نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 411

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 411 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 200132 / تحميل: 10032
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وقد ذكر ( الدهلوي ) في ( أُصول الحديث ) له، والصدّيق حسن خان في ( الحطة في ذكر الصحاح الستة ) كتاب « الخصائص » في الكتب المصنفة في ( المناقب ) قالا: « وللنسائي رسالة طويلة الذيل في مناقبه كرّم الله وجهه، وعليها نال الشهادة في دمشق من أيدي نواصب الشام، لفرط تعصبهم وعداوتهم معهرضي‌الله‌عنه ».

واستشهد ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) بقصّة النسائي وكتابه « الخصائص » في مقام الدفاع عن أهل السنّة، ودفع ما قيل من أنّهم يبطنون بغض أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، ولكن العجب منه تكذيبه حديث الطير وحديث الولاية المخرجين في هذا الكتاب، فهو مرةً يستشهد باستشهاد النسائي على أيدي النواصب وبتصنيفه كتاب الخصائص لولاء أهل نحلته لأهل البيت الأمجاد، ومرةً يشاقق النسائي بتكذيب حديث الولاية، واُخرى بتكذيب حديث الطير، ويسرّ قلوب أهل النصب والعناد، وهل هذا إلّا تدافع وتهافت وتناقض؟!

وهكذا، فقد باهى تلميذه رشيد الدين خان في كتابه ( إيضاح لطافة المقال ) وافتخر بكتاب « الخصائص »، وعدّه من مصنّفات عظماء أهل التحقيق من أهل السنّة في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن شيخه ( الدهلوي ) قد أبطل هذا الافتخار بإبطال حديث الولاية وحديث الطير، المسرودين في ( الخصائص ) وغيره من الأسفار المشهورة بالإِعتبار

(١٠)

رواية أبي يعلى

رواه بقوله: « ثنا الحسن بن حمّاد الوراق ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع - ثقة - ثنا عيسى بن عمر عن إسماعيل السدّي، عن أنس بن مالك: إن رسول

١٦١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده طائر فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء أبو بكر فردّه ثم جاء عمر فردّه ثم جاء عثمان فردّه ثم جاء علي فأذن له »(١) .

و قال أبو يعلى أيضاً: « ثنا قطن بن نسير، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا عبد الله بن مثنى، ثنا عبد الله بن أنس، عن أنس قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجل مشوي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام، فقالت عائشة: اللّهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللّهم اجعله أبي، قال أنس فقلت أنا: اللهم اجعله سعد به عبادة. قال أنس: سمعت حركة الباب، فإذا علي فسلَّم، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف، ثم سمعت حركة الباب فسلَّم علي، فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته فقال: اُنظر من هذا؟ فخرجت فإذا علي، فجئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته، فقال: ائذن له فأذنت له فدخل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم وإليَّ اللّهم وإليَّ ».

إعتبار مسند أبي يعلى

ومسند أبي يعلى من المسانيد المعتبرة المشهورة، والأسفار المقبولة المعروفة، ومن مرويّات مشاهير العلماء: كالسيوطي، والثعالبي، والكردي، والأمير، والشوكاني، وشاه ولي الله، وغيرهم.

وقال الذهبي بترجمة أبي يعلى: « أبو يعلى، الموصلي، الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة صاحب المسند الكبير ».

قال: « قال السمعاني: سمعت إسماعيل بن محمّد بن الفضل الحافظ يقول: قرأت المسانيد، كمسند العدني ومسند أبي منيع، وهي كالأنهار، ومسند

____________________

(١). مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥.

١٦٢

أبي يعلى كالبحر يكون مجتمع الأنهار.

قلت: سمعنا مسند أبي يعلى بفوت نصف جزءٍ بالإِجازة العالية، ويقع من حديثه بعلو لابن البخاري »(١) .

وقال في ( العبر ) له: « أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى، التميمي، الحافظ، صاحب المسند »(٢) .

وكذا قال: صلاح الدين الصفدي، واليافعي بترجمته. وقد أورد السيّوطي، والثعالبي في ( طبقات الحفاظ ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ) كلمة إسماعيل بن الفضل الحافظ المتقدمة.

* وقال الحافظ الهيثمي: « عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقدّم فرخاً مشويّاً، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الفرخ، فجاء علي ودقَّ الباب، فقال أنس: من هذا؟ قال: علي، فقلت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف، ثمّ تنّحى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكل، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الفرخ، فجاء علي فدقَّ الباب دقّاً شديداً، فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا أنس، من هذا؟ قلت: علي. قال: أدخله، فدخل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد سألت الله ثلاثا أن يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ، فقال علي: وأنا - يا رسول الله - فقد جئت ثلاثاً، كلّ ذلك يردّني أنس. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يلام الرجل على

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٢). العبر في خبر من غبر ٢ / ١٣٤.

١٦٣

حبّ قومه.

وفي روايةٍ: كنت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حائط، وقد أُتي بطائر.

و في روايةٍ قال: أهدت أُمّ أيمن إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائراً بين رغيفين، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ فجاءته بالطائر.

قلت: عند الترمذي طرف منه.

رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار.

و أبو يعلى باختصار كثير، إلّا أنّه قال: فجاء أبو بكر فردّه، ثم جاء عمر فردّه، ثم جاء علي فأذن له.

وفي إسناد الكبير: حمّاد بن المختار ولم أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح.

وفي أحد أسانيد الأوسط: أحمد بن عياض بن أبي طيبة، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ورجال أبي يعلى ثقات، وفي بعضهم ضعف »(١) .

رجال الحديث

ورجال أبي يعلى ثقات. أمّا الحديث الأوّل فرجاله رجال النسائي في الخصائص، وقد عرفتهم، وأمّا الحديث الثاني فهم ثقات بلا كلام.

وقول الهيثمي - بعد توثيق رجال إسناد أبي يعلى - « وفي بعضهم ضعف » ما هو إلّا إشارة إلى تكلّم بعضهم - عن تعصّبٍ - في « السدّي »، وقد عرفت أنّه من رجال الصّحاح.

____________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥.

١٦٤

ترجمة أبي يعلى

وأبو يعلى - أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي - فهو من الحفاظ المشاهير الأعلام، وهذه طائفة من مصادر ترجمته - وقد ترجمنا له في بعض المجلّدات بالتفصيل -:

١ - تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٧.

٢ - العبر ٢ / ١٣٤.

٣ - الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

٤ - مرآة الجنان ٢ / ٢٤٩.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ١٣٠.

٦ - النجوم الزاهرة ٣ / ١٩٧.

٧ - طبقات الحفاظ: ٣٠٦.

٨ - دول الإِسلام ١ / ١٨٦.

٩ - سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٧٤.

وقد وصفه الذهبي في ( سيره ) بـ « الإِمام، الحافظ، شيخ الإِسلام ».

(١١)

رواية ابن جرير الطّبري

وأبو جعفر محمد بن جرير الطّبري من رواة حديث الطّير، وقد جمع طرقه في مؤلّف مفرد لكثرتها. قال الحافظ ابن كثير - في ذكر الحديث -: « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة، منهم: أبو بكر ابن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان - فيما رواه شيخنا الذهبي - ورأيت فيه مجلَّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري المفسّر

١٦٥

صاحب التاريخ »(١) .

ترجمته

وقد ترجمنا لابن جرير الطّبري في بعض المجلّدات. ومن مصادرها:

١ - تاريخ بغداد ٢ / ١٦٢.

٢ - معجم الأدباء ١٨ / ٤٠.

٣ - الأنساب - الطبري.

٤ - تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٧٨.

٥ - طبقات الحفّاظ: ٣٠٧.

٦ - تذكرة الحفاظ ٢ / ٧١٠.

٧ - طبقات السبكي ٣ / ١٢٠.

٨ - طبقات الداودي ٢ / ١٠٦.

٩ - الوافي بالوفيات ٢ / ٢٨٤.

١٠ - العبر ٢ / ١٤٦.

١١ - طبقات القراء ٢ / ١٠٦.

١٢ - مرآة الجنان ٢ / ٢٦٠.

١٣ - البداية والنهاية ١١ / ١٤٥.

١٤ - شذرات الذهب ٢ / ٢٦٠.

ه فوة من ابن كثير

وأمّا قول ابن كثير بعد العبارة المذكورة: « ثمّ وقفت على مجلَّد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً، للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلّم ».

____________________

(١). البداية والنهاية ٧ / ٣٥٤.

١٦٦

فيضعّف بأنّ الباقلّاني لا يبلغ أدنى المراتب الحاصلة للطبري في معرفة الحديث والرجال، وأين الثريّا من الثّرى؟ وأين الدرّ من الحصى؟! فلا وجه لهذه المعارضة

بل لا يخفى على الممارس لعلم الحديث والعارف بأحوال العلماء والرّجال: أنّ الباقلاني لا يعدّ من علماء الحديث، ولا يلتفت إلى أقواله في هذا الفن، وقد نصّ على ذلك شاه وليّ الله والد ( الدهلوي ) في كتاب ( قرة العينين ).

(١٢)

رواية أبي القاسم البغوي

رواه من حديث سفينة مولى - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - « قال: أهدت امرأة من الأنصار طائرين في رغيفين إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن في البيت غيري وغير أنس، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بغدائه فقلت: يا رسول الله، قد أهدت لك امرأة من الأنصار هديّة، فقدّمت إليه الطّائرين فقال: اللّهم إئتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، فجاء علي بن أبي طالب، فضرب الباب ضرباً خفيفاً، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو الحسن، ثمّ ضرب الباب ورفع صوته فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هذا؟ قلت: علي بن أبي طالب، قال: افتح له، ففتحت له، فأكل معه من الطيرين حتى فنيا»(١) .

ترجمته

١ - السمعاني: « أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز بن المرزبان

____________________

(١). معجم الصحابة - مخطوط.

١٦٧

ابن سابور بن شاهنشاه البغوي ابن بنت أحمد بن منيع البغوي كان محدّث العراق في عصره، عمّر العمر الطويل حتى رحل الناس إليه، وكتب عنه الأجداد والأحفاد والآباء والأولاد، وكان ثقة مكثراً فهماً عارفاً بالحديث، وكان يورق أوّلاً ثم رجع، وصنف المعجم الكبير للصحابة، وجمع حديث علي بن الجعد، وغيره.

سمع: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وعلي بن الجعد، وخلف ابن هشام، ومحمّد بن عبد الوهاب الهاروني ...، وخلقاً يطول ذكرهم من شيوخ البخاري ومسلم سوى هؤلاء.

روى عنه: يحيى بن محمّد بن صاعد، وعلي بن إسحاق بن البحتري الماوردي، وعبد الباقي بن قانع، وحبيب بن الحسن الفرّاء، وأبو بكر محمّد ابن عمر بن الجعابي، وأبو حاتم البستي، وأبو أحمد بن عدي الحافظ، وأبو بكر الإِسماعيلي، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وأبو بكر ابن المقرئ، وأبو الحسن الدار قطني، ومحمّد بن المظفّر، وخلق كثير سوى هؤلاء »(١) .

٢ - الذهبي: « البغوي، الحافظ الثقة الكبير، مسند العالم قال ابن أبي حاتم: أبو القاسم البغوي يدخل في الصحيح، وقال الدار قطني: كان البغوي قلّ أنْ يتكلّم على الحديث، فإذا تكلّم كان كلامه كالمسمار في السّاج. قال ابن عدي: كان البغوي صاحب حديث

قلت: وقد احتجّ به عامّة من خرّج الصحيح، كالإِسماعيلي، والدار قطني، والبرقاني. وعاش مائة سنة وثلاث سنين، قال الخطيب: أبو بكر كان ثقة ثبتاً فهماً عارفاً. وقال السلمي: سألت الدّار قطني عن البغوي فقال: ثقة إمام جبل إمام، أقلّ المشايخ خطأً »(٢) .

____________________

(١). الأنساب - البغوي.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٣٧.

١٦٨

٣ - الذهبي أيضاً: « وكان محدّثاً حافظاً مجوّداً مصنفاً، انتهى إليه علوّ الإِسناد في الدنيا ...»(١) .

٤ - السيوطي: « البغوي، الحافظ الكبير الثقة مسند العالم »(٢) .

(١٣)

رواية ابن صاعد

قال الخوارزمي: « أخبرنا صمصام الأئمة أبو عفان عثمان بن أحمد الصرام الخوارزمي قال: أخبرنا عماد الدين أبو بكر بن الحسن النسفي قال: حدّثني الشيخ الفقيه أبو القاسم ميمون بن علي الميموني قال: حدّثنا الشيخ. الزاهد أبو محمّد إسماعيل بن الحسين قال: حدّثنا أبو الحسن القاضي علي ابن الحسن بن علي بن مطرف الجراحي ببغداد قال: حدّثنا يحيى بن صاعد قال: حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدّثنا أبو أحمد الحسين بن محمّد قال: حدّثنا سليمان بن قرم، عن محمّد بن شعيب، عن داود بن علي ابن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عباس -رضي‌الله‌عنه - قال: أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك، فجائه علي بن أبي طالب »(٣) .

ترجمته

١ - الذهبي: « يحيى بن صاعد بن كاتب، مولى أبي جعفر المنصور، الحافظ الإِمام الثقة قال الدار قطني: ثقة ثبت حافظ، وقال أحمد بن عبدان

____________________

(١). العبر ٢ / ١٧٠.

(٢). طبقات الحفاظ: ٣١٢.

(٣). مناقب علي بن أبي طالب: ٥٨.

١٦٩

الشيرازي: هو أكثر حديثاً من محمّد بن محمّد الباغندي، ولا يتقدّمه أحد في الدراية، قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجلّ من الحفظ، وهو فوق ابن أبي داود في الفهم والحفظ، وسئل ابن الجعابي: هل كان ابن صاعد يحفظ؟ فتبسّم وقال: لا يقال لأبي محمّد يحفظ، كان يدري قال الخطيب: كان ابن صاعد ذا محلٍّ من العلم، وله تصانيف في السنن والأحكام

قلت : لابن صاعد كلام متين في الرجال والعلل، يدل على تبحّره، مات في ذي القعدة سنة ٣١٨ »(١) .

٢ - اليافعي ووصفه بـ « الحافظ الحجة »(٢) .

٣ - السيوطي: « يحيى بن محمّد بن صاعد بن كاتب، مولى أبي جعفر المنصور، الحافظ الإِمام الثقة »(٣) .

(١٤)

رواية ابن أبي حاتم الرازي

رواه بإسنادٍ أجود من إسناد الحاكم، قال ابن كثير في ذكر حديث الطّير في فضائل مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ورواه ابن أبي حاتم، عن عمّار ابن خالد الواسطي، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس، فذكر الحديث. وهذا أجود من إسناد الحاكم »(٤) .

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٧٦.

(٢). مرآة الجنان ٢ / ٢٧٧.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٢٣٥.

(٤). البداية والنهاية ٧ / ٣٥٣.

١٧٠

ترجمته

١ - الذهبي: في حوادث ٣٢٧ « وفيها: توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر، الحافظ الجامع، التميمي الرازي بالراء، وقد قارب التسعين، رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومائتين، فسمع أبا سعيد الأشج، والحسن بن عرفة وطبقتهما، قال أبو يعلى الخليلي: أخذ عن أبيه وأبي زرعة، كان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، ثمّ قال: وكان زاهداً يعدّ من الإِبدال »(١) .

٢ - اليافعي ووصفه بـ « الحافظ العالم » ثمّ نقل كلام الخليلي المتقدم(٢) .

٣ - السبكي: « الإِمام ابن الإِمام، حافظ الري وابن حافظها، كان بحراً في العلم، وله المصنفات المشهورة »(٣) .

وقد ترجمنا له في مجلد حديث الغدير.

(١٥)

رواية ابن عبد ربّه

رواه في كتابه في إحتجاجٍ للمأمون على الفقهاء، في بحوثٍ مفصّلة جرت، فذكر حديث الطير ومفاده، وهذه عبارة ابن عبد ربّه حيث قال: « إحتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي: إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد ابن زيد قال: بعث إليَّ يحيى بن أكثم وإلى عدة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين

____________________

(١). العبر ٢ / ٢٠٨.

(٢). مرآة الجنان حوادث: ٣٢٧.

(٣). طبقات السبكي ٣ / ٣٢٤.

١٧١

رجلاً، كلّهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب، فسمّوا من تظنّونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين، فسمّينا له عدّةً وذكر هو عدّة، حتى تم العدد الذي أراد، وكتب تسمية القوم وأمر بالبكور في السحر، وبعث إلى من لم يحضر فأمره بذلك، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه وهو جالسٌ ينتظرنا، فركب وركبنا معه حتى صرنا إلى الباب، فإذا بخادم واقف فلمـّا نظر إلينا قال: يا أبا محمّد، أمير المؤمنين ينتظرك. فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة، فأخذنا فيها، فلم نستتمها حتى خرج الرّسول فقال: اُدخلوا، فدخلنا فإذا أمير المؤمنين جالس على فراشه وعليه سوادة وطيلسانه والطويلة وعمامته، فوقفنا وسلّمنا فردّ السلام، وأمر لنا بالجلوس، فلمـّا استقرّ بنا المجلس تحدّر عن فراشه ونزع عمامته وطيلسانه ووضع قلنسوته، ثمّ أقبل علينا فقال: إنّما فعلت ما رأيتم لتفعلوا مثل ذلك، وأما الخف فمنع من خلفه علّة، من قد عرفها منكم فقد عرفها، ومن لم يعرفها فسأعرّفه، ومدّ رجله. وقال: انزعوا قلانسكم وخفافكم وطيالستكم، قال: فأمسكنا فقال لنا يحيى: انتهوا إلى ما أمركم به أمير المؤمنين، فتنحّينا، فنزعنا أخفافنا وطيالستنا وقلانسنا ورجعنا، فلمـّا استقرّ بنا المجلس قال:

إنما بعثت إليكم - معشر القوم - في المناظرة، فمن كان به شيء من الخبثين لم ينتفع بنفسه ولم يفقه ما يقول، فمن أراد منكم الخلاء فهناك، وأشار بيده، فدعونا له.

ثمّ ألقى مسألةً من الفقه فقال: يا أبا محمّد قل وليقل القوم من بعدك، فأجابه يحيى، ثمّ الذي يلي يحيى، ثمّ الذي يليه، حتى أجاب آخرنا في العلّة وعلّة العلّة وهو مطرق لا يتكلّم، حتى إذا انقطع الكلام التفت إلى يحيى فقال: يا أبا محمّد، أصبت الجواب وتركت الصواب في العلّة، ثمّ لم يزل يردّ على كلّ واحدٍ منا مقالته، ويخطّئ بعضنا ويصوّب بعضنا، حتى أتى على آخرنا.

ثمّ قال: إني لم أبعث فيكم لهذا، ولكني أحببت أنْ أبسطكم، إنّ أمير

١٧٢

المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به، قلنا: فليفعل أمير المؤمنين وفّقه الله فقال:

إن أمير المؤمنين يدين الله على أنّ علي بن أبي طالب خير خلفاء الله بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأولى الناس بالخلافة له.

قال إسحاق: فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في علي، وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة! فقال: يا إسحاق، اختر، إنْ شئت سألتك أسألك، وإنْ شئت أن تسأل فقل. قال إسحاق: فاغتنمتها منه. فقلت: بل أسألك يا أمير المؤمنين قال: سل.

قلت: من أين قال أمير المؤمنين إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالخلافة بعده؟

قال: يا إسحاق، خبّرني عن الناس بما يتفاضلون حين يقال: فلان أفضل من فلان؟ قلت: بالأعمال الصالحة، قال: صدقت. قال: فأخبرني عمّن فضل صاحبه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ إنّ المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله يلحق به. قال: فأطرقت، فقال لي: يا أبا إسحاق لا تقل: نعم، فإنّك إنْ قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهاداً وحجاً وصياماً وصلاةً وصدقة، فقلت: أجل، يا أمير المؤمنين لا يلحق المفضول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفاضل أبداً.

قال: يا إسحاق فانظر ما رواه لك أصحابك - ومن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك - من فضائل علي بن أبي طالب فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر، فإنّي رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل علي فقل إنّه أفضل منه، لا والله، ولكن قس إلى فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإنْ وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده فقل إنّهما أفضل منه، لا والله، ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإنْ وجدتها مثل فضائل

١٧٣

علي فقل إنّهم أفضل منه، لا والله، ولكن قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنّة، فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنّهم أفضل منه.

قال: يا إسحاق، أيّ الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت: الإِخلاص بالشهادة، قال: أليس السبق إلى الإِسلام؟ قلت: نعم، قال: إقرأ ذلك في كتاب الله تعالى، يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) إنّما عنى من سبق إلى الإِسلام، فهل علمت أحداً سبق علياً إلى الإِسلام؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنّ علياً أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم. قال: أخبرني أيّهما أسلم قبل ثمّ اُناظرك من بعده في الحداثة والكمال؟ قلت: علي أسلم قبل أبي بكر، على هذه الشريطة، فقال: نعم. فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أنْ يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاه إلى الإِسلام أو يكون إلهاماً من الله؟ قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق لا تقل إلهاماً، فتقدّمه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ رسول الله لم يعرف الإِسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى. قلت: أجل، بل دعاه رسول الله إلى الإِسلام، قال: يا إسحاق، فهل يخلو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين دعا إلى الإسلام، من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلّف ذلك من نفسه؟ قال: فأطرقت، فقال: يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى التكلف، فإنّ الله يقول:( وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) . قلت: أجل، يا أمير المؤمنين، بل دعاه بأمر الله، قال: فهل من صفة الجبّار - جلّ ذكره - أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت: أعوذ بالله، فقال: أفتراه في قياس قولك - يا إسحاق -: إنّ عليا أسلم صبيّا لا يجوز عليه الحكم، قد كلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون، فهل يدعوهم السّاعة ويرتدّون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء، ولا يجوز عليهم حكم الرسولعليه‌السلام ، أترى هذا جائزاً

١٧٤

عندك أنْ تنسبه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت: أعوذ بالله، قال: يا إسحاق فأراك إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً على هذا الخلق، إبانة بها منهم ليعرفوا فضله، ولو كان الله أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا علياً، قلت: بلى، قال: فهل بلغك أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا أحداً من الصبيان من أهله وقرابته لئلّا تقول: إنّ علياً ابن عمّه؟ قلت: لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل، قال: يا إسحاق، أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسئل عنه؟ قلت: لا، قال: فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك.

قال: ثمّ أيّ الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإِسلام؟ قلت: الجهاد في سبيل الله، قال: صدقت، فهل تجد. لأحدٍ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما تجد لعلي في الجهاد؟ قلت: في أيّ وقت؟ قال: في أيّ الأوقات شئت.

قلت: بدر. قال: لا أريد غيرها، فهل تجد لأحدٍ إلّا دون ما تجد لعلي يوم بدر؟ أخبرني كم قتلى بدرٍ؟ قلت: نيف وستّون رجلاً من المشركين. قال: فكم قتل علي وحده؟. قلت: لا أدري، قال: ثلاثة وعشرين، أو اثنين وعشرين، والأربعون لسائر الناس، قلت: يا أمير المؤمنين: كان أبو بكر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عريشه، قال: ما ذا يصنع؟ قلت: يدبّر، قال: ويحك يدبّر دون رسول الله، أو معه شريكاً، أم افتقاراً مره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رأيه؟ أيّ الثلاث أحبّ إليك؟ قلت: أعوذ بالله أنْ يدبّر أبو بكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يكون معه شريكاً، أو أنْ يكون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتقار إلى رأيه، قال: فما الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممّن هو جالس؟ قلت: يا أمير المؤمنين كلّ الجيش كان مجاهداً، قال: صدقت كلّ مجاهد، ولكنّ الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله صلي الله

١٧٥

عليه وسلّم وعن الجالس أفضل من الجالس، أما قرأت كتاب الله:( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى، وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) ؟ قلت: وكان أبو بكر وعمر مجاهدين، قال: فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟ قلت: نعم، قال: فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر، قلت: أجل.

قال: يا إسحاق هل تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: اقرأ عليَّ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) فقرأت منها حتى بلغت:( يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً - إلى قوله -وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) قال: على رسلك، فيمن نزلت هذه الآيات؟ قلت: في علي، قال: فهل بلغك أنّ علياً حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال:( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ) ؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به علياً؟ قلت: لا، قال: صدقت، لأن الله - جلّ ثناؤه - عرف سيرته.

يا إسحاق، ألست تشهد أنّ العشرة في الجنّة؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، قال: أرأيت لو انّ رجلاً قال: والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا، ولا أدري أن كان رسول الله قاله أم لم يقله، أكان عندك كافراً؟ قلت: أعوذ بالله، قال: أرأيت لو أنّه قال: ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا كان كافراً؟ قلت: نعم، قال: يا إسحاق أرى بينهما فرقاً، يا إسحاق: أتروي الحديث؟ قلت: نعم.

قال: فهل تعرف حديث الطير؟

قلت: نعم.

قال: فحدثني به.

قال: فحدّثته الحديث. فقال:

١٧٦

يا إسحاق، إني كنت أكلّمك وأنا أظنّك غير معاندٍ للحق، فأمّا الآن فقد بان لي عنادك، إنّك توقن أنّ هذا الحديث صحيح؟ قلت: نعم، رواه من لا يمكنني ردّه، قال: أفرأيت أنّ من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح ثمّ زعم أنّ أحداً أفضل من علي. لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أنْ يكون دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده مردودة عليه، أو أن يقول: عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه، أو أن يقول: إن الله عزّ وجلّ لم يعرف الفاضل من المفضول، فأيّ الثلاثة أحبّ إليك أنْ تقول؟ فأطرقت، ثم قال: يا إسحاق لا تقل منها شيئاً، فإنّك إن قلت منها شيئاً استتبتك، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله.

قلت: لا أعلم.

وإنّ لأبي بكر فضلاً، قال: أجل لو لا أن له فضلاً لما قيل إنّ علياً أفضل منه، فما فضله الذي قصدت له الساعة؟

قلت: قول الله عزّ وجلّ:( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) فنسبه إلى صحبته. قال: يا إسحاق، أمّا إني لا أحملك على الوعر من طريقك إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضى عنه كافراً وهو قوله:( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ) قلت: إن ذلك كان صاحبا كافرا، وأبو بكر مؤمن، قال: فإذا جاز أن ينسب إلى صحبته من رضيه كافراً جاز أنْ ينسب إلى صحبة نبيّه مؤمناً، وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث. قلت: يا أمير المؤمنين إن قدر الآية عظيم، إنّ الله يقول:( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) قال: يا إسحاق تأبى الآن إلّا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك، أخبرني عن حزن أبي بكر، أكان رضا أم سخطاً؟ قلت: إن أبا بكر إنّما حزن من أجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفاً عليه وغمّاً أن يصل إلى رسول الله شيء من

١٧٧

المكروه، قال: ليس هذا جوابي، إنّما كان جوابي أن تقول رضى أم سخط، قلت: بل كان رضاً لله، قال: وكان الله جلّ ذكره بعث إلينا رسولاً ينهى عن رضا الله عزّ وجلّ وعن طاعته! قلت: أعوذ بالله، قال: أوليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا لله؟ قلت: بلى قال: أولم تجد أنّ القرآن يشهد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا تحزن، نهياً له عن الحزن؟ قلت: أعوذ بالله. قال: يا إسحاق إنّ مذهبي الرفق بك، لعلّ الله يردّك إلى الحق، ويعدل بك عن الباطل، لكثرة ما تستعيذ به.

وحدثني عن قول الله:( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) من عنى بذلك، رسول الله أم أبو بكر؟ قلت: بل رسول الله قال: صدقت.

قال: فحدّثني عن قول الله عزّ وجلّ:( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ - إلى قوله -ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) ، أتعلم من « المؤمنين » الذين أراد الله في هذا الموضع؟ قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين، قال: الناس جميعاً انهزموا يوم حنين، فلم يبق مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا سبعة نفر من بني هاشم: علي يضرب بسيفه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله، والخمسة محدقون به خوفاً من أنْ يناله من جراح القوم شيء، حتى أعطى الله لرسوله الظفر، فالمؤمنون في هذا الموضع عليّ خاصة ثم من حضره من بني هاشم، قال: فمن أفضل، من كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الوقت أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟ قلت: بل من أنزلت عليه السكينة.

قال: يا إسحاق، من أفضل، من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتّى تمّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد من الهجرة؟ إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أنْ يأمر علياً بالنوم على فراشه، وأنْ يقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك،

١٧٨

فبكى عليرضي‌الله‌عنه فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يبكيك يا علي أجزعاً من الموت؟ قال: لا والذي بعثك بالحق يا رسول الله، ولكن خوفاً عليك، أفتسلم يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: سمعاً وطاعةً وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله، ثمّ أتى مضجعه واضطجع وتسجّى بثوبه، وجاء المشركون من قريش فحفّوا به لا يشكّون أنّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أجمعوا أن يضربه من كلّ بطنٍ من بطون قريش رجل ضربة بالسيف، لئلاّ يطلب الهاشميّون من البطون بطنا بدمه، وعلي يسمع القوم فيه من تلاف نفسه ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار، ولم يزل علي صابرا محتسباً، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح، فلمـّا أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا: أين محمّد؟ قال: وما علمي بمحمّد أين هو؟ قال: فلا نراك إلّا مغرراً بنفسك منذ ليلتنا، فلم يزل علي أفضل ما بدأ به يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه.

يا إسحاق، هل تروي حديث الولاية؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اروه، ففعلت، قال: يا إسحاق، أرأيت هذا الحديث هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت: إن النّاس ذكروا أنّ الحديث إنّما كان بسبب زبد بن حارثة، لشيء جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: في أيّ موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟ قلت: أجل، قال: فإن قتل زيد بن حارثة قبل الغدير، كيف رضيت لنفسك بهذا؟ أخبرني لو رأيت ابنا لك قد أتت عليه خمسة عشر سنة يقول: مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاعلموا ذلك، أكنت منكرا ذلك عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ فقلت: اللهم نعم، قال: يا إسحاق أفتنزّه ابنك عمّا لا تنزّه عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

ويحكم لا تجعلوا فقهائكم أربابكم، إنّ الله جلّ ذكره قال في كتابه:

١٧٩

( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) ولم يصلّوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنّهم أرباب، ولكنْ أمروهم فأطاعوا أمرهم.

يا إسحاق: أتروي حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قد سمعته وسمعت من صحّحه وجحده، قال: فمن أوثق عندك، من سمعت منه فصحّحه أو من جحده؟ قلت: من صحّحه، قال: فهل يمكن أن يكون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مزح بهذا القول؟ قلت: أعوذ بالله، قال: فقال قولاً لا معنى له فلا يوقف عليه؟ قلت: أعوذ بالله، قال: أفما تعلم ان هارون كان أخا موسى لأبيه وأمّه؟ قلت: بلى، قال: فعلي من رسول الله لأبيه واُمّه؟ قلت: لا، قال: أوليس هارون نبياً وعلي غير نبي؟ قلت: بلى، قال: فهذان الحالان معدومان في علي وقد كانا في هارون فما معنى أنت منّي بمنزلة هارون من موسى؟ قلت له: إنّما أراد أن يطيّب بذلك نفس علي لمـّا قال المنافقون إنّه خلّفه استثقالاً له، قال: فأراد أن يطيّب نفسه بقول لا معنى له؟ قال: فأطرقت، قال: يا إسحاق له معنىً في كتاب الله بيّن، قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عزّ وجلّ حكايةً عن موسى أنّه قال لأخيه هارون:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) قلت: يا أمير المؤمنين: إن موسى خلّف هارون في قومه وهو حي ومضى إلى ربّه، وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلّف علياً كذلك حين خرج إلى غزاته، قال: كلّا ليس كما قلت، أخبرني عن موسى حين خلّف هارون هل كان معه حين ذهب إلى ربّه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت: لا، قال: أو ليس استخلفه على جماعتهم؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين خرج إلى غزاته هل خلّف إلّا الضعفاء والنساء والصبيان؟ فأنّى يكون مثل ذلك؟!

وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدلّ على استخلافه إيّاه، لا يقدر أحد أن يحتجّ فيه، ولا أعلم أحداً احتجّ به، وأرجو أنْ يكون توفيقاً من الله. قلت:

١٨٠

وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عزّ وجلّ حين حكى عن موسى قوله:( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً ) فأنت منّي يا علي بمنزلة هارون من موسى وزيري من أهلي وأخي، شدّ الله به أزري وأشركه في أمري، كي نسبّح الله كثيراً ونذكره كثيراً، فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئاً غير هذا؟ ولم يكن ليبطل قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن يكون لا معنى له.

قال: فطال المجلس وارتفع النهار، فقال يحيى بن أكثم القاضي: يا أمير المؤمنين، قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير، وأثبت ما لا يقدر أحد أنْ يدفعه، قال إسحاق: فأقبل علينا وقال: ما تقولون؟ فقلنا كلُّنا: نقول بقول أمير المؤمنين أعزّه الله، فقال: والله لو لا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إقبلوا القول من الناس، ما كنت لأقبل منكم القول.

اللّهم قد نصحت لهم القول، اللّهم إني قد أخرجت الأمر من عنقي، اللّهم أدينك بالتقرّب إليك بحبّ علي وولايته »(١) .

ابن عبد ربّه والعقد الفريد

ثمّ إنّ « ابن عبد ربّه » القرطبي من مشاهير علماء أهل السنّة وأدبائهم، وكتابه « العقد الفريد» من الكتب المشهورة والأسفار الممتعة:

١ - قال ابن ماكولا: « أحمد بن محمّد بن عبد ربّه بن حبيب بن جدير ابن سالم، مولى هشام بن عبد الملك بن مروان، أبو عمر، أندلسي مشهور بالعلم والأدب والشعر، وهو صاحب كتاب العقد في الأخبار، وشعره كثير جداً، وهو مجيد »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « كان من العلماء المكثرين من المحفوظات والاطلاع

____________________

(١). العقد الفريد ٥ / ٣٤٩.

(٢). الإكمال ٦ / ٣٦.

١٨١

على أخبار الناس، وصنف كتابه العقد، وهو من الكتب الممتعة، حوى من كلّ شيء »(١)

٣ - الذهبي: « وفيها أبو عمر العلّامة مصنّف العقد، وله اثنتان وثمانون سنة، وشعره في الذروة العليا، سمع من بقي بن مخلد ومحمّد بن وضاح »(٢) .

٤ - أبو الفدا: « وكان من العلماء المكثرين من المحفوظات، وصنّف كتاب العقد، وهو من الكتب النفيسة، ومولده في سنة ست وأربعين ومائتين »(٣) .

٥ - المقري: « وقال - يعني لسان الدين - في ترجمة صاحب العقد » الفقيه العالم أبي عمر ابن عبد ربّه: عالم ساد بالعلم وراس، واقتبس به من الحظوة أيّما اقتباس، وشهر بالأندلس حتى سار إلى المشرق ذكره، واستطار بشرر الذكاء فكره، وكانت له عناية بالعلم وثقة ورواية له متسقة، وأما الأدب فهو كان حجّته وبه غمرت الأفهام لجّته، مع صيانة وورع، ورد مائها فكرع، وله التأليف المشهور الذي سمّاه بالعقد، وحماه عن عثرات النقد، لأنّه أبرزه مثقف القناة مرهف الشباة تقصر عنه ثواقب الألباب، ويبصر السحر منه في كلّ باب، وله شعر انتهى منتهاه، وتجاوز سماك الإِحسان وسماه »(٤) .

ومن مصادر ترجمته أيضاً:

١ - سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٨٣.

٢ - معجم الأدباء ٤ / ٢١١.

٣ - مرآة الجنان ٢ / ٢٩٥.

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ١١٠.

(٢). العبر في خبر من غبر ٢ / ٢١١.

(٣). المختصر في أخبار البشر ٢ / ٩٢.

(٤). نفح الطيب عن غصن الأندلس الرطيب ٤ / ٢١٧.

١٨٢

٤ - البداية والنهاية ١١ / ١٩٣.

٥ - بغية الوعاة: ١٦١.

وقال الذهبي: « ابن عبد ربّه، العلّامة الأديب الأخباري، صاحب كتاب العقد وكان موثّقاً نبيلاً بليغاً شاعراً، عاش ٨٢ سنة، وتوفي سنة ٣٢٨ ».

(١٦)

رواية المحاملي

و رواه القاضي المحاملي حيث قال:

« حدّثنا الحسين، ثنا عبد الأعلى بن واصل، ثنا عون بن سلّام، ثنا سهل ابن شعيب، عن بريدة بن سفيان عن سفينة - وكان خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوائر قال: ورفعت له اُم أيمن بعضها، فلمـّا أصبح أتته بها فقال: ما هذا يا ام أيمن؟ فقالت: هذا بعض ما فاهدي لك أمس. قال: أولم أنهك أن ترفعي لأحد - أو لغد - طعاما! إنّ لكلّ غد رزقه. ثمّ قال: أللّهم أدخل بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فدخل عليعليه‌السلام فقال: اللّهم وإليَّ »(١) .

قال ابن المغازلي: « أخبرنا أبو طالب محمّد بن علي بن أحمد البيّع البغداديرحمه‌الله - قدم علينا واسطاً - ثنا أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر، أنّه قال: حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، نا عبد الأعلى بن واصل، ثنا عون بن سلام، ثنا سهل بن شعيب، عن بريدة بن سفيان عن سفينة - وكان خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: اهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوائر، قال: فرفعت له اُم أيمن بعضها، فلمـّا أصبح أتته بها فقال:

____________________

(١). الأمالي: ٤٤٣ - ٤٤٤.

١٨٣

ماذا يا اُم أيمن؟ فقالت: هذا بعض ما اهدي إليك أمس، قال: أولم أنهك أن ترفعي لغد طعاما، إنّ لكلّ غدٍ رزقه؟ ثم قال: اللّهم أدخل أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فدخل علي، فقال: اللّهم وإليَّ.

هذا حديث غريب من هذا الطريق »(١) .

وتظهر روايته للحديث من سند رواية الكنجي الشافعي الآتية في محلّها إن شاء الله.

ترجمته

١ - السمعاني: « أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، كان: فاضلاً، صادقاً، ثبتاً، ديّناً، ثقة، صدوقاً »(٢) .

٢ - ابن الأثير في حوادث ٣٣٠: « وفيها توفي القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل المحاملي الفقيه الشافعي: وهو من المكثرين في الحديث، وكان مولده سنة خمس وثلاثين ومائتين، وكان على قضاء الكوفة وفارس فاستعفى من القضاء وألحّ في ذلك، فأجيب إليه»(٣) .

٣ - الذهبي: « المحاملي، القاضي الإِمام العلّامة الحافظ، شيخ بغداد ومحدّثها، أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمّد الضبي البغدادي. ولد في أوّل سنة خمس وثلاثين ومائتين، وأول سماعه في سنة أربع وأربعين، سمع: أبا حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب مالك، وعمرو بن علي الفلّاس، وزياد بن أيوب، وأحمد بن المقدام العجلي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمّد بن المثنى العنزي، وأبا هشام، وعبد الرحمن بن يونس السراج، والزبير بن بكّار، وطبقتهم ومن بعدهم، فأكثر وصنّف وجميع.

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ١٧٥.

(٢). الأنساب ٥ / ٢٠٨ - المحاملي.

(٣). الكامل في التاريخ ٨ / ٣٩٢.

١٨٤

روى عنه: دعلج، والدار قطني، وابن جميع، وإبراهيم بن جرولة الباجي، وابن الصّلت الأهوازي، وأبو عمرو ابن مهدي، وأبو محمّد بن البيّع، وآخرون.

قال الخطيب: كان: فاضلا، ديّنا، صادقا، شهد عند القضاة وله عشرون سنة، ولي قضاء الكوفة ستّين سنة »(١) .

٤ - اليافعي: « الإِمام الكبير، القاضي أبو عبد الله المحاملي الشهير قال أبو بكر الدراوردي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل »(٢) .

٥ - السيوطي: « المحاملي القاضي، الإِمام العلّامة الحافظ، شيخ بغداد ومحدّثها وكان: فاضلاً، ديّناً، صدوقاً »(٣) .

ومن مصادر ترجمته أيضاً:

١ - سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٥٨.

٢ - تاريخ بغداد ٨ / ١٩.

٣ - الوافي بالوفيات ١٢ / ٣٤١.

٤ - العبر ٢ / ٢٢٢.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ٢٠٣.

(١٧)

رواية ابن عقدة

لقد رواه في « كتاب الطير » الذي جمع فيه طرقه وألفاظه كما قال ابن شهر آشوب السّروي - المترجم له ببالغ الثناء في معاجم التراجم كما علمت

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٢٤.

(٢). مرآة الجنان ٢ / ٢٩٧.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٣٤٣.

١٨٥

سابقاً -: « روى حديث الطير جماعة ورواه ابن بطة في الإِبانة من طريقين، والخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد من سبعة طرق، وقد صنّف أحمد ابن محمّد بن سعيد كتاب الطير »(١) .

أقول: ومن ذلك قوله: « ثنا محمّد بن أحمد بن الحسن، ثنا يوسف بن عدي، ثنا حمّاد بن المختار الكوفي، ثنا عبد الملك بن عمير، عن أنس قال: اهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر، فوضع بين يديه فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، قال: فجاء علي فدقّ الباب فقال: من ذا؟ فقال: أنا علي ».

كما تظهر روايته من كلام ابن المغازلي، الآتي في محلّه.

ترجمته

وابن عقدة من أعلام الحديث ومشاهير الأئمة الثقات، وقد ترجمنا له وأثبتنا ثقته على ضوء المصادر المعتبرة في بعض مجلّدات الكتاب.

وتوجد ترجمته في الكتب الآتية:

١ - تاريخ بغداد ٥ / ١٤.

٢ - تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٣٩.

٣ - مرآة الجنان ٢ / ٣١١.

٤ - الوافي بالوفيات ٧ / ٣٩٥.

٥ - النجوم الزاهرة ٣ / ٢٨١.

٦ - العبر ٢ / ٢٣٠.

٧ - طبقات الحفاظ: ٣٤٨.

٨ - شذرات الذهب ٢ / ٣٣٢.

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.

١٨٦

(١٨)

رواية المسعودي

لقد أثبته في تاريخه أيّما إثبات، وذكره في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام الخاصّة به، حيث قال: « والأشياء التي استحق بها أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفضل هي: السبق إلى الإِيمان، والهجرة والنصرة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقربى منه، والقناعة، وبذل النفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله، والورع، والزهد، والقضاء والحكم، والعفة والعلم.

وكل ذلك لعلي -رضي‌الله‌عنه - منه النّصيب الأوفر والحظ الأكبر، إلى ما ينفرد به من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين آخى بين أصحابه: أنت أخي، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ضدّ له ولا ند، و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي، و قولهعليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم دعاؤهعليه‌السلام - وقد قدم إليه أنس الطائر -: اللهم أدخل إليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فدخل عليه عليعليه‌السلام إلى آخر الحديث، فهذا وغيره من فضائله وما اجتمع فيه من الخصال ممّا تفرّق في غيره »(١) .

ترجمته

١ - ابن شاكر الكتبي: « علي بن الحسين بن علي، أبو الحسين،

____________________

(١). مروج الذهب ١ / ٧١١.

١٨٧

المسعودي المؤرّخ، من ذرية عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه ، قال الشيخ شمس الدين: عداده في البغداديين وأقام بمصر مدة، وكان أخباريّاً علّامة، صاحب غرائب وملح ونوادر، مات سنة ٣٤٦، وله من التّصانيف: كتاب مروج الذهب »(١) .

٢ -السبكي : « وكان أخبارياً متفنّناً، علّامة، صاحب ملح وغرائب، سمع من نفطويه وابن زبر القاضي وغيرهما، ودخل إلى البصرة، فلقي بها أبا خليفة الجمحي، ولم يعمّر على ما ذكر، وقيل: إنّه كان معتزلي العقيدة، مات سنة خمس وأربعين أو ست وأربعين وثلاثمائة، وهو الذي علّق عن أبي العباس ابن شريح رسالة البيان عن أصول الأحكام، وهذه الرسالة عندي نحو خمس عشرة ورقة »(٢) .

(١٩)

رواية أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي

لقد روى حديث الطير بإسناد الصّحيحين، لكنّ الذهبي - الشهير بتعصّبه على الحق وإنكاره لفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام - اتّهمه بوضعه، وهذا نصّ كلامه بترجمته:

« أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي، روى عن أبي حمّة، وعنه الطبراني، فذكر حديث الطير بإسناد الصحيحين، فهو المتّهم بوضعه »(٣) .

لكنْ تعقّبه ابن حجر فذكر إخراج الحاكم الحديث عن طريق أحمد بن سعيد، ثمّ أضاف بأنّ الرجل معروف ومن شيوخ الطبراني، وهذا نصّ كلامه:

____________________

(١). فوات الوفيات ٢ / ٤٥.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٣٠٧.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ١٠٠.

١٨٨

« قلت: أخرجه الحاكم عن محمّد بن صالح الأندلسي عن أحمد - هذا - عن أبي حمة محمّد بن يوسف، عن أبي قرة موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضر، عن أنس. وأحمد بن سعيد معروف من شيوخ الطبراني، وأظنّه دخل عليه إسناد في إسناد »(١) .

وأمّا ظنّ العسقلاني أنّه « دخل عليه إسناد في إسناد » فهو ظنٌ لا يغني من الحق شيئاً، وتضليل ليس لأحدٍ إلى قبوله من سبيل، والله الهادي الصائن عن كيد كلّ خادع ضئيل

هذا، وقد صرّح السمعاني ايضاً برواية الطبراني عن أحمد بن سعيد(٢) ، وقد تقرّر في محلّه أن رواية الأكابر الأعلام دليل على كمال الشرف والجلالة، بل هي عين التوثيق والتعديل عند بعض أئمة هذا الشأن الجليل، والله الهادي إلى سواء السبيل

(٢٠)

رواية الطبراني

رواه بسند صحيح. حيث قال:

« نا أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي، قال: نا أبو حمة محمّد بن يوسف اليماني قال: نا أبو قرة موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله، عن أنس بن مالك قال: بينا أنا واقف عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذْ اُهدي إليه طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي بن أبي طالب فقلت: رسول الله على حاجة، ثمّ

____________________

(١). لسان الميزان ١ / ١٧٧.

(٢). الأنساب - الجدّي.

١٨٩

جاء علي فدخل، فقال له رسول الله: اللهم وإليَّ اللهم وإليَّ، فأكل معه ».

فقد رواه الطبراني عن شيخه أحمد بن سعيد، بإسناده عن أنس، وهو نفس الإِسناد الذي صرّح الذهبي - وسلّم به العسقلاني - بأنّه إسناد الصحيحين فظهر رواية الطبراني حديث الطير بسندٍ صحيح. والحمد لله على ذلك.

وقال الطبراني:

« حدثنا عبيد العجلي، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا حسين بن محمّد، ثنا سليمان بن قرم، عن فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن أبي نعيم، عن سفينة مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بطير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء عليرضي‌الله‌عنه فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم وإليَّ »(١) .

وقال الطبراني:

« حدثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السّرح المصري، ثنا يوسف بن عدي، ثنا حمّاد بن المختار، عن عبد الملك بن عمير، عن أنس -رضي‌الله‌عنه - قال: أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر، فوضع بين يديه فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - فدقّ الباب، فقلت: ذا؟ فقال: أنا علي، فقلت: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع، ثلاث مرار، كلّ ذي يجئ، قال: فضرب الباب برجله فدخل فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك؟ قال: قد جئت ثلاث مرات، كلّ ذلك يقول: النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على

____________________

(١). المعجم الكبير ٧ / ٨٢.

١٩٠

حاجة: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على ذلك؟ قلت: كنت أردت أنْ يكون رجل من قومي»(١) .

وقال الطبراني:

« عن أنس بن مالك قال: أهدت أُم أيمن إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائراً بين رغيفين، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ فجاءته بالطائر، فرفع يديه فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول، وإنّما دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آنفاً(٢) النبي من الطائر شيئاً، ثمّ رفع يده فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فارتفع الصوت بيني وبينه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: خلّه من كان يدخل، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وإليَّ يا رب - ثلاث مرات - فأكل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى فرغا.

لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلّا عبد الرزاق، تفرّد به سلمة »(٣) .

* وجاء التصريح في غير واحدٍ من الكتب برواية الطبراني حديث الطّير، وقد أورد الهيثمي الحديث عن الطّبراني بأسانيد، فنصّ على أن رجال إسناده في ( المعجم الكبير ) رجال الصحيح ما عدا واحد فقال: « لم أعرفه وبقيّة رجاله رجال الصحيح » وأنّ له أسانيد في ( المعجم الأوسط) فسكت إلّا عن واحدٍ منها فقال: « وفي أحد أسانيد الأوسط أحمد بن عياض بن أبي طيبة ولم أعرفه، وبقيّة ورجاله رجال الصحيح »، ثمّ أخرجه عن البزار والطبراني عن سفينة فقال: « ورجال

____________________

(١). المعجم الكبير ١ / ٢٥٣.

(٢). في النسخة: هنا كلمة لا تقرأ.

(٣). المعجم الأوسط ٢ / ٤٤٣.

١٩١

الطبراني رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة »(١) فإذن، الطبراني يروي حديث الطير بسندٍ آخر اعترف الهيثمي بصحّته، فإذا ثبت ثقة من قال « لم أعرفه » كانت الأسانيد الصحيحة عند الطبراني في رواية حديث الطير كثيرةً، والله الموفق.

ترجمته

١ - السمعاني: « أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني، حافظ عصره، صاحب الرّحلة، رحل إلى ديار: مصر، والحجاز، واليمن، والجزيرة، والعراق، وأدرك الشيوخ، وذاكر الحفّاظ، وسكن إصبهان إلى آخر عمره، وصنّف التصانيف، يروي عن: إسحاق بن إبراهيم الديري الصنعاني، وجمع شيوخه الذين سمع منهم وكانوا ألف شيخ، روى عنه: أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، وأبو نعيم الحافظ، والعالم.

ولد سنة ستين ومائتين بطبرية، مات لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستّين وثلاثمائة بإصبهان، وكان يقول: أول ما قدمت أصبهان سنة تسعين ومائتين »(٢) .

٢ - ابن خلّكان: « كان حافظ عصره وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة، منها: المعاجم الثلاثة »(٣) .

٣ - الذهبي حوادث ٣٦٠: « وفيها: الطبراني الحافظ العلم مسند العصر وكان ثقة صدوقاً واسع الحفظ، بصيراً بالعلل والرجال والأبواب، كثير التصانيف »(٤) .

____________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ ١٢٦.

(٢). الأنساب - الطبراني.

(٣). وفيات الأعيان ٢ / ٤٠٧.

(٤). العبر ٢ / ٣١٥.

١٩٢

٤ - السيوطي: « الطّبراني: الإمام العلّامة بقيّة الحفّاظ مسند الدنيا، وأحد فرسان هذا الشأن قال ابن مندة: أحد الحفّاظ المذكورين قال أبو العباس الشيرازي: كتبت عن الطبراني ثلاث مائة ألف حديث، وهو ثقة »(١) .

هذا، وقد اعتمد العلماء على كتبه واحتّجوا برواياته في مختلف كتبهم كما احتجّ برواياته ( الدهلوي ) نفسه في مواضع من ( التحفة ).

(٢١)

رواية ابن السقّاء

لقد روى ابن السقّاء حديث الطير وأملاه في واسط، فلم تحمل نفوس المتعصّبين المنطوية على بغض أهل البيت سماع هذه الفضيلة الجليلة، الهادمة لأساس التزوير والقالعة لبنيان التلميع، حتى وثبوا به لنصبهم الشديد، فأقاموه وغسلوا موضعه لاعتقادهم نجاسته بذلك! فمضى ابن السقّاء ولزم بيته

ولقد أورد هذه القضية الذهبي بترجمته حيث قال: « قال السلفي: سألت الحافظ خميساً الحَوزي عن ابن السقاء. فقال: هو من مزينة مضر ولم يكن سقاء بل لقب له، من وجوه الواسطيّين وذوي الثروة والحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من: أبي خليفة، وأبي يعلى، وابن زيدان البجلي، والمفضل بن الجندي. وبارك الله في سنّه وعلمه، واتفق أنّه أملى حديث الطير، فلم تحمله نفوسهم فوثبوا به، فأقاموه وغسَلوا موضعه، فمضى ولزم بيته، ولم يحدّث أحداً من الواسطيين، فلهذا قلَّ حديثه عندهم، وتوفّي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة،

____________________

(١). طبقات الحفّاظ: ٣٧٢.

١٩٣

حدّثني به شيخنا أبو الحسن المغازلي »(١) .

كما تظهر روايته من عبارة ابن المغازلي الآتية فيما بعد.

ترجمته

١ - قال الذهبي: « ابن السقاء، الحافظ الإِمام محدّث واسط، أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان الواسطي روى عنه: الدار قطني، وأبو الفتح يوسف القوّاس، وأبو العلاء محمّد بن علي القاضي وآخرون.

قال أبو العلاء ابن المظفر والدار قطني: يقولون لم نر مع ابن السقا كتاباً وإنّما حدّثنا حفظاً، وقال علي بن محمّد بن الطيّب الجلابي في تاريخه: ابن السقّاء من أئمة الواسطيين والحفاظ المتقنين، توفي في جمادى الآخرة سنة ٣٧٣ »(٢) .

وقال: « ابن السقاء: الإِمام الحافظ الثّقة الرّحال »(٣) .

٢ - السمعاني: « واشتهر به أبو محمّد المعروف بابن السقاء، من أهل الفهم والحفظ والمعرفة بالحديث »(٤) .

٣ - السيوطي: « ابن السقّاء - الحافظ الإِمام محدّث واسط، أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان، سمع: أبا خليفة، وأبا يعلى، ومنه: الدار قطني وأبو نعيم، وكان من أئمة الواسطيين، والحفّاظ المتقنين، وذوي المروة والوجاهة، يحدّث حفظاً، مات في جمادى الآخرة سنة ٣٧٣ »(٥) .

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٣ / ٩٦٥، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٥٢.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٣ / ٩٦٥.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٥١.

(٤). الأنساب ٧ / ٩٠.

(٥). طبقات الحفّاظ: ٣٨٥.

١٩٤

(٢٢)

رواية أبي اللّيث السّمرقندي

رواه في ( المجالس ) له حيث قال: « قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضلكم علي بن أبي طالب، وعن أنس بن مالك قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث طوائر فقال: اللّهم سق إليَّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي، قال أنس: فكنت على الباب فجاء علي فرددته رجاء أن يجئ رجل من الأنصار، ثمّ جاء علي فأذنت له، فقال رسول الله: كل يا علي، فأنت أحبّ خلقك الله إليه، وقد دعوت أن يسوق أحبّ خلقه إليه ».

ترجمته

١ - الذهبي: « أبو الليث: الإِمام الفقيه المحدّث الزاهد »(١) .

٢ - الكفوي: « الشيخ الإِمام أبو اللّيث الفقيه نصر بن محمّد بن إبراهيم السمرقندي، كان يعرف بإمام الهدى، وكان مشهور بالكنية والفقيه، وفي تقدمة المقدمة: قيل: سماه النبي فقيهاً لما روى أنّه لما صنّف كتابه المسمّى تنبيه الغافلين عرضه على روضة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبات الليلة، فرأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فناوله كتابه فقال: هذا كتابك يا فقيه، فانتبه فوجد فيه مواضع ممحوّة، فكان يتبرّك باسم الفقيه فاشتهر به »(٢) .

٣ - محي الدين القرشي: « نصر بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم السّمرقندي الفقيه أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقّه على الفقيه أبي جعفر

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٢٢.

(٢). كتائب أعلام الأخيار -مخطوط .

١٩٥

الهندواني، وهو الإِمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفيرحمه ‌الله تعالى ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣٧٣ »(١) .

(٢٣)

إثبات الصّاحب ابن عبّاد

ولقد أثبت أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد الملقّب بالصاحب حديث الطير، إذ أورده في أشعارٍ له في مدح مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فقد جاء في كتاب ( المناقب ) ما نصه: « وللصاحب كافي الكفاة:

يا أمير المؤمنين المرتضى

إن قلبي عندكم قد وقفا

كلما جدّدت مدحي فيكم

قال ذو النصب يسبّ السّلفا

من كمولاي علي زاهداً

طلّق الدنيا ثلاثاً ووفى؟

من دعي للطير يأكله؟

ولنا في مثل هذا مكتفى

من وصي المصطفى عندكم

فوصيّ المصطفى يصطفى؟ »(٢) .

وفيه: « وقال الصاحب كافي الكفاة في مدح علي:

هو البدر في هيجاء بدرٍ وغيرهُ

فرائصه من ذكره السيف ترعد

وكم خبر في خيبر قد رويتم

ولكنكم مثل النعام تشرد؟

وفي اُحدٍ ولىّ رجال وسيفه

يسوّد وجه الكفر وهو مسوّد

عليّ له في الطير ما طار ذكره

وقامت به أعداؤه وهي تشهد

وما شدّ عن خير المساجد بابه

وأبوابهم إذ ذاك عنه تسدّد

____________________

(١). الجواهر المضية في طبقات الحنفيّة ٢ / ١٩٦.

(٢). مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي: ٦٥.

١٩٦

وزوجته الزهراء خير كريمة

لخير كريم فضلها ليس يجحد »

وذكر أشعاراً اُخرى له في الباب(١) .

ترجمته

فهذا الصاحب بن عباد، الذي فاق في الفضل وساد، قد أبان صحة هذا الحديث لكل ذي سداد، حيث نظمه جازماً بثبوته لأبي الأئمة الأمجاد، عليه وآله آلاف السلام من ربّ العباد، فقلع أُسّ المكابرة والعناد، وألقم الحجر في فم كل شاحن ذي احتداد منطوٍ على كوامن الضغائن والأحقاد، والله المتفضل بالهداية والإِرشاد

وقد أثنى على الصاحب ومدحه كبار علماء أهل السنّة وصفوه بالمآثر الجميلة والمكارم الجليلة، راجع:

١ - وفيات الأعيان ١ / ٢٢٨.

٢ - معجم الأدباء ٦ / ١٦٨.

٣ - يتيمة الدهر ٣ / ١٨٨.

٤ - العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٨.

٥ - الكامل ٨ / ٣٥٢.

٦ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٣٠.

٧ - مرآة الجنان ٢ / ٤٢١.

٨ - تتمة المختصر ١ / ٣١٢.

٩ - بغية الوعاة ١ / ٤٤٩.

١٠ - شذرات الذهب ٣ / ١١٣.

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي: ٢٤٠.

١٩٧

(٢٤)

رواية ابن شاهين

أخرجه عن طريقه ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام غير مرة، فمن ذلك قوله:

« أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان، أنبأنا يحيى بن محمّد بن صاعد، أنبأنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، أنبأنا حسين بن محمّد، أنبأنا سليمان بن قرم، عن محمّد بن شعيب، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه ابن عباس قال: أتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر، فقال: اللّهم ائتني برجل يحبّه الله ورسوله. فجاء عليعليه‌السلام ، فقال: اللّهم وإليَّ ».

وقوله: « أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو حفص ابن شاهين، أنبأنا يحيى بن محمّد بن صاعد، أنبأنا عبد القدوس بن محمّد بن عبد الكبير بن الحبحاب - بالبصرة - حدثني عمي صالح ابن عبد الكبير، أنبأنا عبد الله بن زياد أبو العلاء، عن علي بن زيد، عن سعيد ابن المسيب، عن أنس بن مالك قال

قال ابن شاهين: تفرّد بهذا الحديث عبد القدوس بن محمّد بن عمّه، لا أعلم حدّث به غيره، وهو حديث حسن غريب ».

وقوله: « حدثنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو حفص بن شاهين، أنبأنا محمّد بن إبراهيم الأنماطي، أنبأنا محمّد بن عمرو بن نافع، أنبأنا علي بن الحسن، أنبأنا خليد بن دعلج، عن قتادة، عن

١٩٨

أنس »(١) .

و قال ابن المغازلي: « أخبرنا محمّد بن علي - إجازة - أنّ أبا حفص عمر ابن أحمد بن شاهين الواعظ حدّثهم: نا محمّد بن الحسين الجواربي، نا إبراهيم بن صدقة، نا يغنم بن سالم، نا أنس قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر، وذكر الحديث »(٢) .

و قال: « أخبرنا أبو طالب بن محمّد بن علي بن الفتح الحربي البغدادي - فيما كتب به إليّ - أن أبا حفص عمر بن أحمد بن شاهين حدثهم قال: نا نصر ابن القاسم الفرضي، نا عيسى بن مساور الجوهري قال: قال لي يَغنم بن سالم ابن قنبر - ولقيته سنة تسعين ومائة وقال يغنم بن سالم: لي اثني عشرة ومائة سنة - قال لي أنس بن مالك: اهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير مشوي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك أو بمن تحبّه - الشك من عيسى بن مساور الجوهري - فجاء علي، فرددته، فدخل في الثالثة أو في الرابعة، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك - أو ما أبطأك - عنّي يا علي؟ قال: جئت فردّني أنس، ثمّ جئت فردّني أنس، ثمّ جئت فردّني أنس. قال: يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ أرجوت أن يكون رجلا من الأنصار؟ فقلت: نعم، فقال: يا أنس، أوفي الأنصار أفضل من علي؟! »(٣) .

و قال المحبّ الطبري: « وخرّجه الحافظ أبو حفص عمر بن عثمان بن شاهين، في جزء من حديثه، ولم يذكر زيادة الحربي، وقال بعد قوله: فجاء علي فرددته: ثمّ جاء فرددته، فدخل في الثالثة أو في الرابعة، فقال له النبي

____________________

(١). ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من تاريخ دمشق ج ٢ الأحاديث: ٦١١، ٦١٨، ٦٢١.

(٢). مناقب علي بن أبي طالب: ١٦٤.

(٣). المصدر نفسه: ١٦٥.

١٩٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك عني - أو ما أبطأ بك عنّي - يا علي؟ قال: جئت فردّني أنس، ثم جئت فردّني أنس، قال: يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رجوت أنْ يكون رجلاً من الأنصار، فقال: أو في الأنصار خير من علي - أو أفضل من علي -؟! »(١) .

وقال ابن شهر آشوب: « وحدّثني أبو العزيز كادش العكبري، عن أبي طالب الحربي العشاري، عن ابن شاهين الواعظ - في كتابه ما قرب سنده - قال: حدّثني نصر بن القاسم الفرائضي قال: أخبرنا أبو محمّد عيسى الجوهري قال قال يغنم بن سالم بن قنبر قال: قال أنس بن مالك. الخبر»(٢) .

ترجمته

وابن شاهين من كبار علماء أهل السنّة ومحدّثيهم الثقات وحفاظهم الأعيان، وسنذكر ترجمته في مجلّد حديث التشبيه، ومن مصادر ترجمته:

١ - الأنساب - الشاهيني.

٢ - الكامل في التاريخ ٩ / ١١٥.

٣ - تذكرة الحفّاظ ٣ / ٩٨٧.

٤ - طبقات القرّاء ١ / ٥٨٨.

٥ - العبر ٣ / ٢٩.

٦ - مرآة الجنان ٢ / ٤٢٦.

٧ - طبقات الحافظ: ٣٩٢.

٨ - طبقات المفسرين ٢ / ٢.

٩ - تاريخ بغداد ١١ / ٢٦٥.

____________________

(١). الرياض النضرة ٢ / ١١٤ - ١١٥.

(٢). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411