذيفة - قال حدثنا شيخ من الصحابة يقال له أبو محجن أو محجن بن فلان قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أرأف أمتي بأمتي أبوبكر، وأقواها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأقضاها علي بن أبي طالب، وأقرأها أبي بن كعب، وأفرضها زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح »(١) .

نظرة في سنده

وفي سنده « سعيد البقّال » قال النسائي: « ضعيف »(٢) وقال الذهبي: « تركه الفلّاس. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة: صدوق مدلس.

____________________

(١). الاستيعاب ١ / ١٦.

(٢). الضعفاء والمتروكين. أنظر: المجموع: ١٧٠.

٢٧٢

وقال ح: منكر الحديث »(١) وذكره في ( المغني في الضعفاء )(٢) وقال « ابن حجر: ضعيف مرسل »(٣) وقال صفي الدين الخزرجي: « قال الذهبي مات سنة بضع وأربعين ومائة وما علمت أحداً وثّقه »(٤) وقد نصّ ابن حجر في الاصابة بترجمة أبي محجن على ضعف الرجل وأنه لم يدرك أبا محجن(٥) .

وأما « أبو محجن الثقفي » فكان فاسقاً فاجرا منهمكاً في الشّراب لا يكاد يقلع عنه ولا يردعه حد ولا لوم، جلده عمر بن الخطاب في الخمر مراراً - وقد كان عمر يحاول ان لا يجري الحدّ في شاربي الخمر من أصحابه لأنه كان منهم - لأنهماكه وتجريه وفعله ذلك علانية وجهاراً، ونفاه إلى جزيرة في البحر، وقد حضر القادسية وهو سكران من الخمر، فأمر به سعد بن أبي وقاص إلى القيد فهذا طرف من قبائح هذا الرجل وفضائحه ومن شاء التفاصيل فليرجع إلى ترجمته في ( الاستيعاب ) و ( أسد الغابة ) و ( الاصابة ) وغيرها من مصادر تراجم الصحابة.

الحديث عن شدّاد بن أوس في الموضوعات

وقد أخرج أبو جعفر العقيلي هذا الحديث الموضوع عن شداد بن أوس في ( كتاب الضعفاء ) وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) وضعفه، وأورده ابن الجوزي في ( الموضوعات ) وفي سنده مجروحون، واتّهم منهم بشير بن زاذان فإمّا وضعه وإمّا دلّسه عن بعض الضعفاء قال محمد بن معتمد خان البدخشاني في ( تحفة

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ١٥٨.

(٢). المغني في الضعفاء ١ / ٢٦٦.

(٣). تقريب التهذيب ١ / ٣٠٥.

(٤). خلاصة تذهيب الكمال: ١٤٢.

(٥). الاصابة ٤ / ١٧٤.

٢٧٣

المحبين ) في الفصل الذي عقده للأحاديث الضعيفة: « أبوبكر أرأف أمتي وأرحمها، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأعدلها، وعثمان بن عفان أحيا أمتي وأكرمها، وعلي بن أبي طالب ألبّ أمتي وأشجعها. عق عس وضعّفه عن شداد ابن أوس. وفي سنده مجروحون واتّهم منهم بشير فإمّا وضعه وإمّا دلّس عن بعض الضعفاء. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات »(١) .

وهذه عبارة ابن الجوزي في ( الموضوعات ):

« حديث في ذكر جماعة من الصحابة: أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أنبأنا محمد بن المظفر قال: أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي قال: أخبرنا يوسف بن الدخيل قال: ثنا أبو جعفر العقيلي قال: ثنا بشر بن موسى قال: ثنا عبد الرحيم بن واقد الواقدي قال: ثنا بشير بن زاذان، عن عمر بن صبيح عن كن عن شدّاد بن أوس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أبوبكر أوزن أمتي وأرجحها، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأكملها، وعثمان أحيا أمتي وأعدلها، وعلي بن أبي طالب ولي أمتي وأوسمها، وعبد الله بن مسعود أمين أمتي وأوصلها، وأبو ذر أزهد أُمتي وأرأفها، وأبو الدرداء أعدل أمتي وأرحمها، ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها.

طريق آخر - أخبرنا علي بن عبيد الله قال: أنبأ علي بن أحمد البندار قال: أنبأنا أبو عبد الله ابن بطة قال: حدّثني أبو صالح محمد بن أحمد قال: ثنا خلف ابن عمرو العكبري قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم قال: ثنا يزيد الحلال صاحب ابن أبي الشوارب قال: حدّثنا أحمد بن القاسم بن بهرام قال: ثنا محمد بن بشير عن بشير بن زاذان عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبوبكر خير أُمتي وأتقاها، وعمر أعزّها وأعدلها، وعثمان أكرمها وأحياها، وعلي ألبّها وأوسمها، وابن مسعود آمنها وأعدلها، وأبو ذر أزهدها وأصدقها، وأبو

____________________

(١). تحفة المحبّين - مخطوط.

٢٧٤

الدرداء أعبدها، ومعاوية أحلمها وأجودها.

قال المصنف: هذا حديث موضوع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي الطريقين جماعة مجروحون، والمتهم به عندي بشير بن زاذان، إما أنْ يكون من فعله أو من تدليسه عن الضعفاء وقد خلط في إسناده. قال ابن عدي: هو ضعيف يحدّث عن الضّعفاء »(١) .

و « بشير بن زاذان » ضعّفه الذهبي أيضاً، إذ ذكره في ( المغني في الضعفاء ) وقال: « ضعّفه الدار قطني وغيره »(٢) .

الحديث عن ابن عباس لا سند له

وروى الملّا في سيرته هذا الافك الشنيع والكذب الفظيع عن ابن عباس: قال المحبّ الطبري في: « الفصل الرابع في وصف كلّ واحدٍ من العشرة بصفةٍ حميدة - عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم أُمتي بأُمتي أبوبكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأشدّهم حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، ولكل نبي حواري وحواريَّ طلحة والزبير، وحيثما كان سعد ابن أبي وقاص كان الحق معه، وسعد بن زيد من أحباء الرحمن، وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن، وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وأمين رسوله، ولكل نبي صاحب وصاحب سرّي معاوية بن أبي سفيان، فمن أحبّهم فقد نجا ومن أبغضهم فقد هلك. خرجه الملّا في سيرته »(٣) .

وهذا الحديث باطل قطعاً، إذْ لا سند له أبداً، وركاكة ألفاظه وسخافة

____________________

(١). الموضوعات ٢ / ٢٩.

(٢). المغني في الضعفاء ١ / ١٠٨.

(٣). الرياض النضرة ١ / ٣٦.

٢٧٥

معانيه تشهد بوضعه، وممّا ينادى بذلك اشتماله على فضيلةٍ لمعاوية بن أبي سفيان، وقد نصَّ كبار الأئمة كالبخاري، والنسائي، والحاكم، وابن الجوزي، وابن تيمية، وابن حجر، وغيرهم، على أنّه لم يثبت حديث في فضل معاوية بن أبي سفيان كما ستطلع عليه في ما بعد إنْ شاء الله تعالى.

حصيلة البحث

وقد علم من هذا البحث بوضوحٍ: أن حديث « أرحم أمتي بأمتي ». حديث موضوع ومفتعل بجميع طرقه وألفاظه، على ضوء كلمات كبار أئمة الجرح والتعديل، ومشاهير حفاظ الحديث والأخبار.

آراء المحققين الآخرين

وقد نصَّ جماعة من مشاهير محقّقي أهل السّنة في الحديث والرجال على وضع هذا الحديث أو بطلانه أو ضعفه ولا بأس بذكر بعض كلماتهم في هذا المقام:

قال المناوي بشرح هذا الحديث: « ع من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر بن الخطاب. وابن البيلماني حاله معروف. لكن في الباب أيضاً عن أنس وجابر وغيرهما عند الترمذي، وابن ماجة، والحاكم وغيرهم. لكن قالوا في روايتهم بدل أرأف: ارحم. وقالت: حسن صحيح. وقال ك‍: على شرطهما.

وتعقّبهم ابن عبد الهادي في تذكرته بأن في متنه نكارة، وبأن شيخه ضعّفه، بل رجح وضعه»(١) .

____________________

(١). فيض القدير ١ / ٤٦٠.

٢٧٦

ترجمة ابن عبد الهادي

وابن عبد الهادي - الذي تعقّب القوم في تذكرته بأنّ في الحديث نكارة وبأنّ شيخه ابن تيميّة ضعّفه بل رجح وضعه - من محققي حفّاظ أهل السّنة المشاهير، قال الحافظ الذهبي في ذكر مشايخه:

« وسمعت من الامام الأوحد الحافظ، ذي الفنون، شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي. ولد سنة خمس أو ست وسبعمائة، وسمع من القاضي ولي الدين عبد الدائم والمطعم، واعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع، وتصدى للافادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصول والنحو، وله توسّع في العلوم وذهن سيّال. توفي في شهر جمادى الأولى سنة ٧٤٤ »(١) .

وقال ابن رجب بترجمته: « المقرئ الفقيه المحدّث الحافظ الناقد النحوي المتفنّن عني بالحديث وفنونه ومعرفة الرجال والعلل وبرع في ذلك، وتفقّه في المذهب وأفتى وقرأ الأصلين والعربية وبرع فيها، ولازم الشيخ تقي الدين ابن تيميّة مدة وكتب بخطه المتقن الكثير، وصنف كتبا كثيرة »(٢) .

وقال الحافظ ابن حجر: « مهر في الحديث والفقه والأصول والعربية وغيرها. قال الصفدي: لو عاش لكان آية وقال الذهبي في معجمه المختص: الفقيه البارع المقرئ المجوّد المحدّث الحافظ النحوي الحاذق ذو الفنون، كتب عني واستفدت منه. وقال ابن كثير: كان حافظاً علّامة ناقداً، حصّل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار، وبرع في الفنون، وكان جبلاً في العلل والطرق والرجال، حسن الفهم جداً صحيح الذهن »(٣) .

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٥٠٨.

(٢). طبقات ابن رجب ٢ / ٤٣٦.

(٣). الدرر الكامنة ٣ / ٤٢١.

٢٧٧

٤ - بطلان دعوى ان أبابكر اوّل باب لأنه باب في الرحمة

وقول العاصمي: « ثم يكون أبوبكر الصديق رضوان الله عليه باباً منها، وهو أول بابٍ وأفضل بابٍ، حيث جعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّلهم في الحديث الذي ذكر فيه أصحابه، وخصّ كلّ واحدٍ منهم بخاصّية، فكان رضوان الله عليه باباً في الرحمة والرأفة بالمسلمين والشفقة عليهم، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم أمتي أبوبكر و في روايةٍ أخرى: أرأف أمتي بأمتي أبوبكر. ولا يكون الرحمة بالمسلمين إلّا من أصل العلم ».

واضح البطلان، لأنّ شواهد جهل أبي بكر متظافرة جدّا، ومن كان جاهلاً بمعنى « الأب » و « الكلالة » و « إرث العمّة والخالة » كيف يجوز أنْ يكون باباً لمدينة العلم؟! وكيف يكون أوّل باب وأفضل باب؟! وقد عرفت أن الحديث المذكور موضوع، فبطل الاستدلال به.

نوادر الأثر في شدة أبي بكر

على أن هناك في كتب أهل السّنة، أحاديث وآثاراً تحكي شدّة أبي بكر على المسلمين، وهذا من وجوه بطلان قوله: « فكان باباً في الرحمة والرأفة بالمسلمين والشفقة عليهم » ومن تلك القضايا ما يلي:

(١) ما أخرجه البخاري في كتاب الأدب قائلاً: « باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف - حدّثنا عيّاش بن الوليد، حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا سعيد الجريري، عن أبي عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي بكر: إن أبابكر تضيّف رهطاً فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك فإني منطلق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فافرغ من قراهم قبل أن أجىء. فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده

٢٧٨

فقال: إطعموا. فقالوا: اين ربّ منزلنا؟ قال: أطعموا. قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا. قال: إقبلوا عنا قراكم فإنه إنّ جاء ولم تطعموا لنلقينَّ منه، فأبوا. فعرفت انه يجد عليَّ، فلما جاء تنحيّت عنه. فقال: ما صنعتم؟ فأخبروه. فقال: يا عبد الرحمن، فسكتّ. ثم قال: يا عبد الرحمن. فسكتُّ. فقال: يا غنثر أقسمت عليك إنْ كنت تسمع صوتي لمـّا جئت. فخرجت فقلت: سل أضيافك. فقالوا: صدق، أتانا به. قال: فإنما انتظرتموني، والله لا أطعمه الليلة. فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى تطعمه. قال: لم ار في الشر كاللّيلة! ويلكم ما أنتم! لما لا تقبلون عنا قراكم. هات طعامك. فجاء به، فوضع يده فقال: بسم الله الأولى للشيطان. فأكل وأكلوا »(١) .

وأخرجه مسلم في باب إكرام الضّيف وفضل إيثاره: « حدثنا محمد بن مثنى قال: نا سالم بن نوح العطار عن الجريري عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: نزل علينا أضياف لنا. قال وكان أبي يتحدّث إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الليل فانطلق وقال: يا عبد الرحمن افرغ من أضيافك. قال: فلما أمسيت جئنا بقراهم قال: فأبوا فقالوا: حتى يجيء أبو منزلنا فيطعم معنا. قال فقلت لهم: إنه رجل حديد وإنكم إنْ لم تفعلوا خفت أنْ يصيبني منه أذى. قال: فأبوا. فلما جاء لم يبدأ بشيء أول منهم فقال: أفرغتم من أضيافكم. قال: قالوا: لا والله ما فرغنا. قال: الم آمر عبد الرحمن؟ قال: وتنحّيت عنه. فقال: يا عبد الرحمن! قال: فتنحيّت عنه. قال فقال: يا غنثر أقسمت عليك إنْ كنت تسمع صوتي إلّا جئت. قال: فجئت. قال فقلت: والله ما لي ذنب، هؤلاء أضيافك فسلهم، قد أتيتهم بقراهم فأبوا أنْ يطعموا حتى تجيء قال فقال: ما لكم ألّا تقبلوا عنا قراكم؟ قال فقال أبوبكر: فو الله لا أطعمه الليلة. قال فقالوا والله لا نطعمه حتى تطعمه. قال فقال: ما رأيت في الشر كالليلة قط، ويلكم مالكم ألّا تقبلوا

____________________

(١). صحيح البخاري ٤ / ٣٦٤.

٢٧٩

عنا قراكم! قال: ثم قال: أما الأولى فمن الشيطان هلمّوا قراكم. قال: فجيء بالطعام فسمّى فأكل وأكلوا. قال: فلما أصبح غدا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله برّوا وحنثت. قال فأخبره. فقال: بل أنت أبرّهم وأخيرهم. قال: ولم تبلغني كفارة »(١) .

أقول: وهذا الحديث يدل على الشدّة والغضب من جهات:

فالأولى: قول عبد الرحمن: « إنه رجل حديد، وإنكم إنْ لم تفعلوا خفت أنْ يصيبني منه أذى» فهذا يشهد بأنَّ ما رووه من أنه أرحم الامّة بالأمّة كذب مختلق.

والثّانية: تنحّي عبد الرحمن عنه.

والثّالثة: نداؤه عبد الرحمن: « يا غنثر » وهو شتم أي: يا لئيم أو نحو ذلك من المعاني القبيحة. وقد اخرج البخاري في باب قول الضيف « لا آكل حتى تأكل » القصّة وفيها: « فغضب أبوبكر فسبَّ وجدع » قال القسطلاني في شرحه: « فسبّ أي شتم لظنّه أنّهم فرّطوا في حق ضيفه، وجدّع بالجيم المفتوحة والدال المهملة المشددة وبعدها عين مهملة: دعا بقطع الأنف أو الاذن أو الشفة » فهذا يدلّ على شدة غضبه وبذاءة لسانه وسوء خلقه، حيث جعل يدعو عليهم بذلك من غير استعلام منهم هل فرّطوا في حق ضيفه أولا!! بل المستفاد من البخاري أنه فعل ذلك بعد أن سأل أهله: « ما صنعتم؟ فأخبروه » وحينئذٍ يكون سبّه إيّاهم أشنع وأفظع.

والرّابعة: قوله للأضياف: « فو الله لا أطعمه الليلة » صنيع قبيح منه تجاه إبائهم عن الأكل حتى يجيء، يكشف عن غضبه معهم وعدم إكرامه لهم، من دون أنْ يكون منهم شيء يستحقّون ذلك به!! بل يجب إكرام الضيف عقلاً وعرفاً وشرعاً على كلّ حالٍ، وهذا أمر يعرفه ويفعله حتى أجلاف العرب

____________________

(١). صحيح مسلم ٦ / ١٣١.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362