نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 305284 / تحميل: 6552
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

السّلمي كذب عليه، ولم يبلغنا أنّ الحاكم ينال من معاوية، ولا يظنُّ ذلك فيه، وغاية ما قيل فيه الإِفراط في ولاء علي كرّم الله وجهه، ومقام الحاكم عندنا أجلّ من ذلك »(١) .

بطلان حكمه بوضع حديث: تقاتل الناكثين

وأمّا حكم ابن تيميّة بوضع حديث: « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين » فقلّة حياء، وقد دعاه إلى هذه الوقاحة اعتقاده الخبيث بخطأ أمير المؤمنينعليه‌السلام في قتال أهل الجمل وصفّين، - كما قد أظهر هذا الاعتقاد في بعض المواضع من خرافاته - فهو يريد إبطال كلّ حديثٍ يدلّ على حقيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام في قتال أولئك البغاة

وعلى كلّ حالٍ فإنّ هذا الحديث من الأحاديث الصحاح الثّابتة التي لم يجد طائفة من متعصّبيهم بدّاً من الاعتراف به وحتى أن والد ( الدهلوي ) مع ميله إلى تخطئة الأميرعليه‌السلام في حروبه مع البغاة والخارجين عليه ينقل هذا الحديث في كتبه بل يصرّح بثبوته، بل ( الدهلوي ) نفسه ينصّ في بحث مطاعن عثمان من ( التحفة ) على ثبوت هذا الحديث، فهل يكون ( الدهلوي ) ووالده من الشيعة؟

هذا، وقد روى حديث أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين جمع من أئمة أهل السنّة وحفّاظهم الكبار:

منهم : أبو عمرو ابن عبد البرّ بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: « وروي من حديث علي كرّم الله وجهه، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيّوب الأنصاري: إنّه: أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين »(٢) .

____________________

(١). طبقات الشافعيّة للسبكي ٤ / ١٦٣.

(٢). الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١١١٧.

١٦١

ومنهم : أبو المؤيَّد الموفق بن أحمد الخوارزمي حيث قال: « أخبرني الشيخ الإِمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي - فيما كتب إليَّ من همدان - قال: أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد بإصبهان - فيما أذن - قال: أخبرنا الشيخ الأدي يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ٤٧٣ قال: أخبرنا الإمام الحافظ طراز المحدّثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني وبهذا الإسناد: عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا قال: حدّثنا محمّد بن علي بن دحيم، قال: حدّثنا أحمد بن حازم قال: حدّثنا عثمان بن محمّد قال: حدّثنا يونس بن أبي يعقوب قال: حدّثنا حمّاد بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أبي سعيد التيمي، عن عليعليه‌السلام قال:

عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقيل له: يا أمير المؤمنين، من الناكثون؟ قال: الناكثون أهل الجمل، والمارقون الخوارج، والقاسطون أهل الشام »(١) .

ومنهم : ابن الأثير الجزري بترجمة الإِمامعليه‌السلام حيث قال: « أنبأنا أرسلان بن بعان الصّوفي، حدّثنا أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد بن أبي سعيد الميهني، أنبأنا أبو بكر أحمد بن خلف الشيرازي، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو جعفر محمّد بن علي بن دحيم الشيباني، حدّثنا الحسين بن الحكم الحيري، حدّثنا إسماعيل بن أبان، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فقلنا: يا رسول الله: أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ فقال: مع علي بن أبي طالب، معه يُقتل عمّار بن ياسر.

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي: ١٧٥.

١٦٢

و أخبر الحاكم: أنبأنا أبو الحسن بن علي بن محمشاد المعدّل، حدّثنا إبراهيم بن الحسين بن ديرك، حدّثنا عبد العزيز بن الخطا، حدّثنا محمّد بن كثير، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن محنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا: قاتلت بسيفك المشركين مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ جئت تقاتل المسلمين؟ قال: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وأنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن، بإسناده عن أبي يعلى، حدّثنا إسماعيل بن موسى، حدّثنا الربيع بن سهل، عن سهل بن عبيد، عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليّاً على منبركم هذا يقول: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين »(١) .

ومنهم : شهاب الدين أحمد حيث قال: « عن أبي سعيد -رضي‌الله‌عنه - قال: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم لعلي رضوان الله تعالى عليه ما يلقى من بعده فبكى وقال: أسألك بقرابتي وصحبتي إلّا دعوت الله تعالى أنْ يقبضني. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: يا علي تسألني أن أدعو الله لأجل مؤجل! فقال يا رسول الله: على ما أُقاتل القوم؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: على الإِحداث في الدين.

وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن علي كرّم الله تعالى وجهه قال: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقيل له: يا أمير المؤمنين من الناكثون؟ قال كرّم الله تعالى وجهه: الناكثون أهل الجمل، والقاسطون أهل الشام، والمارقون الخوارج.

رواهما الصالحاني وقال: رواهما الإِمام المطلق روايةً ودرايةً أبو بكر ابن

____________________

(١). أَسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٣٢.

١٦٣

مردويه، وخطيب خوارزم الموفق أبو المؤيد. أدام الله جمال العلم بمأثور أسانيدهما ومشهور مسانيدهما»(١) .

ومنهم : محمد بن طلحة الشافعي - في الأحاديث الدالّة على علم علي وفضله -: « ومن ذلك ما نقله القاضي الإِمام أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المذكور - يعني شرح السنّة - عن ابن مسعود قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى منزل أُم سلمة، فجاء علي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أُم سلمة هذا - والله - قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في هذا الحديث فرقاً ثلاثة صرّح بأنّ عليّاً يقاتلهم من بعده، وهم: الناكثون، والقاسطون، والمارقون »(٢) .

ومنهم : محمّد صدر العالم حيث قال: « وأخرج ابن أبي شيبة، وابن عدي، والطبراني، وعبد الغني بن سعيد في إيضاح الإِشكال، والإِصبهاني في الحجة، وابن مندة في غرائب شعبة، وابن عساكر: عن علي قال: أُمرت بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين ».

قال محمّد صدر العالم: « وأخرج الحاكم في الأربعين، وابن عساكر، عن علي قال: أُمرت بقتال ثلاثة: القاسطين والناكثين والمارقين. أمّا القاسطون فأهل الشام، وأمّا الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النهروان - يعني الحرورية - »(٣) .

ومنهم : محمّد بن إسماعيل الأمير حيث قال:

وسل الناكث والقاسط والـ

مارق الآخذ بالإِيمان غيّا »

« والبيت إشارة إلى قتال أمير المؤمنين عليه‌السلام ثلاث طوائف بعد

____________________

(١). توضيح الدلائل في ترجيح الفضائل - مخطوط.

(٢). مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ١ / ٦٧.

(٣). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

١٦٤

إمامته وهم: الناكثون والقاسطون والمارقون.

قال ابن حجر: وقد ثبت عند النسائي في الخصائص، والبزّار، والطبراني من حديث عليعليه‌السلام : أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

ذكره الحافظ ابن حجر في التخليص الحبير ثمّ قال: والناكثون: أهل الجمل، لأنّهم نكثوا بيعتهم، والقاسطون: أهل الشام، لأنّهم جاروا عن الحقّ في عدم مبايعته، والمارقون: أهل النهروان، لثبوت الخبر الصحيح أنّه يمرقون من الدين كما يمرق السّهم من الرمية. إنتهى بلفظه »(١) .

وبهذا القدر الذي ذكرناه ظهر ثبوت الحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عند كبار الأئمة والحفّاظ من أهل السنّة أمثال:

أبي بكر ابن أبي شيبة.

وأبي بكر البزّار.

وأحمد بن شعيب النسائي.

وأبي يعلى الموصلي.

وأبي القاسم الطّبراني.

وابن عدي الجرجاني.

وابن مندة الأصبهاني.

وعبد الغني بن سعيد.

وأبي بكر ابن مردويه.

وابن عبد البرّ القرطبي.

وأبي القاسم إسماعيل الإِصبهاني صاحب كتاب الحجة.

وأخطب الخطباء الخوارزمي المكّي.

وابن عساكر الدمشقي.

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

١٦٥

وأبي حامد الصالحاني.

وابن الأثير الجزري.

وشهاب الدين أحمد.

وابن حجر العسقلاني.

ومحمّد صدر العالم.

ومحمّد بن إسماعيل الأمير.

إذن، لا يجوز الشك والريب في ثبوت هذا الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا سيّما مع تأيّده بحديثٍ: ابن مسعود، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي سعيد الخدري كما عرفت

بطلان دعوى تشيّع النسائي

ودعوى ابن تيميّة تشيّع النسَائي من العجائب، لأنّ النسائي من أساطين أهل السنّة وأركان مذهبهم، وكتابه أحد الصّحاح الستّة التي يستند إليها أهل السنّة في جميع اُمورهم فجعل النسائي من أكابر أساطين مذهبهم تارةً، وجعله من المتشيّعين تارةً أُخرى من عجائب أهل السنّة المختصّة بهم

بطلان دعوى تشيّع ابن عبد البرّ

والأعجب من ذلك دعواه تشيّع ابن عبد البرّ مع أنّه من كبار حفّاظهم في المغرب، ومن أشهر فقهاء المذهب المالكي تجد مآثره ومفاخره في كلمات الحفّاظ الكبار ومشاهير المؤرّخين والمترجمين له أمثال:

أبي سعد عبد الكريم السمعاني في ( الأنساب ).

وابن خلكان في ( وفيات الأعيان ).

وشمس الدين الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) و ( العبر في خبر من غبر )

١٦٦

و ( سير أعلام النبلاء ).

وأبي الفداء في ( المختصر في أحوال البشر ).

وعمر بن الوردي في ( تتمّة المختصر في أحوال البشر ).

وعبد الله بن أسعد اليافعي في ( مرآة الجنان ).

وابن الشحنة في ( روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ).

وجلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفّاظ ).

والزرقاني المالكي في ( شرح المواهب اللدنيّة ).

و ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ).

حول ترّفض ابن عقدة

وإذا كان ابن تيميّة يتمادى في الغيّ والضلالة حتى نسب النسائي والحاكم وابن عبد البرّ إلى التشيع، فلا عجب أنْ ينسب ابن عقدة إلى الترفّض، بل الكفر لكن هذه النسبة إلى ابن عقدة باطلة عند محققي أهل السنّة وإن القائل بها متعصّب عنيد، يقول محمّد طاهر الفتني: « حديث أسماء في ردّ الشمس. فيه فضيل بن مرزوق، ضعيف، وله طريق آخر فيه ابن عقدة رافضي رمي بالكذب ورافضي كاذب.

قلت : فضيل صدوق احتجّ به مسلم والأربعة.

وابن عقدة من كبار الحفّاظ، وثّقه الناس، وما ضعّفه إلّا عصريٌ متعصّب »(١) .

وتقدّم في قسم حديث الغدير، الأدلة الكثيرة المتينة على وثاقة ابن عقدة وجلالته من شاء فليرجع إليه.

____________________

(١). تذكرة الموضوعات: ٩٦.

١٦٧

بطلان دعوى تواتر فضائل الشيخين وأنها أكثر من مناقب علي

وادّعى ابن تيميّة تواتر فضائل الشّيخين، وأنّها باتّفاق أهل العلم بالحديث أكثر ممّا صحّ من فضائل علي وأصحّ وأصرح في الدلالة وهذه دعوى فارغة وعن الصحة عاطلة ». إنّ الروايات الّتي يشير إليها روايات واهية متناقضة، وضعها قوم تزلّفاً إلى الملوك وتقرّباً إلى السلاطين، ثمّ جاء المدّعون للعلم من تلك الطائفة وأدرجوها في كتبهم وأمّا دعوى أنّها أصح وأكثر من مناقب مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام - المتّفق عليها بين الفريقين - فمصادمة للبداهة والضرورة.

تكذيبه كلمة أحمد في فضائل علي كذب

وأمّا قوله: وأحمد بن حنبل لم يقل « إنّه صح لعليّ من الفضائل ما لم يصح لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب » فمن غرائب الهفوات وعجائب الخرافات لقد وجد ابن تيمية هذه الكلمة الشهيرة عن أحمد بن حنبل مكذّبةً لدعوة أكثرية فضائل الشيخين من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ...، وأنّ معناها أفضلّية الإِمامعليه‌السلام منهما فاضطرّ إلى إنكارها لكنّ هذا القول منه كسائر أقواله في السّقوط ولا يجديه النفي والإِنكار لكون الكلمة ثابتة عند الأئمة والعلماء الأعلام، ينقلونها عن أحمد بأسانيدهم المتصّلة إليه أو يرسلونها عنه إرسال المسلّمات وقد ذكرها وأكدّ على قطعية صدورها العلامة أبو الوليد ابن الشّحنة: « وفضائله كثيرة مشهورة. قال أحمد بن حنبلرحمه‌الله : لم يصح في فضل أحد من الصحابة ما صحّ في فضل عليرضي‌الله‌عنه وكرّم الله وجهه، وناهيك به »(١) .

____________________

(١). روضة المناظر - سنة ٤٠، ترجمة أمير المؤمنين.

١٦٨

ثمّ إنّ جماعةً منهم: كابن عبد البرّ، وابن حجر العسقلاني، والسيّوطي، والسّمهودي، وابن حجر المكّي، وغيرهم نقلوا الكلمة بلفظ « لم يرد » أو « لم يرو »:

قال ابن عبد البرّ: « قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد ما روي في فضائل علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه. وكذلك قال أحمد بن علي بن شعيب النسائي »(١) .

وقال السّمهودي: « قال الحافظ ابن حجر: قال أحمد، وإسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحدٍ من الصّحابة بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء في علي »(٢) .

وإنّ جماعةً منهم: كالحاكم، والثعلبي، والبيهقي، والخوارزمي، وابن عساكر، وابن الأثير الجزري، والكنجي، والزرندي، والسّيوطي، والسمهودي، وابن حجر المكي، وكثيرين غيرهم نقلوا الكلمة بلفظ « ما جاء »:

قال الحاكم: « سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمّد بن المظّفر يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلّي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه »(٣) .

وقال الخوارزمي في بيان كثرة فضائل الإِمامعليه‌السلام : « ويدّلك على ذلك أيضاً ما يروى عن الإِمام الحافظ أحمد بن حنبل - وهو كما عرف أصحاب

____________________

(١). الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١١١٥.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

(٣). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٧.

١٦٩

الحديث في علم الحديث، قريع أقرانه وإمام زمانه والمقتدى به في هذا الفن في إبّانه، والفارس الذي يكبّ فرسان الحفّاظ في ميدانه، وروايته فيهرضي‌الله‌عنه مقبولة وعلى كاهل التصديق محمولة، لما علم أن الإمام أحمد بن حنبل ومن احتذى على مثاله ونسج على منواله وحطب في حبله وانضوى إلى حفله مالوا إلى تفضيل الشيخين رضوان الله عليهما، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح لا يمكن ستره بالراح - وهو:

ما رواه الشيخ الإمام الزاهد فخر الأئمة أبو الفضل ابن عبد الرحمن الحفر بندي الخوارزميرحمه‌الله - إجازة - قال: أخبرنا الشيخ الإِمام أبو محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد بن عبدان العطّار وإسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمن الصّابوني وأحمد ابن الحسين البيهقي قالوا جميعاً: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت القاضي الإِمام أبا الحسن علي بن الحسين وأبا الحسن محمّد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام »(١) .

وقال ابن الأثير: « قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما جاء لعلي بن أبي طالب »(٢) .

وقال ابن حجر المكّي: « الفصل الثاني في فضائل علي كرّم الله وجهه، وهي كثيرة عظيمة شهيرة، حتى قال أحمد: ما جاء لأحدٍ من الفضائل ما جاء لعلي. وقال إسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو علي النيسابوري: لم يرو في

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٣٣.

(٢). الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٩.

١٧٠

حق أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ممّا جاء في علي »(١) .

وهذا تمام الكلام على ما ذكره ابن تيمية في الوجه الثاني في هذا المقام.

قال :

«الثالث : إنّ أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجئ أحب الخلق إلى الله ليأكل معه، فإن إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر، وليس في ذلك زيادة قربة لعند الله لهذا الأكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأيّ أمرٍ عظيم هنا يناسب جعل أحبّ الخلق إلى الله بفعله ».

جواب إنكار إنّ أكل الطّير معَ النبيّ فيه أمر عظيم

وهذا كلام سخيف في الغاية، وما أكثر صدور مثله عند ما يحاولون الإِجابة من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهم يفقدون كلّ استدلال متين وبرهان مبين

إنّ من الواضح جدّاً لدى جميع العقلاء دلالة المؤاكلة مع العظماء، على الشرف العظيم، فكيف بالمؤاكلة مع النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي لا يشك مسلمٌ في كونها شرفاً عظيماً جدّاً، فدعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ الخلق لنيل هذا الشرف العظيم في كمال المناسبة، ومن هنا قالت عائشة – لـمّا سمعت هذه الدعوة -: « اللّهم اجعله أبي ». وقالت حفصة: « اللّهم اجعله أبي ». وقال أنس: « اللّهم اجعله سعد بن عبادة » وفي رواية: « اللّهم اجعله رجلاً منّا حتى نشرَّف به ».

وأيّ ربط لقوله: « فإنّ إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر » بما نحن فيه؟ إذ الكلام في اختيار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته لأن يأكل معه، ولا يلزم من مشروعيّة الإِطعام للبرّ والفاجر أنْ لا يطلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصول شرف المؤاكلة معه لأحبّ الخلق.

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٧٢.

١٧١

وقوله: « وليس في ذلك زيادة قربة لعند الله » خطأ فاحش وسوء أدب، ونفيه ترتّب المصلحة عليه خطأ أفحش لأنّ تخصيص رجلٍ بالمؤاكلة - التي هي شرف عظيم - وطلب حضوره مرةً بعد اُخرى، وردّ غيره، دليلٌ واضح على فضل ذلك الرّجل، وفي هذا مصلحة عظيمة من مصالح الدين.

ولو تنزلّنا عن كلّ هذا وسلّمنا قوله: بأنّ أكل الطّير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجئ أحبّ الخلق إلى الله ليأكل معه، وليس فيه زيادة قربة، لا معونة على مصلحة ومع أنّ طلبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك لأحب الخلق لم يكن محرّماً ولا مكروهاً، ليكون شاهداً على كون الحديث موضوعاً نعم لو تنزلّنا وسلّمنا ما ذكره، فهل كان ابن تيميّة يقول هذا لو كان هذا الحديث في حقّ أحد الشيخين أو الشيوخ، وهل كان يقدح فيه بمثل هذه الوجوه؟ لا والله، بل كانوا يجعلون هذا من أعظم مفاخره وأكبر مآثره؟! ولقالوا: إن مجرّد المؤاكلة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل عظيم، فكيف بامتناعهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مؤاكلة الغير معه، وإرادته هذا الشخص بالخصوص لذلك؟

وعلى الجملة، فإنّ التعصّب والعناد هو الباعث لمثل ابن تيميّة على الطعن والقدح في هذا الحديث الشريف، بمثل هذه الشبهات الركيكة والوساوس السّخيفة.

ثمّ إنّه قد جاء في روايات الإِمامية أنّ الطّير كان من الجنّة نزل به جبرئيل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى هذا الأساس أيضاً تبطل شبهة ابن تيميّة وتندفع، لأنّ أكل طعام الجنّة أمر عظيم يناسب أن يجئ أحبُّس الخلق إلى الله ليأكل منه معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الواضح جدّا أن في أكل طعام الجنّة زيادة قربة، وأنّ الله لم يقسّم الأكل منه للبرّ والفاجر، بل إنّ أهل الحقّ على أنّ الأكل من طعام الجنّة دليل على العصمة والطّهارة قال العلّامة المجلسي طاب ثراه:

١٧٢

« وفي بعض روايات الإِماميّة أنّ الطّير المشوي جاء به جبرئيل من الجنّة، ويشهد به عدم إشراكهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنساً وغيره - مع جوده وسخائه - في الأكل معه، لأنّ طعام الجنّة لا يجوز أكله في الدنيا لغير المعصوم. فتكون هذه الواقعة دالّة على فضيلة أمير المؤمنينعليه‌السلام من جهتين، إذ تكون دليلاً على العصمة والإِمامة معاً »(١) .

ويؤيّد هذا الكلام ما رواه أسعد بن إبراهيم الأربلي بقوله:

« الحديث الثاني والعشرون، يرفعه عبد الله التنوخي إلى صعصعة بن صوحان قال: اُمطرت المدينة مطراً، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه أبو بكر، والتحق به علي، فساروا مسير فرحة بالمطر بعد جدب، فرفع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إلى السماء وقال: اللّهم أطعمنا شيئاً من فاكهة الجنّة، فإذا هو برمّانة تهوي من السماء، فأخذها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصّها حتى روى منها، وناولها علياً فمصّها حتى روى منها. والتفت إلى أبي بكر وقال: لو لا أنّه لا يأكل من ثمار الجنّة في الدنيا إلّا نبيّ أو وصيّه لأطعمتك منها. فقال أبو بكر: هنيئاً لك يا علي »(٢) .

وكان هذا الوجه الثالث لا بن تيميّة.

قال :

« الرّابع: إنّ هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة، فإنّهم يقولون إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أنّ علياً أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه جعله خليفة من بعده. وهذا الحديث يدلّ على أنّه ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله ».

____________________

(١). بحار الأنوار ٣٨ / ٣٤٨.

(٢). الأربعين في الحديث - مخطوط.

١٧٣

بطلان دعوى دلالة الحديث على أنّ النبيّ ما كان يعرف أحبّ الخلق

هذا كلامه وليت شعري إلى أيّ حدٍّ ينجرُّ العناد وتؤدّي الضغائن والأحقاد!! وليت أتباع شيخ الإِسلام؟! يوضّحون لنا موضع دلالة حديث الطّير على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله، وكيفية هذه الدلالة، ليكون الحديث مناقضا لمذهب الإماميّة!!

إن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم ائتني بأحبّ الخلق إليك » لا يدلّ على ما يدّعيه ابن تيميّة بإحدى الدّلالات الثلاث، ولا يفهم أهل اللغة ولا أهل العرف ولا أهل الشرع من هذه الجملة ما فهمه ابن تيمية!!

بل إنّ أهل العلم يعلمون باليقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف بأنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه لم يكن مراده من « أحبّ الخلق » في ذلك الوقت إلاّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام . لكنه إنّما دعاه بهذا العنوان ليظهر فضله، كما اعترف بذلك ابن طلحة الشافعي وأوضحه كما ستعرف.

ثمّ إنّ مفاد بعض أخبار الإِماميّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صرّح في واقعة حديث الطّير بتعيّن أحبّ الخلق عنده ومعرفته به، بحيث لو لم يحضر الإِمامعليه‌السلام عنده في المرّة الثالثة لصرّح باسمه ففي كتاب ( الأمالي ) للشيخ ابن بابويه القمي:

« حدّثنا أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي هدبة قال: رأيت أنس بن مالك معصوباً بعصابة، فسألته عنها فقال: هي دعوة علي بن أبي طالب، فقلت له: وكيف يكون ذلك؟ فقال: كنت خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشوي، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي هذا الطائر. فجاء علي، فقلت له: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك

١٧٤

مشغول، وأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده الثانية فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فقلت له: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول، وأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده الثالثة فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فقلت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول وأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

فرفع علي صوته فقال: وما يشغل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنّي، فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: يا أنس من هذا؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: ائذن له. فلمـّا دخل قال له: يا علي، إنّي قد دعوت الله عزّ وجلّ ثلاث مرّات أن يأتيني بك. فقالعليه‌السلام : يا رسول الله، إنّي قد جئت ثلاث مرّات كلّ ذلك يردّني أنس ويقول: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول. فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس ما حملك على هذا؟ فقلت: يا رسول الله سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

فلمـّا كان يوم الدار استشهدني عليعليه‌السلام فكتمته، فقلت: إنّي نسيته. قال: فرفع عليعليه‌السلام يده إلى السماء فقال: اللّهم ارم أنساً بوضح لا يستره من الناس، ثمّ كشف العصابة عن رأسه فقال: هذه دعوة علي. هذه دعوة علي، هذه دعوة علي »(١) .

فكيف يناقض هذا الحديث مذهب الإماميّة يا شيخ الإِسلام؟!! وهل هذا إلّا رمي للسّهام في الظلام، واتّباع الوساوس والهواجس والأوهام؟!!

وكان هذا ما ذكره ابن تيميّة في الرابع.

____________________

(١). الأمالي للشيخ محمّد بن علي بن بابويه: ٧٥٣.

١٧٥

وقال في الخامس والأخير:

« الخامس - أن يقال: إمّا أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف أنّ عليّاً أحبّ إلى الله أو ما كان يعرف، فإنْ كان يعرف ذلك كان يمكنه أنْ يرسل بطلبه كما كان يطلب الواحد من أصحابه، أو يقول: اللّهم ائتني بعليّ فإنّه أحبّ الخلق إليك، فأيّ حاجة إلى الدعاء والإِبهام في الدعاء، ولو سمّى علياً لاستراح أنس من الرجاء الباطل ولم يغلق الباب في وجه علي. وإنْ كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعرف ذلك، بطل ما يدّعونه من كونه كان يعرف ذلك. ثمّ إنّ في لفظة « أحبّ الخلق إليك وإليَّ » فكيف لا يعرف أحبّ الخلق إليه؟ ».

جواب اعتراضه بأنّه إن كان يعرفه فلما ذا الإبهام؟

قلت : قد عرفت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه لم يكن إلّا عليعليه‌السلام ، فالترديد التي ذكره ابن تيميّة في غير محلّه. وأمّا قوله: فأيّ حاجة إلى الدّعاء والإِبهام في الدّعاء؟ فالجواب:

إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أنْ يُعلم الاُمّة بأنّ مصداق هذا العنوان ليس إلّا الإِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأنّ الله عزّ وجلّ هو الذي جعل علياً أحبّ الخلق إليه وإلى رسوله، لا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل علّياً كذلك من عند نفسه ولو أرسل بطلبه أو قال: اللّهم ائتني بعلّي فإنّه أحبّ الخلق إليك لم تتبيّن هذه الحقيقة، ولتعنّت المنافقون وقالوا بأنّ الذي قاله النبيّ من عنده لا من الله عزّ وجل.

فقضيّة الطّير هذه على ما ذكرنا تشبه قضيّة شفاعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم القيامة بتقدّمٍ وطلب من الأنبياء واحدٍ بعد واحد كما في الحديث المرويّ قال الإِسكندري ما نصّه:

« أمّا المقدمة، فاعلم أنّ الله سبحانه وتعالى لمـّا أراد إتمام عموم نعمته

١٧٦

وإفاضة فيض رحمته، واقتضى فضله العظيم أنْ يمنَّ على العباد بوجود معرفته، وعلم سبحانه وتعالى عجز عقول عموم العباد عن التلّقي من ربوبيّته، جعل الأنبياء والرسل لهم الاستعداد العام لقبول ما يرد من إلهيّته، يتلقّون منه بما أودع فيهم من سرّ خصوصيّته، ويلقون عنه جمعاً للعباد على أحديّته، فهم برازخ الأنوار ومعادن الأسرار، رحمة مهداة ومنّة مصفّاة، حرّر أسرارهم في أزله من رقّ الأغيار، وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الآثار، لا يحبّون إلّا إيّاه ولا يعبدون ربّاً سواه، يلقي الروح من أمره عليهم ويواصل الإِمداد بالتأييد إليهم.

وما زال فلك النبوّة والرسالة دائراً إلى أن عاد الأمر من حيث الإِبتداء، وختم بمن له كمال الإِصطفاء، وهو نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو السيّد الكامل القائم الفاتح الخاتم، نور الأنوار وسرّ الأسرار، المبجّل في هذه الدار وتلك الدار على المخلوقات، أعلى المخلوقات مناراً وأتمّهم فخاراً.

دلّ على ذلك الكتاب المبين قال الله سبحانه:( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ومن رحم به غيره فهو أفضل من غيره. والعالم كلّ موجود سوى الله تعالى. وأمّا تفضيله على بني آدم خصوصاً فمن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي سيد بني آدم ولا فخر. وأمّا تفضيله على آدم عليه اسلام فمن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين و من قوله: آدم فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي. و بقوله: إنّي أوّل شافع وإنّي أوّل مشفّع. وأنا أول من تنشق الأرض عنه وحديث الشفاعة المشهور الذي:

أخبرنا به الشيخ الإِمام الحافظ بقيّة المحدّثين شرف الدين أبو محمّد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي - بقراءتي عليه أو قرئ عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا الشيخان الإِمام فخر الدين وفخر القضاة أبو الفضل أحمد ابن محمّد بن عبد العزيز الحبّاب التميمي وأبو التقى صالح بن شجاع بن سيدهم المدلجي الكناني قالا: أخبرنا الشريف أبو المفاخر سعيد بن الحسين

١٧٧

ابن محمّد بن سعيد العباسي المأموني قال: أخبرنا أبو عبد الله الفراوي وقال: أخبرنا عبد الغافر الفارسي قال: أخبرنا أبو أحمد محمّد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سفيان الفقيه قال:

حدّثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري قال: حدّثنا أبو الرّبيع العتكي قال: حدّثنا حمّاد بن زيد قال: حدّثنا سعيد بن هلال الغنوي، وحدّثنا سعيد بن منصور - واللفظ له - قال: حدّثنا حمّاد بن زيد قال: حدّثنا سعيد بن هلال الغنوي قال:

إنطلقنا إلى أنس بن مالك وتشفّعنا بثابت، فانتهينا إليه وهو يصلّي الضحى، فاستأذن لنا ثابت، فدخلنا عليه وأجلس ثابتاً معه على سريره فقال له: يا أبا حمزة، إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أنْ تحدّثهم حديث الشفاعة. قال:

حدّثنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم فيقولون: إشفع لذريّتك، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنّه كليم الله. فيأتون موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنّه روح الله وكلمته فيأتون عيسى، فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيأتون إليَّ فأقول: أنا لها. فأنطلق إلى ربّي، فيؤذن لي، فأقوم بين يديه، فأحمده بمحامد لا أقدر عليه إلّا أنْ يلهمنيه الله عزّ وجلّ. ثمّ اُخرّ ساجداً فيقال لي: يا محمّد، إرفع رأسك وقل، نسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأقول: ربّي أُمّتي أُمّتي، فيقال: إنطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبّة من خردل من الإيمان فأخرجه من النار. فأنطلق فأفعل

فانظر - رحمك الله - ما تضمنّه هذا الحديث من فخامة قدرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلالة أمره، وإن أكابر الرسل والأنبياء لم ينازعوه في هذه الرتبة التي هي مختصة به، وهي الشفاعة العامّة في كلّ من ضمّه المحشر.

١٧٨

فإنْ قلت: فما بال آدم أحال على نوح في حديث وعلى إبراهيم في هذا ودلّ نوح على إبراهيم، وإبراهيم على موسى، وموسى على عيسى، وعيسى على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تكن الدلالة على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوّل؟

فاعلم أنّه لو وقعت الدلالة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوّل لم يتبيّن من نفس هذا الحديث أنّ غيره لا يكون له هذه الرتبة، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يدلّ كلّ واحد على من بعده، وكل واحد يقول لست لها، مسلّماً للرتبة غير مدّع لها، حتى أتوا عيسىعليه‌السلام ، فدلَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: أنا لها »(١) .

هذا، وقول ابن تيمية: « ولو سمّى علياً لاستراح أنس » اعتراض صريح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجترئ عليه إلّا هذا الرّجل وأمثاله ونعوذ بالله منه ونشكره سبحانه وتعالى على أن عافانا ممّا ابتلي به هؤلاء

____________________

(١). لطائف المنن - في مبحث شفاعة نبيّنا بطلب الأنبياء السابقين.

١٧٩

مع الأعور الواسطي

وجاء الأعور الواسطي ناسجاً على منوال ابن تيميّة يقول:

« ومنها - حديث الطائر المنسوب إلى أنس بن مالك خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أتى رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل منه، وكان أنس في الباب فجاء عليرضي‌الله‌عنه ثلاث مرات وأنس يردّه، فبصق عليه فبرص من فرقه إلى قدمه.

والجواب من وجوه:

الأوّل - نقول: هذا حديث مكذوب.

الثاني - نقول: مردود، لأنّهم يدّعون أن أنساً كذب ثلاث مرات في مقام واحد، فترد شهادته.

الثالث - نسلّم صحته ونقول: معنى « أحبّ خلقك يأكل منه »: الذي أحببت أنْ يأكل منه حيث كتبته رزقاً له، لا ما يعنيه الرافضة أنّ علياً أحبّ إلى الله، فإنّه يلزم أنْ يكون أحبّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ظاهر البطلان »(١) .

بطلان دعوى أنّ هذا حديث مكذوب

أقول : أمّا الوجه الأوّل فما ذكره فيه مجرّد دعوى فارغة، ولو كان قول القائل « هذا حديث مكذوب » كافياً في ردّ شيء من الأحاديث، فمن الممكن أن تردّ جميع الأحاديث والآثار بهذه الكلمة لكلّ أحد.

____________________

(١). رسالة الأعور في الردّ على الإِماميّة - مخطوط.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

تجزئ عنه عند الشافعي وأحمد(١) .

أمّا عندنا فإن كان المدفوع قرضاً سقطت الزكاة ، لأنّها تتمة النصاب ، وإن كان زكاةً معجَّلة لم تقع ، وكانت باقيةً على ملك صاحبها إن كان المال بحاله جاز أن يحتسبه من الزكاة وأن يعدل بها إلى غيره.

وأمّا عندهما : فلأنّه نصاب تجب فيه الزكاة بحلول الحول ، فجاز تعجيلها منه ، كما لو كان أكثر من أربعين ، ولأنّ المعجَّل في حكم الموجود(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب الزكاة ، ولا يكون ما عجّله زكاة ؛ لأنّ المعجَّل زال ملكه عنه فلم يحتسب من ماله ، كما لو باعه أو أتلفه(٣) .

الثانية : لو كان معه مائة وعشرون فعجَّل منها شاةً ثم نتجت شاة ثم حال الحول لم يكن عليه شاة اُخرى عندنا ؛ لعدم ضمّ السخال إلى الاُمّهات عند علمائنا ، فالنصاب لا يجب فيه أكثر من شاة ، فله الاحتساب والدفع إلى غير الآخذ.

وقال الشافعي وأحمد : تجب عليه شاة اُخرى(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب اُخرى(٥) ، كما قلناه.

الثالثة : لو كان معه مائتا شاة فعجَّل منها شاتين ثم نتجت شاة ، وحال عليها الحول لم تجب عليه شاة اُخرى عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(٦) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١ ، المغني ٢ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٢) اُنظر : المغني ٢ : ٤٩٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢ ، المغني ٢ : ٤٩٩ ، المجموع ٦ : ١٤٨.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٧ - ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤ - ١٣٥ ، المغني ٢ : ٤٩٩.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٥ ، المغني ٢ : ٤٩٩.

(٦) شرح فتح القدير ٢ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢ ، المجموع ٦ : ١٤٨.

٣٠١

وقال الشافعي وأحمد : تجب عليه شاة أخرى ، لأنّه لو لم يعجّل الشاتين وجب عليه ثلاث شياه ، والتعجيل رفق بالمساكين ، فلا يكون سببا في إسقاط حقوقهم(١) .

وينتقض بالبيع والإتلاف.

مسألة ٢١٢ : لو كان معه خمس من الإِبل فعجّل زكاتها‌ وله أربعون من الغنم فهلكت الإِبل فأراد أن يجعل الشاة معجَّلة عن الغنم ابتني على ما إذا عيّن الزكاة من مال هل له أن يصرفه إلى غيره؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّها لم تصر زكاةً بعدُ ، وسيأتي.

مسألة ٢١٣ : وكما لا يجوز تقديم الزكاة في النقدين والمواشي فكذا في الزروع والثمار‌ - وهو قول بعض الشافعية(٢) - لأنّ زكاتها متعلّقة بسبب واحد وهو الإِدراك ، فإذا قدّم الزكاة فقد قدّمها قبل وجود سببها.

وقال ابن أبي هريرة منهم : يجوز(٣) ؛ لأنّ وجود الزرع سبب فيها ، وإدراكه بمنزلة حؤول الحول فجاز تقديمها.

مسألة ٢١٤ : وكما لا يجوز تقديم الزكاة عندنا لحول واحد فالحولان فصاعداً أولى بالمنع‌.

واختلف المـُجوّزون في الأول هل يجوز تعجيل أكثر من زكاة حول واحد فقال الحسن البصري : يجوز لسنتين وثلاث - وهو المشهور عند الشافعية ، وهو قول أبي إسحاق منهم - لأنّ النصاب سبب في إيجاب الزكاة في هذين العامين فجاز تقديم الزكاة كالعام الأول ( ولأنّ العباس استلف صدقة عامين‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٢ و ٣ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٩.

٣٠٢

من الناس )(١) (٢) .

وقال بعض الشافعية : لا يجوز - كما قلناه - لأنّه قدّم الزكاة على الحول الثاني ( فلم يجز )(٣) كما لو قدّمه على الحول الأول(٤) .

وفرّق الأولون : بأنّ التقديم على الحول الأول تقديم على النصاب ، بخلاف صورة النزاع.

إذا ثبت هذا فإن كان معه نصاب لا غير لم يجز له أن يعجّل أكثر من صدقة سنة واحدة إجماعاً منهم ؛ لأنّه إذا عجّل أكثر من ذلك نقص النصاب في الحول الثاني بوقوع زكاة الحول الأول موقعها ، وانقطاع حكمها عن ماله.

وعلى قولنا إن احتسب عند الحول الأول المدفوع من الزكاة سقطت في الثاني ، وإن لم يحتسب سقطت أيضاً ؛ لتعلّق الزكاة بالعين فينقص عن النصاب حكماً في الثاني.

مسألة ٢١٥ : إذا مات المالك قبل الحول انتقل المال إلى الوارث‌ ، واستأنف الحول ، وبطل حكم الأول ، وانقطع الحول بموت المالك عند علمائنا - وهو الجديد للشافعي(٥) - لأنّه بموته خرج عن أهلية التملّك ، وبقاء مال بغير مالك محال ، فينتقل إلى الوارث ، فيستأنف الحول كما لو باعه.

____________________

(١) كذا في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية ، خلافاً لما في المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٣١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١١ ، حيث ورد فيها : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تسلّف من العباس صدقة عامين. فلاحظ.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، والمغني ٢ : ٤٩٨.

(٣) في « ط » : فلم يجزئه.

(٤) راجع المصادر في الهامش (٢)

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦ - ٢٧.

٣٠٣

ولقوله تعالى :( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (١) أضاف بلام التملّك.

وقال في القديم : لا ينقطع بموته ، ويبنى حول الوارث على حول الموروث(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو عجّل زكاة ماله قبل الحول ثم مات ، وانتقل المال إلى ورثته ، لم يجزئه التعجيل عندنا ؛ لما مرّ ، وهو قول بعض الشافعية ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن تكون الزكاة معجّلةً قبل ملك النصاب.

وعلى القديم يجزئه ما عجّله ؛ لأنّه لمـّا قام الوارث مقام الميت في ملكه قام مقامه في حقّه ، ولهذا يرث منه الشفعة ( فيأخذها )(٣) بسبب ملك متجدّد(٤) .

وهو ممنوعٌ ؛ لأنّه يأخذها إرثاً لا بسبب ملكه.

إذا ثبت هذا ، فإن كان المالك حين الدفع شرط التعجيل رجع بها الوارث ، وإلّا فلا.

وفرّع الشافعي على الإِجزاء إن كان نصيب كلّ واحد يبلغ نصابا أجزأت عنهم إذا حال الحول ، وإن قصر فإن اقتسموا بطل الحول ، وكان لهم ارتجاع الزكاة إن شرط فيها التعجيل ، وإن لم يقتسموا وبقي مختلطاً إلى آخر الحول ، فإن كانت ماشيةً أجزأت عنهم الزكاة ، وإن كان غيرها ( بني )(٥) على القولين في الخلطة فيه ، إن جوّزناها كان كالماشية ، وإلّا كان كما لو اقتسموا(٦) .

____________________

(١) النساء : ١١.

(٢) الاُم ٢ : ٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : فيأخذ.

وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المجموع ٦ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ و ٥٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٩.

(٥) في « ط » : يبنى.

(٦) اُنظر : المجموع ٦ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٦.

٣٠٤

مسألة ٢١٦ : إذا تسلّف الساعي أو الإِمام الزكاة‌ ، فإن كان بغير مسألة أهل السُّهمان ولا أرباب الأموال فتلفت في يده ضمن - وبه قال الشافعي(١) - لأنّهم أهل رشد لا يولّى عليهم ، فإذا قبض لهم بغير إذنهم كان ضامناً ، كالأب يقبض لابنه الكبير بغير إذنه.

لا يقال : الأب ليس له القبض ، وهنا يجوز لحاجتهم.

لأنّا نقول : جواز القبض لا يدفع الضمان.

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يضمن ، لأنّ للإِمام ولاية على أهل السُّهمان ، فإذا استقرض لهم وتلف في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم(٢) .

ونمنع ولاية الإِمام إذا لم يكن المالك مانعاً ، ويخالف ولي اليتيم ؛ لأنّه لا إذن للمولّى عليه ، بخلاف أهل السُّهمان.

وإن قبضها بسؤال أهل السُّهمان فتلفت ( في يده )(٣) من غير تفريط لم يضمن ، وأجزأت عن رب المال ؛ لأنّ يده كيدهم إذا نوى في القبض ، والمالك مأمور بالدفع إليه ، فحصل الإِجزاء؛ للامتثال.

وإن قبضها بسؤال أرباب الأموال فلا ضمان عليه ؛ لأنّه أمين قبض المال بإذن ربه على سبيل الأمانة ولا تجزئ عن أربابها ، بل تكون من أموالهم ؛ لأنّه وكيل لهم فيها.

وإن كان بسؤالهما معاً قال الشيخ : الأولى أن يكون منهما ؛ لأنّ كلّ واحد منهما له إذن في ذلك ، ولا ترجيح لأحدهما على صاحبه في ذلك(٤) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٧ ، المغني ٢ : ٥٠٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٧.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٨.

٣٠٥

وللشافعي وجهان : أحدهما : يكون من ضمان أرباب الأموال ؛ لأنّهم أقوى جنبة فإنّهم المالكون للمال. والثاني : يكون من ضمان الفقراء ، لأنّه قبضه لمنفعتهم بإذنٍ ، فكان من ضمانهم. وهو أصحّهما عند الشافعية(١) .

مسألة ٢١٧ : ما يتعجّله الوالي من الصدقة يقع متردّداً بين أن يقع زكاةً أو يستردّ‌ - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يجوز تقديم الزكاة إلّا على جهة القرض ، فإذا حال الحول فإن تمّت الشرائط والدافع والمدفوع إليه على الصفات ، كان للمالك احتسابه من الزكاة والاسترداد على ما اخترناه نحن.

وعند الشافعي يقع زكاةً معجّلة ، فإن تغيّرت الأحوال لم يسقط عنه الدّين ، بل يتأكّد قضاؤه عليه(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه متردّد بين أن يقع زكاةً أو تطوّعاً(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المالك لم يقصد التطوّع ، فلا ينصرف إلى غير ما قصده.

مسألة ٢١٨ : إذا تسلّف الساعي الزكاة‌ ، فبعد الحول إن لم يتغيّر الحال في المال والدافع والمدفوع إليه ، فعلى ما اخترناه نحن من أنّها قرض لا زكاة معجّلة ، للمالك استرجاعها منه ، ودفعها إلى غيره ، أو دفع عوضها ، أو احتسابها من الزكاة ، وللمدفوع إليه دفع المثل أو القيمة وإن كره المالك ؛ لأنّه قرض.

وعند القائلين بأنّها زكاة معجّلة يقع الدفع موقعه ويجزئ ، وليس للمالك انتزاعها منه(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٩ ، و ٥ : ٥٣٧ و ٥٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٨ ، المغني ٢ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٤.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٣٧.

(٣) حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

(٤) حلية العلماء ٣ : ١٣٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٢.

(٥) المغني ٢ : ٥٠٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٣.

٣٠٦

وإن تغيّرت حال المالك فمات قبل الأجل أو نقص النصاب أو ارتدّ لم يقع ما دفعه زكاةً ، وله استرجاعه - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّه مال دفعه عمّا يستحقّه القابض في الثاني(٢) ، فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب الردّ ، كما لو دفع اُجرةً في سكنى دار فانهدمت. ولأنّه دفع على أنّها زكاة واجبة وقد ظهر البطلان.

وقال أبو حنيفة : ليس له استرجاعه إلّا أن يكون في يد الإِمام أو الساعي ؛ لأنّها وصلت إلى يد الفقير ، فلم يكن له استرجاعها ، كما لو لم يشترط ؛ لأنّه زكاة معجّلة(٣) .

والفرق أنّه إذا لم يشترط التعجيل احتمل أن يكون تطوعاً ، فلم يقبل قوله في الرجوع.

وإن تغيّرت حال الفقير بأن يستغني بغير الزكاة ، أو يرتدّ ، فإنها لا تجزئ ، ويجب استرجاعها ليدفعها إلى مستحقّها - وبه قال الشافعي(٤) وأحمد(٥) - لأنّ ما كان شرطاً في إجزاء الزكاة إذا ( عدم )(٦) قبل حلول الحول لم يجزئ كما لو مات رب المال.

وقال أبو حنيفة : وقعت موقعها ؛ لأنّ تغيّر حال الفقير بعد وصول الزكاة‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٥ ، المغني ٢ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٤.

(٢) أي : في العام القابل.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ ، المغني ٢ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٣.

(٥) يظهر من المغني ٢ : ٥٠٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٣ ، أنّ قول أحمد موافق لقول أبي حنيفة ومخالف لرأي المصنّف ، والشافعي. فلاحظ.

(٦) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : ( تقدّم ) والصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.

٣٠٧

إلى يده لا يمنع من إجزائها ، كما لو استغنى بها(١) .

والفرق : أنّه إذا استغنى بها حصل المقصود بالدفع ، فلم يمنع ذلك من إجزائها.

فروع :

أ - لو مات المدفوع إليه جاز الاحتساب من الزكاة بعد الحول ؛ لأنّ قضاء الدَّين عن الميت من الزكاة سائغ على ما أوضحناه. ولأنّه من سبيل الله.

ومنع الشافعي من ذلك(٢) . وليس بمعتمد.

ب - قال الشيخ : إذا عجّل الزكاة لمسكين ثم حال الحول وقد أيسر ، فإن كان من هذا المال مثل أن كانت ماشيةً فتوالدت ، أو مالاً فاتّجر به وربح ، وقعت موقعها ، ولا يجب استرجاعها ؛ لأنّه يجوز أن يعطيه ما يغنيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « أعطه وأغنه »(٣) .

ولأنّا لو استرجعناها منه افتقر وصار مستحقّاً للإِعطاء ، ويجوز أن تردّ عليه ، وإذا جاز ذلك جاز أن يحتسب به.

وإن كان قد أيسر بغير هذا المال بأن ورث أو غنم أو وجد كنزاً ، لم تقع موقعها ، ووجب استرجاعها ، أو إخراج عوضها ؛ لأنّ ما أعطاه كان دَيْناً عليه ، وإنّما تحتسب عليه بعد حوؤل الحول ، وفي هذه الحال لا يستحق الزكاة ، لغنائه ، فلا تحتسب له(٤) .

وفي قول الشيخ إشكال ، أمّا أوّلاً : فلأنّ نماء المدفوع يقع ملكاً

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٧.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

(٣) نقله الشيخ الطوسي بالمعنى ، وانظر : الكافي ٣ : ٥٤٨ / ٣ و ٤ ، والتهذيب ٤ : ٦٣ / ١٧٠ و ٦٤ / ١٧٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٠.

٣٠٨

للقابض ؛ لأنّه قرض على ما تقدّم ، ونماء القرض لمالكه ، فإذا كان النماء موجباً للغناء لم يجز صرف الزكاة إليه كما لو كان غنياً بغيره.

وأمّا ثانياً : فلأنّ ما يأخذه على سبيل القرض يملكه المقترض ، ويخرج عن ملك الدافع ، فلا يكون محسوباً من النصاب ، فيجب على المالك زكاة ما في يده إن كان نصاباً ، ولا يضمّ إليه ما أخذه القابض.

ج - إنّما يكون له الرجوع في موضعه إذا شرط حالة الدفع ثم ظهر الخلاف على ما يأتي.

مسألة ٢١٩ : إذا تسلّف الساعي الزكاة ، وتغيّرت الحال‌ ، وحكمنا باسترداد المدفوع ، فإن كان باقياً بحاله استرجعه إن شرط حالة الدفع أنّها زكاة معجّلة ؛ لفساد الدفع عندنا ، ولفوات شرط الاستحقاق عند من سوّغه.

وإن كان قد زاد زيادةً متصلةً كالسمن ردّ العين مع الزيادة ، لأنّها تابعة لها ، وإن كانت منفصلةً كالولد ردّه أيضاً مع العين ؛ لفساد الدفع.

وقال الشافعي : لا يستردّ النماء ؛ لأنّها حدثت في ملك الفقير(١) . وهو ممنوع.

نعم لو دفعها قرضاً ملكها الفقير ، ولم يكن له الرجوع في العين ، بل يطالب بالمثل أو القيمة سواء زادت أو لا ، والنماء المنفصل للفقير حينئذٍ ؛ لأنّه نماء ملكه.

ولو كانت العين ناقصةً لم يضمن النقصان لفساد الدفع ، فكانت العين أمانةً في يده ، أمّا لو قبضها قرضاً فإنّه يضمن النقصان.

وقال الشافعي في الاُم : لا يضمنها ؛ لأنّ النقص حدث في ملكه فلا يضمنه(٢) .

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٣.

(٢) الاُم ٢ : ٢١ وعنه في فتح العزيز ٥ : ٥٤٣.

٣٠٩

وله آخر : الضمان ؛ لأنّ من ضمن القيمة عند التلف ضمن النقص(١) .

ولو كانت العين تالفةً ، فإن كان لها مثل وجب المثل وإلّا القيمة.

ومتى يعتبر؟ قال الشيخ : يوم القبض ؛ لأنّه قبض العين على جهة القرض ، فيلزمه قيمة يوم القبض(٢) .

وهو حقّ إن دفعها على جهة القرض ، أمّا لو دفعها على أنّها زكاة معجّلة فإنّ الدفع يقع فاسداً ، والملك باقٍ على مالكه.

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّه تعتبر القيمة يوم القبض - وبه قال أحمد - لأنّ ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنّما كانت في ملكه فلم يضمنه ، كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم طلّقها فإنّها تضمن نصيبه يوم القبض.

والثاني : يضمنه يوم التلف(٣) ، لأنّ حقّه انتقل من العين الى القيمة بالتلف ، فاعتبر يوم التلف كالعارية ، بخلاف الصداق ؛ فإنّ حقّه في المسمّى خاصة ، ولهذا لو زاد الصداق لم يرجع في العين مع الزيادة المتصلة والمنفصلة ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فإن استرجع المدفوع بعينه ضمّ إلى ماله ، وأخرج زكاته إن كان قد دفع على أنّها زكاة معجّلة ؛ لبقاء الملك على ربّه ، وتمكّنه من أخذه ، وبه قال الشافعي(٤) .

وبعض أصحابه قال : إن كان غير الحيوان ضمّه كما يضمّ الدَّين الى ماله ، وإن كان حيواناً لم يضمّه ؛ لأنّه لمـّا استغنى الفقير زال حكم الزكاة فيها ،

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦ ، المغني ٢ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

٣١٠

وتعلّق حقّه بعينها ، ولم يملكها إلا بالرجوع فيها ، فانقطع حكم الحول فيها(١) .

وإن استرجع القيمة لم يضمّها الى ماله ؛ لأنّه تجدّد ملكه عليها ، ولم يكن حكمها حكم ماله.

مسألة ٢٢٠ : إذا عجّل الزكاة إلى فقير حال الدفع ثم استغنى بغير الزكاة ثم افتقر‌ فحال الحول وهو فقير ، جاز له أن يحتسب من الزكاة ؛ لأنّ الاعتبار بحال الدفع وحال الحول ، وإذا كان حال الدفع فقيراً حصل المقصود بالدفع ، وإذا كان فقيرا حال الحول فهو ممّن يجوز دفع الصدقة إليه فيجزئه ، ولا اعتبار بما بينهما ، وهو أحد وجهي الشافعي(٢) .

وفي الثاني : لا يجزئ(٣) ، لأنّه بالاستغناء بطل قبضه ، فصار كما لو دفعها إلى غني ثم صار فقيراً عند الحول.

ونمنع الحكم في الأصل.

ولو دفعها إلى غني إلّا أنّه افتقر حال الحول ، فالوجه الإِجزاء ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بالحول ، وهو حينئذٍ ممّن يستحقّ الزكاة.

وقال الشافعي : لا يجوز(٤) ؛ لأنّ التعجيل جاز للإِرفاق ، فإذا لم يكن من أهله لم يصح التعجيل.

وينتقض عليهم : بما لو أوصى لوارث ثم تغيّرت حاله(٥) فمات وهو غير وارث ، فإنّها تصح الوصية عندهم(٦) اعتباراً بحال نفاذها. ولأنّه لا فائدة في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٧.

(٤) المجموع ٦ : ١٥٦.

(٥) بارتداد مثلاً.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣١١

استعادتها منه ثم دفعها إليه.

مسألة ٢٢١ : إذا عجّل الزكاة ثم تلف ماله قبل الحول‌ بطل الحول ، وسقطت الزكاة عنه ، وله الرجوع فيما دفعه إن كان حين الدفع قال : هذه صدقة مالي عجّلتها أو زكاة مالي عجّلتها ؛ لأنّه دفع دفعاً مشروطاً لا مطلقاً ، وقد ظهر بطلانه ، فله الاستعادة.

وإن قال : هذه زكاة مالي ، أو صدقة مالي ، وأطلق ، لم يكن له أن يرجع فيها ، قاله الشيخ(١) - وهو مذهب الشافعي(٢) - لأنّه إذا قال : هذه زكاة مالي ، كان الظاهر أنّها واجبة عليه ، واحتمل أن يكون عن هذا المال وعن غيره.

وإذا قال : هذه صدقة ؛ كان الظاهر أنّها صدقة في الحال إمّا واجبة أو تطوّع.

فإن ادّعى علم المدفوع إليه أنّها معجّلة ، كان له إحلافه ؛ لأنّ المدفوع إليه منكر لو اعترف بما قاله الدافع وجب عليه ردّ ذلك ، فإذا أنكره وادّعى علمه اُحلف ، كمن يدّعي على ورثة الميت دَيناً عليه ، وهو أحد وجهي الشافعي.

وفي الثاني : لا يحلف ؛ لأنّ دعوى الدافع يخالف ظاهر قوله فلم يسمع(٣) .

لا يقال : ألا جعلتم القول قول الدافع ؛ لأنّه أعلم بنيّته ، كما لو دفع مالا وقال : إنّه قرض ، وقال المدفوع إليه : إنّه هبة ، فالقول قول الدافع ، وكما لو قضى أحد الدينين وادّعى القابض قضاء الآخر ، قدّم قول الدافع.

لأنّا نقول : إنّما كان القول في هاتين قول الدافع ؛ لأنّه لا يخالف الظاهر ، فكان أولى ، وفي مسألة الزكاة قول الدافع يخالف الظاهر ؛ لأنّ الزكاة‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ - ١٧٤ ، المجموع ٦ : ١٥٠ ، مغني المحتاج ١ : ٤١٧.

(٣) المجموع ٦ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٠.

٣١٢

ظاهرة في الوجوب ، والمعجّلة ليست زكاةً في الحال ، فلم يقبل قوله.

أمّا الوالي إذا أطلق وكانت معجّلةً ، فإنّ له الرجوع ؛ لأنّه نائب عن الفقراء ، فيقبل قوله عليهم ، ورب المال يدّعيها لنفسه ، فلم يقبل قوله.

إذا ثبت هذا ، فالدافع أعرف بنيّته إن كان صادقاً وتمكّن من الاستيفاء ، كان له ذلك ، وإلّا فلا. ولو علم الفقير ذلك وجب عليه الردّ مع الطلب وإن كان مستحقّاً ولم يتغيّر الحال.

مسألة ٢٢٢ : قد بيّنا أنّه لا يجوز أن يعجّل الزكاة قبل إكمال النصاب‌ عند المجوّزين ، فلو كان معه مائتا شاة فعجّل زكاة أربعمائة عن المائتين الموجودة وعمّا تتوالد ، فتوالدت وبلغت أربعمائة لم تجزئ إلّا عن المائتين عند القائلين منّا بالتعجيل - وهو أحد وجهي الشافعي(١) - لأنّها لم توجد في ملكه ، فأشبه ما إذا زكّى مائتي درهم قبل حصولها.

والثاني : الإِجزاء ؛ لأنّ السخال تابعة للاُمّهات ، فإذا سلف عنها مع وجود الاُمّهات صار ذلك كوجودها(٢) .

ولو كان عنده عشرون من الغنم حوامل ، فعجّل شاةً عنها وعن أولادها ، فتوالدت وبلغت أربعين ، لم تجزئ ؛ لأنّها لا تتبع ما دون النصاب ، وبه قال الشافعي(٣) .

ولو كان معه سلعة للتجارة قيمتها مائتان ، فأخرج زكاة أربعمائة ، ثم زادت قيمتها ، وصارت أربعمائة عند الحول ، لم يجزئه عندنا ، لما تقدّم.

وقال الشافعي : يجزئه ؛ لأنّ الواجب في قيمة العرض ، والاعتبار بالقيمة في آخر الحول دون غيره ، ولهذا لو نقصت القيمة ثم زادت لم ينقطع الحول(٤) .

____________________

(١ و ٢ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٣) اُنظر : فتح العزيز ٥ : ٥٣١ ، والمجموع ٦ : ١٤٦.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٥٣٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣.

٣١٣

وكذا لو كان معه أقلّ من نصاب للتجارة ، فأخرج خمسة دراهم ، وزادت القيمة ، وبلغت نصاباً ، أجزأه(١) .

وعندنا أنّ النصاب معتبر في أول الحول إلى آخره في القيمة ، فلهذا قلنا بعدم الإِجزاء.

ولو كان معه مائتا درهم فعجّل منها خمسة ، فلمـّا دنا الحول أتلف منها درهماً انقطع الحول ، وسقطت الزكاة عنه ؛ لقصور المال عن النصاب ، وله أن يرجع فيما عجّله إذا شرط أنّه زكاة معجّلة ؛ لأنّ الزكاة لم تجب عليه.

ولا فرق في النقصان قبل الحول بين التفريط وعدمه ، ولهذا نمنع وجوب الزكاة ، وهو أحد وجهي الشافعية.

والثاني : ليس له ، لأنّه مفرط في ذلك ، قاصد لاسترجاع ما عجّله ، فلم يكن له الرجوع(٢) .

وقد تقدّم أنّ التفريط لا يمنع الرجوع.

* * *

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٦ و ١٤٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٥٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٦.

٣١٤

٣١٥

الفصل الثالث

في المُخرج‌

مسألة ٢٢٣ : يجوز أن يتولّى المالك الإِخراج بنفسه في الأموال كلّها‌ ، سواء كانت ظاهرةً أو باطنةً ، وإن كان الأفضل في الظاهرة صرفها إلى الإمام أو الساعي ؛ ليتولّيا تفريقها ، عند علمائنا - وبه قال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والثوري وطاوس وعطاء والشعبي والنخعي وأحمد والشافعي في أحد القولين(١) - لأنّها حق لأهل السُّهمان ، فجاز دفعه إليهم ؛ لأنّهم المستحقّون كسائر الحقوق ، وكالدَّين إذا دفعه إلى مالكه ، وكالزكاة الباطنة. ولأنّه أحد نوعي الزكاة ، فأشبه الآخر.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لو أنّ رجلاً حمل زكاته على عاتقه فقسّمها علانيةً كان ذلك حسناً جميلاً »(٢) .

وقال مالك : لا يفرّق الأموال الظاهرة إلّا الإِمام - وبه قال أبو حنيفة‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٠٥ و ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٤١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٧.

٣١٦

والشافعي في أحد القولين(١) - لقوله تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (٢) .

ولأنّ أبا بكر طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها ، وقال : لو منعوني عناقاً كانوا يؤدّونه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقاتلتهم عليها. ووافقه الصحابة على هذا(٣) .

ولأنّ ما للإِمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولّى عليه كولي اليتيم(٤) .

والجواب : نقول بموجب الآية ، فإنّها تدلّ على أنّ للإِمام أخذها ، ولا خلاف فيه.

ومطالبة أبي بكر ؛ لمنعهم ، ولو أدّوها إلى مستحقّها لم يقاتلهم.

وإنّما يطالب الإِمام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقّها ، وإذا دفعها إليهم جاز ، لأنّهم أهل رشد ، فجاز الدفع إليهم ، بخلاف اليتيم.

إذا ثبت هذا ، فإنّ المالك يتخيّر في الصرف إلى الإِمام أو العامل أو المساكين أو الوكيل ؛ لأنّه فِعْلٌ تدخله النيابة فجاز التوكيل فيه.

مسألة ٢٢٤ : الأفضل أن تدفع زكاة الأموال الظاهرة إلى الإِمام العادل‌ ، وبه قال الباقرعليه‌السلام والشعبي والأوزاعي وأحمد(٥) - لأنّ الإِمام أعلم بمصارفها ، ودفعها إليه يبرئه ظاهراً وباطناً ؛ لاحتمال أن يكون الفقير غير مستحق ، ويزيل التهمة عنه في منع الحق ، ولأنّه يخرج من الخلاف.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٣٥ ، المغني ٢ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٤١.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٤.

(٤) المنتقى - للباجي - ٢ : ٩٤ ، المغني ٢ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٤١.

(٥) المغني ٢ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧١ - ٦٧٢.

٣١٧

وقال بعض الجمهور : الأفضل أن يفرّقها بنفسه ؛ لما فيه من توفير أجر العمالة وصيانة الحق عن خطر الخيانة ومباشرة تفريج كربة مستحقّها وإغنائه بها ، مع إعطائها الأولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة الرحم بها فكان أفضل(١) .

ولو تعذّر الصرف إلى الإِمام حال الغيبة استحب دفعها إلى الفقيه المأمون من الإِمامية ؛ لأنّه أبصر بمواقعها. ولأنّه إذا دفعها إلى الإِمام أو الفقيه برئ لو تلفت قبل التسليم ؛ لأنّ الإِمام أو نائبه كالوكيل لأهل السُّهمان ، فجرى مجرى قبض المستحقّ.

مسألة ٢٢٥ : لو طلب الإِمام الزكاة منه وجب دفعها إليه‌ إجماعاً منّا ؛ لأنّه معصوم تجب طاعته وتحرم مخالفته ، فلو دفعها المالك إلى المستحقّين بعد طلبه وإمكان دفعها إليه فقولان لعلمائنا : الإِجزاء - وهو الوجه عندي - لأنّه دفع المال إلى مستحقّه ، فخرج عن العهدة ، كالدَّين إذا دفعه الى مستحقّه.

وعدمه ؛ لأنّ الإِخراج عبادة لم يوقعها على وجهها ؛ لوجوب الصرف إلى الإِمام بالطلب ، فيبقى في عهدة التكليف. ولا خلاف في أنّه يأثم بذلك.

مسألة ٢٢٦ : الطفل والمجنون إن أوجبنا الزكاة في مالهما أو قلنا باستحبابها فالولي هو المتولّي للإِخراج‌ ، وحكم الولي هنا حكم المالك ، إن شاء فرّقها بنفسه ، وإن شاء دفعها إلى الساعي أو إلى الإِمام ، وكذا الوكيل في الدفع له أن يدفع إلى الفقراء وإلى الإِمام وإلى الساعي.

ولو أمره المالك بالمباشرة ، فإن دفع الى الإِمام العادل برئ ؛ لأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وإن دفعها إلى الساعي فالوجه الضمان ؛ للمخالفة.

مسألة ٢٢٧ : يجب أن ينصب الإِمام عاملاً لقبض الصدقات‌ ؛ لأنّه من الأمر بالمعروف ، ومن المصالح التي تشتد الحاجة إليها من الفقراء‌

____________________

(١) قاله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٠٦ - ٥٠٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٧٢.

٣١٨

للانتفاع ، ومن المالك لتخليص ذمته من الحقّ.

ويجب الدفع إليه مع طلبها ؛ لأنّه كالنائب للإِمام ، وأمره مستند إلى أمره ولمـّا كان امتثال أمر الإِمام واجباً فكذا أمر نائبه.

ولقوله تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (١) والأمر بالأخذ يستلزم الأمر بالإِعطاء.

مسألة ٢٢٨ : وليس للعامل أن يتولّى تفريق الصدقة إلّا بإذن الإِمام‌ ؛ لأنّه لا ولاية له إلّا من قِبَلهعليه‌السلام ، فتختص ولايته بما قصرها عليه ، فإن فوّض إليه ذلك جاز.

ثم إن عيّن له الإِمام الصرف إلى أقوام معيّنين على التفضيل أو التسوية ، لم يجز التخطّي(٢) ، فإن تخطّى الى غيرهم أو فضّل وقد اُمر بالتسوية أو بالعكس ، ضمن القدر الذي فرّط فيه خاصة، وإن أطلق تصرّف هو كيف شاء ممّا يبرئ المالك.

ولو عيّن له المالك وعيّن له الإِمام أيضاً ، واختلف المحل أو التقسيط اتّبع تعيين الإِمام خاصة.

ومع إطلاق الإِمام وتعيين المالك هل يجوز له التخطّي(٣) الى غير من عيّنه المالك؟ إشكال ينشأ من أنّ للمالك التخيير لا لغيره ، ومن زوال ولايته بالدفع إلى الساعي.

إذا عرفت هذا ، فإذا أذن الإِمام في التفريق وأطلق ، جاز أن يأخذ نصيبه من تحت يده ؛ لأنّه أحد المستحقّين وقد أذن له في الدفع إليهم ، فيندرج تحت الإِذن كغيره.

مسألة ٢٢٩ : واذا بعث الإِمام الساعي لم يتسلّط على أرباب المال‌ ، بل يطلب منهم الحقّ إن كان عليهم ، فإن قال المالك : أخرجت الزكاة ، أو‌

____________________

(١) التوبة : ١٠٣.

(٢ و ٣ ) في النسخ الخطيّة والحجرية : التخطية. والصحيح ما أثبتناه.

٣١٩

لم يَحُلْ على مالي الحول ، أو أبدلته ؛ صدَّقه من غير يمين ، خلافاً للشافعي(١) ، على ما تقدّم.

ولا يلزم المالك أن يدفع من خيار ماله ، ولا يقبل منه الأدون ، بل يؤخذ الأوسط ، ويقسّم الشياه قسمين عندنا ، ويخيّر المالك حتى تبقى الفريضة.

وقال بعض الجمهور : يقسّم ثلاثة أقسام : أجود وأدون وأوسط ، وتؤخذ الفريضة من الأوسط(٢) .

وقولنا أعدل ؛ لأنّ فيه توصّلاً إلى الحقّ من غير تسلّط على أرباب الأموال.

مسألة ٢٣٠ : وينبغي أن يخرج العامل في أخذ صدقة الثمار والغلّات عند كمالها وقطفها‌ وجذاذها وتصفيتها ، والناحية الواحدة لا تختلف زروعها اختلافاً كثيراً ، وأمّا ما يعتبر فيه الحول فيخرج في رأس الحول استحباباً ؛ لتنضبط الأحوال.

فإذا قدم العامل فإن كان حول الأموال قد تمّ ، قبض الزكاة ، وإن كان فيهم من لم يتمّ حوله وصّى عدلاً ثقةً يقبض الصدقة منه عند حلولها ، ويفرّقها في أهلها إن أذن له الإِمام دفعاً لحرج العود.

وإن رأى أن يكتبها ديناً عليه ليأخذ من قابل ، فالوجه المنع ، خلافاً للشافعي(٣) .

وإن أراد أن يرجع في وقت حلولها لقبضها كان أولى.

ولا يكلّف أرباب الأموال أن يجلبوا المواشي إليه ليعدّها ، ولا يكلّف الساعي أن يتبعها في مراتعها ؛ لما فيه من المشقة ، بل يقصد الساعي موارد‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢.

(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٧٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ١٧٣.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460