نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار8%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 305258 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

السّلمي كذب عليه، ولم يبلغنا أنّ الحاكم ينال من معاوية، ولا يظنُّ ذلك فيه، وغاية ما قيل فيه الإِفراط في ولاء علي كرّم الله وجهه، ومقام الحاكم عندنا أجلّ من ذلك »(١) .

بطلان حكمه بوضع حديث: تقاتل الناكثين

وأمّا حكم ابن تيميّة بوضع حديث: « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين » فقلّة حياء، وقد دعاه إلى هذه الوقاحة اعتقاده الخبيث بخطأ أمير المؤمنينعليه‌السلام في قتال أهل الجمل وصفّين، - كما قد أظهر هذا الاعتقاد في بعض المواضع من خرافاته - فهو يريد إبطال كلّ حديثٍ يدلّ على حقيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام في قتال أولئك البغاة

وعلى كلّ حالٍ فإنّ هذا الحديث من الأحاديث الصحاح الثّابتة التي لم يجد طائفة من متعصّبيهم بدّاً من الاعتراف به وحتى أن والد ( الدهلوي ) مع ميله إلى تخطئة الأميرعليه‌السلام في حروبه مع البغاة والخارجين عليه ينقل هذا الحديث في كتبه بل يصرّح بثبوته، بل ( الدهلوي ) نفسه ينصّ في بحث مطاعن عثمان من ( التحفة ) على ثبوت هذا الحديث، فهل يكون ( الدهلوي ) ووالده من الشيعة؟

هذا، وقد روى حديث أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين جمع من أئمة أهل السنّة وحفّاظهم الكبار:

منهم : أبو عمرو ابن عبد البرّ بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: « وروي من حديث علي كرّم الله وجهه، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيّوب الأنصاري: إنّه: أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين »(٢) .

____________________

(١). طبقات الشافعيّة للسبكي ٤ / ١٦٣.

(٢). الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١١١٧.

١٦١

ومنهم : أبو المؤيَّد الموفق بن أحمد الخوارزمي حيث قال: « أخبرني الشيخ الإِمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي - فيما كتب إليَّ من همدان - قال: أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد بإصبهان - فيما أذن - قال: أخبرنا الشيخ الأدي يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ٤٧٣ قال: أخبرنا الإمام الحافظ طراز المحدّثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني وبهذا الإسناد: عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا قال: حدّثنا محمّد بن علي بن دحيم، قال: حدّثنا أحمد بن حازم قال: حدّثنا عثمان بن محمّد قال: حدّثنا يونس بن أبي يعقوب قال: حدّثنا حمّاد بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أبي سعيد التيمي، عن عليعليه‌السلام قال:

عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقيل له: يا أمير المؤمنين، من الناكثون؟ قال: الناكثون أهل الجمل، والمارقون الخوارج، والقاسطون أهل الشام »(١) .

ومنهم : ابن الأثير الجزري بترجمة الإِمامعليه‌السلام حيث قال: « أنبأنا أرسلان بن بعان الصّوفي، حدّثنا أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد بن أبي سعيد الميهني، أنبأنا أبو بكر أحمد بن خلف الشيرازي، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو جعفر محمّد بن علي بن دحيم الشيباني، حدّثنا الحسين بن الحكم الحيري، حدّثنا إسماعيل بن أبان، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فقلنا: يا رسول الله: أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ فقال: مع علي بن أبي طالب، معه يُقتل عمّار بن ياسر.

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي: ١٧٥.

١٦٢

و أخبر الحاكم: أنبأنا أبو الحسن بن علي بن محمشاد المعدّل، حدّثنا إبراهيم بن الحسين بن ديرك، حدّثنا عبد العزيز بن الخطا، حدّثنا محمّد بن كثير، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن محنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا: قاتلت بسيفك المشركين مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ جئت تقاتل المسلمين؟ قال: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وأنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن، بإسناده عن أبي يعلى، حدّثنا إسماعيل بن موسى، حدّثنا الربيع بن سهل، عن سهل بن عبيد، عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليّاً على منبركم هذا يقول: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين »(١) .

ومنهم : شهاب الدين أحمد حيث قال: « عن أبي سعيد -رضي‌الله‌عنه - قال: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم لعلي رضوان الله تعالى عليه ما يلقى من بعده فبكى وقال: أسألك بقرابتي وصحبتي إلّا دعوت الله تعالى أنْ يقبضني. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: يا علي تسألني أن أدعو الله لأجل مؤجل! فقال يا رسول الله: على ما أُقاتل القوم؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: على الإِحداث في الدين.

وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن علي كرّم الله تعالى وجهه قال: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقيل له: يا أمير المؤمنين من الناكثون؟ قال كرّم الله تعالى وجهه: الناكثون أهل الجمل، والقاسطون أهل الشام، والمارقون الخوارج.

رواهما الصالحاني وقال: رواهما الإِمام المطلق روايةً ودرايةً أبو بكر ابن

____________________

(١). أَسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٣٢.

١٦٣

مردويه، وخطيب خوارزم الموفق أبو المؤيد. أدام الله جمال العلم بمأثور أسانيدهما ومشهور مسانيدهما»(١) .

ومنهم : محمد بن طلحة الشافعي - في الأحاديث الدالّة على علم علي وفضله -: « ومن ذلك ما نقله القاضي الإِمام أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المذكور - يعني شرح السنّة - عن ابن مسعود قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى منزل أُم سلمة، فجاء علي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أُم سلمة هذا - والله - قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في هذا الحديث فرقاً ثلاثة صرّح بأنّ عليّاً يقاتلهم من بعده، وهم: الناكثون، والقاسطون، والمارقون »(٢) .

ومنهم : محمّد صدر العالم حيث قال: « وأخرج ابن أبي شيبة، وابن عدي، والطبراني، وعبد الغني بن سعيد في إيضاح الإِشكال، والإِصبهاني في الحجة، وابن مندة في غرائب شعبة، وابن عساكر: عن علي قال: أُمرت بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين ».

قال محمّد صدر العالم: « وأخرج الحاكم في الأربعين، وابن عساكر، عن علي قال: أُمرت بقتال ثلاثة: القاسطين والناكثين والمارقين. أمّا القاسطون فأهل الشام، وأمّا الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النهروان - يعني الحرورية - »(٣) .

ومنهم : محمّد بن إسماعيل الأمير حيث قال:

وسل الناكث والقاسط والـ

مارق الآخذ بالإِيمان غيّا »

« والبيت إشارة إلى قتال أمير المؤمنين عليه‌السلام ثلاث طوائف بعد

____________________

(١). توضيح الدلائل في ترجيح الفضائل - مخطوط.

(٢). مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ١ / ٦٧.

(٣). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

١٦٤

إمامته وهم: الناكثون والقاسطون والمارقون.

قال ابن حجر: وقد ثبت عند النسائي في الخصائص، والبزّار، والطبراني من حديث عليعليه‌السلام : أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

ذكره الحافظ ابن حجر في التخليص الحبير ثمّ قال: والناكثون: أهل الجمل، لأنّهم نكثوا بيعتهم، والقاسطون: أهل الشام، لأنّهم جاروا عن الحقّ في عدم مبايعته، والمارقون: أهل النهروان، لثبوت الخبر الصحيح أنّه يمرقون من الدين كما يمرق السّهم من الرمية. إنتهى بلفظه »(١) .

وبهذا القدر الذي ذكرناه ظهر ثبوت الحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عند كبار الأئمة والحفّاظ من أهل السنّة أمثال:

أبي بكر ابن أبي شيبة.

وأبي بكر البزّار.

وأحمد بن شعيب النسائي.

وأبي يعلى الموصلي.

وأبي القاسم الطّبراني.

وابن عدي الجرجاني.

وابن مندة الأصبهاني.

وعبد الغني بن سعيد.

وأبي بكر ابن مردويه.

وابن عبد البرّ القرطبي.

وأبي القاسم إسماعيل الإِصبهاني صاحب كتاب الحجة.

وأخطب الخطباء الخوارزمي المكّي.

وابن عساكر الدمشقي.

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

١٦٥

وأبي حامد الصالحاني.

وابن الأثير الجزري.

وشهاب الدين أحمد.

وابن حجر العسقلاني.

ومحمّد صدر العالم.

ومحمّد بن إسماعيل الأمير.

إذن، لا يجوز الشك والريب في ثبوت هذا الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا سيّما مع تأيّده بحديثٍ: ابن مسعود، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي سعيد الخدري كما عرفت

بطلان دعوى تشيّع النسائي

ودعوى ابن تيميّة تشيّع النسَائي من العجائب، لأنّ النسائي من أساطين أهل السنّة وأركان مذهبهم، وكتابه أحد الصّحاح الستّة التي يستند إليها أهل السنّة في جميع اُمورهم فجعل النسائي من أكابر أساطين مذهبهم تارةً، وجعله من المتشيّعين تارةً أُخرى من عجائب أهل السنّة المختصّة بهم

بطلان دعوى تشيّع ابن عبد البرّ

والأعجب من ذلك دعواه تشيّع ابن عبد البرّ مع أنّه من كبار حفّاظهم في المغرب، ومن أشهر فقهاء المذهب المالكي تجد مآثره ومفاخره في كلمات الحفّاظ الكبار ومشاهير المؤرّخين والمترجمين له أمثال:

أبي سعد عبد الكريم السمعاني في ( الأنساب ).

وابن خلكان في ( وفيات الأعيان ).

وشمس الدين الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) و ( العبر في خبر من غبر )

١٦٦

و ( سير أعلام النبلاء ).

وأبي الفداء في ( المختصر في أحوال البشر ).

وعمر بن الوردي في ( تتمّة المختصر في أحوال البشر ).

وعبد الله بن أسعد اليافعي في ( مرآة الجنان ).

وابن الشحنة في ( روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ).

وجلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفّاظ ).

والزرقاني المالكي في ( شرح المواهب اللدنيّة ).

و ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ).

حول ترّفض ابن عقدة

وإذا كان ابن تيميّة يتمادى في الغيّ والضلالة حتى نسب النسائي والحاكم وابن عبد البرّ إلى التشيع، فلا عجب أنْ ينسب ابن عقدة إلى الترفّض، بل الكفر لكن هذه النسبة إلى ابن عقدة باطلة عند محققي أهل السنّة وإن القائل بها متعصّب عنيد، يقول محمّد طاهر الفتني: « حديث أسماء في ردّ الشمس. فيه فضيل بن مرزوق، ضعيف، وله طريق آخر فيه ابن عقدة رافضي رمي بالكذب ورافضي كاذب.

قلت : فضيل صدوق احتجّ به مسلم والأربعة.

وابن عقدة من كبار الحفّاظ، وثّقه الناس، وما ضعّفه إلّا عصريٌ متعصّب »(١) .

وتقدّم في قسم حديث الغدير، الأدلة الكثيرة المتينة على وثاقة ابن عقدة وجلالته من شاء فليرجع إليه.

____________________

(١). تذكرة الموضوعات: ٩٦.

١٦٧

بطلان دعوى تواتر فضائل الشيخين وأنها أكثر من مناقب علي

وادّعى ابن تيميّة تواتر فضائل الشّيخين، وأنّها باتّفاق أهل العلم بالحديث أكثر ممّا صحّ من فضائل علي وأصحّ وأصرح في الدلالة وهذه دعوى فارغة وعن الصحة عاطلة ». إنّ الروايات الّتي يشير إليها روايات واهية متناقضة، وضعها قوم تزلّفاً إلى الملوك وتقرّباً إلى السلاطين، ثمّ جاء المدّعون للعلم من تلك الطائفة وأدرجوها في كتبهم وأمّا دعوى أنّها أصح وأكثر من مناقب مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام - المتّفق عليها بين الفريقين - فمصادمة للبداهة والضرورة.

تكذيبه كلمة أحمد في فضائل علي كذب

وأمّا قوله: وأحمد بن حنبل لم يقل « إنّه صح لعليّ من الفضائل ما لم يصح لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب » فمن غرائب الهفوات وعجائب الخرافات لقد وجد ابن تيمية هذه الكلمة الشهيرة عن أحمد بن حنبل مكذّبةً لدعوة أكثرية فضائل الشيخين من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ...، وأنّ معناها أفضلّية الإِمامعليه‌السلام منهما فاضطرّ إلى إنكارها لكنّ هذا القول منه كسائر أقواله في السّقوط ولا يجديه النفي والإِنكار لكون الكلمة ثابتة عند الأئمة والعلماء الأعلام، ينقلونها عن أحمد بأسانيدهم المتصّلة إليه أو يرسلونها عنه إرسال المسلّمات وقد ذكرها وأكدّ على قطعية صدورها العلامة أبو الوليد ابن الشّحنة: « وفضائله كثيرة مشهورة. قال أحمد بن حنبلرحمه‌الله : لم يصح في فضل أحد من الصحابة ما صحّ في فضل عليرضي‌الله‌عنه وكرّم الله وجهه، وناهيك به »(١) .

____________________

(١). روضة المناظر - سنة ٤٠، ترجمة أمير المؤمنين.

١٦٨

ثمّ إنّ جماعةً منهم: كابن عبد البرّ، وابن حجر العسقلاني، والسيّوطي، والسّمهودي، وابن حجر المكّي، وغيرهم نقلوا الكلمة بلفظ « لم يرد » أو « لم يرو »:

قال ابن عبد البرّ: « قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد ما روي في فضائل علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه. وكذلك قال أحمد بن علي بن شعيب النسائي »(١) .

وقال السّمهودي: « قال الحافظ ابن حجر: قال أحمد، وإسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحدٍ من الصّحابة بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء في علي »(٢) .

وإنّ جماعةً منهم: كالحاكم، والثعلبي، والبيهقي، والخوارزمي، وابن عساكر، وابن الأثير الجزري، والكنجي، والزرندي، والسّيوطي، والسمهودي، وابن حجر المكي، وكثيرين غيرهم نقلوا الكلمة بلفظ « ما جاء »:

قال الحاكم: « سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمّد بن المظّفر يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلّي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه »(٣) .

وقال الخوارزمي في بيان كثرة فضائل الإِمامعليه‌السلام : « ويدّلك على ذلك أيضاً ما يروى عن الإِمام الحافظ أحمد بن حنبل - وهو كما عرف أصحاب

____________________

(١). الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١١١٥.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

(٣). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٧.

١٦٩

الحديث في علم الحديث، قريع أقرانه وإمام زمانه والمقتدى به في هذا الفن في إبّانه، والفارس الذي يكبّ فرسان الحفّاظ في ميدانه، وروايته فيهرضي‌الله‌عنه مقبولة وعلى كاهل التصديق محمولة، لما علم أن الإمام أحمد بن حنبل ومن احتذى على مثاله ونسج على منواله وحطب في حبله وانضوى إلى حفله مالوا إلى تفضيل الشيخين رضوان الله عليهما، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح لا يمكن ستره بالراح - وهو:

ما رواه الشيخ الإمام الزاهد فخر الأئمة أبو الفضل ابن عبد الرحمن الحفر بندي الخوارزميرحمه‌الله - إجازة - قال: أخبرنا الشيخ الإِمام أبو محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد بن عبدان العطّار وإسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمن الصّابوني وأحمد ابن الحسين البيهقي قالوا جميعاً: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت القاضي الإِمام أبا الحسن علي بن الحسين وأبا الحسن محمّد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام »(١) .

وقال ابن الأثير: « قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما جاء لعلي بن أبي طالب »(٢) .

وقال ابن حجر المكّي: « الفصل الثاني في فضائل علي كرّم الله وجهه، وهي كثيرة عظيمة شهيرة، حتى قال أحمد: ما جاء لأحدٍ من الفضائل ما جاء لعلي. وقال إسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو علي النيسابوري: لم يرو في

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٣٣.

(٢). الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٩.

١٧٠

حق أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ممّا جاء في علي »(١) .

وهذا تمام الكلام على ما ذكره ابن تيمية في الوجه الثاني في هذا المقام.

قال :

«الثالث : إنّ أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجئ أحب الخلق إلى الله ليأكل معه، فإن إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر، وليس في ذلك زيادة قربة لعند الله لهذا الأكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأيّ أمرٍ عظيم هنا يناسب جعل أحبّ الخلق إلى الله بفعله ».

جواب إنكار إنّ أكل الطّير معَ النبيّ فيه أمر عظيم

وهذا كلام سخيف في الغاية، وما أكثر صدور مثله عند ما يحاولون الإِجابة من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهم يفقدون كلّ استدلال متين وبرهان مبين

إنّ من الواضح جدّاً لدى جميع العقلاء دلالة المؤاكلة مع العظماء، على الشرف العظيم، فكيف بالمؤاكلة مع النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي لا يشك مسلمٌ في كونها شرفاً عظيماً جدّاً، فدعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ الخلق لنيل هذا الشرف العظيم في كمال المناسبة، ومن هنا قالت عائشة – لـمّا سمعت هذه الدعوة -: « اللّهم اجعله أبي ». وقالت حفصة: « اللّهم اجعله أبي ». وقال أنس: « اللّهم اجعله سعد بن عبادة » وفي رواية: « اللّهم اجعله رجلاً منّا حتى نشرَّف به ».

وأيّ ربط لقوله: « فإنّ إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر » بما نحن فيه؟ إذ الكلام في اختيار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته لأن يأكل معه، ولا يلزم من مشروعيّة الإِطعام للبرّ والفاجر أنْ لا يطلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصول شرف المؤاكلة معه لأحبّ الخلق.

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٧٢.

١٧١

وقوله: « وليس في ذلك زيادة قربة لعند الله » خطأ فاحش وسوء أدب، ونفيه ترتّب المصلحة عليه خطأ أفحش لأنّ تخصيص رجلٍ بالمؤاكلة - التي هي شرف عظيم - وطلب حضوره مرةً بعد اُخرى، وردّ غيره، دليلٌ واضح على فضل ذلك الرّجل، وفي هذا مصلحة عظيمة من مصالح الدين.

ولو تنزلّنا عن كلّ هذا وسلّمنا قوله: بأنّ أكل الطّير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجئ أحبّ الخلق إلى الله ليأكل معه، وليس فيه زيادة قربة، لا معونة على مصلحة ومع أنّ طلبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك لأحب الخلق لم يكن محرّماً ولا مكروهاً، ليكون شاهداً على كون الحديث موضوعاً نعم لو تنزلّنا وسلّمنا ما ذكره، فهل كان ابن تيميّة يقول هذا لو كان هذا الحديث في حقّ أحد الشيخين أو الشيوخ، وهل كان يقدح فيه بمثل هذه الوجوه؟ لا والله، بل كانوا يجعلون هذا من أعظم مفاخره وأكبر مآثره؟! ولقالوا: إن مجرّد المؤاكلة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل عظيم، فكيف بامتناعهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مؤاكلة الغير معه، وإرادته هذا الشخص بالخصوص لذلك؟

وعلى الجملة، فإنّ التعصّب والعناد هو الباعث لمثل ابن تيميّة على الطعن والقدح في هذا الحديث الشريف، بمثل هذه الشبهات الركيكة والوساوس السّخيفة.

ثمّ إنّه قد جاء في روايات الإِمامية أنّ الطّير كان من الجنّة نزل به جبرئيل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى هذا الأساس أيضاً تبطل شبهة ابن تيميّة وتندفع، لأنّ أكل طعام الجنّة أمر عظيم يناسب أن يجئ أحبُّس الخلق إلى الله ليأكل منه معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الواضح جدّا أن في أكل طعام الجنّة زيادة قربة، وأنّ الله لم يقسّم الأكل منه للبرّ والفاجر، بل إنّ أهل الحقّ على أنّ الأكل من طعام الجنّة دليل على العصمة والطّهارة قال العلّامة المجلسي طاب ثراه:

١٧٢

« وفي بعض روايات الإِماميّة أنّ الطّير المشوي جاء به جبرئيل من الجنّة، ويشهد به عدم إشراكهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنساً وغيره - مع جوده وسخائه - في الأكل معه، لأنّ طعام الجنّة لا يجوز أكله في الدنيا لغير المعصوم. فتكون هذه الواقعة دالّة على فضيلة أمير المؤمنينعليه‌السلام من جهتين، إذ تكون دليلاً على العصمة والإِمامة معاً »(١) .

ويؤيّد هذا الكلام ما رواه أسعد بن إبراهيم الأربلي بقوله:

« الحديث الثاني والعشرون، يرفعه عبد الله التنوخي إلى صعصعة بن صوحان قال: اُمطرت المدينة مطراً، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه أبو بكر، والتحق به علي، فساروا مسير فرحة بالمطر بعد جدب، فرفع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إلى السماء وقال: اللّهم أطعمنا شيئاً من فاكهة الجنّة، فإذا هو برمّانة تهوي من السماء، فأخذها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصّها حتى روى منها، وناولها علياً فمصّها حتى روى منها. والتفت إلى أبي بكر وقال: لو لا أنّه لا يأكل من ثمار الجنّة في الدنيا إلّا نبيّ أو وصيّه لأطعمتك منها. فقال أبو بكر: هنيئاً لك يا علي »(٢) .

وكان هذا الوجه الثالث لا بن تيميّة.

قال :

« الرّابع: إنّ هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة، فإنّهم يقولون إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أنّ علياً أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه جعله خليفة من بعده. وهذا الحديث يدلّ على أنّه ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله ».

____________________

(١). بحار الأنوار ٣٨ / ٣٤٨.

(٢). الأربعين في الحديث - مخطوط.

١٧٣

بطلان دعوى دلالة الحديث على أنّ النبيّ ما كان يعرف أحبّ الخلق

هذا كلامه وليت شعري إلى أيّ حدٍّ ينجرُّ العناد وتؤدّي الضغائن والأحقاد!! وليت أتباع شيخ الإِسلام؟! يوضّحون لنا موضع دلالة حديث الطّير على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله، وكيفية هذه الدلالة، ليكون الحديث مناقضا لمذهب الإماميّة!!

إن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم ائتني بأحبّ الخلق إليك » لا يدلّ على ما يدّعيه ابن تيميّة بإحدى الدّلالات الثلاث، ولا يفهم أهل اللغة ولا أهل العرف ولا أهل الشرع من هذه الجملة ما فهمه ابن تيمية!!

بل إنّ أهل العلم يعلمون باليقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف بأنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه لم يكن مراده من « أحبّ الخلق » في ذلك الوقت إلاّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام . لكنه إنّما دعاه بهذا العنوان ليظهر فضله، كما اعترف بذلك ابن طلحة الشافعي وأوضحه كما ستعرف.

ثمّ إنّ مفاد بعض أخبار الإِماميّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صرّح في واقعة حديث الطّير بتعيّن أحبّ الخلق عنده ومعرفته به، بحيث لو لم يحضر الإِمامعليه‌السلام عنده في المرّة الثالثة لصرّح باسمه ففي كتاب ( الأمالي ) للشيخ ابن بابويه القمي:

« حدّثنا أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي هدبة قال: رأيت أنس بن مالك معصوباً بعصابة، فسألته عنها فقال: هي دعوة علي بن أبي طالب، فقلت له: وكيف يكون ذلك؟ فقال: كنت خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشوي، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي هذا الطائر. فجاء علي، فقلت له: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك

١٧٤

مشغول، وأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده الثانية فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فقلت له: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول، وأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده الثالثة فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فقلت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول وأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

فرفع علي صوته فقال: وما يشغل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنّي، فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: يا أنس من هذا؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: ائذن له. فلمـّا دخل قال له: يا علي، إنّي قد دعوت الله عزّ وجلّ ثلاث مرّات أن يأتيني بك. فقالعليه‌السلام : يا رسول الله، إنّي قد جئت ثلاث مرّات كلّ ذلك يردّني أنس ويقول: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول. فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس ما حملك على هذا؟ فقلت: يا رسول الله سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

فلمـّا كان يوم الدار استشهدني عليعليه‌السلام فكتمته، فقلت: إنّي نسيته. قال: فرفع عليعليه‌السلام يده إلى السماء فقال: اللّهم ارم أنساً بوضح لا يستره من الناس، ثمّ كشف العصابة عن رأسه فقال: هذه دعوة علي. هذه دعوة علي، هذه دعوة علي »(١) .

فكيف يناقض هذا الحديث مذهب الإماميّة يا شيخ الإِسلام؟!! وهل هذا إلّا رمي للسّهام في الظلام، واتّباع الوساوس والهواجس والأوهام؟!!

وكان هذا ما ذكره ابن تيميّة في الرابع.

____________________

(١). الأمالي للشيخ محمّد بن علي بن بابويه: ٧٥٣.

١٧٥

وقال في الخامس والأخير:

« الخامس - أن يقال: إمّا أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف أنّ عليّاً أحبّ إلى الله أو ما كان يعرف، فإنْ كان يعرف ذلك كان يمكنه أنْ يرسل بطلبه كما كان يطلب الواحد من أصحابه، أو يقول: اللّهم ائتني بعليّ فإنّه أحبّ الخلق إليك، فأيّ حاجة إلى الدعاء والإِبهام في الدعاء، ولو سمّى علياً لاستراح أنس من الرجاء الباطل ولم يغلق الباب في وجه علي. وإنْ كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعرف ذلك، بطل ما يدّعونه من كونه كان يعرف ذلك. ثمّ إنّ في لفظة « أحبّ الخلق إليك وإليَّ » فكيف لا يعرف أحبّ الخلق إليه؟ ».

جواب اعتراضه بأنّه إن كان يعرفه فلما ذا الإبهام؟

قلت : قد عرفت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه لم يكن إلّا عليعليه‌السلام ، فالترديد التي ذكره ابن تيميّة في غير محلّه. وأمّا قوله: فأيّ حاجة إلى الدّعاء والإِبهام في الدّعاء؟ فالجواب:

إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أنْ يُعلم الاُمّة بأنّ مصداق هذا العنوان ليس إلّا الإِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأنّ الله عزّ وجلّ هو الذي جعل علياً أحبّ الخلق إليه وإلى رسوله، لا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل علّياً كذلك من عند نفسه ولو أرسل بطلبه أو قال: اللّهم ائتني بعلّي فإنّه أحبّ الخلق إليك لم تتبيّن هذه الحقيقة، ولتعنّت المنافقون وقالوا بأنّ الذي قاله النبيّ من عنده لا من الله عزّ وجل.

فقضيّة الطّير هذه على ما ذكرنا تشبه قضيّة شفاعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم القيامة بتقدّمٍ وطلب من الأنبياء واحدٍ بعد واحد كما في الحديث المرويّ قال الإِسكندري ما نصّه:

« أمّا المقدمة، فاعلم أنّ الله سبحانه وتعالى لمـّا أراد إتمام عموم نعمته

١٧٦

وإفاضة فيض رحمته، واقتضى فضله العظيم أنْ يمنَّ على العباد بوجود معرفته، وعلم سبحانه وتعالى عجز عقول عموم العباد عن التلّقي من ربوبيّته، جعل الأنبياء والرسل لهم الاستعداد العام لقبول ما يرد من إلهيّته، يتلقّون منه بما أودع فيهم من سرّ خصوصيّته، ويلقون عنه جمعاً للعباد على أحديّته، فهم برازخ الأنوار ومعادن الأسرار، رحمة مهداة ومنّة مصفّاة، حرّر أسرارهم في أزله من رقّ الأغيار، وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الآثار، لا يحبّون إلّا إيّاه ولا يعبدون ربّاً سواه، يلقي الروح من أمره عليهم ويواصل الإِمداد بالتأييد إليهم.

وما زال فلك النبوّة والرسالة دائراً إلى أن عاد الأمر من حيث الإِبتداء، وختم بمن له كمال الإِصطفاء، وهو نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو السيّد الكامل القائم الفاتح الخاتم، نور الأنوار وسرّ الأسرار، المبجّل في هذه الدار وتلك الدار على المخلوقات، أعلى المخلوقات مناراً وأتمّهم فخاراً.

دلّ على ذلك الكتاب المبين قال الله سبحانه:( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ومن رحم به غيره فهو أفضل من غيره. والعالم كلّ موجود سوى الله تعالى. وأمّا تفضيله على بني آدم خصوصاً فمن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي سيد بني آدم ولا فخر. وأمّا تفضيله على آدم عليه اسلام فمن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين و من قوله: آدم فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي. و بقوله: إنّي أوّل شافع وإنّي أوّل مشفّع. وأنا أول من تنشق الأرض عنه وحديث الشفاعة المشهور الذي:

أخبرنا به الشيخ الإِمام الحافظ بقيّة المحدّثين شرف الدين أبو محمّد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي - بقراءتي عليه أو قرئ عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا الشيخان الإِمام فخر الدين وفخر القضاة أبو الفضل أحمد ابن محمّد بن عبد العزيز الحبّاب التميمي وأبو التقى صالح بن شجاع بن سيدهم المدلجي الكناني قالا: أخبرنا الشريف أبو المفاخر سعيد بن الحسين

١٧٧

ابن محمّد بن سعيد العباسي المأموني قال: أخبرنا أبو عبد الله الفراوي وقال: أخبرنا عبد الغافر الفارسي قال: أخبرنا أبو أحمد محمّد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سفيان الفقيه قال:

حدّثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري قال: حدّثنا أبو الرّبيع العتكي قال: حدّثنا حمّاد بن زيد قال: حدّثنا سعيد بن هلال الغنوي، وحدّثنا سعيد بن منصور - واللفظ له - قال: حدّثنا حمّاد بن زيد قال: حدّثنا سعيد بن هلال الغنوي قال:

إنطلقنا إلى أنس بن مالك وتشفّعنا بثابت، فانتهينا إليه وهو يصلّي الضحى، فاستأذن لنا ثابت، فدخلنا عليه وأجلس ثابتاً معه على سريره فقال له: يا أبا حمزة، إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أنْ تحدّثهم حديث الشفاعة. قال:

حدّثنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم فيقولون: إشفع لذريّتك، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنّه كليم الله. فيأتون موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنّه روح الله وكلمته فيأتون عيسى، فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيأتون إليَّ فأقول: أنا لها. فأنطلق إلى ربّي، فيؤذن لي، فأقوم بين يديه، فأحمده بمحامد لا أقدر عليه إلّا أنْ يلهمنيه الله عزّ وجلّ. ثمّ اُخرّ ساجداً فيقال لي: يا محمّد، إرفع رأسك وقل، نسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأقول: ربّي أُمّتي أُمّتي، فيقال: إنطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبّة من خردل من الإيمان فأخرجه من النار. فأنطلق فأفعل

فانظر - رحمك الله - ما تضمنّه هذا الحديث من فخامة قدرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلالة أمره، وإن أكابر الرسل والأنبياء لم ينازعوه في هذه الرتبة التي هي مختصة به، وهي الشفاعة العامّة في كلّ من ضمّه المحشر.

١٧٨

فإنْ قلت: فما بال آدم أحال على نوح في حديث وعلى إبراهيم في هذا ودلّ نوح على إبراهيم، وإبراهيم على موسى، وموسى على عيسى، وعيسى على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تكن الدلالة على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوّل؟

فاعلم أنّه لو وقعت الدلالة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوّل لم يتبيّن من نفس هذا الحديث أنّ غيره لا يكون له هذه الرتبة، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يدلّ كلّ واحد على من بعده، وكل واحد يقول لست لها، مسلّماً للرتبة غير مدّع لها، حتى أتوا عيسىعليه‌السلام ، فدلَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: أنا لها »(١) .

هذا، وقول ابن تيمية: « ولو سمّى علياً لاستراح أنس » اعتراض صريح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجترئ عليه إلّا هذا الرّجل وأمثاله ونعوذ بالله منه ونشكره سبحانه وتعالى على أن عافانا ممّا ابتلي به هؤلاء

____________________

(١). لطائف المنن - في مبحث شفاعة نبيّنا بطلب الأنبياء السابقين.

١٧٩

مع الأعور الواسطي

وجاء الأعور الواسطي ناسجاً على منوال ابن تيميّة يقول:

« ومنها - حديث الطائر المنسوب إلى أنس بن مالك خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أتى رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل منه، وكان أنس في الباب فجاء عليرضي‌الله‌عنه ثلاث مرات وأنس يردّه، فبصق عليه فبرص من فرقه إلى قدمه.

والجواب من وجوه:

الأوّل - نقول: هذا حديث مكذوب.

الثاني - نقول: مردود، لأنّهم يدّعون أن أنساً كذب ثلاث مرات في مقام واحد، فترد شهادته.

الثالث - نسلّم صحته ونقول: معنى « أحبّ خلقك يأكل منه »: الذي أحببت أنْ يأكل منه حيث كتبته رزقاً له، لا ما يعنيه الرافضة أنّ علياً أحبّ إلى الله، فإنّه يلزم أنْ يكون أحبّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ظاهر البطلان »(١) .

بطلان دعوى أنّ هذا حديث مكذوب

أقول : أمّا الوجه الأوّل فما ذكره فيه مجرّد دعوى فارغة، ولو كان قول القائل « هذا حديث مكذوب » كافياً في ردّ شيء من الأحاديث، فمن الممكن أن تردّ جميع الأحاديث والآثار بهذه الكلمة لكلّ أحد.

____________________

(١). رسالة الأعور في الردّ على الإِماميّة - مخطوط.

١٨٠

ردّ القدح فيه من جهة كذب راويه

وأمّا الوجه الثاني، فقد عرفت الجواب عنه سابقاً ولعلَّ بطلان هذا الكلام لدى الخاص والعام، هو الذي منع ( الدهلوي ) وسلفه ( الكابلي ) وغيرهما من متكلّمي القوم من الاستدلال به في كتبهم الكلاميّة التي وضعوها للردّ على الإِماميّة نعم ذكره ( الدهلوي ) في حاشية كتابه ناسباً إيّاه إلى النّواصب مذعناً بناصبيّة الأعور

الجواب عن المناقشة في الدلالة

وأمّا الوجه الثالث فسيأتي الجواب عنه عند ما نتكلّم بالتفصيل في مفاد حديث الطّير ودلالته، فانتظر.

وقال في ( التوضيح الأنور بالحجج الواردة لدفع شبه الأعور ):

« وأمّا الثالث فلأنّا لا نسلّم لزوما ما توهمّه ممّا أرادوه، فإن المعني به كما سبق أحبّ من يأتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والنبي ممّن يؤتى، فكيف يلزم أن يكون أحبّ منه على ذلك التقدير؟ بل إنّما يلزم ذلك على تأويله الفاسد وقوله الوهمي الفاسد من أنّ معنى أحبّ خلقك يأكل معي: الذي أحببت أن يأكل منه حيث كتبته رزقاً له، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكل منه وكتب رزقاً له. ما أعمى قلب الخارجي الخارج عن طريق الصواب، والأبتر الناصبي الهارب عن المطر الجالس تحت الميزاب ».

١٨١

مع محسن الكشميري

وعلى هذه الوتيرة كلمات محمّد محسن الكشميري في هذا الباب، فإنّه قال:

« السابع - خبر الطائر، وهو: أنّه أُهدي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشوي. فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي. فجاء علي وأكل.

والجواب من وجوه:

الأوّل : إنّه ذكر مهرة فن الحديث أنّه موضوع، كما صرّح به محمّد بن طاهر الفتني في الرسالة له في بيان الصحيح والضعيف والوضّاعين والضعفاء المجهولين.

الثاني : إنّه لا يدلّ على الإِمامة بالمعنى المراد عند الخصم، كما مرّ غير مرة.

الثالث : إن مثله وارد في حقّ اُسامة بن زيد، حين سأل النبيّعليه‌السلام رجل عن أحبّ الناس إليه. فقال عليه الصلاة والسلام: اُسامة بن زيد. فلو كان علي أحب إلى الحق من بين الصحابة كان أحب إلى النبيّ أيضا، إذ لا يحبّ النبيّ إلاّ لما يحبّ الله. فلو كان أحبّ إليهعليه‌السلام مطلقا كان حديث اُسامة معارضاً له، فلا بدّ من تخصيص، فلم يبق حجة.

الرابع : إنّه مضمحل بتقديم النبيّ أبا بكر في الصلاة »(١) .

____________________

(١). نجاة المؤمنين - مخطوط.

١٨٢

دعوى وضع الحديث كاذبة

أقول : أمّا الوجه الأوّل فما ذكره فيه من « أنّه ذكر مهرة فنّ الحديث أنّه موضوع » فنسبة كاذبة ودعوى فارغة، إذ قد عرفت سابقاً وآنفاً أنْ مهرة فن الحديث لا يقولون بأنّه موضوع، ومن ادّعى ذلك كابن تيميّة فليس من مهرة فنّ الحديث، وليس لدعوى ذلك وجه يصلح للإِصغاء.

فرية على الفتني

وقوله: « كما صرَّح به محمّد بن طاهر الفتني » فرية واضحة، فقد ذكرنا سابقاً عبارة الفتني في ( تذكرة الموضوعات ) وليس فيها نسبة القول بوضع هذا الحديث إلى مهرة فنّ الحديث، وإنّما ذكر عن المختصر أن طرقه ضعيفة وأنّ ابن الجوزي ذكره في الموضوعات وأين هذا من ذاك؟ وقد عرفت أنّ دعوى من يدّعي ضعف جميع طرق حديث الطير كاذبة، ونسبة إيراد ابن الجوزي إيّاه في الموضوعات افتراء عليه

المناقشة في دلالته مردودة

وأمّا الوجه الثاني - وهو المناقشة في دلالة حديث الطير على مراد الإِماميّة - فسيظهر اندفاعه من الوجوه التي سنذكرها في بيان دلالة هذا الحديث على ما يذهب إليه الإِماميّة، إذ حاصل ذلك أنّه يدلّ على أفضلّية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والأفضلية مستلزمة للإِمامة بلا كلام.

دحض المعارضة بما رووه في حق اُسامة

وأمّا الوجه الثالث فواضح البطلان. أمّا أولاً: فلأن الحديث الذي ذكره الكشميري غير وارد بهذا اللّفظ في شيء من روايات أهل السنّة.

١٨٣

وأمّا ثانياً: فلأنّ هذا الحديث بأيّ لفظ كان - من متفردّات أهل السنّة وما كان كذلك فهو غير صالحٍ لإِلزام الإِماميّة به، ولا اقتضاء له لحملهم على رفع اليد عن عموم حديث الطَّير به. وأمّا ثالثاً: فلأنّ ما رووه في أحبيّة أُسامة ليس عندهم في مرتبة حديث الطّير، فإنّ حديث الطّير - كما فصّل سابقاً - متواتر مقطوع بصدوره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بلغت طرقه حدّاً في الكثرة حمل بعض أعلام حفّاظهم على جمعها في أجزاء مفردة. أما حديث أحبيّة أُسامة فلم تتعدّد طرقه فضلاً عن التواتر والثبوت.

ردّ الاستدلال بما ادّعاه من تقديم النبيّ أبا بكر في الصلاة

وأمّا الوجه الرابع - وهو دعوى اضمحلال حديث الطير ومفاده بتقديم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر في الصّلاة - فأوهن وأسخف ممّا تقدمه، وهو يدلّ على بُعد الكشميري عن أدب المناظرة والإِحتجاج وذلك لأنّ تقديم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر في الصلاة من الموضوعات، وفيهم من اعترف بوقوع الاختلاف والإِضطراب الفاحش في روايات القصّة كابن حجر العسقلاني في شرح البخاري، وهذا الإِضطراب والإِختلاف دليل الوضع والإِفتعال لدى جماعة من الأكابر منهم: كابن عبد البرّ، والأعور، والكابلي، و ( الدهلوي ) كما تبين في ( تشييد المطاعن ).

على أنّ الإِستخلاف في الصّلاة لا دلالة فيه على الإِمامة، وبهذا صرّح ابن تيميّة حيث قال: « الإِستخلاف في الحياة نوع نيابة لا بدّ لكلّ ولي أمر، وليس كلّ من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الاُمة يصلح أنْ يستخلف بعد الموت، فإنّ النبيّ استخلف غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته »(١) .

____________________

(١). منهاج السنّة ٤ / ٩١.

١٨٤

موجز الكلام في تحقيق خبر صلاة أبي بكر

وحديث صلاة أبي بكر - وإنْ رووه في صحاحهم بطرقٍ عديدة، واعتنوا به كثيراً، واستندوا إليه في بحوثهم في الاُصول والفروع - لم يسلم سندٌ من أسانيده من قدحٍ في الرواة، على أنّ هناك أدلة وشواهد من خارج الخبر وداخله على أنّ هذه الصلاة لم تكن بأمر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والعمدة في هذا الخبر ما أخرجوه عن عائشة، وسيأتي بعض الكلام عليه، وأمّا عن غيرها، فقد جاء عن أبي موسى الأشعري - أخرجه البخاري ومسلم(١) - وقد قال الحافظ ابن حجر بأنّه مرسل، ويحتمل أن يكون تلقّاه عن عائشة(٢) .

وجاء عن عبد الله بن عمر(٣) ، ومداره على « الزّهري » وهو من أشهر المنحرفين عن علي عليه الصّلاة والسلام(٤) .

وجاء عن ابن عباس، وهو: « عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس » وقد قال البخاري: « لا نذكر لأبي إسحاق سماعاً من الأرقم بن شرحبيل »(٥) .

وجاء عن عبد الله بن مسعود، وفيه « عاصم بن أبي النجود » قال الهيثمي: « فيه ضعف »(٦) وعن بعضهم « كان عثمانياً »(٧) .

____________________

(١). صحيح البخاري ٢ / ١٣٠ بشرح ابن حجر، صحيح مسلم بشرح النووي - هامش القسطلاني ٣ / ٦٣.

(٢). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٢ / ١٣٠.

(٣). صحيح البخاري ٢ / ٣٠٢ بشرح ابن حجر، صحيح مسلم بشرح النووي ٣ / ٥٩ هامش القسطلاني.

(٤). شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٢.

(٥). هامش سنن ابن ماجة ١ / ٣٩١.

(٦). مجمع الزوائد ٥ / ١٨٣.

(٧). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٥.

١٨٥

وجاء عن سالم بن عبيد وفيه « نعيم بن أبي هند » قالوا: « كان يتناول علياً »(١) .

وجاء عن أنس، وفيه: « أبو اليمان عن شعيب عن الزهري » فأمّا « الزهري » فقد تقدم. وأمّا الآخران فقد قالوا: إن « أبا اليمان » لم يسمع من « شعيب » ولا كلمة(٢) .

ثمّ إنّ الحديث عن عائشة ينتهي بجميع أسانيده إلى:

١ - الأسود بن يزيد النخعي، وهذا الرجل من المنحرفين عن عليعليه‌السلام (٣) والراوي عنه هو: إبراهيم بن يزيد النخعي، وهو من أعلام المدلّسين(٤) .

٢ - عروة بن الزبير، وهو من المشتهرين ببغض علي(٥) والراوي عنه ابنه « هشام » وهو من كبار المدلّسين(٦) .

٣ - عبيد الله بن عبد الله، والراوي عنه عند الشيخين هو « موسى بن أبي عائشة » وقد قال ابن أبي حاتم عن أبيه « تريبني رواية موسى بن أبي عائشة حديث عبيد الله بن عبد الله في مرض النبيّ »(٧) .

٤ - مسروق بن الأجدع، والراوي عنه: شقيق بن سلمة، وكان عثمانيّاً(٨) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ١٠ / ٤١٨.

(٢). تهذيب التهذيب ٢ / ٣٨٠.

(٣). شرح نهج البلاغة ٤ / ٩٧.

(٤). معرفة علوم الحديث: ١٠٨.

(٥). شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٢.

(٦). تهذيب التهذيب ١١ / ٤٤.

(٧). تهذيب التهذيب ١٠ / ٣١٤.

(٨). تهذيب التهذيب ٤ / ٣١٧.

١٨٦

ثمّ نقول:

أوّلاً : لقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر بالخروج مع اُسامة، إذْ لا ريب لأحدٍ في كونه هو وعمر وغيرهما من كبار المهاجرين والأنصار في بعث اُسامة(١) .

وثانياً : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بعد أن علم بخروج أبي بكر إلى الصلاة - خرج بنفسه، وهو معتمد على رجلين، فنحّاه عن المحراب، وصلّى بالناس بنفسه الكريمة(٢) .

وثالثاً : إن من الاُمور المسلّمة عدم جواز تقدّم أحدٍ على النبيّ(٣) .

ورابعاً : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يرى أن صلاة أبي بكر كانت بأمر من عائشة(٤) و « علي مع الحقّ والحقّ مع علي »(٥) ، وهو ما يدلّ عليه سقوط الأسانيد وقرائن الأحوال والشواهد.

وإنْ شئت التفصيل فراجع رسالتنا في الموضوع(٦) .

____________________

(١). فتح الباري ٨ / ١٢٤.

(٢). تجده في جميع الروايات في الصحاح وغيرها.

(٣). فتح الباري ٣ / ١٣٩، نيل الأوطار ٣ / ١٩٥، السيرة الحلبية ٣ / ٣٦٥.

(٤). شرح نهج البلاغة ٩ / ١٩٦ - ١٩٨.

(٥). صحيح الترمذي ٣ / ١٦٦، المستدرك ٣ / ١٢٤، جامع الاُصول ٩ / ٤٢٠.

(٦). الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإِمامية.

١٨٧

مع القاضي پاني پتي

ومن الطرائف ردّ القاضي پاني پتي - وهو من مشاهير متأخري علماء أهل السنّة، بل بيهقي عصره كما في ( إتحاف النبلاء ) عن ( الدهلوي ) - حديث الطير بقوله تبعاً للكابلي:

« الرابع - حديث أنس بن مالك: إنّه كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له فقال: اللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي، فجاء علي فأكله. رواه الترمذي.

قال شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي في ( التلخيص ): لقد كنت زمناً طويلاً أظنّ أن هذا الحديث لم يحسن الحاكم أنْ يودعه في مستدركه، فلمـّا علقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه.

وقد صرّح شمس الدين الجزري بوضع هذا الحديث.

وأيضاً: هذا الحديث لا دلالة فيه على الإِمامة كما لا يخفى. والمراد من « أحب الناس »: « من أحبّ الناس إليك » كما في قولهم: فلان أعقل الناس.

ومن المحتمل عدم حضور الخلفاء الآخرين في ذلك الوقت.

وقد ورد مثل هذا الحديث في حقّ العباسرضي‌الله‌عنه : روى ابن عساكر من طريق السبكي عن دحية قال: قدمت من الشام وأهديت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك. فقال: اللّهم ائتني بأحبّ أهلي إليك يأكل معي. فطلع العبّاس، فقال: يا عم أُجلس. فجلس وأكل.

لكن سنده واهٍ »(١)

____________________

(١). السيف المسلول - مخطوط.

١٨٨

تصرّفه في لفظ الحديث

أقول : أوّل ما في هذا الكلام تحريفه لفظ الحديث، فقد بدّل لفظ « أحبّ الخلق » إلى « أحبّ الناس ».

تصحيفه عبارة الذهبي

ثمّ إنّه ذكر كلمة الذهبي « لم يجسر الحاكم » بلفظ « لم يحسن » وهكذا ترجمها إلى الفارسيّة.

دعواه أنه موضوع مع اعترافه بإخراج الترمذي إيّاه

وهو يدّعي أنّ الحديث موضوع مع اعترافه بإخراج الترمذي إيّاه حيث قال: « رواه الترمذي » وهل في « الترمذي » حديث « موضوع »؟

لكنّ الحديث عند الترمذي بلفظ « أحبّ الخلق » لا « أحبّ الناس » وكلمة الذهبي « لم يجسر » لا « لم يحسن ».

ومن هذا كلّه يظهر أنّ الرّجل بصدّد أنْ يكتب شيئاً ليكون بزعمه ردّاً على استدلال الإِماميّة بهذا الحديث، فجاء بعبارات الكابلي ولم يكلِّف نفسه مشقة مراجعة ( الترمذي ) و ( تلخيص المستدرك ).

نسبة القول بوضعه إلى ابن الجزري

كما أنّه تبع الكابلي في نسْبة القول بأنّه حديث موضوع إلى ابن الجزري، هذه النسبة التي لا شاهد على ثبوتها، بل تدل القرائن على كذبها.

مناقشة في دلالته وتأويله للفظه

وفي الدلالة تبع الكابلي في دعوى أنّ هذا الحديث لا يدلّ على الإِمامة

١٨٩

لكنها دعوى فارغة عاطلة ثمّ ادّعى كون المراد من « أحب الناس » هو « من أحبّ الناس » إدعى هذا جازما به، والحال أنّه لو كان هذا الحديث موضوعاً كما يزعم فمن أين يثبت أنّ هذا الذي ذكره هو المراد حتماً؟

احتماله عدم حضور الخلفاء وقت القصّة

ومع ذلك، إحتمل - تبعاً للكابلي - أن لا يكون الخلفاء حاضرين في المدينة وقت قصّة الطير ودعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحضور « أحبّ الخلق » إلى الله وإليه، إلّا أنّه ليس إلّا محاولةً أُخرى لإِسقاط دلالة الحديث الشريف على أفضلية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام

ومن أدلّة بطلان هذا الإِحتمال وسقوطه: خبر الطير برواية النسائي.

معارضته الحديث بحديث اعترف بوهنه

ولقد زاد القاضي في الطنّبور نغمةً أُخرى، فجاء بما لم يذكره أسلافه فزعم معارضة حديث الطير بما وضعه بعض الكذّابين منهم في مقابلته لكنْ الذي يهوّن الأمر قوله بالتالي: « لكنَّ سنده واهٍ ».

* * *

١٩٠

مع حيدر علي الفيض آبادي

ولقد اغترَّ المولوي حيدر علي الفيض آبادي بكلمات الكابلي و ( الدهلوي ) في هذا الباب وحسبها كلمات حقٍّ فقال على ضوئها:

« كيف لا تكون أحاديث تقديم أبي بكر في الصلاة - هذه الأحاديث التي رواها أكثر فقهاء الصحابة بل الخلفاء الرّاشدون الملازمون لصحبة خاتم النبيّين، وكذا أهل البيت الطّاهرون، وبلغت حدّ التواتر والاستفاضة، بحيث انقطع بها نزاع المنازعين في مجمع المهاجرين والأنصار، واستدلّ بها المرتضى والزبير - دليلاً لاستحقاق الصدّيق للخلافة، ثمّ يستدلّ بخبر الطير غير الثابت صحتّه، وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، لإِثبات مقصود الشيعة؟

وكيف تفيد مثل هذه الأحاديث ما يدّعيه المخالفون؟ والحال أنّ الإِمامة عندهم - في الحقيقة - أصل الاُصول، وقد صرّحوا آلاف المرّات بأنّه لا يفيد في هذا الباب إلّا الروايات المتواترات خلافاً لجمهور أهل السنّة القائلين بأنّ الإِمامة من الفروع؟ »(١) .

كيف تكون الأكاذيب أدلّة على خلافة الثلاثة؟

أقول : إنّ هذا الكلام الذي تفوّه به الفيض آبادي كلام لا يفضح إلّا نفسه، ولا يثبت إلّا جهله أو تعصبّه كيف يجعل الأحاديث الّتي وضعها الموالون لأبي بكر ثابتة فضلاً عن استفاضتها وتواترها؟ إنّه لا طريق إلى ذلك إلّا أن يسمّى « الموضوع » بـ « الصحيح » و « الخامل » بـ « المشهور » و « المنكر »

____________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن - فضائل أبي بكر، مبحث صلاته.

١٩١

بـ « المستفيض » و « الباطل » بـ « المتواتر » فإنّه عندئذٍ يكون لما ذكره وجه!! إنّ هذه الأحاديث التي يدّعيها الرجل وأمثالها إذا وضعت في ميزان النقد ليست إلّا هباءً منثوراً، وكانت كأنْ لم يكن شيئاً مذكوراً؟!

ولا تكون الصحاح والمتواترات أدلّة على خلافة الأمير؟

وأمّا أدلّة إمّامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وأفضليته: فمن تتّبع أسفار القوم وروايات أئمتهم الأساطين، ونظر فيها بعين الإنصاف، يرى أنّها أدلّة محكمة رزينة وبراهين متقنة متينة، بحيث لا يؤثر فيها قدح قادح أو طعن طاعن

ومن ذلك حديث الطّير فإنّ من نظر في رواته وأسانيده في كتب القوم يذعن بصحّة إحتجاج الإماميّة به على خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام . وكيف لا يكون كذلك؟ وهو حديث رواه أركان مذاهب أهل السنّة وأساطين علمائهم وأعاظم فقهائهم في القرون المختلفة عن التابعين ومعاريف الصحابة الملازمين لخاتم النبيّين، بل عن رئيس أهل البيت وسيد العترة أمير المؤمنينعليه‌السلام ...!!

لقد بلغ حديث الطير في الصحة والثبوت حدّاً حمل جمعاً من أكابر أعلامهم المحققين على الإِذعان بذلك.

بل كان ثبوته وصحّته في زمن المأمون العباسي قاطعاً لنزاع النازعين في مجمعٍ من الفقهاء.

بل لقد استدل واحتّج به سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الشورى وسلّم به وأذعن بثبوته الزبير وطلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص.

بل لقد احتجّ به عمرو بن العاص على معاوية؟

وكيف لا يجوز الإحتجاج والاستدلال بهذا الحديث على أهل السنّة وهم

١٩٢

يرون الإِمامة فرعاً من فروع الدين لا أصلاً من أُصوله حتى لو لم يكن متواتراً؟ فكيف وتواتره ثابت بالقطع واليقين؟

* * *

١٩٣

١٩٤

دلالة

حديث الطَّير

١٩٥

١٩٦

قوله:

« ومع هذا فإنّه لا يفيد المدّعى ».

حاصل مفاد حديث الطّير خلافة علي

أقول:

إن منع دلالة حديث الطّير على ما يقوله الإِمامية واضح البطلان، فإنّ استدلال الإِمامية بهذا الحديث على ما يذهبون إليه في تمام المتانة وكمال الرزانة. وبيانه:

إنّ علّياًعليه‌السلام - حسب دلالة هذا الحديث الشريف - أحبّ جميع الخلق إلى الله تعالى وإلى رسوله، وكلّ من كان أحبّ الخلق إلى الله تعالى ورسوله فهو أفضل من جميع الخلائق عند الله ورسوله، وكل من كان أفضل من جميع الخلائق عند الله ورسوله فهو متعيّن للخلافة عند الله ورسوله، فينتج أنّ علياًعليه‌السلام متعيّن للخلافة عند الله ورسوله.

الأحبيّة تستلزم الأفضلية

أمّا أن كلّ من كان أحبّ الخلق إلى الله ورسوله فهو أفضل من جميع الخلائق عند الله ورسوله ففي غاية الوضوح، لكنّا نستشهد هنا بكلماتٍ لبعض الأساطين حذراً من مكابرة الجاحدين:

١٩٧

شواهد من كلمات العلماء

قال القسطلاني:

« فإنْ قلت: من اعتقد في الخلفاء الأربعة الأفضليّة على الترتيب المعلوم، ولكن محبّته لبعضهم تكون أكثر هل يكون آثماً أم لا؟

أجاب شيخ الإِسلام الولي العراقي: إنّ المحبة قد تكون لأمرٍ دينيّ، وقد تكون لأمرٍ دنيوي. فالمحبّة الدينية لازمة للأفضلية، فمن كان أفضل كانت محبته الدينيّة له أكثر، فمتى اعتقدنا في واحد منهم أنّه أفضل ثمّ أحببنا غيره من جهة الدين أكثر كان تناقضا، نعم إن أحببنا غير الأفضل أكثر من محبّة الأفضل لأمر دنيوي كقرابة أو إحسان ونحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع.

فمن اعترف بأن أفضل هذه الاُمة بعد نبيّها أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي، لكنّه أحبّ علياً أكثر من أبي بكر مثلاً، فإنْ كانت المحبّة المذكورة محبةً دينية فلا معنى لذلك، إذ المحبّة الدينية لازمة للأفضليّة كما قرّرناه، وهذا لم يعترف بأفضليّة أبي بكر إلّا بلسانه، وأما بقلبه فهو مفضّل لعلي، لكونه يحبّه محبّة دينية زائدةً على محبّة أبي بكر، وهذا لا يجوز. وإن كانت المحبة المذكورة دنيويةً لكونه من ذرية علي أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع فيه. والله أعلم »(١) .

إذن، المحبّة الدينيّة لازمة للأفضليّة، وهذا أمر مقرّر.

وقال السبكي:

« محمّد بن أحمد بن نصر الشيخ الإِمام أبو جعفر الترمذي شيخ الشافعية بالعراق قبل ابن شريح وكان إماماً زاهداً ورعاً قانعاً باليسير قال أحمد ابن كامل: لم يكن للشافعية بالعراق أرأس منه ولا أورع ولا أكثر تقلّلاً. وقال

____________________

(١). المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية - بشرح الزرقاني ٧ / ٤٢.

١٩٨

الدار قطني: ثقة مأمون ناسك. توفي أبو جعفر في المحرم سنة ٢٩٥. وقد كمل أربعاً وتسعين سنة. ونقل أنّه اختلط في آخر عمره.

وله كتاب في المقالات سمّاه كتاب اختلاف أهل الصلاة في الاُصول، وقف عليه ابن الصّلاح وانتقى منه فقال - ومن خطّه نقلت - إنّ أبا جعفر قلّ ما تعرض في هذا الكتاب لما يختار هو، وأنّه روى في أوّله حديث: « تفترق أُمتي على ثلاث وسبعين فرقة » عن أبي بكر ابن أبي شيبة. وأنّه بالغ في الردّ على من فضّل الغني على الفقير، وأنّه نقل: إن فرقة من الشيعة قالوا: أبو بكر وعمر أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنّ علياً أحبّ إلينا. قال أبو جعفر: فلحقوا بأهل البدع حيث ابتدعوا خلاف من مضى »(١) .

وهذا صريح في أنّ أحبيّة غير الأفضل لا وجه لها أبداً.

وقال شاه ولي الله في بيان أفضلية الشّيخين:

« وأمّا أفضليّتهم المطلقة من جهة وجود الخصائل الأربع فيهم فثابتة بالأحاديث الكثيرة، منها: حديث عمرو بن العاص - وهو الحديث الثاني والأربعون من أحاديث هذا المسلك - فعن عمرو بن العاص: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته. فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة فقلت: من الرجال؟! فقال: أبوها. قلت: ثمّ من؟ قال: عمر بن الخطاب.

وذلك كناية عن الأفضلية المطلقة »(٢) .

وقال أيضاً: « إنّ من ضروريات الدين أن الغرض من العبادات والطاعات وأشغال الصّوفية وغيرهم ليس إلّا حصول القرب من الله تعالى، وأن الأنبياء لم يفضلوا على غيرهم، والأولياء لم يتقدموا على غيرهم، إلّا من جهة قربهم عند

____________________

(١). طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ١٨٧.

(٢). إزالة الخفا عن سيرة الخلفا - مبحث أفضلّية الشيخين.

١٩٩

الله. ولمـّا كان الشيخان أحبّ إلى رسول الله من سائر الصّحابة كانا أحقّ بالخلافة من غيرهما.

أمّا المقدّمة الأُولى: فللحديث المستفيض عن عائشة: قيل لها: أيّ أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أحبّ إليه؟ قال: أبو بكر ثمّ عثمان. وعن عمرو بن العاص قال: عائشة. ومن الرجال أبوها ثمّ عمر. وعن أنس مثله.

والمراد من « الأحب » هنا هو « الأقرب منزلة » بدليل قول عائشة: لو كان مستخلفاً لاستخلف أبا بكر ثمّ عمر.

وأمّا المقدّمة الثانية: فلأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ينطق عن الهوى، وأنّ حبّه بالخصوص لم يكن عن هوى. فالأحبيّة تدل على أفضلية الشيخين »(١) .

وقال أيضاً في الوجوه الدالّة على أفضلية الشيخين: « النوع الخامس عشر: كون الصدّيق أحبّ من سائر الصّحابة، فعن عائشة عن عمر بن الخطاب قال: أبو بكر سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أخرجه الترمذي. ومن حديث ابن عباس(٢) ، عن عمر في قصّة البيعة نحوه. رواه الترمذي »(٣) .

فهل يبقى ريب لمنصف أو مجال لتعنّت متعصّب في أنّ الأحبيّة تستلزم الأفضليّة؟

وقال ( الدهلوي ) كما في ( مجموعة فتاواه ):

« فائدة - كثرة المحبّة الدينيّة لها معنيان، الأوّل: أنْ يعتقد المحبّ في محبوبه زيادةً في الاُمور الدينية. وهذا المعنى يستلزم ألبتّة اعتقاده

____________________

(١). إزالة الخفا عن سيرة الخلفا - مبحث أفضلّية الشيخين.

(٢). هنا وهم بيّن فإنّ البخاري إنّما روى نحو تلك الألفاظ في مناقب أبي بكر في ضمن قصة البيعة المرويّة عن عروة، عن ابن عباس، عن عمر من هذه الألفاظ شيء إلّا قول عمر: إنّه كان من خيرنا حين توفى الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٣). قرة العينين في تفضيل الشيخين - النوع الخامس عشر من فضائل أبي بكر.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460