نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١١

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 362

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 362 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 294290 / تحميل: 6128
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

أي مؤقّتة ـ بل والمطلّقة الرجعيّة وإن كان التغسيل بعد انقضاء العدّة ، بل وإن كانت قد تزوّجت بغيره.

3 ـ المحرم يجوز أن يغسّل محرمه غير المماثل مع فقد المماثل على الأحوط وجوباً ، ويقصد بالمحرم : من يحرم نكاحه مؤبّداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة دون المحرم بغيرها كالزنا واللواط واللعان.

ولا يجوز النظر إلى عورة الميت ولا مسّها ، ولو فعل ذلك فلا يؤثّر على صحة الغسل.

2 ـ إذا ماتت المرأة وعليها غسل جنابة أو حيض لا يجب تغسيلها إلاّ غسل الميت ، ولو كانت حاملاً يكره أن يُمسح على بطنها كما يمسح على بطن غيرها.

3 ـ يخرج كفن الزوجة من مال زوجها ، بشرط أن لا يقترن موتها بموته ، وكذلك جميع مؤن التجهيز كالسدر والكافور والماء وغير ذلك.

4 ـ يستحب أن تُقنّع المرأة بمقنعة في كفنها ، وتلف ثدياها بلفافة ، وكذلك خرقة يعصّب بها وسطها.

5 ـ إذا اجتمعت جنائز متعدّدة فيجوز الصلاة عليها بصلاة واحدة ، ولو كان في الجنائز رجال ونساء يُجعل الرجل أقرب إلى المصلّي ويجعل صدر المرأة محاذياً لوسط الرجل.

6 ـ لا فرق في وجوب تغسيل المسلم بين الصغير والكبير حتى السقط إذا تمّ له أربعة أشهر ، بل وإن لم تتمّ له إذا كان مستوي الخلقة على الأحوط وجوباً. ولا تجب الصلاة عليه ، ويجب تكفينه ودفنه على المتعارف. وإذا كان للسقط أقلّ من أربعة أشهر ولم يكن مستوى الخلقة فلا يجب غسله ، بل يُلف في خرقة على

٢١

الأحوط وجوباً ويدفن.

7 ـ يكره حضور الحائض عند المحتضر ، كما ويكره أن يمسّ الميت حال النزع فإنّه يوجب أذاه.

8 ـ إذا كان وليّ الميت امرأة جاز لها أن تصلّي عليه مباشرة ، أو أن تأذن لغيرها بالصلاة سواء كان رجلاً أم امرأة.

9 ـ يجوز للمرأة أن تكون إماماً في صلاة الأموات ، بأن تؤمّ النساء إذا لم يكن أحد أولى وأفضل منها موجوداً ، ولكنّ الأحوط وجوباً أن لا تتقدّم على النساء كما في ـ الإمام ـ الرجل بل تقف في وسطهن.

10 ـ تُدفن الحامل الكافرة ـ إذا كان حملها الميت بعد ولوج الروح فيه من مسلم ـ في مقبرة المسلمين على الجانب الأيسر مستدبرة للقبلة على وجه يكون الولد في بطنها مستقبلاً ، أي للقبلة.

11 ـ يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سنّاً أو ظفراً على الأحوط وجوباً.

12 ـ يستحب تغطية قبر المرأة بثوب عند إدخال المرأة فيه.

13 ـ لو مات الجنين دون أُمه ، فإن أمكن إخراجه صحيحاً وجب أن يُخرج صحيحاً ، وإن لم يمكن وخيف عليها من بقائه وجب التوصّل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق ولو بتقطيعه وإخراجه ، وإن أمكن تقطيعه قليلاً فلا بدّ أن يخرج بتقطيعه قليلاً ويراعى الإرفاق فيه. ويجب أن يكون المباشر النساء ، ويجوز لها اختيار الأرفق بحالها وإن كان هو الأجنبي.

ولكن إذا ماتت الأُمّ دون الجنين وجب إخراجه ولو بشقّ بطنها ، فيشقّ جنبها الأيسر إذا كان شقّه أوثق ببقاء الطفل وأرفق بحاله ، ومع التساوي فهو مخيّر بين شقّ

٢٢

بطنها وعدمه ، ثمّ تخاط بطنها وتدفن.

14 ـ يجب الغسل على من مسّ الميت ولو من غير رطوبة ، حتى مسّ الظفر منه والشعر بعد برده وقبل إتمام غسله سواء كان الميت مسلماً او كافراً ، بل حتى المسلم الذي لا يجب تغسيله كالشهيد ـ على الأحوط وجوباً ـ ولا فرق بين الكبير والصغير حتى السقط إذا ولجته الروح ، لكن لو غسّله الكافر لعدم وجود المسلم ، أو غسّل بالماء الخالي لعدم وجود السدر والكافور ، فلا يجب الغسل حين مسّه.

الأغسال المستحبة

1 ـ ذكر الفقهاء قدّس الله أسرارهم كثيراً من الأغسال المستحبة ، والثابت منها ستّة وعشرون مورداً مذكورة في الرسالة العمليّة ، وهي تجزئ عن الوضوء ، فلو كانت المرأة حائضاً واغتسلت غسلاً مستحباً بعد نقائها من الدم فإنّه يجزئ عن غسل الحيض ويصح منها قبل النقاء ولكن لا يجزئ عن غسل الحيض.

التيمّم

1 ـ إذا عجزت المرأة عن الغسل في موارد وجوبه فلها أن تتيمّم ، ولكن لا بدّ في الاستحاضة المتوسطة من الوضوء بعد الغسل ، فإن عجزت عن الوضوء تيمّمت عنهما معاً ، فتجتزئ بتيمّم واحد عن الغسل والوضوء.

الطهارة من الخبث

لا بدّ من التزام أفراد الاُسرة ـ وخصوصاً الأطفال ـ فيما يتعلّق بالنجاسات العشرة ، وهي :

٢٣

(1 و 2) البول والغائط من الإنسان ومن كلّ حيوان له نفس سائلة ـ وهو ما يسيل دمه عند ذبحه ـ ومحرّم الأكل بالأصل أو بالعارض ، أي سواء محرّم الأكل بطبيعته ـ كالخنزير ، أو صار محرّماً بسبب خارجي كالجلاّل ـ وهو الذي يأكل العذرة ـ أو موطوء الإنسان من البهائم.

والأحوط وجوباً الاجتناب عن بول ما لا نفس سائلة له ، إذا عدّ ممّا يؤكل عرفاً ، ويستثنى من الحيوان المحرّم أكله الطائر فإن بوله وخرءه طاهران.

(3) المنيّ من الرجل ومن ذكر كلّ حيوان له نفس سائلة وإن كان أكله حلالاً على الأحوط لزوماً ، وفي حكم منيّ الرجل ما يخرج من المرأة عند ثوران الشهوة بما يوجب صدق الإنزال الموجب لجنابتها.

(4) الميتة من الإنسان والحيوان ذي النفس السائلة ، وإن كان يحلّ أكله حتى الأجزاء المقطوعة منها ، بل ومن الحي أيضاً عدا الأجزاء الصغار كالجلدة التي تنفصل من الشفة.

(5) السقط قبل ولوج الروح فيه نجس ، وأمّا الفرخ في البيض فهو طاهر.

(6) الدم من ذي النفس السائلة ، أمّا ما لا نفس سائلة له كالسمك فدمه طاهر ، وكذا المتخلّف في الذبيحة(1) والمتكوّن في صفار البيض. والدم الذي يكون علقة من بعد كونه نطفة نجس على الأحوط وجوباً.

(7 و 8) الكلب والخنزير البريّان بجميع أجزائهما وفضلاتهما ورطوبتهما ، دون البحريين فهما طاهران.

(9) الخمر ، والمراد به المتخذ من العصير العنبي ، وأمّا غيره من المسكر

__________________

(1) وهو الدم الذي يبقى في الذبيحة بعد غسلها لا الذي يخرج منها حين الذبح.

٢٤

والكحول المائعة بالأصالة ومنه الاسبرتو بجميع أنواعه فمحكوم بالطهارة.

(10) الكافر : وهو الذي ليس له دين أصلاً ، أو له دين غير الإسلام ، أو أنّه انتحل الإسلام وأنكر ما يُعلم أنّه من الدين الإسلامي بحيث يؤدّي إلى إنكار الرسالة ، ولو بعضها بأن يرجع إلى تكذيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض ما بلّغه عن الله تعالى في العقائد كالمعاد ، أو في غيرها كالأحكام الفرعيّة مثل الفرائض ومودّة ذي القربى ، وأمّا إذا لم يرجع جحده إلى ذلك بأن كان سببه بُعده عن البيئة الإسلامية ، وجهله بأحكام هذا الدين فلا يحكم بكفره.

وما يكون بحكم الكافر فهم : الغلاة والنواصب والخوارج.

1 ـ الغلاة على طوائف متعدّدة ، فمنهم من يكون تعريفه كتعريف الكافر فيكون نجساً.

وأمّا النواصب فهم الذين يُعلنون عداوتهم لأهل البيتعليهم‌السلام .

وأمّا الخوارج فمنهم من يُعلن عداءه لأهل البيتعليهم‌السلام فيكون داخلاً في قسم النواصب ، ومنهم من لا يكون كذلك ولكنّه يتبع فقه الخوارج فلا يحكم بنجاسته.

ولكن الحكم بالنجاسة يختصّ بغير الكافر الكتابي والمرتد ، وأمّا الكتابي فالمشهور بين الفقهاء ـ رضي الله عنهم ـ نجاسته ولكن لا يبعد الحكم بطهارته ، وأمّا المرتد فيلحقه حكم الطائفة التي لحق بها.

2 ـ ينجّس الملاقي لأحد هذه النجاسات مع الرطوبة المسرية ، وكذا الملاقي لهذا الملاقي ، بل وكذا الملاقي لهذا المتنجّس الثاني ، وأمّا الملاقي للمتنجّس الثالث فلا يحكم بنجاسته ، وإذا شكّ في نجاسة شيء فهو طاهر ولا يجب الفحص عن حاله.

٢٥

3 ـ من الأُمور التي ترتبط بالمرأة المغتربة الغسّالات العامة التي يغسل فيها المسلم وغير المسلم ملابسه ، ولا يُعلم أنّ الغسّالة المتّصلة بالكرّ في بعض مراحل الغسل هل تطهّر الملابس أو لا ؟ فإذا كانت الملابس طاهرة قبل الغسل يمكن الصلاة فيها ، وكذلك لو حصل الاطمئنان بزوال عين النجاسة عنها ووصول الماء المطلق إلى جميع مواضعها المتنجّسة مرّتين إذا كانت متنجّسة بالبول حتّى لو كان الماء كرّاً مثل مياه أنابيب الإسالة ، وفي غير البول مرّة واحدة. ولا بدّ في تطهيرها بالقليل أن ينفصل عنها ماء الغسالة بالعصر ونحوه إلاّ إذا كان قليلاً باق فيها ، والغسّالات المتداولة تطهّر الثياب على كلّ حال(1) .

4 ـ لو غسلت المرأة الثياب بالصابون المشتمل على شحم الخنزير فتصير نجسة إذا كانت طاهرة مـن قبل ، وتبقى على نجاستهـا إن كانت نجسة فلا بدّ من تطهيرها(2) .

5 ـ لو أرادت المرأة أن تطهّر الفراش الأرضي المسمّى ب‍ ( الكاربت ) كما في الدول الغربيّة وكان قد تنجّس بالبول أو غير ذلك فيمكنها تطهيره بفتح الحنفيّة عليه حتى يستولي الماء على المكان النجس ، كما ويمكنها تطهيره بالماء القليل بصبّ الماء عليه فإذا استولى على المكان النجس جمعت الماء بقطعة قماش ونحوه ، وتجتنب قطعة القماش طبعاً إلاّ بعد تطهيرها(3) .

نعم إذا علمت أو اطمأنت بسراية البول ونحوه عن الكاربت إلى الأرض فلا بُدَّ

__________________

(1) الفقه للمغتربين : 88.

(2) الفقه للمغتربين : 89.

(3) الفقه للمغتربين : 87.

٢٦

من تطهير الأرض أيضاً.

6 ـ لو استأجر المسلم بيتاً مؤثّثاً في الغرب ولم يجد أثراً للنجاسة فيه وكان ساكنه مسيحيّاً أو يهوديّاً أو بوذيّاً منكراً لوجود الله تعالى ، فهو طاهر ، إلاّ إذا علم بالتنجّس واطمأن به ، ولو ظنّ بالتنجّس فيحكم بطهارته(1) .

7 ـ لو قدّمت المرأة الكافرة طعاماً للمسلم أو المسلمة وقد جهل المسلمُ المُعْتَقَدَ والدينَ لتلك المرأة فهو طاهر ، سواء مسّته الكافرة مع البلل أم لا ، إلاّ إذا علم باحتوائه على المحرّم فإنّه لا يجوز أكله ، وأمّا اللحوم والشحوم فلها حكم خاصّ بها.

__________________

(1) الفقه للمغتربين : 87.

٢٧

كتاب الصلاة

1 ـ إذا بلغ الصبيّ في أثناء وقت الصلاة وجبت عليه إذا أدرك مقدار ركعة أو أزيد ، ولو صلّى قبل البلوغ ثمّ بلغ في الوقت في أثناء الصلاة أو بعدها فالأقوى أنّها تكفي ، ولا تجب عليه الإعادة وإن كان الأحوط استحباباً إعادتها في كلتي الحالتين.

2 ـ عورة المرأة في الصلاة جميع بدنها حتى الرأس والشعر ، عدا الوجه بالمقدار الذي يستره الخمار عادةً حينما يضرب على الجيب(1) ، وإن كان الأحوط(2) لها ستر ما عدا المقدار الذي يُغسل في الوضوء ، وعدا الكفّين إلى الزندين والقدمين إلى الساقين ظاهرهما وباطنهما.

3 ـ لا يجب على الصبيّة ستر الرأس والشعر والعنق ، ويجب عليها ستر الباقي كالبالغة.

4 ـ لو ظهر بعض أجزاء جسم المرأة أثناء الصلاة ولم تكن عالمة بذلك وجبت المبادرة إلى ستره مع عدم الاشتغال بشيء من الصلاة في حال الانكشاف على الأحوط لزوماً(3) ، وتصح الصلاة.

5 ـ إذا كان الحجاب ساتراً وحائلاً بين الجبهة وبين موضع السجود ، وكانت

__________________

(1) الجيب : القميص ، الصحاح 1 : 104 « جوب ». والمراد منه هنا إسدال الخمار على الصدر وستره به.

(2) الاحتياط هنا وجوبي ، الفقه للمغتربين : 146.

(3) الاحتياط هنا وجوبي.

٢٨

المرأة جاهلة بحكم وجوب وضع الجبهة على الأرض دون مانع ، فإن كانت تُعذر في جهلها ـ وهي ما يعبّر عنها بالجاهل القاصر(1) ـ لم تبطل صلاتها ، وإلاّ بطلت.

6 ـ يجب على الأحوط(2) على المرأة أن تخفت في الظهرين ، وتتخيّر في غيرهما مع عدم سماع الأجنبي صوتها ، وأمّا معه فالأحوط وجوباً خفوتهن فيما إذا كان الإسماع محرّماً ، كما إذا كان موجباً للريبة(3) .

7 ـ إذا كان للميّت وارث قاصر ، كالطفل وكذا المجنون والسفيه ، إذا بلغا كذلك ، لم يجز استعمال تركته كاستخدام الثوب في الصلاة ، إلاّ بمراجعة الوليّ الشرعيّ من الأب والجدّ ، ثمّ القيّم عليه ، ثمّ الحاكم الشرعيّ.

8 ـ لو كانت المرأة تصلّي وقد خرج شيء من بدنها من تحت الستر ولم ينكشف لها ذلك أثناء الصلاة فصلاتها صحيحة ، ولا يجب إعلامها بذلك.

9 ـ يجوز للولي أن يُلبس الصبيَّ الحرير أو الذهب وتصح صلاته بهما.

10 ـ الأحوط وجوباً أن لا يتزيّ كلّ من الرجل والمرأة بزيّ الآخر في اللباس ، وأمّا لبس الرجل بعض ملابس المرأة لغرض آخر ، وكذا العكس فلا بأس به ، كما أنّ الأحوط عدم الظهور بالمظهر الخاصّ بالكفّار والتزيّي بزيّهم الخاصّ ، كما ولا يجوز لبس ما يظهر الإنسان في شنعة وقباحة وفظاعة ، وفيما إذا حرم اللبس لم يضرّ بصحّة الصلاة مطلقاً وإن كان ساتراً له حالها.

__________________

(1) الجاهل القاصر : الذي لا يعلم بالحكم لا لتقصير من نفسه بل لعدم وصول الحكم إليه كمن يعيش في بلاد بعيداً عن أحكام الإسلام ولا يستطيع أن يعرفها بأيّ نحو.

(2) الاحتياط هنا وجوبي.

(3) الريبة : هي خوف الوقوع في الحرام.

٢٩

11 ـ إذا كان الميّت مشغول الذمّة بدين أو زكاة أو نحوهما من الحقوق الماليّة عدا الخمس لم يجز التصرّف في تركته بما ينافي أداء الحقّ منها ، سواء كان مستوعباً لها أم لا ، وأمّا التصرّف بمثل الصلاة في داره فالظاهر جوازه بإذن الورثة.

وإذا كان مشغول الذمّة بالخمس ، فإن كان ممّن يدفع الخمس جرى عليه ما تقدّم ، وإن كان ممّن لا يدفعه عصياناً أو اعتقاداً منه بعدم وجوبه لم يجب على وارثه المؤمن إبراء ذمّته ، وجاز له التصرّف في تركته.

12 ـ الأحوط لزوماً عدم تقدّم المرأة على الرجل ، ولا محاذاتهما في الصلاة في مكان واحد ، فيلزم تأخّرها عنه ولو بمقدار يكون مسجد جبهتها محاذياً لركبتيه حال السجود ، أو يكون بينهما حائل ، أو مسافة أكثر من عشرة أذرع بذراع اليد ( أربعة أمتار ونصف تقريباً ) والأظهر اختصاص المانعيّة والممنوعيّة بصلاة البالغين.

والحكم هذا يجري في حالة الاختيار دون حالة الاضطرار ، وإن كان طارئاً في الأثناء ، فلو شرع الرجل في الصلاة متأخّراً عن المرأة أو محاذياً لها ، فإن كانت متمكّنة في إيجاد الحائل أو الابتعاد عنه لم تصح صلاتها من دونه ، وإلاّ أتمتها ، ولا إعادة عليها ولو في سعة الوقت ، وكذا عند الزحام في المسجد الحرام بمكّة المكرمة فلا يعتبر فيها الشرط المذكور.

13 ـ تجوز الصلاة في كلّ بيت تضمّنته آية جواز الأكل الكريمة ـ وهي الآية الواحدة والستّين من سورة النور ـ بلا استئذان مع عدم العلم أو الاطمئنان بكراهة ربّ البيت لذلك ، فلو علم بذلك لم يجز.

14 ـ لا يجب على المرأة ستر القدمين في الصلاة وإن وجب سترهما عن الأجنبي.

15 ـ يجب على المرأة الستر في الصلاة عن نفسها أيضاً ، بمعنى أن تكون

٣٠

بحيث لا ترى من نفسها ما يجب ستره في الصلاة ، كالشعر والساعد وغيره.

16 ـ تصحّ صلاة النساء وهي لابسة للذهب ، كما يجوز لبسه للنساء مطلقاً ، بل ورد كراهة ترك لبس الذهب للمرأة.

17 ـ لا بدّ أن يكون الإمام بالغاً ، عاقلاً ، مؤمناً ، عادلاً ، صحيح القراءة ، طاهر المولد ـ أي أن لا يكون ابن زنا ـ ذكراً إذا كان المأموم ذكراً ، ولا بأس بائتمام المرأة بالمرأة ، وأن لا يكون ممّن جرى عليه حدّ شرعيّ على الأحوط(1) ، وأن تكون صلاته عن قيام إذا كان المأموم يصلّي عن قيام ، وتوجّهه إلى الجهة التي يتوجّه إليها المأموم ، فلا يجوز لمن يعتقد أنّ القبلة في جهة أن يأتمّ بمن يعتقد أنّها في جهة اُخرى ، نعم يجوز إذا كان الاختلاف بينهما يسيراً تصدق معه الجماعة عرفاً ، وأن تكون صلاة الإمام صحيحة عند المأموم ، فلا يجوز الائتمام بمن كانت صلاته باطلة بنظر المأموم اجتهاداً أو تقليداً.

18 ـ إذا أمّت المرأة النساء في الصلاة فلا تتقدّم عليهن بل تقف في وسطهن ، وإذا كان الإمام ذكراً وجب أن يتقدّم عليهنّ ، ولا تجب الطمأنينة عن المأموم حال قراءة الإمام.

19 ـ الأفضل للمرأة أن تختار لصلاتها مكاناً مستوراً من البيت أو غيره ، والمكان الأكثر ستراً مرجّحاً على غيره.

20 ـ تجوز الصلاة في الثياب الجلديّة المستوردة من الخارج إذا كان مشكوك التذكية ولو لاحتمال استيرادهم الجلود من البلاد الإسلامية إذا كان الاحتمال احتمالاً منطقيّاً طبعاً ، ولا بأس بنجاسة بدن المصلّي ولباسه من دم القروح والجروح قبل

__________________

(1) الاحتياط هنا وجوبي.

٣١

البرء ، ولا سيّما إذا كان التطهير أو التبديل حرجّياً نوعاً ما ، نعم يعتبر في الجرح أن يكون ممّا يعتدُ به ، وله ثبات واستقرار ، وأمّا الجروح الجزئية فيجب تطهيرها.

21 ـ يستحبّ الأذان والإقامة للمرأة كما هي كذلك للرجل ، ولكنّ التأكيد فيهما على الرجل أكثر وخصوصاً الإقامة ، ولا تأكيد عليهما بالنسبة للنساء.

22 ـ يجب الانحناء في الركوع بقصد الخضوع مقدار ما تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين ، فلا يكفي في المرأة الانحناء دون ذلك على الأحوط لزوماً.

23 ـ يستحبّ للمرأة أن تضع كفّيها على فخذيها في التشهّد ، وكذلك يستحبّ لها وضع الركبتين ثمّ اليدين على الأرض عن الهويّ والنزول إلى السجود ، وأن تفرش ذراعيها على الأرض وتلصق بطنها بها حين السجود ، وتضمّ أعضاءها ولا ترفع عجيزتها عند النهوض للقيام بل تنهض وهي معتدلة ، ويستحبّ لها ضمّ فخذيها إلى نفسها في التشهّد والتسليم ورفع ركبتيها عن الأرض.

24 ـ أفضل التعقيب هو تسبيح الزهراءعليها‌السلام عقيب كلّ صلاة فريضة أو نافلة ، وهي التكبير أربعاً وثلاثين ، والتحميد ثلاثاً وثلاثين ، والتسبيح ثلاثاً وثلاثين.

25 ـ لو سلّم شخصٌ على المرأة في الصلاة فيجب عليها ردّ السلام ، مماثلاً لما قيل لها وإن كان المسلّم صبيّاً مميّزاً أو رجلاً أجنبيّاً ، فلو قال : « سلام عليكم » قالت : سلام عليكم فلا تزيد عليه ، ولا تقدّم الظرف إذا سلّم عليها مع تقديم السّلام على الأحوط وجوباً(1) . هذا إذا وجب الردّ على المصلّي ، وأمّا إذا لم يجب كان ردّها مُبطلاً لصلاتها ، كما إذا لم يقصد المسلِّم بسلامه تحيّة المصلّي ، وإنّما قصد به أمراً آخر من استهزاء أو مزاح ونحوهما ، وكما إذا سلّم المسلّم على جماعة منهم المصلّي

__________________

(1) أي لا تقول : ( عليكم السلام ) بَل تقول : ( سلام عليكم ) كما قال المسلّم عليها.

٣٢

فردّ عليه واحد منهم ، فإنّه لو ردّ المصلّي عليه سلامه بطلت صلاته على الأحوط لزوماً.

ولا يجوز لها الابتداء بالسّلام ، ولو تركت الردّ صحّت صلاتها ولكنّها آثمة.

26 ـ إذا سافرت الزوجة بدون إذن زوجها في الحالات الطبيعية حيث لا يجوز لها أن تخرج من بيتها من دون إذنه ، وإن لم يكن منافياً لحقّ الاستمتاع ولم يكن سفرها للقيام بفعل واجب عليها ، كان سفرها سفر معصية ويجب عليها إتمام الصلاة حينئذٍ ، حتى في الإياب وإن تابت عن معصيتها وندمت.

صلاة الآيات

1 ـ تجب صلاة الآيات على كلّ مكلّف عدا الحائض والنفساء.

استحباب تمرين الصبيّ على الفرائض

1 ـ يستحبّ تمرين الصبيّ على أداء الفرائض والنوافل وقضائهما ، بل العبادات جميعاً حتى غير الصلاة منها ، ولو صلاّها الصبيّ ثم بلغ أثناء الوقت أجزأته هذه الصلاة ؛ لأنّها مشروعة.

قضاء الصلاة

1 ـ من لم يؤدّ الفريضة اليوميّة أو أتى بها فاسدة حتى ذهب وقتها يجب عليه قضاؤها خارج الوقت ، عدا ما فات الصبي والمجنون والمغمى عليه إذا لم يكن الإغماء بفعله وإلاّ فالأحوط وجوباً القضاء ، وكذا الكافر الأصلي دون المرتدّ ، وكذا

٣٣

الصلوات الفائتة من الحائض والنفساء وفاقد الطهورين يجب عليه القضاء ويسقط عنه الأداء ، ومن رجع إلى مذهبنا من سائر الفرق الإسلامية لا يجب عليه قضاء ما صلاّه صحيحاً وفق مذهبه السابق الفاسد.

2 ـ من فاتته الفريضة لعذر ولم يقضها مع التمكن منه حتى مات فالأحوط وجوباً أن يقضيها عنه ولده الأكبر ، والأحوط استحباباً إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث على الترتيب في الإرث ، وكذلك الأحوط استحباباً قضاء ما فات عن الأُم.

3 ـ لو كان الولد الأكبر حال موت وليّه صبيّاً أو مجنوناً ، لم يجب عليه القضاء إذا بلغ أو عقل.

4 ـ إن كان للميّت ذكران توأمان فإنّ قضاء أحدهما عن أبيه يسقط القضاء عن الآخر ، ويمكن أن يوزّع القضاء عليهما إذا كانت عليه أكثر من صلاة ، ولو كانت عليه صلاة واحدة فقام أحدهما بها سقطت عن الآخر ؛ لأنّ القضاء عليهما في فرض المسألة واجب كفائيّ.

5 ـ لو استُؤجر الأب للصلاة أو وجب عليه قضاء فوائت أبيه فلم يؤدّها ثمّ مات ، فلا يجب على ولده أداؤها.

6 ـ لو كان الولد الأكبر ممنوعاً عن الإرث بالقتل أو الرقّ أو الكفر فلا يجب عليه القضاء ، ولو مات الولد الأكبر بعد موت أبيه فلا يجب على إخوته الأكبر فالأكبر القضاء ، ولا يجب إخراج القضاء من تركته.

7 ـ إذا تبرّع شخص فقضى عن الميّت الصلاة سقطت عن الولي ، وكذلك تسقط عن الولي لو استأجر شخصاً وقد عمل بالإجارة وقضى عن الميت ، ولو أوصى الميت باستئجار شخص وكانت الوصية واجدة للشرائط ونافذة سقط القضاء عن

٣٤

الميت بالنسبة للولي.

8 ـ لو مات الأب وشكّ الولد الأكبر في أنّه هل فاته شيء من الصلاة أو لا لم يجب عليه القضاء ، ولو شكّ في مقدار الفائت اقتصر على الأقل ، وإذا علم بفوتها وشكّ في قضاء أبيه لها وجب عليه القضاء على الأحوط لزوماً.

9 ـ المراد من الولد الأكبر : هو الأكبر سنّاً ، لا بلوغاً ولا انعقاداً للنطفة حين تكوين الخلقة.

10 ـ لو بلغ الصبي ، أو أفاق المجنون والمغمى عليه في أثناء وقت الصلاة وجب عليه أداؤها.

11 ـ إذا حاضت المرأة أو طرأها النفاس بعد دخول الوقت وجب عليها القضاء ، أنّ كانت المدّة التي حاضت فيها تسع الإتيان بشرائط الصلاة كالطهارة.

صلاة الاستئجار

1 ـ يجوز استئجار كلاّ من الرجل والمرأة للصلاة عن الرجل والمرأة ، ولا بدّ أن يراعي النائب والأجير الجهر والإخفات ، لا أنّه يتبع من استؤجر عنه ، فيجهر الرجل في الجهريّة وإن كان نائباً عن المرأة ، والمرأة لا جهر عليها وإن نابت عن الرجل ، ويعتبر الوثوق بصدور العمل منه نيابة مع احتمال صحّته.

2 ـ لا بدّ أن يكون الأجير بالغاً ـ على الأحوط وجوباً ـ فلا يجوز استئجار الصبيّ وإن كان مميّزاً. ويجب على الأجير أن يأتي بالعمل على النحو المتعارف إذا لم يشترط في عقد الإجارة كيفيّة خاصة ، وإلاّ لزمه العمل بالشرط.

صلاة الجماعة

1 ـ أقلّ عدد تنعقد به الجماعة اثنان أحدهما الإمام ، حتى إن كان المأموم

٣٥

صبيّاً أو امرأة ، هذا في غير الجمعة والعيدين فلا تنعقدا إلاّ بخمسة من الرجال أحدهم الإمام ، ويشترط في إمام الجماعة أن يكون مولوداً شرعيّاً وعادلا بالغاً.

2 ـ إذا كان المأموم امرأة فلا بأس بالحائل بينها وبين الإمام إذا كان رجلاً ، ولا بأس بالحائل بينها وبين المأمومين من الرجال. أمّا إذا كان الإمام امرأة فلا يجوز أن يكون حائلاً بينها وبين من ائتمّ بها من النساء.

3 ـ لا بأس أن يفصل الصبيّ المميّز المأموم بين المأمومين البالغين إذا احتمل صحة صلاته.

4 ـ الأحوط استحباباً للمأموم أن يقف عن يمين الإمام محاذياً له إن كان رجلاً واحداً ، وإن كان متعدّداً فالأحوط أن يقف خلفه(1) . وإذا كان المأموم امرأة فالأحوط وجوباً أن تتأخّر عن الإمام الرجل بحيث يكون مسجد جبهتها محاذياً لموضع ركبتيه ، والأحوط استحباباً أن تتأخر عنه بحيث يكون مسجدها وراء موقفه أو يكون بينهما حائل. وإذا كان رجلاً وامرأة وقف الرجل خلف الإمام والمرأة خلف الرجل المأموم ، وإن كانوا أكثر اصطفّوا خلفه وتقدّم الرجال على النساء.

صلاة المسافر

1 ـ يجب على المسافر التقصير في الصلوات الرباعيّة ، بأن يقتصر على الركعتين الأوليين ويسلّم في الثانية ، ولا يشترط أن يكون المسافر مستقلاً في قصد المسافة ، فمن سافر يتبع غيره ـ كالزوجة ـ وجب التقصير عليها إذا علمت أن مسيرها ثمانية فراسخ ، ولو شكّت في ذلك لزمها التمام ولا يجب عليها الاستعلام وإن

__________________

(1) الاحتياط هنا وجوبي.

٣٦

تمكّنت منه.

وإذا كانت تابعة لزوجها في السفر والإقامة واعتقدت أنّ زوجها لم يقصد الإقامة في المقصد ، أو شكّت في ذلك قصّرت في صلاتها ، فإذا انكشف لها أثناء الإقامة أنّه كان قاصداً لها من أوّل الأمر بقيت على التقصير ، إلاّ إذا علمت بأنّه يقيم بعد ذلك عشرة أيام ، وكذا الحكم في عكس ذلك.

وإذا اعتقدت أنّ مسيره لا يبلغ ثمانية فراسخ أو أنّها شكّت في ذلك فأتمّت صلاتها ثمّ انكشف خلافه لم تجب عليها الإعادة ، ويجب عليها التقصير إذا كان الباقي بنفسه مسافة ، وإلاّ ألزمها الإتمام. نعم إذا كانت قاصدة محلاً خاصّاً معتقدة أنّه لا يبلغ المسافة ثمّ انكشف الخلاف ، أو أنّها شكّت في ذلك فأتمّت صلاتها ثمّ انكشف أنّه كان مسافة أعادتها قصراً فيما إذا بقي الوقت ، ووجب عليها التقصير فيما بقي من سفرها ، وإذا اعتقدت أنّه مسافة فقصّرت صلاتها ثمّ انكشف خلافه أعادت تماماً ، سواء كان الانكشاف في الوقت أو في خارجه ، وتتمّها فيما بقي من سفرها ما لم تنشئ سفراً جديداً.

2 ـ لو كانت الزوجة عازمة على فراق زوجها قبل قطع المسافة الشرعيّة مهما أمكنها أو معلّقة لها على حصول أمر كالطلاق مثلاً ، فمع العلم بعدم تحقّقه قصّرت ، وإذا ظنّت تحقّقه أو احتملت تحقّقه أتمّت ، إلاّ إذا كان الاحتمال بعيداً غايته بحيث لا ينافي صدق قصد المسافة.

3 ـ إذا خرجت الزوجة إلى بيت زوجها فلا يعدّ خروجها هذا إعراضاً عن بلدها الأصلي ، إلاّ إذا نوت عدم العود إليه كوطن ومقرّ أصلاً ، فحينئذٍ لا ينطبق عليه

٣٧

أنّه وطن فتقصّر صلاتها(1) .

4 ـ إذ حضرت المرأة في بلد زوجها يومين في الأسبوع ، فيوجد إشكال في حكم إتمام الصلاة لديها آنذاك ، ولكن إذا كان مجموع فترة حضورها في بلد زوجها اثني عشر يوماً في الشهر فتتمّ صلاتها فيه.

صلاة الجمعة

1 ـ لا يجب على المرأة الحضور في صلاة الجمعة.

__________________

(1) الاستفتاآت الخاصّة.

٣٨

كتاب الصوم

المفطرات

1 ـ تعمّد الجماع من المفطرات وإن لم ينزل ، للذكر والأُنثى ، قبلا أو دبراً ، حيّاً أو ميّتاً ، حتى البهيمة على الأحوط وجوباً فيها ، وكذلك الأحوط وجوباً في وطء دبر الذكر للواطئ والموطوء.

2 ـ لو تعمّدت المرأة البقاء على الجنابة أو الحيض أو النفاس حتى يطلع الفجر ، فإنّه مُبطل للصوم في شهر رمضان ، بل وكذلك في قضائه على الأحوط وجوباً ، فتُمسك ذلك اليوم عن المفطرات بقصد القربة المطلقة ثمّ تقضيه. ولكن لو نقت المرأة في وقت لا يسع للطهارة ـ سواء الغسل أو التيمّم ـ أو أنّها كانت جاهلة بالنقاء حتى طلع الفجر صح صومها.

3 ـ يصح الصوم من الصبيّ المميّز ، وهو كغيره من العبادات.

4 ـ لو صام الصبيّ تطوّعاً وبلغ في الأثناء ـ ولو بعد الزوال ـ لم يجب عليه الإتمام ، وإن كان هو الأحوط استحباباً.

5 ـ حكم المرأة في الاستحاضة القليلة حكم الطاهرة ، وهكذا في الاستحاضة المتوسّطة والكثيرة ، فلا يعتبر الغسل في صحة صومها وإن كان الأحوط استحباباً أن تراعيا فيه الإتيان بالأغسال النهارية التي للصلاة.

6 ـ لو تماهلت المرأة وتوانت عن الغسل ولم تبادر إلى التيمّم عند ضيق

٣٩

الوقت بطل صومها ، أمّا مع عدم التواني فيصح صومها ، كما إذا طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل ولا التيمّم ، أو لم تعلم بطهرها في الليل حتى دخل النهار ، وكذا إذا نسيت وجوب صوم غد حتى طلع الفجر.

7 ـ من أجنب في شهر رمضان ليلاً ثمّ نام قاصداً ترك الغسل فاستيقظ بعد طلوع الفجر جرى عليه حكم تعمّد البقاء على الجنابة ، وهكذا الحكم فيما لو نام متردّداً في الإتيان بالغسل على الأحوط لزوماً. وأمّا إذا نام وكان ناوياً للغسل مطمئناً بالانتباه في وقت يسع للغسل ـ لاعتياد أو لمنبّه ونحوه ـ فاتّفق أنّه لم يستيقظ إلاّ بعد الفجر ، فلا شيء عليه وصح صومه ، نعم إذا استيقظ ثمّ نام ولم يستيقظ حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء ، وكذا في النومة الثالثة.

وإذا أجنب في شهر رمضان ليلاً وأراد النوم ، ولم يكن مطمئناً بالاستيقاظ في وقت يسع الاغتسال قبل طلوع الفجر فالأحوط لزوماً أن يغتسل قبل النوم ، فإن نام ناوياً للغسل ولم يستيقظ فالأحوط وجوباً القضاء حتى في النومة الأُولى.

8 ـ تتمكّن المرأة من ذوق المرق ونحوه وهي صائمة ، وكذلك مضغ الطعام للطفل بشرط أن لا يتعدّى إلى الحلق ، وإذا تعدّى سهواً من غير قصد أو نسياناً فلا يبطل صومها ، أمّا إذا كان عمداً فيبطل حتى لو كان قليلاً ، وكذلك يمكن مضغ العلك ما لم يتفتت. ولا يبطل الصوم أيضاً بمصّ لسان الزوج والزوجة إذا لم ينزل الريق إلى الجوف ، والأحوط استحباباً الترك إذا كانت عليه رطوبة ، أمّا لو لم تستهلك رطوبة اللسان مع الريق فالأحوط وجوباً الترك. ولا بأس بما تستدخله المرأة من المائع أو الجامد في مهبلها ولا يعتبر من الاحتقان بالمائع.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

٦ - بطلان دعوى أن عثمان باب المدينة بعد عمر

قال العاصمي: « ثم عثمان بن عفان الباب الثالث منها في صدق الحياء، قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأصدق أمتي حياءً عثمان بن عفان ».

أقول: وهذا باطل أيضاً، لأنّ هذا الذي نسبه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو من أجزاء الحديث الطويل الموضوع الذي أوضحنا وضعه بالتّفصيل سابقاً.

على أنّ ثبوت الحياء لعثمان - فضلاً عن صدقه - يعدّ من المستحيلات، لأنّ كلّ واحدٍ من قضاياه وأموره وما أحدثه دليل قاطع على عدم حيائه من الله ومن النّاس، حتى جاهده القوم وفعلوا به ما فعلوا، ثم قتلوه شرّ قتله

ولـمّا كانت تلك القضايا التي نقم عليه بها من ضروريّات التّاريخ التي لا تقبل أيّ بحث وجدال، فلا نطيل المقام بذكرها ولا نسوّد الصّفحات بإيرادها.

٧ - بطلان دعوى كون أبيّ من أبواب مدينة العلم

ثم قال العاصمي: « وباب منها أبيّ بن كعب، حيث فضّله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلم القرآن وقراءته. قولهعليه‌السلام : وأقرؤهم أبي بن كعب. وروي: وأقرؤهم لكتاب الله ».

أقول: دعوى أنّ أبيّ بن كعب من أبواب مدينة العلم استنادا إلى دعوى أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضّله بعلم القرآن وقراءته، في غاية الغرابة، وهي باطلة لوجوه:

الأول: إنّه لا دليل من النصوص والأحاديث على كونه باباً للمدينة، وكونه

٣٠١

أقرأ الأصحاب للقرآن - لو صحّ - لا يقتضى ذلك البتة.

الثاني: إستدلاله بما نسب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه قال « وأقرؤهم أبي بن كعب » باطل، لأن ذلك من أجزاء الحديث الطويل الذي أوضحنا كونه موضوعاً بالتفصيل.

الثالث: لو سلّمنا صحة الحديث، لكنه لا يقتضي تفضيل أبي على جميع الأصحاب في علم قراءة القرآن، كما تشهد بهذا كلمات أعلام القوم، حيث صرَّحوا بكونه أقرأ « بالنسبة لجماعةٍ مخصوصين أو وقتٍ من الأوقات، فإنَّ غيره كان أقرأ منه » قاله المناوي في ( فيض القدير ) وانظر أيضاً كلامه في ( التيسير ) وكلام نور الدين العزيزي في ( السراج المنير في شرح الجامع الصَّغير ).

فظهر أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفضّله بعلم القرآن وقراءته، فبطل ما ادّعاه العاصمي في هذا المقام أيضاً.

٨ - بطلان دعوى كون معاذ من أبواب مدينة العلم

ثم قال العاصمي: « وباب منها معاذ بن جبل، لما فضّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العلم خاصة دون غيره، قولهعليه‌السلام : وأعلم أمّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ».

وجوه بطلان هذه الدعوى

أقول: وهذه الدعوى باطلة كذلك لوجوه:

الأول: إنّ دعوى كون « معاذ بن جبل » باباً من أبواب مدينة العلم من غير نصّ صريح في ذلك عن مدينة العلمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تجاسر قبيح وتخرّص فضيح.

٣٠٢

الثاني: إستشهاده بما نسب إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « وأعلم أُمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل » يبطله كون هذا من الحديث الطويل الثابت وضعه واختلاقه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثالث: إن كون معاذ بن جبل باباً من أبواب المدينة إنّما يثبت في حال اختصاص علم الحلال والحرام به دون غيره من الأصحاب، او إثبات كونه مبرّزاً من بينهم في هذا العلم، وكلا الأمرين غير ثابت، فإن كونه مخصوصاً بهذا العلم دونهم - بأنْ يكون هو العالم بهذا العلم وليس لغيره منهم نصيب منه - ظاهر البطلان جدّاً، ولا يلتزم به أحد من أهل السنة أبداً. وأمّا الأمر الثاني فغير ثابت كذلك، لتنصيص العلماء المحققين على أنه « يصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم » قال المناوي ( فيض القدير ): « يعني انه يصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم، وإلّا فأبوبكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام » وفي ( التيسير ): « يعني: سيصير أعلمهم بعد انقراض أكابر الصحابة » وقال العزيزي « يعني سيصير أعلمهم بعد انقراض أكابر الصحابة ».

من شواهد جهل معاذ بالحلال والحرام

الرابع: إنه مع قطع النظر عمّا تقدَّم هناك في أُمهات مصادر أهل السّنة شواهد على جهل معاذ بالحلال والحرام، ومعها تبطل دعوى العاصمي من أصلها ومن ذلك ما رواه ابن سعدٍ بترجمته حيث قال:

« أخبرنا عبيد الله بن موسى، أنا شيبان، عن الأعمش، عن شقيق قال: استعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذاً على اليمن، فتوفي النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستخلف أبوبكر وهو عليها وكان عمر عامئذٍ على الحج، فجاء معاذ إلى مكة ومعه رقيق ووصفاء على حدة. فقال له عمر: يا أبا عبد الرحمن لمن هؤلاء الوصفاء؟ قال: هم لي. قال: من أين هم لك؟ قال: أهدوا لي. قال: أطعني

٣٠٣

وأرسل بهم إلى أبي بكر، فإنْ طيّبهم لك فهم لك. قال: ما كنت لأطيعك في هذا، شيء أُهدي لي أرسل بهم إلى أبي بكر؟! قال: فبات ليلةً ثم أصبح فقال: يا ابن الخطاب ما أراني إلّا مطيعك، إني رأيت اللّيلة في المنام كأنّي أجّر وأقاد - أو كلمة تشبهها - إلى النار وأنت آخذ بحجزتي! فانطلق بي وبهم إلى أبي بكر. فقال: أنت أحق بهم. فقال أبوبكر: هم لك. فانطلق بهم إلى أهله فصفّوا خلفه يصلّون. فلما انصرف قال: لمن تصلّون؟ قالوا: لله تبارك وتعالى. قال: فانطلقوا فأنتم له »(١) .

وفيه أيضاً: « أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عيسى بن النعمان، عن معاذ ابن رفاعة، عن جابر بن عبد الله قال: كان معاذ بن جبل -رحمه‌الله - من أحسن الناس وجهاً وأحسنه خلقاً وأسمحه كفّاً، فادّان ديناً كثيراً، فلزمه غرماؤه حتى تغيّب منهم أيّاماً في بيته، حتى استأدى غرماؤه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى معاذ يدعوه، فجاءه ومعه غرماؤه، فقالوا:

يا رسول الله خذلنا حقّنا منه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله من تصدّق عليه.

قال: فتصدّق عليه ناس وأبى آخرون وقالوا: يا رسول الله، خذلنا حقّنا منه.

فقال رسول الله: اصبر لهم يا معاذ.

قال: فخلعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ماله فدفعه إلى غرمائه فاقتسموه بينهم فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم.

قالوا: يا رسول الله بعه لنا.

قال لهم رسول الله « ص »: خلّوا عنه فليس لكم إليه سبيل.

____________________

(١). الطبقات ٣ / ٥٨٥.

٣٠٤

فانصرف معاذ الى بني سلمة فقال له قائل: يا أبا عبد الرحمن، لو سألت رسول الله، فقد أصبحت اليوم معدماً. قال: ما كنت لأسأله. قال: فمكث يوماً، ثم دعاه رسول الله فبعثه إلى اليمن وقال: لعلّ الله يجبرك ويؤدّي عنك دينك.

قال: فخرج معاذ إلى اليمن فلم يزل بها حتى توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوافى السنة التي حجّ فيها عمر بن الخطاب - استعمله أبوبكر على الحج - فالتقيا يوم التروية بمنى، فاعتنقا وعزّى كلّ واحدٍ منهما صاحبه برسول الله، ثم أخلدا إلى الأرض يتحدّثان، فرأى عمر عند معاذ غلماناً فقال: ما هؤلاء يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أصبتهم في وجهي هذا. فقال عمر: من أيّ وجهٍ؟ قال: أُهدوا إليّ وأكرمت بهم فقال عمر: أُذكرهم لأبي بكر. فقال معاذ: ما ذكري هذا لأبي بكر؟ ونام معاذ، فرأى في النوم كأنّه على شفير النّار وعمر آخذ بحجزته من ورائه يمنعه أنْ يقع في النار، ففزع معاذ فقال: هذا ما أمرني به عمر. فقدم معاذ، فذكرهم لأبي بكر، فسوّغه أبوبكر ذلك وقضى بقيّة غرمائه وقال: إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لعلّ الله يجبرك »(١) .

أقول: وهذه القصّة فيها دلالة واضحة على جهل معاذ بالحلال والحرام، وعدم تورّعه في جمع الأموال، وحينئذ لا يعقل أنْ يصدق في حقه كونه أعلم الأصحاب والأمّة بالحلال والحرام.

حديث موضوع في الذّب عن معاذ

وممّا يضحك الثكلى وضع بعض أسلاف القوم حديثاً في حماية معاذ وذبّ هذه المنقصة المذكورة عنه وذلك ما جاء في ( الاصابة ) بترجمة معاذ وهذا

____________________

(١). الطبقات ٣ / ٥٨٧.

٣٠٥

نصّه: « و ذكر سيف في الفتوح بسندٍ له عن عبيد بن صخر قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاذ - حين بعثه إلى اليمن -: إني قد عرفت بلاءك في الدين، وقد طيّبت لك الهدية، فإنْ أهدي لك شيء فاقبل. قال: فرجع حين رجع بثلاثين رأساً أهديت له »(١) .

الوجوه الدالة على وضعه

أقول: وهذا حديث موضوع مختلق لوجوه:

الأول: إنّه من حديث « سيف بن عمر الكوفي » صاحب كتاب الفتوح وهو ضعيف جداً، بل إنه متهم بالزندقة قال الذهبي: « قال عباس عن يحيى: ضعيف. وروى مطين عن يحيى: فليس خير منه. وقال أبو داود: ليس بشيءٍ.

وقال أبو حاتم متروك. وقال ابن حبان: اتّهم بالزندقة. وقال ابن عدي: عامّة حديثه منكر ».

قال: « وكان سيف يضع الحديث وقد اتّهم بالزندقة »(٢) .

وقد أورد ابن حجر هذه الكلمات وغيرها بترجمته من ( تهذيب التهذيب )(٣) .

الثاني: لقد أغفل ابن حجر في ( الاصابة ) ذكر سند رواية سيف، فلم نعلم حاله، لكن غالب من يروي عنه سيف من المجهولين كما نصَّ عليه الذهبي، ويؤيد ذلك انّ في ( الاصابة ) بترجمة عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري - بعد ذكر أخبارٍ رواها سيف عن سهل بن يوسف بن سهل، عن أبيه، عن عبيد بن صخر -: « وبهذا الاسناد: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إلى معاذٍ أنّي عرفت بلاءك في الدين، والذي ذهب من مالك حتى ركبك الدين، وقد طيّبت لك الهدية،

____________________

(١). الاصابة ٣ / ٤٢٧.

(٢). ميزان الاعتدال ٢ / ٢٥٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٤ / ٢٥٩.

٣٠٦

فإنْ أُهدي إليك شيء فاقبل »(١) وهذا نفس حديث سيف الذي أسقط ابن حجر سنده، و « سهل بن يوسف »، و « يوسف بن سهل » كلاهما مجهولان.

ولعلّه من هنا أفتى الامام أبو جعفر الطبري بضعف هذا الحديث، ففي ( كنز العمال ) ما نصه: « عن معاذ بن جبل: لمـّا بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن، قال: إني قد علمت ما لقيت في الله ورسوله وما ذهب من مالك، وقد طيّبت لك الهديّة، فما أهدي لك من شيء فهو لك. ابن جرير وضعّفه »(٢) .

الثالث: لقد ورد في الأحاديث الكثيرة تحريم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هدايا العمّال وجعلها « غلولاً » ونهى عن قبولها قولاً وفعلاً، وقد أخرج تلك الأحاديث البخاري في صحيحه في « باب من لم يقبل الهدية لعلّةٍ » و « باب كيف كانت يمين النبي » و « باب احتيال العامل ليهدى له » و « باب هدايا العمال » و « باب محاسبة الامام عماله ».

ومسلم في « باب تحريم هدايا العمال ».

وأحمد بن حنبل في مسنده.

ومن الأحاديث التي اتفقوا عليها ما أخرجه أحمد قائلاً: « ثنا سفيان، عن الزهري سمع عروة يقول: أنا أبو حميد الساعدي. قال: استعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على صدقة فجاء فقال: هذا لكم وهذا أُهدي لي. فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي لي!! أفلا جلس في بيت أمّه وأبيه فينظر أيهدى إليه أم لا؟! والذي نفس محمد بيده، لا يأتي أحد منكم منها بشيء إلّا جاء به يوم القيامة على رقبته، إنْ كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر. ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة يديه ثم قال: اللهم هل بلّغت - ثلاثاً -.

____________________

(١). الاصابة ٢ / ٤٤٤.

(٢). كنز العمال ١٣ / ٥٨٦.

٣٠٧

وزاد هشام بن عروة: قال أبو حميد: سمع أذني وأبصر عيني، وسلوا زيد بن ثابت »(١) .

وفي ( المسند ) أيضاً: « حدثنا إسحاق بن عيسى، ثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: هدايا العمال غلول »(٢) .

الرابع: انه لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد طيّب الهدية لمعاذ بن جبل لاعتذر بذلك معاذ امام عمر بن الخطاب، عند ما أمره بإرسال الغلمان إلى أبي بكر حتى يطيّبهم له، فإنّه لو صحَّ تطييب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ذلك لم يكن مورد لتطييب أبي بكر أو عدم تطييبه، لا أنْ يعتذر بقوله: « ما كنت لْأَطيعك في هذا، شيء أُهدي لي، أرسل بهم إلى أبي بكر!! ».

الخامس: إنه لو كان لهذا الحديث الموضوع أصل لما رأى معاذ في المنام « كأنّه على شفير النار وعمر آخذ بحجزته من ورائه يمنعه أنْ يقع في النّار » لأنّ ما طيّبه له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يوجب تملّكه دخول النار ألبتّة، فرؤيته ذلك في المنام وفزعه منه ثم مجيؤه بهم إلى أبي بكر - كما أمره عمر بن الخطّاب - يدلّ بوضوح على ارتكابه الذّنب العظيم الموجب لدخول النّار، ويدل أيضاً على أنَّ حديث سيف موضوع باطل لا أصل له.

وممّا يؤكّد ما ذكرنا ويقطع الألسنة ويحسم النّزاع في المقام: ما أخرجه الترمذي في صحيحه من نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذاً نهياً قاطعاً عن إصابة شيء من الأموال بغير اذنٍ منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليك نصُّ الحديث:

____________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٤٢٣.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٤٢٤.

٣٠٨

« باب ما جاء في هدايا الأمراء. حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة، عن داود بن يزيد الأودي، عن المغيرة بن شبيل، عن قيس بن أبي حازم، عن معاذ ابن جبل قال: بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن، فلمـّا سرت أرسل في أثري فرددت فقال: أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبنّ شيئاً بغير إذني، فإنّه غلول ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة. لهذا دعوتك. فامض لعملك.

قال: وفي الباب عن عدي بن عميرة، وبريدة، والمستورد بن شداد، وأبي حميد، وابن عمر »(١) .

فإن هذا الحديث نهى قاطع مع التحذير والتّخويف الشديدين، وينبغي أن يعدّ هذا الحديث من معاجز النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ومن آيات نبوّته، حيث يظهر منه علمه بما سيرتكبه معاذ في مسيره هذا، فمنعه عن ذلك من ذي قبل، وذكّره بحرمة إصابة شيء من تلك الأموال، ولكنّ ذلك كلّه لم ينفع معاذا ولم يردعه عن التّصرف في الأموال.

اتّجار معاذ في مال الله

وممّا ارتكبه معاذ جهلاً بالأحكام اتّجاره في مال الله الذي كان بيده « وكان أوّل من اتّجر في مال الله » حتى ذكّره عمر فأبى، إلى أنْ رأى في منامه ما رأى، وإليك نصّ الخبر الوارد بترجمته حيث قال ابن عبد البر:

« حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن المفسّر، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزهري، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: كان معاذ بن جبل شاباً جميلاً أفضل من شباب قومه سمحاً لا يمسك، فلم يزل يدّان حتى أغلق ماله من الدين،

____________________

(١). صحيح الترمذي ٣ / ٦٢١.

٣٠٩

فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطلب إليه أنْ يسأل غرمائه أنْ يضعوا له فأبوا، ولو تركوا لأحدٍ من أجل أحدٍ لتركوا معاذاً من أجل رسول الله.

فباع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ماله كلّه في دينه، حتى قام معاذ بغير شيء، حتى اذا كان عام فتح مكة بعثه النبي إلى طائفة من اليمن ليجبره، فمكث معاذ باليمن أميراً - وكان أوّل من اتّجر في مال الله هو - فمكث حتى قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمـّا قدم قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيّشه وخذ سائره منه، فقال أبوبكر: إنما بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليجبره، ولست بآخذ منه شيئاً إلّا أنْ يعطيني. فانطلق عمر إليه إذ لم يطعه أبوبكر فذكر ذلك لمعاذ. فقال معاذ: إنما أرسلني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليجبرني ولست بفاعل. ثم لقي معاذ عمر فقال: قد أطعتك وأنا فاعل ما أمرتني به، إني رأيت في المنام أني في حومة ماء قد خشيت الغرق فخلّصتني منه يا عمر، فأتى معاذ أبابكر فذكر ذلك له وحلف أن لا يكتمه شيئا، فقال أبوبكررضي‌الله‌عنه : لا آخذ منك شيئا قد وهبته. فقال: هذا حين حل وطاب، وخرج معاذ عند ذلك إلى الشام »(١) .

٩ - بطلان دعوى كون زيد من أبواب مدينة العلم

ثم قال العاصمي: « وباب منها: زيد بن ثابت لما فضّله النبي صلّى الله عليه بعلم الفرائض خاصة دون غيره. قولهعليه‌السلام : وافرض أُمتي زيد بن ثابت ».

أقول: وهذا باطل لوجوه:

الأول: إنّه لم يثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو مدينة العلم - ما يفيد كون زيد باباً لهذه المدينة.

____________________

(١). الاستيعاب ٣ / ١٤٠٤.

٣١٠

الثاني: إستدلاله بجملة « وأفرض أُمتي زيد بن ثابت » واضح البطلان، لأنَّ هذه الجملة من أجزاء الحديث الطويل الذي بيّنا كونه موضوعاً بالتفصيل سابقاً.

الثالث: مقتضى هذه الجملة الموضوعة اختصاص علم الفرائض بزيد بن ثابت أو كونه الأفضل فيه من بين جميع الأصحاب، أمّا اختصاصه به بحيث لم يكن لغيره حظ من هذا العلم فواضح البطلان. وأمّا كونه الأفضل فيه فلا سبيل إلى إثباته، بل لقد صرّح المحققون من أهل السّنة بأن معناه صيرورة زيد أفرض الأمّة بعد انقراض عظماء الصحابة، بل يتضّح بطلان هذا الكلام بما نقل المناوي عن ابن عبد الهادي من أنه لم يكن زيد في عهد المصطفى مشهوراً بالفرائض أكثر من غيره، ولا اعلم انه تكلّم فيها على عهده ولا على عهد أبي بكر قال المناوي: « وأعلمهم بالحلال والحرام. أي بمعرفة ما يحل ويحرم من الأحكام معاذ بن جبل الأنصاري، يعني أنه يصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم، وإلّا فأبوبكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام، وأعلم من زيد بن ثابت بالفرائض. ذكره ابن عبد الهادي، قال: ولم يكن زيد في عهد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشهوراً بالفرائض أكثر من غيره، ولا أعلم أنه تكلَّم فيها على عهده ولا على عهد أبي بكررضي‌الله‌عنه »(١) .

وفي ( التيسير ): « أي: إنه سيصير كذلك بعد انقراض أكابر الصحابة. والّا فعلي وأبوبكر وعمر أفرض منه »

فظهر بطلان دعوى العاصمي وقوله: « لما فضّله النبي ».

١٠ - بطلان دعوى كون أبي عبيدة من أبواب مدينة العلم

ثم قال العاصمي: « وباب منها أبو عبيدة بن الجراح في الأمانة في

____________________

(١). فيض القدير ١ / ٤٦٠.

٣١١

الإسلام، حيث خصّه النبيعليه‌السلام بالأمانة في الإسلام، والأمانة لا تؤدّى إلّا بالعلم. قولهعليه‌السلام : ولكلّ أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ».

أقول: وهذا باطل كذلك، ونحن نوضح ذلك في وجوه:

وجوه بطلان هذه الدعوى

الوجه الأول: لقد ذكرنا غير مرّةٍ عدم جواز جعل أحد باباً لمدينة العلم إلّا مع وصول نصّ صحيح صريح في ذلك عن مدينة العلمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه.

الوجه الثاني: إنّ ما ذكره من « قولهعليه‌السلام : ولكلّ أمّة أمين » تقوّل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو كلام مختلق موضوع لا أصل له.

ولقد ذكروا هذا الكلام ضمن حديث « أرحم أمتي بأمّتي » وقد سبق أنّ هذا الحديث طويل موضوع بطوله.

ورووه أيضاً حديثاً مستقلاً برأسه، لكنّ جميع طرقه في الصحيحين مقدوحة وموهونة سنداً، فإنّ عامّة طرقه مطعونة ولم يسلم منها شيء، فإذا لم يصح هذا الحديث بطرق الكتابين فكيف بأسانيده الأخرى؟

ولنذكر طرقه في البخاري أوّلاً، ثم نتبعها بطرقه عند مسلم فنتكلّم عليها بالتفصيل:

طرق الحديث في صحيح البخاري

قال البخاري في كتاب المناقب: « مناقب أبي عبيدة بن الجراح - حدثنا

٣١٢

عمرو بن علي، ثنا عبد الأعلى، ثنا خالد، عن أبي قلابة قال: حدّثني أنس بن مالك: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لكلّ أمّة أمين وإنّ أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح.

حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن حذيفة قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل نجران: لأبعثنّ - يعني عليكم - أميناً حق أمين، فأشرف أصحابه، فبعث أبا عبيدة».

وفي كتاب المغازي: « باب قصة أهل نجران - حدثني عباس بن الحسين، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريدان أنْ يلاعناه قال فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فو الله لئن كان نبيّاً فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنّا نعطيك ما سألتنا فابعث معنا رجلاً أميناً ولا تبعثه معنا إلّا أميناً. فقال: لأبعثنَّ معكم رجلاً أميناً حق أمين، فاستشرف له أصحاب رسول الله فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا أمين هذه الأمة.

حدثني محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال سمعت أبا إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: إبعث لنا رجلاً أميناً، فقال: لأبعثنّ إليكم رجلاً أمينا حق أمين، فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة.

حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن خالد عن أبي قلابة عن أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لكلّ أمة أمين، وأمين هذه الأُمة أبو عبيدة بن الجراح ».

وفي كتاب أخبار الآحاد: « حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن صلة عن حذيفة: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأهل نجران: لأبعثنّ إليكم رجلا أميناً حق أمين، فاستشرف لها أصحاب النبي، فبعث أبا عبيدة

٣١٣

حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكلّ أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة »(١) .

طرق الحديث في صحيح مسلم

وقال مسلم: « حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، نا إسماعيل بن علية، عن خالد. ح وحدثني زهير بن حرب، نا إسماعيل بن علية، أنا خالد عن أبي قلابة قال قال أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن لكلّ أمةٍ أميناً وإن أميننا أيتها الأُمة أبو عبيدة بن الجراح.

حدثني عمرو الناقد قال: نا عفّان، نا حماد، عن ثابت عن أنس: إنّ أهل اليمن قدموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: إبعث معنا رجلاً يعلّمنا السنة والاسلام. قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: هذا أمين هذه الأُمة.

حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار - واللفظ لابن المثنى - قالا: ثنا محمد بن جعفر قال: سمعت أبا إسحاق يحدّث عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا رسول الله إبعث إلينا رجلاً أميناً. فقال: لأبعثنَّ إليكم رجلاً أميناً حق أمين، قال: فاستشرف لها الناس. قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح.

حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنا أبو داود الحفري قال: نا سفيان عن أبي إسحاق بهذا الاسناد نحوه »(٢) .

____________________

(١). صحيح البخاري ٤ / ٧٤٠.

(٢). صحيح مسلم ٧ / ١٢٩.

٣١٤

وجوه الوهن في هذه الطرق

وغير خاف على ذوي العلم والتحقيق أن عامة هذه الطرق مطعون، وإليك البيان:

أمّا الطّريق الأول عند البخاري فمداره على « أنس بن مالك » ومن أعظم قوادح أنس عداؤه لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وقد فصّلنا الكلام في ذلك في مجلّد حديث الغدير، ومجلّد حديث الطائر.

* وفيه « أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي » وهو أيضاً من المشهورين بالنصب والتحامل على سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذا من أعظم الجرائم وأقبح الآثام المسقطة عن العدالة والوثاقة، بل الموجبة للكفر والخلود في العذاب الأليم - لكنّ القوم يوثّقونه مع اعترافهم بذلك!! - قال ابن حجر: « وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وكان يحمل على علي ولم يرو عنه شيئاً »(١) .

ومن قوادحه إنه كان يدلّس قال الذهبي « إمام شهير من علماء التابعين، ثقة في نفسه، إلّا أنه يدلّس عمن لحقهم وعمّن لم يلحقهم، وكان له صحف يحدّث منها ويدلّس »(٢) .

ومن هنا فقد أورده البرهان سبط ابن العجمي في ( التّبيين لأسماء المدلّسين ).

ومن الواضح أنّ ارتكاب التدليس خيانة واضحة على الشرع، وقد ذهب فريق من المحدثين والفقهاء إلى أنّ من عرف بارتكاب التدليس ولو مرةً صار مجروحاً مردوداً

هذا كلّه بالاضافة إلى تصريح جماعة من الحفّاظ وأعيان العلماء بأنّ أبا قلابة

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ١٩٧.

(٢). ميزان الاعتدال ٢ / ٤٢٥.

٣١٥

معدود عند الناس في البلّه، وعلى هذا الأساس تعجّبوا من عمر بن عبد العزيز إبطال حكم القسامة الثابت بحكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل الخلفاء الراشدين بقول أبي قلابة، في قضية ذكرها البخاري في ( صحيحه ). فراجع كلماتهم في ( عمدة القاري ) و ( إرشاد الساري ) وكذا في ترجمة أبي قلابة من ( تهذيب التهذيب ).

فظهر أنّ الرجل مجروح مقدوح للغاية، وانّ أعظم قوادحه وجرائمه انحرافه عن سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام كأنس بن مالك، ولذا نراه قد ابتلاه الله تعالى - كما ابتلى أنسا - بالأسقام والأمراض، قال الذهبي: « وأخبرني عبد المؤمن بن خالد الحافظ قال: وأبو قلابة ممن ابتلى في بدنه ودينه، أريد على القضاء بالبصرة فهرب إلى الشام فمات بعريش مصر سنة أربع، وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وهو مع ذلك حامد شاكر »(١) .

وفي ( حاشية ميزان الاعتدال ): « أبو قلابة ابتلي في دينه فأريد للقضاء فهرب الى الشام، وفي بدنه فأصابه الجذام، فذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك شاكر، زاره عمر بن عبد العزيز فقال له: يا ابا قلابة تشدّد لا يشمت بنا المنافقون ».

* وفي هذا الطريق « خالد بن مهران الحذّاء » وهو أيضاً مجروح جدّا، قال أبو حاتم: لا يحتجّ به، ووقع فيه شعبة، وضعّفه إبن علّية كما في ترجمته من ( تهذيب التهذيب ).

وفي ( تقريب التهذيب ): « قد أشار حمّاد بن زيد إلى أنّ حفظه تغيّر لمـّا قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان ».

* وفي هذا الطريق « عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري » قال الذهبي: « قال محمد بن سعد: لم يكن بالقوي، ومات سنة تسع وثمانين ومائة. وقال أحمد:

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٩٤.

٣١٦

كان يرى القدر، وقال بندار: والله ما كان يدري أيّ رجليه أطول »(١) وكذا ذكره في ( المغني في الضعفاء ) وابن حجر في ( تهذيب التهذيب ).

وقد عدّه السيوطي في ( تدريب الراوي ) في « من رمي ببدعة ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما »(٢) .

وأمّاالطريق الثاني عند البخاري الذي جاء في - كتاب المناقب - أيضاً ففيه « أبو إسحاق السبيعي » وقد كان مختلطا قال الذهبي: « وروى جرير عن مغيرة قال: ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والأعمش. وقال الفسوي قال ابن عيينة: ثنا أبو إسحاق في المسجد ليس معنا ثالث. قال الفسوي: قال بعض أهل العلم: كان قد اختلط، وانما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه »(٣) .

وكان مدلّسا قال ابن حجر: « وقال ابن حبان في كتاب الثقات: كان مدلّساً: ولد سنة ٢٩ ويقال: ٣٢. وكذا ذكره في المدلّسين: حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري. وقال ابن المديني في العلل قال شعبة: سمعت أبا إسحاق يحدّث عن الحرث بن الأرمع بحديث فقلت له: سمعت منه؟ فقال: حدثني به مجالد عن الشعبي عنه. قال شعبة: وكان أبو إسحاق إذا أخبرني عن رجل قلت له: هذا أكبر منك؟ فإنْ قال: نعم علمت أنه لقي، وإن قال: أنا أكبر منه تركته.

وقال أبو إسحاق الجوزجاني: كان قوم من أهل الكوفة لا تحمد مذاهبهم - يعني التشيّع - هم رؤس محدّثي الكوفة مثل: أبي إسحاق، والأعمش، ومنصور وزبيد، وغيرهم من أقرانه، إحتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث، ووقفوا عند ما أرسلوا، لما خافوا أن لا يكون مخارجها صحيحةً فأمّا أبو إسحاق يروى عن قوم لا يعرفون، ولم ينشر عنهم عند أهل العلم إلّا ما حكى أبو إسحاق

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٥٣١.

(٢). تدريب الراوي ١ / ٢٧٩.

(٣). ميزان الاعتدال ٣ / ٢٧٠.

٣١٧

عنهم، فاذا روى تلك الأشياء عنهم كان التوقف في ذلك عندي الصّواب، وقد حدّثنا أبو إسحاق، ثنا جرير عن مغيرة قال: أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق - يعني للتدليس -. وقال يحيى بن معين: سمع منه ابن عيينة بعد ما تغيّر »(١) .

وقد ذكره سبط ابن العجمي في ( التبيين لأسماء المدلّسين ) وفي ( الاغتباط بمن رمي بالاختلاط).

ومن قوادحه العظيمة روايته عن عمر بن سعد - لعنه الله - قاتل سيّدنا الحسين بن عليّعليهما‌السلام قال الذهبي: « عمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. وعنه ابنه ابراهيم وأبو إسحاق. وأرسل عنه الزهري وقتادة. قال ابن معين: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟! قتله المختار سنة ٦٥ أو سنة ٦٧ »(٢) وفي ( ميزان الاعتدال ): « عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، هو في نفسه غير متهم، لكنه باشر قتال الحسينعليه‌السلام وفعل الأفاعيل، روى شعبة عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعد فقام إليه رجل فقال: أما تخاف الله! تروي عن عمر بن سعد؟ فبكى وقال: لا أعود. وقال العجلي: روى عنه الناس، تابعي ثقة. وقال أحمد بن زهير: سألت ابن معين: أعمر بن سعد ثقة؟ فقال: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟! قال: خليفة: قتله المختار سنة خمس وستين »(٣) .

والأفظع من ذلك روايته عن شمر بن ذي الجوشن قال الذهبي: « شمر بن ذي الجوشن أبو السابغة الضبابي. عن أبيه. وعنه أبو إسحاق السبيعي. ليس بأهلٍ للرواية، فإنه أحد قتلة الحسينرضي‌الله‌عنه ، وقد قتله أعوان المختار. روى أبوبكر ابن عياش عن أبي إسحاق قال: كان شمر يصلّي معنا ثم يقول:

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٨ / ٥٩.

(٢). الكاشف ٢ / ٣١١.

(٣). ميزان الاعتدال ٣ / ١٩٨.

٣١٨

أللهم إنّك تعلم أني شريف فاغفر لي. قلت: كيف يغفر لك وقد أعنت على قتل ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: ويحك فكيف نصنع! إنَّ امرائنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم، ولو خالفنا هم كنّا شرّاً من هذه الحمير السقاة. قلت: إنَّ هذا العذر قبيح، فإنما الطاعة في المعروف »(١) .

وأمّاالطريق الثالث عند البخاري في كتاب المغازي:* ففيه « أبو إسحاق السبيعي ». وقد عرفته قريباً.

* وفيه: « إسرائيل بن يونس » وقد ضعَّفه إبن المديني شيخ البخاري، وكان يحيى القطّان لا يرضاه ولا يحدّث عنه، وعن أحمد أنه قال « فيه لين » وقال عبد الرحمن بن مهدي: « لصّ يسرق الحديث » راجع: ( ميزان الاعتدال ) و ( تهذيب التهذيب ) وغيرهما.

* وفيه: « عباس بن الحسين القنطري » وهو مجهول، قال ابن حجر ( تهذيب التهذيب ): « وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: مجهول »(٢) .

وأمّاالطريق الرابع عند البخاري في كتاب المغازي فمداره على « أبو إسحاق السبيعي ». وقد عرفته آنفاً.

* وفيه « محمد بن جعفر غندر » وقد كان من المغفّلين قال الذهبي: « وقيل: كان مغفّلاً »(٣) وفي ( تذكرة الحفاظ ): « ومع إتقانه كان فيه تغفّل ». قال علي بن غنام: أتيت غندراً فذكر من فضله وعلمه بحديث شعبة، فقال لي: هات كتابك، فأبيت إلّا أنْ يخرج كتابه وأخرجه وقال: يزعم الناس أني اشتريت سمكاً فأكلوه وأنا نائم ولطّخوا به يدي، ثم قالوا: أكلت فشمّ يدك، أفما كان يدلّني بطني »(٤) .

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٢٧٠.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ١٠٢.

(٣). ميزان الاعتدال ٣ / ٥٠٢.

(٤). تذكرة الحفاظ ١ / ٢٧٦.

٣١٩

وممّا يقتضي ضعفه ويقضي بسقوطه عن درجة الاعتبار ما حكاه الذهبي قائلاً: « قال الدينوري في المجالسة: نا جعفر بن أبي عثمان سمعت يحيى بن معين يقول: دخلنا على غندر فقال: لا أُحدّثكم بشيء حتى تمشوا خلفي إلى السوق فيراكم الناس فيكرموني، فمشينا خلفه فجعل الناس يقولون: من هؤلاء يا أبا عبد الله؟ فيقول: هؤلاء أصحاب الحديث جاؤني من بغداد يكتبون عنّي»(١) .

ومن هنا كان يحيى بن سعيد إذا ذكر غندر عنده عوّج فمه كأنّه يستضعفه، قال ابن حجر: « قال ابن المديني: كنت إذا ذكرت غندراً عند يحيى بن سعيد عوّج فمه كأنّه يستضعفه »(٢) .

* وفيه: « محمد بن بشار بندار » وله قوادح كثيرة، منها: انهماكه في المجون حتى كان يستهزء عند التحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الذهبي: « قال إسحاق بن إبراهيم الفزاري: كنّا عند بندار فقال في حديثٍ عن عائشة: قال قالت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال رجل: تمزح؟! أعيذك بالله فما أفضحك!! فقال: كنّا إذا خرجنا من عند روح دخلنا على أبي عبيدة فقال: قد بان عليك ذاك »(٣) وقال ابن حجر: « قال إسحاق بن إبراهيم الفزاري: كنّا عند بندار فقال في حديث عن عائشة قال قالت رسول الله. فقال له رجل: تسخر منه أعيذك بالله ما أفضحك؟! فقال: كنّا إذا خرجنا من عند روح دخلنا إلى أبي عبيدة فقال: قد بان ذلك عليك »(٤) .

ومنها: إن عمرو بن علي الفلّاس كان يحلف أن بنداراً يكذب، قال ابن حجر: « قال عبد الله بن محمد بن سيّار: سمعت عمرو بن علي يحلف أن بنداراً يكذب فيما يروي ».

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٢٧٧.

(٢). تهذيب التهذيب ٩ / ٨٤.

(٣). ميزان الاعتدال ٣ / ٤٩٠.

(٤). تهذيب التهذيب ٩ / ٦١.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362