تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127047 / تحميل: 5820
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بالعاقد ، فليس لأحد الموكّلين ردّ نصيبه خاصّةً ، كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيباً ، لم يكن لأحدهما ردّ نصيبه خاصّة.

وهل لأحد الموكّلين والابنين أخذ الأرش؟

أمّا عندنا : فنعم.

وأمّا عند الشافعي : فكذلك إن وقع اليأس عن ردّ الآخر بأن رضي به. وإن لم يقع ، فكذلك على أصحّ الوجهين(١) .

ب - لو وكّلا واحداً ببيع عبدٍ لهما ، أو وكّل أحد الشريكين صاحبه ، فباع الكلّ ثمّ ظهر عيب ، فعلى الأوّل لا يجوز للمشتري ردّ نصيب أحدهما. وعلى الوجوه الباقية يجوز.

ولو وكّل رجل اثنين ببيع عبده ، فباعاه من رجلٍ ، فعلى الأوّل يجوز للمشتري ردّ نصيب أحدهما. وعلى الوجوه الباقية لا يجوز.

ولو وكّلا رجلاً بشراء عبد أو وكّل رجلٌ رجلاً بشراء عبد له ولنفسه ، ففَعَل وظهر العيب ، فعلى الأوّل والثالث ليس لأحد الموكّلين إفراد نصيبه بالردّ. وعلى الثاني والرابع يجوز.

وقال القفّال : إنّه إن علم البائع أنّه يشتري لاثنين ، فلأحدهما ردّ نصيبه ؛ لرضا البائع بالتبعيض. وإن جهله البائع ، فلا(٢) . ولا بأس به عندي.

ج - لو وكّل اثنان رجلا ببيع عبد ، ورجلان رجلا بشرائه ، فتبايع الوكيلان وخرج معيبا ، فعلى الأوّل لا يجوز التفريق. وعلى الوجوه الباقية يجوز.

ولو وكّل رجلٌ رجلين ببيع عبد ورجلٌ رجلين بشرائه ، وتبايع الوكلاء ، فعلى الأوّل يجوز التفريق ، ولا يجوز على الوجوه الباقية.

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٦.

٤١

المقصد السادس : فيما يندرج في المبيع‌

وضابطه الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغةً وعرفاً.

والألفاظ التي تمسّ الحاجة إليها ستّة تشتمل عليها مباحث ستّة :

الأوّل : الأرض.

مسالة ٥٦٦ : إذا قال : بعتك هذه الأرض أو العرصة أو الساحة أو البقعة‌ ، تناول اللفظ ما دلّ عليه حقيقةً ، وهو نفس الأرض ، فلو كان فيها ما هو متّصل بها كالأشجار والأبنية ، أو منفصل كالأمتعة وشبهها ، لم يدخل.

ولا خلاف في الثاني إلّا فيما يستثنى من المفتاح وشبهه ، وإنّما اختلفوا في الأوّل.

فإذا قال : بعتك هذه الأرض دون ما فيها من البناء والشجر ، لم يدخلا إجماعاً.

وإن قال : بعتكها بما فيها أو بما اشتملت عليه حدودها ، دخلا قطعاً.

وإن أطلق ، لم تدخل عندنا ، لخروجها عن مسمّى الأرض.

وقال الشافعي هنا : إنّه يدخل في البيع. وقال في الرهن : إذا قال : رهنتك هذه الأرض ، ولم يقل : بحقوقها ، لم يدخل الشجر والبناء في الرهن(١) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٥ ، الوسيط ٣ : =

٤٢

واختلف أصحابه على طرق ثلاثة :

أحدها : أنّ البناء والغراس لا يدخل في بيع الأرض إذا كان مطلقاً ، وكذلك في الرهن ، والذي قال هنا أراد به إذا قال : بحقوقها ، لأنّ الأرض اسم لا يتناول البناء والشجر ، وهما ينفردان عنها في البيع ، فلم يدخلا في البيع باسم الأرض.

الثاني : أنّ جوابه مختلف ، ولا فرق بين البيع والرهن ، فتكون المسألتان على قولين ، أحدهما : لا يدخل فيهما البناء والشجر. والثاني : يدخلان ، لأنّهما للدوام والثبات في الأرض ، فأشبهت أجزاء الأرض ، ولهذا يلحق بها في الأخذ بالشفعة.

الثالث : الفرق بين البيع والرهن ؛ فإنّ البيع يزيل الملك ، فهو أقوى من الرهن الذي لا يزيله. ويفيد البيع ملك ما يحدث في الأرض من الشجر ، بخلاف الرهن ، فليستتبع البيع البناء والشجر ، ولهذا كان النماء الحادث في الأصل المبيع للمشتري ، ولم يكن النماء الحادث في الأصل المرهون مرهوناً. وهذا الثالث عندهم أوضح الطرق(١) .

لا يقال : لو باع النخل ، لم تدخل فيه الثمرة وإن كانت متّصلةً.

لأنّا نقول : الثمرة لا تراد للبقاء ، فليست من حقوقها ، بخلاف البناء والشجر.

____________________

= ١٦٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٦ - ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٤ ، المغني ٤ : ٢١٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٣.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٥ ، الوسيط ٣ : ١٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٨ - ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٤ - ١٩٥ ، المغني ٤ : ٢١٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٣.

٤٣

والوجه ما قلناه أوّلاً.

مسالة ٥٦٧ : لو قال : بعتك هذه الأرض بحقوقها ، ففي دخول البناء والشجر إشكال عندي أقربه : عدم الدخول ؛ لأنّ ذلك ليس من حقوق الأرض ، بل حقوقها الممرّ ومجرى الماء وأشباه ذلك.

وقال الشيخرحمه‌الله : يدخل(١) . وبه قال الشافعي(٢) .

وحكى الجويني في وجهٍ أنّه لا يدخل(٣) ، كما قلناه.

وقد روى محمد بن الحسن الصفّار عن العسكري ٧ في رجل اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة فيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر ، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه ، وذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة عنها أتدخل النخل والأشجار والزرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقّع ٧ « إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها»(٤) .

وهذا الخبر صحيح لا ريب فيه ، إنّما المشكل صورة النزاع ، فإنّه فرق بين أن يبيع الأرض بحقوقها وهو المتنازع ، وبين أن يبيعها بما أغلق(٥) عليه بابها الذي هو الجواب ، فإنّ الشجر والبناء والزرع والبذر وأصل البقل تدخل في الصورة الثانية.

وكذا لو قال : بعتك الأرض بما فيها أو ما اشتملت عليه حدودها.

مسالة ٥٦٨ : الزرع قسمان :

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٠٥ ، الخلاف ٣ : ٨٢ ، المسألة ١٣٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٨.

(٤) التهذيب ٧ : ١٣٨ / ٦١٣.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « يغلق ».

٤٤

أ - ما لا تتعدّد فائدته وثمرته ، بل توجد(١) مرّة واحدة ، كالحنطة والشعير والدخن وغيرها. وهذا لا يدخل في الأرض لو قال : بعتك هذه الأرض ، لأنّه ليس للدوام والثبات ، فكان كالأمتعة في الدار.

وكذا لا يدخل في الأرض الجزر الثابت ولا الفجل ولا السلق ولا الثوم ، كالحنطة والشعير ، وبه قال الشافعي(٢) .

أمّا لو قال : بعتك هذه الأرض بحقوقها ، فإنّ هذا القسم من الزرع لا يدخل عندنا ؛ لأنّ الثابت المستمرّ - كالبناء والغرس - لا يدخل ، فغيره أولى بعدم الدخول ، وبه قال الشافعي(٣) .

ب - ما تتعدّد فائدته وتوجد(٤) ثمرته مرّة بعد اُخرى في سنتين وأكثر ، كالقطن والباذنجان والنرجس والبنفسج ، ولا تدخل في الأرض اُصولها عندنا وإن قال : بحقوقها.

وللشافعي قولان كالأشجار(٥) .

وأمّا الظاهر من ثمارها عند العقد فهو للبائع.

وفي النرجس والبنفسج وجه للشافعيّة : أنّهما من قبيل الزرع لا يدخلان(٦) .

وأمّا ما يجزّ مراراً كالقتّ والقصب والهندباء والكرّاث والنعناع والكرفس والطرخون فلا تدخل في الأرض عندنا وإن قال : بحقوقها ، لا ما ظهر منها ولا اُصولها.

____________________

(١) الظاهر : « تؤخذ » بدل « توجد ».

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ١٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦.

(٤) الظاهر : « تؤخذ » بدل « توجد ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦.

٤٥

وقال الشافعي : لا تدخل الجزّة الظاهرة عند البيع ، بل هي للبائع ، وفي دخول الأصول الخلاف(١) .

وعند بعضهم أنّها تدخل قطعاً في بيع الأرض ؛ لأنّها كامنة فيها بمنزلة أجزائها(٢) .

وبالجملة ، كلّ زرع لا يدخل في البيع لا يدخل وإن قال : بعت الأرض بحقوقها عند الشافعي(٣) .

مسالة ٥٦٩ : إذا باع الأرض وفيها زرع ، كان البيع صحيحاً‌ ؛ عملاً بالأصل ، كما لو باع داراً مشغولة بأمتعة البائع ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو إسحاق من الشافعيّة : إنّ للشافعي فيها قولين ، كما لو باع العين المستأجرة ، فإنّ فيها قولين باعتبار استثناء المنفعة ، والمعتدّة إذا استحقّت السكنى في الدار ، لم يجز بيعها عندهم قولاً واحداً(٥) .

وأنكر باقي أصحاب الشافعي عليه ، وفرّقوا بينهما ؛ لأنّ بقاء الزرع في الأرض لا يحول بين يدي المشتري وبين الأرض ، وإنّما للبائع ترك الزرع والدخول للحاجة إلى ذلك ، بخلاف المستأجر والمعتدّة ، فإنّ يدهما حائلة ، وفرق بينهما ، ولهذا لو زوّج أمته وباعها ، يصحّ البيع قولا واحدا ، لأنّ يد الزوج ليست حائلة ، وإنّما ينتفع ببعض منافعها.

قالوا : ولو كان الأمر على ما قاله أبو إسحاق ، لكان البيع هنا باطلاً قولاً واحداً ؛ لأنّ مدّة إكمال الزرع مجهولة(٦) .

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦.

(٤) الوجيز ١ : ١٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٥.

(٥ و ٦ ) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٤٦

مسالة ٥٧٠ : إذا ثبت أنّ البيع صحيح ، وأنّ الزرع للبائع‌ ، فإنّ له تبقيته إلى أوان الحصاد بغير اُجرة عليه في المدّة - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ تبقية الزرع مستثناة من بيعه ، فكأنّه باع العين دون المنفعة.

وقال أبو حنيفة : ليس له ذلك ؛ لأنّه بالبيع ملك المشتري المنافع(٢) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإنّه إذا حضر وقت الحصاد ، أمر بالقطع وتفريغ الأرض ، وعليه تسويتها وقلع العروق التي يضرّ بقاؤها بالأرض ، كعروق الذرّة ، كما لو كان في الدار دابّة لا يتّسع لها الباب ، فإنّها تنقض ، وعلى البائع ضمانه.

ولو قطع البائع الزرع قبل أوان حصاده ، لم يكن له الانتفاع بالأرض ، وكانت المنفعة للمشتري؛ لأنّه إنّما استحقّ تبقية هذا الزرع قضاءً للعادة بالتبقية ، ولئلّا يتضرّر بقطعه ، وهذه الضرورة قد زالت ، فإذا أزاله ، لم يكن له الانتفاع بمكانه ، كما لو باع داراً فيها قماش له ، فإنّ عليه نقله بمجرى العادة ، فإن جمع الحمّالين ونقله في ساعة واحدة ، لم يكن له حبس الدار إلى أن يمضي زمان العادة في النقل والتفريغ ، كذا هنا.

وإذا ترك الزرع حتى استحصد ، وجب عليه نقله بحسب الإمكان ، فإن أراد تبقيته ؛ لأنّه أنفع له ، لم يترك ، فإذا حصده ، فإن بقي له اُصول لا تضرّ بالأرض ، لم يكن عليه نقلها ، وإلّا وجب.

مسالة ٥٧١ : إذا كان المشتري جاهلاً بالزرع بأن تقدّمت رؤيته للأرض قبل البيع وقبل الزرع ، ثمّ باعها بعده ، كان له الخيار في فسخ البيع ؛ لنقص‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠.

٤٧

المبيع عادة ، وعدم تمكّنه من الانتفاع به عقيب العقد وهو مقتضاه. وإن شاء أجاز البيع مجّاناً بغير أرش ولا اُجرة.

وإن كان عالماً ، لزمه البيع ، وسقط خياره ، كعالم العيب قبل البيع.

وإذا خلّى البائع بينه وبين الأرض المشغولة بزرعه ، كان إقباضاً له.

وهل يدخل في ضمان المشتري بذلك؟ الأقرب : ذلك وإن تعذّر انتفاعه بها ، لشغل الزرع المتقدّم - وهو أظهر قولي الشافعيّة(١) - لحصول التسليم في الرقبة ، وهي المبيعة.

والثاني : لا يدخل في ضمان المشتري ؛ لأنّها مشغولة بملك البائع ، كما ذكرنا فيما إذا كانت الدار مشحونةً بأمتعة البائع(٢) .

والمعتمد : الأوّل ، والفرق أنّ التفريغ في الأمتعة متأتٍّ في الحال ، على أن الجويني أورد فيها وجهاً(٣) أيضاً.

مسالة ٥٧٢ : إذا كان في الأرض اُصول لما يجزّ مرّة بعد اُخرى‌ ، فقد قلنا : إنّها لا تدخل في بيع الأرض.

وقال الشافعي : تدخل. فعلى قوله يشترط المشتري على البائع قطع الجزّة الظاهرة ؛ لأنّها تزيد، ويشتبه المبيع بغيره(٤) .

وكذا عندنا لو شرط دخول اُصولها في العقد.

ولا فرق بين أن يكون ما ظهر بالغاً أوان الجزّ أو لا يكون.

قال بعض الشافعيّة : إلّا القصب ، فإنّه لا يكلّف قطعه إلّا أن يكون ما ظهر قدراً ينتفع به. ولو كان في الأرض أشجار خلافٍ تُقطع من وجه‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦.

٤٨

الأرض ، فهي كالقصب(١) .

مسالة ٥٧٣ : لو كان في الأرض بذر كامنٌ لم يظهر‌ ، لم يدخل في بيع الأرض وإن قال : بحقوقها ، على ما تقدّم.

وقال الشافعيّ هنا بالتفصيل الذي ذكره في الزرع ، فالبذر(٢) الذي لا ثبات لنباته ويؤخذ(٣) دفعةً واحدة لا يدخل في بيع الأرض المبيعة ، ويبقى إلى أوان الحصاد ، وللمشتري الخيار مع جهله، فإن تركه البائع له ، سقطه خياره ، وعليه القبول ، قاله الشافعي(٤) .

وعندي فيه إشكال.

ولو قال البائع : أنا آخذه وأفرغ الأرض ، فلا خيار للمشتري أيضاً إن قصر الزمان ، وإلّا فله الخيار.

وأمّا البذر الذي يدوم(٥) نباته ، كنوى النخل والجوز واللوز وبذر الكرّاث ونحوه من البقول فإنّ حكمها في الدخول تحت بيع الأرض حكم الأشجار ؛ لأنّ هذه الاُصول تُركت في الأرض للتبقية ، فهي كاُصول الشجر إذا غُرست(٦) .

والحقّ ما قلناه نحن من عدم الدخول في القسمين ؛ عملاً بالأصل ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦.

(٢) في « س » والطبعة الحجريّة : « فالقدر » بدل « فالبذر ». والكلمتان ساقطتان في « ي » والظاهر ما أثبتناه لأجل السياق وكما هو في المصدر أيضاً.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « يوجد » بدل « يؤخذ ». والظاهر ما أثبتناه وكما هو في المصدر أيضاً.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٦ - ١٩٧.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « تقدّم » بدل « يدوم ». والصحيح ما أثبتناه كما هو في المصدر أيضاً.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٧.

٤٩

واستصحاب ملك البائع.

مسالة ٥٧٤ : إذا باع أرضاً وفيها حجارة ، فإمّا أن تكون مخلوقةً فيها أو لا.

فإن كانت مخلوقةً ، دخلت في بيع الأرض مع الإطلاق ؛ لأنّها من جملة الأرض.

ثمّ إن كانت مضرّةً بالغراس وتمنع عروقه من النفوذ ، فإن كان المشتري عالماً بذلك ، فلا خيار له. وإن لم يكن عالماً ، ثبت له الخيار ؛ لأنّ ذلك عيب ، وبه قال الشافعي(١) .

وفيه وجهٌ(٢) آخر له : أنّه ليس بعيب ، وإنّما هو فوات فضيلة(٣) .

وإن لم تضرّ بالأرض ولا بالشجر بأن تكون بعيدةً من وجه الأرض لا تصل إليها عروق الشجر، فلا خيار للمشتري ، لأنّ ذلك ليس بعيب.

وأمّا إن لم تكن مخلوقةً في الأرض ، فإمّا أن تكون مبنيّهً فيها مدرجة في البناء ، فإنّها أيضاً تدخل في الأرض إن قلنا بدخول البناء ، أو اشترط دخوله. وإمّا أن تكون مودعةً فيها مدفونة للنقل [ فإنّها ] لم تدخل في البيع - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّها بمنزلة الكنوز والأقمشة في الدار وقد تُركت في الأرض للنقل والتحويل.

وإذا كانت للبائع عند الإطلاق ، فإمّا أن يكون المشتري عالماً بالحال من كونها في الأرض وضررِها ، أو جاهلاً.

فإن كان عالماً ، فلا خيار له في فسخ العقد وإن تضرّر بقلع البائع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٧.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « وفي وجه ».

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٧.

٥٠

وله إجبار البائع على القلع والنقل تفريغاً لملكه ؛ لأنّه لا عرف في تبقيتها ، بخلاف الزرع ، فإنّ له أمداً ينتظر.

ولا اُجرة للمشتري في مدّة القلع والنقل وإن طالت ، كما لو اشترى داراً فيها أقمشة وهو عالم بها ، لا اُجرة له في مدّة النقل والتفريغ.

وعلى البائع - إذا نقل - تسوية الأرض ؛ لأنّ الحفر حصل بنقل ملكه من غير تعدٍّ من صاحب الأرض ، فكان عليه تسويتها.

وإن كان جاهلاً بالحجارة أو علمها وجهل ضررها ، فالأحوال أربعة :

أ - أن لا يكون في ترك الحجارة ولا في قلعها ضرر ، فإن لم يحوج النقل وتسوية الأرض إلى مدّة لمثلها اُجرة ولم تنقص الأرض بها ، فللبائع النقل ؛ لأنّها ملكه ، وعليه تسوية الأرض ، ولا خيار للمشتري إن كان الزمان يسيراً. وإن كان كثيراً يضرّ بمنفعة الأرض ، فله الخيار ، فإن فسخ ، فلا كلام. وإن أجاز ، فهل له الاُجرة؟ وجهان.

وله إجبار البائع على النقل.

وحكى الجويني وجهاً أنّه لا يجبر ، والخيرة للبائع(١) . والمذهب عندهم الأوّل(٢) .

ب - أن لا يكون في قلعها ضرر ويكون في تركها ضرر ، فيؤمر البائع بالنقل ، ولا خيار للمشتري ، كما لو اشترى داراً فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال ، أو كانت البالوعة مفسدةً ، فقال البائع : أنا أصلحه وأنقيها ، لا خيار للمشتري.

ج - أن يكون الترك والقلع معاً مضرّين ، فيتخيّر المشتري ، سواء‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٧.

٥١

جهل أصل الأحجار أو يكون قلعها مضرّاً. ولا يسقط خياره بأن يترك البائع الأحجار ؛ لما في بقائها من الضرر.

ولو قال البائع للمشتري : لا تفسخ وأنا أغرم لك اُجرة المثل مدّة النقل ، لم يسقط خياره أيضاً، كما لو قال البائع : لا تفسخ بالعيب لأغرم لك أرشه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني: السقوط(١) . وليس بجيّد.

ثمّ إن اختار المشتري البيع ، فعلى البائع النقلُ وتسوية الأرض ، سواء كان النقل قبل القبض أو بعده.

وهل تجب اُجرة المثل لمدّة النقل إن كان النقل قبل القبض؟ قال الشافعي : يبنى على أنّ جناية البائع قبل القبض كآفة سماويّة أو كجناية الأجنبيّ؟ إن قلنا بالأوّل ، لم تجب ، لأنّ المبيع قبل القبض مضمون بالثمن ، فلا يضمن البائع إلّا ما يتقسّط عليه الثمن. وإن قلنا بالثاني ، فهو كما لو نقل بعد القبض(٢) .

وإن كان النقل بعد القبض ، فوجهان للشافعيّة : عدم الوجوب ؛ لأنّ إجازته رضا بتلف المنفعة في مدّة النقل. وأصحّهما عند أكثرهم : أنّها تجب ؛ لأنّ البيع قد استقرّ والمنافع مضمونة على المتلف ، كضمان أجزائه على المتلف وإن كان البائعَ ، وكما لو جنى على المبيع بعد القبض ، عليه ضمانه.

والحاصل أنّ في وجوب الاُجرة ثلاثة أوجه ، ثالثها - وهو الأظهر عندهم - : الفرق بين أن يكون(٣) النقل قبل القبض ، فلا تجب ، أو بعده‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٨.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٨.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « بين كون ».

٥٢

فتجب(١) .

ويجري مثل هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية نقصان وعيب(٢) .

د - أن يكون في قلعها ضرر ولا يكون في تركها ضرر ، فللمشتري الخيار ، فإن أجاز ، ففي الاُجرة والأرش ما مرّ. ولا يسقط خياره بأن يقول : أقلع وأغرم الاُجرة أو أرش النقص. ولو رضي بترك الأحجار في الأرض ، سقط خيار المشتري إبقاء للعقد.

ثمّ ينظر في الترك ، فإن اقتصر البائع على قوله : تركتها للمشتري ، كان ذلك إعراضا لا تمليكا - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٣) - فتكون باقية على ملك البائع ، والترك أفاد قطع الخصومة.

فإن أراد الرجوع ، فله ذلك - وبه قال أكثر الشافعيّة(٤) - ويعود خيار المشتري.

وقال الجويني : لا رجوع له ، ويلزمه الوفاء بالترك(٥) .

والثاني للشافعيّة : أنّه تمليك ليكون سقوط الخيار في مقابلة ملك حاصل(٦) .

ولو قال : وهبتها منك وحصلت شرائط الهبة ، حصل الملك. ومنهم مَنْ طرّد الخلاف ؛ لأنّه لا يقصد حقيقة الهبة ، إنّما قصد دفع الفسخ.

وإن لم تجمع شرائط الهبة ، بطلت.

وللشافعيّة في صحّتها للضرورة وجهان ، إن صحّحناها ، ففي إفادة‌

____________________

(١ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٨ - ١٩٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٨.

٥٣

الملك ما ذكرنا في لفظ الترك(١) .

هذا كلّه إذا كانت الأرض بيضاء ، أمّا إذا كان فيها غرس ، نُظر إن كانت حاصلةً يوم البيع واشتراها مع الأرض ، فنقصان الأشجار وتعيّبها بالأحجار كعيب(٢) الأرض في إثبات الخيار وسائر الأحكام.

وإن أحدثها المشتري بعد الشراء ، فإن كان قد أحدثها عالماً بالأحجار ، فللبائع قلعها ، وليس عليه ضمان نقصان الغراس.

وإن أحدثها جاهلاً ، فله الأرش عندنا ؛ لأنّه عيب تعقّبه تصرّف المشتري ، فسقط ردّه.

وللشافعيّة في ثبوت الخيار للمشتري وجهان : الثبوت ؛ لأنّ الضرر ناشٍ من إيداعه الأحجار في الأرض. والأصحّ عندهم : عدمه ؛ لرجوع الضرر إلى غير المبيع(٣) .

فإن كانت الأرض تنقص بالأحجار أيضاً ، نُظر فإن لم يورث الغرس وقلع الغروس نقصاناً في الأرض ، فله القلع والفسخ عند الشافعي(٤) لا عندنا.

وإن أورث الغرس أو القلع نقصاناً ، فلا خيار في الفسخ ، إذ لا يجوز له ردّ المبيع ناقصاً ، ولكن يأخذ الأرش.

وإذا قلع البائع الأحجار فانتقص الغراس ، فعليه أرش النقص بلا خلاف.

ولو كان فوق الأحجار زرع إمّا للبائع أو للمشتري ، ترك إلى أوان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

(٢) كذا ، والظاهر : « كتعيّب ».

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

٥٤

الحصاد ؛ لأنّ له غايةً منتظرة ، بخلاف الغراس ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا فرق بينه وبين الغراس(٢) .

تذنيب : إنّما وجب على البائع والغاصب تسوية الحفر إذا حفر في الأرض المغصوبة ، ولم يوجبوا على هادم الجدار أن يعيده ، بل أوجبوا الأرش ؛ لأنّ [ طمّ ](٣) الحفر لا يتفاوت ، وهيئات البناء تختلف وتتفاوت ، فيشبه(٤) [ طمّ ](٥) الحفر بذوات الأمثال ، والهدم بذوات القِيَم حتى لو رفع لبنة أو اثنتين(٦) من رأس الجدار وأمكن الردّ من غير اختلاف في الهيئة ، لزمه الردّ إلى تلك الهيئة.

البحث الثاني : في البستان.

إذا قال : بعتك هذا الباغ أو البستان ، دخل فيه الأرض والأشجار والحائط الدائر عليه ؛ لأنّ لفظ « البستان » يدلّ على مجموع هذه الأشياء بالمطابقة ، لتبادر الذهن إليه.

ولو كان فيه بناء - كبيت أو دار - ففي دخوله في البستان ما مرّ في لفظة « الأرض » فعندنا لا يدخل. وعند الشافعي قولان(٧) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

(٣ و ٥ ) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) في « س ، ي » : « فشبه ».

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « حتى لو وقع لبنة أو اثنتان ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٧) الحاوي الكبير ٥ : ١٧٩ ، الوجيز ١ : ١٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٤ ، الوسيط ٣ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠.

٥٥

وهل يدخل العريش الذي توضع عليه القضبان؟ الظاهر عند الجويني(١) دخوله.

والأقرب عندي : عدم الدخول.

قالت الشافعيّة : لفظ « الكَرْم » كلفظ « البستان »(٢) .

وليس جيّداً ؛ فإنّ العادة والعرف والاستعمال تقتضي عدم دخول الحائط في مسمّى الكَرْم ، ودخوله في البستان.

ولو قال : هذه الدار بستان ، دخلت الأبنية والأشجار معاً.

ولو قال : هذا الحائط بستان ، أو هذه المحوطة ، دخل الحائط المحيط وما فيه من الأشجار ، وأمّا البناء ففيه(٣) ما سبق ، كذا قال بعض الشافعيّة(٤) .

ولا يظهر فرق بين الأبنية والأشجار في المحوطة ، فإمّا أن يدخلا معاً أو يخرجا معاً.

ويدخل المجاز والشرب في لفظ « البستان » و « الباغ » وإن لم يقل : « بحقوقه » على إشكال.

البحث الثالث : في القرية.

إذا قال : بعتك هذه القرية أو الدسكرة ، دخل في المبيع الأبنية‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠.

(٢) الوسيط ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وأمّا الشافعيّة » بدل « وأمّا البناء ففيه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠.

٥٦

والساحات الداخلة في السور وسور المحيط بها ؛ لأنّ القرية اسم لذلك ، لأنّها مأخوذة من الجمع.

ولا تدخل المزارع فيها - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه لو حلف أن لا يدخل القرية ، لم يحنث بدخول المزارع.

ولو قال : بعتكها بحقوقها ، لم تدخل أيضاً ؛ لأنّها ليست من حقوق القرية ، فلا بُدَّ من النصّ على المزارع ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : إنّها تدخل(٣) . وبعضهم قال : إن قال : بحقوقها ، دخلت ، وإلّا فلا(٤) .

وكلاهما ضعيف.

أمّا الأشجار التي في وسط القرية فإنّها على الخلاف السابق فيما لو باع أرضاً وفيها شجر.

والأولى عندي عدم دخولها في القرية.

وقال بعض الشافعيّة : إنّها تدخل في لفظ القرية ، ولا تدخل في لفظ الأرض(٥) .

وقال الشافعي : إذا قال : بحقوقها ، دخلت الأشجار قولاً واحداً(٦) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٧٩ ، الوسيط ٣ : ١٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠ ، منهاج الطالبين : ١٠٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠.

(٤) فتح العزيز بهامش المجموع ٩ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠ ، وفي العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ قد سقط بعض القول فلاحِظْ.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٤.

(٦) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٠٠.

٥٧

وتدخل فيها البيوت وحيطانها والسقوف والطرق المسلوكة فيها.

ولو وجدت قرينة تدلّ على إرادة المزارع ، دخلت ، وإلّا فلا ، كما لو ساومه على القرية ومزارعها واتّفقا على ثمن معيّن ثمّ اشترى القرية بذلك الثمن ؛ فإنّ المزارع تدخل هنا ؛ للقرينة الدالّة على الدخول.

وكذا لو بذل ثمناً لا يصلح إلّا للجميع ، دخلت ، عملاً بشاهد الحال.

البحث الرابع : الدار.

مسالة ٥٧٥ : إذا قال : بعتك هذه الدار ، دخل في المبيع الأرض والأبنية على تنوّعها حتى الحمّام المعدود من مرافقها ؛ لتناول اسم الدار لذلك كلّه.

وعن الشافعي أنّ الحمّام لا يدخل(١) .

وحَمَله أصحابه على حمّامات الحجاز ، وهي بيوت من خشب تنقل(٢) .

ولو كان في وسطها أشجار ، لم تدخل عندنا.

وقال الشافعي : إن قال : بحقوقها ، دخلت قطعاً. وإن أطلق ، فعلى الطرق المذكورة في لفظ الأرض(٣) .

ونقل الجويني في دخولها ثلاثة أوجه ، ثالثها : الفرق بين أن تكثر بحيث يجوز تسمية الدار بستاناً ، فلا تدخل في لفظ الدار ، وبين أن لا تكون كذلك فتدخل(٤) .

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ و ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠ و ١٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٠ - ٢٠١.

٥٨

مسالة ٥٧٦ : الآلات التي في الدار على أقسام ثلاثة :

أ - المنقولات ، كالدلو والبكرة والرشا والمجارف(١) والسُّرُر والرفوف الموضوعة على الأوتاد من غير تسمّر والسلالم التي لم تسمّر ولم تطيّن والأقفال والكنوز والدفائن.

وهذه لا تدخل في البيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وأمّا المفاتيح للأغلاق المثبتة فالأقرب : دخولها - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّها من توابع المغلاق المثبت.

والآخر : لا تدخل كسائر المنقولات(٤) .

وكذا الأقرب في ألواح الدكاكين الموضوعة في أبوابها الدخولُ ؛ لأنّها أبواب لها ، فأشبه الباب المثبت.

ويحتمل عدم الدخول ؛ لأنّها تنقل وتحوّل ، فكانت كالفرش.

وللشافعيّة وجهان(٥) .

ب - ما اُثبت في الدار تتمّةً لها ليدوم فيها ويبقى ، كالسقوف‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « المخارق ». وفي « س ، ي » : « المخارف ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٩ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ و ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠١.

(٣ و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠١.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٨٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠١.

٥٩

والأبواب المنصوبة وما عليها من التعاليق(١) والحَلَق والسلاسل والضباب(٢) .

وهذه تدخل في البيع ؛ لأنّها معدودة من أجزاء الدار.

ج - ما اُثبت على غير هذا الوجه ، كالرفوف والدنان والإجّانات المثبتة والسلالم المسمّرة والأوتاد المثبتة في الأرض والجُدْران والتحتاني من حجري الرحى وخشب القصّار ومعجن الخبّاز.

والأقرب : عدم الدخول ؛ لأنّها ليست من أجزاء الدار ، وإنّما اُثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تتزعزع وتتحرّك عند الاستعمال.

وللشافعي في الفوقاني من حجري الرحى وجهان إن أدخلنا التحتاني ، والأصحّ : الدخول عندهم(٣) .

وقطع الجويني بدخول الحجرين في بيع الطاحونة ، وبدخول الإجّانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة(٤) .

مسالة ٥٧٧ : في دخول مسيل الماء في بيع الأرض وشربها من القناة والنهر المملوكين إشكال أقربه : عدم الدخول ، إلّا أن يشترطها ويقول : « بحقوقها ».

وعن بعض الشافعيّة أنّه لا يكفي ذكر الحقوق(٥) .

____________________

(١) الظاهر : « المغاليق » بدل « التعاليق ».

(٢) في « س ، ي » : « الضبّات ». وفي الطبعة الحجريّة : « والضباط ». وهو غلط ، والظاهر ما أثبتناه. والضبّة : حديدة عريضة يضبّب بها الباب والخشب. والجمع : ضباب. لسان العرب ١ : ٥٤١ « ضبب ».

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٩ - ١٨٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠١.

(٥) فتح العزيز بهامش المجموع ٩ : ٣٤ ، وفي العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٦ قد سقط حرف « لا » في قوله : « لا يكفي » ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

نقابها، فتوجّهت تلقاء مدين تشريحه، ووجّهت مطايا الفكر إلى توضيحه، جاعلاً إيّاه سدى الأبحاث، ملحماً له بما في السبعة بل وبما في الثلاث، فما وافق الاُستاذ غيره خلّيناه وسبيله فمرحباً بالوفاق، وما خالفه أشرنا إليه في دقيقه وجليله، إمّا بالكساد أو النفاق واكتفيت في أسماء الشراح السبعة بما اشتهروا به، إختصاراً، لا حطّاً لمراتبهم العليّة واحتقاراً، ومن لم يعظِّم غيره لا يعظَّم ».

فترى « البابرتي » يثني على العلّامة الحلّي وكتابه، وإن كان ما ذكر أقلّ قليلٍ من مناقب جنابه و « البابرتي » المذكور من مشاهير علماء القوم ومحقّقيهم الأعلام، وإليك جملاً من الثناء عليه:

ترجمة البابرتي مادح العلّامة

١ - السّيوطي: « أكمل الدين محمّد بن محمّد بن محمود البابرتي، علّامة المتأخّرين وخاتمة المحقّقين، برع وساد، ودرّس وأفاد، وصنّف شرح الهداية، وشرح المشارق، وشرح المنار، وشرح البزدوي، وشرح مختصر ابن الحاجب، وشرح تلخيص المعاني والبيان، وشرح ألفية ابن معطي، وحاشية على الكشاف، وغير ذلك. وولي مشيخة الشيخونية أوّل ما فتحت، وعرض عليه القضاء فأبى.

مات في رمضان سنة ٧٨٦ »(١) .

٢ - أيضاً: « وكان: علّامة، فاضلاً، ذا فنون، وافر العقل، قويَّ النفس، عظيم الهيبة، مهاباً»(٢) .

____________________

(١). حسن المحاضرة ١ / ٤٧١.

(٢). بغية الوعاة ١ / ٢٣٩.

٢٦١

٣ - الداودي: « أخذ عن أبي حيان والإصفهاني، وسمع الحديث من الدلاصي وابن عبدالقادر، وقرّره شيخون في مشيخة مدرسته، وعظم عنده جدّاً وعند من بعده، بحيث كان الظاهر برقوق يجيء إلى شبّاك الشيخونيّة فيكلّمه وهو راكب، وينتظره حتّى يخرج فيركب معه، وكان علّامة فاضلاً »(١) .

٤ - القاري، ذكره في ( الأثمار الجنية في طبقات الحنفيّة ).

٥ - وكذا كمال باشا زاده في ( طبقات الحنفيّة ).

[ ٢ ] وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر بترجمة العلّامة الحلّيرحمه‌الله : « ولد في سنة بضع وأربعين وستمائة، ولازم النصير الطوسي مدّة، واشتغل في العلوم العقلية فمهر فيها، وصنّف في الأصول والحكمة، وكان صاحب أموال وغلمان وحفدة، وكان رأس الشيعة في الحلّة، وشهرت تصانيفه، وتخرّج به جماعة، وشرحه على مختصر ابن الحاجب في غاية الحسن، في حلّ ألفاظه وتقريب معانيه، وصنّف في فقه الإماميّة، وكان قيّماً بذلك داعية إليه، وله كتاب في الإمامة ردّ عليه ابن تيمية بالكتاب المشهور المسمّى بالردّ على الرافضي، وقد أطنب فيه وأسهب وأجاد في الردّ، إلّا أنّه تحامل في مواضع عديدة، وردّ أحاديث موجودة وإنْ كانت ضعيفة بأنّها مختلقة »(٢) .

[ ٣ ] - وابن روزبهان المتعصب العنيد، يصف العلّامة في ديباجة كتابه في الردّ عليه بـ « المولى الفاضل ».

____________________

(١). طبقات المفسرين ٢ / ٢٥١.

(٢). الدرر الكامنة بأعلام المائة الثامنة ٢ / ٧١.

٢٦٢

قوله:

ولا يتأتّى إلزام أهل السنّة بالإفتراء

أقول:

نعم لا يجوز إلزام أحدٍ بشيءٍ مفترىً عليه وإنْ لم يكن متشرّعاً بشريعةٍ من الشرائع، بل وإن كان ملحداً

لكنْ لمـّا كان الإفتراء والكذب - كسائر القبائح والفواحش - من فعل الله عند أهل السنّة - تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوّاً كبيراً - فأيّ مانعٍ من إلزام أهل السنّة بفعل الله؟

وأيضاً: فما أكثر محاولة ( الدهلوي ) إلزام أهل الحق بالمفتريات والأكاذيب، فيا ليته ما يقوله هنا في تلك المواضع، وارتدع عن ذلك

على أنَّ بعض الكرّاميّة وبعض المتصوّفة من أهل السنّة يبيحون وضع الأحاديث على لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لغرض الترهيب والترغيب بزعمهم، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « والحامل للواضع على الوضع، إمّا عدم الدين كالزنادقة، أو غلبة الجهل كبعض المتعبّدين، أو فرط العصبيّة كبعض المقلّدين، أو اتّباع هوى بعض الرؤساء، أو الإغراب لقصد الإشتهار. وكلّ ذلك حرام بإجماع من يعتدّ به، إلّا أنّ بعض الكرامية وبعض المتصوّفة نقل عنهم إباحة الوضع في الترغيب والترهيب، وهو خطأ من قائله، نشأ عن جهل، لأنّ الترغيب والترهيب من جملة الأحكام الشرعية، واتّفقوا على أنّ تعمّد الكذب على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الكبائر »(١) .

____________________

(١). نزهة النظر - شرح نخبة الفكر: ٤٤٥ بشرح القاري.

٢٦٣

وقال السّيوطي: « والواضعون أقسام بحسب الأمر الحامل لهم على الوضع، أعظمهم ضرراً قوم ينسبون إلى الزهد، وضعوه حسبةً، أي إحتساباً للأجر عند الله، في زعمهم الفاسد، فقبلت موضوعاتهم ثقةً بهم وركوناً إليهم، لما نسبوا إليه من الزهد والصّلاح »(١) .

نموذج من أكاذيب ( الدّهلوي )

وأمّا أكاذيب ( الدهلوي )، فذكر جميعها أو أكثرها ولو إجمالاً يفضي إلى التطويل، ويوجب الخروج عن البحث، ويمكنك الوقوف على جملة منها في غضون مجلّدات كتابنا، ونكتفي هنا بنقل كلامٍ له في الباب الحادي عشر من ( التحفة )، يشتمل على عدّة أكاذيب، قال ( الدهلوي ):

« ثم لـمّا تأمّلنا وجدنا أنّ رؤساء أهل السنّة قد أخذوا علومهم - فقهاً واُصولاً وسلوكاً، بل وتفسيراً وحديثاً - من أهل البيت، واشتهروا بتتلمذهم عليهم، وقد كان أهل البيت يلاطفونهم وينبسطون إليهم دائماً، بل لقد بشّروهم، وهذا المعنى كلّه مذكور في كتب الإماميّة، وقد اعترف أكابر علمائهم لـمّا رأوا عدم إمكان إخفائه بثبوته وصحّته.

واعترف ابن المطهّر الحلّي في نهج الحق ومنهج الكرامة، بأنّ أبا حنيفة ومالكاً قد أخذا من الصادق، والشافعي تلميذ مالك، وأحمد بن حنبل تلميذ الشافعي وأيضاً، فقد تتلمذ أبو حنيفة على الباقر وزيد الشهيد.

والشيعة يعتقدون في عصر غيبة الإمام بوجوب إطاعة مجتهديهم، فكيف لا يكون مذهب المجتهد الذي حضر على الأئمّة وفاز بإجازة الإجتهاد والإفتاء منهم أولى بالإتباع؟.

____________________

(١). تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ١ / ٢٣٨.

٢٦٤

لقد أجاز الباقر وزيد الشهيد والصادق أبا حنيفة في الفتوى، باعتراف الشيخ الحلّي، فهو جامع لشرائط الإجتهاد بنصٍ من الإمام، فمن ردّ عليه فقد ردَّ على إمامه المعصوم، وهو كفر، خصوصاً في زمن الغيبة، فمذهب هذا المجتهد أولى بالأخذ والإتباع من مذهب ابن بابويه وابن عقيل وابن المعلّم.

فإن لم تكن أخبار أهل السنّة في هذا الباب مقبولة عندهم، فلا محيص لهم عن قبول أخبارهم: روى أبو المحاسن الحسن بن علي، بإسناده إلى أبي البختري، قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فلمـّا نظر إليه الصادق قال: كأنّي أنظر إليك وأنت تحيي سنّة جدّي بعد ما اندرست، وتكون مفزعاً لكلّ ملهوف، وغياثاً لكلّ مهموم، بك يسلك المتحيِّرون إذا وقفوا، وتهديهم إلى واضح الطريق إذا تحيّروا، ذلك من الله العون والتوفيق، حتّى يسلك الربّانيون بك الطريق.

وروى الإماميّة بأجمعهم أنّه لـمّا دخل أبو حنيفة على خليفة وقته أبي جعفر المنصور العباسي، وكان عنده عيسى بن موسى، فقال عيسى: يا أمير المؤمنين هذا عالم الدنيا اليوم، فقال المنصور: يا نعمان ممّن أخذت العلوم؟ قال: عن أصحاب علي عن علي، وعن أصحاب عبدالله بن عباس عن ابن عباس. فقال المنصور: لقد استوثقت من نفسك يا فتى.

وفي كتب الإماميّة أيضاً: إنّ ابا حنيفة كان جالساً في المسجد الحرام، وحوله زحام كثير من كلّ الآفاق، قد اجتمعوا يسألونه من كلّ جانب فيجيبهم، وكانت المسائل في كمّه فيخرجها فيناولها، فوقف عليه الإمام أبو عبدالله، ففطن به أبو حنيفة فقام. ثم قال: يا ابن رسول الله، لو شعرت بك أوّلاً ما وقفت، لا أراني الله جالساً وأنت قائم. فقال له أبو عبدالله: إجلس أبا حنيفة وأجب الناس، فعلى هذا أدركت آبائي.

٢٦٥

وهذان الخبران موجودان في شرح التجريد لابن المطهّر الحلّي، في مسألة تفضيل حضرة الأمير.

فإنْ وسوس شيطان الشيعة فقالوا: إذا كان أبو حنيفة وأمثاله من مجتهدي أهل السنّة تلامذة حضرات الأئمّة، فلماذا أفتوا على خلافهم في مسائل كثيرة؟ فأقول: إنّ جواب هذا مذكور في مجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري، فإنّه قال: كان ابن عباس تلميذ حضرة الأمير، وكان قد بلغ مرتبة الاجتهاد، وكان يجتهد في محضر من حضرة الأمير، ويخالفه في بعض المسائل، فلا يعترض عليه حضرة الأمير في ذلك ».

أقول:

إنّ هذا الكلام الّذي ذكره ( الدهلوي ) حسبةً، يشتمل على أكاذيب غريبة وإفتراءات عجيبة:

فأوّلها: ما نسبه إلى كتب الإماميّة من اعتراف أكابرهم بملاطفة أهل البيت لأئمّة أهل السنّة، في الفقه والأصول والعقائد والسلوك والتفسير والحديث، لا سيّما دعوى كون ذلك على الدوام، وثبوته عند الإماميّة بطرق صحيحة.

والثاني: ما نسبه إلى كتب الإماميّة من انبساط الأئمّةعليهم‌السلام في حقّ أئمّة أهل السنّة، لا سيّما دعوى كونه على الدوام، وثبوت ذلك عند أكابر الإماميّة وتصحيحهم له.

والثالث: ما نسبه إلى كتب الإماميّة من أن الأئمّةعليهم‌السلام بشّروا أئمّة أهل السنّة، وأنّ أكابر علماء الإماميّة يعترفون بذلك وبصحّته.

ولا ريب في أنّ دعوى صحّة وثبوت ملاطفات الأئمّةعليهم‌السلام ،

٢٦٦

وانبساطهم لأئمّة أهل السنّة، وذلك على الدوام والإستمرار، وأيضاً، دعوى بشارتهم لهم في كتب الإماميّة كلّ ذلك كذب وافتراء.

والرابع: ما نسبه إلى العلّامة الحلّي في ( نهج الحق ) من الإعتراف بإجازة الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام وزيد الشهيد أبا حنيفة بالإفتاء. والغريب أنّه ينسب هذا إلى العلّامة كذباً، ومع ذلك يقصد إثبات كذب العلّامة في نقل حديث التشبيه، أعاذنا الله من الوقاحة والضلالة.

والخامس: دعوى أنّ ما حكاه أبو المحاسن حسن بن علي بإسناده عن أبي البحتري من روايات الإماميّة فإنّها كذب محض والأصل في هذه الاُكذوبة هو أبو المؤيّد الخوارزمي صاحب ( جامع مسانيد أبي حنيفة )، رواها بطريق أخطب خوارزم، وقد أخذ الكابلي الرواية من ( جامع المسانيد )، لكنّه حذف السند حتّى أبي المحاسن، وأسقط السند من أبي المحاسن إلى أبي البختري، وإليك نصّ ما جاء في ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) حيث قال:

« وأخبرني سيّد الوعّاظ إسماعيل بن محمّد الحجي بخوارزم إجازة قال: أخبرني الصّدر العلّامة صدر الأئمّة أبو المؤيّد الموفق بن أحمد المكي قال: أخبرني الإمام أبو المحاسن الحسن بن علي في كتابه، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الزاهد الصفار، ثنا أبو علي الحسن بن علي الصفار، أنا أبو نصر محمّد ابن مسلم، أنا أبو عبدالله محمّد بن عمر، أنا الأستاد أبو محمّد عبدالله بن محمّد ابن يعقوب الحارثي البخاري، بإسناده إلى أبي البحتري قال:

دخل أبو حنيفة على جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه ، فلمـّا نظر إليه جعفر قال: كأنّي أنظر إليك وأنت تحيي سنّة جدّي صلّى الله عليه وسلّم بعد ما اندرست، وتكون مفزعاً لكلّ ملهوف، وغياثاً لكلّ مهموم، بك يسلك المتحيّرون إذا وقفوا، وتهديهم إلى واضح الطريق إذا تحيّروا، فلك من الله العون

٢٦٧

والتوفيق، حتّى يسلك الربّانيون بك الطريق »(١) .

وهذه عبارة الكابلي في ( الصواقع ):

« روى أبو المحاسن الحسن بن علي، بإسناده إلى أبي البختري قال: دخل أبو حنيفة على جعفر بن محمّد الصادق، قال: كأنّي أنظر إليك وأنت تحيي سنّة جدّي بعد ما اندرست، وتكون مفزعاً لكلّ ملهوف، وغياثاً لكلّ مهموم، بك يسلك المتحيّرون إذا وقفوا وتهديهم إلى واضح الطريق إذا تحيّروا، فلك من الله العون والتوفيق حتّى يسلك الربانيون بك الطريق ».

والسادس: نسبة ما حكاه من مدح عيسى بن موسى لأبي حنيفة، والكلام الذي جرى بينه وبين المنصور، إلى جميع الإماميّة وقد ذكر هذه الرواية النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات ) باختلافٍ يسير.

على أنّه لا علاقة لهذه الرواية بمطلوبه، وهو كون أبي حنيفة مقبولاً لدى أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، إذ لا يثبت منها مدح من أحدٍ منهم لأبي حنيفة.

والسّابع: نسبة الرواية المتضمّنة لأمر الإمام الصادقعليه‌السلام أبا حنيفة بأنْ يجلس ويجيب الناس، إلى كتب الإماميّة، فإنّها كذب محض، والكابلي ذكر هذه الرواية - ورواية دخول أبي حنيفة على المنصور المتقدمة - فلم يجرأ على نسبتها إلى الإماميّة.

والثامن: نسبة كلتا الروايتين إلى شرح التجريد للعلّامة الحلّي.

والتاسع: قوله: هما مذكوران في شرح التجريد للعلّامة الحلّي في مسألة تفضيل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وهذا من أعاجيب الأكاذيب، كيف ينسب روايتين إلى كتابٍ، ويعيّن

____________________

(١). جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ١٩.

٢٦٨

موضعهما منه، وهذه نسخ كتاب شرح التجريد للعلاّمة منتشرة في كلّ مكان، فليلاحظ مبحث التفضيل منه بكلّ إمعانٍ وتدبّر

والعاشر: ما نسبه إلى كتاب ( مجالس المؤمنين ) من اجتهاد ابن عباس في محضر أمير المؤمنين، وإذن الإمام له في ذلك، وأنّه ربّما كان يخالف الإمام كذب وافتراء

ولمخاطبنا ( الدهلوي ) في خصوص حديث ( التشبيه ) أكاذيب:

١ - زعم فساد مبادي الإستدلال بحديث التشبيه ومقدّماته، من الرأس إلى القدم.

٢ - نفي كون هذا الحديث من روايات أهل السنّة.

٣ - إنّه لا أثر لهذا الحديث في كتب البيهقي.

٤ - إنّ القاعدة المقرّرة لدى أهل السنّة هي عدم جواز الإحتجاج بحديثٍ لم يخرجه أحد من أئمّة الحديث، في كتابٍ التزم فيه بالصحّة، كالبخاري ومسلم، وسائر أصحاب الصحاح، أو لم ينص مخرجه أو غيره من المحدّثين الثقات على صحّته بالخصوص.

٥ - إنّ الديلمي والخطيب وابن عساكر جمعوا الأحاديث بطريق البياض، لكي ينظروا فيها، لكنّهم لم يوفّقوا لهذا الأمر المهم، لقلّة الفرص وقصر الأعمار.

٦ - إنّهم - يعني الديلمي والخطيب وابن عساكر وأمثالهم - صرّحوا بالغرض المذكور في مقدّمات جوامعهم.

٧ - إنّ هذا الحديث ليس من الأحاديث المروية في كتابٍ من كتب أهل السنّة ولو بطريقٍ ضعيف.

٨ - إنّ هذا الحديث تشبيه محض

٢٦٩

٩ - إنّ استفادة التساوي بين المشبّه والمشبّه به، من غاية السفاهة.

١٠ - إنّ الأفضليّة لا تستلزم الزعامة الكبرى.

١١ - إنّه دون نفي مساواة الخلفاء الثلاثة للأنبياء في الصفات المذكورة أو مثلها، خرط القتاد.

١٢ - إنّه لو تفحّص في كتب أهل السنّة، لعُثر على أحاديث كثيرة دالّة على التشبيه بالأنبياء في حقّ الشيخين، بحيث لم يثبت ذلك في حقّ أحدٍ من معاصريهم.

١٣ - إنّ الإمامة الباقية في أولاد الوصيّ، التي كان كلٌّ منهم خلفاً للآخر فيها، هي القطبية والإرشاد

١٤ - إنّه لم يرو عن الأئمّة الأطهار إلزام كافّة الخلائق بأمر الإمامة.

هذا، وقد عرفت أنّ هذا الحديث ( حديث التشبيه ) موجود في كتب أهل السنّة، وفي كتب البيهقي، وأنّ جماعة كبيرة من مشاهير أئمّتهم رووه وأثبتوه، وأنّ ممّن اعترف به والد ( الدهلوي ).

فظهر كذب ( الدهلوي ) في كلّ موردٍ من هذه الموارد، بل ظهر تجاسره على تكذيب هذه الكثرة من علماء طائفته، لا سيما والده.

قوله:

مع أنّ القاعدة المقرّرة عند أهل السنّة: أنّ كلّ حديث رواه بعض أئمّة الحديث في كتابٍ غير ملتزم فيه بالصحّة

أقول:

كأنّ ( الدّهلوي ) تنبّه من نومته وغفلته!! إنّه بعد أنْ نفى كون الحديث من

٢٧٠

روايات البيهقي وغيره من أهل السنّة، عاد فذكر هذه القاعدة، لئلّا يفتضح وينكشف جهله أو تجاهله لكنّ ذكر هذه القاعدة المزعومة هنا، يوجب الطّعن في هذا الجم الغفير من أعلام المحدثين، الذين أخرجوا هذا الحديث في كتبهم أو أثبتوه أو أرسلوه إرسال المسلَّمات

والأصل في دعوى وجود هذه القاعدة هو الكابلي، لكنّ ( الدهلوي ) زاد في طنبور الكابلي نغمةً، فنسب هذه القاعدة إلى أهل السنّة، وجعلها قاعدةً مقرّرة بينهم وهذا نصّ عبارة الكابلي:

« السادس - ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فإنّه أوجب مساواته للأنبياء في صفاتهم، والأنبياء أفضل من غيرهم، فكان علي أفضل من غيرهم.

وهو باطل، لأنّه ليس من أحاديث أهل السنّة، وقد أورده ابن المطهّر الحلّي في كتبه، وعزى روايته تارة إلى البيهقي واُخرى إلى البغوي، ولم يوجد في كتبهما، والحلّي لا يصدق أثره. ولأنّ الخبر الذي رواه بعض أئمّة الحديث في كتابٍ لم يلتزم صحّة جميع ما أورده فيه، ولم يصرّح بصحته هو أو غيره من المحدّثين، لا يحتجّ به ».

الحديث الصحيح حجّة وإن لم يخرَّج في صحيح

وكلام ( الدهلوي ) هذا باطل بوجوه:

الأول: لا ريب في وجود الأحاديث قبل البخاري ومسلم وسائر أرباب الكتب الموسومة بالصّحاح، وقد كانت دائرةً بين العلماء، يستندون إليها

٢٧١

ويحتجّون بها، ولم يكن الإحتجاج بها موقوفاً على تنصيص أحدٍ على الصحّة، بل كلّ حديثٍ جمع شروط الإعتبار والحجية، فهو حجة. فدعوى « إنّ كلّ خبرٍ لم يكن في كتابٍ التزم فيه بالصحة أو لم يصرَّح بصحّته لا يحتج به »، لا وجه لها من الصحّة، ويبطلها عمل العلماء السابقين من الفقهاء والمحدثين.

الثاني: مقتضى هذه القاعدة سقوط كلّ حديثٍ جامع لشرائط الحجيّة لم يخرَّج في كتابٍ التزم فيه بالصحّة، ولم ينص على صحّته أحد من المحدّثين، عن درجة الاعتبار، وعدم صلوحه للاحتجاج والاستناد. وهذا باطل، لأنّ الملاك صحّة الحديث بحسب القواعد والموازين المقرّرة، فكلّ حديث وثّق رجاله وجمع شرائط الصحّة جاز الإحتجاج به، وإن لم يروه أحد ممّن التزم بالصحّة، وإن لم يصرّح بصحّته أحد من المحدّثين.

الثالث: مقتضى هذا الكلام عدم قابليّة الحديث « الحسن » للإحتجاج به، وإن صرَّح بحسنه أئمّة الحديث. والحال أنّ « الحسن » يحتج به.

الحديث الحسن يحتج به

الرابع: إنّ الحديث الجامع لشروط « الحسن » يحتجّ به، وإن لم يصرّح أحد من أئمّة الحديث بحسنه وقد نصّ على هذا أكابر المحقّقين من أهل السنّة، بل عن الخطابي أنّ مدار أكثر الحديث على الحديث الحسن: فهذه القاعدة المزعومة من الكابلي و ( الدهلوي ) توجب ضياع أكثر أحاديث أهل السنّة، فهماً كمن بنى قصرا وهدم مصراً.

وإليك بعض الكلمات الصّريحة في حجيّة الحديث « الحسن »:

قال الزين العراقي:

« والحسن المعروف مخرجاً وقد

اشتهرت رجاله بذاك حد

٢٧٢

حمدٌ وقال الترمذي ما سلم

من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم

بكذبٍ ولم يكن فرداً ورد

قلت وقد حسّن بعض ما انفرد

وقيل ما ضعف قريب محتمل

فيه وما بكلّ ذا حدّ حصل

إختلف أقوال أئمّة الحديث في حدّ الحديث الحسن، فقال أبو سليمان الخطّابي - وهو حمد المذكور في أوّل البيت الثاني - الحسن ما عرف مخرّجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الّذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء ».

قال:

« والفقهاء كلّهم تستعمله

والعلماء الجلّ منهم تقبله

وهو بأقسام الصحيح ملحق

حجيّةً وإن يكن لا يلحق

البيت الأول مأخوذ من كلام الخطابي، وقد تقدم نقله عنه، إلّا أنّه قال: عامة الفقهاء. وعامّة الشيء مطلقاً بأزاء معظم الشيء وبأزاء جميعه، والظاهر أن الخطابي أراد الكلّ، ولو أراد الأكثر لما فرّق بين العلماء والفقهاء. وقوله: حجية. نصب على التمييز، أي الحسن ملحق بأقسام الصحيح في الإحتجاج به، وإن كان دونه في الرتبة »(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني: « وخبر الآحاد بنقل عدل تامّ الضبط، متّصل السند، غير معلّل ولا شاذ، هو الصحيح لذاته. وهذا أوّل تقسيم المقبول إلى أربعة أنواع، لأنّه إمّا أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها أو لا، الأول: الصحيح لذاته، والثاني: إن وجد فيه ما يجبر ذلك القصور، ككثرة الطرق، فهو الصحيح أيضاً. لكنْ لا لذاته، وحيث لا جبر، فهو الحسن لذاته، وإنْ قامت

____________________

(١). شرح ألفية الحديث للعراقي وراجع أيضاً: فتح المغيث في شرح الألفية سخاوي: ١ / ٧١.

٢٧٣

قرينة ترجّح جانب قبول ما يتوقف فيه، فهو الحسن أيضاً، لكنْ لا لذاته »(١) .

وقال ابن حجر أيضاً بعد شرح تعريف الصحيح: « فإنْ خف الضبط، أي قل، يقال خفّ القوم خفوفاً قلّوا، والمراد مع بقيّة الشروط المتقدمة في حدّ الصحيح، فهو الحسن لذاته، لا لشيء خارج، وهو الذي يكون حسنه بسبب الإعتضاد نحو الحديث المستور إذا تعدّدت طرقه، وخرج باشتراط باقي الأوصاف الضعيف. وهذا القسم من الحسن مشارك للصحيح في الإحتجاج به، وإن كان دونه، ومشابه له في انقسامه إلى مراتب بعضها فوق بعض »(٢) .

وقال محمّد بن محمّد بن علي الفارسي - في ( جواهر الاصول ) -: « الحسن حجّة كالصّحيح وإن كان دونه، ولهذا أدرجه بعض أهل الحديث فيه ولم يفرده ».

وقال جلال الدين السيوطي بعد أن ذكر الحديث الحسن وتعريفه: « قال البدر ابن جماعة: وأيضاً فيه دور، لأنّه عرّفه بصلاحيّته للعمل به، وذلك يتوقّف على معرفة كونه حسناً.

قلت: ليس قوله: ويعمل به من تمام الحدّ، بل زائد عليه لإفادة أن يجب العمل به كالصحيح، ويدلّ على ذلك أنّه فصله من الحدّ حيث قال: وما فيه ضعف قريب محتمل فهو الحديث الحسن، ويصلح البناء عليه والعمل به »(٣) .

وقال السيوطي أيضاً: « ثمّ الحسن كالصحيح في الإحتجاج به وإنْ كان دونه في القوّة، ولهذا أدرجه طائفة في نوع الصحيح، كالحاكم وابن حبان وابن خزيمة، مع قولهم بأنّه دون الصحيح المبيَّن أوّلاً. ولا بدع في الإحتجاج

____________________

(١). نزهة النظر - شرح نخبة الفكر: ٢٤٣ بشرح القاري.

(٢). المصدر: ٢٩١.

(٣). تدريب الراوي - شرح تقريب النواوي ١ / ١٢٢.

٢٧٤

بحديثٍ له طريقان لو انفرد كلّ منهما لم يكن حجةً، كما في المرسل إذا ورد من وجهٍ آخر مسنداً لوافقه مرسل آخر بشرطه كما سيجيء. قال ابن الصلاح وقال في الإقتراح: ما قيل من أنّ الحسن يحتج به، فيه إشكال، لأنّ ثمَّ أوصافاً يجب معها قبول الرواية إذا وجدت، فإن كان هذا المسمّى بالحسن ممّا وجد فيه أقلّ الدرجات التي يجب معها القبول، فهو صحيح، وإن لم يوجد لم يجز الإحتجاج به وإنْ سمّي حسناً. أللّهمّ إلّا أن يردّ هذا إلى أمر اصطلاحي، بأنْ يقال: إن هذه الصفات لها مراتب ودرجات، فأعلاها وأوسطها يسمّى صحيحاً، وأدناها يسمّى حسناً، وحينئذٍ يرجع الأمر في ذلك إلى الإصطلاح ويكون الكلّ صحيحاً في الحقيقة »(١) .

وقال السيوطي بعد ذكر الحديث الصحيح: « فإنْ خفّ الضبط - أي قل - مع وجود بقيّة الشروط، فحسن، وهو يشارك الصحيح في الإحتجاج به، وإن كان دونه و تفاوته، فأعلاه ما قيل بصحّته، كرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، ومحمّد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر »(٢) .

وفي هذه الكلمات غنىً وكفاية.

الخامس: إنّ الحديث الضعيف إذا تعدّدت طرقه، إرتقى إلى درجة الإحتجاج به، كما بيّناه في مجلّد ( حديث الولاية ). فراجع. فلا وجه لنفي جواز الإحتجاج به في هذه الحالة.

ثمّ لا يخفى أنّ الكابلي و ( الدهلوي ) - اللذين اخترعا هذه القاعدة - قد غفلا أو تغافلا عن قاعدتهما هذه في موارد كثيرة، فاحتجّا بأخبار غير مروية فيما التزم فيه بالصحّة من الكتب، وبأخبار لم يصرّح أحد من أئمّة الحديث

____________________

(١). تدريب الراوي - شرح تقريب النواوي ١ / ١٢٨.

(٢). إتمام الدراية لقراء النقاية: ٥٥ ط هامش مفتاح العلوم.

٢٧٥

بصحّتها، فاحتجّا بهكذا أخبارٍ - بالرغم من القاعدة التي زعم ( الدهلوي ) تقرّرها لدى أهل السنّة - لأجل مقابلة الشيعة الإماميّة بها!! وهل هذا إلّا تناقض وتهافت!!

والأشنع من ذلك: إحتجاجهما بأخبار نصّ أئمّتهم في الحديث والرجال على وضعها واختلاقها أمّا إذا كان البحث في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلا يأخذان بهذه القاعدة المرفوضة التي ذكراها هنا، فيكذّبان - مثلاً - حديث الولاية، وحديث الطير، وحديث مدينة العلم هذه الأحاديث التي صرّح أئمّة الحديث بصحّتها، فجاز الإحتجاج بها ووجب قبولها - بحسب القاعدة المذكورة -.

فظهر بطلان هذه القاعدة المصنوعة، من كلمات الكابلي و ( الدهلوي ) طرداً وعكساً، وذلك من العجب العجاب المحيِّر للألباب.

رأي الدهلوي في كتب الدّيلمي والخطيب وابن عساكر

قوله:

وذلك لأنّ جماعة من المحدّثين من أهل السنّة في الطبقات المتأخّرة، كالديلمي والخطيب وابن عساكر، لمـّا رأوا

أقول:

هذا التّعليل العليل من زيادات ( الدهلوي ) على الكابلي، وهو مردود بوجوه:

الأوّل: إنّه لا علاقة له بالدّعوى أصلاً، لأنّ الدعوى هي: إن كلّ حديثٍ ليس في كتابٍ التزم فيه بالصحّة، ولم يصرّح أحد من أئمّة الحديث بصحّته، لا

٢٧٦

يحتجّ به. وأيّ مناسبة بين هذه الدّعوى وبين ما ذكره من أنّ هؤلاء المحدّثين المتأخرين جمعوا في مجاميعهم الحديثيّة الأحاديث الضّعيفة والموضوعة والمقلوبة الأسانيد والمتون ...؟

فلا يستلزم ثبوت الثاني ثبوت الأول، ولا انتفاؤه يستلزم إنتفائه فإنْ كان ما ذكره بالنسبة إلى كتب هؤلاء المحدّثين حقّاً، لم يستلزم ذلك حصر الإحتجاج بالأحاديث المخرجة في الكتب الملتزم فيها بالصحّة، أو الأحاديث المنصوص على صحّتها بالخصوص، وإن لم يكن ما ذكره في حقّها حقّاً، لم يلزم عدم الحصر المذكور وهذا بيّن جدّاً.

الثاني: ظاهر هذا الدليل اعتبار كتب الطبقة المتقدّمة على من ذكرهم، وأنّ أحاديثهم يحتج بها. وقد عرفت

رواية عبدالرزاق (٢١١)

وأحمد بن حنبل (٢٤١)

وأبي حاتم (٢٧٧)

وابن شاهين (٣٨٥)

وابن بطّة (٣٨٧)

والحاكم (٤٠٥)

وابن مردويه (٤١٠)

وأبي نعيم (٤٣٠)

والبيهقي (٤٥٨)

لحديث التشبيه.

وهؤلاء كلّهم متقدّمون على الديلمي والخطيب وابن عساكر، لأنّ تاريخ وفاة آخرهم - وهو البيهقي - سنة (٤٥٨). وتاريخ وفاة الديلمي سنة (٥٠٩) وابن عساكر سنة (٥٧١).

٢٧٧

فيكون حديث التشبيه بهذا البيان، قابلاً للإحتجاج والإستدلال.

وإذا كان هذا حال كتب الديلمي والخطيب وابن عساكر في رأي ( الدهلوي )، فكيف يستند إلى بعض أخبار الديلمي - بتقليد من الكابلي - عند الجواب على المطعن العاشر من مطاعن عثمان، ممّا هو مكذوب قطعاً؟! ويستند إلى بعض خرافات الدّيلمي في فضل عثمان، لا سيّما مع تنصيص بعض أكابرهم على كونه موضوعاً؟!

وإذا كان ما ذكره هو حال كتب ابن عساكر، فلماذا يستند إلى حديثٍ موضوع، يرويه ابن عساكر في وجوب حبّ أبي بكر وشكره؟ ويحتجّ بالحديث الموضوع: « حبّ أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما نفاق » عن ابن عساكر، في جواب عن آية المودّة( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) !!

الثالث: ظاهر هذا الكلام، أنّ الأحاديث الحسان صالحة للإحتجاج كالأحاديث الصّحاح، ولو لم تكن قابلةً لذلك، لم يكن وجه لعناية المتقدّمين بضبط الأحاديث الحسان وجمعها كالصّحاح لكنّه أفاد سابقاً بعدم حجيّة الأحاديث الحسان وهذا تهافت صريح.

الرّابع: ظاهر قوله: « لميّزوا الموضوعات من الحسان لغيرها » أنّ أحاديث المتأخّرين هي بين موضوعاتٍ وبين حسانٍ لغيرها، مع العلم بأنّ الأحاديث الضعيفة - التي يشتمل عليها كتب المتأخرين - أعمّ من الحسان لغيرها والضعاف غير الحسان لغيرها التي لم تصل حدّ الوضع، فما وجه ترك القسم الثالث، وهو الأحاديث الضعيفة غير الحسان لغيرها وغير الموضوعات؟!

الخامس: إنّ رواية الأحاديث الموضوعة حرام بالإجماع، فإثبات رواية الديلمي والخطيب وابن عساكر وأمثالهم للموضوعات مع علمهم بذلك،

٢٧٨

هو في الحقيقة تفسيق لهؤلاء الأساطين.

السادس: قال السمعاني في ( ذيل تاريخ بغداد ):

« والخطيب في درجة القدماء من الحفّاظ والأئمّة الكبار كيحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن أبي خيثمة، وطبقتهم، وكان علّامة العصر، اكتسى به هذا الشأن غضارة وبهجةً ونضارة»(١) .

وهذا الكلام يبطل ما ذكره ( الدهلوي ) من جعل الخطيب من المحدّثين المتأخّرين المخلّطين، فلا تغفل.

قوله:

إلّا أنّه لقلّة الفرصة عندهم وقصر أعمارهم، لم يتمكّنوا من ذلك

أقول:

نعم، لقد صرف ( الدهلوي ) عمره الطويل في طلب الشهرة وتحصيل الجاه، وتخديع العوام، فلم تبق له فرصة لأنْ يلقي نظرةً ثانيةً على كتابه المنتحل من خرافات الكابلي، فيميّز بها الموضوعات الصريحة والمكذوبات الفضيحة، من الكلمات المليحة والإفادات الصحيحة

لكنّ المتأخرين عنه - خصوصاً تلميذه الرشيد الدّهلوي - حاولوا الإحتراز عن الخطّ الذي مشى عليه ( الدهلوي )، كيلا يتورّطوا كما تورّط، ولا يقعوا في الهوة السحيقة التي وقع فيها، إلّا أنّ لكلٍّ منهم توهّمات غريبة وأكذوبات ظاهرة، كما لا يخفى على من نظر في الأجوبة والردود المكتوبة على مؤلَّفاتهم.

____________________

(١). أنظر: الوافي بالوفيات ٧ / ١٩٤.

٢٧٩

وبعد، فإنّ كلمات أعلام القوم في وصف الديلمي والخطيب وابن عساكر وكتبهم الحديثية، لتكشف عن بطلان ما ذكره ( الدهلوي )، من ذلك قول الحافظ الذهبي في ترجمة الخطيب:

« قد كان رئيس الرؤساء تقدّم إلى الخطباء والوعّاظ أنْ لا يرووا حديثاً حتّى يعرضوه عليه، فما صحّحه رووه وما ردّه لم يذكروه »(١) .

وقد أورد ( الدهلوي ) أيضاً هذا المطلب بترجمة الخطيب من كتابه ( بستان المحدثين ).

فهل يعقل أنْ يكون للخطيب فرصة النظر في الأحاديث التي يعرضها عليه الخطباء والوعّاظ وغيرهم من علماء عصره ومحدّثي وقته، حتّى لا يرووا للناس الأحاديث الموضوعة والأشياء الباطلة، ثمّ يترك مؤلّفاته مشتملةً على الموضوعات والمكذوبات، من غير إفراز لها عن الأحاديث الصحيحة والمعتبرة، فيكون مصداقاً لقوله عزّوجلّ:( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) وقوله( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) ؟!

رأي الدهلوي في كتب ابن الجوزي والسّخاوي والسّيوطي

قوله:

ثمّ جاء من بعدهم، فميّز الموضوعات عن غيرها، كما فعل ابن الجوزي في كتابه ( الموضوعات ) والسخاوي الّذي جمع الحسان لغيرها في كتابه ( المقاصد الحسنة ) وكذلك السيوطي

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ٢٨٠، تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٤١.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381