تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126468 / تحميل: 5812
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٨١

المقصد السابع : في التحالف‌

ومطالبه ثلاثة :

الأوّل : في سببه.

مسالة ٥٩٧ : إنّما يقع التحالف إذا اختلفا واشتمل كلام كلٍّ من المتبايعين على دعوى ينفيها صاحبه ولا بيّنة هناك ، وذلك مثل أن يدّعي أنّه باع عليه هذا العبد بألف ، فيقول المشتري : ما بعتني العبد ، بل بعتني هذه الجارية بألف ، فكلّ واحد منهما مُدّعٍ لما ينكره الآخر ، وكلٌّ منهما منكر لما يدّعيه الآخر ، والمنكر يتوجّه(١) عليه اليمين ، فيحلف كلٌّ منهما بيمينه(٢) على نفي ما ادّعاه الآخر ، فيحلف المشتري أنّه ما باعه هذا العبد ، ويحلف البائع أنّه لم يبعه هذه الجارية ، ويحكم ببطلان العقدين معاً.

ولا فرق بين أن يكون الثمن معيّناً أو في الذمّة.

وقال الشافعي : إن كان الثمن معيّناً ، تحالفا ، كما لو اختلفا في جنس الثمن. وإن كان في الذمّة ، فوجهان ، أحدهما : أنّهما يتحالفان أيضاً ، كما لو كان معيّناً. والثاني : أنّه لا تحالف ، لأنّ المبيع مختلف فيه ، والثمن ليس بمعيّن حتى يربط به العقد(٣) .

مسالة ٥٩٨ : ولو قال الزوج : أصدقتكِ أباكِ‌ ، فقالت : بل اُمّي ، حلف‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « لمـّا يتوجّه ».

(٢) في « س ، ي » : « يمينه ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١.

٨٢

كلّ واحد منهما(١) على نفي ما يدّعيه صاحبه ، ولم يجمع أحدهما في اليمين بين النفي والإثبات ، ولا يتعلّق بيمينهما فسخ ولا انفساخ ، بل يثبت مهر المثل.

وللشافعي قولان :

أحدهما : التحالف ، فيجمع كلٌّ منهما في يمينه بين النفي والإثبات.

والآخر : لا تحالف ، بل يحلف كلٌّ منهما على نفي ما يدّعيه الآخر ، ولا يجمع بين النفي والإثبات في يمينه ، ولا يتعلّق بيمينهما فسخ ولا انفساخ(٢) .

مسالة ٥٩٩ : لو أقام مدّعي بيع العبد البيّنةَ على دعواه‌ ، وأقام مشتري الجارية البيّنةَ على دعواه ، فإن أمكن الجمع بينهما بأن يكون الثمن مطلقاً غير معيّن والزمان متعدّد ، حكم بهما معاً ، ويثبت(٣) العقدان ، ولا يمين هنا.

وإن لم يمكن إمّا بأن يكون الثمن واحداً معيّنا ، أو اتّحد الزمان بحيث لا يمكن الجمع بين العقدين ، تعارضتا ، وسيأتي حكم تعارض البيّنتين.

وقال الشافعي : إذا أقام كلٌّ منهما بيّنة على ما ذكره ، سلّمت الجارية للمشتري ، وأمّا العبد فقد أقرّ البائع ببيعه ، وقامت البيّنة عليه ، فإن كان في يد المشتري ، اُقرّ عنده. وإن كان في يد البائع ، فوجهان :

____________________

(١) في « س » : « حلف كلٌّ منهما ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦.

(٣) في « س ، ي » : « ثبت ».

٨٣

أحدهما : أنّه يسلّم إلى المشتري ، ويُجبر على قبوله.

والثاني : لا يُجبر ؛ لأنّه ينكر ملكه فيه ، فعلى هذا يقبضه الحاكم ، وينفق عليه من كسبه. وإن لم يكن له كسب ورأى الحظّ في بيعه وحفظ ثمنه ، فعل(١) .

مسالة ٦٠٠ : لو اختلفا في قدر الثمن خاصّةً‌ ، فقال البائع : بعتك هذا بمائة ، فيقول المشتري : بخمسين ، فإن كان لأحدهما بيّنة ، قضي بها.

وإن أقام كلّ واحد منهما بيّنةً على ما يقوله ، سمعنا بيّنة مَنْ لا يكون القول قوله مع اليمين وعدم البيّنة.

وعند الشافعي تسمع البيّنتان معا من حيث إنّ كلّ واحد منهما مدّع. وحينئذ قولان : إمّا التساقط ، فكأنّه لا بيّنة ، وإمّا التوقّف إلى ظهور الحال(٢) .

فإن لم يكن لواحدٍ منهما بيّنة ، قال أكثر علمائنا(٣) : إن كانت السلعة قائمةً ، فالقول قول البائع مع يمينه. وإن كانت تالفةً ، فالقول قول المشتري مع يمينه ؛ لأنّ المشتري مع قيام السلعة يكون مدّعياً لتملّكها وانتقالها إليه بما ادّعاه من العوض ، والبائع ينكره ، وأمّا بعد التلف فالبائع يدّعي على المشتري مالاً في ذمّته ، والمشتري ينكره ، فيقدّم قوله.

ولما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبيع الشي‌ء فيقول المشتري : هو بكذا وكذا بأقلّ ممّا قال البائع ، قال : « القول قول البائع مع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٥ - ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ - ٢٣١.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٤٧ ، المسألة ٢٣٦ ، والمبسوط ٢ : ١٤٦ ، والنهاية ونكتها ٢ : ١٤٢ - ١٤٤ ، والقاضي ابن البرّاج في جواهر الفقه : ٥٧ ، المسألة ٢٠٩.

٨٤

يمينه إذا كان الشي‌ء قائماً بعينه »(١) وهو يدلّ بالمفهوم على أنّه إذا لم يكن قائما بعينه ، يكون القول قول المشتري.

وقال بعض(٢) علمائنا - ولا بأس به - : القول قول البائع إن كانت السلعة في يده ، وقول المشتري إن كانت السلعة في يده.

وقال الشافعي : يتحالفان ، سواء كانت السلعة قائمةً أو تالفةً - وبه قال محمّد بن الحسن وأحمد في إحدى الروايتين - لما روى ابن مسعود أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع ، والمبتاع بالخيار »(٣) ومعنى ذلك أنّ القول قوله مع يمينه ، والمبتاع بالخيار إن شاء أخذ بما قال ، وإن شاء حلف ، وإنّما ذكر البائع ؛ لأنّه يبدأ بيمينه.

ولأنّهما اختلفا في العقد القائم بينهما ، وليس معهما بيّنة ، فتحالفا ، كما لو كانت السلعة قائمةً. ولأنّ البائع مُدّعٍ زيادةَ الثمن ، ومدّعى عليه في تملّك السلعة بالأقلّ ، والمشتري بالعكس ، فكلٌّ منهما مُدّعٍ منكرٌ(٤) .

ونمنع دلالة الخبر على المطلوب والعموم ؛ إذ ليس كلّ اختلاف يقع من المتبايعين يكون هذا حكمه ، فلِمَ قُلتم : إنّ صورة النزاع منه؟ ولِمَ قُلتم : إنّ المبتاع يتخيّر بين الأخذ بقوله والحلف؟ ولِمَ لا يجوز أن يكون الخيار له في أن يحلفه أو يعفو عنه؟ ولا نسلّم اختلافهما في العقد ،

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٤ ( باب إذا اختلف البائع والمشتري ) الحديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٧١ ، ٧٦٥ ، التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠١.

(٢) كابن الجنيد وأبي الصلاح الحلبي وابن إدريس ، اُنظر : السرائر ٢ : ٢٨٢ - ٢٨٣.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٧٠ / ١٢٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٥.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٢٦ / ١٢٠٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٩٢ ، المغني ٤ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٨.

٨٥

بل في الثمن.

ونمنع ثبوت حكم الأصل ؛ فإنّا قد بيّنّا أنّ مع قيام السلعة يكون القول قول البائع مع يمينه من غير تحالف.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : إن كانت السلعة قائمة بحالها ، تحالفا. وإن كانت تالفةً ، لم يتحالفا - وهو الرواية الاُخرى عن أحمد - لأنّ القياس يقتضي أن يكون القول قول المشتري ؛ لاتّفاقهما على عقدٍ صحيح ، ثمّ البائع يدّعي زيادةً ينكرها المشتري ، فيقدّم قوله مع اليمين ، إلّا أنّا تركناه في حال قيام السلعة ؛ لما روى ابن مسعود عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بيّنة لأحدهما تحالفا »(١) وبقي الباقي على حكم القياس ، وهو أنّهما قد اتّفقا على انتقال الملك إلى المشتري واختلفا فيما يجب عليه ، فالبائع يدّعي زيادةً ينكرها المشتري(٢) .

أجاب الشافعيّة بمنع اقتضاء القياس تقديم قول المشتري ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما مُدّعٍ ومدّعى عليه ؛ لأنّ البائع يدّعي العقد بألفين ، والمشتري يدّعي العقد بألف ، وهنا عقدان مختلفان ، والخبر لم يذكر فيه التحالف ولا في شي‌ء من الأخبار. وعلى أنّ التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة ، يمكن معرفة ثمنها في العرف ، ويتعذّر ذلك إذا تلفت ، وكان البيّنة مقدّماً على الدليل(٣) .

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٨٨ ، والشرح الكبير ٤ : ١١٨.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٢٩ و ٣٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٢٦ ، ١٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، بداية المجتهد ٢ : ١٩٢ ، المغني ٤ : ٢٨٩ - ٢٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٩ - ١٢٠.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦.

٨٦

وعن مالك ثلاث روايات : إحداها كقول الشافعي. والثانية كقول أبي حنيفة. والثالثة : إن كان قبل القبض ، تحالفا. وإن كان بعد القبض ، فالقول قول المشتري ، لأنّ بعد القبض صار جانب المشتري أقوى من جانب البائع ، لأنّه لمـّا دفع إليه السلعة ائتمنه عليها ولم يتوثّق منه ، فكان القول قوله(١) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ اليد لا تقويه مع اتّفاقهم على البيع. والتسليم باليد ليس استئمانا ، وإنّما يُقبل قول الأمين إذا أقامه مقام نفسه ، بخلاف صورة النزاع.

وقال زفر وأبو ثور : القول قول المشتري بكلّ حال ؛ لأنّه منكر(٢) . وفيه قوّة.

مسالة ٦٠١ : لو مات المتبايعان واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن‌ ، فهو كاختلاف المتبايعين عندنا ، فإن كانت السلعة قائمةً ، حلف ورثة البائع. وإن كانت تالفة ، حلف ورثة المشتري.

وكذا قال الشافعي بأنّهما يتحالفان كالمتبايعين ؛ لأنّ ما كان للمورّث ينتقل إلى وارثه(٣) .

وقال أبو حنيفة : إن كان المبيع في يد وارث البائع ، تحالفا. وإن كان‌

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٨ - ٣٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، المغني ٤ : ٢٨٨ و ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٨ و ١١٩.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٩٢ ، المغني ٤ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٢٧ / ١٢٠٤.

٨٧

في يد وارث المشتري ، فالقول قوله مع يمينه ؛ لأنّ القياس عدم التحالف ، فأجزناه مع بقاء السلعة(١) .

مسالة ٦٠٢ : إذا اختلفا في المثمن‌ ، فقال البائع : بعتك هذا العبد بألف ، فقال المشتري : بل بعتني هذا العبد وهذه الجارية بألف ، فالأقرب عندي هنا : تقديم قول البائع ، لأنّ المشتري سلم له استحقاق الألف في ذمّته ، ويدّعي بيع شيئين ، والبائع ينكر أحدهما ، فيقدّم(٢) قوله.

وقال الشافعي : يتحالفان(٣) ، كما تقدّم في مذهبه.

ولو اختلفا في قدر الثمن والمثمن معاً بأن يقول البائع : بعتك هذا العبد بألف ، ويقول المشتري بعتنيه وهذه الجارية بألفين ، فالأقوى عندي هنا : أنّهما يتحالفان - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ هنا دعويان مختلفتان(٥) ، فإذا حلف البائع أنّه ما باعه العبد والجارية بألفين وحلف المشتري أنّه ما باعه العبد وحده بألف ، انفسخ العقدان ، أو فسخه الحاكم.

مسالة ٦٠٣ : لو اختلفا في جنس الثمن بأن قال : بعتك بألف دينار‌ ، فيقول المشتري : بل بألف درهم ، مع اتّفاقهما على عين المبيع ، فالأقرب عندي هنا : التحالف أيضاً ؛ لاتّفاقهما على نقل المبيع ، واختلافهما في جنس العوض ، وأحدهما غير الآخر وغير داخل فيه ، فكلٌّ منهما مُنكر‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٣٣٠ ، فتح العزيز بهامش المجموع ٩ : ١٥٥ ، وفي العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ قد سقط في المنقول عنه بعضُ ما يغيّر المعنى.

(٢) في « س ، ي » : « فقُدّم ».

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١ ، المغني ٤ : ٢٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « مختلفان ». والصحيح ما أثبتناه.

٨٨

مُدّعٍ ، فيتحالفان ، كما قلناه ، فيحلف البائع : ما بعته بألف درهم ، ويحلف المشتري : ما ابتاعه بألف دينار ، وبه قال الشافعي(١) .

ولو اختلفا في بعض صفاته ، قدّم قول منكر زيادة الصفة.

ولو اختلفا في وصفين مختلفين ، تحالفا ، وبه قال الشافعي(٢) .

مسالة ٦٠٤ : لو اختلفا في شرط في العقد كالأجل‌ ، أو اختلفا في قدر الأجل ، أو اختلفا في الخيار وعدمه ، أو قدر مدّته ، أو اختلفا في اشتراط الرهن أو قدره ، أو في الضمان بالمال أو بالعهدة ، قدّم قول منكر ذلك كلّه - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٣) - لأنّ المشتري تمسّك بأصالة العدم ، فيقدّم قوله ، عملاً بأصالة النفي. ولأنّه اختلاف في شرط يلحق بالعقد ، فلم يتحالفا ، كما لو اختلفا في العيب أو شرط البراءة.

وقال الشافعي : يتحالفان في جميع ذلك ؛ عملاً بالقياس ، وهو أنّهما اختلفا في صفة العقد القائم بينهما ، وليس معهما بيّنة ، فيقضى بالتحالف ، كما لو اختلفا في الثمن(٤) .

والقياس عندنا باطل لا يجوز التعويل عليه ، مع أنّ الحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم.

مسالة ٦٠٥ : قد بيّنّا أنّ التحالف يثبت في كلّ موضع يحصل لكلٍّ من المتنازعين أن يكون مدّعياً على الآخر ومنكراً لدعوى الآخر.

____________________

(١و٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ - ٢٣١.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٣١ ، المغني ٤ : ٢٩١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢١.

(٤) الوجيز ١ : ١٥٢ - ١٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ - ٢٣١ ، المغني ٤ : ٢٩١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢١.

٨٩

وقال الشافعي : يجري التحالف في كلّ عقود المعاوضات ، ولا يختصّ بالبيع ، كالسَّلَم والإجارة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح عن دم العمد والخلع والصداق والكتابة ؛ طرداً للمعنى. ثمّ في البيع ونحوه ينفسخ العقد بعد التحالف أو يفسخ ويترادّان ، كما سيأتي. أمّا الصلح عن الدم فلا يعود الاستحقاق ، بل أثر التحالف الرجوع إلى الدية [ وكذلك لا يرتدّ ](١) البضع ، ولكن في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل ، وفي الخلع الزوج(٢) (٣) .

قال الجويني : أيّ معنى للتحالف في القراض؟ مع أنّه جائز وكلّ واحد منهما بسبيل من فسخه بكلّ حال. وأيّد ذلك بأنّ بعض الشافعيّة مَنَع من التحالف في البيع في زمن الخيار ؛ لإمكان الفسخ بسبب الخيار.

ثمّ أجاب بأنّ التحالف ما وُضع للفسخ ، ولكن عُرضت الأيمان رجاء أن ينكل الكاذب ، ويتقرّر العقد بيمين الصادق ، فإذا لم يتّفق ذلك وأصرّا ، فُسخ العقد للضرورة.

والوجه : أنّ في القراض تفصيلاً ، وهو : أنّ التحالف قبل الخوض في العمل لا معنى له ، وأمّا بعده فالنزاع يؤول إلى مقصود من ربح أو اُجرة مثل ، فيتحالفان. والجعالة كالقراض(٤) .

والأصل عندنا ما قدّمناه من الضابط ، وهو التحالف مع ادّعاء كلٍّ منهما‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س » : « ولذلك لا يزيل ». وفي « ي » : « ولذلك يريد ».

وفي الطبعة الحجريّة : « وذلك لا يزيد ». والكلّ غلط ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) أي : وفي الخلع يرجع الزوج إلى مهر المثل.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣١ - ٢٣٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

٩٠

على صاحبه ما ينفيه الآخر. وإن كان الادّعاء من طرفٍ واحد ، حلف المنكر.

مسالة ٦٠٦ : لو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : بل وهبتنيه‌ ، حلف كلّ واحد منهما على نفي ما يدّعيه صاحبه ، وبه قال الشافعي ، وقال : إنّه لا تحالف هنا(١) ، لأنّ التحالف عنده ليس أن يحلف كلّ منهما على نفي دعوى الآخر ، كما قلناه نحن ، بل ما يأتي(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإذا حلفا ، كان على مدّعي الهبة ردّه بزوائده ؛ لأنّ البائع إنّما ملّكه العين بزوائدها لو سلم له الثمن.

وقال بعض الشافعيّة : القول قول مدّعي الهبة ؛ لأنّه مالك باتّفاقهما ، وصاحبه يدّعي عليه مالاً ، والأصل براءة ذمّته(٣) .

وقال بعضهم : إنّهما يتحالفان(٤) .

ولو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : بل وهبتنيه على الألف ، حلف كلٌّ منهما على نفي ما يدّعيه صاحبه ، وردّ الألف واستردّ العين.

ولو قال : رهنتكه(٥) على ألف استقرضتها منك ، فقال : بل بعتنيه بألف ، قدّم قول المالك مع يمينه ، وتردّ الألف ، ولا يمين على الآخر ، ولا يكون رهناً ؛ لأنّه لا يدّعيه ، وبذلك قال الشافعي(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

(٢) في ص ٩٥ ، المسألة ٦١١.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وهبتكه » بدل « رهنتكه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

٩١

مسالة ٦٠٧ : هذا كلّه فيما إذا اتّفقا على وقوع عقدٍ صحيح بينهما‌ ، أمّا لو اختلفا من غير الاتّفاق على عقدٍ صحيح بأن يدّعي أحدهما صحّةَ العقد والآخر فسادَه - كما لو قال : بعتك بألف ، فقال المشتري : بل بألف وزقِّ(١) خمر ، أو قال أحدهما : شرطنا في العقد خياراً مجهولاً أو غيره من الشروط المبطلة ، وأنكر الآخر - فلا تحالف ، ويقدّم قول مدّعي الصحّة - وهو أحد قولي الشافعي(٢) - لأنّ الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحّة ، ولهذا يحكم بصحّة البيع لو ادّعى المشتري حرّيّة العبد المبيع ، وقال المالك : بل هو عبد ، تصحيحاً للعقد.

وكذا مَنْ شكّ بعد الصلاة هل ترك ركناً منها أم لا ، فإنّه يحكم بصحّة صلاته بناءً على أصالة الصحّة.

والقول الثاني : أنّه يقدّم قول مَنْ يدّعي فساد العقد مع يمينه ؛ لأنّ الأصل عدم العقد الصحيح وبقاء الملك للمالك ، فصار كما لو اختلفا في أصل البيع(٣) .

ويعارض بأنّ الأصل عدم العقد الفاسد أيضاً ، لكن قد وقع العقد بينهما قطعاً ، والأصل الصحّة.

قال القفّال : الأصل المأخوذ فيمن قال : لفلان عليَّ ألف من ثمن خمر ، هل يؤخذ بأوّل كلامه أم يقبل قوله : من ثمن خمر؟ إن قلنا بالثاني ،

____________________

(١) الزِّقُّ : السقاء ، أو الذي تنقل فيه الخمر. لسان العرب ١٠ : ١٤٣ « زقق ».

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٢.

٩٢

فالقول قول مدّعي الفساد. وإن قلنا بالأوّل ، فالقول قول مدّعي الصحّة(١) .

ولو قال : بعتك بألف ، فقال : بل بخمر ، أو بثمن مجهول ، فالقول قول مدّعي الصحّة كما قلنا.

وبعض الشافعيّة قال : إنّ فيه طريقين ، أحدهما : طرد الوجهين. والثاني : القطع بالفساد ، لأنّه لم يقرّ بشي‌ء ملزم(٢) (٣) .

وعلى قول مدّعي الصحّة لو قال : بعتك بألف ، فقال : بل بخمسمائة وزقّ خمر ، وحلف البائع على نفي سبب الفساد ، صدّق فيه ، ويبقى التنازع في قدر الثمن ، فيكون القول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة باقيةً ، وقول المشتري إن كانت تالفةً.

وعند الشافعي يتحالفان(٤) .

مسالة ٦٠٨ : لو اشترى عبداً وسلّمه إلى المشتري‌ ، ثمّ جاءه بعبد ويُريد ردَّه بعيبٍ فيه ، فقال البائع : هذا ليس عبدي الذي ابتعته وقبضته منّي ، وادّعى المشتري أنّه هو ، قدّم قول البائع ؛ لأصالة براءة الذمّة ، والرادّ يريد الفسخ ، والأصل مضيّه على السلامة.

ولو فرض ذلك في السَّلَم أو قال : ليس هذا على الوصف الذي أسلمت إليك ، فيه وجهان للشافعيّة :

أحدهما : أنّ القول قول الـمُسْلَم إليه مع يمينه ، كما أنّ القول قول‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لأنّه لم يفسّر بشي‌ء يلتزم ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » ونحوه في « التهذيب » للبغوي.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩ ، وانظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٥ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

٩٣

البائع.

وأصحّهما : أنّ القول قول الـمُسْلَم ؛ لأنّ اشتغال الذمّة بمال السّلم معلوم ، والبراءة غير معلومة.

ويفارق صورة البيع ، لأنّهما اتّفقا على قبض ما ورد عليه الشراء ، وتنازعا في سبب الفسخ ، والأصل استمرار العقد.

والوجهان جاريان في الثمن في الذمّة أنّ القول قول الدافع أو القابض؟(١)

وعن ابن سريج وجه ثالث : الفرق بين ما يمنع صحّة القبض ، وبين العيب الذي لا يمنعها ، فإذا كان الثمن دراهم في الذمّة وفُرض هذا النزاع وكان ما أراد البائع ردّه زيوفاً ولم يكن ورقاً ، فالقول قول البائع ؛ لإنكار أصل القبض الصحيح. وإن كانت ورقاً لكنّها رديئة كخشونة الجوهر أو اضطراب السكّة ، فالقول قول المشتري ، لأنّ أصل القبض قد تحقّق ، ولو رضي به ، لوقع المقبوض عن الاستحقاق(٢) .

ولا يخفى مثل هذا التفصيل في الـمُسْلَم فيه.

ويمكن أن يقال : المعنى الفارق في الـمُسْلَم فيه ظاهر ، لأنّ الاعتياض عنه غير جائز ، لكن في الثمن لو رضي بالمقبوض ، لوقع عن الاستحقاق وإن لم يكن ورقاً إذا كانت له قيمة ؛ لأنّ الاستبدال عن الثمن جائز.

ولو كان الثمن معيّنا ، فهو كالمبيع ، فإذا وقع فيه هذا الاختلاف ، قدّم قول المشتري مع يمينه.

لكن لو كان المعيّن نحاساً لا قيمة له ، فالقول قول الرادّ ؛ لأنّه يدّعي‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

٩٤

بقاء ملكه وفساد العقد ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

مسالة ٦٠٩ : لو قبض المبيع أو الـمُسْلَم فيه بالكيل أو الوزن ثمّ ادّعى النقصان ، قال أصحابنا : إن كان حاضراً عند الكيل أو الوزن ، لم يلتفت إليه ، وقدّم قول الآخر مع اليمين ، إذ العادة تقضي باستظهاره واحتياطه في القبض. وإن لم يحضرهما ، قدّم قوله مع اليمين ، لأصالة عدم القبض.

وقال الشافعي : إن كان النقصان قدر ما يقع مثله في الكيل والوزن ، قبل ، وإلاّ فقولان :

أحدهما : أنّ القول قول القابض مع يمينه ، لأصالة بقاء حقّه ، وبه قال أبو حنيفة.

والثاني : أنّ القول قول الدافع مع يمينه ؛ لأنّهما اتّفقا على القبض ، والقابض يدّعي الخطأ فيه ، فيحتاج إلى البيّنة ، كما لو اقتسما ثمّ ادّعى أحدهما الخطأ ، يحتاج إلى البيّنة ، وبه قال مالك(٢) .

ويحتمل عندي التفصيل ، وهو أن يقال : إن كان العقد يبطل بعدم القبض ، فالقول قول من يدّعي التمام ، وإلّا قُدّم قول مدّعي النقصان.

ولو اختلف المتبايعان في القبض ، فالقول قول المشتري.

مسالة ٦١٠ : لو باع عصيراً وأقبضه ثمّ وجد خمراً‌ ، فقال البائع : تخمّر في يدك والقبض صحيح ، وقال المشتري : بل سلّمته خمراً والقبض فاسد ، وأمكن الأمران جميعاً ، احتمل تقديم قول البائع ؛ لأصالة عدم الخمريّة ، وبقاء الحلاوة ، وصحّة البيع والقبض ، وبراءة الذمّة. وتقديم قول المشتري ؛ لأصالة عدم القبض الصحيح.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

٩٥

وللشافعي قولان(١) كهذين الاحتمالين.

والأقوى عندي الأوّل.

ولو قال أحدهما : إنّه كان خمراً عند البيع ، فهو يدّعي فساد العقد والآخر يدّعي صحّته. وقد تقدّم حكمه.

ولو باعه لبناً أو دهناً في ظرف ثمّ وجد فيه فأرة وتنازعا في نجاسته عند القبض أو عند البيع أو بعدهما ، فعندنا قُدّم قول البائع ؛ لأصالة الطهارة.

وللشافعي الوجهان(٢) .

ولو قال المشتري : بعت العبد بشرط أنّه كاتب ، وأنكر البائع ، قُدّم قول البائع ، لأصالة عدم الاشتراط ، وبراءة الذمّة ، كما لو اختلفا في العيب ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّهما يتحالفان كما لو اختلفا في الأجل أو الخيار(٣) (٤) .

والأصل ممنوع على ما مرّ.

ولو كان الثمن مؤجّلا فاختلفا في انقضاء الأجل ، فالأصل بقاؤه.

المطلب الثاني : في كيفيّة اليمين.

مسالة ٦١١ : التحالف عند الشافعي أن يحلف كلّ واحد من المتعاقدين على إثبات ما يقوله ونفي ما يقوله صاحبه(٥) .

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الجيد » بدل « الخيار » والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

(٥) الوسيط ٣ : ٢١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٤.

٩٦

وأمّا نحن فلا نشترط الحلف على الإثبات ، بل يحلف كلٌّ منهما على نفي ما يدّعيه الآخر ، فإذا قال : بعتك هذا العبد بألف ، وقال المشتري : بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد ، ولا بيّنة ، حلف البائع أنّه ما باع الجارية ، وحلف المشتري أنّه ما اشترى العبد.

ولا يجب على واحدٍ منهما الجمع بين النفي والإثبات كما قلناه ، خلافاً للشافعي(١) ، ولا يكون هذا تحالفاً ، بل يحلف كلٌّ منهما على النفي.

فإذا حلف البائع : أنّه ما باع الجارية ، بقيت على ملكه كما كانت ، وانتزعها من يد المشتري إن كانت في يده ، وجاز له التصرّف فيها.

وإذا حلف المشتري أنّه ما اشترى العبد ، فإن كان العبد في يده ، لم يكن للبائع مطالبته به ، لأنّه لا يدّعيه. وإن كان في يد البائع ، فإنّه لا يجوز له التصرّف فيه ؛ لأنّه معترف بأنّه للمشتري ، وأنّ ثمنه في ذمّته.

إذا تقرّر هذا ، فإن كان البائع قد قبض الثمن ، فإنّه يردّه على المشتري ، ويأخذ العبد قصاصاً ، ويجوز له بيعه بقدر الثمن. وإن لم يكن قبضه ، أخذ العبدَ قصاصاً أيضاً ، أو باعه بذلك الثمن. ولو زاد الثمن ، فهو مال لا يدّعيه الآن أحد.

مسالة ٦١٢ : الأقرب : انّه يبدأ بيمين من ادّعي عليه أوّلاً‌ ، فإن كان البائع قد ادّعى بيع العبد منه وأنكر المشتري وقال : إنّما اشتريت الجارية ، حلف المشتري على نفي شراء العبد ، ثمّ حلف البائع على نفي شراء الجارية.

وإن كان المشتري قد ادّعى أوّلا ، فقال : إنّي اشتريت هذه الجارية ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢١١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

٩٧

فقال البائع : لم أبعه الجارية ، بل العبد ، قُدّم يمين البائع ، فإذا حلف على أنّه ما باع الجارية ، حلف المشتري أنّه لم يشتر العبد.

وللشافعي قولان : قال في البيع : إنّه يُبدأ بيمين البائع. وفي السَّلَم :

بالمسلم إليه. وفي الكتابة : بالسيّد(١) . وهذه الأقوال متوافقة.

وقال في الصداق : إنّه يبدأ بالزوج(٢) . وهو يخالف سائر الأقوال السابقة ؛ لأنّ الزوج يشبه المشتري.

وقال في الدعاوي : إنّه إن بدئ بيمين البائع ، خُيّر المشتري. وإن بدئ بيمين المشتري ، خُيّر البائع(٣) . وهذا يشعر بالتسوية والتخيير.

فقال أصحابه : إنّ في ذلك طريقين أظهرهما : أنّ المسألة على ثلاثة أقوال :

أظهرها : أنّ البداءة بالبائع - وبه قال أحمد بن حنبل - لما رووه من قوله ٧ : « فالقول ما قال البائع والمبتاع بالخيار ، أو يتتاركان ، أو يترادّان »(٤) .

ولأنّ جانب البائع أقوى ، فإنّهما إذا تحالفا ، عاد المبيع إليه ، فكان أقوى ، كما أنّ صاحب اليد أقوى من غيره. ولأنّ ملك البائع على الثمن يتمّ‌

____________________

(١و٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ / ٢١٨٦ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٥ / ٣٥١١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٧٠ / ١٢٧٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٠ / ٦٣ و ٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٠ ، مسند أحمد ٢ : ٥٦ / ٤٤٣٠ - ٤٤٣٣ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٢٢٧ / ٨٩٦ و ٨٩٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٢ : ٢١٥ / ١٠٣٦٥.

٩٨

بالعقد ، وملك المشتري على المبيع لا يتمّ بالعقد.

والثاني : أنّه يبدأ بالمشتري - وبه قال أبو حنيفة - لأنّه مدّعى عليه زيادة ثمن ، والأصل براءة ذمّته عنها ، فاليمين في جنبه أقوى. ولأنّه إذا نكل ، وجب الثمن الذي ادّعاه البائع ، وانفصل الحكم ، وما كان أقرب إلى فصل الحكم بدئ به.

والثالث : أنّه لا يبدأ بيمين أحدهما ، بل يتساويان ؛ فإنّ كلّ واحد منهما مُدّعٍ ومدّعى عليه ، فقد تساويا ، فلا ترجيح. وعلى هذا فوجهان :

أظهرهما : أنّه يتخيّر الحاكم في ذلك ، فيبدأ بيمين من اتّفق.

والثاني : أنّه يقرع بينهما ، كما يقرع بين المتسابقين إلى المباح.

والطريق الثاني : القطع بأنّ البداءة بالبائع قولاً واحداً.

والذي قاله الشافعي في الصداق بأنّ الزوج يجري مجرى البائع ؛ لأنّ البُضْع يكون ملكه بعد فسخ الصداق ، كما يكون المبيع ملك البائع بعد فسخ البيع بالتحالف.

والذي قاله في الدعاوي والبيّنات فإنّما أراد أنّ الحاكم إذا كان يرى ذلك بفعله ، لا أنّه خيّره.

ومَنْ قال بالثاني قطع بأنّ البداءة في اختلاف الزوجين بالزوج ، لـ [وجهين :

أحدهما : ](١) أنّ أثر تحالف الزوجين إنّما يظهر في الصداق دون البُضْع ، والزوج هو الذي ينزل عن الصداق ، فكان كالبائع له.

والثاني : أنّ تقدّم البائع إنّما كان لقوّة جانبه ، لحصول المبيع له بعد‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » من حيث السياق.

٩٩

التحالف ، وفي النكاح يبقى البُضْع للزوج.

وإذا قدّمنا طريقة إثبات الخلاف ، فإن قدّمنا البائع ، لم يخف مَنْ ينزل منزلته في سائر العقود ، وفي الصداق يأتي وجهان :

أحدهما : أنّ البداءة بالمرأة.

والثاني : أنّ البداءة بالزوج.

وإن قدّمنا المشتري ، فالقياس انعكاس الوجهين(١) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ جميع ما ذكرناه للاستحباب - عندهم(٢) - دون الإيجاب.

وأيضاً تقدُّم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضاً بثمن في الذمّة ، فأمّا إذا تبادلا عرضاً بعرض ، فلا وجه إلّا التسوية.

وينبغي أن يخرّج ذلك على أنّ الثمن ما ذا؟ وقد سبق(٣) أنّه الذي تدخل عليه الباء وغير ذلك على ما مضى من الخلاف.

مسالة ٦١٣ : اليمين عندنا واحدة على نفي ما ادّعاه الآخر‌ ، فيحلف البائع أنّه لم يبع بخمسمائة ، ويحلف المشتري أنّه لم يشتر بألف ، لأنّ المدّعي لا يمين عليه ، فكلّ مُدّعٍ منهما لا يحلف على ما ادّعاه ، ويحلف على نفي ما ادّعاه الآخر ثمّ ينفسخ العقدان.

وظاهر قول الشافعي الاكتفاء بيمينٍ واحدة من كلّ واحد من المتعاقدين جامعة بين النفي والإثبات ، فيقول البائع : ما بعت بخمسمائة وإنّما‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨١ - ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥ ، المغني ٤ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٣) في ج ١٠ ص ١٢٣ - ١٢٤ ، الفرع « د » من المسألة ٦٦ ، وج ١١ ص ٣٩٠ ، المسألة ٥٤٤.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الخطاب، عن موسى بن بشار العطار(١) ، عن المسعودي، عن عبدالله بن الزبير، عن أبان بن تغلب والربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم، قالوا: أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الاجفر(٢) إذا نحن برجل يصلي، ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا(٣) في أنفسنا، فجعل يصلي ونحن ندعو عليه، حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلما أتيناه إذا هو أبوعبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام، فنزلنا فصلينا معه، وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه، فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلي؟ فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت(٤) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) كذا في النسخ: وفي الكافي ٢: ٤٦٦/٣ كتاب العشرة، باب ٣، روى موسى بن يسار القطان عن المسعودي، فالظاهر إتحاده مع ما هنا ووقوع التحريف في أحد الموضعين.

(٢) الاجفر: موضع بين فيد والخزيمية، بينه وبين فيد ستة وثلاثون فرسخا نحو مكة.«معجم البلدان ١: ١٠٢».

(٣) وجد: غضب.

(٤) بحار الانوار ٨٣: ٥٩/١٨.

١٤١

[ ١٩ ]

المجلس التاسع عشر

وهو يوم الجمعة

الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٤٤/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن محمّد بن عيسى وأبي إسحاق النهاوندي، عن عبدالله بن حماد، قال: حدّثنا عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالوا: يا رسول الله: إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت، قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أم أيمن فجاءته، فقال لها: يا أم أيمن، لا أبكى الله عينيك، إن جيرانك أتوني وأخبروني أنك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينيك، ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكى الليل أجمع. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فقصيها على رسول الله، فإن الله ورسوله أعلم. فقالت: تعظم علي أن أتكلم بها. فقال لها: إن الرؤيا ليست على ما ترى، فقصيها على رسول الله.

قالت: رأيت في ليلتي هذه، كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: نامت عينك يا أم أيمن، تلد فاطمة الحسين، فتربينه وتلينه، فيكون بعض أعضائي في بيتك.

١٤٢

فلما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام، فكان يوم السابع، أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فحلق رأسه وتصدق بوزن شعره فضة وعق عنه، ثم هيأته أم أيمن ولفته في برد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم أقبلت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: مرحبا بالحامل والمحمول، يا أم أيمن، هذا تأويل رؤياك(١) .

١٤٥/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن إبراهيم بن رجاء الجحدري، عن عليّ بن جابر، قال: حدثني عثمان بن داود الهاشمي، عن محمّد بن مسلم، عن حمران بن أعين، عن أبي محمّد شيخ لاهل الكوفة، قال: لما قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام أسر من معسكره غلامان صغيران، فأتي بهما عبيد الله بن زياد، فدعا سجانا له، فقال: خذ هذين الغلامين إليك، فمن طيب الطعام فلا تطعمهما، ومن البارد فلا تسقهما، وضيق عليهما سجنهما، وكان الغلامان يصومان النهار، فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح(٢) .

فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة، قال أحدهما لصاحبه: يا أخي، قد طال بنا مكثنا، ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا، وتقرب إليه بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم لعله يوسع علينا في طعامنا، ويزيد في شرابنا.

فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح، فقال له الغلام الصغير: يا شيخ، أتعرف محمّدا؟ قال: فكيف لا أعرف محمّدا وهو نبيي! قال: أفتعرف جعفر بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف جعفرا، وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء! قال: أفتعرف عليّ بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف عليا، وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي! قال له: يا شيخ، فنحن من عترة

______________

(١) بحار الانوار ٤٣: ٢٤٢/١٥.

(٢) القراح من كل شئ: الخالص.

١٤٣

نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب، بيدك أسارى، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا، ومن بارد الشراب فلا تسقينا، وقد ضيقت علينا سجننا، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، هذا باب السجن بين يديكما مفتوح، فخذا أي طريق شئتما، فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح ووقفهما على الطريق، وقال لهما: سيرا - يا حبيبي - الليل، واكمنا النهار حتى يجعل الله عزّوجلّ لكما من أمركما فرجا ومخرجا. ففعل الغلامان ذلك.

فلما جنهما الليل، انتهيا إلى عجوز على باب، فقالا لها: يا عجوز، إنا غلامان صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت لهما: فمن أنتما يا حبيبي، فقد شممت الروائح كلها، فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما، فقالا لها: يا عجوز، نحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل.

قالت العجوز: يا حبيبي، إن لي ختنا(١) فاسقا، قد شهد الواقعة مع عبيد الله بن زياد، أتخوف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما. قالا: سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت: سأتيكما بطعام، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا.

فلما ولجا الفراش قال الصغير للكبير: يا أخي، إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه، فتعال حتى أعانقك وتعانقني وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق الموت بيننا. ففعل الغلامان ذلك، واعتنقا وناما.

فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا، فقالت العجوز: من هذا؟ قال: أنا فلان. قالت: ما الذي أطرقك هذه الساعة، وليس هذا لك بوقت؟ قال: ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي، جهد البلاء قد نزل بي. قالت: ويحك ما الذي نزل بك؟ قال: هرب غلامان صغيران من

______________

(١) الختن: كل من كان من قبل المرأة كأبيها وأخيها، وكذلك زوج البنت أو زوج الاخت.

١٤٤

عسكر عبيد الله بن زياد، فنادى الامير في معسكره: من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم، ومن جاء برأسيهما فله ألفا درهم، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شئ.

فقالت العجوز: يا ختني، احذر أن يكون محمّد خصمك في يوم القيامة. قال لها: ويحك إن الدنيا محرص عليها. فقالت: وما تصنع بالدنيا، وليس معها آخرة؟ قال: إني لاراك تحامين عنهما، كأن عندك من طلب الامير شيئا، فقومي فإن الامير يدعوك. قالت: وما يصنع الامير بي، وإنما أنا عجوز في هذه البرية؟ قال: إنما لي طلب، افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما. ففتحت له الباب، وأتته بطعام وشراب فأكل وشرب.

فلما كان في بعض الليل سمع غطيط(١) الغلامين في جوف البيت، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج، ويخور كما يخور الثور، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير، فقال له: من هذا؟ قال: أما أنا فصاحب المنزل، فمن أنتما؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول: قم يا حبيبي، فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره.

قال لهما: من أنتما؟ قالا له: يا شيخ، إن نحن صدقناك فلنا الامان؟ قال: نعم. قالا: أمان الله وأمان رسوله، وذمة الله وذمة رسوله؟ قال: نعم. قالا: ومحمّد بن عبدالله على ذلك من الشاهدين؟ قال: نعم. قالا: والله على ما نقول وكيل وشهيد؟ قال: نعم. قالا له: يا شيخ، فنحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل. فقال لهما: من الموت هربتما، وإلى الموت وقعتما، الحمد لله الذي أظفرني بكما. فقام إلى الغلامين فشد أكتافهما، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين.

فلما انفجر عمود الصبح، دعا غلاما له أسود، يقال له: فليح، فقال: خذ هذين الغلامين، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات، واضرب عنقيهما، وائتني برأسيهما لانطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم.

______________

(١) الغطيط: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم.

١٤٥

فحمل الغلام السيف، ومشى أمام الغلامين، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين: يا أسود، ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! قال: إن مولاي قد أمرني بقتلكما، فمن أنتما؟ قالا له: يا أسود، نحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل: أضافتنا عجوزكم هذه، ويريد مولاك قتلنا. فانكب الاسود على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، والله لا يكون محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصمي في القيامة. ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية، وطرح نفسه في الفرات، وعبر إلى الجانب الآخر، فصاح به مولاه: يا غلام عصيتني! فقال: يا مولاي، إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله، فإذا عصيت الله فأنا منك برئ في الدنيا والآخرة.

فدعا ابنه، فقال: يا بني، إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك، والدنيا محرص عليها، فخذ هذين الغلامين إليك، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات، فاضرب عنقيهما وائتني برأسيهما، لانطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم.

فأخذ الغلام السيف، ومشى أمام الغلامين، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين: يا شاب، ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم! فقال: يا حبيبي، فمن أنتما؟ قالا: من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، يريد والدك قتلنا. فانكب الغلام على أقدامهما يقبلهما، وهو يقول لهما مقالة الاسود، ورمى بالسيف ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر، فصاح به أبوه: يا بني عصيتني! قال: لان أطيع الله وأعصيك أحب إلى من أن أعصي الله وأطيعك.

قال الشيخ: لا يلي قتلكما أحد غيري، وأخذ السيف ومشى أمامهما، فلما صار إلى شاطئ الفرات سل السيف من جفنه، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما، وقالا له: يا شيخ، انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا، ولا ترد أن يكون محمّد خصمك في القيامة غدا. فقال: لا، ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم. فقالا له: يا شيخ، أما تحفظ قرابتنا من

١٤٦

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال: ما لكما من رسول الله قرابة. قالا له: يا شيخ، فائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: ما إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قالا له: يا شيخ، أما ترحم صغر سننا؟ قال: ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئا. قالا: يا شيخ إن كان ولا بد، فدعنا نصلي ركعات. قال: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة. فصلى الغلامان أربع ركعات، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا: يا حي يا حليم(١) يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.

فقام إلى الاكبر فضرب عنقه، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة، وأقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه، وهو يقول: حتى ألقى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا مختضب بدم أخي. فقال: لا عليك سوف ألحقك بأخيك، ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه، وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة، ورمى ببدنيهما في الماء، وهما يقطران دما.

ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد وهو قاعد على كرسي له، وبيده قضيب خيزران، فوضع الرأسين بين يديه، فلما نظر إليهما قام ثم قعد ثم قام ثم قعد ثلاثا، ثم قال: الويل لك، أين ظفرت بهما؟ قال: أضافتهما عجوز لنا. قال: فما عرفت لهما حق الضيافة؟ قال: لا.

قال: فأي شئ قالا لك؟ قال: قالا: يا شيخ، اذهب بنا إلى السوق فبعنا وانتفع بأثماننا فلا ترد أن يكون محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصمك في القيامة. قال: فأي شئ قلت لهما؟ قال: قلت: لا، ولكن أقتلكما وأنطلق برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم.

قال: فأي شئ قالا لك؟ قال: قالا: ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: فأي شئ قلت؟ قال: قلت: ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قال: أفلا جئتني بهما حيين، فكنت أضعف لك الجائزة، وأجعلها أربعة آلاف درهم؟

______________

(١) في نسخة: يا حكيم. وكذا في الموضع الآتي.

١٤٧

قال: ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرب إليك بدمهما.

قال: فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قال لي: يا شيخ، احفظ قرابتنا من رسول الله. قال: فأي شئ قلت لهما. قال: قلت: ما لكما من رسول الله قرابة.

قال: ويلك، فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قالا: يا شيخ، ارحم صغر سننا. قال: فما رحمتهما؟ قال: قلت: ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا.

قال: ويلك، فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قالا: دعنا نصلي ركعات. فقلت: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة، فصلى الغلامان أربع ركعات. قال: فأي شئ قالا في آخر صلاتهما؟ قال: رفعا طرفيهما إلى السماء، وقالا: يا حي يا حليم، يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.

قال عبيد الله بن زياد: فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم، من للفاسق؟ قال: فانتدب له رجل من أهل الشام، فقال: أنا له. قال: فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين، فاضرب عنقه، ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه، ففعل الرجل ذلك، وجاء برأسه فنصبه على قناة، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة وهم يقولون: هذا قاتل ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) بحار الانوار ٤٥: ١٠٠/١.

١٤٨

[ ٢٠ ]

المجلس العشرون

مجلس يوم الثلاثاء

لأربع ليال بقين من شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٤٦/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا جعفر بن الحسن، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن محمّد بن عليّ السلمي، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل، عن جابر بن عبدالله الانصاري، أنه قال: لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول في علي خصالا، لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا:

قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني كهارون من موسى.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني وأنا منه.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي حجة الله وخليفته على عباده.

١٤٩

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حب علي إيمان، وبغضه كفر.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي قسيم الجنة والنار.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عزّوجلّ.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(١) .

١٤٧/٢ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أبوجعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول القاضي في داره بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عليّ بن يزيد الصدائي، عن أبي شيبة الجوهري، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم(٢) .

١٤٨/٣ - حدّثنا أحمد بن زياد رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد البرمكي، قال: حدّثنا أبوالصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعليّ بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الاسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته كأنه قد ألقم حجرا، قام إليه عليّ بن محمّد بن الجهم، فقال له: يا بن رسول الله، أتقول بعصمة الانبياء؟ قال: بلى. قال: فما تعمل في قول الله عزّوجلّ:( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) (٣) ، وقوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ

______________

(١) الخصال: ٤٩٦/٥، بشارة المصطفى: ١٩، بحار الانوار ٣٨: ٩٥/١١.

(٢) الخصال: ٣٢١/٥، بحار الانوار ٦٩: ٣٧٢/١٦، و ٧٧: ١١٣/٥.

(٣) طه ٢٠: ١٢١.

١٥٠

مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (١) ، وقوله في يوسف:( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) (٢) ، وقوله عزّوجلّ في داود:( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ) (٣) وقوله في نبيه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) (٤) . فقال مولانا الرضا عليه السلام: ويحك - يا علي - اتق الله، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأول كتاب الله عزّوجلّ برأيك، فإن الله عزّوجلّ يقول:( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٥) . أما قوله عزّوجلّ في آدم عليه السلام:( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) فإن الله عزّوجلّ خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده، لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض تتم مقادير أمر الله عزّوجلّ، فلما أهبط إلى الارض وجعل حجة وخليفة، عصم بقوله عزّوجلّ:( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٦) . وأما قوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنما ظن أن الله عزّوجلّ لا يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ:( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) (٧) أي ضيق عليه، ولو ظن أن الله تبارك وتعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر. وأما قوله عزّوجلّ في يوسف:( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) فإنها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته، لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها

______________

(١) الانبياء ٢١: ٨٧.

(٢) يوسف ١٢: ٢٤.

(٣) سورة ص ٣٨: ٢٤.

(٤) الاحزاب ٣٣: ٣٧.

(٥) آل عمران ٣: ٧.

(٦) آل عمران ٣: ٣٣.

(٧) الفجر ٨٩: ١٦.

١٥١

والفاحشة، وهو قوله:( كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ) يعني القتل( وَالْفَحْشَاءَ ) (١) يعني الزنا.

وأما داود، فما يقول من قبلكم فيه؟ فقال عليّ بن الجهم: يقولون: إن داود كان في محرابه يصلي، إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره، فطار الطير إلى السطح، فصعد في طلبه، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان(٢) ، فاطلع داود في أثر الطير، فإذا بامرأة أوريا تغتسل، فلما نظر إليها هواها، وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته، فكتب إلى صاحبه: أن قدم أوريا أمام الحرب، فقدم فظفر أوريا بالمشركين، فصعب ذلك على داود، فكتب إليه ثانية: أن قدمه أمام التابوت، فقتل أوريا رحمه الله، وتزوج داود بامرأته.

قال: فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته، حتى خرج في أثر الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل!

فقال: يا بن رسول الله، فما كانت خطيئته؟ فقال: ويحك، إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عزّوجلّ خلقا هو أعلم منه، فبعث الله عزّوجلّ إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا:( خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ، إِنَّ هَـٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه، فقال:( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ) (٣) ، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة حكمه، لا ما ذهبتم

______________

(١) يوسف ١٢: ٢٤.

(٢) في نسخة: حيان، وفي اخرى: جنان.

(٣) سورة ص ٣٨: ٢٢ - ٢٤.

١٥٢

إليه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ يقول:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) (١) إلى آخر الآية؟

فقلت: يا بن رسول الله، فما قصته مع أوريا؟ فقال الرضا عليه السلام: إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا، وأول من أباح الله عزّوجلّ له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود عليه السلام، فذلك الذي شق على (الناس من قبل)(٢) أوريا.

وأمّا محمّد نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم وقول الله عزّوجلّ له:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) فإن الله عزّوجلّ عرف نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم أسماء أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه في الآخرة، وأنهن أمهات المؤمنين، وأحد من سمى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى صلّى الله عليه وآله وسلّم اسمها في نفسه ولم يبده(٣) ، لكيلا يقول أحد من المنافقين: إنه قال في امرأة في بيت رجل إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين، قال الله عزّوجلّ:( وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) في نفسك، وإن الله عزّوجلّ ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وفاطمة من علي عليهما السلام.

قال: فبكى عليّ بن الجهم، وقال: يا بن رسول الله، أنا تائب إلى الله عزّوجلّ أن أنطق في أنبياء الله عزّوجلّ بعد يومي هذا إلا بما ذكرته(٤) .

١٤٩/٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر محمّد بن علي، عن أبيه زين العابدين عليّ بن الحسين، عن أبيه سيد

______________

(١) سورة ص ٣٨: ٢٦.

(٢) أثبتناه من العيون.

(٣) زاد في نسخة: له.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٩١/١، بحار الانوار ١١: ٧٢/١.

١٥٣

الشهداء الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خطبنا ذات يوم، فقال: أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الايام، وليا له أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابة، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عزّوجلّ فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه.

أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أو زاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس، من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه.

فقيل: يا رسول الله، وليس كلنا يقدر على ذلك. فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء.

أيها الناس، من حسن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله

١٥٤

عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.

أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقمت فقلت: يا رسول الله، ما أفضل الاعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن، أفضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّوجلّ، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟

فقال: يا علي، أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك، وقد انبعث أشقى الاولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك.

ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني، لانك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك، واصطفاني وإياك، فاختارني للنبوة، واختارك للامامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي.

يا علي، أنت وصيي، وأبو ولدي، وزوج ابنتي، وخليفتي على امتي في حياتي وبعد مماتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية، إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره وخليفته على عباده(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٩٥/٥٣، فضائل الاشهر الثلاثة: ٧٧/٦١، بحار الانوار ٩٦: ٣٥٦/٢٥.

١٥٥

[ ٢١ ]

المجلس الحادي والعشرون

مجلس يوم الجمعة

سلخ شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٥٠/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عمر البغدادي الحافظ، قال: حدّثنا عبدالله بن يزيد، قال: حدّثنا محمّد بن ثواب، قال: حدّثنا إسحاق بن منصور، عن كادح - يعني أبا جعفر البجلي -، عن عبدالله بن لهيعة، عن عبد الرحمن - يعني ابن زياد -، عن سلمة بن يسار، عن جابر بن عبدالله، قال: لما قدم علي عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفتح خيبر، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملا إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وإنك تبرئ، ذمتي وتقاتل على سنتي، وإنك غدا على الحوض خليفتي، وإنك أول من يرد علي الحوض، وإنك أول من يكسى معي، وإنك أول داخل الجنة من أمتي، وإن شيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم، يكونون غدا في الجنة جيراني، وإن حربك حربي، وسلمك سلمي، وإن سرك سري، وعلانيتك علانيتي، وإن سريرة صدرك كسريرتي، وإن ولدك ولدي، وإنك

١٥٦

تنجز عداتي، وإن الحق معك، وإن الحق على لسانك وقلبك وبين عينيك، الايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وإنه لن يرد علي الحوض مبغض لك، ولن يغيب عنه محب لك حتى يرد الحوض معك.

قال: فخر علي عليه السلام ساجدا، ثم قال: الحمد لله الذي أنعم علي بالاسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين، إحسانا منه وفضلا منه علي. قال: فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي(١) .

١٥١/٢ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا العباس بن الفضل المقرئ، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن الفرات الاصبهاني، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد البصري، قال: حدّثنا جندل بن والق، قال: حدّثنا عليّ بن حماد، عن سعيد، عن ابن عباس: أنه مر بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال لقائده: ما يقول هؤلاء؟ قال: يسبون عليا. قال: قربني إليهم، فلما أن أوقف عليهم، قال: أيكم الساب الله؟ قالوا: سبحان الله! من يسب الله فقد أشرك بالله. قال: فأيكم الساب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قالوا: من يسب رسول الله فقد كفر. قال: فأيكم الساب عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: قد كان ذلك. قال: فأشهد بالله وأشهد لله، لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عزّوجلّ، ثم مضى.

فقال لقائده: فهل قالوا شيئا حين قلت لهم ما قلت؟ قال: ما قالوا شيئا. قال: كيف رأيت وجوههم؟ قال:

نظروا إليك بأعين محمرة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

قال: زدني فداك أبوك. قال:

خزر الحواجب، ناكسو أذقانهم

نظر الذليل إلى العزيز القاهر

قال: زدني فداك أبوك. قال: ما عندي غير هذا. قال: لكن عندي.

______________

(١) إعلام الورى: ١٨٦، بشارة المصطفى: ١٥٥، بحار الانوار ٣٩: ١٨.

١٥٧

أحياؤهم خزي على أمواتهم

والميتون فضيحة للغابر(١)

١٥٢/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: سمعته يقول: من صلى أربع ركعات بمائتي مرة( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) في كل ركعة خمسين مرة، لم ينفتل وبينه وبين الله عزّوجلّ ذنب إلا غفر له(٢) .

١٥٣/٤ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: ما من عبد يقول كل يوم سبع مرات: أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار، إلا قالت النار: يا رب أعذه مني(٣) .

١٥٤/٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، عن معاذ ابن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه(٤) .

١٥٥/٦ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن جعفر الازدي، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: من قرأ آية الكرسي مرة، صرف الله عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا وألف مكروه من مكروه الآخرة،

______________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٢٢١، فرائد السمطين ١: ٣٠٢/٢٤١، كفاية الطالب: ٨٢، كشف الغمة ١: ١٠٩، بحار الانوار ٣٩: ٣١١/١.

(٢) ثواب الاعمال: ٤٠، بحار الانوار ٩١: ١٧١/٢، ٣.

(٣) بحار الانوار ٨٧: ١/١.

(٤) الخصال: ٢٠/٧١، بحار الانوار ٧١: ٤١٦/٣٨.

١٥٨

أيسر مكروه الدنيا الفقر، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر(١) ؟

١٥٦/٧ - حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن مدرك بن الهزهاز، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا مدرك، رحم الله عبدا اجتر مودة الناس إلينا، فحدثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرون(٢) .

١٥٧/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن داود عليه السلام خرج ذات يوم يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا جاوبه، فما زال يمر حتى انتهى إلى جبل، فإذا على ذلك الجبل نبي عابد، يقال له: حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وأصوات السباع والطير، علم أنه داود عليه السلام، فقال داود: يا حزقيل، أتأذن لي فأصعد إليك. قال: لا. فبكى داود عليه السلام، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا حزقيل: لا تعير داود، وسلني العافية، فقام حزقيل، فأخذ بيد داود فرفعه إليه، فقال داود: يا حزقيل: هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا. قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزّوجلّ؟ قال: لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها؟ قال: بلى، ربما عرض بقلبي. قال: فماذا تصنع إذا كان ذلك؟ قال: ادخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه.

قال: فدخل داود عليه السلام ذلك الشعب، فإذا سرير من حديد، عليه جمجمة بالية وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة، فقرأها داود عليه السلام فإذا هي: أنا أروى شلم(٣) ، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، فكان آخر

______________

(١) بحار الانوار ٩٢: ٢٦٢/١.

(٢) الخصال: ٢٥/٨٩، بحار الانوار ٢: ٦٥/٤.

(٣) في نسخة: سلم، وفي اخرى: بن أسلم.

١٥٩

أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والديدان والحيات جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا(١) .

١٥٨/٩ - حدّثنا أحمد بن زياد رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، قال: حدّثنا أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح، تقبل الله منه صيامه. فقيل له: يا بن رسول الله، ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح: إخراج الفطرة(٢) .

١٥٩/١٠ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: أخبرني أحمد ابن محمّد الهمداني، قال: أخبرنا المنذر بن محمّد، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبدالله الكوفي، عن أبيه، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: خطب أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الناس يوم الفطر، فقال: أيها الناس، إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الاجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة أو النار، واعلموا - عباد الله - أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: ابشروا عباد الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون(٣) .

١٦٠/١١ - وقال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام لبعض أصحابه: إذا كان ليلة الفطر، فصل المغرب ثلاثا، ثم اسجد وقل في سجودك، يا ذا الطول، يا ذا الحول،

______________

(١) كمال الدين: ٥٢٤/٦، بحار الانوار ١٤: ٢٥/٣.

(٢) التوحيد: ٢٢/١٦، معاني الاخبار: ٣٢٥/١، بحار الانوار ٩٦: ١٠٣/١، و ٣١٣/٨، وتقدم في المجلس (١٣) الحديث (٦).

(٣) بحار الانوار ٩٠: ٣٦٢/١٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381