نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار18%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 301

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 301 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141994 / تحميل: 5838
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

بالباب فقال لي: استأذن لي، فلم آذن له. وفي رواية: انه قال ذلك ثلاثاً، فدخل بغير إذني، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الذي أبطأ بك يا علي؟ فقال: يا رسول الله، جئت لأدخل فحجبني أنس. فقال: يا أنس لِمَ حجبته؟ فقال: يا رسول الله، لما سمعت الدعوة أحببت أن يجئ رجل من قومي فتكون له. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تضر الرجل محبة قومه ما لم يبغض سواهم »(١) .

ترجمته:

كحّالة : « فقيه، أُصولي، أديب، ناثر، ناظم، مؤرّخ، مشارك في أنواعٍ من العلوم، من مؤلَّفاته الكثيرة »(٢) .

(١٣٤)

رواية بهجت افندي

المتوفى سنة: ١٣٥٠.

رواه في ( تاريخ آل محمّد: ٣٨ ) وترجمه إلى الفارسية وأوضح مدلوله ومعناه.

(١٣٥)

رواية منصور ناصف

وهو: الشيخ منصور علي ناصف، المتوفى بعد سنة: ١٣٧١، من علماء الأزهر.

____________________

(١). تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٤٤٣.

(٢). معجم المؤلفين ٥ / ٢٨٣.

١٠١

قال:

« عن أنس -رضي‌الله‌عنه - قال: كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي فأكل معه ».

وقال بشرحه:

« فيه: إنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - أحبّ الخلق إلى الله تعالى »(١) .

ترجمته:

ويكفي للوقوف على شخصية الرّجل العلمية ومزايا كتابه المذكور النظرُ في التقاريظ الصادرة عن علماء عصره والمطبوعة في مقدمة كتابه، فلاحظ.

١٠٢

تفنيد مزاعم

الكابلي والدهلوي حول

سند حديث الطّير

١٠٣

١٠٤

قوله:

« الحديث الرّابع ما رواه أنس: إنّه كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له أو أُهدي إليه، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي من هذا الطير. فجاءه علي ».

تصرّفات ( الدهلوي ) في الحديث وتلبيساته لدى نقله

أقول:

( للدهلوي ) هنا تسويلات وتعسّفات نشير إليها:

(١) من الواضح جدّاً أنّ علماء الإماميّة، كالشيخ المفيد، وابن شهر آشوب وأمثالهما، يثبتون تواتر هذا الحديث، ولهم في ذلك بيانات وتقريرات. فكان على ( الدهلوي ) أن يشير إلى تواتر هذا الحديث - ولو عن الإِمامية، ولو مع تعقيبه بالردّ - لكنّ إعراضه عن ذكر ذلك ليس إلّا لتخديع عوام أهل نحلته، كيلا يخطر ببال أحدٍ منهم، ولا يطرق آذانهم تواتر هذا الحديث، حتّى نقلاً عن الإِماميّة.

١٠٥

لكن ثبوت تواتره - حسب إفادات أئمة أهل السنّة - بل قطعيّة صدوره ومساواته للآية القرآنية في القطعية - حسب إفادة ( الدهلوي ) نفسه، كما عرفت ذلك كلّه - يكشف النّقاب عن تسويل ( الدهلوي ) وتلبيسه والله يحق الحقّ بكلماته.

(٢) إنّ قوله: « ما رواه أنس » تخديع وتلبيس آخر، إنّه يريد - لفرط عناده وتعصّبه - إيهام أنّ رواية هذا الحديث منحصرة في أنس بن مالك، وأنّه لم يرو عن غيره من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لكن قد عرفت أنّ رواة هذا الحديث يروونه عن عدّة من الصحابة عن الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم:

١ - أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢ - أنس بن مالك.

٣ - عبد الله بن العباس.

٤ - أبو سعيد الخدري.

٥ - سفينة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ - سعد بن أبي وقاص.

٧ - عمرو بن العاص.

٨ - أبو الطفيل عامر بن واثلة.

٩ - يعلى بن مرّة.

ولا يتوّهم: لعلّ ( الدهلوي ) إنّما نسبه إلى أنس بن مالك فحسب، لانتهاء طرق أكثر الرّوايات إليه، وليس مراده حصر روايته فيه.

لأنّ صريح عبارته في فتواه المنقولة سابقاً أنّ مدار حديث الطير بجميع طرقه ووجوهه على أنس بن مالك فحسب

(٣) إنّه بالإِضافة إلى ما تقدّم كتم كثرة طرق هذا الحديث ووجوهه عن أنس.

١٠٦

(٤) إنّه - بالإِضافة إلى كلّ ما ذكر - لم يذكر لفظاً كاملاً من ألفاظ الخبر عن أنس بن مالك، المتقدمة في أسانيد الحديث.

(٥) إنّه قد ارتكب القطع والتغيير في نفس هذا اللّفظ الذي ذكره بحيث أنّا لم نجد في كتاب من كتب الفريقين رواية حديث الطير بهذا اللّفظ بل إنّ لفظه لا يطابق حتى لفظ الكابلي المنتحل منه كتابه وهذه عبارة الكابلي كاملةً:

« الرابع: ما رواه أنس بن مالك: إنّه كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له فقال: اللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي. فجاء علي، فأكله معه.

وهو باطل، لأنّ الخبر موضوع، قال الشيخ العلّامة إمام أهل الحديث شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الدمشقي الذهبي في تلخيصه: لقد كنت زمناً طويلاً أظنّ أنّ حديث الطير لم يحسن الحاكم أن يودعه في مستدركه، فلمـّا علّقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه.

وممّن صرّح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري.

ولأنّه ليس بناص على المدّعى، فإنّ أحبّ الخلق إلى الله تعالى لا يجب أنْ يكون صاحب الزعامة الكبرى كأكثر الرسل والأنبياء.

ولأنّه يحتمل أن يكون الخلفاء غير حاضرين في المدينة حينئذٍ، والكلام يشمل الحاضرين فيها دون غيرهم، ودون إثبات حضورهم خرط قتاد هوبر.

ولأنّه يحتمل أن يكون المراد بمن هو من أحبّ الناس إليك كما في قولهم فلان أعقل الناس وأفضلهم. أي من أعقل وأفضلهم.

ولأنّه اختلف الروايات في الطير المشوي، ففي رواية هو النحام، وفي رواية إنّه الحبارى، وفي أُخرى إنّه الحجل.

ولأنّه لا يقاوم الأخبار الصحاح لو فرضت دلالته على المدّعى ».

فقد أضاف ( الدهلوي ) جملة « أو أهدي إليه ». ونقص جملة « فأكله معه »

١٠٧

بتغيير « فجاء علي » إلى « فجاءه علي ».

ثمّ إنّ ( الدهلوي ) وضع - تبعاً للكابلي - كلمة « أحبّ الناس » في مكان « أحبّ الخلق» فلماذا هذا التبديل والتغيير منهما؟ والحال أنّه لم يرد لفظ « أحبّ الناس » في طريقٍ من طرق حديث الطّير، لا عند السابقين ولا اللّاحقين من أهل السنّة وتلك ألفاظهم قد تقدمت في قسم السّند كما لا تجده في لفظٍ من ألفاظ الإِماميّة في شيء من موارد استدلالهم بحديث الطّير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

ولعمري، إنّ مثل هذه التبديلات والتصرّفات والتحريفات، لا يليق بمثل ( الدهلوي ) عمدة الكبار، بل هو دأب المحرّفين الأغمار، وديدن المسوّلين الأشرار والله الصائن الواقي عن العثار.

اختلاف الرّوايات في الطير غير قادح في الحديث

قوله:

« واختلفت الرّوايات في الطير المشوي، ففي رواية إنّه النحام، وفي رواية إنّه حبارى، وفي رواية إنّه حجل ».

أقول:

لا أدري ما ذا يقصد ( الدهلوي ) من ذكر اختلاف الروايات في الطير المشوي!! إنْ أراد أن ذلك موجود في كلمات علماء الإِماميّة، فهو محض الكذب والإِفتراء. وإنْ أراد إفهام كثرة تتّبعه في الحديث وإحاطته بألفاظ هذا الحديث بالخصوص، فهذا يفتح عليه باب اللّوم والتعيير، لأنّ معنى ذلك أنّه قد وقف على الطرق الكثيرة والألفاظ العديدة لهذا الحديث، ثمّ أعرض عن

١٠٨

جميعها، عناداً للحقّ وأهله. وإنْ كان ذكر هذا الإِختلاف عبثاً، فهذا يخالف شأنه، لا سيّما في هذا الكتاب الموضوع على الاختصار والإِيجاز، كما يدّعي أولياؤه.

لكنّ الحقيقة، إنّه قد أخذ هذا المطلب من الكابلي، كغيره ممّا جاء به، فقد عرفت قول الكابلي: « ولأنّه اختلفت الرّوايات في الطير المشوي، ففي رواية هو النحام، و في رواية إنّه الحبارى، و في أخرى إنّه الحجل ».

غير أنّ الكابلي ذكر هذا الاختلاف في وجوه الإِبطال بزعمه، وكأن ( الدهلوي ) استحيى من أن يورده في ذاك المقام، وإن لم يمكنه كف نفسه فيعرض عنه رأساً.

مجرّد اختلاف الأخبار لا يجوّز تكذيب أصل الخبر

وعلى كلّ حالٍ، فإنّ الإِستناد إلى إختلاف الروايات في « الطير المشوّي »، لأجل القدح والطعن في أصل الحديث، جهل بطريقة علماء الحديث أو تجاهل عنها، فإنّهم في مثل هذا المورد لا يكذّبون الحديث من أصله، ولا ينفون الواقعة التي أخبرت عنها تلك الأخبار، بل إنّهم يجمعون بينها بطرقٍ شتى، منها الحمل على تعدّد الواقعة هذا الطريق الّذي على أساسه الجمع بين الروايات المختلفة في واقعة حديث الطير

ولا بأس بذكر بعض موارد الجمع على هذا الطريق في كتب الحديث:

قال الحافظ ابن حجر - بعد ذكر الأحاديث المختلفة في رمي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوه الكفّار يوم حنين، حيث جاء في بعضها: أنّه رماهم بالحصى، وفي آخر: بالتراب، وفي ثالث: أنّه نزل عن بغلته وتناول بنفسه، وفي رابع: أنّه طلب الحصى أو التراب من غيره. واختلفت في المناول، ففي بعضها: إنّه ابن مسعود، وفي آخر: إنّه أمير المؤمنين علي عليه

١٠٩

السلام - قال ابن حجر:

« ويجمع بين هذه الأحاديث: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاً قال لصاحبه: ناولني، فناوله، فرماهم. ثمّ نزل عن البغلة فأخذه بيده فرماهم أيضاً، فيحتمل: أنه الحصى في إحدى المرتين، وفي الأخرى التراب. والله أعلم »(١) .

وقال الحافظ ابن حجر بشرح قول البرّاء بن عازب: « وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء »، وهو الحديث الثاني في باب غزوة حنين عند البخاري:

« وفي حديث العباس عند مسلم: شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث، فلم نفارقه. الحديث. وفيه: ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يركض بغلته قبل الكفّار. قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكفّها إرادة أنْ لا يسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه ».

قال ابن حجر: « ويمكن الجمع: بأنّ أبا سفيان أخذ أوّلاً بزمامها، فلمـّا ركّضها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس، فأخذ بلجام البغلة يكفّها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له، لأنّه كان عمه »(٢) .

وقال شهاب الدين القسطلاني(٣) بشرح قول البّراء: « ولقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بغلته البيضاء » وهو الحديث الرابع في باب غزوة حنين عند البخاري. قال:

« عند مسلم من حديث سلمة: على بغلته الشهباء. وعند ابن

____________________

(١). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٦.

(٢). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٤.

(٣). وهو: أحمد بن محمد، المتوفّى سنة: ٩٢٣، الضوء اللّامع ٢ / ١٠٣.

١١٠

سعد ومن تبعه: على بغلته دلدل. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، لأنّ دلدل أهداها له المقوقس، يعني لأنّه ثبت في صحيح مسلم من حديث العباس: وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. قال القطب الحلبي: فيحتمل أن يكون يومئذٍ ركب كلّا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلّا فما في الصحيح أصح »(١) .

وقال الشّامي(٢) : « السابع - البغلة البيضاء. وفي مسلم عن سلمة بن الأكوع: الشهباء التي كان عليها يومئذٍ أهداها له فَروة - بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو وبالتاء - ابن نفاثة - بنون مضمومة ففاء مخففة فألف فثاء مثلثة. ووقع في بعض الروايات عند مسلم فروة بن نعامة - بالعين والميم - والصحيح المعروف الأوّل.

ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممّن ألّف في المغازي: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على بغلته دلدل. وفيه نظر، لأنّ دلدل أهداها له المقوقس.

قال القطب: يحتمل أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركب يومئذٍ كلا من البغلتين، وإلّا فما في الصحيح أصّح »(٣) .

وقال القسطلاني: « حدّثني بالإِفراد عمرو بن علي - بفتح العين وسكون الميم - ابن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي قال: حدّثنا أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد قال: حدّثنا سفيان الثوري قال: حدّثنا أبو صخرة جامع بن شداد - بالمعجمة وتشديد الدال المهملة الاُولى - المحاربي قال: حدّثنا صفوان بن محرز - بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاء - المازني: قال: حدّثنا عمران بن حصين قال:

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٠٣.

(٢). محمد بن يوسف الصالحي، المتوفّى سنة: ٩٤٢، شذرات الذهب ٨ / ٢٥٠، كشف الظنون ٢ / ٩٧٨.

(٣). سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ٥ / ٣٤٩.

١١١

جاء بنو تميم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لهم: ابشروا - بهمزة قطع - بالجنّة يا بني تميم قالوا: أمّا إذا بشّرتنا فأعطنا من المال، فتغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء ناس من أهل اليمن - وهم الأشعريون - فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم: إقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلناها يا رسول الله كذا ورد هذا الحديث هنا مختصراً، وسبق تاماً في بدء الخلق، ومراده منه هنا قوله: فجاء ناس من أهل اليمن.

قال في الفتح: واستشكل بأنّ قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع، وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقب فتح خيبر سنة سبع. وأجيب: باحتمال أن يكون طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك »(١) .

وقال القسطلاني: « حدّثني بالإِفراد ولأبي ذر حدّثنا محمّد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي قال: حدّثنا أبو اُسامة حمّاد بن اُسامة، عن بريد بن عبد الله - بضم الموحدة وفتح الراء - ابن أبي بردة - بضم الموحدة وسكون الراء - عن جدّه أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعريرضي‌الله‌عنه أنّه قال: أرسلني أصحابي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسأله الحملان لهم - بضم الحاء المهملة وسكون الميم - أي ما يركبون عليه ويحملهم، إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك. فقلت: يا نبيّ الله، إنّ أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال: والله لا أحملكم على شيء، ووافقته، أي صادفته وهو غضبان ولا أشعر، أي والحال أني لم أكن أعلم غضبه، ورجعت إلى أصحابي حال كوني حزيناً من منع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحملنا، ومن مخافة أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وَجَد في نفسه، أي غضب عليّ، فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٣٩.

١١٢

فلم ألبث - بفتح الهمزة والموحدة بينهما لام ساكنة. آخره مثلثة - إلّا سويعة، - بضم السّين المهملة وفتح الواو مصّغر ساعة - وهي جزء من الزمان، أو من أربعة وعشرين جزء من اليوم والليلة، إذ سمعت بلالا ينادي، أي عبد الله بن قيس، يعني يا عبد الله، ولأبي ذرّ ابن عبد الله بن قيس: فأجبته. فقال: أجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوك، فلمـّا أتيته قال: خذ هذين القرينين وهاتين القرينتين. أي: الناقتين. لستة أبعرة. لعلّه قال: هذين القرينين - ثلاثاً - فذكر الراوي مرّتين اختصاراً.

لكن قوله في الرواية الاُخرى: فأمر لنا بخمس ذود. مخالف لما هنا.

فيحمل على التعدد، أو يكون زادهم واحداً على الخمس، والعدد لا ينفي الزائد »(١) .

فالعجب من الكابلي المتتبّع النظّار، كيف عرّض الحديث للقدح والإِنكار بمجرّد اختلاف الروايات في الطّير المشوي، ولم يقف على دأب خدّام الحديث النبوي، حيث أنّهم حملوا اختلاف كثير من الأحاديث على تعدّد الواقعة، وجعلوه حجة نافية للشبهات قاطعة، فليت شعري هل يقف الكابلي عن مقالته السمجة الشنيعة، ويتوب عن هفوته الغثة الفظيعة، أم يصرّ على ذنبه ويدع النصفة في جنبه، فيبطل شطراً عظيماً من الروايات والأخبار، ويعاند جمعاً كثيراً من العلماء والأحبار.

بطلان دعوى حكم أكثر المحدّثين بوضع الحديث

قوله:

« وهذا الحديث قال أكثر المحدّثين بأنّه موضوع ».

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٥٠.

١١٣

أقول:

هذا كذب مبين وتقوّل مهين فقد عرفت أنّ رواة هذا الحديث ومخرجيه في كلّ قرنٍ يبلغون في الكثرة حدّاً لا يبقى معه شكّ في تواتره وقطعيّة صدوره ووقوعه

وأيضاً قد عرفت أنّ حديث الطير مخرَّج في صحيح الترمذي الذي هو أحد الصحّاح الستّة التي ادّعى جمع من أكابرهم إجماع السابقين واللاحقين على صحّة الأحاديث المخرّجة فيها فيكون هذا الحديث صحيحاً لدى جميع العلماء الأعلام بل الْأُمة قاطبة

فهل تصدق هذه الدعوى من ( الدهلوي )؟

وهل من الجائز جهله برواية هؤلاء الذين ذكرناهم وغيرهم لحديث الطّير، وهو يدّعي الإِمامة والتبّحر في الحديث؟

لكن هذا القول من ( الدهلوي ) ليس إلّا تخديعاً للعوّام، وإلّا فإنّه لم ينسب القول بوضع هذا الحديث إلّا إلى الجزري والذهبي!! فيا ليته ذكر أسامي طائفة من « أكثر المحدّثين » القائلين بوضع حديث الطير!!

بل الحقيقة، إنّه لا يملك إلّا ما قاله وتقوّله الكابلي وقد عرفت أنّ الكابلي لم يعز هذه الفرية إلّا إلى الرجلين المذكورين فقط. لكن لما ذا زاد عليه دعوى حكم أكثر المحدثين بذلك؟

وسواء كان القول بالوضع لهذين الرجلين فحسب أو لأكثر أو أقلّ منهما فإنّه قول من أعمته العصبيّة العمياء، وتغلّب عليه العناد والشقاء، فخبط في الظلماء وعمه في الطخية الطخياء، وبالغ في الاعتداء وصرم حبل الحياء.

١١٤

حول نسبة القول بوضعه إلى الجزري

قوله:

« وممّن صرّح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري ».

أقول:

في أي كتابٍ قال ذلك؟

أوّلاً : في أيّ كتاب وأيّ مقام صرّح الجزري بوضع حديث الطير؟

لم يفصح ( الدهلوي ) عن ذلك كي نراجع ونطابق بين الحكاية والعبارة.

ولكن أنّى له ذلك وأين؟! فإنّ إمامه الكابلي أيضاً قد أغفل وأجمل، وكلّ ما عند ( الدهلوي ) فمأخوذ منه ومن أمثاله

كذب ( الدهلوي ) في نسبة القول بوضع حديث المدينة إليه

وثانياً : لقد عزا الكابلي القول بوضع حديث أنا مدينة العلم إلى الجزري، وقلّده ( الدهلوي ) في ذلك مع أنّ الجزري روى حديث المدينة بسنده، ولم يحكم بوضعه بل نقل عن الحاكم تصحيحه وهذه عبارته:

« أخبرنا الحسن بن أحمد بن هلال - قراءة عليه - عن علي بن أحمد بن عبد الواحد، أخبرنا أحمد بن محمّد بن محمّد - في كتابه من إصبهان - أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسين المقري، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو أحمد محمّد بن أحمد الجرجاني، أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا عبد الحميد بن بحر، أخبرنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي -رضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها.

١١٥

رواه الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى، حدّثنا محمّد بن رومي، حدّثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي وقال: حديث غريب. وروى بعضهم عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي. قال: لا يعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس. انتهى.

قلت: ورواه بعضهم عن شريك، عن سلمة ولم يذكر فيه عن سويد.

ورواه الأصبغ بن نباتة، والحارث، عن علي نحوه.

ورواه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها وقال الحاكم: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. و رواه أيضاً من حديث جابر بن عبد الله ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

أقول : فمن يرى النسبة بلا تعيين للكتاب ولا نقل لنصّ العبارة والكلام - ثمّ يرى كذب نسبة القول بالوضع في حديث أنا مدينة العلم - يقطع بكذب النّسبة في حديث الطير.

لو قال ذلك فلا قيمة له

وثالثاً : ولو فرضنا جَدَلاً وسلّمنا صدور مثل هذه الهفوة من الجزري، فلا ريب في أنّه لا يعبأ ولا يعتنى به، في قبال تصريحات أساطين الأئمة المحققين بثبوت حديث الطير وتحقق قصّته

قال ابن حجر وغيره: القول بوضعه باطل

ورابعاً : لقد تقدم قول السبكي في ( طبقاته ) بترجمة الحاكم: « وأمّا

____________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٦٩ - ٧١.

١١٦

الحكم على حديث الطير بالوضع، فغير جيد » وقول ابن حجر المكّي في ( المنح المكّية ): « وأمّا قول بعضهم: إنّه موضوع، وقول ابن طاهر: طرقه كلها باطلة معلولة، فهو الباطل ». فلو كان الجزري قد قال بذلك كان باطلاً.

الجزري متّهم بالمجازفة في القول

وخامساً : إنّ الجزري كان متّهماً لدى العلماء بالمجازفة في القول وبأشياء أُخرى كما لا يخفى على من راجع ترجمته. فلو كان قد قال في حديث الطير ما زعمه الكابلي و ( الدهلوي ) فهو من مجازفاته في القول.

وإليك عبارة السّخاوي بترجمته، المشتملة على ما ذكرنا:

« وقال شيخنا في ( معجمه ) خرّج لنفسه أربعين عشارية لفظها من أربعين شيخنا العراقي، وغيّر فيها أشياء ووهم فيها كثيراً، وخرّج جزءً فيه مسلسلات بالمصافحة وغيرها، جمع أوهامه فيه في جزء الحافظ ابن ناصر الدين، وقفت عليه وهو مفيد. وكذا انتقد عليه شيخنا في مشيخة الجنيد البلباني من تخريجه

ووصفه في ( الإِنباء ) بالحافظ الإِمام المقري ثم قال: وذكر أنّ ابن الخبّاز أجاز له، واتّهم في ذلك، وقرأت بخط العلاء ابن خطيب الناصريّة: أنّه سمع الحافظ أبا إسحاق البرهان سبط ابن العجمي يقول: لمـّا رحلت إلى دمشق قال لي الحافظ الصدر الياسوفي: لا تسمع من ابن الجزري شيئاً. انتهى. وبقيّة ما عند ابن خطيب الناصرية: إنّه كان يتّهم في أول الأمر بالمجازفة، وأنّ البرهان قال له: أخبرني الجلال ابن خطيب داريا: أن ابن الجزري مدح أبا البقاء السبكي بقصيدة زعم أنّها له، بل وكتب خطّه بذلك، ثم ثبت للممدوح أنّها في ديوان قلاقش.

قال شيخنا: وقد سمعت بعض العلماء يتّهمه بالمجازفة في القول، وأمّا

١١٧

الحديث فما أظنّ به ذلك، إلّا أنه كان إذا رأى للعصريّين شيئاً أغار عليه ونسبه لنفسه، وهذا أمر قد أكثر المتأخّرون منه، ولم ينفرد به.

قال: وكان يلقّب في بلاده: الإِمام الأعظم. ولم يكن محمود السّيرة في القضاء »(١) .

حول نسبة القول بوضَعه إلى الذّهبي

قوله:

« قال إمام أهل الحديث شمس الدين ابو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي في تلخيصه ».

أقول:

تصريح الذهبي بأنّ للحديث طرقاً كثيرة وأصلا ً

أوّلاً : قد عرفت سابقاً تصريح الذهبي بأنّ لحديث الطّير طرقاً كثيرة وأنّ له أصلاً، بل إنّ الذهبي أفرد طرقه بالتّصنيف، وعرفت أيضاً ذكر ( الدهلوي ) هذا في كتابه ( بستان المحدّثين )، وإقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود.

وعليه، فإنّ إقرار الذهبي بما ذكر يؤخذ به، ودعواه وضع الحديث لا يعبأ بها، إذ ليست إلّا عن التعصّب والعناد، ويبطلها إقراره المذكور. لكن العجب من ( الدهلوي ) كيف يحتّج بكلام الذهبي الصّادر عن البغض والتعصّب، ويُعرض عمّا اعترف به في ثبوت الحديث وأنّ له أصلاً؟ إنّه ليس إلّا التعصب والعناد إذ يقبل كلام الذهبي الباطل ولا يقبل كلامه الحق!!

____________________

(١). الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع ٣ / ٤٦٥.

١١٨

رجوعه عن كلامه الذي استند إليه الدهلوي وسلفه

وثانياً : لقد رجع الذهبي عمّا كان يدّعيه ونصّ على ذلك، فكيف أخذ ( الدهلوي ) بما قاله الذهبي في السابق، ولم يلتفت إلى رجوعه وعدوله عنه؟

لقد قال الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) ما نصّه: « محمّد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة المصري عن يحيى بن حسّان. فذكر حديث الطّير. وقال الحاكم: هذا على شرط البخاري ومسلم.

قلت : الكلّ ثقات إلّا هذا، فإنّه اتّهمته به، ثمّ ظهر لي أنّه صدوق.

روى عنه: الطبراني، وعلي بن محمّد الواعظ، ومحمّد بن جعفر الرافقي، وحميد بن يونس الزّيات، وعدة. يروي عن: حرملة، وطبقته.

ويكنّى أبا علاثة. مات سنة ٢٩١. وكان رأساً في الفرائض.

وقد يروي أيضاً عن: مكّي بن عبد الله الرعيني، ومحمّد بن سلمة المرادي، وعبد الله بن يحيى بن معبد صاحب ابن لهيعة.

فأمّا أبوه فلا أعرفه »(١) .

فظهر أنّ الذي قاله الذهبي - حول ما رواه الحاكم - كان قبل انكشاف حال « محمّد بن أحمد بن عياض » عنده إذ رواته الآخرون ثقات، فلمـّا ظهر له حاله وأنّه صدوق - ورأس في الفرائض وهو نصف الفقه - رفع اليد عمّا قاله، فالحديث عنده صحيح والحقّ مع الحاكم.

فسقط اعتماد الكابلي و ( الدهلوي ) على كلام الذهبي السابق.

قال السبكي وغيره: الذهبي متعصّب متهوّر

وثالثاً: ولو فرضنا أنّ الذّهبي لم يعترف بالحق والأمر الواقع الصحيح في

____________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٤٦٥.

١١٩

باب حديث الطير، وأنّه ليس بين أيدينا إلّا حكمه بوضعه فالحقيقة أنّه لا تأثير لكلامه ولا قيمة له حتى يعتمد عليه في مقام ردّ هذا الحديث، لأنّ كبار المحققين من أهل السنّة لم ينظروا إلى كلامه في موارد كثيرة من الجرح والتعديل بعين الاعتبار، لفرط تعصّبه، حتى خشي عليه بعض تلامذته يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وإليك شواهد من كلماتهم في هذا الباب:

قال السبكي بترجمة أحمد بن صالح المصري: « وممّا ينبغي أنْ يتفقّد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربّما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك، وإليه أشار الرّافعي بقوله: وينبغي أنْ يكون المزكّون برآء من الشحناء والعصبيّة في المذهب، خوفاً من أنْ يحملهم ذلك على جرح عدلٍ أو تزكية فاسق، وقد وقع هذا لكثير من الأئمة، جرحوا بناءً على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب.

وقد أشار شيخ الإِسلام، سيد المتأخرين تقي الدين بن دقيق العيد في كتابه ( الإِقتراح ) إلى هذا وقال: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من النّاس: المحدّثون والحكّام.

قلت : ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري: تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللّفظ، فيا لله والمسلمين! أيجوز لأحدٍ أنْ يقول: البخاري متروك؟ وهو حامل لواء الصناعة ومقدّم أهل السنّة والجماعة، ويا لله والمسلمين! أتجعل ممادحه مذام؟! فإنّ الحقّ في مسألة اللّفظ معه، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أنّ تلفظّه من أفعاله الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى؟ وإنّما أنكرها الإِمام أحمد لبشاعة لفظها.

ومن ذلك قول بعض المجسّمة في أبي حاتم ابن حبان: لم يكن له كثير دين! نحن أخرجناه من سجستان لأنّه أنكر الحدّ لله. فليت شعري! مَنْ أحق بالإِخراج؟ من يجعل ربّه محدوداً أو من ينزّهه عن الجسميّة!

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

جوابنا عن ذكر محمد بن محمد الحافظي المعروف بخواجة بارسا في ( فصل الخطاب ) وحسين بن محمد الديار بكري في ( الخميس في أحوال أنفس نفيس ) هذا الحديث الموضوع المصنوع عن كتاب ( الفردوس ) من غير ردٍّ ونكير

وبعد كلّ هذا الذي ذكرناه يسقط قول ابن حجر بعد ذلك: « فهذه صريحة في أنّ أبا بكر أعلمهم، وحينئذٍ فالأمر بقصد الباب إنما هو لنحو ما قلناه، لا لزيادة شرفه على ما قبله » لما عرفت من سقوط هذا الحديث سندا ودلالة، فكيف بمعارضته مع حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها »، فكيف بالاستدلال به على أعلميّة أبي بكر من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فكيف بدعوى صرف دلالة الجملة: « فمن أراد العلم فليأت الباب » عن مدلولها الصريح في أعلمية الامامعليه‌السلام بسبب هذا الحديث الموضوع؟!!

وكذا ما ذكره في نهاية كلامه تعليلاً لدعواه السابقة قائلاً: « لما هو معلوم بالضرورة أنّ كلّا من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب ». لأنّه يبتني على الحديث المذكور، وقد عرفت كونه موضوعاً وباطلاً سنداً ودلالة.

ثم ما أراد من العلو في هذا الكلام؟ فإن أراد من العلو: العلوّ الظاهري الحسيّ فهو باطل لوجهين: أحدهما: أنّ ذلك يصادم العيان ويخالف الحس والوجدان، فإنّ كل ذي عينين يرى أنّ الباب أعلى من الأساس، وإذا كان الأعلى أزيد شرفاً - كما زعم - فأمير المؤمنينعليه‌السلام الأشرف والأعلم.

والثاني: إنه إذا كان المدار على العلو الظاهري، فلا ريب في أن الحيطان أعلى من الأساس، والسقف أعلى من الحيطان، فيلزم أن يكون عمر أعلم من أبي بكر، وأن يكون عثمان أعلم من كليهما. وهذا مع كونه خلاف الواقع لا يرضى به أحد منهم.

وإنْ أراد من العلوّ: العلوّ المعنوي الحقيقي، فإنّ الباب أعلى واشرف من الأساس والحيطان والسقف بلا شبهة وارتياب، وإن هذه الأجزاء من المدينة أو الدار - مجموعةً أو كلاً على انفراد - ليس لها أدنى مراتب العلو المعنوي، بل الباب

١٦١

أعلى وأرفع منها بمراتب لا تعدّ ولا تحصى، علوّاً معنوياً حقيقياً، وبالنظر إلى المعاني المقصودة من الباب والآثار المترتبة على وجوده، اعترف أكابر علماء أهل السنّة بالأعلميّة المطلقة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، بسبب كونه باب مدينة العلم وأثبتوا له فضائل عظيمة وخصائص جليلة كلّها مستنبطة من حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

فظهر أنّ العلوّ الحقيقي المعنوي ثابت للباب، لا للأساس المرفوض الموهوم والحيطان والسقف المهدوم المعدوم، فالأعلمية المطلقة ثابتة لهعليه‌السلام على كلا التقديرين المذكورين في « العلو »، وإنكار ابن حجر المكي هذا المعنى لا أساس له، وذلك منه عجيب جدا، وقد اعترف هو في ( المنح المكيّة ) وفي ( تطهير الجنان ) بما ذكرناه وقد تقدّمت عبارته في الكتابين.

رأي ابن حجر في تأويل « علي »

ثم إن ابن حجر تعرّض في ( الصواعق ) إلى تأويل « علي » في الحديث الشّريف قائلاً: « وشذّ بعضهم فأجاب بأن معنى: وعلي بابها. أي من العلو، على حدّ قراءة: هذا صراط علي مستقيم، برفع علي وتنوينه كما قرأ به يعقوب » فعبّر عن هذا التأويل بـ « الشذوذ » ولم يصرّح ببطلانه وسخافته، وقد تقدَّم منا الجواب على هذا التأويل في جواب كلام الأعور، فراجع.

أمّا في ( المنح المكيّة ) فقد ردّ على هذا التأويل وأجاد بقوله: « واحتجّ بعض من لا تحقيق عنده علي الشيعة، بأنّ « علي » اسم فاعل من العلو، أي عال بابها فلا ينال لكلّ أحد، وهو بالسفساف أشبه، لا سيّما في رواية رواها ابن عبد البر في استيعابه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه، إذ مع تحديق النّظر في هذه الرّواية لا يبقى تردّد في بطلان ذلك الرأي، فاستفده بهذا ».

١٦٢

قوله تعالى:( هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ) في قراءة أهل البيت

وأمّا الآية الكريمة التي أشار إليها ابن حجر في عبارته فإنّ لفظ « علي » فيها هو اسم سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام - كما هو الحال في حديث: « أنا مدينة العلم » فالصراط مضاف إلى علي، وهذه هي قراءة أهل البيت، الذين هم أدرى بما في البيت، وهم المقرونون بالكتاب في حديث الثقلين وهي أيضاً قراءة الحسن البصري كما عن أبي بكر الشيرازي، ففي كتاب ( مناقب آل أبي طالب ): « أبو بكر الشيرازي في كتابه، بالإِسناد عن شعبة عن قتادة، سمعت الحسن البصري يقرأ هذا الحرف: هذا صراط علي مستقيم. قلت: ما معناه؟ قال: هذا طريق علي بن أبي طالب ودينه طريق ودين مستقيم، فاتّبعوه وتمسّكوا به، فإنه واضح لا عوج فيه(١) .

وكتاب أبي بكر الشيرازي - الموسوم بكتاب ما نزل من القرآن في علي - يرويه ابن شهر آشوب عن مؤلّفه أبي بكر محمد بن مؤمن الشيرازي بالاجازة كما قالرحمه‌الله في أول كتابه: « وحدّثني محمود بن عمر الزمخشري بكتاب الكشاف والفائق وربيع الأبرار. وأخبرني الكياشيرويه بن شهردار الديلمي بالفردوس. وأنبأني أبو العلاء العطار الهمداني بزاد المسافر، وكاتبني الموفق بن احمد المكي خطيب خوارزم بالأربعين، وروى لي القاضي أبو السعادات الفضائل، وناولني أبو عبد الله محمد ابن أحمد النطنزي بالخصائص العلوية، وأجاز لي أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي رواية كتاب ما نزل من القرآن في عليعليه‌السلام ، وكثيرا ما أسند إلى أبي العزيز كادش العكبري، وأبي الحسن العاصمي الخوارزمي، ويحيى بن سعدون القرطبي، وأشباههم ».

والكتاب المذكور لأبي بكر الشيرازي من الكتب المعتمدة عند أهل السنة،

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب: ٣ / ١٠٧.

١٦٣

بل هو من جملة الكتب التي يفتخر ( الدهلوي ) بتأليف أهل السنة إيّاها في مناقب أهل البيت كما في حاشية التعصّب الثالث عشر، من الباب الحادي عشر، من كتابه ( التحفة ).

... وحلقتها معاوية ...!!

وزاد بعض الوضّاعين في حديث « أنا مدينة العلم » جملةً في فضل معاوية، فقد روى الديلمي في ( فردوس الأخبار ) هذا الحديث باللفظ التالي: « أنا مدينة العلم وعلي بابها وحلقتها معاوية»(١) فهذا إفك شنيع، وقد كفانا مؤنة الردّ عليه السخاوي في ( المقاصد الحسنة ) وابن حجر المكّي في ( الفتاوى الحديثية )، حيث صرّحا بعدم صحّته، فمن العجيب نقل المناوي إيّاه في ( كنوز الحقائق ) بقوله: « أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقتها. فر »(٢) . أي أخرجه الديلمي في الفردوس.

لا يصحّ عن النبي في فضل معاوية شيء

بل لقد نصَّ كبار الأئمة والحفّاظ على أنّه لا يصح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل معاوية شيء، وهذا من الأمور المسلَّمة بينهم، ولمزيد الفائدة والبيان نذكر بعض نصوصهم في هذا المقام:

قال ابن الجوزي: « أنبأنا زاهر بن طاهر، قال: أنبأنا أحمد بن الحسين البيهقي، قال: ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، قال: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول: سمعت أبي يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: لا يصح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل معاوية

____________________

(١). فردوس الأخبار ١ / ٤٤ رقم ١٠٨.

(٢). كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير: ٨١.

١٦٤

ابن أبي سفيان شيء.

أنبأنا هبة الله بن أحمد الحريري قال: أنبأنا محمد بن علي بن الفتح، قال أنبأ الدارقطني قال حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن جعفر بن بيان الرزاز قال: ثنا أبو سعيد الخرقي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي فقلت: ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: اُنشر قولي فيهما: إعلم أن علياً كان كثير الأعداء ففتّش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا فجاؤا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كياداً منهم له »(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني: « تنبيه: عبّر البخاري في هذه الترجمة بقوله: « ذكر » ولم يقل « فضيلة » ولا « منقبة » لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب، إلّا أنّ ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه والصحبة دالّة على الفضل الكثير. وقد صنف ابن أبي عاصم جزءاً في مناقبه، وكذلك أبو عمر غلام ثعلب، وأبو بكر النقاش. وأورد ابن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثم ساق عن إسحاق بن راهويه أنه قال: لم يصح في فضائل معاوية شيء. فهذه النكتة في عدول البخاري عن التصريح بلفظ منقبة اعتمادا على قول شيخه لكن بدقيق نظره استنبط ما يدمغ به رؤس الروافض وقصة النسائي في ذلك مشهورة وكأنه اعتمد أيضا على قول شيخه إسحاق، وكذلك في قصة الحاكم.

وأخرج ابن الجوزي أيضاً من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي: ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: إعلم أن علياً كان كثير الأعداء ففتّش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي. فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له. وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإِسناد، وبذلك جزم إسحاق ابن راهويه والنسائي وغيرهما والله أعلم »(٢) .

____________________

(١). الموضوعات ٢ / ٢٤.

(٢). فتح الباري ٧ / ٨٣.

١٦٥

وقال العيني: « مطابقته للترجمة من حيث أن فيه ذكر معاوية، ولا يدل هذا على فضيلته. فإنْ قلت: قد ورد في فضيلته أحاديث كثيرة. قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديث يصح من طريق الإِسناد، نصّ عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، ولذلك قال: باب ذكر معاوية ولم يقل فضيلة ولا منقبة »(١) .

وقال ابن خلكان بترجمة النسائي: « قال محمد بن إسحاق الإِصبهاني سمعت مشايخنا بمصر يقولون: إنّ أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روي من فضائله فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل! وفي رواية أخرى: ما أعرف له فضيلة إلّا لا أشبع الله بطنك »(٢) .

وقال أبو الفداء بترجمته: « ثم عاد إلى دمشق فامتحن في معاوية وطلب منه أن يروي شيئا من فضائله فامتنع وقال: ما يرضى معاوية أن يكون رأسا برأس حتى يفضل! »(٣) .

وقال أبو الحجاج المزي نقلاً عن أبي بكر المأموني: « وقيل له وأنا حاضر: ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء أُخرج! اللهم لا تشبع بطنه! وسكت وسكت السائل » قال « قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: سمعت علي بن عمر يقول: كان أبو عبد الرحمن أفقه مشايخ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعلمهم بالرجال. فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة فسئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه، فضربوه في الجامع فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه إلى مكة وهو عليل وتوفي بها مقتولاً شهيداً. قال الحاكم أبو عبد الله: ومع ما جمع أبو عبد الرحمن من الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره، فحدّثني محمد بن إسحاق الإِصبهاني قال: سمعت مسائخنا بمصر

____________________

(١). عمدة القاري ١٦ / ٢٤٨.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٥٩.

(٣). المختصر في أخبار البشر حوادث: ٣٠٣.

١٦٦

يذكرون أن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية بن أبي سفيان وما روي من فضائله فقال: ألا يرضى معاوية رأساً برأس حتى يفضل! فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أُخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة ومات بها »(١) .

وقال الذهبي نقلاً عن المأموني « سمعت قوماً ينكرون على أبي عبد الرحمن كتاب الخصائص لعليرضي‌الله‌عنه وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك فقال: دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير، فصنّفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله. ثم إنه صنّف بعد ذلك فضائل الصحابة فقيل له وأنا أسمع: ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء أُخرج! حديث اللهم لا تشبع بطنه! فسكت السائل. قلت: لعلّ هذه منقبة معاوية لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ».

قال: « قال أبو عبد الله ابن مندة عن حمزة العقبي المصري وغيره: إن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عمّا جاء من فضائله فقال: ألا يرضى رأساً برأس حتى يفضل! قال: فما زالوا يدفعون في خصيته حتى أُخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة فتوفي بها. كذا في هذه الرواية إلى مكة وصوابه: الرملة »(٢) .

وقال ابن الوردي: « وعاد إلى دمشق فامتحن في معاوية وطلب منه أن يروي شيئاً من فضائله فقال: ما يرضى معاوية أن يكون رأساً برأس حتى يفضل »(٣) .

وقال صلاح الدين الصفدي: « وأنكر عليه قوم كتاب الخصائص لعليرضي‌الله‌عنه وتركه تصنيفه فضائل الشيخين، فذكر له ذلك فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير، فصنّفت الخصائص رجاء أن يهديهم الله تعالى. ثم

____________________

(١). تهذيب الكمال ١ / ٣٢٨.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٦٩٨.

(٣). تتمة المختصر حوادث: ٣٠٣.

١٦٧

صنف بعد ذلك فضائل الصحابة فقيل له: ألا تخرج فضائل معاوية! فقال: أي شيء أُخرج! اللهم لا تشبع بطنه! فسكت السائل. قال شمس الدين: لعل هذا فضيلة له لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم من لعنته وسببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة » قال « ولما خرج من مصر إلى دمشق في آخر عمره سئل عن معاويةرضي‌الله‌عنه وما دوّن من فضائله فقال: لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل! فما زالوا يطعنون في خصيتيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة وقيل الرملة، وتوفي بها »(١) .

وقال اليافعي: « وخرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روي من فضائله فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتى يفضل! وفي رواية أخرى: ما أعرف له فضيلة إلّا لا أشبع الله بطنك »(٢) .

وقال الفاسي: « قال الدار قطني: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه، فضربوه في الجامع فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه إلى مكة وهو عليل، وتوفي بها مقتولاً شهيداً»(٣) .

وقال ابن حجر العسقلاني بترجمة النسائي نقلاً عن الحاكم: « سمعت علي ابن عمر يقول: النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم وأعلمهم بالرجال. فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إلى الرملة فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه، فضربوه في الجامع فقال: أخرجوني إلى مكة فأخرجوه وهو عليل وتوفي مقتولاً شهيداً » قال « وقال أبو بكر المأموني سألته عن تصنيفه كتاب الخصائص فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير، فصنفت كتاب الخصائص رجاء أنْ يهديهم الله تعالى. ثم صنف بعد ذلك كتاب فضائل

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

(٢). مرآة الجنان حوادث: ٣٠٣.

(٣). العقد الثمين ٣ / ٤٥.

١٦٨

الصحابة وقرأها على الناس وقيل له - وأنا حاضر - ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء أخرج! اللهم لا تشبع بطنه! وسكت وسكت السائل »(١) .

وقال المناوي بترجمة النسائي: « دخل دمشق فذكر فضائل عليّ فقيل له فمعاوية؟ قال: ما كفاه أنْ يذهب رأساً برأس حتى يذكر له فضائل. فدفع في خصيتيه حتى أشرف على الموت فأخرج فمات في الرملة أو فلسطين سنة ثلاث وثلاثمائة. وحمل للمقدس أو مكة فدفن بين الصفا والمروة »(٢) .

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في رجال المشكاة بترجمة النسائي: « قال الأمير جمال الدين المحدّث عن الشيخ الإِمام عبد الله اليافعي أنه ذكر في تأريخه: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي صاحب المصنفات ومقتدى زمانه، سكن مصر ثم جاء بدمشق، فقال له أهل تلك الناحية يوما في المسجد: ما تقول في معاوية وما ورد في فضله؟ فأجاب: أما يرضى معاوية أن يخرج عني رأساً برأس حتى يفضل! وفي رواية: قال: لا أعرف له فضيلة إلّا لا أشبع الله بطنه. فقام الناس ووقعوا فيه وأهانوه وضربوه وجرّوه من المسجد، وأذهبوه برملة فمرض فمات بذلك.

وفي رواية: أذهبوه بمكة فمرض ومات بمكة. ودفنوه بين الصّفا والمروة ».

وقال ابن تيمية الحرّاني: « ومعاوية ليس له بخصوصه فضيلة في الصحيح، لكن قد شهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حنيناً والطائف وغزوة تبوك، وحجّ معه حجة الوداع، وكان يكتب الوحي، فهو ممّن ائتمنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كتابة الوحي، كما ائتمن غيره من الصحابة » قال « بل قد رووا في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصنّف في ذلك مصنفات، وأهل العلم بالحديث لا يصحّحون لا هذا ولا هذا »(٣) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ١ / ٣٢.

(٢). فيض القدير - شرح الجامع الصغير ١ / ٢٥.

(٣). منهاج السنة ٢ / ٢٠٧.

١٦٩

بطلان الجملة الموضوعة معنى ً

ثم إنّ « معاوية حلقتها » باطل من وجوه:

أحدها: المدينة مطلقاً لا حاجة لها إلى الحلقة، بل لا ينسبها أحد من العقلاء إليها أصلاً، ومن ادّعى فعليه البيان، وعلينا دمغ رأسه بمقمعة البرهان.

والثاني: مدينة العلم بالخصوص لا حاجة لها إلى الحلقة.

والثالث: جعل معاوية كالحلقة لمدينة العلم عيب للمدينة، لا يجرأ على التفوّه بذلك إلّا من خرج عن الإِيمان بل عن العقل والشّعور.

والرابع: معنى إحتياج المدينة إلى الحلقة هو احتياج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى معاوية في العلم، وهذا مما يهدم أركان الدين.

والخامس: معنى كونه حلقة المدينة أنّ معاوية له حظ من العلم، لكنّ جهله بالأحكام الشرعيّة فضلاً عن المعارف العالية والحقائق السامية أظهر من أنْ يذكر.

والسادس: إنّ لمعاوية مطاعن عظيمة ومعايب كثيرة، تمنعه من أن يكون له أدنى اتّصال بالنبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والسابع: ولو قيل معنى الجملة هو كونه حلقة الباب، أي: أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقة بابها، فيبطله أنّ باب مدينة العلم غير محتاج إلى الحلقة كنفس المدينة. وأيضاً: جهل معاوية خير دليلٍ على بطلان كونه حلقة باب مدينة العلم. وأيضاً: مطاعنه تمنع من أنْ يكون له هذا الاتصال بالمدينة. أضف إلى ذلك عدائه لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

وهناك وجوه أخرى تبطل هذه الجملة الموضوعة من حيث المعنى، نحيل استنباطها واستخراجها إلى الناظر فيها وفي الوجوه التي ذكرناها.

١٧٠

حديث المدينة بلفظ آخر موضوع

إلى هنا تمّ الكلام على تصرّفات بعض القوم في لفظ حديث: « أنا مدينة العلم وعلي بابها » واختلق بعضهم لفظاً آخر لحديث المدينة يتّضح بطلانه سنداً ودلالةً من البحوث المذكورة في الألفاظ المتقدمة وذلك ما جاء في كتاب ( كنج سعادت ) لمعين الدين بن خواجة خاوند محمود الخوارزمي النقشبندي من أنه: « قالعليه‌السلام : أنا مدينة الصدق وأبو بكر بابها، وأنا مدينة العدل وعمر بابها، وأنا مدينة الحياء وعثمان بابها، وأنا مدينة العلم وعلي بابها ».

لكن العجيب استناد بعضهم إلى هذا الحديث الموضوع في مسألة المفاضلة بين الأصحاب، وهو الشيخ رجب بن أحمد التيري في كتابه ( الوسيلة الأحمدية والذريعة السّرمدية في شرح الطريقة المحمدية ) حيث قال في مبحث التفضيل: « ونحن نقول: الأولى في تفضيل الخلفاء الأربعة: أن كلّ واحد منهم أفضل من الآخر باعتبار الوصف الذي اشتهر به، لأنّ فضيلة الإنسان ليست من حيث ذاته، بل باعتبار أوصافه، وقد قالعليه‌السلام : أنا مدينة الصّدق وأبو بكر بابها، وأنا مدينة العدل وعمر بابها، وأنا مدينة الحياء وعثمان بابها، وأنا مدينة العلم وعلي بابها. رواه الزاهدي في كتابه عن بعض الأفاضل وعلى هذا نقول: إن أبا بكر الصديق أفضل الصحابة باعتبار، كثرة صدقه واشتهاره فيما بينهم به، وعمر أفضلهم من جهة العدل، وعثمان أفضلهم من جهة الحياء، وعلي أفضلهم من جهة العلم واشتهاره به، وبهذا يستقيم المرام ويتم الكلام ».

فإنَّ ما ذكره في التفضيل شيء لم يقل به أحد، فهو خرق للاجماع المركَّب، والحديث موضوع مختلق، وفي كلّ فقرة من فقره بحث واضح طويل الذيل، يتجلّى جانب منه بمراجعة كتاب ( تشييد المطاعن ) وغيره من كتب الباب.

بل الحق الثابت بالأدلة القطعيّة أنّ الامام علياًعليه‌السلام أفضل القوم من جميع الجهات، بل هو الأفضل من جميع الخلائق بعد النبي صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله

١٧١

وسلّم من الأولين والآخرين على أنّ هذا الحديث الموضوع اشتمل على جملة « وعلي بابها »، وقد عرفت أنّ كونه باب مدينة العلم يوجب الأعلمية الموجبة للأفضلية على الإِطلاق، حسب إفادات المحقّقين من أهل السنّة، فيكون هذا الحديث الموضوع أيضاً مفيداً للافضليّة المطلقة للامام، خلافاً لمن أراد إثبات الأفضلية له من جهةٍ واحدة والحمد لله رب العالمين.

* * *

١٧٢

(١١)

مع القاري

في كلامه حول الحديث

وقال الملّا علي القاري بشرح حديث « أنا دار الحكمة » ما نصّه:

« وعنه أي عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة - وفي رواية: أنا مدينة العلم وفي رواية المصابيح: أنا دار العلم - وعلي بابها. وفي رواية زيادة: فمن أراد العلم فليأته من بابه والمعنى: عليّ باب من أبوابها، ولكن التخصيص يفيد نوعاً من التعظيم وهو كذلك. لأنه بالنسبة إلى بعض الصحابة أعظمهم وأعلمهم. ومما يدلّ على أن جميع الأصحاب بمنزلة الأبواب قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، مع الإِيماء إلى اختلاف مراتب أنوارها في الإِهتداء.

ومما يحقق ذلك أن التابعين أخذوا أنواع العلوم الشرعيّة من القراءة والتفسير والحديث والفقه من سائر الصحابة غير عليرضي‌الله‌عنه أيضاً، فعُلِمَ عدم انحصار البابية في حقّه. اللهم إلّا أنْ يختص بباب القضاء فإنه ورد في شأنه إنّه: أقضاكم. كما أنه جاء في حق أُبي: أقرؤكم. وفي حق زيد بن ثابت: إنه أفرضكم. وفي حق معاذ بن جبل: إنه أعلمكم بالحلال والحرام.

وممّا يدل على جزالة علمه ما في الرياض عن معقل بن يسار قال: وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال هل لك في فاطمة نعودها؟ فقلت: نعم، فقام متوكئاً عليّ فقال: إنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك. قال: فكأنّه لم يكن عليّ شيء، حتى دخلنا على فاطمة فقلنا: كيف تجدينك؟ قالت: لقد اشتد حزني واشتدّ فاقتي وطال سقمي قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: وجدت بخط أبي في هذا الحديث قال: أو ما ترضين أنّ زوجك أقدمهم سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً. أخرجه أحمد وعن ابن عباس وقد سأله الناس فقالوا: أيّ رجل كان علي؟

١٧٣

قال: كان قد مُلئَ جوفه حكماً وعلماً وبأساً ونجدة، مع قرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أخرجه أحمد في المناقب. وعن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو حسن. أخرجه أحمد.

قال الطيبي: لعلّ الشيعة تتمسك بهذا التمثيل: أن أخذ العلم والحكمة منه مختص به لا يتجاوزه إلى غيره إلّا بواسطتهرضي‌الله‌عنه ، لأن الدار إنما يدخل إليها من بابها وقد قال تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) . ولا حجة لهم فيه، إذ ليس دار الجنة بأوسع من دار الحكمة ولها ثمانية أبواب. رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. أي إسناداً وقال أي الترمذي: روى بعضهم هذا الحديث عن شريك، وهو شريك بن عبد الله قاضي بغداد ذكره الشارح، ولم يذكروا أي ذلك البعض فيه أي في إسناد هذا الحديث عن الصنابحي بضم صاد وكسر موحدة ومهملة، ولا نعرف أي نحن هذا الحديث عن أحدٍ من الثقات غير شريك بالنصب على الإِستثناء، وفي نسخة بالجرّ على أنه بدل من أحد، قيل: وفي بعض نسخ الترمذي: عن شريك بدل غير شريك. والله أعلم.

ثم اعلم أن حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه الحاكم في المناقب من مستدركه من حديث ابن عباس وقال صحيح. وتعقّبه الذهبي فقال: بل هو موضوع. وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا فيه. وقال يحيى بن معين: لا أصل له. كذا قال أبو حاتم ويحيى بن سعيد وقال الدار قطني ثابت. ورواه الترمذي في المناقب من جامعه وقال: إنه منكر، وكذا قال البخاري: إنه ليس له وجه صحيح. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات. وقال ابن دقيق العيد: هذا الحديث لم يثبتوه. وقيل: إنه باطل. لكن قال الحافظ أبو سعيد العلائي: الصواب إنه حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف، فضلاً عن أنْ يكون موضوعاً. ذكره الزركشي. وسئل الحافظ العسقلاني عنه فقال: إنه حسن لا صحيح كما قال الحاكم ولا موضوع كما قال ابن الجوزي. قال السيوطي: وقد بسطت كلام العلائي والعسقلاني في التعقبات التي على الموضوعات. انتهى. وفي خبر

١٧٤

الفردوس: أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعليّ بابها وشذّ بعضهم فأجاب: إن معنى وعليّ بابها إنه فعيل من العلوّ على حد قراءة صراطٌ عليٌّ مستقيم برفع علي وتنوينه كما قرأ به يعقوب »(١) .

علي باب المدينة لا سواه

أقول: وفي هذا الكلام خلط بين الغث والسّمين، ونحن نشير إلى ما فيه بالإِجمال:

أمّا أنْ يكون المعنى: « علي باب من أبوابها » فأوّل من قاله هو العاصمي، وقد بيّنا بطلانه بالتفصيل، وهنا نقول باختصار: إنّ لفظ الحديث يدلّ على انحصار البابيّة في الامامعليه‌السلام ، وغيره لا يليق لأن يكون باباً لدار الحكمة ومدينة العلم، فلا يجوز دعوى ذلك لأحدٍ إلّا بنصٍ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . على أنّ لهؤلاء الثلاثة قبائح ومطاعن تمنعهم من أنْ يكونوا أبواباً لمدينة العلم، بل تمنعهم عن أنْ يكون لهم أقل اتّصال به، وقد تكفّل كتاب ( تشييد المطاعن ) بذكر بعضها فراجعه إن شئت.

ثم إنّ كون الشخص باباً لمدينة العلم والحكمة يستلزم العصمة له، وأنْ يكون محيطاً لما في المدينة من حكمة وعلم وقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام ولم يكن غيره كذلك، ويشهد بذلك استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكلّ إليه كما هو معروف عند الكلّ.

على أنّه جاء في بعض ألفاظ الحديث الأمر بإتيان عليعليه‌السلام ، ففي لفظٍ: « أنا دار الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب، و في آخر: « أنا دار الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب »، والناس بين مطيع وعاص، فمن أتاهعليه‌السلام وأخذ الحكمة منه فهو محتاج إليه ولا يكون باباً لها

____________________

(١). المرقاة - شرح المشكاة ٥ / ٥٧١.

١٧٥

مثله، ومن لم يمتثل أمر الرّسول فغير لائق لأن يكون باباً له، فليس للمدينة باب سوى الامامعليه‌السلام .

وبما ذكرنا يظهر ما في قوله:

« ولكنّ التّخصيص يفيد نوعاً من التعظيم، وهو كذلك، لأنه بالنسبة إلى بعض الصحابة أعظمهم وأعلمهم ».

لأنّ التخصيص المذكور في الحديث تخصيص حقيقي لا إضافي، وقد عرفت سابقاً دلالة الحديث على أنهعليه‌السلام من الصحابة كلّهم أعظمهم وأعلمهم، لا بالنسبة إلى بعضهم.

حديث النجوم موضوع

وأمّا قوله: « ومما يدلّ على أنّ جميع الأصحاب بمنزلة الأبواب قوله ».

ففيه: إنّ حديث أصحابي كالنّجوم ممّا ثبت وضعه واختلاقه، وقد تكلّمنا عليه سابقاً في الردّ على كلام الأعور، ولو سلّمنا صحته فإنه لا يقتضي أن يكون الأصحاب كلّهم أبواباً، لما عرفت من أن هذا الشرف العظيم والمنصب الجليل مخصوص بسيدنا عليعليه‌السلام ، وإنْ دلّ على شيء فإنّما يدل على حصول بعضهم على العلم، وهذا لا يكفي لأنْ يكونوا أبواباً لمدينة العلم، لأن باب المدينة يجب أنْ يكون محيطاً بجميع علوم المدينة، فبين كون الرّجل ذا علم في الجملة، وبين كونه باباً لدار الحكمة ومدينة العلم بون بعيد، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ومن العجيب استدلال القاري بهذا الحديث، وهو يذكر في كتابه ( المرقاة ) كلمات أعلام طائفته في قدحه، فقد قال بشرحه ما نصّه:

« قال ابن الديبع: إعلم أن حديث أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. أخرجه ابن ماجة كذا ذكره الجلال السيوطي في تخريج أحاديث الشفاء، ولم أجده في سنن ابن ماجة بعد البحث عنه. وقد ذكره ابن حجر

١٧٦

العسقلاني في تخريج أحاديث الرافعي في باب أدب القضاء وأطال الكلام عليه، وذكر أنه ضعيف واه، بل ذكر عن ابن حزم أنه موضوع باطل. لكن ذكر عن البيهقي أنه قال: إن حديث مسلم يؤدّي بعض معناه، يعني قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النجوم أمنة للسماء. الحديث. قال ابن حجر: صدق البيهقي هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم أما في الاقتداء فلا يظهر. نعم يمكن أنْ يتلمّح ذلك من معنى الاهتداء بالنجوم. قلت: الظاهر إن الاهتداء فرع الاقتداء. قال: وظاهر الحديث إنما هو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض الصحابة من طمس السنن وظهور البدع ونشر الجور في أقطار الأرض انتهى.

وتكلّم على هذا الحديث ابن السبكي في شرح ابن الحاجب الأصلي في الكلام على عدالة الصحابة ولم يعزه لابن ماجة، و ذكره في جامع الُأصول ولفظه: عن ابن المسبب عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: سألت ربي. الحديث إلى قوله اهتديتم. وكتب بعده: أخرجه. فهو من الأحاديث التي ذكرها رزين في تجريد الُأصول ولم يقف عليها ابن الأثير في الأصول المذكورة، وذكره صاحب المشكاة وقال: أخرجه رزين »(١) .

وما ذكره القاري في تأييد الاستدلال بحديث النجوم بقوله: « وممّا يحقّق ذلك أن التابعين أخذوا أنواع العلوم الشرعية من القراءة والتفسير والحديث والفقه من سائر الصحابة غير عليرضي‌الله‌عنه ، فعلم عدم انحصار البابيّة فيه » فركيك في الغاية، لأنّه استدلال بفعل التابعين في مقابلة النصّ الصريح من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو غير جائز، فليس هناك إلّا انّهم خالفوا أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكيف يقول القاري بعدم انحصار البابيّة فيهعليه‌السلام ؟ والنبي نفسه ينصّ على هذا الإِنحصار و يقول: « يا علي كذب من زعم أنه يدخلها من غير

____________________

(١). المرقاة - شرح المشكاة ٥ / ٥٢٢.

١٧٧

بابها »، و يقول: « كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة لا من قبل الباب » وقد كان هذا المعنى هو ما اعترف به الأصحاب وابتهجوا كما ظهر سابقاً من إفادة الزرندي في ( نظم درر السمطين ) ومن حديث الشورى الذي ذكره جمال الدين المحدّث الشيرازي.

ثم إنّ التّابعين الآخذين من غيرهعليه‌السلام ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما، فالقسم الأول من أخذ عمّن أخذ من الإِمامعليه‌السلام كسلمان، والمقداد، وأبي ذر، وعمار، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس وأمثالهم وهؤلاء التابعون لا يرون أولئك الصحابة أبواباً للعلوم، بل أخذهم في الحقيقة من الامامعليه‌السلام والقسم الثاني من خالف قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فمن أراد العلم فليأت الباب ومن أراد الحكمة فليأتها من بابها » وأعرض عنه عناداً وانحرافاً عن باب مدينة العلم وباب دار الحكمة، ومن الواضح أنّ هؤلاء لا يعبأ بأقوالهم وأفعالهم أبداً

دعوى تخصيص الحديث باب القضاء

وأمّا ما ذكره القاري: « أللهم إلّا أنْ يختص بباب القضاء، فإنه ورد في شأنه أنه أقضاكم، كما أنه جاء في حق أُبيّ أنه أقرؤكم، وفي حقّ زيد بن ثابت أنه أفرضكم، و في حق معاذ بن جبل: أنه أعلمكم بالحلال والحرام » فقد عرفت الجواب عنه في الردّ على كلام العاصمي، وعلى فرض التسليم فإن هذا الاختصاص يفيد الأعلميّة المطلقة لهعليه‌السلام ، لأنّ كونه أقضى الأصحاب يستلزم إحاطته بأنواع العلوم الشرعيّة، مع المزيّة والأفضليّة من غيره في هذا الباب، وسيأتي مزيد توضيح لذلك فيما بعد إن شاء الله.

أمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقضاكم علي » فممّا لا ريب فيه ولا كلام، كما ستعرف فيما بعد إنْ شاء الله تعالى مفصّلاً، لكنّ ما ذكره في حقّ غيره موضوع وباطل سنداً ودلالة، كما بيّناه بالتفصيل في جواب كلام العاصمي،

١٧٨

فراجع إن شئت.

وقوله: « ومما يدل على جزالة علمه » وإن اشتمل على بعض فضائل الامامعليه‌السلام ، فلا يخفى ما فيه، لأنّ ما ذكره يدلّ على أعلمية الإِمام بصراحة كاملة، - لا أنّه يدلّ على جزالة علمه - أضف إلى ذلك النصوص الصريحة الواردة عن مشاهير الأصحاب - من الموافقين له والمعادين - في أعلميّته، ومن هنا قال المناوي: « وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمؤالف والمعادي والمخالف»(١) بل قال القاري نفسه في ( شرح الفقه الأكبر ) بشرح قول الماتن: « ثم علي بن أبي طالب » قال ما نصه:

« أي ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، القرشي الهاشمي، وهو المرتضى زوج فاطمة الزهراء وابن عمّ المصطفى، والعالم في الدرجة العليا، والمعضلات التي سأله كبار الصحابة ورجعوا إلى فتواه فيها فضائل كثيرة شهيرة تحقق قولهعليه‌السلام : أنا مدينة العلم وعلي بابها، وقولهعليه‌السلام : أقضاكم علي »(٢) .

فظهر أنّ الامامعليه‌السلام هو الأعلم من جميع الأصحاب، لا في القضاء بل في جميع الأبواب

الاشارة إلى جواب سائر كلمات القاري

وأمّا كلمات القاري الأخرى فنشير إليها وإلى الجواب عنها:

١ - قوله: « قال الطيّبي ». وقد تقدّم الجواب عن كلام الطيبي هذا في موضعه فلا نعيد.

٢ - قوله: « رواه الترمذي ». قد عرفت الكلام عليه في جواب كلام النووي.

____________________

(١). فيض القدير ٣ / ٤٣.

(٢). شرح الفقه الأكبر: ١١٣.

١٧٩

٣ - قوله: « ثم اعلم أن حديث ». فيه اعتراف بتصحيح الحاكم وأما أقوال القادحين في الحديث فقد تعرّضنا لها في مواضعها.

٤ - قوله: « وفي خبر الفردوس » وقد تقدّم الكلام على هذا الحديث الموضوع في جواب كلام الأعور وابن حجر المكي

٥ - قوله: « وشذّ بعضهم ». هذا كلام ابن حجر المكي في ( الصواعق ) وقد عرفت ما فيه.

وليكن هذا آخر ما نردّ به كلام القاري العاري، والحمد لله الفاطر الباري.

* * *

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301