نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار18%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 301

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 301 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141608 / تحميل: 5798
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بمستحفظ قلعة يعرف بيوسف الخوارزمي و حمل إلى قرب سريره مع غلامين ، فتقدّم أن تضرب له أربعة أوتاد و شدّ أطرافه إليها ، فقال يوسف ، يا مخنث ، مثلي يقتل هذه القتلة ؟ فغضب ألب أرسلان و أخذ القوس و النشّاب و قال للغلامين : خلّياه و رماه بسهم فأخطأه و كان لا يخطي سهمه فوثب يوسف يريده و السلطان على سدّة ، فلمّا رأى يوسف يقصده قام عن السدّة و نزل عنها ، فعثر فوقع على وجهه فبرك عليه يوسف و ضربه بسكين كانت معه في خاصرته ، و كان سعد الدولة واقفا فجرحه أيضا جراحات ، فقال السلطان لمّا جرح : ما من وجه قصدته و عدوّ أردته إلاّ استعنت باللّه عليه ، و لمّا كان أمس صعدت على تلّ فارتجت الأرض تحتي من عظم الجيش و كثرة العسكر فقلت في نفسي : « أنا ملك الدنيا و ما يقدر أحد عليّ » فعجزني اللّه بأضعف خلقه مات في العاشر من ربيع الأول في تلك السنة ، و كان اتّسع ملكه جدّا و دان له العالم ، و بحق قيل له : سلطان العالم .

« غفر اللّه لي و لكم » هكذا في ( المصرية١ و ابن أبي الحديد )٢ و لكن في ( ابن ميثم )٣ هذا الكلام قبل : « أنا بالأمس صاحبكم » .

« إن ثبتت » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( تثبت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« الوطأة » أي : موضع القدم .

« في هذه المزلّة » بفتح الزاي و كسرها : موضع الزلل جعل عليه السلام الدنيا مزلّة حيث لا ثبات لقدم الإنسان فيها ، و هو فيها في كلّ ساعة مظنّة للوقوع

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ٤٥ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٦ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

٤١

و السقوط فيها من آفاتها و مصيباتها ، و أتى عليه السلام للثبوت فيها ب ( إن ) الموضوعة للشك ، حيث إنّ ثبوت القدم في المزلّة أمر مشكوك .

« فذاك » و زاد في نسخة ابن ميثم : « المراد » .

« و إن تدحض » أي : تزلق .

« القدم » من موضع الحياة إلى محلّ الممات فلا بعد .

« فإنّا كنّا في أفياء » جمع في‏ء ، و عن روبة : كلّما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو في‏ء و ظلّ ، و ما لم تكن عليه الشمس فهو ظلّ و الأصل في الفي‏ء :

الرجوع ، فالظلّ يرجع من جانب إلى جانب .

« أغصان » مثل لعدم ثبات الدنيا ، فإذا استظلّ الإنسان بغصن لم يطل الزمان حتى ينسخه الشمس بحركتها .

« و مهبّ » و في ( ابن ميثم١ و الخطية ) : « و مهاب » .

« رياح » مثل آخر لعدم الاعتبار بالحياة الدنيا ، فكما أنّ نارا أو شمعة كانت في محلّ هبوب الرياح تذهب بها ، كذلك حياة الإنسان في مقابل رياح حوادث الدهر ، و لنعم ما قيل بالفارسية :

اين سيل متفق بكند روزى اين درخت و اين باد مختلف بكشد روزى اين چراغ .

« و تحت ظلّ غمام » أي : سحاب .

« اضحمل في الجوّ » و الجو : ما بين السماء و الأرض .

« متلفقها » الشقق المنضمّة من الغمام بعضها إلى بعض .

« و عفا » أي : اندرس .

« في الأرض مخطها » موضع خطها و قوله عليه السلام : و تحت ظلّ غمام . .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

٤٢

قال :

أراها و إن كانت تحب فإنّها

سحابة صيف عن قليل تقشّع

و قال ابن الدهان : ما الإنسان في دنياه إلاّ كبارقة تلوح ، نفسه نفس توالى ، و مدّته مدى ، و الروح ريح .

و قال بعضهم : إقبال الدنيا كإلمامة ضيف ، أو سحابة صيف ، أو زيارة طيف .

و في ( الحلية ) : مات أخ لصلة بن أشيم و هو في بيته يطعم ، فجاء إليه رجل و نعاه ، فقال له : إنّه كان نعي إلينا فقال : ما سبقني إليك أحد ، فمن نعاه ؟

فقال : نعاه اللّه تعالى ، يقول : . إنّك ميت و إنّهم ميتون١ .

و اعلم أنّ مرمى كلامه عليه السلام مع كونه ضرب ضربة كما قال ضاربه اللعين : لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم : هو تنبيه الغافلين و هداية الضالين و ردعهم عن محبّة الدنيا المهلكة ، كما كان عليه السلام في جميع أيام حياته في ليله و نهاره كذلك ، فيقول لهم تارة : « أنا بالأمس صاحبكم و سلطانكم ،

و اليوم عبرة لكم بكونه ملقى على الأرض و غدا مفارقكم بالرحلة عن الدنيا » و اخرى يقول لهم : « ان تثبت الوطأة إلى و عفا في الأرض مخطها » فيخبرهم عن الإنسان و الموت ، و أنّه لابدّ لكلّ إنسان أن يموت ، و أنّه لذاك السبع كالقوت ، دون أن يريد شخصه عليه السلام فهو عليه السلام ذكر حكم الكلي و ذكر نفسه فردا له ، بأنّه ان تثبت الوطأة للإنسان في مزلّة الدنيا من آفة أصابته فهو شي‏ء يريده الإنسان ، حيث يحبّ الحياة طبعا ، و ان دئ‏حضت قدم الإنسان و مات فلا عجب و لا غرو و لا بدع ، حيث إنّ الإنسان و ما يريده من الحياة كرجل استظلّ بفي‏ء غصن أو ظلّ غمام ، ليس ظلّهما إلاّ آنات ، و كسراج في

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزمر : ٣٠ .

٤٣

مهب رياح لم يعلم بقاؤه ساعات .

و لم يتفطن ابن أبي الحديد لمغزى مرامه عليه السلام فخبط و خلط و قال :

كلامه عليه السلام : « تثبت الوطأة . » يدلّ على أنّه عليه السلام بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنّه يموت من ضربته .

و معنى قوله : « فذاك » أي : إن سلمت فذاك الذي تطلبونه ، يخاطب أهله و أولاده ، و لا ينبغي أن يقال : فذاك ما أطلبه ، لأنّه عليه السلام كان يطلب الآخرة أكثر من الدنيا .

و قوله عليه السلام : « و غدا مفارقكم » لا يعني غدا بعينه ، و قوله عليه السلام لابن ملجم :

اريد حباءه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

و قوله عليه السلام لشيعته لمّا قالوا له : فهلاّ تقتله ؟ : « كيف أقتل قاتلي » ،

و قوله عليه السلام في البطّ الصائح خلفه في المسجد ليلة ضرب ابن ملجم له :

« دعوهن فإنّهنّ نوائح » ، و قوله عليه السلام تلك الليلة : « رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فشكوت إليه ما لقيت من امته ، فقال : ادع عليهم » و قوله عليه السلام : « لا اقتل محاربا و إنّما اقتل فتكا و غيلة ، يقتلني رجل خامل الذكر » و ما جاء منه من هذا الباب من آثار كثيرة كلّها لا يدلّ على أنّه يعلم الأمر مفصّلا .

و من الجائز أن يكون علم أنّ ابن ملجم هو الذي يقتله ، و لم يعلم محققا أنّ هذه الضربة تزهق نفسه ، بل كان يجوز أن يفيق ثم يكون قتله بعد على يده و إن طال الزمان .

و قوله في البطّ ، لعلّه علم أنّ تلك الليلة يخرج و إن لم يعلم أنّه يموت منه ،

و النوائح قد ينحن على المجروح . .

فموته عليه السلام من تلك الضربة كان أمرا معلوما لكلّ أحد ، فإنّه ليس في العادة أن يضرب أحد ضربة مثل ضربته و يعيش ، كما ليس في العادة أن

٤٤

يعيش من قطع رأسه و لو كان قال بدل خبطاته تلك : إنّه لم يكن علم أولا إلاّ أنّه علم بعد بإخبار أثير بن عمرو المتطبب أنّ الضربة و صلت إلى امّ رأسه ، كما رواه أبو الفرج١ ، و بوصف ابن ملجم لضربته ، فروى أبو الفرج عن عبد اللّه بن محمّد الأزدي قال : ادخل ابن ملجم على عليّ عليه السلام و دخلت عليه السلام في من دخل ، فسمعته يقول : « النفس بالنفس ، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني ، و إن سلمت رأيت فيه رأيي » فقال ابن ملجم : و اللّه لقد ابتعته بألف و سممته بألف فإن خانني فأبعده اللّه و قالت له امّ كلثوم : يا عدوّ اللّه إنّي لأرجو ألا يكون على أبي بأس فقال لها : فأراك إنّما تبكين عليّ إذن و اللّه لقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم كان له وجه ظاهري ، و إلاّ فتعبيره عليه السلام بقوله : « إن أنا متّ » « و إن سلمت » لبيان آداب الشرع و تعليم النّاس تكاليفهم ، بأنّه بمجرّد ضربة يحتمل اداؤها إلى الموت لا يجوز قتل الضارب ، و كيف و تواتر عنه عليه السلام و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قتله من ضربة على رأسه تخضب منها لحيته ؟ و روى ( الأسد )٢ مسندا عن عمرو ذي مر قال : لمّا اصيب عليّ عليه السلام بالضربة دخلت عليه و قد عصبت رأسه فقلت : يا أمير المؤمنين أرني ضربتك .

فحلّها فقلت : خدش و ليس بشي‏ء قال : إنّي مفارقكم فبكت امّ كلثوم من وراء الحجاب ، فقال لها : اسكتي فلو ترين ما أرى لمّا بكيت فقلت : يا أمير المؤمنين ماذا ترى ؟ قال : هذه الملائكة و فود و النبيّون ، و هذا محمّد صلّى اللّه عليه و آله يقول : يا عليّ أبشر ، فما تصير إليه خير ممّا أنت فيه .

و في ( مروج المسعودي )٣ : قيل : إنّ عليّا عليه السلام لم ينم تلك الليلة ، و إنّه لم

ــــــــــــ

 ( ١ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢٣ .

 ( ٢ ) اسد الغابة للجزري ٤ : ٣٨ .

 ( ٣ ) المروج للمسعودي ٢ : ٤٢٥ .

٤٥

يزل يمشي بين الباب و الحجرة و هو يقول : ما كذبت و لا كذبت ، و إنّها الليلة التي وعدت فلمّا صرخ بطّ كان للصبيان صاح بهن بعض من في الدار ، فقال عليّ عليه السلام : ويحك دعهنّ فانّهن نوائح إلى أن قال و خرج إلى المسجد و قد عسر عليه فتح باب داره و كان من جذوع النخل فاقتلعه و جعله ناحية و انحل إزاره فشدّه و جعل ينشد :

اشدد حيازيمك للموت

فإن الموت لاقيكا

و لا تجزع من الموت

إذا حلّ بواديكا

و كيف لم يكن علم عليه السلام ذلك و قد كان عليه السلام أخبر به كرارا ، حتى إنّ شيعته كانوا يخبرونه بذلك من وصفه ؟ ففي ( إرشاد محمّد بن محمّد بن النعمان )١ : روى العلماء أنّ جويرية بن مسهر وقف على باب القصر فقال : يا أمير المؤمنين قيل له : نائم فنادى : أيّها النائم ، استيقظ فو الذي نفسي بيده ليضربن ضربة على رأسك يخضب منها لحيتك ، كما أخبرتنا بذلك من قبل فسمعه أمير المؤمنين عليه السلام فنادى : أقبل يا جويرية حتى احدثك بحديثك فأقبل فقال : و أنت و الذي نفسي بيده لتعتلن بك إلى العتل الزنيم ، و ليقطعنّ يدك و رجلك ثم لتصلبنّ تحت جذع كافر فقطع زياد يده و رجله و صلبه تحت جذع ابن مكعبر ، و كان جذعا طويلا .

و بالجملة غاية ما يمكن أن يقال : إنّه تعالى أخفى عليه عليه السلام وقوع الضربة عليه ساعة خروجه ، لجري مقاديره عليه كما على غيره من عباده ،

كما عرفت من الخبر المتقدّم .

« و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أياما » و في الخبر : إنّ الإنسان في أهله كضيف نزل بقوم ليلا ، و ارتحل عنهم صباحا .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد للمفيد ١ : ٣٢٢ .

٤٦

قال ابن أبي الحديد١ في قوله عليه السلام : « جاوركم بدني أياما » : إشعار بما ذهب إليه الأكثر في النفس ، و أنّ هوية الإنسان شي‏ء غير هذا البدن .

قلت : بل فيه إشعار بأنّ روحه عليه السلام غير أرواحهم ، لم يجاورهم بروحه بل جاورهم ببدنه .

روى الكليني٢ عن جابر قال : سألت أبا جعفر عن علم العالم ، فقال لي :

إنّ في الأنبياء و الأوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، و روح الإيمان ، و روح القوة و روح الشهوة ، فبروح القدس عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ،

و هذه الأرواح يصيبها الحدثان إلاّ روح القدس فانّه لا تلهو و لا تلعب .

« و ستعقبون مني جثة خلاء » أي : خالية من الروح .

« ساكنة بعد حراك » أي : حركة و المراد شجاعته و قوّته ، و شجاعته كانت كما قال : لو تظاهرت العرب على قتالي لمّا وليت عنها ، و قوّته كانت كما قلع باب خيبر .

« و صامتة بعد نطق » في ( القاموس ) : نطق نطقا و منطقا و نطوقا : تكلّم بصوت و حروف تعرف بها المعاني .

و قد قال معاوية في نطقه عليه السلام : ما سنّ الفصاحة لقريش إلاّ عليّ و قال عمر بن سعد يوم الطفّ لمّا خطبهم الحسين عليه السلام : لو تكلّم يوما و ليلة ما يعيى ،

إنّه ابن عليّ بن أبي طالب .

« ليعظكم هدوّي » أي : سكوني و عدم قدرتي على الشخوص .

« و خفوت » من : خفت الصوت : سكن ، و منه قيل للميت : خفت ، إذا انقطع كلامه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٢٣ .

 ( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٢٧٢ ح ٢ .

٤٧

« أطرافي » هكذا في ( المصرية ) بالفاء ، و الصواب : ( اطراقي ) بالقاف ، كما في ( ابن أبي الحديد١ و ابن ميثم )٢ من ( أطرق ) : أرخى عينيه ينظر إلى الأرض .

و في ( اسد الغابة )٣ : بعث الأشعث بن قيس صبيحة ضرب عليّ عليه السلام ابنه قيس بن الأشعث لينظر كيف هو ؟ فرجع و قال له : رأيت عينيه داخلتين في رأسه .

« و سكون أطرافي » أي : الأعضاء الواقعة في الطرف ، كاليدين و الرجلين و الرأس .

« فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ » لأنّه وعظ عملا لا يحتمل كذبه .

« و القول المسموع » و في المثل الفارسي : شنيدن كى بود مانند ديدن .

في ( تاريخ اليعقوبي )٤ بعد ذكر أنّ الأسكندر غلب على دار ملك فارس و على فور ملك الهند و قتله لهما : ثم رجع إلى أرض بابل بعد أن دوّخ الأرض ،

فلمّا صار في أداني العراق ممّا يلي الجزيرة اعتل و مات ، فصيروه في تابوت ثم وقف عليه عظيم من الفلاسفة فقال : هذا يوم عظيم كشف الملك عنه ، أقبل من شرّه ما كان مدبرا ، و أدبر من خيره ما كان مقبلا ، فمن كان باكيا على ملك فعلى هذا الملك فليبك ، و من كان متعجبا من حادث فمن هذا الحادث فليتعجّب .

ثم أقبل ذاك العظيم على من حضره من الفلاسفة ، فقال : يا معشر الحكماء ،

ليقل كلّ امرئ منكم قولا يكون للخاصة معزيا و للعامة واعظا .

فقام كلّ واحد من تلامذة ارسطاطاليس فضرب بيده على التابوت ، ثم قال أحدهم : أيّها المنطيق ما أخرسك ؟ أيها العزيز ما أذلّك ؟ أيّها القانص أنّى

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

 ( ٣ ) اسد الغابة ٤ : ٣٧ .

 ( ٤ ) التاريخ لليعقوبي ١ : ١٤٣ .

٤٨

وقعت موضع الصيد في الشرك ؟ من هذا الذي قنصك ؟ ثم قام آخر ، فقال : هذا القوي الذي أصبح ضعيفا و قام آخر فقال : قد كانت سيوفك لا تجفّ و نقماتك لا تؤمن ، و كانت مدائنك لا ترام ، و كانت عطاياك لا تبرح ، و كان ضياؤك لا يكفّ فأصبح صوتك قد خمد ، و نقماتك لا تخشى و أصبحت عطاياك لا ترجى ،

و أصبحت سيوفك لا تنتضى و أصبحت مدائنك لا تمنع ثم قام آخر فقال : هذا الذي كان للملوك قاهرا فقد أصبح اليوم للسوقة مقهورا و قام آخر فقال : قد كان صوتك مرهوبا و كان ملكك غالبا ، فأصبح الصوت قد انقطع و الملك قد اتضع و قام آخر فقال : ألا امتنعت من الموت إذ كنت من الملوك ممتنعا ؟ و هلاّ ملكت عليه إذ كنت عليهم مملكا ؟ و قام آخر فقال : حرّكنا الإسكندر بسكونه و أنطقنا بصموته .

كان ملك الإسكندر اثنتي عشرة سنة ، و لمّا علم أنّ الموت نزل به كتب إلى امّه يعزيّها عن نفسه ، و كتب في آخره : اصنعي طعاما و اجمعي من قدرت عليه من نساء أهل المملكة ، و لا يأكل من طعامك من اصيب بمصيبة قط .

فعملت طعاما و جمعت النّاس ، ثم أمرتهم ألا يأكل من اصيب بمصيبة قط فلم يأكل أحد ، فعلمت ما أراد ، و حمل تابوته من العراق إلى الإسكندرية فتلقته امّه بعظماء أهل المملكة ، فلمّا رأته قالت : يا ذا الذي بلغت السماء حكمته ، و حاز أقطار الأرض ملكه ، و دانت الملوك عنوة له ، مالك اليوم نائما لا تستيقظ ،

و ساكتا لا تتكلّم ؟ من يبلّغك عنّي بأنّك و عظتني فاتعظت ، و عزيتني فتعزيت ؟

فعليك السلام حيّا هالكا .

و كان عظم سلطانه و اعانته الحكمة و العقل و المعرفة و كان ارسطاطاليس معلّمه .

و في ( كامل الجزري ) : لمّا مات عضد الدولة و كان عاقلا فاضلا حسن

٤٩

السياسة ، كثير الإصابة ، شديد الهيبة ، بعيد الهمّة ، ثاقب الرأي ، محبّا للفضائل و أهلها ، باذلا في مواضع العطاء ، مانعا في أماكن الحزم ، ناظرا في عواقب الامور ، فقصده العلماء من كلّ بلد و صنّفوا له الكتب ، و منها الايضاح في النحو ، و الحجّة في القراءات ، و الملكي في الطب ، و التاجي في التاريخ و غيرها ،

و عمل المصالح كالبيمارستانات و القناطر ، و بنى سورا على المدينة بلغ خبره بعض العلماء و عنده جماعة من أعيان الفضلاء ، فتذاكروا الكلمات التي قالها الحكماء عند موت الاسكندر ، فقال بعضهم : لو قلتم أنتم مثلها لكان ذلك يؤثر عليكم فقال أحدهم : قد وزن هذا الشخص الدنيا بغير مثقالها ، و أعطاها فوق قيمتها ، و طلب الربح فيها ، فخسر روحه فيها .

و قال الثاني : من استيقظ للدنيا فهذا نومه ، و من حلم فيها فهذا انتباهه .

و قال الثالث : ما رأيت عاقلا في عقله ، و لا غافلا في غفلته مثله ، لقد كان ينقض جانبا و هو يظن أنّه مبرم ، و يغرم و هو يظن أنّه غانم .

و قال الرابع : من جدّ للدنيا هزلت به ، و من هزل راغبا عنها جدت له .

و قال الخامس : ترك هذه الدنيا شاغرة ، و رحل عنها بلا زاد و لا راحلة .

و قال السادس : إنّ ماء اطفأ هذه النار لعظيم ، و إنّ ريحا زعرت هذا الركن لعصوف .

و قال السابع : إنّما سلبك من قدر عليك .

و قال الثامن : أما لو كان معتبرا في حياته لمّا صار عبرة في مماته .

و قال التاسع : الصاعد في درجات الدنيا إلى استفال ، و النازل في دركاتها إلى تعال .

و قال العاشر : كيف غفلت عن كيد هذا الأمر حتى نفذ فيك ؟ و هلاّ اتخذت دونه جنّة تقيك ؟ إنّ في ذلك لعبرة للمعتبرين .

٥٠

« وداعيكم » هكذا في ( المصرية )١ و الصواب : ( وداعي لكم ) كما في بن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« وداع امرئ مرصد للتلاقي » قال عليه السلام هذا لشيعته فهو ساقيهم من الكوثر ،

كما أنّه ذائد عنه مخالفيه .

روى المدائني٢ : أنّ الحسن عليه السلام قال لمولى له : أتعرف معاوية بن حديج ؟ قال : نعم قال : إذا رأيته فاعلمني فرآه خارجا من دار عمرو بن حريث فقال له عليه السلام : هو هذا فدعاه فقال له : أنت الشاتم عليّا عليه السلام عند ابن آكلة الأكباد ؟ أما و اللّه لئن وردت الحوض و لن ترده لترينّ عليّا عليه السلام مشمّرا عن ساقيه حاسرا عن ذراعيه يذود عنه المنافقين و في خبر يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرائب الإبل .

و روى المفيد في ( أماليه )٣ عن الأصبغ قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليه السلام في نفر من الشيعة و كنت فيهم فجعل الحارث يتأوّد في مشيته ، و يخبط الأرض بمحجنه و كان مريضا فأقبل عليه السلام عليه و كانت له منزلة عنده فقال : كيف تجدك يا حارث ؟ فقال : نال الدهر مني .

فقال عليه السلام له : ابشّشرك يا حارث تعرفني عند الممات و عند الصراط و عند الحوض و عند المقاسمة قال الحارث و ما المقاسمة ؟ قال عليه السلام : مقاسمة النار ،

اقاسمها قسمة صحيحة ، أقول : هذا وليي فاتركيه ، و هذا عدوّي فخذيه .

رواه عن جميل بن صالح عن الكابلي عن الأصبغ ثم قال : قال جميل :

و أنشدني السيد الحميري في ما تضمنه هذا الخبر :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ٤٦ .

 ( ٢ ) المدائني .

 ( ٣ ) الأمالي للمفيد : ٣ ح ٣ المجلس ١ .

٥١

قول عليّ لحارث عجبا

كم اعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه

بنعته و اسمه و ما عملا

و أنت عند الصراط تعرفني

فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين توقف للعر

ض دعيه لا تقربي الرجلا

دعيه لا تقربيه أن له

حبلا بحبل الوصي متصلا

قلت : الظاهر أنّ الحميريّ استند في أشعاره إلى هذا الخبر و خبر الشعبي الآتي ، فلا يخفى أن شعريه الأولين مضمون ذاك الخبر ، فإنّ هذا الخبر و ان تضمّن أنّه عليه السلام قال : « تعرفني عند الممات » لكن اقتصر فيه على محبّيه ،

مثل الحارث دون مخالفيه ، و إنما ذاك الخبر تضمّنهما .

و روى الكشي في ( رجاله ) عن الشعبي : قال : قال الحارث الأعور : أتيت عليّا عليه السلام ذات ليلة فقال : يا أعور ما جاء بك ؟ فقلت جاء بي و اللّه حبّك فقال : أما إنّي ساحدّثك لتشكرها ، أما إنّه لا يموت عبد يحبّني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحبّ ، و لا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره .

روى الشعبي عن الحارث هذا لأبي عمر البزاز ، ثم لكونه ناصبيا قال له :

أما إنّ حبّه لا ينفعك و بغضه لا يضرّك .

و قد ودّعه جمع من شيعته ، روى ( أماليا الشيخين )١ عن الأصبغ قال :

لمّا ضربه اللعين عدونا نفر من أصحابنا ، أنا و الحرث و سويد بن غفلة و جماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن عليه السلام فقال : يقول لكم أبي : انصرفوا فانصرفوا غيري ، فاشتدّ البكاء في منزله

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للطوسي ١ : ١٢٣ .

٥٢

فبكيت ، و خرج الحسن عليه السلام و قال : ألم أقل انصرفوا ؟ فقلت : لا و اللّه لا يحملني رجلي حتى أراه عليه السلام و بكيت فدخل و خرج فقال : ادخل فدخلت فاذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء و دمه نزف و اصفر وجهه ، ما أدري أوجهه اصفر أم العمامة ؟ فأكببت عليه فقبلته و بكيت فقال لي : لا تبك يا أصبغ فإنّها و اللّه الجنّة فقلت : جعلت فداك إنّي أعلم و اللّه أنّك لتصير إلى الجنّة ، و إنّي أبكي لفقداني إيّاك . .

« غدا ترون أيامي و يكشف لكم عن سرائري و تعرفونني بعد خلوّ مكاني و قيام غيري مقامي » روى أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ( بلاغاته ) عن الشعبي ، قال : استأذنت سودة بنت عمارة بن اسك الهمدانية على معاوية ،

فأذن لها فدخلت فقال لها : يا بنت اسك ، ألست القائلة يوم صفّين :

شمر كفعل أبيك يا بن عمارة

يوم الطعان و ملتقى الأقران

و انصر عليّا و الحسين و رهطه

و اقصد بهند و ابنها بهوان

إنّ الإمام أخو النبيّ محمّد

علم الهدى و منارة الإيمان

فقه الحتوف و سر أمام لوائه

قدما بأبيض صارم و سنان

قالت : إي و اللّه ما مثلي من رغب عن الحقّ أو اعتذر بالكذب قال لها : فما حملك على ذلك ؟ قالت حبّ عليّ و اتباع الحق قال : فو اللّه ما أرى عليك من أثر عليّ شيئا قالت : أنشدك اللّه و اعادة ما مضى و تذكار ما قد نسي قال : هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى و ما لقيت من أحد ما لقيت من قومك و أخيك قالت :

صدق فوك ، لم يكن أخي ذميم المقام و لا خفي المكان ، كان و اللّه كقول الخنساء :

و إن صخرا لتأتمّ الهداة به

كأنّه علم في رأسه نار

قال : صدقت لقد كان كذلك فقالت : مات الرأس و بتر الذنب ، و باللّه أسأل

٥٣

اعفائي ممّا استعفيت منه قال : قد فعلت ، فما حاجتك ؟ قالت : إنّك أصبحت للناس سيّدا و لأمرهم متقلّدا ، و اللّه سائلك عن أمرنا و ما افترض عليك من حقّنا ،

و لا يزال يقدم علينا من ينوء بعزّك و يبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصد السنبل و يدوسنا دوس البقر و يسومنا الخسيسة و يسلبنا الجليلة ، هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي و أخذ مالي ، يقول لي فوهي بما استعصم اللّه منه و ألجأ إليه فيه ، و لو لا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة ، فإمّا عزلته عنّا فشكرناك و إمّا لا فعرفناك فقال لها معاوية : أتهدديني بقومك ؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردّك إليه ، ينفذ فيك حكمه فأطرقت تبكي ثم أنشأت تقول :

صلّى الإله على جسم تضمّنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا

فصار بالحق و الإيمان مقرونا

قال : و من ذلك ؟ قالت : عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه قال : و ما صنع بك حتى صار عندك كذلك قالت قدمت عليه في رجل ولاّه صدقاتنا فكان بيني و بينه ما بين الغث و السمين ، فأتيت عليّا عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا ، فوجدته قائما يصلّي فلمّا نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة و تعطف : ألك حاجة ؟ فأخبرته الخبر فبكى ثم قال : اللّهم إنّك أنت الشاهد عليّ و عليهم ، إنّي لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقّك ثم أخرج من جيبه قطعة جلد فكتب فيها :

بسم اللّه الرحمن الرحيم قد جاءتكم بيّنة من ربكم١ . و افوا الكيل و الميزان بالقسط٢ و لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ٨٥ .

 ( ٢ ) الانعام : ١٥٢ .

٥٤

مفسدين بقية اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين و ما أنا عليكم بحفيظ١ إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك و السلام فأخذته منه ما ختمه بطين و لا خزمه بخزام فقرأته فقال لها معاوية لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان : فبطيئا ما تفطمون .

و رواه ابن عبد ربه في ( عقده )٢ و فيه : لمظكم ابن أبي طالب الجرأة و غرّكم قوله .

فلو كنت بوّابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

و غرّكم قوله :

ناديت همدان و الأبواب مغلقة

و مثل همدان سنّى فتحة الباب

كالهندواني لم تفلل مضاربه

وجه جميل و قلب غير وجّاب

و في الأوّل أيضا : قال سعيد بن حذافة : حبس مروان غلاما من بني ليث في جناية فأتته جدّته امّ أبيه امّ سنان بنت خيثمة المذحجية فكلّمته في الغلام فأغلظ لها فخرجت إلى معاوية ، فدخلت عليه فانتسبت له ، فقال لها :

مرحبا بك يا بنت خيثمة ، ما أقدمك أرضي و قد عهدتك تشنأين قربي و تحضين عليّ عدوي ؟ قالت إنّ لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة و أعلاما ظاهرة ،

لا يجهلون بعد علم و لا يسفهون بعد حلم و لا يعاقبون بعد عفو ، فأولى النّاس باتباع سنن آبائه لأنت قال : صدقت نحن كذلك ، فكيف قولك :

عزب الرقاد فمقلتي ما ترقد

و الليل يصدر بالهموم و يورد

يا آل مذحج لا مقام فشمّروا

إنّ العدوّ لآل أحمد يقصد

هذا عليّ كالهلال يحفّه

وسط السماء في الكواكب أسعد

ــــــــــــ

 ( ١ ) هود : ٨٥ ٨٦ .

 ( ٢ ) العقد لابن عبد ربه ١ : ٣٤٦ .

٥٥

خير الخلائق و ابن عمّ محمّد

و كفى بذلك لمن شناه تهدّد

مازال مذ عرف الحروب مظفّرا

و النصر فوق لوائه ما يفقد

قالت : كان كذلك ، و إنّا لنطمع بك خلفا فقال رجل من جلسائه : كيف و هي القائلة :

إمّا هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحق تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريا

قد كنت بعد محمّد خلفا لنا

أوصى إليك بنا فكنت وفيا

فاليوم لا خلف تأمل بعده

هيهات نمدح بعده إنسيّا

و روى الثاني عن عكرمة قال : دخلت عكرشة بنت الأطرش على معاوية متوكّئة على عكاز ، فسلّمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها معاوية : الآن صرت عندك خليفة ؟ قالت : نعم ، إذ لا عليّ حي قال : ألست المتقلّدة حمائل السيوف بصفّين إلى أن قال فكأنّي أراك على عصاك هذه و قد انكفأ عليك العسكر أن يقولوا : هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة فإن كدت لتقتلين أهل الشام لولا قدر اللّه إلى أن قال قالت : إنّه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتردّ على فقرائنا ، و إنّا قد فقدنا ذلك فما يجبر لنا كسير و لا ينعش لنا فقير ، فإن كان ذلك على رأيك فمثلك ينبه عن الغفلة ، و إن كان عن غير رأيك فما مثلك استعان بالخؤنة و لا استعمل الظلمة قال معاوية : يا هذه ، إنّه ينوبنا عن امور رعيتنا ، امور تنبثق و بحور تنفهق قالت : يا سبحان اللّه و اللّه ما فرض اللّه لنا حقّا فجعل فيه ضررا على غيرنا ، و هو علاّم الغيوب قال معاوية : يا أهل العراق نبّهكم عليّ بن أبي طالب فلم تطاقوا . .

و روى عن أبي سهل التميمي قال : حجّ معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون ، يقال لها : دارمة الحجونية ، فاحضرت إليه ، فقال :

٥٦

تدرين لم بعثت إليك ؟ قالت : لا قال : لأسألك لم أحببت عليّا و أبغضتني ، و واليته و عاديتني ؟ قالت : أو تعفيني ؟ قال : لا قالت : إذ أبيت فإنّي أحببت عليّا على عدله في الرعية و قسمه بالسوية ، و أبغضتك على قتال من هو أولى بالأمر منك و طلبك ما ليس لك بحق ، و واليت عليّا على ما عقد له النبيّ صلى اللّه عليه و آله من الولاء في الدين ، و حبه المساكين ، و إعظامه لأهل الدين ، و عاديتك على سفكك الدماء و جورك في القضاء و حكمك بالهوى فقال لها معاوية : يا هذه ، هل رأيت عليّا ؟

قالت : إي و اللّه قال : كيف رأيته ؟ قالت : رأيته و اللّه لم يفتنه الملك الذي فتنك ، و لم تشغله النعمة التي شغلتك قال : فهل سمعت كلامه ؟ قالت : نعم و اللّه ، فكان يجلو القلب من العمى ، كما يجلو الزيت الطست من الصدى قال : صدقت ، فهل من حاجة ؟ قالت : أو تفعل ؟ قال : نعم قالت : تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها و راعيها فأمر لها بذلك ، و قال لها : أما و اللّه لو كان عليّ حيّا ما أعطاك منها شيئا قالت : لا و اللّه و لا وبرة من مال المسلمين .

٦

الكتاب ( ٢٣ ) و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته على سبيل الوصيّة ، لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه :

وَصِيَّتِي لَكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَ ؟ مُحَمَّدٌ ص ؟ فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ اَلْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ اَلْمِصْبَاحَيْنِ وَ خَلاَكُمْ ذَمٌّ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَ اَلْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وَ إِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وَ إِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وَ هُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اَللَّهُ لَكُمْ ٢٤ ٣٠ ٢٤ : ٢٢١ وَ اَللَّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ

ــــــــــــ

 ( ١ ) النور : ٢٢ .

٥٧

اَلْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ وَ لاَ طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ وَ لاَ كُنْتُ إِلاَّ كَقَارِبٍ وَرَدَ وَ طَالِبٍ وَجَدَ وَ ما عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ١٧ ٢٢ ٣ : ١٩٨١ « قال الرضي : أقول : و قد مضى بعض هذا الكلام في ما تقدّم من الخطب ،

إلاّ أنّ فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره » أقول : قد عرفت في سابقه أنّ ( الكافي و المروج ) رويا مقدارا من زيادة ذكرت هاهنا إلى قوله : « ان يغفر اللّه لكم » .

قول المصنف : « و من كلام له عليه السلام » إلى « لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه » هكذا في ( المصرية )٢ و لكن في ( ابن ميثم )٣ : « و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه وصية » و في ( ابن أبي الحديد )٤ :

« و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته لمّا ضربه ابن ملجم على سبيل الوصية » .

هذا ، و في ( الصحاح ) في ( جوب ) : و تجوب قبيلة من حمير ، حلفاء لمراد ،

و منهم ابن ملجم لعنه اللّه ، قال الكميت :

ألا إنّ خير النّاس بعد ثلاثة

قتيل التجوبي الذي جاء من مصر

و هو وهم منه ، و قتيل التجيبي هو عثمان لا هو عليه السلام ، و البيت ليس للكميت و لم يتفّطن لذاك ( القاموس ) مع تهالكه على تخطئته ، و لكن تنبّه له محشي ( الصحاح ) فقال : البيت للوليد بن عقبة ، و صواب انشاده :

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

و إنّما غلّطه في ذلك أنّه ظن أنّ الثلاثة أبوبكر و عمر و عثمان ، فظنّ أنّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) آل عمران : ١٩٨ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٤ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٣ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٣ .

٥٨

في عليّ فقال : التجوبي بالواو و إنّما الثلاثة النبيّ و أبوبكر و عمر ، لأنّ الوليد رثى بهذا الشعر عثمان و قاتله كنانة بن بشر التجيبي ، و أمّا قاتل عليّ فهو التجوبي ثم نقل عن البكري أنّ الأبيات لنائلة زوجة عثمان .

قلت : و صرّح ( الطبري )١ بأنّها للوليد ، و أنّه ردّ عليه الفضل بن عباس في أبيات و منها :

ألا إنّ خير النّاس بعد محمّد

وصي النبيّ المصطفى عند ذي الذكر

و أوّل من صلّى و صنو نبيّه

و أول من أردى الغواة لدى بدر

قوله عليه السلام : « وصيّتي لكم إلى « و غدا مفارقكم » مرّ في السابق لكن ليس هنا : « و أوقدوا هذين المصباحين » في ( ابن ميثم )٢ و هو في ( ابن أبي الحديد )٣ ، و نقلته ( المصرية )٤ عنه ، و في ( ابن ميثم ) أيضا : « أنا بالأمس كنت صاحبكم » .

« إن أبق فأنا وليّ دمي ، و إن أفن فالفناء ميعادي » في ( الإرشاد )٥ : لمّا ادخل ابن ملجم عليه عليه السلام نظر إليه ثم قال : النفس بالنفس ، فإن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، و إن أنا عشت رأيت فيه رأيي فقال ابن ملجم : و اللّه لقد ابتعته بألف و سممته بألف ، فإن خانني فأبعده اللّه و نادته امّ كلثوم : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين قال : إنّما قتلت أباك قالت : يا عدوّ اللّه إنّي لأرجو ألاّ يكون عليه بأس .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٢٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٣ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٣ .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٤ .

 ( ٥ ) الإرشاد ١ : ٢١ .

٥٩

قال لها : فأراك إنّما تبكين عليّ إذن ؟ لقد و اللّه ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم فاخرج من بين يديه عليه السلام و إنّ النّاس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنّهم سباع و هم يقولون : يا عدوّ اللّه ماذا فعلت ؟ أهلكت أمّة محمّد و قتلت خير النّاس و إنّه لصامت لم ينطق فذهب به إلى الحبس ، و جاء النّاس إليه عليه السلام فقالوا له : مرنا بأمرك في عدوّ اللّه ، لقد أهلك الامة و أفسد الملّة .

فقال عليه السلام لهم : إن أنا عشت رأيت فيه رأيي ، و إن هلكت فاصنعوا ما يصنع بقاتل النبيّ : اقتلوه ثم حرّقوه بعد ذلك بالنار فلمّا قضى عليه السلام نحبه و دفن جلس الحسن عليه السلام و أمر أن يؤتى بابن ملجم فجي‏ء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين و أعظمت الفساد في الدين ثم أمر به فضربت عنقه ، و استوهبت امّ الهيثم بنت الأسود النخعية جثته منه لتتولى احراقها ، فوهبها لها فأحرقتها بالنار .

« و إن أعف » على فرض بقائي .

« فالعفو لي قربة » قال تعالى : . و أن تعفوا أقرب للتقوى .١ .

« و هو لكم حسنة فاعفوا » . و إن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن اللّه غفور رحيم٢ .

« . ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم . » من الآية ( ٢٢ ) من النور .

« و اللّه ما فجأني من الموت وارد كرهته ، و لا طالع أنكرته » في ( العيون )٣ نعي إلى الصادق عليه السلام ابنه إسماعيل و هو أكبر أولاده و هو يريد أن يأكل و قد اجتمع ندماؤه ، فتبسّم ثمّ دعا بطعامه و قعد مع ندمائه ، و جعل يأكل

ــــــــــــ

 ( ١ ) البقرة : ٢٣٧ .

 ( ٢ ) التغابن : ١٤ .

 ( ٣ ) العيون ٢ : ٢ ب ٣٠ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بمن احتج به مسلم. ولقد قال فيه بعض معاصريه: ما رأيت أحداً قط أورع منه في علمه.

حسن، وهو التحقيق، ويوافقه قول شيخ الاسلام الحافظ ابن حجر: رجاله رجال الصحيح إلّا عبد السّلام الهروي فإنه ضعيف عندهم. إنتهى. وسبقه إلى آخر كلامه الحافظ العلائي فقال: إن الهروي هذا تكلّموا فيه كثيراً. انتهى. ويعارض ذلك تصويب أبي زرعة على حديثه، ونقل الحاكم عن يحيى بن معين أنه وثّقه. فثبت أنه حسن مقارب للصحيح لما علمت من قول ابن حجر إن رواته كلهم رواة الصحيح إلّا الهروي، وإن الهروي وثّقه جماعة وضعّفه آخرون.

ضعيف، أي بناء على رأي من ضعف الهروي.

موضوع، وعليه كثيرون أئمة حفّاظ، كالقزويني وابن الجوزي وجزم ببطلان جميع طرقه، والذهبي في ميزانه وغيره. وهؤلاء وإنْ كانوا أئمة أجلّاء لكنّهم تساهلوا تساهلاً كثيراً، كما علم مما قرّرته. وكيف ساغ الحكم بالوضع مع ما تقرر أن رجاله كلّهم جال الصحيح إلّا واحد فمختلف فيه، ويجب تأويل كلام القائلين بالوضع بأن ذلك لبعض طرقه لا كلّها. وما أحسن قول بعض الحفّاظ في أبي معاوية أحد رواته المتكلّم فيهم بما لم يسمع: هو ثقة مأمون من كبار المشايخ وحفّاظهم، وقد تفرد به عن الأعمش فكان ما ذا؟ وأيّ استحالة في أنْصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول مثل هذا في حق عليّ؟».

فالعجب منه كيف يقول في ( الصواعق ): « ان الحديث مطعون »؟ فإنّ هذا الكلام - وإنْ كان لا يخلو بعض مواضعه من كلام - يدلّ على ثبوت حديث « أنا مدينة العلم » وصحة الاحتجاج به، ويبطل ما ذكره في ( الصواعق ) من وجوه عديدةٍ لا تخفى على الخبير.

٣ - تحسين ابن حجر في تطهير الجنان

وأيضاً، حكم بحسنه في كتابه الآخر ( تطهير الجنان ) حيث قال في ذكر

١٤١

مطاعن معاوية والجواب عنها: « السادس: خروجه على علي كرم الله وجهه ومحاربته له، مع أنه الامام الحق باجماع أهل الحل والعقد، والأفضل الأعدل الأعلم بنص الحديث - الحسن لكثرة طرقه خلافاً لمن زعم وضعه، ولمن زعم صحته، ولمن أطلق حسنه -: أنا مدينة العلم وعلى بابها. قال الأئمة الحفّاظ: لم يرد لأحد من الصحابة رضي الله عنهم من الفضائل والمناقب والمزايا ما ورد لعلي كرّم الله وجهه. وسببه أنهرضي‌الله‌عنه وكرّم وجهه لما استخلف كثرت أعداؤه وساورت المتقوّلون عليه، فأظهروا له معايب ومثالب زوراً وبهتاناً وإلحاداً وعدواناً، وورث ذلك من تبعهم على ضلالتهم، فلما رأى الحفّاظ ذلك نصبوا نفوسهم لبيان الباطل من ذلك وإظهار ما يردّه مما ورد عندهم في حقه، فبادر كلّ أحدٍ إلى بثّ جميع ما عنده من فضائله ومناقبه.

والجواب: إن ذلك لا يكون قادحاً في معاوية إلّا لو فعله من غير تأويل محتمل. وقد تقرر المرّة بعد المرّة أنه لتأويل محتمل بنص كلام علي كرم الله وجهه، وأنه من أهل الإِجتهاد، وغايته أنه مجتهد مخطئ، وهو مأجور غير مأزور »(١) .

ومن هذا الكلام يظهر أنّ قوله في ( الصواعق ): « هذا الحديث مطعون » ليس إلّا عن عنادٍ وعصبيّة، وإلّا لأجاب عن الحديث بالطعن في سنده، قبل أنْ يعتذر لمعاوية بالاجتهاد في محاربته لإِمام وقته إلّا أنّ قوله: « الحسن لكثرة طرقه خلافاً لمن زعم وضعه ولمن زعم صحته ولمن أطلق حسنه » لا يخفى ما فيه، لما عرفت من صحة هذا الحديث وثبوته فضلاً عن إطلاق حسنه، بل إنّه حديث متواتر مقطوع صدوره، كما نصّ على ذلك الأئمة الكبار، فلتكن منك على ذكر.

وقال ابن حجر في ( تطهير الجنان ) أيضاً: « قال ابن عباس رضي الله عنهما:

وهذا - أي كون علي يخبر بالأشياء المغيّبة فيقع - لما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بالمغيبات، فيخبر بها كما أخبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن استند إخباره

____________________

(١). تطهير الجنان - هامش الصواعق: ٧٤.

١٤٢

إلى إخبار الصادقصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكون إلّا صادقاً. وفي هذا منقبة عليّة جدّاً لعلي، لما أتحفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به من العلوم المغيبة، ولذا كان باب مدينة العلم النبوي، وأمين السرّ العلوي »(١) .

ألا ترى كيف يذكر هذا الحديث جازماً به ويرسله إرسال المسلمـّات ويستشهد به لكلام ابن عباس في مدح الامامعليه‌السلام ؟ إلّا أنّه حيث يستدل الإِمامية بهذا الحديث على الأعلمية فالامامة تثور عصبيّته وتضيق الدنيا في عينه، فيبادر إلى الطعن في سنده ويقول: « هذا الحديث مطعون »، ولعمري إن أمثال هذه البدائع، وأضراب تلك الشنائع، مما يحيّر الأفهام والأفكار، ويدهش أصحاب الأحكام والأبصار!!.

٤ - تحسين ابن حجر في بعض فتاويه

وصوّب ابن حجر حسن هذا الحديث، بل صحّته في بعض فتاويه، فقد جاء في ( فتاويه ): « سئلرضي‌الله‌عنه : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها هل الحديث صحيح أم لا؟

فأجاب بقوله: الحديث رواه صاحب مسند الفردوس، وتبعه ابنه بلا إسناد، عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه مرفوعاً، وهو حديث ضعيف، كحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقتها، فهو ضعيف أيضاً.

وأمّا حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فهو حديث حسن، بل قال الحاكم صحيح - وقول البخاري: ليس له وجه صحيح، والترمذي: منكر، وابن معين: كذب - معترض، وإن ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وتبعه الذهبي وغيره على ذلك ».

____________________

(١). تطهير الجنان - هامش الصواعق: ١١٢.

١٤٣

وهو يدل على ثبوت هذا الحديث، وبطلان طعن الطاعنين، وكذا قوله نفسه في ( الصواعق ): « مطعون » من وجوه عديدة لا تخفى.

ثم إنّ ما نسبه إلى البخاري والترمذي وابن معين - وإن اعترضه - غير ثابت بالنسبة إلى حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها »، لا سيّما على النهج الذي ذكره، وقد فصّلنا ذلك في الردّ على كلمات ( الدّهلوي ) فراجعه حتى تتّضح لك حقيقة الأمر، والله ولي التوفيق.

٥ - وأبو بكر محرابها؟!

ثم قال ابن حجر: « وعلى تسليم صحّته أو حسنه فأبو بكر محرابها ».

أقول: أمّا حسن الحديث بل صحّته فلا كلام، بل الحق المحقّق تواتر هذا الحديث وقطعيّة صدوره، وقد عرفت ذلك كلّه والحمد لله، فلا مجال لقوله: « وعلى تسليم ».

وأمّا « أبو بكر محرابها » فالجواب من وجوه.

أحدها: إنه على تسليم صحة هذه الزيادة أو حسنها فالاحتجاج بها في مقابلة الامامية لا وجه له، لأنّ أصل حديث: « أنا مدينة العلم » متّفق عليه بين الفريقين، وهذه الزيادة ممّا تفرّد به أهل السنّة، فكيف وثبوت صحّتها أو حسنها غير ممكن على أصول أهل السنّة؟! ومن ادّعى فعليه البيان، وليس له إلى ذلك من سبيل إلى آخر الدهر والزمان.

الحديث ضعفه ابن حجر نفسه

والثاني: إنّ هذه الزيادة نصّ ابن حجر المكي نفسه على ضعفها، حيث قال في ( المنح المكية ) بشرح البوصيري: « لم يزده كشف الغطاء » ما نصّه: « وفي حديث عند الواحدي لكنّه ضعيف: وعلي بابها وأبو بكر محرابها »!.

الثالث: إنّ هذه الزّيادة نصّ المولوي ولي الله اللكهنوي على كونها فرية

١٤٤

موضوعة، كما لا يخفى على من راجع عبارته التي نقلناها عن كتابه ( مرآة المؤمنين ) في ردّ كلام ( الدهلوي ).

الرابع: إن هذه الزيادة واضحة البطلان من حيث المفاد والمعنى أيضاً، فإنّ « المحراب » بمعناه المعروف ليس ممّا يصح إضافته إلى « المدينة »، بل لا يضاف إلّا إلى « المسجد »، نعم في ( القاموس ): « والمحراب: الغرفة، وصدر البيت، وأكرم مواضعه، ومقام الامام من المسجد، والموضع يتفرّد به الملك فيتباعد عن الناس، والأجمة، وعنق الدابة ومحاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يجلسون فيها »(١) ، فمن معانيه: « صدر البيت وأكرم مواضعه » فهو مخصوص « بالبيت »، وكذا المعنى الآخر من معانيه وهو « الموضع يتفرّد به الملك فيتباعد عن الناس »، ونسبته إلى « المدينة » غلط.

إحداثُ المحاريب بدعة عند أهل السنة

ثم لو التجأ بعض أهل العناد إلى القول بأنّ المراد من « محراب المدينة » هو « محراب مسجد المدينة » فالجواب - مضافاً إلى أنّه تعسّف وتكلّف واضح - هو: إن إحداث المحاريب في المساجد - في رأي أهل السنّة - من جملة البدع المخترعة، فإنّ مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن له محراب في زمان الخلفاء الأربعة، بل لم يحدث إلّا في أوائل القرن الثاني هذا مع نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخبار أهل السنة وأحاديثهم، وأنّه من أشراط الساعة فكيف ينسب « وأبو بكر محرابها » إلى النبي؟ وكيف يوافق أهل السنّة على تشبيه أبي بكر بشيء ينهى النبي عن إحداثه ويذمّه؟

ونحن في هذا المقام نكتفي بإيراد نصّ الرسالة التي صنّفها الحافظ السيوطي في هذه المسألة، وإليك نسختها:

____________________

(١). القاموس المحيط ١ / ٥٣ « حرب ».

١٤٥

بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخنا الامام العالم العلّامة حافظ العصر ومجتهد الوقت وفريد الدهر، إنسان عين الزمان حافظ العصر والأوان، الجلال السيوطي، أعاد الله تعالى علينا وعلى سائر المسلمين من بركاته وتوجّهاته وتهجداته وأوراده في الدنيا والآخرة.

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى: هذا جزء سميته إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب، لأن قوماً خفي عليهم كون المحراب في المسجد بدعة، وظنوا أنه كان في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمنه، ولم يكن في زمانه قط محراب ولا في زمان الخلفاء الأربعة فمن بعدهم إلى آخر المائة الأولى، وإنما حدث في أول المائة الثانية، مع ورود الحديث بالنهي عن اتّخاذه، وأنه من شأن الكنائس، وأن اتّخاذه في المسجد من أشراط الساعة:

قال البيهقي في السنن الكبرى باب في كيفية بناء المساجد: أخبرنا أبو نصر ابن قتادة، أنا أبو الحسن محمد بن الحسن البراج، نبأ مطين نبأ سهل بن زنجلة الرازي نبأ أبو زهير عبد الرحمن بن مغرا، عن ابن أبجر عن نعيم بن أبي هند عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إتّقوا هذه المذابح يعني المحاريب.

هذا حديث ثابت. فإنّ سالم بن أبي الجعد من رجال الصحيحين بل الأئمة الستة، ونعيم بن أبي هند من رجال مسلم، وابن أبجر اسمه عبد الملك بن سعيد من رجال مسلم أيضاً، وأبو زهير عبد الرحمن بن مغرا من رجال الأربعة قال الذهبي في الكاشف: وثّقه أبو زرعة الرازي وغيره وليّنه ابن عدي. وقال في الميزان: ما به بأس. وقال في المغني: صدوق. فالحديث على رأي أبي زرعة ومتابعيه صحيح، وعلى رأي ابن عدي حسن. والحسن إذا ورد من طريق ثانٍ ارتقى إلى درجة الصحيح، وهذا له طرق أخرى تأتي، فيصير المتن صحيحا من قسم الصحيح لغيره، وهو أحد قسمي الصحيح. ولهذا احتج به البيهقي في الباب مشيراً إلى كراهة اتّخاذ المحاريب. والبيهقي مع كونه من كبار الحفاظ فهو

١٤٦

أيضاً من كبار أئمة الشافعية الجامعين للفقه والأصول والحديث، كما ذكره النووي في شرح المهذب، فهو أهل أن يستنبط ويخرج ويحتج. وأمّا سهل بن زنجلة ومطين فإمامان حافظان ثقتان وفوق الثقة.

وقال البزار في مسنده نبأ محمد بن مرداس نبأ محبوب بن الحسن نبأ أبو حمزة عن إبراهيم بن علقمة عن عبد الله بن مسعود: إنه كره الصلاة في المحراب وقال: إنما الكنائس فلا تشبّهوا بأهل الكتاب يعني: إنه كره الصلاة في الطاق. قال شيخ شيوخنا الحافظ أبو الحسن الهيثمي في مجمع الزوائد: رجال موثوقون.

وقال ابن أبي شيبة في المصنّف: وكيع نبأ إسرائيل عن موسى الجهني قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تزال هذه الُأمّة أو قال أمتي بخير ما لم يتّخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى هذا مرسل صحيح الإِسناد، فإنّ وكيعاً أحد الأئمة الأعلام من رجال الأئمة الستة، وكذا شيخه، وموسى من رجال مسلم، قال في الكاشف: حجة. والموصل عند الأئمة الثلاثة صحيح مطلقاً، وعند الامام الشافعيرضي‌الله‌عنه صحيح إذا اعتضد بواحد من عدة أمور منها مرسل آخر أو مسند ضعيف أو قول صحابي أو فتوى أكثر أهل العلم بمقتضاه أو مسند صحيح. وأوردوا على هذا الأخير أنه إذا وجد المسند الصحيح استغنى عن المرسل، فإن الحجة تقوم به وحده. وأجيب: بأن وجود المسند الصحيح يصيّر المرسل حديثاً صحيحاً ويصير في المسألة حديثان صحيحان.

قال العراقي في ألفيّته مشيراً إلى ذلك:

فإن يقل فالمسند المعتمد

فقل دليلان به يعتضد

وهذا المرسل قد عضده المسند المبتدأ بذكره، وقد تقدم أنه صحيح على رأي من وثّق راويه، وحسن على رأي من ليّنه. ولهذا اقتصر البيهقي على الإِحتجاج به، وعضده قول ابن مسعود السابق، وعضده أحاديث أخر مرفوعة وموقوفة وفتوى جماعة من الصحابة والتابعين بمقتضاه.

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر قال: إن من أشراط الساعة أن تتّخذ

١٤٧

المذابح في المسجد هذا له حكم الرفع، فإن الإِخبار عن أشراط الساعة والأمور الآتية لا مجال للرأي فيه، وإنما يدرك بالتوقيف من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد بن أبي الجعد قال: كان أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقولون: إن من أشراط الساعة أن تتّخذ المذابح في المساجد. يعني الطاقات.

هذه بمنزلة عدّة أحاديث مرفوعة، فإن كلّ واحد من الصحابة المذكورين سمع ذلك من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبر به.

وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : إنه كره الصلاة في الطاق.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قال: إتقوا هذه المحاريب.

وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي: إنه كان يكره الصلاة في الطاق.

وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال: لا تتّخذوا المذابح في المساجد.

وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب: إنه كره المذابح في المسجد.

وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن كعب قال: يكون في آخر الزمان قوم يزيّنون مساجدهم ويتّخذون بها مذابح كمذابح النصارى، فإذا فعلوا ذلك صبّ عليهم البلاء.

وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك بن مزاحم قال: أوّل شركٍ كان في هذه الصلاة هذه المحاريب.

وقال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم: إنه كان يكره أن يصلّى في طاق الامام. وقال الثوري: ونحن نكره.

وأخرج عبد الرزاق عن الحسن: إنه صلّى واعتزل الطاق أن يصلي فيه.

١٤٨

فائدة: روى الطبراني في الأوسط عن جابر بن أسامة قال: لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصحابه بالسوق فقلت: أين يريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: يريد أنْ يخطّ لقومك مسجداً فأتيت وقد خطّ لهم مسجداً وعن غربي قبلته خشبة فأقامها قبلة.

تم ذلك. والحمد لله وله الفضل والمنة على ذلك. من يهدي الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. علق بيده الفانية لنفسه زكريا بن محمد المحلي الشافعي، لطف الله تعالى به ورحم أبويه. وكان الفراغ من تعليق ذلك في سادس عشر رمضان سنة إحدى عشرة وتسعمائة ».

أول من أحدث المحراب عمر بن عبد العزيز

هذا، وقد ذكروا أنّ أول من أحدث المحراب هو عمر بن عبد العزيز، فقد قال السمهودي: « وليحيى عن عبد المهيمن بن عباس عن أبيه: مات عثمان وليس في المسجد شرفات ولا محراب. فأوّل من أحدث المحراب والشرفات عمر بن عبد العزيز »(١) .

وقال القاري: « وعن أنس قال: رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نخامة بالضم في القبلة. أيّ جدار المسجد الذي يلي القبلة، وليس المراد بها المحراب الذي يسمّيه الناس قبلة، لأن المحاريب من المحدثات بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن ثمّ كره جمع من السلف اتخاذها والصلاة فيها، قال القضاعي: وأوّل من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذٍ عامل للوليد بن عبد الملك على المدينة، لـمّا أسس مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهدمه وزاد فيه »(٢) .

____________________

(١). خلاصة الوفا: ١٢٩.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ١ / ٤٧٣.

١٤٩

واقع حال أبي بكر لا يناسب تلك النسبة

الخامس: وعلى فرض تسليم نسبة « المحراب » إلى « المدينة » بأحد معانيه فلا يتم جملة « وأبوبكر محرابها » في حديث مدينة العلم، إذ يلزم على تقدير الانتساب أن يكون للمحراب حظ وافر من علوم المدينة، بل يزعم ابن حجر كون « المحراب » أعلم من « الباب »، ولكنّ النظر في حال أبي بكر ومراجعة أخباره وسيرته تكذّب هذه النّسبة، فقد كان أبو بكر جاهلا حتى بالنسبة إلى أبسط الأمور وأوضح المفاهيم، وما أكثر ما أعلن بنفسه عن جهله بالأحكام الشرعيّة وعلم القرآن، وما أكثر موارد عجزه عن حلّ المشكلات والمعضلات الواردة عليه كما ستقف على تفاصيل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى فلا أظن أن يصرّ أحد من المسلمين - مع هذه الحال - على صحّة هذه الزيادة الموضوعة، بل إنّ ذلك يمسّ بكرامة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويشين بمقامه كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

الفروق بين « الباب » و« المحراب »

السادس: - سلَّمنا لكنَّ هذه الزيادة لا تفيد أعلميّة أبي بكر من أمير المؤمنين بوجهٍ من الوجوه فأيّ دليل وبرهان على رجحان « المحراب » على « الباب »؟ ومن ادّعى فعليه البيان.

بل الأمر على العكس من ذلك، فإنّ للباب مزايا خاصة هي غير حاصلة للمحراب، وذلك:

أوّلاً: إنه لا بدّ للمدينة من باب، بخلاف المحراب فلا يلزم وجوده فيها، من هنا قال المناوي بشرح حديث « أنا مدينة العلم »: « فإن المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلّها، ولا بدّ للمدينة من باب، فأخبر أن بابها هو علي كرّم الله وجهه ».

١٥٠

وثانياً: إنّه لابدّ لمن يطلب الوصول إلى المدينة من إتيان الباب على كلّ حالٍ، ولا يتيسّر لأحدٍ الوصول إليها إلّا من قبل بابها، بخلاف المحراب فإنه ليس كذلك، إذ من الممكن أنْ يصل إلى المدينة ولا يمرّ على محرابها أصلاً.

وثالثاً: إنّ من عدل عن باب المدينة لا يصل إليها ويبقى في خارجها، بخلاف المحراب إذ من الممكن أنْ يدخل إلى المدينة ويعدل عن محرابها ومن هنا ترى المناوي يقول: « فمن أخذ طريقه دخل المدينة، ومن أخطأ أخطأ طريق الهدى ».

ورابعاً: إن الباب هو الواسطة لخروج ما في المدينة من العلوم إلى خارجها، وليس للمحراب هذه الصفة ومن هنا قال صاحب ( المعارف في شرح الصحائف ): « قولهعليه‌السلام : أنا مدينة العلم وعلي بابها معناه: إنه يصل علومي إليه ومنه إلى الخلق، كما أنّ الباب يصل إليه من يخرج من البلد ». وقال محمد بن إسماعيل الأمر اليماني في ( الروضة الندية ): « فلمّا كان الباب للمدينة من شأنه أنْ تجلب منه إليها منافعها، وتستخرج منه إلى غيرها مصالحها، كان فيه إيهام أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستمدّ من غيره بواسطة الباب الذي هوعليه‌السلام ، دفعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الإِيهام بقوله: فمن أراد العلم فليأت الباب، إخباراً بأنّ هذا باب يستخرج منه العلوم ويستمد بواسطته، ليس له من شأن الباب إلّا هذا، لا كسائر الأبواب في المدن فإنّها للجلب إليها والإِخراج عنها. فلله قدر شأن الكلام النبوي ما أرفع شأنه وأشرفه وأعظم بنيانه، ويحتمل وجوهاً من التخريج أخر، إلّا أنَّ هذا أنفسها».

ثم قال: « وإذا عرفت هذا عرفت أنه قد خصّ الله الوصيعليه‌السلام بهذه الفضيلة العجيبة، ونوّه شأنه، إذ جعله باب أشرف ما في الكون وهو العلم، وأنّ منه يستمد ذلك من أراده، ثم إنه باب لأشرف العلوم وهي العلوم النبوية، ثم لأجمع خلق الله علماً وهو سيد رسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهذا هو الشرف يتضاءل عنه كل شرف، ويطأطئ رأسه تعظيماً له كل من سلف وخلف ».

١٥١

وخامساً: إنّ الباب يحفظ جميع ما في المدينة، بخلاف المحراب فلا علاقة له بهذه الجهة أصلاً وبهذا المعنى صرّح بعض أعلام السنّة، قال ابن طلحة في ( مطالب السئول ): « وفي قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك إشارة إلى كون عليعليه‌السلام نازلاً من العلم والحكمة منزلة الباب من المدينة، والباب من الدار، لكون الباب حافظاً لما هو داخل المدينة وداخل الدار من تطرّق الضياع، واعتداء يد الذهاب عليه، وكان معنى الحديث: إن علياًعليه‌السلام حافظ العلم والحكمة، فلا يتطرّق إليهما ضياع، ولا يخشى عليها ذهاب، فوصف علياً بأنه حافظ العلم والحكمة، ويكفي علياًعليه‌السلام علّواً في مقام العلم والفضيلة أنْ جعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حافظاً للعلم والحكمة ».

وسادساً: إنه لا بدّ للباب من الاطّلاع على جميع ما يدخل في المدينة، بخلاف المحراب إذ لا يلزم أنْ يكون كذلك، كما لا يخفى على من له حظّ من البصر والبصيرة وبهذا المعنى صرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه في حديث الدرنوك، الذي رواه الفقيه ابن المغازلي بقوله: « قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبريل بدرنوك من درانيك الجنة. أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد ابن موسى الكندرجاني، نا أبو الفتح هلال بن محمد الحفار، نا إسماعيل بن علي ابن رزين، نا أخي دعبل بن علي، نا شعبة بن الحجاج عن أبي التياح عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيلعليه‌السلام بدرنوك من الجنة، فجلست عليه، فلما صرت بين يدي ربي كلّمني وناجاني، فما علَّمني شيئاً إلّا علمه علي، فهو باب مدينة علمي. ثم دعاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه فقال له: يا علي سلمك سلمي وحربك حربي وأنت العلم بيني وبين أمتي من بعدي »(١) .

وسابعاً: إن الباب محيط ومطلِّع بالضرورة على جميع ما يخرج من المدينة،

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٥٥.

١٥٢

وليس المحراب كذلك

وثامناً: إن الباب هو الواسطة للوصول إلى المدينة لمن هو في خارجها، بخلاف المحراب حيث لا وساطة له من هذه الناحية بنحوٍ من الأنحاء

فتحصّل: أنا لو سلّمنا أنْ يكون للمدينة محراب، وأن أبا بكر محراب مدينة العلم، فإنّ كلّ واحد من هذه الفروق التي ذكرناها بين « الباب » و« المحراب » يكفي في الرد على الاستدلال بهذه الزيادة المزعومة على أعلميّة أبي بكر. بل الأمر بالعكس، فإنّ كل واحد منها دليل مستقل على أعلميّة أمير المؤمنينعليه‌السلام من جميع الصحابة، بل من جميع الأنبياء والمرسلين، ما عدا نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والسابع: من الوجوه المبطلة لهذه الزيادة ودلالتها على زعم ابن حجر هو: أنّه لو كان لأبي بكر حظ من العلم لما رجع إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام في شيء من الحوادث الواقعة، بداهة أنّ الأعلم لا يرجع إلى غيره، لكن القضايا التي رجع فيها إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيرة جدّاً، وقد حوى كتاب ( تشييد المطاعن ) طرفاً منها، كما سيأتي في كتابنا نبذة من تلك القضايا، فانتظر.

٦ - قوله: « فمن أراد العلم » لا يقتضي الأعلمية

وأمّا قول ابن حجر: « ورواية: فمن أراد العلم فليأت الباب، لا تقتضي الأعلمية، فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة الإِيضاح والبيان والتفرّغ للناس، بخلاف الأعلم » فمن غرائب المكابرات، ونحن نوضّح ذلك في وجوه:

قوله: « أنا مدينة العلم وعلي بابها » بوحده يقتضي الأعلمية

أحدها: إن مجرّد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » يقتضي الأعلميّة ويدلّ عليها بوجوه عديدة سديدة كما تقدم سابقاً، وقد

١٥٣

اعترف بذلك كثيرون من كبار علماء أهل السنّة كما دريت هناك، بل قد عرفت أن ابن حجر نفسه من المعترفين بذلك في ( المنح المكية ) وفي ( تطهير الجنان ). فالمناقشة بعد هذا في دلالة جملة: « فمن أراد العلم » على الأعلمية لا مورد لها.

هل يجوز الارجاع إلى غير الأعلم؟

الثاني: إن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فمن أراد العلم فليأت الباب » يقتضي أعلمية الامامعليه‌السلام ، وإلّا لزم إرجاعه الناس إلى غير الأعلم مع وجود الأعلم، وهذا غير صحيح شرعاً وعقلاً ويخالف سيرة العقلاء والعلماء

وأيضا: هو ينافي مقتضى نصح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته، مع أنّه أنصح الخلائق لها

وأيضا: هو ظلم بالنسبة إلى الأعلم.

وأيضاً: هو ترجيح للمرجوح، وذلك لا يكون من أدنى المتشرّعين فضلاً عن شارع دين الإسلام عليه وآله الصلاة والسّلام.

وأيضاً: في قوله: « فمن أراد العلم فليأت الباب » دلالة ظاهرة على حصر المرجعيّة بالباب، وذلك يقتضي الأعلميّة، وإلّا فإنّ الإِرجاع إلى غير الأعلم مع وجود الأعلم قبيح كما تقدّم، فكيف بحصر المرجعيّة فيه؟.

ابطال توجيه ابن حجر

الثالث: قول ابن حجر في توجيه الإِرجاع إلى غير الأعلم: « فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة الإِيضاح والبيان والتفرغ للناس » فيه: أنّ باب مدينة العلم، والحائز لجميع علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو حق الباب، والمقدَّم على غيره من حيث الإِيضاح والبيان هو الأعلم من غيره بالضرورة لا غيره، ودعوى انفكاك « الأعلمية » عن هكذا شخص مكابرة واضحة

١٥٤

فظهر أنّ ما ذكره ابن حجر في توجيه دعواه هو في الحقيقة دليل على بطلان مدّعاه، وهذا من جلائل آثار علوّ الحق والصواب.

على أنّه لا يخفى ما في كلامه من دعوى وجود الإِيضاح والبيان عند أبي بكر، لكن للإِمامعليه‌السلام زيادة عليه!!

وأمّا « التفرغ للناس » فما الدليل على أنّ تفرّغ الامامعليه‌السلام للناس على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أكثر من تفرّغ أبي بكر؟ ومن ادّعى فعليه البيان بل إذا نظرت في تاريخ الرجلين وسيرتهما رأيت الامامعليه‌السلام خائضاً في الحروب والمغازي والبعوث والسّرايا بخلاف أبي بكر فقد كان في معزلٍ عن تحمّل هذه المكاره لخوره وجبنه، فأيهما كان المتفرّغ؟!

إذن، ليس الإِرجاع في العلوم بسبب التفرّغ للناس، بل الملاك هو الأعلميّة كما هو مقتضى السيرة العقلائيّة هذا بالنسبة إلى زمن الحياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمّا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كان أبو بكر خليفةً والامامعليه‌السلام جليس بيته، أليس من أهمّ وأجلّ وظائف الخليفة وأعماله تعليم الُأمة ونشر العلوم الدينيّة بين الناس؟ فهل يعقل أنْ يسند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الخلافة عنه إلى شخصٍ ثمّ يرجع الناس في أهمّ واجباته ووظائفه - مع كونه أعلم الناس - إلى غيره؟!

بل الحق أنّ إرجاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الُأمة إلى الامامعليه‌السلام في أخذ العلم منه دليل واضح على إمامته، وبرهان لائح على خلافته، وإنّ ما كان منهعليه‌السلام من نشر علم الدين على عهد النبي وبعده على عهد حكومة الخلفاء من أقوى الأدلة على ذلك، وإن تغلّب القوم على الخلافة فالخليفة الحقيقي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حفظ دينه ونشر علومه، وحلّ المشكلات والمعضلات

١٥٥

٧ - حديث: أبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها

ثم إن ابن حجر عارض حديث: « أنا مدينة العلم وعلي بابها » بحديث مختلق موضوع فقال: « على أن تلك الرواية معارضة بخبر الفردوس: أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها. فهذه صريحة في أن أبا بكر أعلمهم » لكنّها معارضة باطلة سنداً ودلالةً، أما سنداً فمن وجوه:

هو من وضع إسماعيل الاسترآبادي

أحدها: إنّ هذا الحديث من وضع « إسماعيل الأسترآبادي » كما سبق بيانه في ردّ كلام الأعور بالتفصيل، وقد كان الأحرى بابن حجر أن لا يفضح نفسه بالتفوّه بهذا الإِفك المبين.

السخاوي وهذا الحديث

والثاني: لقد ضعّف الحافظ السخاوي هذا الحديث وأمثاله من الموضوعات المختلقة المختلفة في مدح الثلاثة أو الأربعة، فقد قال: « وأورده صاحب الفردوس، وتبعه ابنه المذكور بلا إسناد، عن ابن مسعود رفعه: أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها وعن أنس مرفوعاً: أنا مدينة العلم ومعاوية حلقتها. وبالجملة فكلّها ضعيفة، وألفاظ أكثرها ركيكة»(١) .

ولا يخفى أنّ ذكر ابنه هذا الحديث بلا اسنادٍ - مع أنّ موضوع كتابه ( مسند الفردوس ) ذكر أسانيد كتاب والده الفردوس - من أقوى الشواهد على كون الحديث موضوعاً، فلو وجد الابن سنداً لهذا الحديث ولو ضعيفاً لأورده مثل كثير من الأسانيد الضعيفة الواردة في مسند الفردوس وأنى للديلمي ذلك وأين!!

____________________

(١). المقاصد الحسنة: ٤٧.

١٥٦

وقد عرفت سابقاً عن ابن عساكر في تاريخه أن هذا الحديث وضعه إسماعيل الأسترآبادي، ولما سئل عن سنده عجز حتى عن اختلاق سندٍ له

وكيف كان، فما ذكرناه عن السخاوي في شأن هذا الحديث كافٍ لإِبطال احتجاج ابن حجر به في هذا المقام ومن الغريب أنّ الشيخ عبد الحق الدهلوي نقل في ( اللّمعات في شرح المشكاة ) عبارة السخاوي هذه مبتورةً منقوصةً فلاحظ.

ابن حجر نفسه وهذا الحديث

والثالث: ان ابن حجر نفسه يضعّف هذا الحديث، فقد جاء في كتاب ( الفتاوي الحديثية ): « وسئلرضي‌الله‌عنه : ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها. هل الحديث صحيح أم لا؟ فأجاب: الحديث رواه صاحب مسند الفردوس، وتبعه ابنه بلا إسناد عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه مرفوعاً، وهو حديث ضعيف كحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقتها، فهو ضعيف أيضاً ».

ألا يظنّ ابن حجر أنّه مؤاخذ بهذا التناقض والتهافت؟

البدخشاني وهذا الحديث

والرابع: إنه قد أنصف العلامة البدخشاني، حيث صرّح بكونه موضوعاً، ونصّ على الغرض الواقعي من وضعه، فقال: « أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها لا تقولوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلّا خيراً. فرب لا إسنادٍ عن ابن مسعود. وهو منكر جدّاً وأظنه موضوعاً، وإنما وضعه من وضعه ليقابل به حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها وسيأتي »(١) .

____________________

(١). تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين - مخطوط.

١٥٧

اللكهنوي وهذا الحديث

والخامس: إنّ ولي الله اللكهنوي نصّ في ( مرآة المؤمنين ) بعد ذكر حديث مدينة العلم على: « إن ما ألحق بهذا الحديث في بعض ألفاظه في حق الأصحاب موضوع ومفترى على ما في الصواعق ».

فالحمد لله المتفضّل بإفاضة الحقائق، حيث ظهر بنص هذا الفاضل أن ما أتى به ابن حجر المائق في ( الصواعق ) هو من الموضوعات والمفتريات التي ألحقها الوضّاعون في هذا الحديث الرائق

هذا كلّه بالنسبة إلى سند هذا الحديث

.... أبو بكر أساسها ...!!

وأما بالنظر إلى متن هذا الحديث ومعناه نقول: بأنّه باطل من وجوه كذلك:

أحدها: جعل من وضع هذا الحديث أبا بكر « أساس المدينة »، وجعله واضع الحديث السابق « محرابها »، وهذا التناكر الشنيع بين الحديثين دليل قطعي على أنّ كليهما موضوع، ولا غرابة في وقوع هذا التنافر بين الموضوعات، فأحد الوضّاعين يضع لفظاً من غير اطّلاع منه على ما وضعه الآخر، لكنّ الغرابة في مناقضة ابن حجر لنفسه في كلامٍ واحد، لأنّ أبا بكر إذا كان « محراب المدينة » فليس هو « أساسها »، وإذا كان « أساسها » فليس « محرابها » لكنّ هذا من آثار خذلان ابن حجر فالله حسيبه وحسيب أمثاله، وهو المؤاخذ إيّاه على سوء فعاله.

والثاني: إن الواقع والحقيقة يكذِّب وينفي أنْ يكون أبو بكر أساس مدينة العلم، وذلك لجهل أبي بكر بالأحكام الشرعية والمعارف الدينيّة، والأمثلة والشواهد على جهله كثيرة جداً، ومشهورة بين الفريقين، وسيأتي ذكر طرفٍ منها.

وأيضاً: رجوعه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام في المعضلات والمشكلات

١٥٨

مشهور كذلك، بل لقد أدّى جهله وضلاله إلى أنْ يقول على رؤوس الأشهاد: « إنَّ لي شيطاناً يعتريني فإذا استقمت فأعينوني وإذا زغت فقوّموني ».

والثالث: إنّ كون أبي بكر « أساسها » يستلزم معنىً باطلاً لا يلتزم به مسلم، وذلك لأنّ أساس المدينة مقدَّم على نفس المدينة، فيكون أبو بكر مقدّماً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا كفر صريح، لا يطيق أهل السنة إظهاره وإنْ اعتقدوا به في قلوبهم

هذا بالنسبة إلى فقرة « وأبو بكر أساسها ».

.... وعمر حيطانها ...!!

وأمّا بالنسبة إلى فقرة « وعمر حيطانها » فنقول: هو باطل من وجوه:

أحدها: إنَّ جعل « الحيطان » للمدينة غلط ومن هنا كان اللفظ في الحديث الموضوع الآخر: « سورها »، لكن واضعها جعل ثلاثتهم « سورها » فلفظه: « أنا مدينة العلم وأبو بكر وعمر وعثمان سورها وعلي بابها »! ! وأمثال هذه الاختلافات في أشباه تلك الاختلاقات مما يهتك أستارها، ويكشف أسرارها، ويبدي عوارها، ويعلن عارها.

والثاني: كيف يكون « عمر حيطانها » وقد كان كلّ الناس أعلم منه حتى ربّات حجالها؟!

أليس قال عمر نفسه: « كلّ أحدٍ أفقه من عمر »؟ وقال: « كلّ الناس أفقه من عمر »؟ وقال: « كلّ الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في الحجال »؟ وقال: « كلّ الناس أفقه من عمر حتى النساء »؟ وقال: « كلّ الناس أعلم من عمر حتى العجائز »؟

بل إنّ جعل هكذا شخص من مدينة العلم « حيطانها » يوجب انخرام المدينة، وذلك ممّا يهدم أساس الدين، ولا يلتزم به أحد من المميّزين فضلاً عن الراشدين.

١٥٩

والثالث: انه ما أكثر القضايا التي رجع فيها عمر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل إلى جماعة من تلامذته، مثل ابن عباس، وابن مسعود. بل لقد اتّفق رجوعه إلى بعض الأصحاب القاصرين مثل: معاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف؟

فكيف يجوز جعل هكذا شخصٍ سوراً لمدينة العلم؟ إنْ هذا إلّا جرأة عظيمة من الوضّاعين الكذّابين، الذين لا يتورّعون عن الخدشة في مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سبيل مدح أئمتهم

هذا بالنسبة إلى: « وعمر حيطانها ».

.... وعثمان سقفها ...!!

وأمّا بالنسبة إلى فقرة: « وعثمان سقفها » فنقول هو باطل من وجوه أيضاً:

أحدها: إنّ المدينة لا يكون لها سقف كما هو واضح، فهل يعقل صدور هذا الكلام من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟، فذكر الديلمي الحديث في ( الفردوس ) واحتجاج ابن حجرٍ به في ( الصواعق ) في غاية الغرابة.

والثاني: إنّه مع الغضّ عن ذلك، فليس عثمان قابلاً لأن يكون جزءً من أجزاء مدينة العلم، لفرط جهله بالمعارف الدينية والأحكام الشرعيّة، وستطّلع على جانبٍ من ذلك فيما بعد إن شاء الله بالتّفصيل فلا مناسبة بين عثمان وبين مدينة العلم على أي نهج كان، فضلاً عن التعبير عنه بكونه سقفاً لها، فإنّه من التعبيرات الباطلة السخيفة.

والثالث: ما اشتهر عن عثمان من الاعتراف بالجهل. وأيضاً: رجوعه إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في القضايا والحوادث الواقعة كما ستقف على ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى، مبطل لهذا الحديث.

ولنا على بطلان هذا الحديث الموضوع وجوه أخرى كثيرة ذكرناها في جواب كلمات ( الدهلوي ) والعاصمي والطيّبيّ وابن تيميّة والأعور وكلّ ذلك يكون

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301