نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار14%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 411

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 411 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194144 / تحميل: 9619
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

من لحم وعظم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة، أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان. وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى آخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلاً كما يقال البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلاً.

فعلى العامي وغير العامي أن يتحقق قطعاً ويقيناً أن الرسولعليه‌السلام لم يرد بذلك جسماً هو عضو مركب من لحم ودم وعظم وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم! فإن كل جسم فهو مخلوق وعبادة المخلوق كفر وعبادة الصنم كان كفراً لأنه مخلوق وكان مخلوقاً لأنه جسم، فمن عبد جسماً فهو كافر بإجماع الأئمة، السلف منهم والخلف، سواء كان ذلك الجسم كثيفاً كالجبال الصم الصلاب أو لطيفاً كالهواء والماء، وسواء كان مظلماً كالأرض أو مشرقاً كالشمس والقمر والكواكب، أو مشفاً لا لون له كالهواء، أو عظيماً كالعرش والكرسي والسماء، أو صغيراً كالذرة والهباء، أو جماداً كالحجارة، أو حيواناً كالإنسان.

فالجسم صنم، فبأن يقدر حسنه وجماله أو عظمه أو صغره أو صلابته وبقاؤه لا يخرج عن كونه صنماً.

ومن نفى الجسمية عنه وعن يده وإصبعه، فقد نفى العضوية واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ليعتقد بعده أنه عبارة عن معنى من المعاني ليس بجسم ولا عرض في جسم يليق ذلك المعنى بالله تعالى، فإن كان لا يدري ذلك المعنى ولا يفهم كنه حقيقته فليس عليه في ذلك تكليف أصلاً، فمعرفة تأويله ومعناه ليس بواجب عليه، بل واجب عليه أن لا يخوض فيه. انتهى. وبذلك وافق الغزالي ورشيد رضا مذهبنا ومذهب المتأولين، وخالف المفوضة وأهل الظاهر!

٦١

وكل علماء السنّة حتى المجسّمة يصيرون متأوّلة عند الحاجة

كل المجسمة من الأشاعرة والحنابلة والوهابيين الذين حرموا التأويل، وأنكروا وجود المجاز في القرآن، وأوجبوا حمل ألفاظه وألفاظ أحاديث الصفات على معانيها الظاهرة الحقيقية، بل حتى أولئك الذين حكموا بأن المتأولة أهل ضلالة وبدعة وكفر وحذروا منهم.. كلهم يصيرون متأولة من الدرجة الأولى عندما يقعون في مأزق الآيات والأحاديث التي تخالف مذهبهم وتنفي إمكان الرؤية بالعين والتشبيه والتجسيم كقوله تعالى:لا تدركه الأبصار ...ليس كمثله شيء ...لا يحيطون به علماً ...لن تراني .. إلخ.

وهكذا نجد أن إخواننا الذين نبزونا بألفاظ (متاولة، متوالي، بني متوال) يقومون هم بتأويل جميع الآيات والأحاديث المخالفة لمذهبهم جهاراً نهاراً، وجوباً قربة إلى الله تعالى، من أجل الدفاع عن أحاديث الرؤية بالعين وظاهر الآيات المتشابهة فيها!

وهكذا يسقط منهجهم العلمي بتحريمهم التأويل في بعض الآيات والأحاديث وتحليله في بعضها! وكان الأولى بهم أن لا يلقوا أنفسهم في هذا المأزق ويتأولوا الآيات التي يوهم ظاهرها الرؤية من أول الأمر من أجل الجمع المنطقي بينها وبين الآيات النافية للرؤية.

وإذا سألتهم: لماذا أوجبتم الأخذ بظاهر هذه المجموعة من الآيات والأحاديث وحرمتم تأويلها، وأوجبتم تأويل تلك المجموعة وحرمتم الأخذ بظاهرها! فليس عندهم جواب، إلا أنهم أرادوا المحافظة على ظواهر آيات الرؤية بالعين وأحاديث الآحاد، مهما كلفهم ذلك من تناقض في المنهج العلمي، فالمهم عندهم أن لا تنخدش روايات الرؤية بالعين عن كعب الأحبار ومن قلده من الخلفاء!

٦٢

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٤٨

ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في الفتح ١٣ - ٤٣٢: فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها. انتهى.

وقد تبنى ابن تيمية والوهابيون هذا الحل (الشرعي) فحكموا بوجوب تصديق هذه الروايات وتحريم تأويلها حتى لو أدت إلى التجسيم، ثم هجموا على روايات التنزيه ونفي التجسيم بمعول التأويل!

- وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٥٦ - ١٥٩

وقد نقل الحافظ ابن جرير في تفسيره ٢٧ - ٧ تأويل لفظة (أيد) الواردة في قوله تعالى:وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ، بالقوة أيضاً عن جماعة من أئمة السلف منهم: مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان... ومما يجدر التنبيه عليه هنا ولا يجوز إغفاله أن هؤلاء القوم الذين يحاربون التأويل ويزعمون أنه ضلال وبدعة وتحريف للقرآن والسنة هم أنفسهم يؤولون ما لا يوافق آراءهم من نصوص الكتاب والسنة في مسائل الصفات! فنراهم يؤولون مثل قوله تعالى: وهو معكم وقوله تعالى: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، وقوله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، وقوله تعالى: إنني معكما أسمع وأرى، وقوله تعالى:وهو معكم ، إلى غير ذلك من نصوص واضحة!

فإذا كان هذا قرآن وذاك قرآن فما الذي أوجب اعتقاد ظاهر هذا دون ظاهر ذاك وكله قرآن! ولماذا جوزوا تأويل ظاهر هذا دون ذلك!

... روى الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول: احتجوا عليّ يوم المناظرة فقالوا: تجيء يوم القيامة سورة البقرة... الحديث قال فقلت لهم: إنما هو الثواب. اهـ. فتأمل في هذا التأويل الصريح... نقل الحافظ

٦٣

البيهقي في الأسماء والصفات ص ٤٧٠ عن البخاري أنه قال: معنى الضحك: الرحمة اهـ. وقال الحافظ البيهقي ص ٢٩٨: روى الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: معنى الضحك فيه - أي الحديث - الرحمة اه- فتأمل. وقد نقل هذا التأويل أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٦ - ٤٠.

- وقال التلمساني في نفح الطيب ج ٨ ص ٣٤

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزله. وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفه فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى قال قوله تعالى:لا تدركه الأبصار فنظر بعض المعتزله إلى بعض وقالوا: جن القاضي! وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا على مذهبهم وهو ساكت ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك الحائط لا يبصر قالوا: لا... قال فلا يصح إذا نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا: نعم، قال فكذلك قوله تعالى:لا تدركه الأبصار ، لو لا جواز إدراك الأبصار له لم يصح نفيه عنه! انتهى.

وهكذا نرى أن الذين حرموا التأويل وكفروا المسلمين بسببه، أفرطوا في ارتكابه ووصلوا به إلى حد السفسطة، فأولوا النفي الصريح بالإثبات، ولم يبق عليهم إلا أن يؤلوا(لا إله إلا الله) بوجود عدة آلهة مع الله سبحانه وتعالى عما يصفون. وسوف ترى مزيداً من فنونهم في تأويل آيات نفي الرؤية والتنزيه، عند استعراض تفسيرها، إن شاء الله تعالى.

- ونختم بما قاله الشيخ محمد رضا جعفري في بحث الكلام عند الإمامية ص ١٥١ من مجلة تراثنا عدد ٣٠

قال أبو الفرج ابن الجوزي: «واعلم أن عموم المحدثين حملوا ظاهر ما تعلق من صفات الباري سبحانه على مقتضى الحس فشبهوا، لأنهم لم يخالطوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى الحكم..» (١)

وقال أيضاً: «واعلم أن الناس في أخبار الصفات على ثلاث مراتب: إحداها،

٦٤

إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل، إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالى(وجاء ربّك) (٢) أي: جاء أمره، وهذا مذهب السلف.

والمرتبة الثانية، التأويل، وهو مقام خطر.

والمرتبة الثالثة، القول فيها بمقتضى الحس، وقد عمَّ جهلة الناقلين(٣)، إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي يعرف بها ما يجوز على الله تعالى وما يستحيل، فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه، فإذا عدموا تصرفوا في النقل بمقتضى الحس» (٤).

وقال تقي الدين ابن تيمية، راداً على من قال: إن أكثر الحنابلة مجسمة ومشبهة:

«المشبهة والمجسمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، فهؤلاء أصناف الأكراد، كلهم شافعية، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهل جيلان فيهم شافعية وحنبلية، وأما الحنبلية المحضة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم، والكرامية كلهم حنفية»(٥).  ولست أقر ابن تيمية على دفاعه عن أهل مذهبه ولكني أسكت عنه....

٤ - نماذج مختارة: وكنموذج لما أشار إليه ابن الجوزي في كلامه عن المحدثين أختار ثلاثة لم يكونوا من الحنابلة الصرحاء، وأقدم لكل منهم بعض الترجمة كي لا يتهمني متهم بأني عثرت على مغمورين خاملين لم يكونوا ذوي شأن عند المحدثين:

١ - إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم، أبو يعقوب الحنظلي المروزي، ابن راهويه النيسابوري (١٦١/٧٧٨ ت ٢٣٨/٨٥٣.

قال الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلى العراق، والحجاز، واليمن، والشام... وورد بغداد وجالس حفاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلى خراسان فاستوطن نيسابور إلى أن توفي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين. وهكذا قال المزي والسبكي. وهو شيخ البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وبقية بن الوليد، ويحيى بن آدم - وهما من شيوخه - وأحمد بن حنبل، وإسحاق

٦٥

الكوسج، ومحمد بن رافع، ويحيى بن معين - هؤلاء من أقرانه - وجماعة.

قال نعيم بن حماد: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه.

وقال النسائي: أحد الأئمة، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به. وقال أبو حاتم: إمام من أئمة المسلمين. وقال ابن حبان: وكان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونظراً، ممن صنف الكتب، وفرع السنن، وذب عنها، وقمع من خالفها، وقبره مشهور يزار. وقال أبو عبد الله الحاكم: إمام عصره في الحفظ والفتوى. وقال أبو نعيم الأصبهاني: كان إسحاق قرين أحمد [ بن حنبل ] وكان للآثار مثيراً، ولأهل الزيغ مبيراً.

وقال الذهبي: الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمة الإجتهاد(٦).

أبو عيسى الترمذي - بعد أن أخرج الروايات التي تقول: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه... الحديث - قال: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟

هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ها هنا القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم(٧): إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأما

٦٦

إذا قال - كما قال الله تعالى -: يد، وسمع، وبصر، ولا يقول: كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، وهو كما قال الله تعالى:(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (٨).

٢ - أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (٢٢٣/٨٣٨ - ٣١١/٩٢٤) قالوا عنه: إنه كان إمام نيسابور في عصره، فقيهاً، مجتهداً، بحراً من بحور العلم، اتفق أهل عصره على تقدمه في العلم، ولقبه الصفدي، واليافعي، والذهبي، والسبكي، وابن الجزري، والسيوطي، وابن عبدالحي بإمام الأئمة. وقال الدار قطني: كان إماماً معدوم النظير. وقال ابن كثير: هو من المجتهدين في دين الإسلام. وذكروا له الكرامات. وقال السمعاني: وجماعة [ من المحدثين ] ينسبون إليه، يقال لكل واحد منهم خزيمي [ فهو إمام مدرسة حدثية ]. وهذا بعض ما قيل فيه(٩):

أثبت ابن خزيمة الوجه لله سبحانه، وقال: (ليس معناه أن يشبه وجهه وجه الآدميين، وإلا لكان كل قائل إن لبني آدم وجهاً، وللخنازير، والقردة، والكلاب... - إلى آخر ما عدد من الحيوانات - وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب...)(١٠).

وذكر مثل هذا في العين، واليد، والكف، واليمين، وقال: إن عيني الله لا تشبهان أي عين لغيره، وأضاف: نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى وما في السماوات العلى وما بينهما ونزيد شرحاً وبياناً ونقول: عين الله عز وجل قديمة لم تزل باقية، ولا يزال محكوم لها بالبقاء منفي عنها الهلاك والفناء، وعيون بني آدم محدثة، كانت عدماً غير مكونة فكونها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته...»(١١).

وقال: إن لله يدين ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثة فأي تشبيه!...(١٢) ونفى التأويل عن كل هذا، خاصة تأويل اليد بالنعمة أو القوة(١٣).

وذكر «أن كلام ربنا عز وجل لا يشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل

٦٧

لا سكت بينه ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامه سكت وسمت لانقطاع النفس، أو التذاكر، أو العي...»(١٤).

٣ - عثمان بن سعيد، أبو سعيد الدارمي، التميمي، السجستاني (ح ١٩٩/٨١٥ - ٢٨٠/٨٩٤) الإمام العلامة الحافظ، الناقد الحجة، وكان جذعاً وقذئ في أعين المبتدعة، قائماً بالسنة، ثقة، حجة، ثبتاً. وقيل فيه: كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته. ذكره الشافعية في طبقاتهم، وعده الحنابلة من أصحاب ابن حنبل(١٥).

قال الدارمي بأن لله مكاناً حده، وهو العرش(١٦) و(هو بائن من خلقه فوق عرشه بفرجة بينه في هواء الآخرة، حيث لا خلق معه هناك غيره، ولا فوقه سماء)(١٧) وقال (قد أيّنّا له مكاناً واحداً، أعلى مكان، وأطهر مكان، وأشرف مكان: عرشه العظيم فوق السماء السابعة العليا، حيث ليس معه هناك إنس ولا جان، ولا بجنبه حش، ولا مرحاض، ولا شيطان. وزعمت أنت(١٨) والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان، وكل حش ومرحاض، وبجنب كل إنسان وجان! أفأنتم تشبهونه إذ قلتم بالحلول في الأماكن أم نحن؟!)(١٩)

وقال (ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسه مسيساً كما ادعيت، لم يجز أن يقال (لله): بيدك الخير...)(٢٠) وأحال في ذلك كل معنى أو تأويل من نعمة أو قوة إلا اليدين(٢١) (بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس)، (وأن لله إصبعين، من غير تأويل بمعنى آخر)(٢٢) (والقدمان قدمان من غير تأويل)(٢٣) (غير أنا نقول، كما قال الله(ويبقى وجه ربّك) (٢٤) إنه عنى به الوجه الذي هو الوجه عند المؤمنين، لا الأعمال الصالحة، ولا القبلة...)(٢٥) وإن نفي التشبيه إنما هو بأن يكون لله كل هذا، ولكن لا يشبه شيء منه شيئاً مما في المخلوقين)(٢٦).

وقال الجعفري في هوامشه:

(١) تلبيس إبليس: ط ادارة الطباعة المنيرية، القاهرة: ١٣٦٨/١١٦.

(٢) الفجر ٨٩: ٢٢.

(٣) ويقصد بهم المحدثين.

٦٨

(٤) دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، المكتبة التوفيقية، القاهرة: ١٩٧٦/٧٣ - ٧٤.

(٥) المناظرة في العقيدة الواسطية، مجموعة الرسائل الكبرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط ٢:١٣٩٢/١٩٧٢، ١/٤١٨.

(٦) التاريخ الكبير ١ - ٣٧٩ - ٣٨٠ = ١٢٠٩، التاريخ الصغير ٢/٣٦٨، الجرح والتعديل ١ - ١ (٢) ٢٠٩ - ٢١٠= ٧١٤، ابن حبان، الثقات ٨/١١٥ - ١١٦، طبقات الحنابلة ١/١٠٩ = ١٢٢، المنهج الأحمد ١/١٠٨ - ١٠٩ = ٤٣،تاريخ بغداد ٦/٣٤٥ - ٣٣٥ = ٣٣٨١، حلية الأولياء ٩/٢٣٤ - ٢٣٨ ابن خلكان ١/١٩٩ - ٢٠١، الأنساب ٦/٥٦ -٥٧، السبكي، طبقات الشافعية ٢/٨٣ - ٩٣، ميزان الإعتدال ١/١٨٢ - ١٨٣ = ٧٣٣، سير أعلام النبلاء ١١/٣٥٨ -٣٨٢، تذكرة الحفّاظ ٢/٤٣٣ - ٤٣٥، العبر ١/٤٢٦، الوافي بالوفيات ٨/٣٨٦ - ٣٨٨ = ٣٨٢٥، طبقات الحفاظ /١٨٨ - ١٨٩ = ٤١٩، ابن كثير ١٠/٣١٧، تهذيب التهذيب ١/٢١٦ - ٢١٩ = ٤٠٨ ، تهذيب الكمال ٢/٣٧٣ - ٣٨٨ -٣٣٢، طبقات المفسرين ١/١٠٢ - ١٠٣، شذرات الذهب ٢/٨٩.

(٧) هو إسحاق بن راهويه - عارضة الأحوذي: ٣/٣٣٢.

(٨) الجامع الصحيح، الزكاة (ما جاء في فضل الصدقة) ٣/٥٠ - ٥١ أي ٦٦٢.

(٩) الذهبي سير أعلام النبلاء: ١٤/٣٦٥ - ٣٨٢، تذكرة الحفاظ: ٢/٧٢٠ - ٧٣١، العبر: ٢/١٤٩، السمعاني، الأنساب: ٥/١٢٤، ابن الأثير، اللباب: ١/٤٤٢، ابن الجوزي، المنتظم: ٦/١٨٤ - ١٨٦، ابن كثير، البداية والنهاية،١١/١٤٩، السبكي، طبقات الشافعية: ٣/١٠٩ - ١١٩، الصفدي، الوافي بالوفيات: ٢/١٩٦، اليافعي، مرآة الجنان:٢/٢٦٤، ابن عبد الحي، شذرات الذهب: ٢/٢٦٢ - ٢٦٣، السيوطي، طبقات الحفاظ: ٣١٠ - ٣١١، ابن الجزري،طبقات القراء: ٢/٩٧ - ٩٨.

(١٠) التوحيد واثبات صفات الرب، راجعه وعلق عليه محمد خليل هراس، المدرس بكلية أصول الدين (بالأزهر)، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة: ١٣٨٧/١٩٦٨، /٢٣.

(١١) المصدر / ٥٠ -٥٢.

(١٢) المصدر / ٨٢ - ٨٥.

(١٣) المصدر / ٨٥ - ٨٧.

(١٤) المصدر / ١٤٥.

(١٥) سير أعلام النبلاء: ١٣/٣١٩ - ٣٢٦، تذكرة الحفاظ: ٢/٦٢١ - ٦٢٢، العبر: ٢/٦٤، مرآة الجنان:

٦٩

٢/١٩٣، ابن كثير ١١/٦٩، طبقات الشافعية: ٢/٣٠٢ - ٣٠٦، طبقات الحفاظ: ٢٧٤، طبقات الحنابلة: ١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/١٧٦.

(١٦) الرد على بشر المريسي، عقائد السلف، نشر: دكتور علي سامي النشار، عمار جمعي الطالبي، منشأة المعارف الإسكندرية، مصر: ١٩٧١/٣٨٢.

(١٧) المصدر / ٤٣٩.

(١٨) يخاطب به بشر المريسي، الذي يرد عليه الدارمي، وهو بشر بن غياب المريسي، البغدادي، الحنفي (ح ١٣٨/٧٥٥ - ٢١٨ / ٨٣٣) من أعلام الحنيفة، وممن نادى بخلق القرآن ودافع عنه، وعن كثير من آراء المعتزلة.

(١٩) المصدر/ ٤٥٤

(٢٠) المصدر/ ٣٨٧

(٢١) (بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس) المصدر / ٣٩٨.

(٢٢) المصدر / ٤٢٠.

(٢٣) المصدر / ٤٢٣ - ٤٢٤، ٤٢٧ - ٤٢٨.

(٢٤) الرحمن ٥٥/٢٧.

(٢٥) المصدر / ٥١٦.

(٢٦) المصدر / ٤٣٢ - ٤٣٣، ٥٠٨.. انتهى.

٧٠

الفصل الثالث

بازار الأحاديث في الرؤية والتشبيه والتجسيم

قالوا إن الله تعالى على صورة بشر!

- صحيح مسلم ج ٨ ص ٣٢

- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته..

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٢ ص ٢٩٩

أبو هريرة: خلق الله عز وجل آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ستون ذراعاً فلم تزل تنقص بعده حتى الآن. انتهى. ونحوه في ج ٥ ص ١٦٥ ونحوه في مصابيحه ج ٣ ص ٢٦٦

- مختصر تاريخ دمشق ج ٣ جزء ٥ ص ١٢٥

عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: خلق الله آدم على صورته طوله سبعون ذراعاً... الى آخره. وقد تقدم تكذيب الإمام مالك لهذا الحديث وغيره من أحاديث رؤية الله تعالى بالعين، من سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ١٠٣

٧١

- وروى ابن حجر في لسان الميزان ج ٣ ص ٢٩٩ صيغة معقولة لهذا الحديث قال:... العلاء بن مسلمة، حدثنا عبد الله بن سيف، ثنا إسماعيل بن رافع، عن المقبري، عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: لا يضربن أحدكم وجه خادمه ولا يقول لعن الله من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورة وجهه. انتهى. فهل يقبلها اخواننا ويخلصون أنفسهم من ورطة التجسيم.

- لجنة الإفتاء الوهابية ج ٤ ص ٣٦٨ فتوى رقم ٢٣٣١

س ١: عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خلق الله آدم على صورته ستون ذراعاً، فهل هذا الحديث صحيح؟

ج: نص الحديث: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال: إذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع فما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق تنقص بعده إلى الآن. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وهو حديث صحيح ولا غرابة في متنه فإن له معنيان:

الأول: أن الله لم يخلف آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتى بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً.

والثاني: أن الضمير في قوله (على صورته) يعود على الله بدليل ما جاء في رواية أخرى صحيحة: على صورة الرحمن وهو ظاهر السياق ولا يلزم على ذلك التشبيه، فإن الله سمى نفسه بأسماء سمى بها خلقه، ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه، ولم يلزم من ذلك التشبيه وكذا الصورة، ولا يلزم من إتيانها لله تشبيهه بخلقه لأن الاشتراك في الإسم وفي المعنى الكلي لا يلزم منه التشبيه فيما يخص كلا منهما، لقوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

٧٢

وقالوا له سمع وبصر كسمع الإنسان وبصره

- سنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٩

... مولى أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية:إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها .. إلى قوله تعالى سميعاً بصيراً، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس قال المقرىء: يعني أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً، قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية. انتهى. ورواه في ج ٢ ص ٢٣٣، وكأن قصد أبي داود أن الجهمية أفرطوا في التنزيه، فيجب أن نرد عليهم بالتجسيم!

وقالوا له عينان مثل الإنسان وهما سالمتان

- صحيح البخاري ج ٢ جزء ٤ ص ١٤١

قال عبد الله (يعني ابن عمر) ذكر النبي (ص) يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور العين. انتهى. وقد فسرها الوهابيون وأسلافهم، بأن الله تعالى له عينان سالمتان! ورواه البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٤٩٧، ٥٠٧ عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص) ثم ذكر الدجال: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور. عن عباده ابن الصامت عن رسول الله (ص): إن المسيح الدجال رجلٌ قصير أفجح جعد أعور، وإن ربكم ليس بأعور.

وقالوا له أيدي وأعين ورجلان

- قال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٣٣

مسألة: وإن لله عز وجل عزاً وعزة وجلالاً وإكراماً، ويداً ويدين وأيدياً (كذا) ووجهاً وعيناً وأعيناً، وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه ولا من علمه تعالى وقدره وقوته إلا إلى الله تعالى لا إلى شيء غير الله عز وجل أصلاً، نقر من ذلك مما في القرآن

٧٣

وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحل أن يزاد في ذلك ما لم يأت به نص من قرآن أو سنة صحيحة.

قال عز وجل:ذو الجلال والإكرام وقال تعالى:يد الله فوق أيديهم ، لما خلقت بيدي، ومما عملت أيدينا أنعاماً، إنما نطعمكم لوجه الله، ولتصنع على عيني، إنك بأعيننا. ولا يحل أن يقال عينين لأنه لم يأت بذلك نص، ولا أن يقال سمع وبصر ولا حياة، لأنه لم يأت بذلك نص لكنه تعالى سميع بصير حي قيوم. انتهى.

ولعل ابن حزم لم يطلع على نص العينين وحديث السمع والبصر وغيرها، وإلا لقال بها!

وقالوا قد يكون له أُذن وقد يكون بلا أُذن

- فتاوى الألباني ص ٣٤٤

- سؤال السائل: صفة الأذن لله، موقف أهل السنة والجماعة منها؟

جواب: لا يثبتون ولا ينفون بالرأي، أما ما أثبته النص فهم يثبتونه بدون تكييف السلفيون مستريحون من هذه الكيفية يعني استراحوا من التشبيه عملاً بالتنزيه... وأن العين: صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله.

وقالوا له جنب وحقو

- تفسير الطبري ج ٢٦ ص ٣٦

- عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال خلق الله الخلق فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه! فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة... ورواه البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٣٥٠

- وقال الشاطبي في الإعتصام ج ٢ ص ٣٠٣

قول من زعم: أن لله سبحانه وتعالى جنباً مستدلاً بقوله: أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت من جنب الله.

٧٤

وقالوا إنّه يمشي وقد يركض ويهرول

- فتاوى الألباني ص ٥٠٦

سؤال: حول الهرولة، وهل أنكم تثبتون صفة الهرولة لله تعالى؟

جواب: الهرولة كالمجيء والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها.

- فتاوى ابن باز ج ٥ ص ٣٧٤

... ومن ذلك الحديث القدسي وهو قول الله سبحانه: من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة... أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة... انتهى.

وقالوا إنّه تعالى يرى بالعين في الدنيا

- الفرق بين الفرق للنوبختي ص ٢٩٤

وأجمع أهل السنة على أن الله تعالى يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة، من طريق الخبر..

- مسند أحمد ج ٤ ص ٦٦

... عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه فقلنا: يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعي وأتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة، قال يا محمد، قلت لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا أدري أي رب! قال ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السموات وما في الأرض، ثم تلا هذه

٧٥

الآية:وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . انتهى. ورواه في ج ٥ ص ٣٧٨، وستأتي بقية رواياته في تفسير قوله تعالى(ما كذب الفؤاد ما رأى) .

وقالوا إنه يلبس قباء وجبة ويركب على جمل

- لسان الميزان ج ٢ ص ٢٣٨

ومما في الصفات له (حدثنا) أبو حفص بن سلمون ثنا عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن محمد بن يوسف الإصبهاني ثنا شعيب بن بيان الصفار ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنسرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: إذا كان يوم الجمعة ينزل الله بين الأذان والإقامة عليه رداء مكتوب عليه إنني أنا الله لا إله إلا أنا، يقف في قبلة كل مؤمن مقبلاً عليه، فإذا سلم الإمام صعد إلى السماء. وروى عن ابن سلمون بإسناد له: رأيت ربي بعرفات على جمل أحمر عليه إزار! انتهى. ورواه في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥١٢

وقالوا إنّه فتى أمرد جعد الشعر

- ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

... عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: فلما تجلى ربه للجبل، قال: أخرج طرف خنصره وضرب على إبهامه فساخ الجبل، فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد وصححه الترمذي. إبراهيم بن أبي سويد وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبد الحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة.

٧٦

... قال المرودي: قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جداً.

وقالوا إنّه يضحك في الدنيا والآخرة

- صحيح البخاري ج ٢ جزء ٣ ص ٢١٠

عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد.

- صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٢٦

... فباتا طاويين، فلما أصبح غد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله:وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

- سنن النسائي ج ٦ ص ٣٨

... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة أخرى: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه ثم يدخلان الجنة. تفسير ذلك أخبرنا محمد بن سلمة... عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد. انتهى. ورواه ابن ماجة في ج ١ ص ٦٨

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٣٩٢

عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط فينكب مرة ويمشي مرة وتسفعه النار مرة، فإذا جاوز

٧٧

الصراط التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين، قال فترفع له شجرة فينظر إليها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول: أي عبدي فلعلي إن أدنيتك منها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهد الله أن لا يسأله غيرها والرب عز وجل يعلم أنه سيسأله لأنه يرى ما لا صبر له يعني عليه، فيدنيه منها ثم ترفع له شجرة وهي أحسن منها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها فيدنيه منها، فترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن منها فيقول: رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه الشجرة لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها لأنه يرى ما لا صبر له عليها فيدنيه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول: يا رب الجنة الجنة، فيقول: عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب أدخلني الجنة.

قال فيقول عز وجل: ما يصريني منك أي عبدي أيرضيك أن أعطيك من الجنة الدنيا ومثلها معها؟

قال فيقول: أتهزؤ بي وأنت رب العزة!

قال فضحك عبد الله حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا تسألوني لم ضحكت؟

قالوا له لم ضحكت؟

قال: لضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسألوني لم ضحكت؟

قالوا: لم ضحكت يا رسول الله؟

قال: لضحك الرب حين قال أتهزأ بي وأنت رب العزة!! انتهى. ورواه في ج ١ ص٤١١ وج ٢ ص ٣١٨ وص ٤٦٤ وص ٥١١ وروى نحوه في ج ٢ ص ٢٧٦ وص ٢٩٤

٧٨

وص٥٣٤ وج ٣ ص ٨٠ وابن ماجة في سننه ج ١ ص ٦٤ والديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ٩ ح ٣٧٠٣ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٤٣٣ وص ٥٤٤ وج ٣ ص ٥٤٦ والبيهقي في شعب الإيمان ج ١ ص ٢٤٩ وفي دلائل النبوة ج ٦ ص ١٤٣ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٦١٥ والشوكاني في نيل الأوطار ج ٣ ص ٥٧ وغيرهم.. وغيرهم..

وسيأتي عدد آخر من روايات ضحك الله المزعوم على هذا الرجل في روايات رؤيته بالعين في الآخرة.

- وقال ابن تيمية في الإيمان ص ٤٢٤

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله... وكذلك ضحكه إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وضحكه إلى الذي يدخل الجنة آخر الناس ويقول: أتسخر بي وأنت رب العالمين! وكل هذا في الصحيح.

وقالوا إنه يضحك لمن يستلقي على دابّته

- وروى أحمد في ج ١ ص ٣٣٠ رواية غريبة نسب فيها تصرفاً غير معقول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونسب فيها إلى الله تعالى أنه يضحك لمن يذكره على دابته ثم يستلقي! قال الإمام أحمد:

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وحمد الله ثلاثاً، وسبح الله ثلاثاً، وهلل الله واحدة ثم استلقى عليه فضحك، ثم أقبل عليَّ فقال: ما من إمريء يركب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله تبارك وتعالى فضحك إليه كما ضحكت إليك!

وقالوا مادام الله يضحك فأملنا فيه كبير

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ١١ وص ١٢ وص ١٣ رواية تعطي الناس الأمل بالله

٧٩

تعالى لأنه يضحك! قال:... عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال قلت: يا رسول الله أو يضحك الرب عز وجل! قال نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً!

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ١٠

أبوذر الغفاري: ضحك الله ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره ولن نعدم من رب يضحك خيراً. وستأتي روايته عن النويري وغيره.

وقالوا إنّه يضحك.. ويظل يضحك

- قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ٣ ص ٥٦٦ - ٥٦٧

- قوله (ص): فيضل يضحك، هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالى التي لا يشبهه فيها شيء من مخلوقاته كصفات ذاته.. وكذلك: فأصبح ربك يطوف في الأرض، هو من صفات فعله كقوله تعالى:وجاء ربّك والملك ، وينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، ويدنو عشية عرفة فيباهي بأهل الموقف الملائكة. والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٧ جزء ١٤ ص ٢٩٢

عن لقيط بن عامر العقيلي قال... أتينا رسول الله (ص) حين انصرف من صلاة الغداة فقام خطيباً فقال أيها الناس... يشرف عليكم أزلين فيظل يضحك، قد علم أن غوثكم قريب. قال لقيط له: لن نعدم من رب يضحك خيراً.. انتهى. وروى نحوه المنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٤٣٤ وص ٤٣٦ وج ٤ ص ٥٠٣

وقالوا إنّه ضحك لطلحة وسعد

- أُسد الغابة ج ٣ ص ٨٣

روي أنه (طلحة بن البراء) توفي ليلاً فقال أدفنوني.. ولا تدعوا رسول الله (ص)

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

مكّة، وصحب به العباد الصالحين، وسمع الحديث من أهلها والواردين، وانصرف إلى نيسابور ولزم منزله »(١) .

٢ - الذّهبي في حوادث سنة ٤٠٧: « وعبد الملك بن أبي عثمان أبي سعد النيسابوري، الواعظ القدوة، المعروف بالخركوشي، صنّف: كتاب الزهد، وكتاب دلائل النبوة، وغير ذلك. قال الحاكم: لم أر أجمع منه علماً وزهداً وتواضعاً وإرشاداً إلى الله، زاده الله توفيقاً وأسعدنا بأيّامه. قلت: روى عن حامد الرفاء وطبقته، وتوفي في جمادى الاُولى »(٢) .

٣ - ابن الأثير حوادث ٤١٦: « وفيها توفي: عبد الملك بن أبي عثمان الخركوشي الواعظ النيسابوري، وكان صالحاً خيّراً، وكان إذا دخل على محمود ابن سبكتكين يقوم ويلتقيه، وكان محمود قد قسط على نيسابور مالاً يأخذه منهم فقال له الخركوشي: بلغني أنّك تكدّي الناس وضاق صدري، فقال: وكيف؟ قال: بلغني أنّك تأخذ أموال الضعفاء وهذه كدية، فترك القسط وأطلقه »(٣) .

٤ - الأسنوي: « الاستاذ الكامل، الزاهد ابن الزاهد، الواعظ، من أفراد خراسان »(٤) .

٥ - السّبكي: كذلك(٥) .

____________________

(١). الأنساب - الخركوشي.

(٢). العبر ٣ / ٩٦.

(٣). الكامل ٩ / ٣٥٠.

(٤). طبقات الشافعية ١ / ٢٢٨.

(٥). طبقات الشافعية ٥ / ٢٢٢.

٢٢١

(٣١)

تصنيف ابن مردويه

في جمع طرق الحديث وروايته له

لقد صنّف طراز المحدّثين أبو بكر ابن مردويه الإِصبهاني كتاباً جمع فيه طرق حديث الطير، جاء ذلك في كلام جماعة:

قال ابن حجر العسقلاني بترجمة إبراهيم بن ثابت القصّار: « قد جمع طرق حديث الطير ابن مردويه والحاكم وجماعة، وأحسن شيء منها طريق أخرجه النسائي في الخصائص »(١) .

وقال ابن كثير: « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة، منهم أبو بكر ابن مردويه»(٢) .

وقال ابن تيمية: « قال الحافظ أبو موسى المديني: قد جمع غير واحدٍ من الحفّاظ طرق حديث الطير للاعتبار والمعرفة، كالحاكم النيسابوري، وأبي نعيم، وابن مردويه »(٣) .

وقال ابن حجر المكي في ( المنح المكية ) بعد كلام له: « فالحق ما سبق أن كثرة طرقه - أي كثرة طرق حديث الطير - صيّرته حسناً يحتج به، ولكثرتها جدّاً أخرج الحافظ أبو بكر ابن مردويه فيها جزءاً ».

وقال الموفق المكي الخوارزمي: « وأخرج الحافظ ابن مردويه هذا الحديث بمائة وعشرين اسناداً»(٤) .

____________________

(١). لسان الميزان ١ / ٤٢.

(٢). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٤.

(٣). منهاج السنة ٤ / ٩٩.

(٤). مقتل الحسين ١ / ٤٦.

٢٢٢

أقول: لقد أخرجه فيه من طرقٍ عديدة، هذا بعضها:

« نا علي بن إبراهيم بن حمّاد قال: نا محمد بن خليد بن الحكم قال: نا محمد بن طريف قال: نا مفضل بن صالح، عن الحسن بن الحكم، عن أنس ابن مالك: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اُتي بطير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك - ثلاثاً -. فدق علي، فقال: يا أنس، إفتح له، فدخل ».

« نا فهد بن إبراهيم البصري قال: نا محمد بن زكريا قال: نا العباس بن بكار الضبي قال: نا عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن عمّه ثمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك: إن اُم سلمة صنعت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيراً - أو اضباعاً - فبعثت به إليه، فلمـّا وضع بين يديه قال: اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي بن أبي طالب، فقال له أنس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع علي ( فدعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: اللّهم جئني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي بن أبي طالب، فقال له أنس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع علي. ظ ) واجتهد النبي في الدعاء قال: اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك، فجاء علي، فقال له أنس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، قال أنس: فرفع علي يده فوكز في صدري ثم دخل، فلمـّا نظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام قائماً فضمّه إليه قال: يا رب وإليَّ يا ربّ وإليَّ. ما أبطأ بك يا علي؟ قال: يا رسول الله، قد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس، قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا أنس ما حملك على ردّه؟ قلت: يا رسول الله سمعتك تدعو فأحببت أنْ تكون الدعوة في الأنصار، قال: لست بأوّل رجلٍ أحبَّ قومه، أبى الله - يا أنس - إلّا أنْ يكونه ابن أبي طالب ».

« نا محمد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن قال: نا علي بن الحسن السّمالي قال: حدّثني محمد بن الحسن بن الجهم، عن

٢٢٣

عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن أنس قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير، فأعجبه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطير، قال أنس قلت: اللّهم اجعله رجلاً منّا حتى نشرف به، قال: فإذا علي، فلمـّا أنْ رأيته حسدته فقلت: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول، فرجع، قال: فدعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثانية، فأقبل علي كأنّما يضرب بالسّياط، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إفتح إفتح، فدخل فسمعته يقول: اللّهم وإليَّ، حتى أكل معه من ذلك الطير»(١) .

____________________

(١). قال الميلاني: وهذه الأحاديث الثلاثة أوردها ابن الجوزي عن ابن مردويه في كتابه ( العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ١ / ٢٣٤ ) والذي نحن بصدده - الآن - ذكر رواة حديث الطّير وأسانيدهم، ولسنا في مقام مناقشة الأقوال، إلّا أن تعصّب ابن الجوزي يضطّرنا إلى أن نتعقّب بعض كلامه، لتبيّن حقيقة الحال، وعليه فقس ما سواه.

قال ابن الجوزي - بعد الحديث الثاني من الأحاديث الثلاثة المذكورة -: « قال المصنف: في هذا الحديث ( عبد الله بن المثنى ) وكان ضعيفاً. وفيه ( العباس بن بكّار ) قال الدار قطني: هو كذّاب ».

فنقول : إن ابن الجوزي لم يطعن في هذا السّند إلّا من جهة ( عبد الله بن المثنى ) و ( العباس بن بكّار ) لكنَّ:

الأوّل: من رجال: البخاري والترمذي وابن ماجة كما بترجمته من ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٣٨ ) وقال: « قال ابن معين - في رواية إسحاق بن منصور - وأبو زرعة وأبو حاتم: صالح، زاد أبو حاتم: شيخ » ثمّ نقل ثقته عن: ابن حبان والعجلي والترمذي والدّار قطني. وهذا القدر يكفي للاحتجاج به، لا سيّما كلام أبي حاتم، بالنظّر إلى ما سننقله عن الذّهبي.

وأمّا الثاني ، فإنّه وإنْ أورده الذهبي في ( الميزان ٢ / ٣٨٢ ) ونقل عن الدار قطني قوله « كذّاب » فقد أوضح العلّة في رميه بالكذب بقوله: « قلت: اُتهم بحديثه عن خالد بن عبد الله، عن بيان، عن شعبة، عن أبي جحيفة، عن علي - مرفوعاً - إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم عن فاطمة حتى تمرَّ على الصراط إلى الجنّة.

وقال العقيلي: الغالب عن حديثه الوهم والمناكير » فذكر حديثاً.

٢٢٤

هذا، وسيأتي عن أخطب خوارزم رواية ابن مردويه حديث مناشدة الإِمامعليه‌السلام في الشورى، المشتمل على حديث الطير، مع جملةٍ من فضائله عليه الصلاة والسلام.

ترجمته

وابن مردويه من أعلام الحفّاظ المشاهير، تجد الثناء العظيم عليه في:

١ - تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٥٠.

٢ - سير أعلام النبلاء ١٧ / ٣٠٨.

٣ - الوافي بالوفيات ٨ / ٢٠١.

٤ - طبقات المفسرين ١ / ٩٣.

____________________

ثمّ زعم الإِتحاد بينه وبين « العباس بن الوليد بن بكار » الذي عنونه ابن حبان وجعل من أباطيله: « عن خالد بن أبي عمرو الأزدي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: مكتوب على العرش: لا إله إلّا الله وحدي، محمّد عبدي ورسولي، أيّدته بعلي » ومن مصائبه: « حدثنا عبد الله بن زياد الكلابي عن الأعمش، عن زر، عن حذيفة - مرفوعاً - في المهدي، فقال سلمان: يا رسول الله، من أي ولدك؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين ».

أقول: كأنّ الرجل يستكثر مثل هذا النداء في حق فاطمة الزهراء بضعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيرى مثل هذا الخبر كذباً فيتّهم الرّاوي له!!.

والجدير بالالتفات هنا أنّ الذهبي لا يذكر قدحا للرجل إلّا هذا، ولو كان هناك جرح من أحد الأئمة كيحيى بن معين وأبي حاتم وأمثالهما لأورده، لكنّه تعنّت ولم يذكر كلمة أبي حاتم المادحة له: قال ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ٦ / ٢١٦ ): « عباس بن بكّار الضبيّ أبو الوليد، بصري، روى عن أبي بكر الهذلي، وحماد بن سلمة، وسعيد بن زربي. سمع منه أبي بالبصرة أيّام الأنصاري. نا عبد الرحمن قال: سئل أبي عنه فقال: شيخ ».

فإذا عرفنا علّة القدح وأنّها واهية، بقي هذا المدح بلا معارض. وعلى فرض التنزّل تقدّم كلام أبي حاتم إذ لا يعارض قول الدار قطني قوله، وعلى فرض التكافؤ تقدّم قول: أبي حاتم لقول الذهبي نفسه: « إذا وثّق أبو حاتم رجلاً فتمسّك بقوله، فإنّه لا يوثّق إلّا رجلاً صحيح الحديث » سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٤٧.

٢٢٥

٥ - طبقات الحفّاظ: ٤١٢.

٦ - العبر ٣ / ١٠٢.

٧ - تاريخ أصبهان ١ / ١٦٨.

٨ - النجوم الزاهرة ٤ / ٢٤٥.

قال الذهبي في ( السّير ) ما ملخّصه: « ابن مردويه - الحافظ المجود العلّامة، محدّث أصبهان، قال أبو بكر بن أبي علي - وذكر أبا بكر ابن مردويه - هو أكبر من أن تدل عليه وعلى فضله وعلمه وسيره، وأشهر بالكثرة والثقة من أنْ يوصف حديثه.

وكان من فرسان الحديث، فَهِماً يَقِظاً متقناً، كثير الحديث جدّاً، ومن نظر في تواليفه عرف محلّه من الحفظ ».

(٣٢)

تصحيح القاضي عبد الجبّار

لقد أثبت القاضي عبد الجبّار بن أحمد الهمداني حديث الطير وذكر رجوع الشيخ أبي عبد الله البصري إلى هذا الحديث لإِثبات أفضليّة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، فقد قال أبو محمد الحسن بن أحمد بن متّويه في ( المجموع المحيط بالتكليف ) - وهو في الأصل تصنيف القاضي - ما نصّه:

« وقد ذكر - يعني قاضي القضاة - في الكتاب إنه قد يستعمل لفظ الفضل فيما لا يتعلق بفعل العبد واختياره، كنحو تفضيل العاقل على غيره، وتفضيل الشجاع على غيره، وتفضيل من له نسب مخصوص على من ليس له ذلك النسب، وليس هذا هو المقصود بهذه المسألة، فإنّا نتكلم في الفضل الذي يقتضي مدحاً وتعظيماً في الدين، فهذا لا بدّ من تعلّقه باختيار الفاضل ووقوفه على فعله، وفي هذا الباب خاصّة يجوز وقوع الخلاف بين العلماء دون الأول.

٢٢٦

وإذا كان كذلك وقف العلم بالقطع على الأفضل على سمع وارد به، لأنّه لا مجال للعقل فيه، وعلى هذا لا يصح الرجوع في إثبات الأفضل إلى عدّ الفضائل، لأنّ تلك الأفعال تختلف مواقعها بحسب ما ينضاف عليها من النيّات والقصود، وذلك مما هو عنّا مغيب، فلا يمكن القضاء بفعل أحدٍ والقطع على ثوابه فضلاً عن تفضيله على غيره، فيجب الاعتماد في ذلك على السمع، فلهذا رجع الشيخ أبو عبد الله إلى خبر الطير، لأنّه قد دلّ بظاهره على ثبوته أفضل في الحال، وكل من أثبته في تلك الحال أفضل قضى باستمرار هذه القضية فيه، وهكذا خبر المنزلة لأنّها إذا لم يرد بها ما يتّصل بالإِمامة فيجب أنْ نريد به الفضل الذي يلي هارون فيه موسىعليهما‌السلام ، وأراد بعضهم إثباته في غالب الظنّ بالرجوع إلى أمارات مخصوصة من نحو ما انتشر عنه من الزّهد والعبادة والعناء في الحرب والسبق إلى الإِسلام وغير ذلك، فهذا غير ممنوع، وإليه ذهب بعض الشيوخ الذين آثروا الموازنة ».

فظهر من هذا الكلام أنّ الشيخ أبا عبد الله البصري يرى ثبوت حديث الطير، ويعتقد بدلالته على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

كما أن قاضي القضاة عبد الجبار نفسه يرى صحّة حديث الطير أيضاً فقد قال ابن شهر آشوب: « قال القاضي عبد الجبار: قد صح عندي حديث الطّير، وقال أبو عبد الله البصري: إن طريقة أبي علي الجبائي في تصحيح الأخبار يقتضي القول بصحة هذا الخبر، لا يراده يوم الشورى فلم ينكر أحد »(١) .

أقول: وجاء في كتاب ( المغني ) ما نصّه: « فصل - فيما يدلُّ قطعاً على أنّ أمير المؤمنين أفضل: قد استدلّ شيخنا أبو عبد الله على ذلك بأُمور، واستدلّ بها الإِسكافي، لكنّه في نصرته بلغ ما لم يبلغه، فمن ذلك قولهعليه‌السلام - وقد أُهدي إليه طير مشوي -: اللّهم أدخل إليَّ أحبّ أهل الأرض إليك يأكل

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.

٢٢٧

معي، فدخل عليعليه‌السلام . و في خبرٍ آخر: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك فإذا عليعليه‌السلام قد جاء. و في بعض الأخبار: اللّهم إنْ كان أحب خلقك إليك فهو أحبُّ خلقك إليَّ - ثلاثاً - قال: روى ذلك: أنس، وسعد بن أبي وقاص، وأبو رافع مولى النبي، وصفيّه(١) ، وابن عبّاس.

فاستدلّ على صحة ذلك بطريقين:

أحدهما: إن هذه الأخبار كانت مشهورةً بين الصحابة، لم يختلفوا في قبولها، مع وقوع الكلام بينهم في التفضيل، ولم يقع من أحدهم الردّة والنكير، ولم يجروه مجرى أخبار الآحاد.

والثاني: إنّ أمير المؤمنين أنشد ذلك أهل الشورى، مع سائر الفضائل، وقام به خطيباً عليهم، ومعرّفاً حالهم، فأقرّوا بذلك.

فكما ظهر فيهم ظهر في غيرهم، فلم ينكروا كلا الوجهين.

فدلَّ على صحّة الخبر »(٢) .

ترجمته

١ - الخطيب: « سمع علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني و وكان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع ومذاهب المعتزلة في الاُصول، وله في ذلك مصنفات، وولي قضاء القضاة بالري، وورد بغداد حاجّاً وحدّث بها، حدثنا عنه

مات عبد الجبار بن أحمد قبل دخولي الري في رحلتي إلى خراسان، وذلك في سنة ٤١٥ »(٣) .

____________________

(١). كذا، ولعلّه « سفينة ».

(٢). المغني ج ٢٠ / ق ٢ ص ١٢٢.

(٣). تاريخ بغداد ١١ / ١١٣.

٢٢٨

٢ - الرافعي: « الخامس: عبد الجبّار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد ابن خليل بن عبد الله الأسدآبادي، قاضي القضاة، أبو الحسن، تولّى القضاء: بالري، وقزوين، وأبهر، وزنجان، وسهرورد، وقم، ودنباوند، وغيرها، وهذه نسخة عهده حين استقضي في هذه البلاد، أنشأه الصّاحب إسماعيل بن عباد » ثمّ أورد متن العهد، وهو يشتمل على أوصافٍ جليلة له »(١) .

٣ - السبكي: « وهو الذي تلقّبه المعتزلة قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على سواه ولا يعنون به عند الاطلاق غيره، كان إمام أهل الاعتزال في زمانه، وكان ينتحل مذهب الشّافعي في الفروع، وله التصانيف السائرة والذكر الشائع بين الاُصوليين، عمّر دهراً طويلاً حتى ظهر له الأصحاب، وبعد صيته، ورحلت إليه الطّلاب »(٢) .

وأُنظر:

١ - الأنساب ١ / ٢٢٥.

٢ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٦٢.

٣ - مرآة الجنان ٣ / ٢٩.

٤ - طبقات المفسرين ١ / ٢٥٦.

٥ - دول الإِسلام ١ / ٢٤٧.

٦ - شذرات الذهب ٣ / ٢٠٢.

____________________

(١). التدوين بذكر أهل العلم بقزوين ٣ / ١١٩.

(٢). طبقات السبكي ٥ / ٩٧.

٢٢٩

(٣٣)

رواية أبي نعيم الأصبهاني

وتصنيفه في هذا الحديث

لقد جمع أبو نعيم الأصبهاني طرق حديث الطّير في مصنّف منفرد، فقد قال ابن تيميّة: « قال الحافظ أبو موسى المديني: قد جمع غير واحدٍ من الحفاظ طرق حديث الطير للاعتبار والمعرفة: كالحاكم النيسابوري، وأبي نعيم، وابن مردويه »(١) .

أقول: ومن روايات هذا الكتاب ما يلي: « نا علي بن حميد الواسطي، نا أسلم بن سهل قال: نا محمد بن صالح بن مهران قال: نا عبد الله بن محمد ابن عمارة قال: سمعت من مالك بن أنس.

ح عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: قال: بعثتني اُم سليم إلى رسول الله بطير مشوي - ومع أرغفة من شعير - فأتيته به فوضعته بين يديه، فقال: يا أنس اُدع لنا من يأكل معنا هذا الطير، اللّهم ائتنا بخير خلقك، فخرجت فلم يكن بي همة إلّا رجل من أهلي آتيه فأدعوه، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب، فدخلت فقال: أما وجدت أحداً؟ فقلت: لا، قال: اُنظر، فنظرت فلم أجد أحداً إلّا علياً، ففعلت ذلك ثلاث مرات، فرجعت فقلت: هذا علي ابن أبي طالب فقال: إئذن له، اللّهم وإليَّ، اللّهم وإليَّ ».

و قال أبو نعيم، بترجمة ابن أبي ليلى: « حدّثنا محمّد بن المظفر قال: ثنا زيد بن محمّد قال: ثنا أحمد بن محمّد بن الحميم قال: نا رجا بن الجارود أبو

____________________

(١). منهاج السنّة ٤ / ٩٩.

٢٣٠

المنذر قال: ثنا سليمان بن محمّد المباركي قال: ثنا محمّد بن جرير الصنعاني - وأثنى عليه خيراً - قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن سعد ابن أبي وقاص قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في علي بن أبي طالب ثلاث خصال: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، وحديث الطير، وحديث غدير خم.

غريب من حديث شعبة والحكم، ما كتبناه إلّا من هذا الوجه »(١) .

وقال أبو نعيم:

« حدّثنا علي بن حميد الواسطي، ثنا أسلم بن سهل، ثنا محمّد بن صالح ابن مهران، ثنا عبد الله بن محمّد بن عمارة القداحي ثمّ السعدي قال: سمعت هذا من مالك بن أنس سماعاً يحدّثنا به عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال:

بعثتني اُم سليم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطيرٍ مشوي - ومعه أرغفة من شعير -، فأتيته به، فوضعته بين يديه، فقال: يا أنس، اُدع لنا من يأكل معنا من هذا الطير، اللّهم آتنا بخير خلقك، فخرجت فلم تكن لي همة إلّا رجل من أهلي آتيه فأدعوه، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب، فدخلت، فقال: أما وجدت أحداً؟ قلت: لا، قال: اُنظر، فنظرت فلم أجد أحداً إلّا علياً، ففعلت ذلك ثلاث مرّات، ثمّ خرجت فرجعت فقلت: هذا علي بن أبي طالب يا رسول الله، فقال: ائذن له، اللّهم والِ، اللّهم والِ، وجعل يقول ذلك بيده، وأشار بيده اليمنى يحركّها.

غريب من حديث مالك وإسحاق. رواه الجم الغفير عن أنس. وحديث مالك لم نكتبه إلّا من حديث القداحي، تفرّد به »(٢) .

____________________

(١). حلية الأولياء ٤ / ٣٥٦.

(٢). حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩.

٢٣١

وقال أبو نعيم:

حدثنا أبو بكر الطلحي ومحمّد بن عبد الله الكاتب قالا: ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي، ثنا الحسن بن حماد، ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع، عن عيسى بن عمر، عن إسماعيل السدّي، عن أنس: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده طائر فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير، فجاء علي فأذن له، فأكل معه »(١) .

وقال:

« حدثنا أبو بكر ابن خلّاد، ثنا محمّد بن هارون بن مجمّع، ثنا الحجاج ابن يوسف بن قتيبة، ثنا بشر بن الحسين، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال: اُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير مشوي، فلمـّا وضع بين يديه قال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير، فقرع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: علي، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة. الحديث »(٢) .

كتاب « حلية الأولياء »

وكتاب ( حلية الأولياء ) من أشهر كتب أبي نعيم الأصبهاني وأحسنها، وهو من مرويّات السيوطي والثعالبي وغيرهما، كما علمت سابقاً، وقال ابن خلكان بترجمته:

« وكتابه الحلية من أحسن الكتب »(٣) .

____________________

(١). تاريخ أصبهان ١ / ٢٠٥.

(٢). تاريخ أصبهان ١ / ٢٣٢.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٩١.

٢٣٢

وقال الذهبي: « صنّف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار »(١) .

وقال السبكي: « قال حمزة بن العباس العلوي: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير، لا شرقاً ولا غرباً أعلى إسناداً منه ولا أحفظ، وكانوا يقولون: لمـّا صنّف كتاب الحلية حمل إلى نيسابور حال حياته، واشتروه بأربع مائة دينار، وقال ابن الفضل الحافظ: قد جمع شيخنا السلفي أخبار أبي نعيم، وذكر من حدّث عنه، وهم نحو ثمانين رجلاً، قال: ولم يصنّف مثل كتابه حلية الأولياء، سمعنا على أبي المظفر القاساني عنه، سوى فوت عنه يسير »(٢) .

وقال الصفدي: « أملى في فنون الحديث كتباً سارت في البلاد وانتفع بها العباد وصنّف مصنّفات كثيرة منها: حلية الأولياء، والمستخرج على الصحيحين، ذكر فيهما أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلم، وأحاديث علا عليهما فيها كأنّهما سمعاها منه، وذكر فيهما حديثاً كأن البخاري ومسلم سمعاه ممّن سمعه منه ولمـّا كتب كتاب الحلية وحمل إلى نيسابور بيع بأربعمائة دينار»(٣) .

وقال ابن قاضي شهبة الأسدي: « وله التصانيف المشهورة، منها: كتاب الحلية، وهو كتاب جليل حفيل »(٤) .

وفي ( فيض القدير ): « قالوا: لمـّا صنّف بيع في حياته بأربع مائة دينار، وإشتهرت بركته وعلت في الخافقين درجته، وناهيك بقول الإِمام أبي عثمان الصابوني - كما نقله عنه في الضوء وغيره - كل بيت فيه حلية الأولياء لأبي نعيم

____________________

(١). العبر ٣ / ١٧٠.

(٢). طبقات الشافعية ٤ / ١٨.

(٣). الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.

(٤). طبقات الشافعية ١ / ٢٠٦.

٢٣٣

لا يدخل [ لا يدخله ] الشيطان »(١) .

وفي ( كشف الظنون ): « وهو كتاب حسن معتبر »(٢) .

هذا، وقد ذكر ( الدهلوي ) بترجمة أبي نعيم من ( بستان المحدثين ): « إن من نوادر كتبه كتاب حلية الأولياء الذي لم يصنّف له نظير في الإِسلام ».

ترجمته

ولقد ترجم لأبي نعيم وأثنى عليه كبار أئمة علماء أهل السنّة كما لا يخفى على من راجع:

١ - الكامل لابن الأثير ٩ / ٤٦٦.

٢ - وفيات الأعيان ١ / ٩١.

٣ - تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٩٢.

٤ - طبقات القرّاء ١ / ٧١.

٥ - العبر ٣ / ١٧٠.

٦ - طبقات السبكي ٤ / ١٨.

٧ - الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.

٨ - مرآة الجنان ٣ / ٥٢.

٩ - طبقات الأسنوي ٢ / ٤٧٤.

١٠ - طبقات الحفّاظ: ٤٢٣.

وغيرها، وقد أوردنا ترجمته بالتفصيل في مجلَّد حديث التشبيه.

____________________

(١). فيض القدير ١ / ٢٨.

(٢). كشف الظنون ١ / ٦٨٩.

٢٣٤

(٣٤)

تصنيف ابن حمدان في طرق هذا الحديث

لقد جمع أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي بن حمدان - وهو من مشاهير الحفّاظ - طرق حديث الطير في مجلّد، وقد ذكر المترجمون له هذا الكتاب في مؤلفاته.

قال الذهبي:

« ابن حمدان الإِمام الحافظ الثبت، أبو طاهر، محمّد بن أحمد بن علي ابن حمدان، خراساني رحّال، صحب الحاكم ابن البيّع، وتخرّج به، وسمع وله تواليف منها: طرق حديث الطير. سمع منه »(١) .

وقال:

« ابن حمدان الحافظ، أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي بن حمدان، الخراساني، أحد الرّحالين المصنّفين المجوّد أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي ابن حمدان الخراساني، أحد الرحّالين المصنّفين. صحب أبا عبد الله الحاكم وتخرّج به، سمع من: أبي بكر الطرازي، والحافظ أبي بكر الجوزقي، وأبي الحسين القنطري، وأبي طاهر بن خزيمة، وزاهر بن أحمد الفقيه، وإبراهيم ابن محمّد بن موسى السرخسي، ونحوهم بنيسابور وله مسند بهز بن حكيم، وطرق حديث الطير.

سمع منه: أبو سعيد محمّد بن أحمد بن حسين النيسابوري، توفي سنة

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٧ / ٦٦٣.

٢٣٥

٤٤١ »(١) .

وقال السيّوطي:

« ابن حمدان الحافظ المجوّد، أبو طاهر محمّد بن أحمد بن علي بن حمدان الخراساني، أحد الرحّالين المصنّفين، صحب الحاكم وتخرّج به، وسمع الطبراني، والجوزقي، وله مسند بهز بن حكيم، وطرق حديث الطير، مات سنة ٤٤١ »(٢) .

(٣٥)

رواية أبي الحسن العطّار

قال ابن المغازلي: « أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد العطّار الفقيه الشافعيرحمه‌الله - بقراءتي عليه فأقرّ به سنة أربع وثلاثين وأربعمائة - قلت: أخبركم أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان المزني الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطيرحمه‌الله ، نا أبو الحسن علي بن محمّد بن صدقة الجوهري الواسطيرحمه‌الله - سنة ثلاث وثلاثمائة - نا محمّد بن زكريا بن دويد العبدي، نا حميد الطويل عن أنس بن مالك، قال:

اُهدي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحمامة مشويّة فقال: اللّهم ابعث إليَّ أحبّ خلقك إليك وإلى نبيّك يأكل معنا من هذه المائدة، قال: فأتى علي فقال: يا أنس استأذن لي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال فقلت: النبيّ عنك مشغول، فرجع علي ولم يلبث إلّا قليلاً أن رجع فقال: يا أنس

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١١١.

(٢). طبقات الحفّاظ: ٤٢٦.

٢٣٦

استأذن لي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: النبيّ عنك مشغول، فرجع ولم يلبث إلّا قليلاً أنْ رجع فقال: يا أنس استأذن لي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهممت أنْ أقول مثل قولي الأوّل والثاني، فسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من داخل الحجرة كلام علي فقال: اُدخل يا أبا الحسن، ما أبطأ بك عني؟ قال: جئت يا رسول الله، هذه الثالثة، كلّ ذلك يردّني أنس يقول: النبي عنك مشغول، فقال: يا أنس ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله، سمعت الدعوة فأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، كلّ يحبُّ قومه »(١) .

ترجمته

قال الذهبي في حوادث ٤٤١: « وأحمد بن المظفر بن أحمد بن يزداد الواسطي العطّار، أبو الحسن، راوي مسند مسدّد عن ابن السقاء، توفي في شعبان »(٢) .

(٣٦)

رواية أبي بكر البيهقي

و رواه أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي - الذي يرى صاحب المشكاة أنّ إسناد الحديث إليه كإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقد قال ابن الجوزي:

« أنا زاهر بن طاهر قال: أنبأنا إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبو بكر

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ١٥٦.

(٢). العبر في خبر من غبر ٢ / ٢٧٨.

٢٣٧

البيهقي قالا: أنا محمّد بن عبد الله الأندلسي قال: نا سليمان بن أحمد اللخمي قال: نا أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي قال: نا أبو حمة محمّد بن يوسف اليمامي قال: نا أبو قرة يوسف بن طارق، عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله، عن أنس بن مالك قال: بينا أنا واقف عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ اهدي إليه طير فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي، فقلت: رسول الله على حاجة، ثمّ جاء فدخل فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم وإليّ اللهم وإليّ. فأكل معه »(١) .

أقول:

لقد سكت ابن الجوزي عن الكلام على هذا الطريق، وسكوته إقرار بصحّته، وقد تقدّم هذا الطريق تحت عنوان « أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي » وعرفت صحّته.

و قال الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي:

« أخبرنا الشّيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الحافظ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا أبو علي الحسين بن محمّد بن علي الروذباري، أخبرنا أبو بكر محمّد بن مهرويه بن عباس بن سنان الرازي، حدّثنا أبو حاتم الرازي، حدّثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسماعيل الأزرق، عن أنس بن مالك قال:

اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فقلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار،

____________________

(١). العلل المتناهية ١ / ٢٣٠.

٢٣٨

فجاء علي، فقلت: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، قال: فذهب ثمّ جاء فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فذهب ثمّ جاء، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إفتح، ففتحت، ثمّ دخل، فقال: ما حديثك يا علي؟ فقال: هذه آخر ثلاث كرّات يردّني أنس، يزعم أنك على حاجة!! قال: ما حملك على ما صنعت يا أنس؟ قال: سمعت دعاءك فأحببت أن تكون في رجل من قومي، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الرجل قد يحبُّ قومه »(١) .

ترجمته

والبيهقي - هذا - من أكابر أئمة أهل السنّة ومشاهير حفّاظهم، وقد أثنى عليه علماؤهم الثناء البالغ، كما لا يخفى على من راجع:

١ - معجم البلدان ١ / ٥٣٨.

٢ - الأنساب ٢ / ٣٨١.

٣ - التاريخ الكامل ١٠ / ٥٢.

٤ - وفيات الأعيان ١ / ٧٥.

٥ - تذكرة الحفاظ ٢ / ١١٣٢.

٦ - دول الإِسلام ١ / ٢٦٩.

٧ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٨٥.

٨ - طبقات السبكي ٤ / ٨.

٩ - الوافي بالوفيات ٦ / ٣٥٤.

١٠ - طبقات الحفّاظ: ٤٣٣.

وغيرها، وهذه خلاصة ما ذكره السبكي بترجمته:

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين: ٦٤.

٢٣٩

« أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى الحافظ، أبو بكر البيهقي النيسابوري الخسروجردي، كان الإِمام البيهقي أحد أئمة المسلمين وهداة المؤمنين والدعاة إلى حبل الله المتين، فقيه جليل، حافظ كبير، اُصولي نحرير، زاهد ورع، قانت لله، قائم بنصرة المذهب، اُصولاً وفروعاً، جبلاً من جبال العلم. إشتغل بالتّصنيف بعد أن صار أوحد زمانه وفارس ميدانه، وأحذق المحدّثين ذهنا وأسرعهم فهماً وأجودهم قريحةً، وبلغت تصانيفه ألف جزء، ولم يتهيّأ لأحدٍ مثلها.

أمّا السنن الكبير فما صُنِّف في علم الحديث مثله تهذيباً وترتيباً وجودةً، وأما المعرفة معرفة السنن والآثار فلا يستغني عنه فقيه شافعي، وسمعت الشيخ الإِمام [ الوالد - ظ ]رحمه‌الله يقول: مراده معرفة الشافعي بالسنن والآثار، وأمّا المبسوط في نصوص الشافعي فما صنّف في نوعه مثله، وأمّا كتاب الأسماء والصفات فلا أعرف له نظيراً، وأمّا كتاب الاعتقاد، وكتاب دلائل النبوة، وكتاب شعب الإِيمان، وكتاب مناقب الشافعي، وكتاب الدعوات الكبير، فأقسم ما لواحدٍ منها نظير، وأمّا كتاب الخلافيات فلم يسبق إلى نوعه ولم يصنف مثله، وهو طريقة مستقلة حديثية لا يقدر عليها إلّا مبرز في الفقه والحديث.

قال عبد الغفار: وكان على سيرة العلماء، قانعاً من الدنيا باليسير، متجمّلاً في زهده وورعه، عاد إلى الناحية في آخر عمره، وكانت وفاته بها.

قال شيخنا الذهبي: كان البيهقي واحد زمانه، وفرد أقرانه، وحافظ أوانه

وقال إمام الحرمين: ما من شافعي إلّا وللشافعي عليه منّة إلّا البيهقي، فإنّه له على الشافعي منّة ».

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411