تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127197 / تحميل: 5827
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

كلمة في تاريخ بغداد

قال ابن جزلة حول تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ما نصه:

« ولمـّا كان الحديث والعناية به ومعرفة الرجال الناقلين له من أجلّ العلوم الشرعية وأشرفها، إستحق من صرف إليه زمانه ووفّر عليه تعبه الثناء والمدح والترحم على السلف الماضين منهم.

وقد صنّف الناس في ذلك وأوغلوا وبالغوا، وميّزوا الثقة من المتهم والضعيف من القوي، وما أعظم فائدة ذلك وأجل موقعه، لكثرة ما دسَّ الملاحدة والزنادقة من الأحاديث الموضوعة البشعة المنفردة التي فسد بسماعها خلق من الناس، واعتقد الغر عند سماعها أنها من قول صاحب الشرع فهلك وتسرع إلى التكذيب ومال إلى الخلاعة، نعوذ بالله من الشقاء والبلاء.

وهذا الكتاب الذي صنّفه الشيخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ البغداديرحمه‌الله ، وسماه تاريخ بغداد، كتاب جليل في هذا العلم نفيس، قد تعب وسهر فيه، وأطال الزمان، والله تعالى يثيبه ويحسن إليه »(١) .

ترجمته:

وللنقل بعض كلمات كبار العلماء في حقه:

١ - السمعاني : « صنّف قريباً من مائة مصنف صارت عمدة لأصحاب الحديث، منها التاريخ الكبير لمدينة السّلام بغداد »(٢) .

٢ - ابن خلكان : « صاحب تاريخ بغداد وغيره من المصنفات المفيدة، كان من الحفاظ المتقنين والعلماء المتبحرين، ولو لم يكن له سوى التاريخ لكفاه، فإنه

____________________

(١). المختصر المختار من تاريخ بغداد / مقدمة المؤلف.

(٢). الأنساب / البغدادي.

٦١

يدل على اطلاع عظيم »(١) .

٣ - الذهبي : « قال الحافظ ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمّد يحكى عن ابن خيرون أو غيره: أن الخطيب ذكر أنه لما حجّ شرب ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله تعالى ثلاث حاجات: أن يحدّث بتاريخ بغداد بها، وأن يملي الحديث بجامع المنصور، وأن يدفن عند بشر الحافي. فقضيت له الثلاث »(٢) .

وممن ترجم له كذلك السبكي و ( الدهلوي ) في ( بستان المحدثين ).

(٧)

رواية ابن المغازلي

روى هذا الحديث بطرقٍ عديدة حيث قال:

« قولهعليه‌السلام : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله.

أخبرنا أبو غالب محمّد بن أحمد بن سهل النحويرحمه‌الله ، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن منصور الحلبي الأخباري، قال: حدثنا علي بن محمد العدوي الشمشاطي قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا، قال: حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، قال: حدثنا الفضيل بن عياض، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن زاذان عن سلمان الفارسي قال: سمعت حبيبي محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل، يسبح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحداً حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ النبوة وفي علي الخلافة.

____________________

(١). وفيات الاعيان ١ / ٩٢.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٨ / ٢٧٠.

٦٢

وأخبرنا أبو طالب محمّد بن أحمد بن عثمان قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن سليمان، قال: حدّثنا عبد الله بن محمد البكري، قال: حدّثنا عبد الله بن محمد ابن حسان الهروي، قال: حدّثنا جابر بن سهل بن عمر بن جعفر، حدّثني أبي عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي ذر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً عن يمين العرش، يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلم أزل أنا وعلي في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب.

و أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي نا: أبو عبد الله محمّد بن علي بن مهدي السقطي الواسطي إملاء قال: أخبرنا أحمد بن علي القواريري الواسطي، نا محمّد بن عبد الله بن ثابت، نا محمّد بن مصفا، نا بقية بن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز، عن جابر بن عبد الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الله عز وجل؟؟؟ أول قطعة من نور فأسنها في صلب آدم، فساقها حتى قسمها جزءين: جزءاً في صلب عبد الله وجزءاً في صلب أبي أبي طالب، فأخرجني نبياً وأخرج علياً وصياً »(١) .

فائدة:

لقد جاء في آخر النسخة التي بأيدينا ما يلي بنصه: « قال في النسخة التي نقلت منها هذه: قال في الأم: قال في نسخة الفقيه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع: فرغ من نسختها أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن بن أبي نزار ابن الشرفية بواسط العراق، في ثاني عشر من شوال من سنة خمس وثمانين وخمسمائة، والله ولي التوفيق.

ثم قال في أم الأم: وفرغت من نسخها في جمادى الآخرة من سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وكتب عمر بن الحسن بن ناصر بن يعقوب. ختم الله له بخير.

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ٨٧ - ٨٩.

٦٣

وقال في أم هذه النسخة: فرغت أنا من هذه النسخة، يوم تاسع عشر من شهر المحرم الحرام من سنة إحدى وتسعين وتسعمائة سنة بمدينة ثلا حماه الله بالصالحين من عباده، وكتب مالكه مملوك آل محمد سعيد بن عبد الله بن صالح عفا الله عنه وحشره في زمرتهم.

وفرغت أنا من تحصيل هذه النسخة المباركة - وأنا الفقير إلى مغفرة الله وكرمه، والعائذ به من أليم عذابه ونقمه: الحسين بن عبد الهادي بن أحمد صلاح، ثبته الله بالقول الثابت في الدنيا والآخرة - آخر نهار الخميس خامس شهر جمادى الآخرة، سنة سبع وثلاثين وألف سنة بمدينة ثلا حرسها الله تعالى بصالحين من عباده، والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، وأنا أسال من اطلع على هذا الكتاب واستوصيه أن يدعو لي بما أمكن من الدعاء لا سيما لحسن الخاتمة والعقبي، وبالله التوفيق والاعانة وهو حسبي ونعم الوكيل ».

وجاء في آخر النسخة أيضاً:

« قال في آخر النسخة التي نقلت منها هذه ما لفظه: حكاية حسنة من المناقب مسموعة في فضائل أهل البيت: قال أبو الحسن علي بن محمّد بن الشرفية: حضر عندي في دكاني بالوراقين بواسط يوم الجمعة خامس ذي القعدة من سنة ثمانين وخمسمائة: القاضي العدل جمال الدين نعمة الله بن علي بن أحمد العطار، وحضر أيضاً عندي الأمير شرف الدين أبو شجاع بن العبري الشاعر، فسأل شرف الدين القاضي جمال الدين أن يسمعه المناقب، فابتدأ بالقراءة عليه من نسختي التي بخطّي في دكاني يومئذ، وهو يرويها عن جدّه العلّامة المعمّر محمّد بن علي المغازلي عن أبيه المصنف، فهمّا في القراءة وقد اجتمع عليهما جماعة، إذ اجتاز أبو مصر قاضي العراق وأبو العباس ربيعة وهما ينبزان بالعدالة، فوقفا يغوغيان وينكران عليه قراءة المناقب، وأطنب قاضي العراق في التهزء والمجون، وقال في جملة مقالته على طريق الاستهزاء: أي قاضي اجعل لنا وظيفة كلّ يوم جمعة بعد الصلاة تسمعنا شيئاً من هذه المناقب في المسجد الجامع، فقال لهما القاضي نعمة

٦٤

الله بن العطار: ما أنتما من أهلها، أنتما قد حضرتما في درب الخطيب وذكرتما أن علياً ما كان يحفظ سورة واحدة من كتاب الله تعالى، والمناقب تتضمّن أنه ما كان في الصحابة أقرأ من علي بن أبي طالب، فما أنتما من أهلها، فأكثرا الغوغاء والتهزّء، فضجر القاضي نعمة الله بن العطار، وقال بمحضر جماعة كانوا وقوفاً:

أللهم إنْ كان لأهل بيت نبيّك عندك حرمة ومنزلة فاخسف به داره وعجّل نكايته، فبات في ليلته تلك وفي صبيحة يوم السبت من سنة ثمانين وخمسمائة خسف الله تعالى بداره، فوقعت هي والقنطرة وجميع المسنّاة إلى دجلة، وتلف منه فيها جميع ما كان يملك من مال وأثاث وقماش، فكانت هذه المنقبة من أطرف ما شوهد يومئذ من مناقب آل محمّد صلوات الله عليهم.

فقال علي بن محمد بن الشرفية في ذلك اليوم في هذا المعنى:

يا أيّها العدل الذي

هو عن طريق الحق عادل

متجنباً سبل الهدى

وإلى سبيل الغيّ مائل

أبمثل أهل البيت يا

مغرور ويحك أنت هازل

دع عنك أسباب الخلا

عة واستمع مني الدلائل

بالأمس حين جحدت

من أفضالهم بعض الفضائل

وجريت في سنن السخر

ولست تسمع عذل عاذل

نزل القضاء على ديار

ك في صباحك شرّ نازل

أضحت ديارك سابحات في

الثرى خسف الزلازل

وبقيت يا مغرور في الد

ارين لم تحظ بطائل

هذا الجزاء بهذه الدنيا فعد

لهم غداً ما أنت قائل

قال علي بن محمّد الشرفية: وقرأت المناقب التي صنّفها ابن المغازلي بمسجد الجامع بواسط، الذي بناه الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله ولقّاه ما عمل، في مجالس ستة، أوّلها الأحد رابع صفر وآخرهنّ عاشر صفر سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، في أممٍ لا يحصى عديدهم، وكتب قاريها بالمسجد الجامع علي بن محمّد

٦٥

ابن الشرفية ».

ترجمته:

وأبو الحسن علي بن محمّد المعروف بابن المغازلي، من أعلام الفقهاء والمحدّثين من أهل السنة. قال السمعاني: « كان فاضلاً عارفاً برجالات واسط وحديثهم، وكان حريصاً على سماع الحديث وطلبه، رأيت له ذيل التاريخ بواسط وطالعته وانتخبت منه روى لنا عنه ابنه بواسط ».

(٨)

رواية شيرويه الديلمي

لقد روى هذا الحديث في ( فردوس الأخبار ) حيث قال:

« سلمان: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً يسبّح الله ويقدس قبل أن يخلق آدم بأربع عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، ولم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب ».

و قال: « سلمان: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بخلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ النبوة وفي علي الخلافة ».

ترجمته:

وقد أثنى على شيرويه الديلمي وأطراه كل من ترجم له، كالذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) وغيره والرافعي في ( التدوين ) واليافعي في ( مرآة الجنان ) والأسنوي

٦٦

في ( طبقات الشافعية ) وغيرهم من أعلام أهل السنة أصحاب السير والتواريخ وسنورد نصوص عبائرهم في قسم ( حديث التشبيه ) إنْ شاء الله تعالى.

(٩)

رواية العاصمي

لقد رواه بطرق عديدة مستدلاً به على شبه أمير المؤمنينعليه‌السلام لآدمعليه‌السلام في الخلق، ثم أيّده بأحاديث أخر، قال:

« ذكر مشابه نبينا آدمعليه‌السلام ، فإنه قد وقعت المشابهة بين المرتضى وبينهعليه‌السلام بعشرة أشياء: أوّلها الخلق والطينة، والثاني بالمكث والمدة، والثالث بالصاحبة والزوجة، والرابع بالتزويج والخلعة، والخامس بالعلم والحكمة، والسادس بالذهن والفطنة، والسابع بالأمر والخلافة، والثامن بالأعداء والمخالفة، والتاسع بالعرفاء والوصية، والعاشر بالأولاد والعترة.

أما الخلق والطينة فإن آدمعليه‌السلام خلق من الطين وخلط طينه بنور الثقلين، فكان طيناً دينيّاً، وكذلك المرتضى خلق من الطينة الطاهرة والتربة الزكية الزاهرة، ولذلك قال المصطفى: خلقت من أطيب الطين وخلق محبي من أسفلها ثم خلطت العليا بالسفلى، فلو لا النبوة والرسالة لكنت رجلاً من أمتي.

والذي يؤيد ما قلنا: ما أخبرني به محمّد بن أبي زكريا الثقة قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا إسحاق بن محمّد بن علي بن خالد الهاشمي بالكوفة قال: حدّثنا أحمد بن زكريا بن طهمان، قال: حدّثنا محمّد بن خالد الهاشمي قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل بن حماد بن أبي خليفة، عن أبيه عن زياد بن المنذر، عن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله

٦٧

عز وجل من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم نقل ذلك النور من صلبه، فلم يزل ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسّمه قسمين، فصيّر قسمي في صلب عبد الله وقسم علي في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي ودمه من دمي، فمن أحبه فبحبي أحبه ومن أبغضه فببغضي أبغضه ».

ثم روى أربعة أحاديث أخرى، وهذه ألفاظ ثلاثة منها:

« عن أبي الحمراء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لمـّا اسري بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش الأيمن، فاذا عليه مكتوب: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به ».

« عن نافع عن ابن عمر قال: بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس ذات يوم ببطحاء مكة، إذ هبط عليه جبرئيل الروح الأمين قال: يا محمد إنّ رب العرش يقرأ عليك السلام ويقول: لما أخذ ميثاق النبيين أخذ ميثاقك في صلب آدم، فجعلك سيّد الأنبياء وجعل وصيك سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب ويقول: يا محمد وعزتي لو سألتني أن أزيل السماوات والأرض لأزلتها لكرامتك عليّ ».

« عن أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كل مولود يولد فهو في سرته من التربة التي خلق منها، وأنا وعلي بن أبي طالب خلقنا من تربة واحدة ».

وهذا لفظ رابعها بسنده: « أخبرنا الحسين بن محمّد قال: حدّثنا عبد الله بن أبي منصور قال: حدّثنا محمّد بن بشر قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن المثنى قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد يسبح الله عز وجل في يمنة العرش قبل خلق الدنيا، ولقد سكن آدم الجنة ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه، فلم يزل يقلبنا الله عز وجل في أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة، حتى انتهى بنا إلى عبد

٦٨

المطلب، فجعل ذلك النور بنصفين، فجعلني في صلب عبد الله وجعل علياً في صلب أبي طالب، وجعل فيَّ النبوة والرسالة وجعل في علي الفروسية والفصاحة، واشتق لنا اسمين من أسمائه، فربّ العرش محمود وأنا محمّد، وهو الأعلى وهذا علي ».

قال العاصمي: « فهذه الأحاديث تدلّ على صحّة ما أشرنا إليه ورجحان ما دلّلنا عليه »(١) .

(١٠)

رواية أبي الفتح النطنزي

لقد روى هذا الحديث قائلاً: « أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قال: حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ قال: حدثنا أحمد ابن يوسف بن خلاد النصيبي ببغداد، قال: حدثنا الحارث بن أبي أُسامة التميمي قال: حدّثنا داود بن المحبر بن محمد قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن عباد بن كثير عن أبي عثمان الرازي عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور عن يمين العرش، نسبّح الله ونقدّسه من قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بأربع عشرة آلاف سنة، فلما خلق الله آدم نقلنا إلى أصلاب الرجال وأرحام النساء الطاهرات، ثم نقلنا إلى صلب عبد المطلب وقسمنا بنصفين، فجعل النصف في صلب أبي عبد الله وجعل النصف في صلب أبي طالب، فخلقت من ذلك النصف وخلق علي من النصف الآخر، واشتق الله لنا من أسمائه اسما، والله محمود وأنا محمّد، والله الأعلى وأخي علي، والله فاطر وابنتي فاطمة، والله محسن وابناي الحسن والحسين. فكان اسمي

____________________

(١). زين الفتى في تفسير هل أتى - مخطوط.

٦٩

في الرسالة والنبوة، وكان اسمه في الخلافة والشجاعة، فأنا رسول الله وعلي سيف الله »(١) .

و روى النطنزي حديث الأشباح بسنده عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: « لما خلق الله عز وجل آدم ونفخ فيه من روحه عطس فألهمه الله « الحمد لله رب العالمين »، فقال له ربّه: يرحمك الله، فلما سجد له الملائكة تداخله العجب فقال: يا رب خلقت خلقا هو أحب إليك منّي؟ فلم يجب، ثم قال الثانية، فلم يجب.ثم قال الثالثة، فلم يجب. ثم قال الرابعة فقال الله عز وجل له: نعم ولولاهم ما خلقتك. فقال: فأرنيهم، فأوحى الله عز وجل إلى ملائكة الحجب أنه ارفعوا الحجب، فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدّام العرش، فقال يا رب من هؤلاء؟ قال: يا آدم هذا نبيي، وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم النبي، وهذه فاطمة بنت نبيي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيي. ثم قال: يا آدم هم الأول. ففرح بذلك. فلما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بمحمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي فغفر الله له، فهذا الذي قال الله عز وجل:( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ) . فلما أهبط إلى الأرض صاغ خاتماً نقش عليه: محمّد رسول الله. ويكنى آدم بأبي محمد »(٢) .

ترجمته:

وسنورد ترجمة النطنزي مفصّلة في قسم ( حديث التشبيه ) ونذكر كلمة تلميذه السمعاني في حقه، ومدح ابن النجار له، وإطراء الصفدي في الوافي بالوفيات فانتظر.

____________________

[ ١ - ٢ ] الخصائص العلوية - مخطوط.

٧٠

(١١)

رواية شهردار الديلمي

قال الحمويني ما نصه: « أنبأني أبو طالب بن أنجب الخازن، عن ناصر بن أبي المكارم إجازة قال: أنبأنا أبو المؤيد الموفق بن أحمد إجازة إنْ لم يكن سماعاً.

( ح ) وأنبأني العزيز محمد بن أبي القاسم، عن والده أبي القاسم بن أبي الفضل بن عبد الكريم إجازة قالا: أخبرنا شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي إجازة، أنبأنا عبدوس بن عبد الله الهمداني كتابة، حدّثنا أبو الحسن علي ابن عبد الله، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد العطشي، حدثنا أبو سعيد العدوي الحسن بن علي، حدثنا أحمد بن المقدام العجلي أبو الأشعث، حدثنا الفضيل بن عياض عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن زاذان عن سلمان قال: سمعت حبيبي المصطفى محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل مطيعاً، يسبّح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي »(١) .

كما ويستفاد رواية شهردار الديلمي من سند رواية الخوارزمي الآتية أيضاً.

ترجمته:

وشهردار الديلمي من أعلام حفاظ أهل السنة كأبيه، فقد قال الذهبي نقلاً عن السمعاني: « كان حافظاً عارفاً بالحديث فهماً عارفاً بالأدب ظريفاً. سمع أباه وعبدوس بن عبد الله ومكي السلّار وطائفة. وأجاز له أبو بكر ابن خلف

____________________

(١). فرائد السمطين - ١ / ٤٢.

٧١

الشيرازي، وعاش خمساً وسبعين سنة »(١) .

وكذا ترجم له كلّ من السبكي والأسنوي وابن قاضي شهبة الأسدي في كتبهم في ( طبقات الشافعية ).

(١٢)

رواية الخوارزمي

روى هذا الحديث بقوله: « أخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرنا عبدوس بن عبد الله الهمداني كتابة، حدّثنا أبو الحسن علي بن عبد الله، حدثنا أبو علي محمّد ابن أحمد العطشي

و أخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرنا عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة، حدثنا الشريف أبو طالب الجعفري، حدثنا ابن مردويه الحافظ، حدثنا إسحاق بن محمد بن علي بن خالد، حدثنا أحمد بن زكريا، حدثنا ابن طهمان، حدثنا محمد بن خالد الهاشمي، حدثنا الحسين بن إسماعيل بن حماد، عن أبيه عن زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم سلك النور في صلبه، فلم يزل الله يقلبه من صلب إلى صلب، حتى أقره في صلب عبد المطلب، فقسّمه نصفين قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، فمن أحبه فبحبي أحبه ومن أبغضه فببغضي أبغضه »(٢) .

وقال الخوارزمي: « أخبرني سيد الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن

____________________

(١). العبر في خبر من ٣ / ٢٩.

(٢). مناقب امير المؤمنين - ٨٨.

٧٢

شهردار الديلمي الهمداني - فيما كتب الي من همدان - أخبرني أبو الفتح عبدوس ابن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة، أخبرني الشيخ الخطيب أبو الحسن صاعد ابن محمّد بن الغياث الدامغاني بدامغان، حدثني أبو يحيى محمّد بن عبد العزيز البسطامي، حدّثنا أبو بكر القرشي، حدّثني أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا، حدّثني هدبة بن خالد القيسي، عن حماد بن ثابت البناني عن عبيد بن عمير الليثي عن عثمان بن عفان قال قال عمر بن الخطاب: إن الله تعالى خلق ملائكة من نور وجه علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمته:

وللخوارزمي تراجم في عدةٍ من المصادر المعتبرة، ومن ذلك ما جاء في ( العقد الثمين في تاريخ بلد الله الأمين ) للحافظ تقي الدين الفاسي حيث عنونه بقوله: « الموفق بن أحمد بن محمّد المكي، أبو المؤيد، العلامة خطيب خوارزم، كان أديباً فصيحاً مفوهاً، خطب بخوارزم دهرا وأنشأ الخطب وأقرأ الناس وتخرّج به جماعة، وتوفي بخوارزم في صفر سنة ٥٦٨. ذكره هكذا الذهبي في ( تاريخ الإسلام ). وذكره الشيخ محيي الدين عبد القادر الحنفي في ( طبقات الحنفية ) وقال: ذكره القفطي في ( أخبار النحاة ) ».

(١٣)

رواية ابن عساكر

لقد قال الحافظ الكنجي ما نصه: « وأخبرنا أبو إسحاق الدمشقي، أخبرنا أبو القاسم الحافظ، أخبرنا ابو غالب بن البنا، أخبرنا أبو محمّد الجوهري، أخبرنا

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين ٢٣٦.

٧٣

أبو علي بن محمد بن أحمد بن يحيى، حدثنا أبو سعيد العدوي، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا الفضيل بن عياض، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن زاذان عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً، يسبح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي.

قلت: هكذا أخرجه محدّث الشام في تاريخه في الجزء الخمسين بعد الثلاث مائة قبل نصفه، ولم يطعن في سنده، ولم يتكلّم عليه، وهذا يدل على ثبوته »(١) .

ترجمته:

وقد ذكرنا في قسم ( حديث الثقلين ) عدةً من مصادر ترجمة الحافظ ابن عساكر الدمشقي، مثل ( وفيات الاعيان ٢ / ٤٧١ ) و ( طبقات السبكي ٧ / ٢١٥ ) و ( طبقات الحفاظ ٤٧٤ ) وغيرها.

وفي ( تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ ) ما ملخصه: « ابن عساكر - الامام الحافظ الكبير، محدّث الشام، فخر الأئمة، ثقة الدين، أبو القاسم، صاحب التصانيف عدد شيوخه ١٣٠٠ ونيف شيخ و٨٠ امرأة. قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن ديّن خيّر حسن السمت. قال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدثين في وقته، إنتهت إليه الرياسة في الحفظ والاتقان والنقل والمعرفة التامة، وبه ختم هذا الشأن ».

(١٤)

رواية النور الصالحاني

لقد روى الشهاب أحمد: « عن علي بن حسين عن أبيه عن جدّه قال: قال

____________________

(١). كفاية الطالب ٣١٥.

٧٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق الله تعالى آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله ينقله من صلب إلى صلب، حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسم قسمين: قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، ومن أحبه فبحبي أحبه ».

ثم إنه روى حديث ( الشجرة ) ثم قال: « روى الحديث الأول الامام الصالحاني نور الدين أبو الرجاء محمود بن محمّد، الذي سافر ورحل وأدرك المشايخ وسمع وأسمع، وصنّف في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير، وصحب بالعراق أبا موسى المديني الامام ومن في طبقته، باسناده إلى الامام الحافظ ابن مردويه، باسناده مسلسلاً مرفوعاً »(١) .

ومن هذه العبارة يظهر جانب من عظمة الصالحاني ومناقبه الشامخة.

(١٥)

رواية أبي الفتح ناصر المطرزي

لقد قال الحمويني: « أنبأني أبو طالب ابن أنجب الخازن عن ناصر بن أبي المكارم إجازة ».

كما قال أيضاً: « أنبأني الشيخ أبو طالب ابن أنجب بن عبيد الله، عن محب الدين محمد بن محمود بن الحسن بن النجار إجازة، عن برهان الدين أبي الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة عن محمد بن علي بن الحسين بن أبيه عن جده ( صلوات الله عليهم ) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.

٧٥

خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب، ثم أخرجه من صلب عبد المطلب فقسمه قسمين: قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، فمن أحبه فبحبي أحبه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه »(١) .

١٦

رواية صدر الأفاضل الخوارزمي

لقد رواه في شرح قول المعري:

[ له الجوهر الساري يوهم شخصه

يجوب إليه محتداً بعد محتد ]

قائلاً ما نصه: « هذا من قولهعليه‌السلام : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم نقل ذلك النور إلى صلبه، فلم يزل ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسمه قسمين: فصير قسمي في صلب عبد الله، وقسم علي في صلب أبي طالب فعلي مني وأنا منه »(٢) .

ترجمته:

وفضائل صدر الأفاضل لا تخفى على من راجع المعاجم الرجالية وكتب

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٤٤.

(٢). أنظر: شروح سقط الزند ١ / ٣٥٣ - القصيدة الثامنة.

٧٦

الأدب، فقد ترجم له:

١ - ياقوت الحموي : « القاسم بن الحسين بن محمّد بن محمّد الخوارزمي، صدر الأفاضل حقاً وواحد الدهر في علم العربية صدقاً، ذو الخاطر الوقّاد والطبع النقّاد والقريحة الحاذقة والنحيرة الصادقة، برع في علم الأدب وفاق في نظم الشعر ونثر الخطب، فهو إنسان عين الزمان وغرة جبهة هذا الأوان، سألته عن مولده فقال: مولدي في الليلة التاسعة من شعبان سنة خمس وخمسين وخمسمائة

وقلت له ما مذهبك؟ فقال: حنفي، ولكن لست خوارزمياً لست خوارزمياً يكررها، إنما اشتغلت ببخارا فأرى رأي أهلها. نفى عن نفسه أن يكون معتزلياً »(١) .

٢ - عبد القادر القرشي : « تفقّه على أبي الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي وأخذ عنه العربية، وله تصانيف: شرح المفصل سماه التحبير ثلاث مجلدات، وشرح سقط الزند قتلته التتار سنة عشرة وستمائة »(٢) .

٣ - السيوطي ، وأورد كلمة ياقوت المتقدمة أيضاً(٣) .

٤ - الكفوي : « الشيخ الكامل الفاضل »(٤) .

٥ - علي بن سلطان القاري المكي كذلك(٥) .

(١٧)

رواية أبي القاسم عبد الكريم الرافعي القزويني

قال العلّامة الحمويني ما نصه: « وأخبرني الشيخ الصالح جمال الدين أحمد

____________________

(١). معجم الأدباء ١٦ / ٢٣٨.

(٢). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١ / ٤١٠.

(٣). بغية الوعاة ٣٧٦.

(٤). كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.

(٥). الأثمار الجنية - مخطوط.

٧٧

ابن محمد بن محمد المعروف بمذكويه القزويني وغيره إجازة، بروايتهم عن الشيخ الامام إمام الدين أبي القاسم عبد الكريم بن محمّد بن عبد الكريم الرافعي القزويني إجازة، أنبأنا الشيخ العالم عبد القادر بن أبي صالح الجيلي قال: أنبأنا أبو البركات هبة الله بن موسى السقطي قال: أنبأ القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم النسفي قال: أنبأنا الحسن محمد بن موسى بتكريت قال: أنبأنا محمّد بن فرحان، حدّثنا محمّد بن يزيد القاضي، حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث بن سعد، عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

لما خلق الله تعالى أبا البشر ونفخ فيه من روحه، إلتفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا رب هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإِنس ولا الجن، فأنا المحمود وهذا محمد وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإِحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين.

آليت بعزتي أنّه لا يأتيني أحد بمثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم إلّا أدخلته ناري ولا اُبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي بهم أنجيهم وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إليَّ حاجة فبهؤلاء توسل.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت »(١) .

ترجمته:

والرافعي القزويني من أعلام محدّثي أهل السنة ومؤرخيهم، وكتابه ( التدوين ) من أشهر الكتب المعتمدة وقد ترجم للرافعي وأثنى عليه علماؤهم

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٣٦.

٧٨

كالسبكي في ( طبقاته ٥ / ١١٩ ) وابن شاكر الكتبي في ( فوات الوفيات ٢ / ٣ ) وابن الوردي في ( تاريخه ٢ / ١٨٤ ).

(١٨)

إثبات الشيخ فريد الدين العطّار

لقد أثبت هذا الحديث بقوله:

« تو نور أحمد وحيدر يكى دان

كه تا گردد بتو أسرار آسان »(١)

ترجمته:

وتوجد ترجمته في ( نفحات الأنس ) وغيره من تراجم العرفاء. وقد نصّ ( الدهلوي ) في كتابه على أنه من الأكابر المقبولين عند أهل السنة.

(١٩)

رواية أبي الربيع ابن سبع الكلاعي

لقد قال الوصابي: « وعنه - أي عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور واحد، يسبح الله على متن العرش من قبل أن يخلق أبونا آدم بألفي عام، فلمّا خلق آدم صرنا في صلبه، ثم نقلنا من كرام الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام، حتّى صرنا في صلب عبد المطلب، ثم قسّمنا نصفين، فصيّرني في صلب عبد الله، وصار علي في صلب أبي طالب، فاختارني للنبوّة، واختار علياً للشجاعة والعلم والفصاحة، وشق لنا أسماء من أسمائه، فالله محمود وأنا محمد، والله الأعلى وهذا علي.

____________________

(١). أسرار نامه.

٧٩

أخرجه إبن الاسبوع الأندلسي في كتابه الشفا »(١) .

ترجمته:

وابن سبع صاحب كتاب ( شفاء الصدور ) من أجلّة حفاظ أهل السنة، وأعاظم علمائهم، كما يظهر من ترجمته، وإليك بعض الكلمات الواردة في حقّه:

١ - الذهبي: « الكلاعي - الامام العالم الحافظ البارع، محدّث الأندلس وبليغها أبو الربيع عني أتم عناية بالتقييد والرواية، وكان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به حافظاً حافلاً عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك وفي حفظه اسماء الرجال، خصوصاً من تأخر زمانه وعاصره، كتب الكثير، وكان خطّه لا نظير له في الاتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والاستهتار بالبلاغة، فرداً في إنشاء الرسائل، مجيداً في النظم خطيباً فصيحاً مفوهاً مدركاً، حسن السرد والمساق لما ينقله، مع الشارة الأنيقة والزيّ الحسن، وهو كان المتكلّم عن الملوك في زمانه في المجالس، المبيّن عنهم لما يرومونه في المحافل على المنابر، ولي خطابة بلنسة في أوقات، وله تصانيف مفيدة في فنون عديدة وإليه كانت الرحلة للأخذ عنه، إنتفعت به في الحديث كلّ الانتفاع وأخذت عنه كثيراً.

قلت: حدّث عنه أبو العباس أحمد بن العماد قاضي تونس، وطائفة، قال ابن مندي: لم ألق مثله جلالة ونبلاً ورياسة وفضلاً، وكان إماماً مبرّزاً في فنون من منقول ومعقول وموزون ومنثور، جامعاً للفضائل، برع في علوم القرآن والتجويد، أما الأدب فكان ابن بجدته، وهو ختام الحفاظ

قال الأبّار وهو آخر الحفاظ والبلغاء بالأندلس، استشهد بكابية تنسيه على ثلاث فراسخ من مرسية مقبلاً غير مدبر، في العشر من ذي الحجة سنة ٦٣٤.

قال الحافظ المنذري: توفي شهيداً بيد العدو، وكان مولده بظاهر مرسية في

____________________

(١). الاكتفاء في فضائل الأربعة الخلفاء - مخطوط، وقد ذكر في كشف الظنون ٢ / ١٠٥٠ « كتاب شفاء الصدور ».

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

تصرّفه ، لم يكن له ردّه ، وكان له على المشتري الأرش.

ثمّ إن كان الشفيع دفع إليه أوّلاً قيمة عبدٍ سليم ، فلا يرجع عليه بشي‌ء.

وإن كان دفع قيمة معيب ، فالأقرب : أنّه يرجع عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الثمن الذي استقرّ على المشتري العبد والأرش ، فينبغي أن يرجع بهما.

والثاني : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه استحقّه بما سمّي في العقد(٢) .

قال بعض الشافعيّة : ينبغي أن يرجع هنا وجهاً واحداً ، بخلاف ما تقدّم من قيمة الشقص ؛ لأنّ العقد اقتضى سلامة العبد ، وما دفع إلّا ما اقتضاه العقد ، بخلاف قيمة الشقص ، ولهذا إذا كان دفع إليه قيمة عبدٍ سليم ، لم يكن للشفيع أن يرجع عليه بقدر قيمة العيب ، فإذا لم يدفعه ، وجب دفْعه ، فثبت أنّه مستحقّ عليه بالبيع(٣) .

ولو رضي البائع بالعيب ولم يردّ ولا أخذ الأرش ، فالأقوى : أنّ الشفيع يدفع قيمة العبد السليم؛ لأنّ ذلك نوع إسقاط من الثمن بعد العقد ، فلا يلحق الشفيع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : تجب على الشفيع قيمة المعيب حتى لو بذل قيمة السليم ، استردّ قسط السلامة من المشتري(٤) .

وغلّط الجويني قائلَه(٥) .

تذنيب : للمشتري ردّ الشقص بالعيب على البائع ، وللشفيع ردّه على المشتري بالعيوب السابقة على البيع وعلى الأخذ. ثمّ لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع ، فلا ردّ في الحال ، ولا أرش له على مذهب‌

____________________

(١ - ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٨١

الشافعي(١) ، المشهور. ويجي‌ء فيه الخلاف فيما إذا باعه. ولو ردّ عليه الشفيع بالعيب ، ردّه حينئذٍ على البائع.

ولو وجد المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع ومَنَعه عيبٌ حادث من الردّ فأخذ الأرش القديم ، حطّ ذلك عن الشفيع.

وإن قدر على الردّ لكن توافقا على الأرش ، صحّ عندنا ؛ لأنّ الأرش أحد الحقّين.

وللشافعيّة وجهان إن صحّحناها(٢) ، ففي حطّه عن الشفيع وجهان أصحّهما عندهم : الحطّ. والثاني : لا ؛ لأنّه تبرّع من البائع(٣) ، وهو الذي اخترناه نحن.

مسالة ٧٥٥ : تثبت الشفعة للمفلَّس‌ ، فإذا بِيع شقص في شركته ، كان له الأخذ والعفو ، ولم يكن للغرماء الاعتراض عليه ؛ لأنّه إذا أراد الترك ، لم نجبره على الأخذ ؛ لأنّه تملّك ، وإن أراد الأخذ فإنّما يأخذ بثمن في ذمّته ، وليس بمحجور عليه في ذمّته.

ولو مات مفلَّس وله شقص فباع شريكه ، كان لوارثه الشفعة ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

وللمكاتب أيضاً الأخذ بالشفعة والترك لها ، وليس للسيّد الاعتراضُ عليه ؛ لأنّ التصرّف وقع له دون السيّد ، بل وله الأخذ من سيّده لو كان هو المشتري ، وبالعكس.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢) أي الموافقة التي دلّ عليها قوله : « توافقا ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤ - ١٧٥.

(٤) المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

٢٨٢

والمأذونِ له في التجارة ، فإن أخذ بالشفعة ، جاز ؛ لأنّه مأذون له في الشراء ، وإن عفا ، كان للسيّد إبطال عفوه ؛ لأنّ الملك للسيّد ، فإن أسقطها السيّد ، سقطت ، ولم يكن للعبد أن يأخذ، لأنّ للسيّد الحجر عليه.

وللوكيل العامّ الأخذ بالشفعة مع الغبطة. ولو عفا معها ، صحّ عفوه ، ولم يكن للموكّل المطالبة بها.

وللسفيه أن يأخذ بالشفعة ، ويأذن الوليّ أو يتولّاه.

إذا عرفت هذا ، فلو أراد المفلَّس بعد الحجر عليه الأخذ بالشفعة بدفع الثمن ، مُنع من ذلك؛ لأنّ الحجر يقتضيه.

مسالة ٧٥٦ : للعامل في المضاربة الأخذُ بالشفعة إذا بِيع شقص في شركة المضاربة‌ ، فإذا أخذُ فإن كان هناك ربح ، فلا حصّة له في ذلك ، بل الجميع للمالك ؛ لأنّ العامل لا يملكه بالبيع ، فالجميع لصاحب المال ، وكذا إن لم يكن ربح ، وللعامل الاُجرة. ولو ترك ، كان لربّ المال الأخذُ ؛ لأنّ المشتري بمال المضاربة ملكه.

هذا إذا لم يظهر في الحصّة التي اشتراها المضارب ربحٌ ، ولو كان قد ظهر فيه ربحٌ ، لم يكن هناك شفعة لا للعامل ولا لربّ المال ؛ لزيادة الشركة على اثنين.

ولو اشترى العامل بمال المضاربة شقصاً لربّ المال فيه شركة ، فهل تثبت له الشفعة؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : تثبت له ؛ لأنّ مال المضاربة كالمنفرد عن ملكه ؛ لتعلّق حقّ الغير به وهو العامل ، ويجوز أن يثبت له على ملكه حقّ لأجل الغير ، كما يثبت له على عبده المرهون حقّ الجناية.

والثاني : لا تثبت ؛ لأنّه لا يجوز أن يستحقّ أن يتملّك ملكه ، ويخالف‌

٢٨٣

الجناية ؛ لأنّها ليست بملك(١) .

وقال ابن سريج وجهاً ثالثاً : أنّ له أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة ، وهذا ليس من الشفعة(٢) .

فأمّا إن كان العامل شفيعه ، فإن لم يكن له(٣) ربحٌ ، فله الشفعة ، وإن كان وقلنا : لا يملك بالظهور ، فكذلك. وإن قلنا : يملك بالظهور ، ففي الشفعة للشافعيّة وجهان(٤) ، كما قلنا في ربّ المال.

مسالة ٧٥٧ : الشفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر‌ ، عند علمائنا كافّة ، وهو قول جميع العامّة ، إلّا النخعي ؛ فإنّه قال : الشفعة تسقط بالغيبة(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ العمومات دالّة على المتنازع.

وما رواه الخاصّة عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام قال(٦) : « للغائب شفعة »(٧) .

إذا ثبت هذا ، فإذا بلغه الخبر ، طالَب حينئذٍ ، فإن أخّر مع إمكان المطالبة ، بطلت شفعته.

مسالة ٧٥٨ : اختلفت علماؤنارحمهم‌الله في أنّ الشفعة هل تورث أم لا؟

فقال السيّد المرتضى(٨) ومَنْ(٩) تبعه : إنّها تورث ، ولا تسقط بموت‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٧٤.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٧٥.

(٣) كلمة « له » لم ترد في « س » وفي « ي » سقطت جملة « فإن لم يكن فله الشفعة ».

(٤) المغني ٥ : ٤٩٩.

(٥) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧١ ، المغني ٥ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٧.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن » بدل « قال ». وذلك تصحيف.

(٧) الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦٠ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٧.

(٨) الانتصار : ٢١٧.

(٩) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٧ ، المسألة ٣٦.

٢٨٤

مستحقّها ولا بترك مطالبته إن قلنا : إنّها على التراخي أو كان بعدها(١) إن قلنا : على الفور - وبه قال الشافعي ومالك وعبيد الله بن الحسن العنبري(٢) - لأنّه حقٌّ يتعلّق بالمال ، فكان موروثاً كغيره من الحقوق الماليّة. ولأنّه خيار ثابت لإزالة الضرر عن المال ، فكان موروثاً ، كخيار الردّ بالعيب.

وقال الشيخ(٣) وجماعة من علمائنا(٤) : إنّها غير موروثة ، وإذا مات المستحقّ ، بطلت - وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل(٥) - لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عن الباقر عن عليّعليهم‌السلام : ، قال : « لا شفعة إلّا لشريك [ غير ](٦) مقاسم » وقال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يشفع في المحدود ، وقال : لا تورث الشفعة »(٧) .

ولأنّه خيار لاستخلاف مالٍ ، فيبطل(٨) بالموت ، كخيار القبول.

وفي طريق الرواية قول ؛ لأنّ طلحة بن زيد بتريّ.

والفرق أنّ خيار القبول غير ثابت ، فإنّ للموجب أن يُبطله قبل قبول القابل.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بعده ». والظاهر ما أثبتناه. أي : كان الموت بعد المطالبة.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ / ١٩٦٦ ، المغني ٥ : ٥٣٦ - ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٤٣٦ ، المسألة ١٢ ، النهاية : ٤٢٥ - ٤٢٦.

(٤) كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٥٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٩.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤ و ٢٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٦ ، المغني ٥ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٦.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٧) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٤١.

(٨) في « س ، ي » : « فبطل ».

٢٨٥

إذا ثبت هذا ، فإنّ الشفعة تثبت للورثة على قدر الأنصباء ، فللزوجة الثّمن ، وللأبوين السدسان ، وللذكر الباقي لو اجتمعوا. وبالجملة ، على قدر الميراث.

واختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : إنّ الشافعي قال : إنّها على عدد الرؤوس ، ونقله المزني عنه. وقال بعضهم : هذا لا يحفظ عن الشافعي ، فإنّ الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولاً واحداً ؛ لأنّهم يرثون الشفعة عن الميّت ، لا أنّهم يأخذونها بالملك. وقال جماعة من الشافعيّة : إنّها على قولين(١) .

إذا عرفت هذا ، فإذا كان الوارث اثنين(٢) فعفا أحدهما ، صحّ عفوه في حقّ نفسه ، وسقط نصيبه من الشفعة بمعنى أنّه ليس له المطالبة بها ، وللآخَر جميع الشقص ؛ لأنّها شفعة وُضعت لإزالة الضرر ، فلا يثبت بها الضرر. ولأنّها شفعة تثبت لاثنين ، فإذا عفا أحدهما توفّر على الآخَر، كالشريكين إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - وكما لو عفا أحد الوارثين عن نصيبه في حدّ القذف.

والثاني لهم : أنّ حقّ الآخَر يسقط أيضاً ؛ لأنّهما ينوبان مناب الموروث ، ولو عفا الموروث عن بعضها ، سقط جميعها(٤) .

والفرق : أنّ الشفعة تثبت لواحدٍ هو الموروث. ولأنّه يؤدّي إلى تبعيض الشقص ، بخلاف مسألتنا.

والوجه عندي أنّ حقّ العافي للمشتري ؛ لأنّهما لو عفوا معاً ، لكان‌

____________________

(١) اُنظر : الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، وحلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ - ٥٢٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٨٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « اثنان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣ و ٤ ) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩.

٢٨٦

الشقص له ، فكذا إذا عفا أحدهما ، يكون نصيبه له ، بخلاف حدّ القذف ؛ فإنّه وُضع للزجر ، فللّه تعالى فيه حقٌّ.

مسالة ٧٥٩ : إذا خرج الشقص مستحقّاً ، كانت عهدة المشتري فيه على البائع ، وعهدة الشفيع على المشتري ، سواء أخذ الشفيع الشقص من يد البائع أو من يد المشتري ؛ لأنّ المشتري يجب عليه أن يتسلّمه من البائع ويسلّمه إلى الشفيع ، فإن غاب أو امتنع ، أقام الحاكم مَنْ يسلّمه إلى المشتري ويسلّمه إلى الشفيع. ولو حكم الحاكم بتسلّمه منه ، كان كما لو سلّمه المشتري ؛ لأنّ التسليم حقّ على المشتري - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الشفعة مستحقّة بعد الشراء وحصول ذلك للمشتري ، فإذا زال الملك من المشتري إليه بالثمن ، كانت العهدة عليه ، كالمشتري مع البائع ، بخلاف الشفيع.

وأمّا إذا أخذه من البائع ، فقد قلنا : إنّه يأخذه بأمر الحاكم إن أذن له في ذلك ؛ لأنّه تسليم مستحقّ على المشتري ، لينوب ذلك مناب قبض المشتري.

ولو انفسخ عقد المشتري ، بطلت الشفعة ؛ لأنّها استحقّت به.

وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتّي : تجب عهدة الشفيع على البائع ؛ لأنّ الحقّ ثبت له بإيجاب البائع ، فصار كالمشتري(٢) .

وقال أبو حنيفة : إن أخذه من المشتري ، كانت العهدة على‌

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٠ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٢ / ١٩٥٠ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

٢٨٧

المشتري ، وإن أخذه من يد البائع ، كانت العهدة على البائع ؛ لأنّ الشفيع إذا أخذه من يد البائع ، تعذّر القبض ، وإذا تعذّر القبض ، انفسخ البيع بين البائع والمشتري ، فكأنّ الشفيع - إذا أخذ من البائع - مبتاع منه(١) .

وهو خطأ ؛ لأنّه لو انفسخ البيع بطلت الشفعة.

تذنيب : لو أخذ الشفيع الشقص وبنى أو غرس ثمّ ظهر الاستحقاق ، وقلع المستحقّ بناءه وغرسه ، فالقول فيما يرجع الشفيع على المشتري من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغراس وغير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

مسالة ٧٦٠ : لو كان الثمن دنانير معيّنة‌ ، تعيّنت بالعقد على قولنا وقول الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) ، وقد سبق(٤) . فإذا تعيّنت وظهر أنّها مستحقّة ، فالشراء والشفعة باطلان.

ولو كان الشراء بمالٍ في الذمّة ، لم يتعيّن في المدفوع ، فلو ظهر المدفوع مستحقّاً ، لم يبطل البيع ولا الشفعة ؛ لأنّ الشراء صحيح ، والشفعة تابعة له.

ولو استحقّت الدنانير التي وزنها الشفيع ، لم تبطل الشفعة ، سواء أخذ الشفعة بعين تلك الدنانير المستحقّة أو بدنانير في ذمّته ؛ لأنّه استحقّ الشفعة لا بعين ما دفعه ، بل بما يساوي الثمن الذي دفعه المشتري ، وهو أمر كلّيّ‌

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٢ / ١٩٥٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٤٢٧ من ج ١٠ من هذا الكتاب.

(٣) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٤٢٨ من ج ١٠ من هذا الكتاب.

(٤) في ج ١٠ ، ص ٤٢٧ - ٤٢٨ ، المسألة ٢١٥.

٢٨٨

يشتمل على كلّ النقود ، فاذا أعطاه شيئاً وظهر استحقاقه ، كان عليه إبداله ؛ لأنّ الدفع ظهر بطلانه ، ولا تبطل شفعته ، وليس ذلك تركاً للشفعة ؛ لأنّه يجوز أن يعتقدها له أو تغلط البيّنة عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : البطلان ؛ لأنّه إذا أخذ بما لا يجوز الأخذ به ، صار كأنّه تركها مع القدرة عليه(١) .

ويُمنع أنّه ترك.

مسالة ٧٦١ : لو كان الثمن عبداً وأخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد ثمّ خرج العبد مستحقّاً، فإن قامت البيّنة أنّه مغصوب ، أو أقرّ المتبايعان والشفيع أنّه مغصوب ، حكمنا ببطلان البيع والشفعة ، ويردّ العبد على صاحبه ، والشقص على بائعه ؛ لأنّ البيع إذا كان باطلاً ، لا تثبت فيه الشفعة.

فإن لم تقم البيّنة بذلك وإنما أقرّ به المتبايعان وأنكر الشفيع ، لم يقبل قولهما عليه ، ويردّ العبد على صاحبه ؛ لاعترافهما باستحقاقه له ، ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص ؛ لاعتراف المشتري ببطلان البيع وقد تعذّر عليه دفع المبيع ، فكان كالإتلاف. وينبغي أن لا يرجع أحدهما بالفضل على صاحبه لو كان ؛ لأنّ الشفيع منكر لاستحقاق قيمة الشقص ، وبه قال الشافعي(٢) .

مسالة ٧٦٢ : قد بيّنّا أنّ الشفعة تتبع البيع دون غيره من العقود مطلقاً.

وأثبت الشافعي الشفعة في عقود المعاوضات(٣) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : دية الموضحة عندنا خمس من الإبل ، أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

٢٨٩

خمسون ديناراً ، أو خمسمائة درهم ، أو خمسون شاةً ، أو عشرة من البقر ، أو من الحلل(١) على ما يأتي.

وعند الشافعي أنّها خمس من الإبل ، فإن أعوزت ، فقولان ، أحدهما : ينتقل إلى مقدّر ، وهو خمسون ديناراً أو خمسمائة درهم نصف عُشْر الدية. والثاني : إلى قيمتها.

فإن أعوزت الإبل وقلنا : ينتقل إلى مقدّر فصالَحَه منه على شقص مع معرفته ، صحّ الصلح ، وتثبت فيه الشفعة عنده بالعوض.

وإن قلنا : ينتقل إلى قيمتها فإن علماها وذكراها وتصالحا عليها ، صحّ ، وتثبت الشفعة أيضاً بذلك. وإن لم يعلما أو أحدهما ، لم يصح الصلح ، ولا تثبت شفعة.

وإن كانت الإبل موجودة فاصطلحا بالشقص عنها ، فإن كانا لا يعلمان ذلك ، ففي الصلح عنها قولان :

أحدهما : يصحّ ؛ لأنّها معلومة العدد والأسنان ، وإنّما يجهل قدّها ولونها ، وذلك يقتضي أقلّ ما يقع عليه الاسم.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّ القدّ واللون مقصودان ، فإذا جهل(٢) ، لم يصح الصلح ، فإذا قلنا : يصحّ ، تثبت الشفعة ، وأخذ الشقص بقيمة الإبل. وإذا قلنا : لا يصحّ الصلح ، لم تثبت شفعة(٣) .

وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسالة ٧٦٣ : إذا ارتدّ المشتري فقتل أو مات قبل رجوعه إلى‌

____________________

(١) كذا ، حيث لم يذكر المصنّفقدس‌سره عدد الحلل.

(٢) كذا ، والظاهر : « جُهلا ».

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٩٠

الإسلام ، كان للشفيع أخذه بالشفعة ؛ لأنّه استحقّها بالبيع ، والانتقال بالموت أو القتل لا يخرجه عن الاستحقاق ، كما لو مات المشتري بعد البيع ، كان للشفيع الأخذُ بالشفعة.

قال الشافعي : إنّه بقتله أو موته ينتقل الشقص عنه إلى المسلمين(١) ، وذلك لا يمنع الشفعة ، كما لو اشترى شقصاً فيه شفعة ثمّ باعه ، ويكون المطالب الإمام أو نائبه. وعندنا إلى ورثته إن كان له وارث مسلم ، وإلّا كان ميراثه للإمام ، فتكون الشفعة على من انتقل الملك إليه.

ولو ارتدّ الشفيع وقُتل بالردّة أو مات ، كانت الشفعة للمسلمين عند الشافعي(٢) - وعندنا لوارثه - إن كان قد طالَب بها ، وإن لم يطالب ، فإن جعلناه كالكافر ، سقطت شفعته ، وهو الأقوى عندي. وإن جعلناه كالمسلم ، فالشفعة لوارثه.

ولو مات الشفيع المسلم ولا وارث له ، انتقل نصيبه إلى الإمام عندنا ، وعند الشافعي إلى المسلمين(٣) . فعلى قولنا يكون المستحقّ للشفعة الإمامَ ، وعلى قوله المسلمون ، ويطالب لهم الإمام.

مسالة ٧٦٤ : إذا اشترى شقصاً فيه شفعة ووصّى به فمات ثمّ جاء الشفيع والموصى له يطالبان ، كان الشقص للشفيع ؛ لسبق استحقاقه ، ويدفع الثمن إلى الورثة دون الموصى له ؛ لأنّه لم يوصَ له إلّا بالشقص وقد سقط حقّه.

____________________

(١ و ٢ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٢.

(٣) اُنظر : الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ - ٢٥٨.

٢٩١

البحث الخامس : في التنازع.

مسالة ٧٦٥ : لو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن‌ ، فقال المشتري : اشتريته بمائة ، وقال الشفيع : بل بخمسين ، فأيّهما أقام البيّنة على ما ادّعاه حُكم له بها.

ويثبت ذلك بشاهدَيْن وشاهدٍ وامرأتين ، وشاهدٍ ويمين ؛ لأنّه مال.

ولا تُقبل فيه شهادة البائع ؛ لأنّه يشهد على فعل نفسه ، وقد تلحقه التهمة إذا شهد للشفيع ، فإنّه إذا نقص الثمن نقص ضمان الدرك ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّه يشهد بحقّ لنفسه وفعل نفسه(١) .

وقال بعض أصحابه : تُقبل ؛ لأنّه لا يجرّ لنفسه نفعاً ، والثمن ثابت له بإقرار المشتري(٢) .

وقد ذكرنا في القواعد(٣) احتمالاً حسناً ، وهو أنّه تُقبل شهادة البائع على الشفيع بعد القبض، وللشفيع بدون القبض ؛ لأنّه إذا شهد على الشفيع بالمائة ، انتفت التهمة عنه ؛ لاعترافه بأنّه ضامن لمائة ، وإذا شهد له بخمسين قبل القبض ، فقد اعترف أنّه لا يستحقّ على المشتري أكثر من الخمسين ، وأنّ المشتري لا يجب عليه أكثر منها ، فإذا دفعها ، برئت ذمّته باعترافه ، وكان ضامناً لها خاصّة ؛ إذ لا يقبض البائع أكثر منها.

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، قال الشيخرحمه‌الله : تُقدّم بيّنة المشتري ؛ لأنّه هو المدّعي للثمن ، والشفيع ينكره(٤) . ولأنّه أعلم بعقده - وهو أحد قولي‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٦٧.

(٤) الخلاف ٣ : ٤٣١ - ٤٣٢ ، المسألة ٦ من كتاب الشفعة.

٢٩٢

الشافعي(١) - كما تُقدّم بيّنة الداخل على الخارج ، و [ المشتري ](٢) هنا داخل. ولأنّ [ المشتري](٣) كالبائع ، فيقدّم قوله في قدر الثمن عندنا مع بقاء السلعة ، وبه قال أبو يوسف(٤) أيضاً.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : القول قول الشفيع ؛ لأنّه منكر. ولأنّه الخارج(٥) .

ولا بأس به عندي.

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّ البيّنتين تتعارضان هنا ، ولا تُقدّم بيّنة المشتري لأجل اليد ؛ لأنّهما لا يتنازعان في اليد ، وإنّما يتنازعان فيما وقع عليه العقد ، فحينئذٍ تسقطان ، ويكون الحال كما لا بيّنة لواحدٍ منهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يقرع وتُقدّم بالقرعة. وهل يحلف مَنْ خرجت له القرعة؟ قولان(٧) .

ولو لم يكن لواحدٍ منهما بيّنة ، قُدّم قول المشتري مع يمينه ؛ لأنّه المالك ، فلا تزول يده إلّا بما يدّعيه إذا لم تكن بيّنة ، كما أنّ المشتري لا يملك المبيع إلّا بما يقرّ به البائع من الثمن.

لا يقال : الشفيع غارم فيُقدّم قوله ، كما في الغاصب والمتلف والضامن لنصيب شريكه إذا أعتق شريكه نصيبه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٢ و ٣ ) بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة والحجريّة « الشفيع ».

وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤ و ٥ ) بدائع الصنائع ٥ : ٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦ ، المغني ٥ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٥.

(٦ و ٧ ) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦.

٢٩٣

لأنّا نقول : الشفيع ليس بغارم ؛ لأنّه لا شي‌ء عليه ، وإنّما يريد أن يتملّك الشقص ، بخلاف الغاصب والمتلف ، وأمّا المعتق فإن [ قلنا : ](١) العتق يسري باللفظ ، فقد وجب عليه قيمته وهو غارم ، وإذا قلنا : يسري بأداء القيمة أو مراعى ، كان القول قول المالك ؛ لأنّ العتق لا يثبت عليه القيمة مثل مسألتنا.

لا يقال : لِمَ لا قلتم : يتحالف المشتري والشفيع ، كما قلتم في البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن؟

لأنّا نقول : إذا اختلف المتبايعان ، فكلٌّ منهما مُدّعٍ ومدّعى عليه ، فتحالفا ، وليس كذلك هنا؛ فإنّ الشفيع مُدّعٍ للشقص ، والمشتري لا يدّعي عليه شيئاً ؛ لأنّ المشتري إذا ثبت له ما قال، كان الشفيع بالخيار. ولأنّ المتبايعين قد باشرا العقد ، بخلاف الشفيع والمشتري.

ولو نكل المشتري عن اليمين ، حلف الشفيع على دعواه ، وأخذ بما ادّعاه.

ولو شهد البائع للشفيع ، فللشافعيّة وجوه :

أحدها : لا تُقبل ، وقطع به العراقيّون ؛ لأنّه يشهد على فعله ، كما مرّ.

والثاني : نعم ، وصحّحه البغوي ؛ لأنّه ينقض حقّه.

والثالث : إن شهد قبل قبضه الثمن ، قُبلت ؛ لأنّه ينقض حقّه ؛ إذ لا يأخذ أكثر ممّا شهد به. وإن شهد بعده ، فلا ؛ لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعاً ، فإنّه إذا قلّ الثمن قلّ ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق(٢) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

٢٩٤

تذنيب : لو ادّعى المشتري أنّ هذا البناء ممّا أحدثه بعد الشراء وأنكر ذلك الشفيعُ ، قُدّم قول المشتري ؛ لأنّ ذلك ملكه ، والشفيع يريد تملّكه عليه ، فكان القول قول المالك ، وبه قال ابن سريج(١) .

مسالة ٧٦٦ : إذا اختلف المتبايعان في الثمن‌ ، فقد قلنا : إنّ القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة ، فإذا حلف البائع ، أخذ من المشتري ما حلف عليه.

ثمّ الشفيع إن صدّق البائع ، دفع ما حلف عليه ، وليس للمشتري المطالبة به ؛ لأنّه يدّعي أنّ ما أخذه البائع زائداً عمّا ادّعاه ظلم ، فلا يطالب غير مَنْ ظلمه.

وإن لم يعترف بما قال البائع ، أدّى ما ادّعاه المشتري ثمناً.

ولو قلنا : إنّ القول قول المشتري في الثمن فيثبت قول البائع بالبيّنة أو باليمين المردودة ، فالحكم كما تقدّم.

وتُقبل شهادة الشفيع للبائع ؛ لأنّه الغارم في الحقيقة أن أخذ الشفعة ، وإلّا فلا تهمة ، ولا تُقبل للمشتري ؛ لأنّه متّهم في تقليل الثمن ، فإنّه يدفع عن نفسه المطالبة بالزائد.

ولو تحالفا - كما هو مذهب الشافعي(٢) - عند عدم البيّنة ، وفسخ عقدهما أو انفسخ ، فإن جرى ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص ، أقرّ في يده ، وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع.

وإن جرى قبل الأخذ ، فالأقرب : عدم سقوط حقّه ؛ لاعترافهما معاً بجريان البيع واستحقاقه للشفعة ، فيأخذها بما قال البائع ؛ لحلفه عليه ،

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

٢٩٥

لا بما حلف عليه المشتري ؛ لأنّ للبائع فسخ البيع ، فإذا أخذه بما قال المشتري ، مُنع منه. وإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع ، جاز ، وملك الشفيع أخذه بما قال المشتري ، فإن عاد المشتري وصدّق البائع وقال : كنت غالطاً ، فالأقرب : أنّ للشفيع أخذه بما حلف عليه

وللشافعيّة في سقوط الشفعة وجهان سبقا في خروجه معيباً ، فإن قلنا : لا تسقط ، أخذه بما حلف عليه البائع - كما قلناه - لاعتراف البائع باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن ، فيأخذ منه ، وتكون عهدته على البائع خاصّة ، لا على المشتري ؛ لانفساخ عقده(١) .

مسالة ٧٦٧ : لو ادّعى على رجل شفعة في شقص اشتراه‌ ، فقال له المدّعى عليه : ليس لك ملك في شركتي ، قُدّم قول المدّعى عليه مع اليمين ، وكان على طالب الشفعة البيّنة أنّه يملك شقصاً في شركة المشتري - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومحمّد بن الحسن(٢) - لأنّ الملك لا يثبت بمجرّد اليد ، وإذا لم يثبت الملك المستحقّ به الشفعة ، لم تثبت الشفعة. ومجرّد الظاهر لا يكفي ، كما لو ادّعى ولد أمة في يده.

وقال أبو يوسف : إذا كان في يده ، استحقّ به الشفعة ؛ لأنّ الظاهر من اليد الملك(٣) . ولا بأس به عندي.

ولو لم تكن بيّنة ، حلف المشتري - إن ادّعى الطالب علمه بالشركة - على نفي علمه بالشركة ؛ لأنّها يمين على نفي فعل الغير ، فإذا حلف ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠ ، المغني ٥ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٢.

(٣) المغني ٥ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٢.

٢٩٦

سقطت دعواه ، ولا يحلف على نفي شركته. ولو نكل ، حلف الطالب على القطع بأنّه شريك ؛ لأنّها يمين على إثبات فعل ، فإن حلف ، استحقّ الشفعة ، وإن نكل ، سقطت.

فلو اعترف الشريك - بعد نكول الطالب وسقوط شفعته - بصدقه ، كان عليه دفع الحصّة بالشفعة ، ولم يضرّ التأخير ؛ لأنّه لعذر ، ويكون نكوله عن اليمين عذراً له في التأخير على إشكال.

وكذا الحكم لو أنكر تقدّم ملك الطالب على ملكه.

مسالة ٧٦٨ : دار بين اثنين فغاب أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالثٍ‌ ، فادّعى الحاضر أنّه اشتراه ، وأنّه يستحقّه بالشفعة ، فإن أقام المدّعي بيّنةً بالشراء وأقام المتشبّث بيّنةً(١) ، قضي بها ، وأخذ بالشفعة.

ثمّ إن اعترف المدّعى عليه ، سلّم إليه الثمن ؛ لثبوت البيع بالبيّنة.

وإن لم يعترف ، فإمّا أن يترك الثمن في يد المدّعي إلى أن يقرّ المدّعى عليه ، أو يأخذه القاضي حافظاً له ، أو يجبر على قبوله أو الإبراء منه ، فيه احتمالات ثلاثة.

ولو أقام المدّعي بيّنةً بالشراء وأقام المتشبّث بيّنةً بأنّه ورثه أو اتّهبه ، تعارضت البيّنتان ؛ لأنّ الشراء والميراث متنافيان ، وكذا الشراء والاتّهاب.

ومع التعارض يكون له حكم عندنا سيأتي في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.

وعند الشافعي قولان : التساقط ، واستعمالهما ، وسيأتي.

ولو أقام المتشبّث أنّ الغائب أودعه إيّاه أو أعاره ، فإن لم يكن‌

____________________

(١) كذا ورد قوله : « وأقام المتشبّث بيّنةً ». والظاهر زيادتها.

٢٩٧

للبيّنتين تأريخ أو كان تأريخ الإيداع سابقاً ، قضي بالشفعة ؛ لعدم التنافي بين البيّنتين ؛ لجواز أن يودعه ثمّ يبيعه.

ولو سبق تأريخ البيع ، فلا منافاة أيضا ، لاحتمال أنّ البائع غصبه بعد البيع ثمّ ردّه إليه بلفظ الإيداع ، أو بردّ مطلق فاعتمده الشهود ، أو يكون المشتري قد عجز عن الثمن ، فقال له البائع : خذه وديعة إلى أن تجد الثمن فتزنه وتقبضه.

ولو انتفى الاحتمال - بأن تأخّر تأريخ الإيداع وشهدت بيّنة الإيداع بأنّه أودعه ما هو ملكه ، وبيّنة الشراء مطلقة - كانت بيّنة الإيداع أولى ؛ لأنّها صرّحت بالملك ، ثمّ يراسل الغائب فإن قال : هو لي وديعة ، بطلت بيّنة الشراء. وإن قال : لا حقّ لي فيه ، قضي ببيّنة الشراء فالشفعة.

ولو صرّحت بيّنة الشراء بالملك فقال : باع ما هو ملكه ، وأطلقت بيّنة الإيداع ، قُدّمت بيّنة الشراء.

وأمّا إذا لم يكن للمدّعي بيّنة ، فالمدّعى عليه إما أن يُقرّ بأنّه كان لذلك الغائب فاشتراه منه ، أو يُنكر أصل الشراء ، أو يقول : اشتريته لفلان. فإن أقرّ ، فالأقرب : أنّه لا يأخذه المدّعي ؛ لأنّ المتشبّت لا يُقبل قوله على الغائب ، فيوقف الأمر حتى يراسل ، فإن أقرّ بصدقه ، أخذه الشفيع ، وإلّا فلا ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والأصحّ عندهم : أنّ للمدّعي أخذه ؛ لتصادقهما على البيع ، ويكتب القاضي في السجلّ أنّه أثبت الشفعة بتصادقهما ، فإذا قدم الغائب ، فهو على حقّه(١) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٢٩٨

وليس بجيّد ؛ لأنّه حكم على الغائب بغير بيّنة.

وإن أنكر الشراء ، صُدّق في قوله باليمين ؛ لأنّه منكر. ثمّ إمّا أن يُجيب بأنّك لا تستحقّ الشفعة ، أو أنّني لا يلزمني التسليم إليك ، فيحلف كذلك ، ولا يلزمه التعرّض لنفي الشراء ؛ لإمكان أن يكون قد اشتراه مع إسقاط الشريك الشفعة.

وإن تكلّف في الجواب : لم أشتره بل ورثته أو اتّهبته ، ففي كيفيّة الحلف احتمالان :

أحدهما : أنّه يحلف على نفي الشراء ؛ لأنّه أجاب به ، وإذا أجاب بشي‌ء ، فقد أمكنه اليمين عليه حيث عدل إليه في الجواب.

والثاني : أنّه يحلف أنّه لا يستحقّ الشفعة ؛ لأنّه لو أجاب بذلك ، لكفاه ، فكذا في اليمين ، ويمكن أن يكون قد اشتراه بحيث لا تجب فيه شفعة أو سقطت ثمّ تساهل في الجواب بعدم الشراء، فإذا كُلّف اليمين ، عدل إلى ما يمكنه الحلف عليه. وهُما وجهان للشافعيّة(١) .

ولو نكل المدّعى عليه ، حلف الطالب ، واستحقّ الشقص. وفي [ الثمن ](٢) ما تقدّم من الوجوه : إمّا أن يقرّ في يد الشفيع ، أو يقبضه الحاكم ، أو يقهره على القبض أو الإبراء.

وإن قال : اشتريته لفلان ، رجع الحال إلى المضاف إليه ، وسيأتي.

مسالة ٧٦٩ : إذا ادّعى أنّه اشترى شقصاً في شركته وأنّه يستحقّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اليمين ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٩٩

الشفعة عليه ، فإنّه يحتاج إلى أن يحرّر دعواه فيحدّد(١) المبيع الذي يدّعيه ويذكر ثمنه ويدّعي فيه الشفعة ، فإذا فعل ذلك ، سئل المدّعى عليه ، فإن أقرّ ، لزمه ، وإن أنكر فقال : وهب لي أو ورثته ولم أشتره ، أو لا يستحقّ عليّ الشفعة ، قدّم قوله - على ما تقدّم - مع اليمين ، فإن حلف ، سقطت الدعوى ، وإن نكل ، حلف المدّعي ، واستحقّ أخذه بالشفعة.

وأمّا الثمن فإمّا أن يُجعل في ذمّة الشفيع إلى أن يطالبه المشتري ؛ لأنّه أقرّ له بحقّ فأنكره ، فلم يكن له مطالبته ، وإمّا أن يلزمه الحاكم بأخذه أو الإبراء منه إذا سأل ذلك الشفيع - كما أنّ المكاتب إذا حمل لسيّده نجوم الكتابة قيل له : إمّا أن تأخذه أو تبرئ - وإمّا أن يحفظه الحاكم في بيت المال ، فمتى ادّعاه المشتري سلّم إليه ، وإلاّ كان محفوظا عليه ، لأنّ عليه ضررا في بقاء حقّ غيره في ذمّته ، ولهذا إذا طالب من عليه الدّين صاحب الدَّيْن بقبضه ، لزم صاحب الدَّيْن قبضه أو الإبراء منه.

هذا إذا أنكر المشتري الشراء ، والشريك القديم غير معترف بالبيع ، ولو اعترف والشقص في يده ، فإن لم يعترف بقبض الثمن ، ثبتت الشفعة.

وفيه وجهٌ للشافعيّة : أنّها لا تثبت(٢) .

وإذا قلنا بالثبوت ، سلّم الثمن إلى البائع ، والعهدة عليه ؛ لأنّه تلقّى الملك منه حيث لم يعترف المشتري بالشراء ولا بيّنة هناك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : ينصب القاضي أميناً يقبض الثمن منه للمشتري ويدفعه إلى البائع ، ويقبض الشقص من البائع للمشتري ويدفعه إلى‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيجدّد » بالجيم ، وهو غلط.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381