تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125535 / تحميل: 5801
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

- وهو قول أحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة : أنّ سودة بنت عبد الله بن عمر امرأة عروة بن الزبير(٢) سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها في ثلاثة أيّام وكانت ضخمةً(٣) (٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة ، يستريح؟ قال : « نعم إن شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فيجلس »(٥) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا يجوز. ويجعل الموالاة شرطاً في السعي ؛ قياساً على الطواف(٦) .

والفرق : أنّ الطواف يتعلّق بالبيت وهو صلاة ، ويشترط له الطهارة والستر ، فيشترط له الموالاة ، كالصلاة ، بخلاف السعي.

وكذا يجوز أن يقطع السعي لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتمّ ما قطع عليه ؛ لأنّ أبا الحسنعليه‌السلام سُئل عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام ، قال : « إن أجابه فلا بأس »(٧) .

وعن أحمد روايتان(٨) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١.

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : عبد الله بن الزبير. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير وطبقات ابن سعد ٥ : ١٧٨ ، وسير أعلام النبلاء ٤ : ٤٣٢.

(٣) في النسخ الخطّية والحجرية : صحيحةً. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) أورده ابنا قدامة عن الأثرم في المغني ٣ : ٤١٨ والشرح الكبير ٣ : ٤٢١ - ٤٢٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٣٧ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٦ / ٥١٦.

(٦) المغني ٣ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١.

(٧) التهذيب ٥ : ١٥٧ / ٥٢٠.

(٨) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

١٤١

ولو دخل وقت فريضة وهو في أثناء السعي ، قَطَعه ، وابتدأ بالصلاة ، فإذا فرغ منها تمّم سعيه ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة ، أيخفّف أو يقطع ويصلّي ثم يعود أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال : « لا ، بل يصلّي ثم يعود أو ليس عليهما مسجد؟ »(١) .

مسألة ٥٠١ : إذا طاف ، جاز له أن يؤخّر السعي إلى بعد ساعة ، ولا يجوز إلى غد يومه - وبه قال أحمد وعطاء والحسن وسعيد بن جبير(٢) - لأنّ الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه وبين الطواف أولى.

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يقدم مكّة وقد اشتدّ عليه الحَرّ ، فيطوف بالكعبة فيؤخّر السعي إلى أن يبرد ، فقال : « لا بأس به ، وربما فَعَلْتُه » قال : وربما رأيته يؤخّر السعي إلى الليل(٣) .

وسأل محمد بن مسلم - في الصحيح - أحدَهماعليهما‌السلام : عن رجل طاف بالبيت فأعى ، أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : « لا »(٤) .

مسألة ٥٠٢ : السعي تبع للطواف لا يصحّ تقديمه عليه‌ - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لما رواه العامّة :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٦ / ٥١٩.

(٢) المغني ٣ : ٤١١ - ٤١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٨ - ١٢٩ / ٤٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٥٣ / ١٢٢٠.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٧ ، المجموع ٨ : ٧٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥١ ، المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢.

١٤٢

أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سعى بعد طوافه(١) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية منصور بن حازم - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت ، فقال : « يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما »(٣) .

ولو طاف بعض الطواف ثم مضى إلى السعي ناسياً ، فذكر في أثناء السعي نقص الطواف ، رجع فأتمّ طوافه ثم عاد إلى السعي فأتمّ سعيه ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام : عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف به ثم ذكر أنّه قد بقي عليه من طوافه شي‌ء ، فأمره أن يرجع إلى البيت فيتمّ ما بقي من طوافه ثم يرجع إلى الصفا فيتمّ ما بقي فقلت له : فإنّه طاف بالصفا وترك البيت ، قال : « يرجع إلى البيت ، قال : « يرجع إلى البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا » فقلت : ما فرق بين هذين؟ قال : « لأنّه قد دخل في شي‌ء من الطواف ، وهذا لم يدخل في شي‌ء منه »(٤) .

تذنيب : لو سعى بعد طوافه ثم ذكر أنّه طاف بغير طهارة ، لم يعتد بطوافه ولا بسعيه‌ ؛ لأنّه تبع له.

مسألة ٥٠٣ : السعي واجب في الحجّ والعمرة ، ولا يجزئ السعي في أحدهما عن الآخر ، عند علمائنا ؛ لأنّ كلّ واحد منهما نسك يشترط فيه الطواف ، فيشترط فيه السعي ، كالآخر.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ - ٨٨٨ - ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٣ - ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ ، المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٦.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٠ / ٤٢٨.

١٤٣

ولقول الصادقعليه‌السلام : « على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت ، ويصلّي لكلّ طواف ركعتين ، وسعيان بين الصفا والمروة »(١) .

وقال بعض العامّة : لو سعى القارن والمفرد بعد طواف القدوم ، لم يلزمهما بعد ذلك سعي ، وإن لم يسعيا معه ، لزمهما السعي مع طواف الزيارة(٢) .

مسألة ٥٠٤ : لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي ، فإن فَعَله متعمّداً ، أعاد طواف النساء‌ ، وإن كان ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ؛ لأنّ أحمد بن محمد روى عمّن ذكره ، قال : قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : جُعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثم طاف طواف النساء ثم سعى ، فقال : « لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء » فقلت : عليه شي‌ء؟ فقال : « لا يكون سعي إلاّ قبل طواف النساء »(٣) .

ولا يجوز للمتمتّع أن يقدّم طواف الحجّ وسعيه على المضيّ إلى عرفات اختياراً ، قاله العلماء كافّة.

روى أبو بصير ، قال : قلت : رجل كان متمتّعاً فأهلّ بالحجّ ، قال : « لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ التقديم للضرورة - كالشيخ الكبير والمريض وخائفة الحيض - جائز ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يعجّل الشيخ‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٦.

(٢) المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٣٣ / ٤٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣١ / ٧٩٩.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٣.

١٤٤

الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج(١) إلى منى »(٢) .

وكذا يجوز تقديم طواف النساء على الموقفين مع العذر لا مع الاختيار ؛ لأنّ الحسن بن علي روى عن أبيه عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك لمن خاف أن لا يتهيّأ(٣) له الانصراف إلى مكّة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو(٤) من منى إذا كان خائفاً »(٥) .

وسيأتي تمام ذلك إن شاء الله تعالى.

قال الشيخرحمه‌الله : يجوز للقارن والمفرد تقديم طوافهما وسعيهما على المضيّ إلى عرفات لضرورة وغيرها(٦) ، لأنّ حماد بن عثمان روى - في الصحيح - قال : سألت الصادقعليه‌السلام عن مفرد الحجّ أيعجّل طوافه أو يؤخّره؟ قال : « هو والله سواء عجّله أو أخّره »(٧) .

وسأل إسحاقُ بن عمّار الكاظمَعليه‌السلام : عن رجل يُحْرم بالحجّ من مكّة ثم يرى البيت خالياً فيطوف قبل أن يخرج ، عليه شي‌ء؟ قال : « لا »(٨) .

قال الشيخ(٩) : ويجدّدان التلبية لو قدّما الطواف ؛ ليبقيا على إحرامهما ، ولو لم يجدّداها ، انقلبت الحجّة عمرة.

____________________

(١) في التهذيبين : يخرجوا.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٣١ / ٤٣١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٠ / ٧٩٥.

(٣) في المصدر : « لمن خاف أمراً لا يتهيّأ ».

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « كما مرّ » وما أثبتناه من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ١٣٣ / ٤٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٠ - ٢٣١ / ٧٩٨.

(٦) النهاية : ٢٤١ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٩.

(٧) الكافي ٤ : ٤٥٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٥ / ١٣٥ ، و ١٣٢ / ٤٣٤.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٤٤ / ١١٦٩.

(٩) اُنظر : التهذيب ٥ : ٤٤ ذيل الحديث ١٣١.

١٤٥

وأنكر ابن إدريس(١) وكافّة العامّة ذلك.

البحث الرابع : في التقصير.

مسألة ٥٠٥ : إذا فرغ المتمتّع من السعي ، قصّر من شعره‌ وقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا الصيد ؛ لكونه في الحرم ، فلو خرج منه ، كان مباحاً له ، ويحلّ له أكل ما ذبح في الحلّ في الحرم إجماعاً.

روى العامّة عن ابن عمر قال : تمتّع الناس مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعمرة إلى الحجّ ، فلمـّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة قال للناس : ( مَنْ كان معه هدي فإنّه لا يحلّ من شي‌ء أحرم منه حتى يقضي حجّته ، ومَنْ لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر وليحلل )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا فرغت من سعيك وأنت متمتّع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخُذْ من شاربك وقلّم من أظفارك وأبق منها لحجّك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي‌ء يحلّ منه الـمُحْرم وأحرمت منه ، وطُفْ بالبيت تطوّعاً ما شئت »(٣) .

مسألة ٥٠٦ : التقصير نسك في العمرة ، فلا يقع الإحلال إلّا به أو بالحلق ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين(٤) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( رحم الله‌

____________________

(١) السرائر : ١٣٥.

(٢) المغني ٣ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٨ - ٤٣٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٥٧ / ٥٢١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ - ٣٧٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، المجموع ٨ : ٢٣٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ و ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٧.

١٤٦

المحلّقين ) قيل : يا رسول الله والمقصّرين ، فقال : ( رحم الله المحلّقين ) إلى أن قال في الثالثة أو الرابعة : ( رحم الله المقصّرين )(١) وهو يدلّ على أنّه نسك.

ومن طريق الخاصّة : الأحاديث الدالّة على الأمر بالتقصير(٢) ، فيكون واجباً.

وقال الشافعي في الآخر : إنّه إطلاق محظور ، بأنّ كلّ ما كان محرّماً في الإحرام فإذا جاز له ، كان إطلاقَ محظور(٣) .

ونمنع الكلّيّة.

ولا يستحب له تأخير التقصير ، فإن أخّره ، لم تتعلّق به كفّارة.

مسألة ٥٠٧ : لو أخلّ بالتقصير عامداً حتى أهلّ بالحجّ ، بطلت عمرته ، وكانت حجّته مفردةً.

ولا تدخل أفعال الحجّ في أفعال العمرة - وبه قال عليعليه‌السلام وابن مسعود والشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه(٤) - لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٥) .

وقال الشافعي : إذا قرن ، تدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ ، واقتصر على أفعال الحجّ فقط ، يجزئه طواف واحد وسعي واحد عنهما.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٦ / ٣١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٢ / ٣٠٤٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥٦ / ٩١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٣ ، سنن الدارمي ٢ : ٦٤.

(٢) منها ما تقدّم عن الإمام الصادقعليه‌السلام في المسألة السابقة.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ - ٣٧٥.

(٤) المجموع ٨ : ٦١ ، صحيح مسلم بشرح النووي ٨ : ١٤١ ، المغني ٣ : ٤٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤.

(٥) البقرة : ١٩٦.

١٤٧

وبه قال جابر وابن عمر وعطاء وطاوُس والحسن البصري ومجاهد وربيعة ومالك وأحمد وإسحاق(١) .

ويبطل بما رواه العامّة عن عمران بن الحصين : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( مَنْ جمع الحجّ إلى العمرة فعليه طوافان )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا طاف وسعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر ، وليس له متعة »(٣) .

ولو أخلّ بالتقصير ناسياً ، صحّت متعته ، ووجب عليه دم - قاله الشيخ(٤) رحمه‌الله - لأنّ إسحاق بن عمّار روى - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام : الرجل يتمتّع وينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحجّ ، فقال : « عليه دم يهريقه »(٥) .

وحمله الصدوق على الاستحباب(٦) ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتى دخل الحجّ ، قال : « يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمّت عمرته»(٧) .

مسألة ٥٠٨ : لو جامع امرأته قبل التقصير ، وجب عليه جزور‌ إن كان‌

____________________

(١) المجموع ٨ : ٦١ ، صحيح مسلم بشرح النووي ٨ : ١٤١ ، المغني ٣ : ٤٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٣٣ ذيل المسألة ١٤٨ ، ونقله الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤ بلفظ : ( مَنْ جمع بين الحجّ والعمرة ).

(٣) التهذيب ٥ : ١٥٩ / ٥٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٣ / ٨٤٦.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٨ ذيل الحديث ٥٢٦.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٨ - ١٥٩ / ٥٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٤ ، والفقيه ٢ : ٢٣٧ / ١١٢٨.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٧ ذيل الحديث ١١٢٩.

(٧) التهذيب ٥ : ١٥٩ / ٥٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ - ٢٤٣ / ٨٤٥.

١٤٨

موسراً ، وإن كان متوسّطاً ، فبقرة ، وإن كان فقيراً ، فشاة إن كان عامداً عالماً ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّ الحلبي سأل الصادقًعليه‌السلام - في الصحيح - : عن متمتّع وقع على امرأته قبل أن يقصّر ، قال : « ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه »(١) .

وفي الحسن عن معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن متمتّع وقع على امرأته ولم يقصّر ، فقال : « ينحر جزوراً وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه »(٢) .

أمّا لو واقعها بعد التقصير ، فلا شي‌ء عليه إجماعاً.

ولو قبّل امرأته قبل التقصير ، وجب عليه دم شاة - قاله الشيخ(٣) - لرواية الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن متمتّع طاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقبّل امرأته قبل أن يقصّر من رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه ، وإن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ عمرته لا تبطل - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي(٥) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه سُئل عن امرأة معتمرة وقع بها زوجها قبل أن تقصّر ، قال : مَنْ ترك من مناسكه شيئاً أو نسيه فليرق دماً ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦١ / ٥٣٦ ، وفيه إلى قوله : « جزوراً ». وقوله : « وقد خشيت حجّه » من تتمّة رواية معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق ٧ ، التي وردت بعد رواية الحلبي ، وفيها : « وقد خفت ».

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٠ - ٤٤١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٦١ / ٥٣٩.

(٣) التهذيب ٥ : ١٦٠ ذيل الحديث ٥٣٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٦٠ - ١٦١ / ٥٣٥.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٨.

١٤٩

قيل : إنّها موسرة ، قال : فلتنحر ناقة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه »(٢) وهو يدلّ على الصحّة.

وقال الشافعي : تفسد عمرته(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإن طاوعته ، كفّرت أيضاً ، وإن أكرهها ، تحمّل عنها.

مسألة ٥٠٩ : التقصير في إحرام العمرة أولى من الحلق ، قاله الشيخ في الخلاف(٤) .

ومنع في غيره من الحلق ، وأوجب به دم شاة مع العمد(٥) .

وقال أحمد : التقصير أفضل(٦) ؛ لما رواه العامّة عن جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام عن جابر لـمّا وصف حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال لأصحابه : ( حلّوا من إحرامكم بطواف بين الصفا والمروة وقصّروا )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه »(٨) .

وسأل جميلُ بن درّاج الصادقَعليه‌السلام : عن متمتّع حلق رأسه بمكة ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٤٨ ، الهامش (٢).

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٣٠ ، المسألة ١٤٤.

(٥) النهاية : ٢٤٦ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٣ ، الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٢.

(٦) المغني ٣ : ٤١٣ - ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٤.

(٧) أورده ابنا قدامة عن جابر فقط في المغني ٣ : ٤١٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٢٤.

(٨) التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٢.

١٥٠

قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء »(١) .

وقال الشافعي : الحلق أفضل(٢) ؛ لقوله تعالى :( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٣) . بدأ بالأهمّ.

وهو لا يعارض ما تقدّم.

مسألة ٥١٠ : أدنى التقصير أن يقصّر شيئاً من شعر رأسه‌ ولو كان يسيراً ، وأقلّه ثلاث شعرات ؛ لحصول الامتثال به ، هذا قول علمائنا ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو حنيفة : الربع(٥) .

وقال مالك : يقصّر من جميع رأسه أو يحلقه أجمع. وبه قال أحمد في إحدى الروايتين - وفي الاُخرى كقولنا(٦) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حلق جميع رأسه(٧) . ولأنّه نسك يتعلّق بالرأس ، فيجب استيعابه ، كالمسح(٨) .

وفعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيان للحلق في الحجّ ، ونمنع حكم أصل قياسهم.

إذا عرفت هذا ، فلو قصّر الشعر بأيّ شي‌ء كان ، أجزأه ، وكذا لو نتفه‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٣.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، المجموع ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٤.

(٣) الفتح : ٢٧.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٤ ، المغني ٣ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٤.

(٦) المغني ٣ : ٤١٤ - ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ / ١٩٨١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤.

(٨) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٥ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٢٩ ، المغني ٣ : ٤١٤ - ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣.

١٥١

أو أزاله بالنورة.

ولو قصّر من الشعر النازل عن حدّ الرأس أو ما يحاذيه ، أجزأه.

ولو قصّر من أظفاره ، أجزأه ، وكذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام سأله حفص وجميل وغيرهما : عن مُحْرم يُقصّر من بعض ولا يقصّر من بعض ، قال : « يجزئه»(١) .

مسألة ٥١١ : ليس في إحرام عمرة التمتّع طواف النساء ، بل في إحرام العمرة المبتولة ؛ لأنّ أبا القاسم مخلد بن موسى الرازي كتب [ إلى الرجل ](٢) يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء؟ وعن العمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ ، فكتب « أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء ، وأمّا التي يتمتّع بها إلى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي للمتمتّع بعد التقصير أن يتشبّه بالـمُحْرمين في ترك لُبْس المخيط ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إذا أحلّ أن لا يلبس قميصاً وليتشبّه بالـمُحْرمين »(٤) .

مسألة ٥١٢ : يكره له أن يخرج من مكة قبل قضاء مناسكه كلّها‌ ، إلّا لضرورة ، فإن اضطرّ إلى الخروج ، خرج إلى حيث لا يفوته الحجّ ، ويخرج مُحْرماً بالحجّ ، فإن أمكنه الرجوع إلى مكة ، وإلّا مضى على إحرامه إلى عرفات.

ولو خرج بغير إحرام ثم عاد ، فإن كان في الشهر الذي خرج فيه ،

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٩ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٦.

(٢) أضفناها من المصادر.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٥٤ / ٨٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٢ / ٨٠٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٦٠ / ٥٣٢.

١٥٢

لم يضرّه أن يدخل مكة بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر الذي خرج فيه ، دخلها مُحْرماً بالعمرة إلى الحجّ ، وتكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتّع بها إلى الحجّ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ دخل مكة متمتّعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ ، فإن عرضت له الحاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق ، خرج مُحْرماً ، ودخل ملبّياً بالحجّ ، فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع إلى مكة رجع مُحْرماً ، ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى » قلت : فإن جهل فخرج إلى المدينة وإلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ أيدخلها مُحْرماً أو بغير إحرام؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل مُحْرماً » قلت : فأيّ الإحرامين والمتعتين متعته؟ الأولى أو الأخيرة؟ قال : « الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّه »(١) .

إذا عرفت هذا ، فلو خرج من مكة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه ، استحبّ له أن يدخلها مُحْرماً بالحجّ ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام على ما تقدّم.

مسألة ٥١٣ : لو دخل المـُحْرم مكة وقدر على إنشاء الإحرام للحجّ بعد طوافه وسعيه وتقصيره ، وإدراك عرفات والمشعر ، جاز له ذلك‌ وإن كان بعد زوال الشمس من يوم التروية أو ليلة عرفة أو يومها قبل الزوال أو بعده إذا علم إدراك الموقفين - اختاره الشيخ(٢) رحمه‌الله - لأنّ هشام بن سالم [ روى ](٣) - في الصحيح - [ عن ](٤) الصادقعليه‌السلام : في الرجل المتمتّع يدخل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤١ - ٤٤٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٣ - ١٦٤ / ٥٤٦.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٤.

(٣ و ٤ ) ما بين المعقوفين لأجل السياق.

١٥٣

ليلة عرفة فيطوف ويسعى ثم يحرم فيأتي منى ، فقال : « لا بأس »(١) .

وقال المفيدرحمه‌الله : إذا زالت الشمس من يوم التروية ولم يكن أحلّ من عمرته ، فقد فاتته المتعة ، ولا يجوز له التحلّل منها ، بل يبقى على إحرامه ، وتكون حجّته مفردة(٢) .

وليس بجيّد.

قال موسى بن القاسم : روى لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، أنّه قال : « أهلّ بالمتعة بالحجّ » يريد يوم التروية زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ، ما بين ذلك كلّه واسع(٣) .

احتجّ المفيد -رحمه‌الله - بقول الصادقعليه‌السلام : « إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة ، وامض كما أنت بحجّك »(٤) .

وهو محمول على خائف فوات الموقف ؛ لأنّ الحلبي سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أهلّ بالحجّ والعمرة جميعاً ثم قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، فقال : « يدع العمرة ، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ، ولا هدي عليه »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٤٢ / ١١٥٦ ، التهذيب ٥ : ١٧١ - ١٧٢ / ٥٧١ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٧ / ٨٦٦.

(٢) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ١٣٧. والذي في مقنعته ٦٧ : من دخل مكة يوم التروية فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة ، فإن غربت الشمس قبل أن يفعل ذلك ، فلا متعة له ، فليقم على إحرامه ويجعلها حجّة مفردة.

ولا يخفى أنّ الاحتجاج الآتي يناسب ما قاله في المقنعة.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٢ - ١٧٣ / ٥٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٨ / ٨٧٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٣ / ٥٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٩ / ٨٧٨.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٤ / ٥٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٠ / ٨٧٩.

١٥٤

والتقييد بخوف الفوات هنا يقتضي تقييده في الأحاديث المطلقة ؛ حملاً للمطلق على المقيّد.

تمّ الجزء الخامس(١) من كتاب تذكرة الفقهاء في سادس شهر رمضان المبارك من سنة ثمان عشرة وسبعمائة بالحلّة على يد مصنّف الكتاب حسن ابن يوسف بن المطهّر الحلّي أعانه الله تعالى على طاعته.

ويتلوه في الجزء السادس بعون الله تعالى : المقصد الثالث في أفعال الحجّ ، وفيه فصول : الأوّل : في إحرام الحجّ.

والحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين(٢) .

____________________

(١) حسب تجزئة المصنّف قدّس الله نفسه الزكية.

(٢) جاء في آخر نسخة « ن » : إلى هنا صورة ما كتبه المصنّف قدّس الله سرّه وأفاض على تربته الرحمة والرضوان في نسخة أصله.

وكان الفراغ منه على يد كاتبه لنفسه الفقير إلى الله تعالى بن شمروخ يوم الخميس سادس عشري شهر الله الأعظم ذي الحجّة الحرام خاتمة سنة أربع وستّين وسبعمائة (٧٦٤) والحمد لله ربّ العالمين ، وصلاته على خير خلقه أجمعين محمد ابن عبد الله الصادق الأمين ، وعلى عترته الطاهرين وذرّيّته الأكرمين صلاة متتابعة مترادفة إلى يوم الدين.

١٥٥

بسم الله الرحمن الرحيم

وفّق اللّهم لإكماله بمحمد وكرام آله‌

١٥٦

١٥٧

المقصد الثالث

في أفعال الحجّ‌

وفيه فصول‌ :

١٥٨

١٥٩

الأوّل

في إحرام الحجّ‌

مسألة ٥١٤ : إذا فرغ المتمتّع من عمرته وأحلّ من إحرامها ، وجب عليه الإتيان بالحجّ مبتدئاً بالإحرام للحجّ من مكة‌. ويستحب أن يكون يوم التروية ، وهو ثامن ذي الحجّة ، إجماعاً.

روى العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فلمـّا كان يوم التروية توجّهوا إلى منى فأهلّوا بالحجّ(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار ، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيمعليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة ، ثم قُلْ في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحجّ ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلى الرقطاء دون الرَّدْم فلبِّ ، فإذا انتهيت إلى الرَّدْم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى»(٢) .

أمّا المكّي : فذهب مالك إلى أنّه يستحب أن يهلّ بالحجّ من المسجد لهلال ذي الحجّة(٣) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٠١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٠.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ولو سار المسافر في الحال طالباً للشفعة ، لم تسقط شفعته بترك الإشهاد ، ولا يكون الإشهاد واجباً. وكذا لو بعث وكيله في الحال ولم يُشهد.

وللشافعي قولان(١) .

وكذا لو كان حاضراً في البلد فخرج في الحال إلى المشتري أو إلى الحاكم ولم يُشهد.

مسالة ٧٨٨ : إذا علم بالشفعة ، مضى إلى المشتري‌ ، ولا يحتاج أن يرفع ذلك إلى الحاكم ؛ لأنّ الشفعة ثبتت بالنصّ والإجماع ، فلا تفتقر إلى الحاكم ، كمدّة الإيلاء والردّ بالعيب ، وبه قال الشافعي(٢) .

فإذا لقي المشتري ، بدأه بالسلام ؛ لأنّه سنّة. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه »(٣) فيقول : السلام عليكم ، أو : سلام عليك ، أو : سلام عليكم ، ولا تبطل بذلك شفعته.

قال الجويني : ومَنْ غلا(٤) في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة لم يبعد أن يشترط فيه ترك الابتداء بالسلام(٥) .

وكذا لا تبطل لو قال عقيب السلام حديثاً آخَر يتّصل بالسلام ، كقوله : بارك الله لك في صفقة يمينك.

قال الشافعي : لا تبطل الشفعة ؛ لأنّ ذلك يتّصل بالسلام ، ويكون‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ و ٥٤٠.

(٣) حلية الأولياء ٨ : ١٩٩ ، وانظر : الكافي ٢ : ٤٧١ / ٢.

(٤) في النسخ الخطيّة والحجريّة : « عذر » بدل « غلا ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

٣٢١

دعاءً لنفسه ؛ لأنّ الشقص يرجع إليه(١) .

وله قولٌ آخَر : البطلان(٢) .

ولو قال غير ذلك ، فقد أخّر الشفعة لغير عذر.

ولو قال عند لقائه : بكَمْ اشتريته؟ لم تبطل شفعته - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لافتقاره إلى تحقّق ما أخذ به(٤) .

وقال الباقون : تبطل ؛ لأنّه تأخير ، لأنّ من حقّه أن يظهر الطلب ثمّ يبحث(٥) .

ولو قال : اشتريت رخيصاً ، وما أشبهه ، بطلت شفعته ؛ لأنّه فضول.

مسالة ٧٨٩ : ولو لم يمض الشفيع إلى المشتري ومشى إلى الحاكم وطلب الشفعة‌ ، لم يكن مقصّراً في الطلب ، سواء ترك مطالبة المشتري مع حضوره أو غيبته.

أمّا لو اقتصر على الإشهاد بالطلب ولم يمض إلى المشتري ولا إلى القاضي مع إمكانه ، قال الشيخرحمه‌الله : لا تبطل شفعته ؛ لعدم الدليل عليه(٦) ، وبه قال أبو حنيفة(٧) .

وقال الشافعي : يكون مقصّراً ، وبطلت شفعته(٨) .

ولو جهل البطلان ، كان عذراً ، ولم يكن مقصّراً ، كما لو جهل أصل‌

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٤) كذا ، والظاهر : « لافتقاره إلى تحقيق ما أخذه به ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٦) الخلاف ٣ : ٤٥٦ ، المسألة ٤٢.

(٧) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٥٦ ، المسألة ٤٢ ، وانظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

٣٢٢

الشفعة.

ولو كان المشتري غائباً ، رفع أمره إلى القاضي وأخذ ، ولم يكف الإشهاد.

ولو لم يتمكّن من الرفع إلى المشتري ولا إلى القاضي ، كفاه الإشهاد على الطلب ، فإن تمكّن بعد ذلك من المضيّ إلى المشتري أو القاضي ، فالأقرب : عدم الاكتفاء بالإشهاد السابق ، فيكون مقصّراً لو لم يمض إلى أحدهما ؛ لأنّ الالتجاء إلى الإشهاد كان لعذر وقد زال.

ولو لم يتمكّن من المضيّ إلى أحدهما ولا من الإشهاد ، فهل يؤمر أن يقول : تملّكت الشقص أو أخذته؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّ الواجب الطلبُ عند القاضي أو المشتري ، فإذا فات القيد ، لم يسقط الآخَر.

وللشافعيّة وجهان(١) .

مسالة ٧٩٠ : لا يجب الطلب في بلد المبايعة‌ ، فلو باع الشقص بمصر ثمّ وجد الشفيع المشتري بمصرٍ آخَر فأخّر الطلب فلمـّا رجعا إلى مصره طالَبه بالشفعة ، لم يكن له ذلك ، وسقطت شفعته.

فإن اعتذر الشفيع عن التأخير بأنّي إنّما تركت الطلب لآخذ في موضع الشفعة ، لم يكن ذلك عذراً ، وقلنا له : ليس تقف المطالبة على تسليم الشقص ، فكان ينبغي أن تطلبها حال علمك بها ، فبطل حقّك ؛ لاستغناء الأخذ عن الحضور عند الشقص.

مسالة ٧٩١ : لو أظهر المتبايعان أنّهما تبايعا بألف فترك الشفيع الشفعة فعفا أو توانى في الطلب ، ثمّ بان أنّهما تبايعاه بأقلّ من ذلك ، لم تسقط‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

٣٢٣

الشفعة ، وكان للشفيع المطالبة بها ؛ لاحتمال أن يكون الترك لأجل كثرة الثمن ، فإذا كان أقلّ منه ، رغب فيه ، فلم تسقط بذلك الترك شفعتُه.

وكذا لو بلغه أنّه باعه بالثمن المسمّى سهاماً قليلة ثمّ ظهر أنّها كثيرة.

وكذا إذا كانا قد أظهرا أنّهما تبايعا ذلك بالدنانير ، فترك ثمّ بان أنّهما تبايعا ذلك بالدراهم ، تثبت الشفعة ، سواء كانت بقيمة الدراهم أو أكثر أو أقلّ - وبه قال الشافعي وزفر(١) - لأنّه قد يكون له غرض في ذلك بأن يكون مالكاً لأحد النقدين دون الذي وقع التبايع به.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد : إذا كانت قيمتهما سواءً ، سقطت شفعته - وبه قال بعض الشافعيّة - لأنّهما يجريان مجرى الجنس الواحد(٢) .

وكذا إن أظهرا له أنّ زيداً اشتراها ، فترك الشفعة فبانَ أنّ المشتري عمرو وأنّ زيداً كان وكيلاً لعمرو ، لم تبطل الشفعة ، وكان له المطالبة بها ؛ لاحتمال أن يكون يرضى بشركة زيد ولا يرضى بشركة عمرو.

ولو ظهر كذب نوع الثمن ، فقال : اشتريته بدراهم راضيّة ، فترك الشفعة فظهر أنّه اشترى بدراهم رضويّة ، لم تبطل شفعته ، وكان له الطلب.

وكذا لو اُخبر بأنّ المشتري اشترى النصف بمائة ، فترك الشفيع ثمّ‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٨ - ٢٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ - ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٥٤٢ ، المغني ٥ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٩.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٧٣ - ٧٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠ - ١٩١ ، المغني ٥ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٩.

٣٢٤

بانَ(١) أنّه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس ، تثبت الشفعة ؛ لأنّه قد يكون له غرض في القليل ، وقد يكون له أيضاً غرض في الكثير.

وكذا لو قيل له : باع كلّ نصيبه ، فترك ثمّ ظهر بعضه أو بالعكس ، أو أنّه باعه بثمنٍ حالّ ، فترك ثمّ ظهر أنّه مؤجّل ، أو أنّه باعه إلى شهر ، فترك فظهر أنّه إلى شهرين أو بالعكس ، أو أنّه باع رجلين فبانَ رجلاً أو بالعكس ، فترك الشفعة قبل ظهور الحال ، لم تبطل الشفعة ؛ لاختلاف الغرض بذلك.

ولو ظهر بأنّ الثمن عشرة ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّ الثمن عشرون(٢) ، أو اُخبر بأنّ الثمن مؤجّل(٣) ، فترك فبانَ حالّا ، أو أنّ المبيع الجميعُ بألف فبانَ أنّ البعض بألف ، بطل حقّه من الشفعة قطعاً.

ولو أخبر(٤) أنّه اشترى النصف بمائة ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس ، تثبت الشفعة ؛ لأنّه قد يكون له غرض في القليل أو الكثير.

ولو بلغه(٥) أنّ المشتري واحد ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه ذلك الواحد وآخر ، فله الشفعة من كلّ منهما ومن أحدهما إن قلنا بثبوت الشفعة مع الكثرة ، لأنّه ترك الذي ترك له على أنّه اشترى الجميع ، فإذا كان اشترى البعض ، تثبت له ، وأمّا الآخَر فلم يتركه له.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « ظهر » بدل « بان ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عشرين ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مؤجّلاً » بالنصب.

(٤) تقدّم هذا الفرع آنفا بعد قوله : « ولو ظهر كذب كان له طلب ».

(٥) تقدّم هذا الفرع آنفاً عند قوله : « أو أنّه باع أو بالعكس ».

٣٢٥

مسالة ٧٩٢ : لو أخّر الطلب واعتذر بحصول مرض أو حبس أو غيبة ، وأنكر المشتري‌ ، قُدّم قول الشفيع إن عُلم حصول العارض - الذي ادّعاه - له ، وإن لم يُعلم له هذه الحال ، قُدّم قول المشتري ؛ لأصالة العدم ، وأصالة عدم الشفعة.

ولو قال : لم أعلم ثبوت حقّ الشفعة ، أو قال : أخّرت لأنّي لم أعلم أنّ الشفعة على الفور(١) ، فإن كان قريبَ العهد بالإسلام ، أو نشأ في برّيّة لا يعرفون الأحكام ، قُبل قوله ، وله الأخذ بالشفعة ، وإلّا فلا.

مسالة ٧٩٣ : لو ضمن الشفيع العهدة للمشتري أو ضمن الدرك للبائع عن المشتري‌ ، قال الشيخرحمه‌الله : لا تسقط شفعته ، وبه قال الشافعي ، وكذا إذا شرطا الخيار للشفيع إذا قلنا بصحّة اشتراط الخيار للأجنبيّ ؛ لأنّ هذا سبب سبق وجوب الشفعة ، فلا تسقط به ، كما إذا أذن له في البيع أو عفا عن الشفعة قبل تمام البيع(٢) .

وقال أهل العراق : إنّه تسقط الشفعة ؛ لأنّ العقد تمّ به ، فأشبه البائع إذا باع بعض نصيبه ، لا شفعة له(٣) .

قالت الشافعيّة : هذا ليس بصحيح ، لأنّ البيع لا يقف على الضمان ، ويبطل بما(٤) إذا كان المشتري شريكاً ، فإنّه تثبت له الشفعة بقدر نصيبه(٥) .

____________________

(١) ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة قوله : « أو قال على الفور » بعد قوله : « فإن كان قريب العهد بالإسلام ». وهو سهو من النُّسّاخ.

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٧ ، المسألة ٢٥ ، وانظر : حلية العلماء ٥ : ٣١٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، والمغني ٥ : ٥٤٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٣١٢ ، المغني ٥ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٣ ، الخلاف - للطوسي - ٣ : ٤٤٧ ، المسألة ٢٥.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به » بدل « بما ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) اُنظر : المغني ٥ : ٥٤٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٤.

٣٢٦

والقول ببطلان الشفعة لا بأس به عندي ؛ لدلالة ذلك على الرضا بالبيع.

قال الشيخرحمه‌الله : ولو كان الشفيع وكيلاً في البيع(١) ، لم تسقط شفعته ، سواء كان وكيلاً للبائع في البيع أو للمشتري في الشراء - وبه قال الشافعي - لعدم الدليل على سقوط الشفعة بالوكالة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إن كان وكيلا للبائع ، فلا شفعة له ، وإن كان وكيلا للمشتري ، ثبتت له الشفعة ، والفرق : أنّه إذا كان وكيلاً في البيع ، لحقته التهمة ، وفي الشراء لا تهمة(٣) .

وقال أهل العراق : إذا كان وكيلاً للمشتري ، سقطت شفعته ، بناءً على أصلهم أنّ الوكيل يملك ، ولا يستحقّ على نفسه الشفعة(٤) .

ويحتمل عندي قويّاً بطلان الشفعة ؛ لأنّ التوكيل يدلّ على الرضا بالبيع.

مسالة ٧٩٤ : لو أذن الشفيع في البيع ، فقال : بعْ نصيبك وقد عفوت عن الشفعة‌ ، أو أبرأه(٥) من الشفعة قبل تمام البيع أو أسقط حقّه أو عفا قبل العقد ، لم تسقط شفعته ، وبه قال الشافعي(٦) .

____________________

(١) أي : بيع الشقص الذي يستحقّ به الشفعة.

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٨ ، المسألة ٢٧ ، وراجع : المغني ٥ : ٥٤٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤.

(٣) المغني ٥ : ٥٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٤) حكاه عنهم الشيخ الطسوسي في الخلاف ٣ : ٤٤٨ ، المسألة ٢٧ ، وابنا قدامة في المغني ٥ : ٥٤٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أبرأ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) حلية العلماء ٥ : ٣٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٠ / ١٩٤٨ ، المغني ٥ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٤.

٣٢٧

وحكي عن عثمان البتّي أنّه قال : تسقط الشفعة(١) ؛ لرواية جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الشفعة في كلّ شرك في أرض(٢) أو رَبْع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع »(٣) فأجاز تركه.

والمراد العرض على الشريك ليبتاع ذلك إن أراد ، فيخفّ بذلك المؤونة عليه في أخذ المشتري الشقص ؛ لأنّ قولهعليه‌السلام : « فيأخذ » ليس بالشفعة ، لأنّ العرض متقدّم على البيع ، والأخذ متعقّب للعرض ، فقوله : « أو يدع » أي : يدع الشراء ، لا أنّه يسقط حقّه بتسليمه. والأصل فيه أنّ ذلك إسقاط حقٍّ قبل وجوبه ، فلا يصحّ ، كما لو أبرأه ممّا يدينه إيّاه.

وكذا لو قال للمشتري : اشتر فلا أطالبك بالشفعة وقد عفوت عنها ، لم يسقط حقّه بذلك.

فروع :

أ - إذا شهد الشفيع على البيع ، لم تبطل شفعته بذلك ؛ لأنّه قد يريد البيع ليأخذه بالشفعة ، وكذا في الإذن بالبيع على ما تقدّم(٤) .

ب - لو بارك للبائع فيما باع أو للمشتري فيما اشترى ، لم تسقط شفعته ، وقد سلف(٥) .

ج - لو قال الشفيع للمشتري : بِعْني أو قاسمني ، بطلت شفعته ؛ لأنّه يتضمّن الرضا بالبيع وإجازته له.

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٠ / ١٩٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شرك بأرض ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ / ١٣٥.

(٤) في صدر المسألة ٧٩٤.

(٥) في ص ٣٢٠ ضمن المسألة ٧٨٨.

٣٢٨

د - لو شرط الخيار للشفيع فاختار الإمضاء ، سقطت شفعته إن ترتّبت على اللزوم.

مسالة ٧٩٥ : لو باع أحد الشريكين نصيبه ولم يعلم شريكه حتى باع نصيبه ثمّ علم بيع شريكه ، فالأقرب : عدم الشفعة ؛ لأنّها إنّما ثبتت لزوال الضرر بها عن نصيبه ، فإذا باع نصيبه فلا معنى لإثباتها ، كما لو وجد بالمبيع عيباً ثمّ زال قبل علم المشتري ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّه تثبت له الشفعة في النصيب الأوّل ؛ لأنّه استحقّ فيه الشفعة بوجود ملكه حين التبايع ، فلم يؤثّر زوال ملكه بعد ذلك(١) .

وكذا البحث لو وهب نصيبه قبل علمه بالبيع ثمّ علم ، وكذا لو تقايلا في هذا بالبيع(٢) الثاني.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : لا شفعة له ، فللمشتري منه الأخذ بالشفعة ؛ لوجود المقتضي ، وهو الشركة.

وإن قلنا : له الشفعة ، فالأقرب : عدم استحقاق المشتري منه للشفعة إن قلنا بانتفاء الشفعة مع الكثرة ، وإلّا فإشكال أقربه ذلك أيضاً ؛ لأنّ الشفعة استحقّها البائع الجاهل ؛ لسبق عقد الشفعة على عقده ، فلا يستحقّها الآخَر ؛ لامتناع استحقاق المستحقّين شيئاً واحداً.

ولو كان الجاهل قد باع نصف نصيبه وقلنا بالشفعة مع الكثرة ، فوجهان :

أحدهما : أنّه تسقط الشفعة - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - كما إذا عفا‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٢) كذا.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١ - ١٩٢.

٣٢٩

عن بعض الشفعة.

والثاني : لا تسقط ؛ لأنّه قد بقي من نصيبه ما يستحقّ به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد كذا إذا بقي. ولأنّه معذور بجهله ، وقد بقيت الحاجة - الموجبة للشفعة - للمشاركة(١) .

ولو باع الشفيع نصيبه عالماً أو وهبه عالماً بثبوت الشفعة ، بطلت شفعته ، سواء قلنا : إنّ الشفعة على الفور أو على التراخي ؛ لزوال ضرر المشاركة.

ولو باع بعض نصيبه عالماً ، فإن قلنا ببطلان الشفعة مع الكثرة ، فكذلك ؛ لتكثّر الشركاء. وإن قلنا بثبوتها معها ، فالأقرب : البطلان أيضاً ؛ لثبوت التضرّر بالشركة ، فلا أثر للشفعة في زوالها.

ويحتمل عدم البطلان ؛ لأنّ تضرّر الشركة قد يحصل مع شخص دون آخَر ، ولهذا قلنا : إنّه إذا بلغه أنّ المشتري زيدٌ فترك الشفعة ثمّ بان أنّه عمرو ، لم تبطل شفعته ، كذا هنا.

أمّا لو طالب بالشفعة فامتنع عليه المشتري من الدفع بعد أن بذل المال ، لم تسقط شفعته.

فإن باع نصيبه حالة المنع منها ثمّ تمكّن من الطلب ، ففي ثبوته إشكال ينشأ : من استحقاقه للطلب أوّلاً وقد طلب ، فلا تبطل شفعته بالبيع ، والبيع معذور فيه ، لإمكان حاجته ، ومن بطلان العلّة الموجبة للشفعة ، وهي الشركة. وهو أقرب.

ولو تملّك بالشفعة فقال : تملّكت بالشفعة ، حالة منع المشتري منها ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١ - ١٩٢.

٣٣٠

فالأقرب : أنّه يملك الشقص بذلك ، فإذا باع نصيبه بعد ذلك ، لم تسقط شفعته على هذا التقدير قطعاً. وكذا له النماء من المشتري والاُجرة.

مسالة ٧٩٦ : إذا وجبت الشفعة واصطلح الشفيع والمشتري على تركها بعوض‌ ، صحّ عندنا ، وسقطت الشفعة - وبه قال مالك(١) - لعموم جواز الصلح. ولأنّه عوض على إزالة ملك في ملك ، فجاز ، كأخذ العوض على تمليك امرأته أمرها في الخلع.

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تصحّ المعاوضة ؛ لأنّه خيار لا يسقط إلى مال ، فلا يجوز أخذ العوض عنه ، كخيار المجلس(٢) .

وهل تبطل الشفعة؟ للشافعي وجهان :

أحدهما : البطلان ؛ لأنه تركها بعوض لا يسلم له ، فكان كما لو تركها.

والثاني : لا تسقط ؛ لأنّه لم يرض بإسقاطها مجّاناً ، وإنّما رضي بالمعاوضة عنها ، فإذا لم تثبت له المعاوضة ، كانت الشفعة باقيةً(٣) .

وهذان الوجهان جاريان في الردّ بالعيب إذا عاوض عنه وقلنا : لا تصحّ المعاوضة.

وعندنا أنّه تصحّ المعاوضة أيضاً.

مسالة ٧٩٧ : إذا وجبت الشفعة في شقص فقال صاحب الشفعة : أخذت نصف الشقص ، لم يكن له ذلك.

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٨٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٣ ، المغني ٥ : ٤٨٢ - ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨١ - ٤٨٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٣ - ٣٥٤.

٣٣١

وهل تسقط شفعته؟ قال محمّد بن الحسن وبعض الشافعيّة : نعم ؛ لأنّه إذا طلب بعضها ، فقد أخّر بعضها ، فقد ترك شفعته في بعضها ، وإذا ترك بعضها ، سقطت كلّها ؛ لأنّها لا تتبعّض(١) .

وقال أبو يوسف : لا تسقط ؛ لأنّ اختياره لبعضها طلب للشفعة ، فلا يجوز أن يكون هو بعينه تركاً لها ؛ لعدم دلالة الشي‌ء على نقيضه. ولأنّه لمـّا لم يجز له أن يأخذ بعضها دون بعض كان طلب بعضها كطلب جميعها(٢) .

واعتُرض : بأنّ طلب البعض لا يكون طلباً للجميع ، ولا معنى لطلب الجميع بطلب البعض ، ولا غرض ، فتسقط(٣) .

البحث السابع : في تفاريع القول بالشفعة مع الكثرة.

مسالة ٧٩٨ : اختلف القائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة - من أصحابنا ومن العامّة - هل هي على عدد الرؤوس أو على قدر الأنصباء؟

فذهب بعض علمائنا إلى أنّها تثبت على عدد الرجال(٤) ، فلو كان لأحد الشركاء النصفُ وللباقين النصفُ الآخَر بالسويّة فباع صاحب الربع نصيبَه ، كانت الشفعة بين صاحب النصف وصاحب الربع بالسويّة - وبه قال‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٩ - ٤٩٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٣ ، المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٣) المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٤) كما في المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٣ ، ونسبه الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٣٩٣ إلى ابن الجنيد.

٣٣٢

الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وابن شُبْرمة وأبو حنيفة وأصحابه والمزني والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « الشفعة على عدد الرجال »(٢) .

ولأنّ كلّ واحد منهم لو انفرد ، كان له أخذ الكلّ ، فإذا اجتمعوا اشتركوا ، كالبنين في الميراث، وكما لو كان لواحد من الثلاثة نصف عبد وللثاني ثلثه وللثالث سدسه فأعتق صاحب الثلث والسدس حصّتهما معاً دفعةً وهُما موسران ، فإنّ النصف يقوَّم عليهما بالسويّة وإن اختلف استحقاقهما.

وقال بعض علمائنا : إنّها تثبت على قدر النُّصّب(٣) - وبه قال عطاء ومالك وإسحاق وأحمد في الرواية الاُخرى والشافعي في القول الآخَر ، وهو مذهب سوار القاضي وعبيد الله بن الحسن العنبري(٤) - لأنّه حقّ يستفاد بسبب الملك ، فكان على قدر الأملاك كالغلّة.

____________________

(١) المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، الوجيز ١ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ و ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المحلّى ٩ : ٩٨ - ٩٩ ، الاستذكار ٢١ : ٢٨١ / ٥ - ٣١٣٧٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٦ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ - ١١٧ / ٤١٦.

(٣) كما في المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٣ ، والمهذّب - لابن البرّاج - ١ : ٤٥٣.

(٤) المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٦٠ ، الاستذكار ٢١ : ٢٨٠ / ٣١٣٧٠ ، و ٢٨١ / ٣ - ٣١٣٧٢ ، المعونة ٢ : ١٢٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩١ - ٢٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، الوجيز ١ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ و ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المحلّى ٩ : ٩٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ ، ١٩٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٥.

٣٣٣

ثمّ نقضوا الأوّل(١) بالفرسان والرجّالة في الغنيمة ، مَن انفرد منهم استحقّ الكلّ ، وإذا اجتمعوا تفاضلوا ، وكذا أصحاب الديون إذا كان مَنْ عليه الدَّيْن ماله مثل أقلّ الديون ، والمعتقان استويا ؛ لأنّ العتق إتلاف النصيب الباقي ، وسبب الإتلاف يستوي فيه القليل والكثير ، كالنجاسة تقع في المائع ، وهنا يستحقّ بسبب الملك ، فافترقا(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الفرس كالفارس ، فلا تفاضل في الحقيقة ، والدَّيْن كالكسب الحاصل لأرباب الديون ، فكانوا فيه على قدر رؤوس أموالهم.

إذا ثبت هذا ، فإن قلنا : الشفعة على عدد الرءوس ، فلا بحث.

وإن قلنا : على قدر الأنصباء ، فلو كان لأحدهما النصفُ وللآخَر الربعُ والمبيع الربعُ ، استحقّ صاحب النصف ثلثي المبيع ، وصاحب الربع ثلثه ، فتقسّم الجملة من اثني عشر ، لصاحب النصف ثمانية ، ولصاحب الربع أربعة ، فقد صار لأحدهما الثلثان وللآخَر الثلث.

مسالة ٧٩٩ : إذا تزاحم الشركاء ، فالأقسام ثلاثة :

الأوّل : أن يتّفقوا على الطلب ، فإن كانوا حاضرين بأجمعهم حالة البيع ، فتثبت بينهم الشفعة على عدد الأنصباء أو على عدد الرؤوس ، فلو كانت الدار بين أربعة بالسويّة باع أحدهم نصيبه ، كان للثلاثة الباقية أخذها بالشفعة ، فتصير الدار أثلاثاً بعد أن كانت أرباعاً.

الثاني : أن لا يكونوا بأجمعهم حاضرين فإمّا أن يكونوا بأجمعهم غُيّاباً أو بعضهم ، وعلى كلا التقديرين لا تسقط شفعة الغائب بغيبته مع التأخّر ؛ لمكان العذر. فإن قدموا بأجمعهم ، فحكمهم حكم الحاضرين.

____________________

(١) أي القول الأوّل.

(٢) راجع المغني ٥ : ٥٢٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٩١.

٣٣٤

وإن حضر بعضهم ، فحكمه حكم ما إذا غاب البعض خاصّةً.

إذا ثبت هذا ، فإن كان الحاضر واحداً أو قدم بعد غيبة الجميع ، فليس له أخذ حصّته فقط ؛ لما فيه من التبعيض ، والشفعة وُضعت لإزالته ، فلا تكون سبباً فيه. ولما فيه من تضرّر المشتري ، ولا يكلّف الصبر إلى حضور الغُيّاب ؛ لأنّه إضرار به وبالمشتري ، بل يأخذ الجميع ؛ لأنّ الحاضر هو المستحقّ للجميع بطلبه ، والغُيّاب لم يوجد منهم مطالبة بالشفعة ، فحينئذٍ إمّا أن يأخذ الحاضر الجميعَ أو يترك.

ولو كان الحاضر اثنين أو قدم اثنان ، تساويا في أخذ الجميع أو الترك.

الثالث : أن يطلب بعض الشركاء ويعفو بعضهم ، فالطالبون بالخيار بين أخذ الكلّ أو تركه ولو كان الباقي واحداً ؛ لأنّ الشفعة إنّما تثبت بسوء المشاركة ومئونة القسمة ، فإذا أراد أن يأخذ من المشتري بعض الشقص ، لم يزل الضرر الذي لأجله تثبت الشفعة. ولأنّ الشفعة إنّما تثبت لإزالة الضرر عنه ، وفي تبعيض الشقص إضرار بالمشتري ، فلا يزال الضرر بإلحاق ضررٍ.

مسالة ٨٠٠ : ليس للشفيع تشقيص الشفعة‌ ، بل إمّا أن يأخذ بالجميع(١) أو يترك الجميع ، لما في التشقيص من الإضرار بالمشتري.

إذا ثبت هذا ، فلو عفا عن بعض الشفعة ، سقطت شفعته ، كالقصاص ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : لا يسقط شي‌ء ، كعفوه عن بعض حدّ القذف.

____________________

(١) في « س ، ي » : « الجميع ».

٣٣٥

والثالث : يسقط ما عفا عنه ، ويبقى الباقي(١) .

قال الصيدلاني منهم : موضع هذا الوجه ما إذا رضي المشتري بتبعيض الصفقة ، فإن أبى وقال : خُذ الكلّ أو دَعْه ، فله ذلك(٢) .

وقال الجويني : هذه الأوجُه إذا لم نحكم بأنّ الشفعة على الفور ، فإن حكمنا به ، فطريقان : منهم مَنْ قطع بأنّ العفو عن البعض تأخير لطلب الباقي ، ومنهم مَنْ احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي ، وطرّد الأوجُه(٣) (٤) .

إذا تقرّر هذا ، فنقول : إذا استحقّ اثنان شفعةً فعفا أحدهما عن حقّه ، سقط نصيب العافي ، ويثبت جميع الشفعة للآخَر ، فإن شاء أخذ الجميع ، وإن شاء تركه ، وليس له الاقتصار على قدر حصّته ؛ لئلّا تتبعّض الصفقة على المشتري ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّه يسقط حقّهما - وهو اختيار ابن سريج - كالقصاص.

والثالث : لا يسقط حقّ واحد منهما تغليباً للثبوت.

والرابع : يسقط حقّ العافي ، وليس لصاحبه أن يأخذ إلّا قسطه ، وليس للمشتري إلزامه بأخذ الجميع(٥) .

هذا إذا ثبتت الشفعة لعددٍ ابتداءً ، ولو ثبتت لواحدٍ فمات عن اثنين فعفا أحدهما ، فهل له كما لو ثبتت لواحدٍ فعفا عن بعضها ، أم كثبوتها‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوجه » بدل « الأوجه ». وما أثبتناه من « روضة الطالبين ». وبدلها في « العزيز شرح الوجيز » : « الوجوه ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٣٣٦

لاثنين عفا أحدهما؟ للشافعيّة وجهان(١) .

تذنيب : لو كان للشقص شفيعان فمات كلٌّ عن اثنين فعفا أحدهم عن حقّه ، فللشافعيّة وجوه :

أ - أنّه يسقط جميع الشفعة.

ب - يبقى جميع الشفعة للأربعة ؛ لبطلان العفو.

ج - يسقط حقّ العافي وأخيه خاصّةً ؛ لاتّحادهما في سبب الملك ، ويأخذه الآخَران.

د - ينتقل حقّ العافي إلى الثلاثة ، فيأخذون الشقص أثلاثاً.

ه- يستقرّ حقّ العافي للمشتري ، ويأخذ الثلاثة ثلاثةَ أرباع الشقص.

و - نتقل حقّ العافي إلى أخيه فقط(٢) .

وعلى ما اخترناه نحن قبل ذلك فالوجه المعتمد هو الخامس من هذه الوجوه.

مسالة ٨٠١ : لو مات عن اثنين وله دار ، فهي بينهما بالسويّة‌ ، فلو مات أحدهما وورثه ابنان له فباع أحدهما نصيبه فإنّ الشفعة تثبت لأخيه وعمّه - وبه قال الشافعي في الإملاء ، قال : وهو القياس ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني(٣) - لأنّهما شريكان حال ثبوت الشفعة ، فكانت الشفعة بينهما ، كما لو ملك الثلاثة بسببٍ واحد.

وقال في القديم : أنّ أخاه أحقّ بالشفعة - وبه قال مالك - لأنّ الأخ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ - ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٤ - ١٨٥.

(٣) المغني ٥ : ٥٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ - ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٧

أخصّ بشركته من العمّ ؛ لاشتراكهما في سبب الملك ، ولهذا لو قُسّمت الدار ، كانا حزباً والعمّ حزباً آخَر(١) .

ولا معنى(٢) للاختصاص ؛ لأنّ الاعتبار بالشركة لا بسببها. وأمّا القسمة فإنّ القاسم يجعل الدار أربعة أجزاء : اثنان للعمّ ، ولكلّ واحد جزء ، كما يفعل ذلك في الفرائض.

فروع :

أ - لو قلنا : تختصّ بالأخ - كما هو أحد قولي الشافعي - لو عفا عن الشفعة ، ففي ثبوتها للعمّ عند الشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّها لا تثبت ؛ لأنّه لو كان مستحقّاً ، لما تقدّم عليه غيره.

والثاني : تثبت له ؛ لأنّه شريك ، وإنّما يُقدّم الأخ لزيادة قُرْبه ، كما أنّ المرتهن يقدَّم في المرهون على باقي الغرماء ، فلو أسقط حقّه ، أمسكه الباقون(٣) .

ب - هذا الحكم لا يختصّ بالأخ والعمّ ، بل في كلّ صورة مَلَكَ شريكان عقاراً بسببٍ واحد ، وغيرهما من الشركاء بسببٍ آخَر ، فلو اشترى نصف دار واشترى آخَران النَصف الآخَر ثمّ باع أحد الآخَرين نصيبه ، فهل‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٣ ، الوسيط ٤ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣ ، المغني ٥ : ٥٢٤.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فلا معنى ». والظاهر ما أثبتناه حيث إنّه ردٌّ على الشافعي في قوله القديم.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ - ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٨

الشفعة للآخَر الذي يشاركه في الشراء خاصّةً ، أو لَه وللأوّل صاحب النصف؟ للشافعي قولان ؛ لاختلاف سبب الملك(١) .

وكذا لو ورث ثلاثة داراً فباع أحدهم نصيبه من اثنين وعفا الآخَر ثمّ باع أحد المشتريين نصيبه ، فهل تثبت الشفعة للمشتري الآخَر أم [ للكلّ ](٢) ؟ على القولين(٣) .

ج - لو مات صاحب عقار وخلّف ابنتين واُختين ، فالمال بأجمعه - عندنا - للبنتين.

وعند العامّة للبنتين الثلثان ، وللأختين الثلث.

فلو باعت إحدى الاُختين نصيبها ، فهل تثبت الشفعة لاُختها أو لها وللبنتين؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّ ذلك مبنيّ على القولين اللّذين ذكرناهما ؛ لاختلاف سبب الملك.

والثاني : [ أنّهنّ يشتركن ](٤) في الشفعة قولاً واحداً ؛ لأنّ السبب واحد - وهو الميراث - وإن اختلف قدر الاستحقاق(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل « للكلّ » : « لذلك ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ - ٣٨٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّهم يشتركون ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٩

د - لو مات الرجل عن ثلاثة(١) بنين وخلّف داراً ثمّ مات أحدهم وخلّف ابنين فباع أحد العمّين نصيبه ، فهل يكون العمّ الآخَر أحقَّ بالشفعة ، أو يشترك هو وابنا(٢) أخيه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّ ذلك على القولين.

والثاني : أنّهم يشتركون(٣) .

والفصل بين هذه وما تقدّم من مسألة الأخ والعمّ : أنّ هنا يقوم أبناء الميّت منهم مقام أبيهم ويخلفونه في الملك ، ولو كان أبوهم باقياً ، شارَك أخاه في الشفعة ، فلهذا شاركوه ، وفي مسألة الأخ والعمّ البائعُ ابن أخيهم ، وهُمْ لا يقومون مقام أخيهم ، وإنّما يقومون مقام أبيهم.

ه- إذا قلنا : إنّ الشفعة للجماعة ، قسّم بينهم إمّا على قدر النصيب أو على عدد الرؤوس.

فإن قلنا : إنّ الشفعة لشريكه في النصيب دون غيره ، فلو عفا عن الشفعة ، فهل تثبت للشريك الآخر؟ للشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّها(٤) تثبت(٥) ؛ لأنّه شريكه ، وإنّما يقدَّم عليه مَنْ كان أخصّ بالبائع ، فإذا عفا ، ثبتت للشريك الآخَر ، كما لو قتل واحد جماعةً واحداً بعد واحد ، ثبت القصاص للأوّل ، فإذا عفا الأوّل ، ثبت القصاص للثاني ، كذا هنا(٦) .

مسالة ٨٠٢ : قد ذكرنا أنّه إذا قدم واحد من الأربعة وتخلّف اثنان وكان‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثلاث » وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابني ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أنّه ». وما أثبتناه لأجل السياق.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا تثبت » بزيادة « لا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381