نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 411

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 411 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193177 / تحميل: 9570
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

خطوطاً عن يَمينه وشماله، إشارة إلى أن سبيله وسط بين الإِفراط والتفريط كالجبر والقدر، وتلك الخطوط مذاهب أهل الأهواء اثنتين وسبعين فرقة.

فإنْ قلت: ما وثوقك أنك على الصراط المستقيم، فإن كلَّ فرقة تدّعي أنّها عليه؟

قلت: بالنقل عن الثقات المحدّثين، الذين جمعوا صحاح الأحاديث في اُمورهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحواله، وفي أحوال الصحابة، مثل الصحاح الستة التي اتّفق الشرق والغرب على صحتها، وشرّاحها كالخطّابي، والبغوي، والنووي، اتفقوا عليه، فبعد ملاحظته ينظر من الذي تمسّك بهديهم واقتفى أثرهم »(١) .

وكذا قال محمد طاهر الفتني في ( مجمع البحار ) بشرح الحديث المذكور.

وقال المنّاوي بشرح حديث افتراق الاُمّة: « فإنْ قيل: ما وثوقك بأنّ تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة، مع أنّ كلّ واحدٍ من الفرق يزعم أنه هي دون غيره؟

قلنا: ليس ذلك بالادّعاء والتشبث باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم، بل بالنقل على جهابذة أهل الصنعة وأئمة الحديث، الذين جمعوا صحاح الأحاديث في امور المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته، وأحوال الصحب والتابعين، كالشيخين وغيرهما من الثقات المشاهير، الذين اتّفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم، ومن تكلّف باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها، كالخطّابي، والبغوي، والنووي، جزاهم الله خيراً، ومن اقتفى أثرهم واهتدى بسيرتهم في الاُصول والفروع، فيحكم بأنهم هم »(٢) .

____________________

(١). الكاشف في شرح المشكاة - مخطوط.

(٢). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٢٠.

١٤١

أقول: فثبت أنّ حديث « الطير » و« الولاية » وغيرهما ممّا أخرج في صحيح الترمذي وغيره من الكتب الستة، مما اتّفق عليه أهل الشرق والغرب، وحكموا بصحّته

١١ - وقال الشنواني في ( الدرر السنّية فيما علا من الأسانيد الشنوانية ) بعد أن ذكر أسانيد الصحّاح الستّة - ومنها صحيح الترمذي -: « تنبيه: هذه الكتب المذكورة - أعني البخاري وما ذكر بعده - هي الكتب الستّة المشهورة بين المحدثين بالفضل المتين، قالوا: وينبغي لطالب الحديث أنْ يتلقّنها على ترتيبها المذكور: البخاري، فمسلم، فسنن أبي داود، سواء كان ذلك التلقي قراءة منه على شيخه أو سماعاً من شيخه أو إجازة منه، وكذا كتب الأئمة الآتي ذكرها يتلقّى على ترتيبها الآتي ».

أقول: فظهر أن « حديث الطير » من الأحاديث المشهورة بين المحدّثين، ومن الآثار المأثورة الشائعة بين المنقّدين، ومتصف بالفضل المتين والشرف المبين، وينبغي لطالب الحديث أنْ يتلقاه بالقبول، ويعدّ تلقيه أسنى مقصد وأشرف مأمول.

١٢ - وقال محمّد بن إبراهيم الصنعاني المعروف بابن الوزير - بعد أنْ ذكر كلام ابن دحية حول استشهاد الإِمام الحسين السبطعليه‌السلام -: « وفيما ذكره ابن دحية أوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السنة، فيما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التشيّع ليزيد وتصويب قتله الحسين، وكيف! وهذه رواياتهم مفصحة بضدّ ذلك - كما بيّناه - في مسند أحمد، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وأمثالها، وهذه الكتب هي مفزعهم وإلى ما فيها مرجعهم، وهي التي يخضعون لنصوصها ويقصرون التعظيم عليها بخصوصها »(١) .

وقد ترجم الشوكاني لابن الوزير وأثنى عليه الثّناء البالغ(٢) .

____________________

(١). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم: ١١٢.

(٢). البدر الطالع ٢ / ٨١. واُنظر أيضاً: الضوء اللامع ٦ / ٢٧٢.

١٤٢

١٣ - وقال ابن روزبهان في كتابه ( الباطل ): « وليس أخبار الصحاح الستّة مثل أخبار الروافض، فقد وقع إجماع الأئمة على صحتها ».

وقال أيضاً: « وصحاحنا ليس ككتب الشيعة - التي اشتهر عند السنّة أنها من موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام، فعملها وجعلها وديعةً عند الإِمام جعفر الصادق، فلمـّا توفي حسب الناس أنّه من كلامه والله أعلم بحقيقة هذا الكلام، وهذا من المشهورات، ومع هذا لا ثقة لأهل السنّة بالمشهورات، بل لا بدّ من الإِسناد الصحيح حتى تصح الرواية وأمّا صحاحنا فقد اتفق العلماء أنّ كلّ ما عدّ من الصحاح - سوى التعليقات - في الصحاح الستة لو حلف الطِلاق أنه من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو من فعله وتقريره، لم يقع الطلاق ولم يحنث ».

١٤ - وقال معين الدين الشهير بميرزا مخدوم حفيد الشريف الجرجاني في ( نواقض الروافض ): « العاشر: إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي اتفقت الاُمة بقبولها، منها صحيحا البخاري ومسلم، اللذين مرّ ذكرهما رضوان الله عليهما وقد بلغ القدر المشترك مما ذكر في ميامنهما وبركاتهما حدّ التواتر، وصارا في الإسلام رفيقي المصحف الكريم والقرآن العظيم، فهؤلاء من كثرة جهلهم وقلّة حيائهم ينكرون الصحيحين المزبورين وسائر صحاحنا ».

أقول: أليست هذه التشنيعات منطبقةً على ( الدهلوي ) المنكر لحديث « الطير » وحديث « الولاية » المخرّجين في صحيح الترمذي؟!

١٥ - وقال الشاه ولي الله والد ( الدهلوي ): « الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطّأ والصحيحين ولكنّها تتلوها، كان مصنفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث، ولم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، فتلقّاها من بعدهم بالقبول واعتنى بها المحدثون والفقهاء، طبقةً بعد طبقة، واشتهرت فيما بين الناس، وتعلّق بها القوم شرحاً لغريبها وفحصاً عن رجالها واستنباط لفقهها، وعلى تلك الاحاديث بناء عامة

١٤٣

العلوم: كسنن أبي داود، وجامع الترمذي، ومجتبى النسائي، وهذه الكتب - مع الطبقة الأُولى - اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصحاح، وابن الأثير في جامع الاُصول، وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإن الإِمام أحمد جعله أصلاً يعرف به الصحيح والسقيم، قال: وما ليس فيه فلا تقبلوه »(١) .

أقول: فالعجب من ( الدهلوي ) الفخور المختال كيف طاب نفساً لعقوق ( والده ) السابق في مضمار الكمال، فلم يصغ إلى وعظه، ولم يعرّج على ندائه، ولم يحتفل بتصريحه، ولم يكترث بتحقيقه!!

١٦ - بل لقد أورد ( الدهلوي ) كلام والده في كتابه ( اُصول الحديث )، وأيضاً: مَدَحَ الترمذي وأثنى على ( صحيحه ) ورجحه على سائر الكتب من جهات وأورد مدائح القوم له، كقصيدة الأندلسي المتقدمة مسبقاً، في كتابه الآخر ( بستان المحدثين ).

فمن عجائب الْأُمور أنْ يثبت ( الدهلوي ) الجسور هذه المدائح الجليلة لصحيح الترمذي، ثم ينسى ذلك أو يتناسى، ويتساهل ويغفل أو يتغافل، ويكذّب حديث « الطير » و« الولاية » المذكورين في هذا الصحيح، البريء - حسب إفادته - عن الخلل، جرياً في مضمار فاحش الزلل، والله العاصم من دحض الأقدام في القول والعمل.

(٦)

رواية البلاذري

ورواه أحمد بن يحيى البلاذري فقد قال ما نصّه: « المدائني، عن

____________________

(١). حجة الله البالغة: ١٨٤.

١٤٤

المثنى بن أبان، عن أنس قال: كنت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حائط، وبين يديه طائر، فقال: يا رب ائتني بأحبّ الخلق إليَّ يأكل منه فجاء علي فأكل معه »(١) .

ورواه عنه الحافظ ابن شهر آشوب المازندراني في ( مناقب آل أبي طالب ): « روى حديث الطير جماعة، منهم الترمذي في جامعه، وأبو نعيم في حلية الأولياء والبلاذري في تاريخه »(٢) .

ترجمة البلاذري

والبلاذري من مشاهير حفّاظ أهل السنّة، قال الذهبي - بعد أن ترجم لأحمد بن محمّد البلاذري: « قلت: هذا البلاذري الصغير، فأمّا الكبير فإنّه أحمد بن يحيى صاحب التاريخ المشهور، من طبقة أبي داود السجستاني، حافظ أخباري »(٣) .

وكذا قال السيوطي(٤) .

ومن مصادر ترجمة البلاذري ما يلي:

١ - معجم الأدباء ٥ / ٨٩.

٢ - الوافي بالوفيات ٨ / ٢٣٩.

٣ - فوات الوفيات ١ / ١٥٥.

٤ - البداية والنهاية ١١ / ٦٥.

٥ - سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٦٢.

____________________

(١). أنساب الأشراف ٢ / ١٤٢ رقم ١٤١.

(٢). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.

(٣). تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٩٢.

(٤). طبقات الحفّاظ: ٣٦٦.

١٤٥

ترجمة ابن شهرآسوب

١ - الصّلاح الصفدي (١) بقوله: « محمّد بن علي بن شهرآشوب - الثانية بسين مهملة - أبو جعفر السروي المازندراني، رشيد الدين، الشيعي، أحد شيوخ الشيعة، حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين، وبلغ النهاية في اُصول الشيعة، كان يرحل إليه من البلاد، ثمّ تقدّم في علم القرآن والغريب والنحو، ووعظ على المنبر أيّام المقتفي ببغداد فأعجبه وخلع عليه، وكان بهيّ المنظر، حسن الوجه والشيبة، صدوق اللهجة، مليح العبارة، واسع العلم، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد، لا يكون إلّا على وضوء، أثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناءً كثيراً، توفي سنة ٥٨٨ »(٢) .

٢ - السّيوطي : « قال الصفدي: كان مقدَّماً في علم القرآن والغريب والنحو، واسع العلم، كثير العبادة والخشوع. ألّف: الفصول في النحو، أسباب نزول القرآن، متشابه القرآن، مناقب آل أبي طالب، المكنون، المائدة والفائدة في النوادر والفوائد. مات سنة ٥٨٨ »(٣) .

٣ - الداودي : « وكان إمام عصره وواحد دهره، وكذا التأليف، غلب عليه علم القرآن والحديث، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنّة في تصانيفه، في تعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ومتفّقه ومفترقه، إلى غير ذلك من أنواعه »(٤) .

____________________

(١). توجد ترجمته في: الدرر الكامنة ٢ / ٨٧، البدر الطالع ١ / ٢٤٣، شذرات الذهب ٦ / ٢٠٠، طبقات ابن قاضي شهبة ٢ / ٢٤١، طبقات السبكي ٦ / ٩٤.

(٢). الوافي بالوفيات ٤ / ١٤٦.

(٣). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: ٧٧.

(٤). طبقات المفسّرين ٢ / ٢٠١.

١٤٦

وكذا ترجم له ابن حجر(١) والفيروزآبادي.

(٧)

رواية عبد الله بن أحمد

رواه في ( زوائد المسند ) حيث قال: « حدثني أبي قال: أخبرنا ابن مالك قال: حدّثنا عبد الله بن عمر قال: حدّثنا يونس بن أرقم قال: حدّثنا مطير بن أبي خالد، عن البجلي، عن سفينة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيرين بين رغيفين، فقدمت إليه الطيرين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، فجاء علي فرفع صوته. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هذا؟ قلت: علي، قال: فافتح له، ففتحت له، فأكل مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الطيرين حتى فنيا »

وقال محمّد بن إسماعيل في ( الروضة الندية ): « أخرج عبد الله بن أحمد ابن حنبل - من حديث سفينة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: أهدت امرأة من الأنصار طيرين بين رغيفين، فقدمت إليه الطيرين، فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، فجاء علي فرفع صوته، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هذا؟ قلت: علي قال: فافتح له، ففتحت له، فأكلا من الطيرين حتى فنيا ».

ترجمته

١ - عبد الغني المقدسي: « قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة ثبتاً فهماً. وقال بدر بن أبي بدر البغدادي: عبد الله بن أحمد جهبذ ابن جهبذ. وقال أبو

____________________

(١). لسان الميزان ٥ / ٣١٠.

١٤٧

الحسين ابن المنادي: لم يكن في الدنيا أروى عن أبيه منه قال: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال، وعلل الحديث، والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث، في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإِقرار له بذلك، حتى أن بعضهم ليسرف في تقريظه إيّاه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه »(١) .

٢ - إبن حجر: « قال عباس الدّوري: سمعت أحمد يقول: قد وعى عبد الله علماً كثيراً. وقال الخطبي: بلغني عن أبي زرعة قال قال لي أحمد: إبني عبد الله محفوظ من علم الحديث لا يكاد يذاكر إلّا بما أحفظ. وقال أبو علي الصّواف: قال عبد الله بن أحمد: كلّ شيء أقول: قال أبي، فقد سمعته مرّتين أو ثلاثة، وقال ابن أبي حاتم: كتب إليَّ بمسائل أبيه وبعلل الحديث وقال ابن عدي: نبل بأبيه وله في نفسه محل في العلم، ولم يكتب عن أحد إلّا مَن أمره أبوه أنْ يكتب عنه وقال النسائي: ثقة. وقال السّلمي: سألت الدار قطني عن عبد الله بن أحمد وحنبل بن إسحاق فقال: ثقتان نبيلان. وقال أبوبكر الخلّال: كان عبد الله رجلاً صالحاً صادق اللهجة كثير الحياء »(٢) .

٣ - الذهبي: « وفيها توفي الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمّد بن حنبل الذهلي الشيباني، ببغداد، في جمادى الآخرة، وله سبع وسبعون سنة كأبيه، وكان إماماً خبيراً بالحديث وعلله مقدَّماً فيه، وكان من أروى الناس عن أبيه، وقد سمع من صغار شيوخ أبيه، وهو الذي رتّب مسند والده »(٣) .

٤ - السيوطي: « عبد الله بن أحمد بن حنبل البغدادي الحافظ، روى عن: أبيه، وابن معين، وخلق. وعنه: النسائي، وابن صاعد، وأبو عوانة،

____________________

(١). الكمال في معرفة الرجال - مخطوط.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ١٤١.

(٣). العبر في خبر من غبر ٢ / ٨٦.

١٤٨

والطبراني، وأبو بكر النجار، والقطيعي، وأبو بكر الشافعي، وخلق »(١) .

(٨)

رواية أبي بكر البزّار

أخرج الحديث في ( مسنده ) بقوله:

« حدثنا عبد الأعلى بن واصل، ثنا عون بن سلام، ثنا سهل بن شعيب، ثنا بريدة بن سفيان، عن سفينة - وكان خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوائر وصنعت له بعضها، فلمـّا أصبح أتيته به فقال: من أين لك هذا؟ فقلت: من الذي اُتيت به أمس، قال: ألم أقل لك لا تدّخرنّ لغد طعاما: لكلّ يوم رزقه. ثمّ قال: اللهم أدخل عليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فدخل علي -رضي‌الله‌عنه - فقال: اللهم ولي.

حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسماعيل ابن سلمان الأزرق، عن أنس بن مالك قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطيار، فقسّمها بين نساءه، فأصاب كلّ امرأةٍ منها ثلاثة، فأصبح عند بعض نساءه - صفية أو غيرها - فأتته بهنّ، فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا، فقلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، فجاء علي -رضي‌الله‌عنه - فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، انظر من على الباب، فنظرت فإذا علي، فقلت: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: اُنظر من على الباب، فإذا علي، حتى فعل ذلك ثلاثاً، فدخل يمشي وأنا خلفه،

____________________

(١). طبقات الحفّاظ: ٢٩٢.

١٤٩

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حبسك رحمك الله؟ فقال: هذا آخر ثلاث مرات، يردّني أنس، يزعم أنك على حاجة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على ما صنعت؟ قلت: يا رسول الله، سمعت دعاءك، فأحببت أنْ يكون من قومي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الرجل قد يحب قومه، إنّ الرجل قد يحبُّ قومه. قالها ثلاثاً.

قلت: عند الترمذي طرف منه.

قال البزار: قد روي عن أنس من وجوه، وكلّ من رواه عن أنس فليس بالقوي، وإسماعيل كوفي حدّث عن أنس بحديثين »(١) .

* وقد أخرج الحديث عن الحافظ البزّار غير واحدٍ من المتأخرين عنه، منهم: الحافظ الهيثمي في ( مجمعه ) فإنّه قال:

« وعن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطيار، فقسّمها بين نسائه، فأصاب كلّ امرأة منها ثلاثة، فأصبح عند بعض نسائه - صفيّة أو غيرها - فأتته بهنَّ فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا. فقلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، فجاء عليرضي‌الله‌عنه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، اُنظر من على الباب، فنظرت فإذا علي، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: انظر من على الباب، فإذا علي، حتى فعل ذلك ثلاثا، فدخل يمشي وأنا خلفه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حبسك رحمك الله؟ فقال: هذا آخر ثلاث مرّات يردّني أنس، يزعم أنك على حاجة. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على ما صنعت؟ قلت: يا رسول الله، سمعت دعاءك، فأحببت أنْ يكون من قومي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الرجل قد يحبُّ

____________________

(١). كشف الأستار عن زوائد البزّار ٣ / ١٩٣ - ١٩٤. رقم ٢٥٤٧، ٢٥٤٨.

١٥٠

قومه، إنّ الرجل قد يحبُّ قومه. قالها ثلاثاً.

رواه البزّار وفيه إسماعيل بن سلمان، وهو متروك.

وعن سفينة - وكان خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوائر فصنعت لها بعضها، فلمـّا أصبح أتيته به فقال: من أين لك هذا؟ فقلت من التي اُتيت به أمس. فقال: ألم أقل لكِ لا تدّخرنَّ لغدٍ طعاماً، لكلّ يومٍ رزقه، ثم قال: اللهم أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فدخل عليرضي‌الله‌عنه عليه، فقال: اللهم وإليَّ.

رواه البزار والطّبراني باختصار، ورجال الطبراني رجال الصّحيح غير فطر ابن خليفة وهو ثقة »(١) .

ترجمته

وتوجد ترجمة أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار المتوفى سنة ٢٩٢ في:

١ - تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٥٣.

٢ - تاريخ بغداد ٤ / ٣٣٤.

٣ - الوافي بالوفيات ٧ / ٨.

٤ - سير أعلام النبلاء ١٣ / ٥٥٤.

٥ - العبر في خبر من غبر ٢ / ٩٢.

٦ - طبقات الحفّاظ: ٢٨٥.

إلى غير ذلك من المصادر.

وقد عنونه الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) بقوله: « البزّار: الشيخ، الامام الحافظ الكبير، أبو بكر، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، البصري، البزار،

____________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٢٦.

١٥١

صاحب المسند الكبير الذي تكلَّم على أسانيده ».

(٩)

رواية النّسائي

رواه بسندٍ صحيح حيث قال: « أخبرني زكريّا بن يحيى قال: أخبرنا الحسن بن حمّاد قال: ثنا مسهر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر، عن السدّي، عن أنس بن مالك: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده طائر فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر فردّه، ثمّ جاء علي فأذن له »(١) .

رجال السّند

وغير خاف على أهل العلم أنّ رجال هذا السند من مشاهير الثقات عند أهل السنّة، ومع ذلك نورد تراجمهم هنا باختصار:

النسائي

امّا النسائي فمدائحه أكثر من أنْ تحصر، وأشهر من أنْ تذكر، وإليك بعض كلماتهم في الثناء عليه:

١ - ابن خلكان: « أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي، الحافظ، كان إمام عصره في الحديث، وله كتاب السنن، وسكن مصر، وانتشرت بها تصانيفه، وأخذ عنه الناس، »(٢) .

٢ - أبو الحجاج المزّي: « أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن

____________________

(١). خصائص علي الحديث: ١٢.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

١٥٢

دينار، أبو عبد الرحمن النسائي، القاضي، الحافظ، صاحب كتاب السنن وغيره من المصنفات المشهورة، أحد الأئمة المبرّزين، والحفّاظ المتقنين، والأعلام المشهورين، طاف البلاد، وسمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام والجزيرة، من جماعة يطول ذكرهم، قد ذكرنا روايته عنهم في تراجمهم من كتابنا هذا »(١) .

٣ - الخطيب التبريزي: « وهو أحد الأئمّة الحفّاظ، والعلماء الفقهاء، لقي المشايخ الكبار، وأخذ الحديث عن: قتيبة بن سعيد، وهنّاد بن السري، ومحمّد بن بشار، ومحمّد بن غيلان، وأبي داود سليمان بن أشعث، وغير هؤلاء من المشايخ الحفاظ، وأخذ الحديث عنه خلق كثير منهم: أبو القاسم ابن الطبراني، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو بكر إسحاق النسفي الحافظ، وله كتب كثيرة في الحديث والعلل وغير ذلك.

قال مأمون المصري الحافظ: خرجنا مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس، فاجتمع جماعة من مشايخ الإِسلام، واجتمع من الحفّاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمّد بن إبراهيم، وغيرهما، فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ، فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي، وكتبوا كلّهم بانتخابه.

وقال الحاكم النيسابوري: أما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث فأكثر من أن يذكر، ومن نظر في كتاب السنن له تحيَّر في حسن الكلام، وقال:

سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرّةٍ يقول: أبو عبد الرحمن مقدَّم على كلّ من يذكر بهذا العلم في زمانه، كان شافعي المذهب، وكان ورعاً متبّحراًرحمه‌الله .

النسائي، بفتح النون وتخفيف السين. المهملة وبالمد والهمزة، منسوب إلى مدينة نسأ من خراسان »(٢) .

____________________

(١). تهذيب الكمال ١ / ٢٣.

(٢). الاكمال في أسماء الرجال = المشكاة ط معه.

١٥٣

٤ - ابن الوردي: « إمامٌ حافظ محدّث »(١) .

٥ - الصلاح الصفدي: « مصنف السنن وغيرها، بقية الأعلام

وقال ابن طاهر المقدسي: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثّقه، فقلت: ضعّفه النسَائي، فقال: يا بني، إنْ لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم. وقال الدار قطني: كان ابن حدّاد أبو بكر كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النسائي وقال: قد رضيت به حجة بيني وبين الله »(٢) .

٦ - الذهبي في حوادث ٣٠٣: « وفيها توفي الامام أحد الأعلام صاحب التصانيف أبو عبد الرحمن »(٣) .

٧ - اليافعي: « فيها توفي الحافظ، أحد الأئمّة الأعلام، صاحب المصنَّفات، أبو عبد الرحمن أحمد بن علي النسائي، كان إمام عصره في الحديث »(٤) .

٨ - الأسنوي: « الإِمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسَائي، المشهور في الحديث اسمه، وكتابه الجامع بين الحديث والفقه، سكن مصر وأخذ عن يونس بن عبد الأعلى صاحب الشافعي، وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث »(٥) .

٩ - السبكي: « أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر، الإِمام الجليل، أبو عبد الرحمن النسائي، أحد أئمة الدنيا في الحديث، والمشهور اسمه وكتابه قال أبو علي النيسابوري. حافظ خراسان في زمانه: حدّثنا

____________________

(١). تتمة المختصر في أحوال البشر حوادث: ٣٠٣.

(٢). الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

(٣). العبر في خبر من غبر ٢ / ١٢٣.

(٤). مرآة الجنان ٢ / ١٢٣.

(٥). طبقات الشافعية ٢ / ٤٨٠.

١٥٤

الإِمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي. وقال المنصور الفقيه وأبو جعفر الطحاوي رحمهما الله: النسائي إمام من أئمة المسلمين

قلت: سمعت شيخنا أبا عبد الله الذهبي الحافظ وسألته: أيّهما أحفظ مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح أو النسائي؟ فقال: النسائي، ثم ذكرت ذلك للشيخ الإِمام الوالد - تغمّده الله برحمته - فوافق عليه »(١) .

ومن مصادر ترجمة النسائي أيضاً:

١ - الأنساب - النسائي.

٢ - تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٨.

٣ - البداية والنهاية ١١ / ١٢٣.

٤ - طبقات القراء ١ / ٦١.

٥ - تهذيب التهذيب ١ / ٣٦.

٦ - حسن المحاضرة ١ / ٣٤٩.

٧ - العقد الثمين ٣ / ٤٥.

٨ - طبقات الحفاظ: ٣٠٣.

٩ - النجوم الزاهرة ٣ / ١٨٨.

١٠ - شذرات الذهب ٢ / ٢٣٩.

زكريا بن يحيى

وأما زكريا بن يحيى، فهذه بعض كلماتهم في حقّه:

١ - الذهبي: « س - زكريا بن يحيى السجزي الحافظ، أبو عبد الرحمن، عن شيبان وقتيبة، وعنه: س رفيقه، والطبراني. ثقة، ولد ١٩٥، ومات ٢٨٩ »(٢) .

____________________

(١). طبقات الشافعية ٣ / ١٤.

(٢). الكاشف ١ / ٣٢٤.

١٥٥

٢ - ابن حجر: « قال النسائي: ثقة، وقال عبد الغني بن سعيد: ثقة، وقال ابن يونس: قدم مصر وكتب عنه وخرّج »(١) .

٣ - وقال: « يعرف بخيّاط السنّة، ثقة حافظ، من الثانية عشرة »(٢) .

حسن بن حماد

وأما حسن بن حماد:

١ - ابن حبان: « الحسن بن حماد الضبي الكوفي، أبو علي، الذي يقال له سجادة، يروي عن وكيع وأهل بلده، ثنا عنه أبو يعلى وجماعة من شيوخنا، مات يوم السبت لثمان بقين من رجب سنة ٢٤١ »(٣) .

٢ - الذهبي: « س - حسن بن حماد الضبّي الكوفي ثقة توفي ٢٣٨ »(٤) .

٣ - ابن حجر: « قال ابن أبي حاتم: سألت موسى بن إسحاق عنه فقال:

ثقة مأمون، وقال السرّاج: كوفي ثقة، قدم بغداد سنة ٣٥ وحدّث بها، وقال مطين: مات في رجب سنة ٢٣٨. له في السنن حديث واحد في اعتكاف عمر.

قلت: وذكره ابن حبان في الثقات »(٥) .

٤ - وقال أيضاً: « ثقة، من العاشرة، مات سنة ٣٨ »(٦) .

مسهر بن عبد الملك

وأمّا مسهر بن عبد الملك فقد ترجم له:

*الذهبي بقوله: « مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني الكوفي، عن

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٣ / ٣٣٤.

(٢). تقريب التهذيب ١ / ٢٦٢.

(٣). الثقات ٨ / ١٧٥.

(٤). الكاشف ١ / ٢٢٠.

(٥). تهذيب التهذيب ٢ / ٢٣٧.

(٦). تقريب التهذيب ١ / ١٦٥.

١٥٦

أبيه، والأعمش، وعيسى بن عمر القاري، وعنه: ابن راهويه، والحسن بن علي، الحلواني، وأبو سعيد الأشج، والحسين بن عيسى البسطامي، ومحمّد ابن عبد الله بن المبارك المخزومي، وجماعة. وثّقه الحسن بن حمّاد الوراق، وذكره ابن حبان في الثقات »(١) .

عيسى بن عمر

وأما عيسى بن عمر:

١ - ابن حبان: « عيسى بن عمر القاري الهمداني، أبو عمر الأعمى، من أهل الكوفة، يروي عن الشعبي والكوفيين، روى عنه ابن المبارك وجرير ووكيع »(٢) .

٢ - الذهبي: ت، س - عيسى بن عمر الأسدي الكوفي المقري، صاحب الحروف، ويعرف بالهمداني قال أحمد: ليس به بأس. مات سنة ١٥٦ »(٣) .

٣ - ابن حجر: « قال الميموني عن أحمد: ليس به بأس، وقال إسحاق ابن منصور عن ابن معين: ثقة، وقال الدوري عن ابن معين: عيسى بن عمر الكوفي صاحب الحروف هو همداني، وعيسى بن النحوي بصري، وقال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس بحديثه بأس، وقال أيضاً: ثنا مقاتل بن محمّد، ثنا وكيع، عن عيسى بن عمر الهمداني وكان ثقة، قال الخطيب: كان ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات قلت: وقال العجلي: كوفي ثقة، رجل صالح، كان أحد قرّاء الكوفة، رأساً في القرآن، وقال أبو بكر البزار: ليس به بأس، وقال ابن خلفون: وثّقه ابن نمير...»(٤) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب - مخطوط.

(٢). الثقات ٧ / ٢٣٣.

(٣). الكاشف ٢ / ٣٦٩.

(٤). تهذيب التهذيب ٨ / ١٩٩.

١٥٧

٤ - وقال: « ثقة، من السابعة، مات سنة ست وخمسين »(١) .

السدّي

وأمّا السدّي، فقد مرّت ترجمته وكلمات المدح والثناء فيه بالتفصيل سابقاً.

أنس بن مالك

وأمّا أنس بن مالك، فهو صحابيّ من أشهر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تقرر عندهم عدالة جميعهم، فلا حاجة إلى ذكر تراجمهم له.

أقول: فإذا كان النسائي عمدة أهل التحقيق، قد روى هذا الحديث الشريف الأنيق، بطريق صحيح وثيق، إظهاراً للحق الذي هو بالإِذعان حقيق، كيف يركن ذو خبر بصير أفيق إلى إبطاله وردّه، فيلقي نفسه في العذاب الواصب وأليم الحريق؟!

صحّة أحاديث الخصائص وجواز الاحتجاج بها

ثمّ إنّه مع قطع النّظر عن خصوص هذه الرّواية الصحيحة السند كما عرفت، فإنّ مجرّد إخراج النسائي إيّاه في كتاب ( الخصائص ) دليلٌ على صحّته وجواز الاحتجاج به، وذلك لأمرين:

أحدهما: إنّ سبب تصنيفه هذا الكتاب هو: أنّه لمـّا دخل دمشق وجد المنحرف بها عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيراً، فصنّف ( الخصائصٌ ) رجاءً لأنْ يهديهم الله تعالى به في قضيّةٍ مفصّلة مذكورة بترجمته في الكتب

____________________

(١). تقريب التهذيب ٢ / ١٠٠.

١٥٨

المعتبرة، راجع منها:

وفيات الأعيان، وتذهيب التهذيب، وتهذيب التهذيب، وتهذيب الكمال، وتذكرة الحفّاظ، ومرآة الجنان، وطبقات السّبكي

ومن الواضح: إن هداية المنحرفين عن سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام لا تتحقّق بذكر الأحاديث غير الصحيحة، بل إنّه يزيدهم عناداً وانحرافاً

فظهر أنّ حديث « الطير » وكذا حديث « الولاية » وأمثالهما ممّا أخرج النسائي في ( خصائصه ) أحاديث صحيحة سنداً وتامّة دلالةً، يرجى بها الهداية للمنحرفين عن أهل البيت الطّاهرين، ورجوعهم إلى الحق وإلى الطريق المستقيم.

لكنّ هذا الكتاب - وإنْ نفع بعض النواصب، وأنقذهم من بغض عليعليه‌السلام - لم ينفع ( الدهلوي ) الذاهب من الجفاء والانحراف إلى أقصى المذاهب!!

والثاني: إنّ كتاب ( الخصائص ) جزء من كتاب ( السنن ) للنسائي، الذي هو أحد الصحاح الستّة قال الذهبي: « وقد صنّف مسند علي، وكتاباً حافلاً في الكنى. وأما كتاب خصائص علي فهو داخل في سننه الكبير »(١) .

وقال ابن حجر:

« وقد ذكر المؤلّف - يعني المزّي - الرقوم: للستة ع، وللأربعة ٤، وللبخاري خ، ولمسلم م، ولأبي داود د، وللترمذي ت، وللنسائي س، ولابن ماجة ق، وللبخاري: في التعاليق خت، وفي الأدب المفرد بخ، وفي جزء رفع اليدين ي، وفي خلق أفعال العباد عخ، وفي جزء القراءة خلف الامام ر. ولمسلم في مقدمة كتابه مق، ولأبي داود في المراسيل مد، وفي القدر قد، وفي الناسخ والمنسوخ خد، وفي كتاب التفرّد ف، وفي فضائل الأنصار ص، وفي

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٣٣.

١٥٩

المسائل ل، وفي مسند مالك كد، وللترمذي في الشمائل تم، وللنسائي في اليوم والليلة سي، وفي مسند مالك كن، وفي خصائص علي ص، وفي مسند علي عس، ولابن ماجة في التفسير، فق.

هذا الذي ذكره المؤلّف من تواليفهم، وذكر أنّه ترك تصانيفهم في التواريخ عمداً، لأن الأحاديث التي تورد فيها غير مقصودة بالاحتجاج »(١) .

فإنَّ كلامه هذا يفهم أنْ أحاديث « الخصائص ». مثل كتب الصحاح ونحوها « مقصودة بالاحتجاج » ثم قال ابن حجر:

« وبقي عليه من تصانيفهم التي على الأبواب عدّة كتب وكذلك أفرد خصائص علي وهو من جملة المناقب في رواية ابن سيّار » أي: إنّ كتاب « الخصائص » من جملة ( المناقب في سنن النسائي ) في رواية ابن سيّار فما وجه إفراده بالذكر؟

وهذا يعني أن « الخصائص » من ( السنن ) الذي هو أحد الصّحاح الستة، فهذا وجه آخر لصحّة الاحتجاج بأحاديث « الخصائص ».

وقد صرّح ابن حجر العسقلاني باعتبار أحاديث هذا الكتاب حيث قال:

« قد أخرج المصنّف من مناقب علي أشياء في غير هذا الموضع، منها: حديث عمر: عليٌّ أقضانا، وسيأتي في تفسير البقرة، وله شاهد صحيح من حديث ابن مسعود عند الحاكم. ومنها: حديث قتاله البغاة، وهو في حديث أبي سعيد في علامات النبوة، وغير ذلك مما يعرف بالتتبّع، ورغب في جمع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص ».

فظهر أن حديث ( الطير ) المذكور في ( الخصائص ) جيّد من حيث الإِسناد، قمين بالإِحتجاج والإِستناد، وما صدر من ( الدهلوي ) محض الخبط والعناد، بحت العصبيّة واللّداد

____________________

(١). تهذيب التهذيب - المقدمة.

١٦٠

وقد ذكر ( الدهلوي ) في ( أُصول الحديث ) له، والصدّيق حسن خان في ( الحطة في ذكر الصحاح الستة ) كتاب « الخصائص » في الكتب المصنفة في ( المناقب ) قالا: « وللنسائي رسالة طويلة الذيل في مناقبه كرّم الله وجهه، وعليها نال الشهادة في دمشق من أيدي نواصب الشام، لفرط تعصبهم وعداوتهم معهرضي‌الله‌عنه ».

واستشهد ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) بقصّة النسائي وكتابه « الخصائص » في مقام الدفاع عن أهل السنّة، ودفع ما قيل من أنّهم يبطنون بغض أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، ولكن العجب منه تكذيبه حديث الطير وحديث الولاية المخرجين في هذا الكتاب، فهو مرةً يستشهد باستشهاد النسائي على أيدي النواصب وبتصنيفه كتاب الخصائص لولاء أهل نحلته لأهل البيت الأمجاد، ومرةً يشاقق النسائي بتكذيب حديث الولاية، واُخرى بتكذيب حديث الطير، ويسرّ قلوب أهل النصب والعناد، وهل هذا إلّا تدافع وتهافت وتناقض؟!

وهكذا، فقد باهى تلميذه رشيد الدين خان في كتابه ( إيضاح لطافة المقال ) وافتخر بكتاب « الخصائص »، وعدّه من مصنّفات عظماء أهل التحقيق من أهل السنّة في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن شيخه ( الدهلوي ) قد أبطل هذا الافتخار بإبطال حديث الولاية وحديث الطير، المسرودين في ( الخصائص ) وغيره من الأسفار المشهورة بالإِعتبار

(١٠)

رواية أبي يعلى

رواه بقوله: « ثنا الحسن بن حمّاد الوراق ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع - ثقة - ثنا عيسى بن عمر عن إسماعيل السدّي، عن أنس بن مالك: إن رسول

١٦١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده طائر فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء أبو بكر فردّه ثم جاء عمر فردّه ثم جاء عثمان فردّه ثم جاء علي فأذن له »(١) .

و قال أبو يعلى أيضاً: « ثنا قطن بن نسير، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا عبد الله بن مثنى، ثنا عبد الله بن أنس، عن أنس قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجل مشوي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام، فقالت عائشة: اللّهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللّهم اجعله أبي، قال أنس فقلت أنا: اللهم اجعله سعد به عبادة. قال أنس: سمعت حركة الباب، فإذا علي فسلَّم، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف، ثم سمعت حركة الباب فسلَّم علي، فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته فقال: اُنظر من هذا؟ فخرجت فإذا علي، فجئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته، فقال: ائذن له فأذنت له فدخل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم وإليَّ اللّهم وإليَّ ».

إعتبار مسند أبي يعلى

ومسند أبي يعلى من المسانيد المعتبرة المشهورة، والأسفار المقبولة المعروفة، ومن مرويّات مشاهير العلماء: كالسيوطي، والثعالبي، والكردي، والأمير، والشوكاني، وشاه ولي الله، وغيرهم.

وقال الذهبي بترجمة أبي يعلى: « أبو يعلى، الموصلي، الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة صاحب المسند الكبير ».

قال: « قال السمعاني: سمعت إسماعيل بن محمّد بن الفضل الحافظ يقول: قرأت المسانيد، كمسند العدني ومسند أبي منيع، وهي كالأنهار، ومسند

____________________

(١). مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥.

١٦٢

أبي يعلى كالبحر يكون مجتمع الأنهار.

قلت: سمعنا مسند أبي يعلى بفوت نصف جزءٍ بالإِجازة العالية، ويقع من حديثه بعلو لابن البخاري »(١) .

وقال في ( العبر ) له: « أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى، التميمي، الحافظ، صاحب المسند »(٢) .

وكذا قال: صلاح الدين الصفدي، واليافعي بترجمته. وقد أورد السيّوطي، والثعالبي في ( طبقات الحفاظ ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ) كلمة إسماعيل بن الفضل الحافظ المتقدمة.

* وقال الحافظ الهيثمي: « عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقدّم فرخاً مشويّاً، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الفرخ، فجاء علي ودقَّ الباب، فقال أنس: من هذا؟ قال: علي، فقلت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف، ثمّ تنّحى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكل، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الفرخ، فجاء علي فدقَّ الباب دقّاً شديداً، فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا أنس، من هذا؟ قلت: علي. قال: أدخله، فدخل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد سألت الله ثلاثا أن يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ، فقال علي: وأنا - يا رسول الله - فقد جئت ثلاثاً، كلّ ذلك يردّني أنس. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يلام الرجل على

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٢). العبر في خبر من غبر ٢ / ١٣٤.

١٦٣

حبّ قومه.

وفي روايةٍ: كنت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حائط، وقد أُتي بطائر.

و في روايةٍ قال: أهدت أُمّ أيمن إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائراً بين رغيفين، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ فجاءته بالطائر.

قلت: عند الترمذي طرف منه.

رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار.

و أبو يعلى باختصار كثير، إلّا أنّه قال: فجاء أبو بكر فردّه، ثم جاء عمر فردّه، ثم جاء علي فأذن له.

وفي إسناد الكبير: حمّاد بن المختار ولم أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح.

وفي أحد أسانيد الأوسط: أحمد بن عياض بن أبي طيبة، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ورجال أبي يعلى ثقات، وفي بعضهم ضعف »(١) .

رجال الحديث

ورجال أبي يعلى ثقات. أمّا الحديث الأوّل فرجاله رجال النسائي في الخصائص، وقد عرفتهم، وأمّا الحديث الثاني فهم ثقات بلا كلام.

وقول الهيثمي - بعد توثيق رجال إسناد أبي يعلى - « وفي بعضهم ضعف » ما هو إلّا إشارة إلى تكلّم بعضهم - عن تعصّبٍ - في « السدّي »، وقد عرفت أنّه من رجال الصّحاح.

____________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥.

١٦٤

ترجمة أبي يعلى

وأبو يعلى - أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي - فهو من الحفاظ المشاهير الأعلام، وهذه طائفة من مصادر ترجمته - وقد ترجمنا له في بعض المجلّدات بالتفصيل -:

١ - تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٧.

٢ - العبر ٢ / ١٣٤.

٣ - الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

٤ - مرآة الجنان ٢ / ٢٤٩.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ١٣٠.

٦ - النجوم الزاهرة ٣ / ١٩٧.

٧ - طبقات الحفاظ: ٣٠٦.

٨ - دول الإِسلام ١ / ١٨٦.

٩ - سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٧٤.

وقد وصفه الذهبي في ( سيره ) بـ « الإِمام، الحافظ، شيخ الإِسلام ».

(١١)

رواية ابن جرير الطّبري

وأبو جعفر محمد بن جرير الطّبري من رواة حديث الطّير، وقد جمع طرقه في مؤلّف مفرد لكثرتها. قال الحافظ ابن كثير - في ذكر الحديث -: « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة، منهم: أبو بكر ابن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان - فيما رواه شيخنا الذهبي - ورأيت فيه مجلَّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري المفسّر

١٦٥

صاحب التاريخ »(١) .

ترجمته

وقد ترجمنا لابن جرير الطّبري في بعض المجلّدات. ومن مصادرها:

١ - تاريخ بغداد ٢ / ١٦٢.

٢ - معجم الأدباء ١٨ / ٤٠.

٣ - الأنساب - الطبري.

٤ - تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٧٨.

٥ - طبقات الحفّاظ: ٣٠٧.

٦ - تذكرة الحفاظ ٢ / ٧١٠.

٧ - طبقات السبكي ٣ / ١٢٠.

٨ - طبقات الداودي ٢ / ١٠٦.

٩ - الوافي بالوفيات ٢ / ٢٨٤.

١٠ - العبر ٢ / ١٤٦.

١١ - طبقات القراء ٢ / ١٠٦.

١٢ - مرآة الجنان ٢ / ٢٦٠.

١٣ - البداية والنهاية ١١ / ١٤٥.

١٤ - شذرات الذهب ٢ / ٢٦٠.

ه فوة من ابن كثير

وأمّا قول ابن كثير بعد العبارة المذكورة: « ثمّ وقفت على مجلَّد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً، للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلّم ».

____________________

(١). البداية والنهاية ٧ / ٣٥٤.

١٦٦

فيضعّف بأنّ الباقلّاني لا يبلغ أدنى المراتب الحاصلة للطبري في معرفة الحديث والرجال، وأين الثريّا من الثّرى؟ وأين الدرّ من الحصى؟! فلا وجه لهذه المعارضة

بل لا يخفى على الممارس لعلم الحديث والعارف بأحوال العلماء والرّجال: أنّ الباقلاني لا يعدّ من علماء الحديث، ولا يلتفت إلى أقواله في هذا الفن، وقد نصّ على ذلك شاه وليّ الله والد ( الدهلوي ) في كتاب ( قرة العينين ).

(١٢)

رواية أبي القاسم البغوي

رواه من حديث سفينة مولى - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - « قال: أهدت امرأة من الأنصار طائرين في رغيفين إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن في البيت غيري وغير أنس، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بغدائه فقلت: يا رسول الله، قد أهدت لك امرأة من الأنصار هديّة، فقدّمت إليه الطّائرين فقال: اللّهم إئتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، فجاء علي بن أبي طالب، فضرب الباب ضرباً خفيفاً، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو الحسن، ثمّ ضرب الباب ورفع صوته فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هذا؟ قلت: علي بن أبي طالب، قال: افتح له، ففتحت له، فأكل معه من الطيرين حتى فنيا»(١) .

ترجمته

١ - السمعاني: « أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز بن المرزبان

____________________

(١). معجم الصحابة - مخطوط.

١٦٧

ابن سابور بن شاهنشاه البغوي ابن بنت أحمد بن منيع البغوي كان محدّث العراق في عصره، عمّر العمر الطويل حتى رحل الناس إليه، وكتب عنه الأجداد والأحفاد والآباء والأولاد، وكان ثقة مكثراً فهماً عارفاً بالحديث، وكان يورق أوّلاً ثم رجع، وصنف المعجم الكبير للصحابة، وجمع حديث علي بن الجعد، وغيره.

سمع: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وعلي بن الجعد، وخلف ابن هشام، ومحمّد بن عبد الوهاب الهاروني ...، وخلقاً يطول ذكرهم من شيوخ البخاري ومسلم سوى هؤلاء.

روى عنه: يحيى بن محمّد بن صاعد، وعلي بن إسحاق بن البحتري الماوردي، وعبد الباقي بن قانع، وحبيب بن الحسن الفرّاء، وأبو بكر محمّد ابن عمر بن الجعابي، وأبو حاتم البستي، وأبو أحمد بن عدي الحافظ، وأبو بكر الإِسماعيلي، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وأبو بكر ابن المقرئ، وأبو الحسن الدار قطني، ومحمّد بن المظفّر، وخلق كثير سوى هؤلاء »(١) .

٢ - الذهبي: « البغوي، الحافظ الثقة الكبير، مسند العالم قال ابن أبي حاتم: أبو القاسم البغوي يدخل في الصحيح، وقال الدار قطني: كان البغوي قلّ أنْ يتكلّم على الحديث، فإذا تكلّم كان كلامه كالمسمار في السّاج. قال ابن عدي: كان البغوي صاحب حديث

قلت: وقد احتجّ به عامّة من خرّج الصحيح، كالإِسماعيلي، والدار قطني، والبرقاني. وعاش مائة سنة وثلاث سنين، قال الخطيب: أبو بكر كان ثقة ثبتاً فهماً عارفاً. وقال السلمي: سألت الدّار قطني عن البغوي فقال: ثقة إمام جبل إمام، أقلّ المشايخ خطأً »(٢) .

____________________

(١). الأنساب - البغوي.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٣٧.

١٦٨

٣ - الذهبي أيضاً: « وكان محدّثاً حافظاً مجوّداً مصنفاً، انتهى إليه علوّ الإِسناد في الدنيا ...»(١) .

٤ - السيوطي: « البغوي، الحافظ الكبير الثقة مسند العالم »(٢) .

(١٣)

رواية ابن صاعد

قال الخوارزمي: « أخبرنا صمصام الأئمة أبو عفان عثمان بن أحمد الصرام الخوارزمي قال: أخبرنا عماد الدين أبو بكر بن الحسن النسفي قال: حدّثني الشيخ الفقيه أبو القاسم ميمون بن علي الميموني قال: حدّثنا الشيخ. الزاهد أبو محمّد إسماعيل بن الحسين قال: حدّثنا أبو الحسن القاضي علي ابن الحسن بن علي بن مطرف الجراحي ببغداد قال: حدّثنا يحيى بن صاعد قال: حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدّثنا أبو أحمد الحسين بن محمّد قال: حدّثنا سليمان بن قرم، عن محمّد بن شعيب، عن داود بن علي ابن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عباس -رضي‌الله‌عنه - قال: أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك، فجائه علي بن أبي طالب »(٣) .

ترجمته

١ - الذهبي: « يحيى بن صاعد بن كاتب، مولى أبي جعفر المنصور، الحافظ الإِمام الثقة قال الدار قطني: ثقة ثبت حافظ، وقال أحمد بن عبدان

____________________

(١). العبر ٢ / ١٧٠.

(٢). طبقات الحفاظ: ٣١٢.

(٣). مناقب علي بن أبي طالب: ٥٨.

١٦٩

الشيرازي: هو أكثر حديثاً من محمّد بن محمّد الباغندي، ولا يتقدّمه أحد في الدراية، قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجلّ من الحفظ، وهو فوق ابن أبي داود في الفهم والحفظ، وسئل ابن الجعابي: هل كان ابن صاعد يحفظ؟ فتبسّم وقال: لا يقال لأبي محمّد يحفظ، كان يدري قال الخطيب: كان ابن صاعد ذا محلٍّ من العلم، وله تصانيف في السنن والأحكام

قلت : لابن صاعد كلام متين في الرجال والعلل، يدل على تبحّره، مات في ذي القعدة سنة ٣١٨ »(١) .

٢ - اليافعي ووصفه بـ « الحافظ الحجة »(٢) .

٣ - السيوطي: « يحيى بن محمّد بن صاعد بن كاتب، مولى أبي جعفر المنصور، الحافظ الإِمام الثقة »(٣) .

(١٤)

رواية ابن أبي حاتم الرازي

رواه بإسنادٍ أجود من إسناد الحاكم، قال ابن كثير في ذكر حديث الطّير في فضائل مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ورواه ابن أبي حاتم، عن عمّار ابن خالد الواسطي، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس، فذكر الحديث. وهذا أجود من إسناد الحاكم »(٤) .

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٧٦.

(٢). مرآة الجنان ٢ / ٢٧٧.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٢٣٥.

(٤). البداية والنهاية ٧ / ٣٥٣.

١٧٠

ترجمته

١ - الذهبي: في حوادث ٣٢٧ « وفيها: توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر، الحافظ الجامع، التميمي الرازي بالراء، وقد قارب التسعين، رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومائتين، فسمع أبا سعيد الأشج، والحسن بن عرفة وطبقتهما، قال أبو يعلى الخليلي: أخذ عن أبيه وأبي زرعة، كان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، ثمّ قال: وكان زاهداً يعدّ من الإِبدال »(١) .

٢ - اليافعي ووصفه بـ « الحافظ العالم » ثمّ نقل كلام الخليلي المتقدم(٢) .

٣ - السبكي: « الإِمام ابن الإِمام، حافظ الري وابن حافظها، كان بحراً في العلم، وله المصنفات المشهورة »(٣) .

وقد ترجمنا له في مجلد حديث الغدير.

(١٥)

رواية ابن عبد ربّه

رواه في كتابه في إحتجاجٍ للمأمون على الفقهاء، في بحوثٍ مفصّلة جرت، فذكر حديث الطير ومفاده، وهذه عبارة ابن عبد ربّه حيث قال: « إحتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي: إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد ابن زيد قال: بعث إليَّ يحيى بن أكثم وإلى عدة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين

____________________

(١). العبر ٢ / ٢٠٨.

(٢). مرآة الجنان حوادث: ٣٢٧.

(٣). طبقات السبكي ٣ / ٣٢٤.

١٧١

رجلاً، كلّهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب، فسمّوا من تظنّونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين، فسمّينا له عدّةً وذكر هو عدّة، حتى تم العدد الذي أراد، وكتب تسمية القوم وأمر بالبكور في السحر، وبعث إلى من لم يحضر فأمره بذلك، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه وهو جالسٌ ينتظرنا، فركب وركبنا معه حتى صرنا إلى الباب، فإذا بخادم واقف فلمـّا نظر إلينا قال: يا أبا محمّد، أمير المؤمنين ينتظرك. فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة، فأخذنا فيها، فلم نستتمها حتى خرج الرّسول فقال: اُدخلوا، فدخلنا فإذا أمير المؤمنين جالس على فراشه وعليه سوادة وطيلسانه والطويلة وعمامته، فوقفنا وسلّمنا فردّ السلام، وأمر لنا بالجلوس، فلمـّا استقرّ بنا المجلس تحدّر عن فراشه ونزع عمامته وطيلسانه ووضع قلنسوته، ثمّ أقبل علينا فقال: إنّما فعلت ما رأيتم لتفعلوا مثل ذلك، وأما الخف فمنع من خلفه علّة، من قد عرفها منكم فقد عرفها، ومن لم يعرفها فسأعرّفه، ومدّ رجله. وقال: انزعوا قلانسكم وخفافكم وطيالستكم، قال: فأمسكنا فقال لنا يحيى: انتهوا إلى ما أمركم به أمير المؤمنين، فتنحّينا، فنزعنا أخفافنا وطيالستنا وقلانسنا ورجعنا، فلمـّا استقرّ بنا المجلس قال:

إنما بعثت إليكم - معشر القوم - في المناظرة، فمن كان به شيء من الخبثين لم ينتفع بنفسه ولم يفقه ما يقول، فمن أراد منكم الخلاء فهناك، وأشار بيده، فدعونا له.

ثمّ ألقى مسألةً من الفقه فقال: يا أبا محمّد قل وليقل القوم من بعدك، فأجابه يحيى، ثمّ الذي يلي يحيى، ثمّ الذي يليه، حتى أجاب آخرنا في العلّة وعلّة العلّة وهو مطرق لا يتكلّم، حتى إذا انقطع الكلام التفت إلى يحيى فقال: يا أبا محمّد، أصبت الجواب وتركت الصواب في العلّة، ثمّ لم يزل يردّ على كلّ واحدٍ منا مقالته، ويخطّئ بعضنا ويصوّب بعضنا، حتى أتى على آخرنا.

ثمّ قال: إني لم أبعث فيكم لهذا، ولكني أحببت أنْ أبسطكم، إنّ أمير

١٧٢

المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به، قلنا: فليفعل أمير المؤمنين وفّقه الله فقال:

إن أمير المؤمنين يدين الله على أنّ علي بن أبي طالب خير خلفاء الله بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأولى الناس بالخلافة له.

قال إسحاق: فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في علي، وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة! فقال: يا إسحاق، اختر، إنْ شئت سألتك أسألك، وإنْ شئت أن تسأل فقل. قال إسحاق: فاغتنمتها منه. فقلت: بل أسألك يا أمير المؤمنين قال: سل.

قلت: من أين قال أمير المؤمنين إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالخلافة بعده؟

قال: يا إسحاق، خبّرني عن الناس بما يتفاضلون حين يقال: فلان أفضل من فلان؟ قلت: بالأعمال الصالحة، قال: صدقت. قال: فأخبرني عمّن فضل صاحبه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ إنّ المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله يلحق به. قال: فأطرقت، فقال لي: يا أبا إسحاق لا تقل: نعم، فإنّك إنْ قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهاداً وحجاً وصياماً وصلاةً وصدقة، فقلت: أجل، يا أمير المؤمنين لا يلحق المفضول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفاضل أبداً.

قال: يا إسحاق فانظر ما رواه لك أصحابك - ومن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك - من فضائل علي بن أبي طالب فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر، فإنّي رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل علي فقل إنّه أفضل منه، لا والله، ولكن قس إلى فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإنْ وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده فقل إنّهما أفضل منه، لا والله، ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإنْ وجدتها مثل فضائل

١٧٣

علي فقل إنّهم أفضل منه، لا والله، ولكن قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنّة، فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنّهم أفضل منه.

قال: يا إسحاق، أيّ الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت: الإِخلاص بالشهادة، قال: أليس السبق إلى الإِسلام؟ قلت: نعم، قال: إقرأ ذلك في كتاب الله تعالى، يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) إنّما عنى من سبق إلى الإِسلام، فهل علمت أحداً سبق علياً إلى الإِسلام؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنّ علياً أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم. قال: أخبرني أيّهما أسلم قبل ثمّ اُناظرك من بعده في الحداثة والكمال؟ قلت: علي أسلم قبل أبي بكر، على هذه الشريطة، فقال: نعم. فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أنْ يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاه إلى الإِسلام أو يكون إلهاماً من الله؟ قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق لا تقل إلهاماً، فتقدّمه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ رسول الله لم يعرف الإِسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى. قلت: أجل، بل دعاه رسول الله إلى الإِسلام، قال: يا إسحاق، فهل يخلو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين دعا إلى الإسلام، من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلّف ذلك من نفسه؟ قال: فأطرقت، فقال: يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى التكلف، فإنّ الله يقول:( وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) . قلت: أجل، يا أمير المؤمنين، بل دعاه بأمر الله، قال: فهل من صفة الجبّار - جلّ ذكره - أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت: أعوذ بالله، فقال: أفتراه في قياس قولك - يا إسحاق -: إنّ عليا أسلم صبيّا لا يجوز عليه الحكم، قد كلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون، فهل يدعوهم السّاعة ويرتدّون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء، ولا يجوز عليهم حكم الرسولعليه‌السلام ، أترى هذا جائزاً

١٧٤

عندك أنْ تنسبه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت: أعوذ بالله، قال: يا إسحاق فأراك إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً على هذا الخلق، إبانة بها منهم ليعرفوا فضله، ولو كان الله أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا علياً، قلت: بلى، قال: فهل بلغك أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا أحداً من الصبيان من أهله وقرابته لئلّا تقول: إنّ علياً ابن عمّه؟ قلت: لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل، قال: يا إسحاق، أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسئل عنه؟ قلت: لا، قال: فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك.

قال: ثمّ أيّ الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإِسلام؟ قلت: الجهاد في سبيل الله، قال: صدقت، فهل تجد. لأحدٍ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما تجد لعلي في الجهاد؟ قلت: في أيّ وقت؟ قال: في أيّ الأوقات شئت.

قلت: بدر. قال: لا أريد غيرها، فهل تجد لأحدٍ إلّا دون ما تجد لعلي يوم بدر؟ أخبرني كم قتلى بدرٍ؟ قلت: نيف وستّون رجلاً من المشركين. قال: فكم قتل علي وحده؟. قلت: لا أدري، قال: ثلاثة وعشرين، أو اثنين وعشرين، والأربعون لسائر الناس، قلت: يا أمير المؤمنين: كان أبو بكر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عريشه، قال: ما ذا يصنع؟ قلت: يدبّر، قال: ويحك يدبّر دون رسول الله، أو معه شريكاً، أم افتقاراً مره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رأيه؟ أيّ الثلاث أحبّ إليك؟ قلت: أعوذ بالله أنْ يدبّر أبو بكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يكون معه شريكاً، أو أنْ يكون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتقار إلى رأيه، قال: فما الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممّن هو جالس؟ قلت: يا أمير المؤمنين كلّ الجيش كان مجاهداً، قال: صدقت كلّ مجاهد، ولكنّ الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله صلي الله

١٧٥

عليه وسلّم وعن الجالس أفضل من الجالس، أما قرأت كتاب الله:( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى، وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) ؟ قلت: وكان أبو بكر وعمر مجاهدين، قال: فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟ قلت: نعم، قال: فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر، قلت: أجل.

قال: يا إسحاق هل تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: اقرأ عليَّ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) فقرأت منها حتى بلغت:( يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً - إلى قوله -وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) قال: على رسلك، فيمن نزلت هذه الآيات؟ قلت: في علي، قال: فهل بلغك أنّ علياً حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال:( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ) ؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به علياً؟ قلت: لا، قال: صدقت، لأن الله - جلّ ثناؤه - عرف سيرته.

يا إسحاق، ألست تشهد أنّ العشرة في الجنّة؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، قال: أرأيت لو انّ رجلاً قال: والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا، ولا أدري أن كان رسول الله قاله أم لم يقله، أكان عندك كافراً؟ قلت: أعوذ بالله، قال: أرأيت لو أنّه قال: ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا كان كافراً؟ قلت: نعم، قال: يا إسحاق أرى بينهما فرقاً، يا إسحاق: أتروي الحديث؟ قلت: نعم.

قال: فهل تعرف حديث الطير؟

قلت: نعم.

قال: فحدثني به.

قال: فحدّثته الحديث. فقال:

١٧٦

يا إسحاق، إني كنت أكلّمك وأنا أظنّك غير معاندٍ للحق، فأمّا الآن فقد بان لي عنادك، إنّك توقن أنّ هذا الحديث صحيح؟ قلت: نعم، رواه من لا يمكنني ردّه، قال: أفرأيت أنّ من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح ثمّ زعم أنّ أحداً أفضل من علي. لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أنْ يكون دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده مردودة عليه، أو أن يقول: عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه، أو أن يقول: إن الله عزّ وجلّ لم يعرف الفاضل من المفضول، فأيّ الثلاثة أحبّ إليك أنْ تقول؟ فأطرقت، ثم قال: يا إسحاق لا تقل منها شيئاً، فإنّك إن قلت منها شيئاً استتبتك، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله.

قلت: لا أعلم.

وإنّ لأبي بكر فضلاً، قال: أجل لو لا أن له فضلاً لما قيل إنّ علياً أفضل منه، فما فضله الذي قصدت له الساعة؟

قلت: قول الله عزّ وجلّ:( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) فنسبه إلى صحبته. قال: يا إسحاق، أمّا إني لا أحملك على الوعر من طريقك إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضى عنه كافراً وهو قوله:( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ) قلت: إن ذلك كان صاحبا كافرا، وأبو بكر مؤمن، قال: فإذا جاز أن ينسب إلى صحبته من رضيه كافراً جاز أنْ ينسب إلى صحبة نبيّه مؤمناً، وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث. قلت: يا أمير المؤمنين إن قدر الآية عظيم، إنّ الله يقول:( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) قال: يا إسحاق تأبى الآن إلّا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك، أخبرني عن حزن أبي بكر، أكان رضا أم سخطاً؟ قلت: إن أبا بكر إنّما حزن من أجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفاً عليه وغمّاً أن يصل إلى رسول الله شيء من

١٧٧

المكروه، قال: ليس هذا جوابي، إنّما كان جوابي أن تقول رضى أم سخط، قلت: بل كان رضاً لله، قال: وكان الله جلّ ذكره بعث إلينا رسولاً ينهى عن رضا الله عزّ وجلّ وعن طاعته! قلت: أعوذ بالله، قال: أوليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا لله؟ قلت: بلى قال: أولم تجد أنّ القرآن يشهد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا تحزن، نهياً له عن الحزن؟ قلت: أعوذ بالله. قال: يا إسحاق إنّ مذهبي الرفق بك، لعلّ الله يردّك إلى الحق، ويعدل بك عن الباطل، لكثرة ما تستعيذ به.

وحدثني عن قول الله:( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) من عنى بذلك، رسول الله أم أبو بكر؟ قلت: بل رسول الله قال: صدقت.

قال: فحدّثني عن قول الله عزّ وجلّ:( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ - إلى قوله -ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) ، أتعلم من « المؤمنين » الذين أراد الله في هذا الموضع؟ قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين، قال: الناس جميعاً انهزموا يوم حنين، فلم يبق مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا سبعة نفر من بني هاشم: علي يضرب بسيفه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله، والخمسة محدقون به خوفاً من أنْ يناله من جراح القوم شيء، حتى أعطى الله لرسوله الظفر، فالمؤمنون في هذا الموضع عليّ خاصة ثم من حضره من بني هاشم، قال: فمن أفضل، من كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الوقت أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟ قلت: بل من أنزلت عليه السكينة.

قال: يا إسحاق، من أفضل، من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتّى تمّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد من الهجرة؟ إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أنْ يأمر علياً بالنوم على فراشه، وأنْ يقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك،

١٧٨

فبكى عليرضي‌الله‌عنه فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يبكيك يا علي أجزعاً من الموت؟ قال: لا والذي بعثك بالحق يا رسول الله، ولكن خوفاً عليك، أفتسلم يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: سمعاً وطاعةً وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله، ثمّ أتى مضجعه واضطجع وتسجّى بثوبه، وجاء المشركون من قريش فحفّوا به لا يشكّون أنّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أجمعوا أن يضربه من كلّ بطنٍ من بطون قريش رجل ضربة بالسيف، لئلاّ يطلب الهاشميّون من البطون بطنا بدمه، وعلي يسمع القوم فيه من تلاف نفسه ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار، ولم يزل علي صابرا محتسباً، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح، فلمـّا أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا: أين محمّد؟ قال: وما علمي بمحمّد أين هو؟ قال: فلا نراك إلّا مغرراً بنفسك منذ ليلتنا، فلم يزل علي أفضل ما بدأ به يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه.

يا إسحاق، هل تروي حديث الولاية؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اروه، ففعلت، قال: يا إسحاق، أرأيت هذا الحديث هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت: إن النّاس ذكروا أنّ الحديث إنّما كان بسبب زبد بن حارثة، لشيء جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: في أيّ موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟ قلت: أجل، قال: فإن قتل زيد بن حارثة قبل الغدير، كيف رضيت لنفسك بهذا؟ أخبرني لو رأيت ابنا لك قد أتت عليه خمسة عشر سنة يقول: مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاعلموا ذلك، أكنت منكرا ذلك عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ فقلت: اللهم نعم، قال: يا إسحاق أفتنزّه ابنك عمّا لا تنزّه عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

ويحكم لا تجعلوا فقهائكم أربابكم، إنّ الله جلّ ذكره قال في كتابه:

١٧٩

( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) ولم يصلّوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنّهم أرباب، ولكنْ أمروهم فأطاعوا أمرهم.

يا إسحاق: أتروي حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قد سمعته وسمعت من صحّحه وجحده، قال: فمن أوثق عندك، من سمعت منه فصحّحه أو من جحده؟ قلت: من صحّحه، قال: فهل يمكن أن يكون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مزح بهذا القول؟ قلت: أعوذ بالله، قال: فقال قولاً لا معنى له فلا يوقف عليه؟ قلت: أعوذ بالله، قال: أفما تعلم ان هارون كان أخا موسى لأبيه وأمّه؟ قلت: بلى، قال: فعلي من رسول الله لأبيه واُمّه؟ قلت: لا، قال: أوليس هارون نبياً وعلي غير نبي؟ قلت: بلى، قال: فهذان الحالان معدومان في علي وقد كانا في هارون فما معنى أنت منّي بمنزلة هارون من موسى؟ قلت له: إنّما أراد أن يطيّب بذلك نفس علي لمـّا قال المنافقون إنّه خلّفه استثقالاً له، قال: فأراد أن يطيّب نفسه بقول لا معنى له؟ قال: فأطرقت، قال: يا إسحاق له معنىً في كتاب الله بيّن، قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عزّ وجلّ حكايةً عن موسى أنّه قال لأخيه هارون:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) قلت: يا أمير المؤمنين: إن موسى خلّف هارون في قومه وهو حي ومضى إلى ربّه، وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلّف علياً كذلك حين خرج إلى غزاته، قال: كلّا ليس كما قلت، أخبرني عن موسى حين خلّف هارون هل كان معه حين ذهب إلى ربّه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت: لا، قال: أو ليس استخلفه على جماعتهم؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين خرج إلى غزاته هل خلّف إلّا الضعفاء والنساء والصبيان؟ فأنّى يكون مثل ذلك؟!

وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدلّ على استخلافه إيّاه، لا يقدر أحد أن يحتجّ فيه، ولا أعلم أحداً احتجّ به، وأرجو أنْ يكون توفيقاً من الله. قلت:

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411