نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 304993 / تحميل: 6525
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عوضٍ ، وهذا بدل جزء من العين ، والعين ضمنها جميعاً بالعوض ، فلهذا ضمن ذلك للمشتري.

القسم الثاني(١) : التغيّر بالزيادة.

اعلم أنّ التغيّر بالزيادة نوعان :

أحدهما : الزيادات الحاصلة لا من خارجٍ ، وأقسامه ثلاثة :

أحدها : الزيادة المتّصلة من كلّ وجهٍ‌ ، كالسمن ، وتعلّم الحرفة ، وكبر الشجر.

والأقرب عندي : أنّه ليس للغرماء الرجوعُ في العين - وبه قال أحمد ابن حنبل(٢) - لما فيه من الإضرار بالمفلس ؛ لأنّها زيادة قد حصلت في ملكه ، فلا وجه لأخذ الغرماء لها.

ولأنّه فسخ بسببٍ حادث ، فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متّصلة ، كالطلاق ، فإنّه ليس للزوج الرجوعُ في عين ما دفعه من المهر مع زيادته المتّصلة.

ولأنّها زيادة في ملك المفلس ، فلا يستحقّها البائع ، كالمنفصلة ، وكالحاصلة بفعله.

ولأنّ الزيادة لم تصل إليه من البائع ، فلم يكن له أخذها منه ، كغيرها من أمواله.

وقال الشافعي ومالك : لا يبطل رجوع البائع في العين بسبب الزيادة المتّصلة ، بل يثبت له الرجوعُ فيها إن شاء من غير أن يلتزم للزيادة شيئاً‌

____________________

(١) الظاهر : « الثالث ».

(٢) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٦.

١٢١

- إلّا أنّ مالكاً خيّر الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به - للخبر(١) .

ولأنّه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلا تمنعه المتّصلة ، كالردّ بالعيب.

وفارقَ الطلاق ؛ فإنّه ليس بفسخ ، ولأنّ الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين ، فيصل إلى حقّه تامّاً ، وهنا لا يمكنه الرجوع في الثمن(٢) .

والخبر لا يدلّ على صورة النزاع ؛ لأنّه وجد أزيد من عينه التي وقع العقد عليها.

والفرق واقع بين صورة النزاع وبين الردّ بالعيب ؛ لأنّ الفسخ فيه من المشتري ، فهو راضٍ بإسقاط حقّه من الزيادة وتركها للبائع ، بخلاف المتنازع. ولأنّ الفسخ هناك لمعنى قارَن العقدَ ، وهو العيب القديم ، والفسخ هنا لسببٍ حادث ، فهو أشبه بفسخ النكاح الذي لا يستحقّ به استرجاع العين الزائدة.

وقولهم : « إنّ الزوج إنّما لم يرجع في العين ؛ لكونه يندفع عنه الضرر بالقيمة » لا يصحّ ؛ فإنّ اندفاع الضرر عنه بطريقٍ آخَر لا يمنعه من أخذ حقّه من العين ، ولو كان مستحقّاً للزيادة ، لم يسقط حقّه منها بالقدرة على أخذ القيمة ، كمشتري المعيب.

ثمّ كان ينبغي أن يأخذ قيمة العين زائدةً ؛ لكون الزيادة مستحقّةً له ،

____________________

(١) راجع الهامش (٣) من ص ١١٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٩ ، الوجيز ١ : ١٧٤ ، الوسيط ٤ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، و ٨ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، و ٥ : ٦١٢ - ٦١٣ ، الذخيرة ٨ : ١٧٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤١٧ ، المغني ٤ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٦.

١٢٢

فلمّا لم يكن كذلك علمنا أنّ المانع من الرجوع كون الزيادة للمرأة. ولأنّه لا يمكن فصلها وكذا(١) هنا بل أولى ؛ فإنّ الزيادة يتعلّق بها حقّ المفلس والغرماء ، فمنع المشتري من أخذ زيادةٍ ليست له أولى من تفويتها على الغرماء الذين لم يصلوا إلى تمام ديونهم والمفلسِ المحتاج إلى تبرئة ذمّته عند اشتداد حاجته.

تذنيب : لو زاد الصداق زيادةً متّصلة ثمّ أعسرت الزوجة فطلّقها الزوج ، فالأقرب عندي : أنّه يرجع في العين‌ ، ويضرب بالقيمة مع الغرماء.

وقال الشافعي : يرجع في نصف العين زائدةً ، ولا يضرب بالقيمة مع الغرماء ، كما تقدّم.

الثاني : الزيادة المنفصلة من كلّ وجهٍ‌ ، كالولد واللبن وثمر الشجرة. وهنا يرجع البائع في الأصل خاصّةً دون الزوائد ، بل تسلم الزوائد للمفلس ، ولا نعلم فيه خلافاً - إلّا من مالك(٢) - لأنّه انفصل في ملك المفلس ، فلم يكن للبائع الرجوع فيه ، كما لو وجد بالمبيع عيباً ، فإنّه يردّه ، دون النماء المنفصل ، كذا هنا.

نعم ، لو كان الولد صغيراً ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه إن بذل قيمته ، فذاك ، وإلّا بِيعا معاً ، وصَرف ما يخصّ الأُمّ إلى البائع ، وما يخصّ الولد للمفلس(٣) .

قال بعض الشافعيّة : قد ذكرنا وجهين فيما إذا وجد الأُمّ معيبة وهناك ولد صغير : أنّه ليس له الردّ ، وينتقل إلى الأرش ، أو يُحتمل التفريق‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « فكذا » بدل « وكذا ».

(٢) المغني ٤ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤.

١٢٣

للضرورة. وفيما إذا رهن الأُمّ دون الولد : أنّهما يباعان معاً ، أو يحتمل التفريق ، ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق ، وإنّما احتالوا في دفعه ، فيجوز أن يقال بخروجه(١) هنا أيضاً ، لكنّهم لم يذكروه اقتصاراً على الأصحّ.

ويجوز أن يفرّق بأنّ مال المفلس مبيع كلّه ومصروف إلى الغرماء ، فلا وجه لاحتمال التفريق مع إمكان المحافظة على جانب الراجع بكون ملكه مزالاً(٢) .

مسألة ٣٦١ : لو كان المبيع بذراً فزرعه المفلس ونبت ، أو كان بيضةً فأحضنها وفرخت في يده ثمّ أفلس ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين‌ عندنا ؛ لما تقدّم(٣) من أنّ الزيادة المتّصلة تمنع من الردّ ، فهنا أولى ؛ لاشتمالها على تغيّر العين بالكلّيّة ، وهو أحد قولي الشافعيّة - وإن كان يذهب إلى أنّ الزيادة المتّصلة لا تمنع من الردّ(٤) - لأنّ المبيع قد هلك ، وهذا شي‌ء جديد له اسم جديد(٥) .

والثاني : أنّه يرجع ؛ لأنّه حدث من عين ماله ، أو هو عين ماله اكتسب هيئةً أُخرى ، فصار كالوديّ(٦) إذا صار نخلاً(٧) .

____________________

(١) أي : خروج التفريق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤.

(٣) في ص ١٢٠ وما بعدها.

(٤) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ١٢١.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٣ ، الوسيط ٤ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ - ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ - ٣٩٥ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.

(٦) الوديّ : صغار الفسيل ، وهو صغار النخل. الصحاح ٥ : ١٧٩٠ ، و ٦ : ٢٥٢١ « فسل ، ودى ».

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٤ ، الحاوي الكبير ٦ : =

١٢٤

وسيأتي مزيد بحثٍ في باب الغصب إن شاء الله تعالى.

ويجري مثل هذا الخلاف في العصير إذا تخمّر في يد المشتري ثمّ تخلّل(١) .

مسألة ٣٦٢ : لا فرق في الرجوع بالعين دون الزيادة المنفصلة بين أن تكون الزيادة قد نقص بها المبيع وأن لا تكون‌ ، ولا فرق أيضاً بين أن تزيد قيمة العين لزيادة السوق أو تنقص في جواز الرجوع فيها ، وقد بيّنّا أنّ العلماء أطبقوا على أنّ الزيادة للمفلس.

ونُقل عن مالك وأحمد بن حنبل في روايةٍ : أنّ الزيادة للبائع كالمتّصلة(٢) .

وهو خطأ ؛ لأنّها زيادة انفصلت في ملك المشتري ، فكانت له.

ولقولهعليه‌السلام : « الخراج بالضمان »(٣) وهو يدلّ على أنّ النماء للمشتري ؛ لكون الضمان عليه.

والفرق بين المتّصلة والمنفصلة ظاهر ؛ فإنّ المتّصلة تتبع في الردّ بالعيب ، دون المنفصلة ، فيبطل القياس.

ولو اشترى زرعاً أخضر مع الأرض ففلس وقد اشتدّ الحَبّ ، لم يرجع في العين - عندنا - للزيادة.

والشافعيّة طرّدوا الوجهين ، وبعضهم قطع بالرجوع(٤) .

____________________

= ٢٨٣ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٣ ، الوسيط ٤ : ٢٧ - ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

(٢) المغنى ٤ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٤ / ٢٢٤٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٤ / ٣٥٠٨ - ٣٥١٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨١ - ٥٨٢ / ١٢٨٥ و ١٢٨٦ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

١٢٥

القسم الثالث : الزيادات المتّصلة من وجه دون وجه.

وذلك كالحمل. ووجه اتّصاله ظاهر.

ووجه انفصاله أن نقول : إذا حدث الحمل بعد الشراء وانفصل قبل الرجوع ، فحكم الولد ما تقدّم من أنّه للمشتري خاصّةً.

وإن كانت حاملاً عند الشراء وعند الرجوع جميعاً ، فهو كالسمن.

وقد بيّنّا أنّ المعتمد عندنا فيه أنّه ليس له الرجوع في العين إن زادت قيمتها بسببه.

وعند الشافعي ومالك يرجع فيها حاملاً ؛ لأنّ الزيادة المتّصلة عندهما لا تمنع من الرجوع في العين(١) .

وإن كانت حاملاً عند الشراء وولدت قبل الرجوع ، لم يتعدّ الرجوع إلى الولد عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على الخلاف في أنّ الولد هل له حكم أم لا؟ فإن قلنا : له حكم ، رجع فيهما ، كما لو اشترى شيئين. وإن قلنا : لا حكم له ، لم يرجع في الولد ، وكان الحكم كما لو باعها حاملاً(٢) .

وربما يوجّه قولُ التعدّي إلى الولد : بأنّه كان موجوداً عند العقد ، ملكه المشتري بالعقد ، فوجب أن يرجع إلى البائع بالرجوع ، وقولُ المنع : بأنّه ما لم ينفصل تابع ملحق بالأعضاء ، فكذلك تبع في البيع ، أمّا عند‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥ ، ولاحظ المصادر في الهامش (٢) من ص ١٢٤ ، وكذا الهامش (٢) من ص ١٢١ أيضاً.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ - ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

١٢٦

الرجوع فهو مشخّص مستقلّ بنفسه منفرد بالحكم ، وكأنّه وُجد حين استقلّ.

وإن كانت حائلاً عند الشراء وحملت(١) عند الرجوع ، لم يكن له الرجوعُ عندنا إن زادت قيمتها بالحمل.

ومَنْ جوّز الرجوع مع الزيادة المنفصلة - وهو الشافعي - فعنده قولان موجّهان بطريقين :

أشهرهما : البناء على أنّ الحمل هل يُعرف وله حكم؟ إن قلنا : لا ، أخذها مع الحمل. وإن قلنا : نعم ، قال بعضهم : إنّه لا رجوع له ، ويُضارب الغرماء بالثمن(٢) .

والأصحّ عندهم : أنّ له الرجوع إلى الولد ؛ لأنّ الولد تبع الجارية حال البيع ، فكذا حال الرجوع(٣) .

ووجه المنع : أنّ البائع يرجع إلى ما كان عند البيع أو حدث فيه من الزيادة المتّصلة ، ولم يكن الحمل موجوداً ، ولا يمكن عدّه من الزيادات المتّصلة ؛ لاستقلاله وانفراده بكثير من الأحكام.

ثمّ قضيّة المأخذ الأوّل أن يكون الأصحّ اختصاصَ الرجوع بالأُمّ ؛ لأنّ الأصحّ أنّ الحمل يُعلم وله حكم ، إلّا أنّ أكثر الشافعيّة مالوا إلى ترجيح القول الآخَر(٤) .

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « حاملاً أو حملت ». وفي « ث ، ر » : « حاملاً » والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

(٣) راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨.

١٢٧

وإذا قلنا باختصاص الرجوع بالأُمّ ، فقد قال بعض الشافعيّة : يرجع فيها قبل الوضع ، فإذا ولدت ، فالولد للمفلس(١) .

وقال بعضهم : يصبر إلى انفصال الولد ، ولا يرجع في الحال ، ثمّ الاحتراز عن التفريق [ طريقه ](٢) ما تقدّم(٣) .

مسألة ٣٦٣ : لو كان المبيع نخلاً ، فلا يخلو إمّا أن يكون عليها ثمرة حال البيع ، أو لا‌ ، فإن كان فلا يخلو إمّا أن تكون الثمرة مؤبَّرةً حال البيع ، أو لا.

فإن كانت مؤبَّرةً حال البيع ، فهي للبائع ، إلّا أن يشترطها المشتري ، فإن اشترطها ، دخلت في البيع.

فإذا أفلس وفسخ ، فإمّا أن تكون الثمرة باقيةً أو تلفت.

فإن كانت باقيةً ، فإن لم تزد ، كان له الرجوع في النخل والثمرة معاً. وإن زادت ، ففي الرجوع مع الزيادة المتّصلة الخلافُ السابق ، فإن قلنا به ، رجع فيهما معاً أيضاً. وإن منعناه ، رجع في النخل خاصّةً بحصّته من الثمن ، دون الثمرة.

وإن تلفت ، رجع في النخل ، وضرب بقيمة الثمرة مع الغرماء.

وإن لم تكن مؤبَّرةً حال البيع ، فحالة الرجوع إمّا أن تكون مؤبَّرةً أو لا.

فإن كانت مؤبَّرةً ، لم تدخل في الرجوع - عندنا - للزيادة التي حصلت بين الشراء والرجوع.

ومَنْ أثبت الرجوع مع الزيادة المتّصلة - كالشافعي - فله طريقان :

____________________

(١ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٢٨

أحدهما : أنّ أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملاً وقت البيع ووضعت قبل الرجوع.

وقد ذكرنا أنّ في الرجوع في الولد له قولين ، فكذا في الثمرة.

والطريق الثاني : القطع بأنّه يأخذ الثمرة هنا ؛ لأنّها وإن كانت مستترةً فهي مشاهَدة موثوق بها قابلة [ للإفراد ](١) بالبيع ، فكانت أحد مقصودي العقد ، فيرجع فيها رجوعه في النخل.

والحاصل : أن نقول : إن قلنا : يأخذ الولد ، فالثمرة أولى بالأخذ ، وإلّا فقولان(٢) .

وإن لم تكن مؤبَّرةً حال الرجوع أيضاً ، فإن زادت فيما بين الشراء والرجوع ، لم يكن له الرجوع عندنا. وإن لم تزد أو زادت عند مَنْ يُجوّز الرجوع ، كان له الرجوع فيهما معاً.

وإن كانت الثمرة غير موجودة حال البيع ثمّ ظهرت وأفلس بعد ظهورها ، فإن رجع وعليها الثمرة ، فإمّا أن تكون مؤبَّرةً أو غير مؤبَّرة. فإن كانت مؤبَّرةً أو مدركةً أو مجذوذةً ، لم يكن له الرجوع في الثمرة قطعاً ؛ لأنّها نماء حصلت للمشتري على ملكه ، فلا يزول عنه ، إلّا بسببٍ ، ولم يوجد المزيل.

ولا فرق بين أن يفلس قبل التأبير أو بعده ، فإذا أفلس قبل أن تؤبَّر فلم يرجع فيها حتى أُبّرت ، لم يكن له الرجوع في الثمرة ؛ لأنّ العين لا تنتقل إلى البائع إلّا بالفلس والاختيار لها ، وهذا لم يخترها إلّا بعد أن‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين فيما عدا « ث » : « للإقرار ». وفي « ث » : « للابراز ». وكلاهما تصحيف. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

١٢٩

حصل التأبير ، فلم تتبعها في الفسخ.

وإن كانت الثمرة عند الرجوع غير مؤبَّرة ، لم يكن له الرجوع فيها ؛ لأنّها نماء حصل على ملكه ، ودخول الطلع غير المؤبَّر في البيع لا يقتضي دخوله في الرجوع ، ولا يسقط رجوعه في عين النخل.

وللشافعي قولان :

هذا أحدهما ؛ لأنّ الطلع يصحّ إفراده بالبيع ، فلا يجعل تبعاً ، كالثمار المؤبَّرة ، بخلاف البيع ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وهنا بغير اختياره.

والثاني : أنّه يأخذه مع النخل ؛ لأنّه تبع في البيع ، فكذلك في الفسخ ، كالسمن(١) .

وفيه طريقة أُخرى للشافعيّة : أنّه لا يأخذ الطلع ؛ للوثوق به ، واستقلاله في البيع ، بخلاف البيع(٢) على ما تقدّم.

وبالجملة ، كلّ موضعٍ أزال ملكه باختياره على سبيل العوض يتبع الطلع ، وكلّ موضعٍ زال بغير اختياره ، فهل يتبع؟ قولان ، كالردّ بالعيب ، والأخذ بالشفعة.

وكذا إذا زال بغير عوض باختياره وبغير اختياره على القولين ، كالهبة والرجوع فيها ، فإنّ فيها قولين للشافعي(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو باع نخلاً قد [ أطلعت ](٤) ولم تؤبَّر ، فإنّها تدخل في البيع ، فإن أفلس بعد تلف الثمرة أو تلف بعضها أو بعد بدوّ صلاحها ، لم يكن له الرجوعُ في البيع عند أحمد ؛ لأنّ تلف بعض المبيع أو زيادته‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أطلع ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٣٠

زيادة متّصلة يمنع من الرجوع ، وهنا الثمرة دخلت في البيع ، فكأنّ المبيع شي‌ء واحد ، فإذا تلفت أو بدا صلاحها ، يكون المبيع قد تلف بعضه أو زاد ، فلا رجوع(١) .

أمّا لو كانت الثمرة مؤبَّرةً وقت البيع فشرطها ثمّ أتلفها بالأكل أو تلفت بجائحة ثمّ أفلس ، فإنّه يرجع في الأصل ، ويُضارب بالثمرة ؛ لأنّهما عينان بِيعا معاً.

قال : ولو باعه نخلاً لا ثمرة عليه فأطلعت و [ أفلس ](٢) قبل تأبيرها ، فالطلع زيادة متّصلة تمنع الرجوع - عنده - في النخل(٣) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ للثمرة حكماً منفرداً يمكن بيعها منفردةً ، ويمكن فصله ، ويصحّ إفراده بالبيع ، فهو كالمؤبَّرة ، بخلاف الثمن.

وعنه رواية أُخرى : أنّه يرجع البائع في الثمرة أيضاً ، كما لو فسخ بعيب(٤) . وهذا كقول الشافعي(٥) .

ولو أفلس بعد التأبير ، لم يمنع من الرجوع في النخل إجماعاً ، والطلع للمشتري عند أحمد(٦) .

ولو أفلس والطلع غير مؤبَّر فلم يرجع حتى أُبّر ، لم يكن له الرجوعُ عنده(٧) ، كما لو أفلس بعد [ تأبيرها ](٨) .

فإن ادّعى البائع الرجوعَ قبل التأبير ، وأنكره المفلس ، قُدّم قوله مع‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣ - ٥) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٤.

(٦ و ٧) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٥.

(٨) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثمرتها ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٣١

اليمين ؛ لأصالة بقاء ملكه ، وعدم زواله.

ولو قال البائع : بعت بعد التأبير ، وقال المفلس : قبله ، قُدّم قول البائع ؛ لهذه العلّة.

فإن شهد الغرماء للمفلس ، لم تُقبل شهادتهم ؛ لأنّهم يجرّون إلى أنفسهم نفعاً.

وإن شهدوا للبائع ، قُبلت مع عدالتهم ؛ لعدم التهمة.

مسألة ٣٦٤ : قد بيّنّا أنّه إذا باع النخل ولا حمل له‌ ثمّ أطلع عند المشتري ثمّ جاء وقت الرجوع وهي غير مؤبَّرة ، فإنّ الثمرة للمفلس ، دون البائع ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

ونقل المزني وحرملة عنه أنّه يأخذ الثمرة مع النخل ؛ لأنّه تبع في البيع ، فكذا في الفسخ(٢) .

فعلى قوله لو جرى التأبير وفسخ البائع ثمّ قال البائع : فسخت قبل التأبير فالنماء لي ، وقال المفلس : بل بعده ، قُدّم قول المفلس مع يمينه ؛ لأصالة عدم الفسخ حينئذٍ ، وبقاء الثمار له(٣) .

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّ القولَ قولُ البائع ؛ لأنّه أعرف بتصرّفه(٤) .

وخرّج بعضهم قولاً : إنّ المفلس يُقبل قوله من غير يمين ، بناءً على أنّ النكول وردّ اليمين كالإقرار ، فإنّه لو أقرّ لما قُبل إقراره(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ - ٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

١٣٢

وإنّما يحلف على نفي العلم بسبق الفسخ على التأبير ، لا على نفي السبق ، فإذا حلف ، بقيت الثمار له.

وإن نكل ، فهل للغرماء أن يحلفوا؟ فيه ما تقدّم(١) من الخلاف فيما إذا ادّعى المفلس دَيْناً وأقام شاهداً ولم يحلف معه ، هل يحلف الغرماء؟ فإن قلنا : لا يحلفون ، أو قلنا : يحلفون فنكلوا ، عُرضت اليمين على البائع ، فإن نكل ، فهو كما لو حلف المفلس.

وإن حلف فإن جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبيّنة ، فالثمار له.

وإن جعلناه كالإقرار ، فيخرّج على قولين في قبول إقرار المفلس في مزاحمة المُقرّ له الغرماء ، فإن لم نقبله ، صُرفت الثمار إلى الغرماء ، كسائر الأموال. وإن فضل شي‌ء ، أخذه البائع بحلفه.

هذا إذا كذّب الغرماء البائعَ كما كذّبه المفلس ، وإن صدّقوه ، لم يُقبل إقرارهم على المفلس ، بل إذا حلف ، بقيت الثمار له.

وليس [ لهم ](٢) المطالبة بقسمتها ؛ لأنّهم يزعمون أنّها ملك البائع لا ملكه.

وليس له التصرّف فيها ؛ للحجر ، واحتمالِ أن يكون له غريمٌ آخَر.

نعم ، له إجبارهم على أخذها إن كانت من جنس حقوقهم ، أو إبراء ذمّته عن ذلك القدر ، كما لو جاء المكاتَب بالنجم ، فقال السيّد : إنّه حرام ، أو مغصوب ، لم يُقبل منه في حقّ المكاتَب ، ويقال له : خُذْه ، أو أبرئه عنه.

وكذا لو دفع المديون دَيْنه إلى صاحبه ، فقال : لا أقبضه ؛ لأنّه حرام.

وله تخصيص بعض الغرماء به ؛ لانقطاع حقّ الباقين عنه ، فإمّا أن‌

____________________

(١) في ص ٣٨ ، المسألة ٢٨٦.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له ». والصحيح ما أثبتناه.

١٣٣

يقبضه أو يُبرئه.

وللشافعيّة وجهٌ : أنّهم لا يُجبرون على أخذها ، بخلاف المكاتَب ؛ لأنّه يخاف العود إلى الرقّ لو لم يؤخذ منه ، وليس على المفلس كثير ضرر(١) .

فإذا أُجبروا على أخذها فأخذوها ، فللبائع أخذها منهم ؛ لإقرارهم أنّها له ، ويجب عليهم الدفع إليه لو لم يطلبها ، كما لو أقرّوا بعتق عبدٍ في ملك غيرهم ثمّ اشتروه منه.

وإن لم يُجبروا وقسّم سائر أمواله ، فله طلب فكّ الحجر إن قلنا بتوقّف الرفع على إذن الحاكم.

ولو كانت من غير جنس حقوقهم فدفعها المفلس إليهم ، كان لهم الامتناع ؛ لأنّه إنّما يلزمهم الاستيفاء من جنس ديونهم ، إلاّ أن يكون منهم مَنْ له من جنس الثمرة ، كالقرض والسَّلَم ، فيلزمه أخذ ما عرض عليه إذا كان بعض حقّه.

ولو لم يكن من جنس حقّ أحدٍ منهم فبِيعت وصُرف ثمنها إليهم تفريعاً على الإجبار ، لم يكن للبائع الأخذ منهم ؛ لأنّهم لم يُقرّوا له بالثمن ، وعليهم ردّه إلى المشتري ، فإن لم يأخذه(٢) ، فهو مالٌ ضائع.

ولو شهد بعض الغرماء أو أقرّ بعضهم دون بعضٍ ، لزم الشاهد أو المُقرّ الحكم الذي ذكرناه.

ولو كان في المُصدّقين عدْلان شهدا للبائع على صفة الشهادة وشرطها أو عدْلٌ واحد وحلف البائع معه ، قُبلت الشهادة ، وقضي له إن شهد الشهود‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يأخذ ». والظاهر ما أثبتناه.

١٣٤

قبل تصديق البائع أو بعده وقلنا : إنّهم لا يُجبرون على أخذ الثمرة ، وإلّا فهُمْ يرفعون(١) الضرر عن أنفسهم بشهادتهم ؛ إذ يُجبرون على أخذها ويضيع عليهم بأخذ البائع.

ولو صدّق بعضُ الغرماء البائعَ وكذّبه بعضُهم ، فللمفلس تخصيص المكذّبين بالثمار.

ولو أراد قسمتها على الجميع ، فالأقرب : أنّه ليس له ذلك ؛ لأنّ مَنْ صدّق البائعَ يتضرّر بالأخذ ؛ لأنّ للبائع أخذ ما أخذه منه ، والمفلس لا يتضرّر بأن لا يصرف إليه ، لإمكان الصرف إلى المكذّبين ، بخلاف ما إذا صدّقه الكلُّ ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه له ذلك ، كما إذا صدّقوه جميعاً(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإذا صرف إلى المكذّبين ولم يف بحقوقهم ، فيضاربون المصدّقين في سائر الأموال ببقيّة ديونهم مؤاخذةً لهم بزعمهم ، أو بجميع ديونهم ؛ لأنّ زَعْم المصدّقين أنّ شيئاً من دَيْن المكذّبين لم يتأدّ؟ للشافعيّة وجهان ، أظهرهما عندهم : الأوّل(٣) .

وجميع ما ذكرناه فيما إذا كذّب المفلس للبائع ، أمّا لو صدّقه المفلس على سبق الفسخ للتأبير ، نُظر فإن صدّقه الغرماء أيضاً ، قضي له.

وإن كذّبوه وزعموا أنّه أقرّ عن مواطأة جرت بينهما ، فعلى القولين الجاريين فيما لو أقرّ بعين مالٍ أو بدَيْن لغيره ، فإن قلنا : لا نفوذ ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بالثمن ظاهراً ، فلم يُقبل إقراره ، كما لو أقرّ بالنخل ، فللبائع تحليف الغرماء على أنّهم لا يعرفون فسخه قبل التأبير.

____________________

(١) الظاهر : « يدفعون ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.

١٣٥

ومنهم مَنْ قال : هو على القولين السابقين(١) في أنّ الغرماء هل يحلفون إذا ادّعى حقّاً وأقام شاهداً ولم يحلف؟

والأوّل أصحّ عندهم ؛ لأنّ اليمين هنا وجبت عليهم ابتداءً ، وثَمَّ ينوبون عن المفلس ، واليمين لا تجري فيها النيابة(٢) .

وفي مسألتنا : الأصل أنّ هذا الطلع قد تعلّقت حقوقهم به ؛ لكونه في يد غيرهم ومتّصل ، فعليه التخلية ، والبائع يدّعي ما يزيل حقوقهم عنه ، فأشبه سائر أعيان ماله.

وما به النظر في انفصال الجنين وفي ظهور الثمار بالتأبير إلى حال الرجوع دون الحجر ؛ لأنّ ملك المفلس باقٍ إلى أن يرجع البائع.

مسألة ٣٦٥ : لو كان المبيع أرضاً ، فإن كانت بيضاء ، كان له الرجوعُ عند الإفلاس بها‌. فإن زرع المشتري الأرضَ قبل الحجر ، كان له الرجوعُ في الأرض ، والزرع للمفلس ؛ لأنّه عين ماله ، وليس الزرع ممّا يتبع الأرض في البيع فأولى أن لا يتبعها في الفسخ.

وكذا لو باعه حائطاً لا ثمر فيه ثمّ أفلس وقد أُبّرت النخلة ، لم يكن له الرجوعُ في الثمرة ؛ لأنّها لا تتبع الأصل في البيع ، فكذا في الفسخ.

إذا ثبت هذا ، فإنّه ليس لبائع الأرض ولبائع النخل المطالبةُ بقلع الزرع ولا قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ والحصاد - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ المشتري زرع في أرضه بحقٍّ ، وكذا طلعه على النخل بحقٍّ ، فلم يكن لأحدٍ‌

____________________

(١) في ص ٣٨ - ٣٩ ، ضمن المسألة ٢٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨ ، المغني ٤ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٥.

١٣٦

مطالبته [ بقلعه ](١) كما لو باع نخلاً فيه ثمرة ظاهرة أو أرضاً فيها زرع ، لم يكن للمشتري مطالبة البائع بقطع الثمرة والزرع ، وكذا هنا ، والأُجرة لصاحب الأرض في ذلك ، إلّا أنّ المشتري زرع في أرضه والزرع تجب تبقيته ، فكأنّه استوفى منفعة الأرض ، فلم يكن عليه ضمان ذلك.

لا يقال : أنتم قلتم في المؤجر للأرض : إذا زرعها المستأجر وأفلس ، رجع المؤجر في الأرض ، وله أُجرة التبقية للزرع ، فلِمَ لا يكون لبائع الأرض الأُجرةُ؟

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ فإنّ المعقود عليه في البيع الرقبةُ ، وإنّما يحصل له بالفسخ وإن لم يأخذ الأُجرة ، وفي الإجارة المنفعةُ ، فإذا فسخ العقد فيها ، لم يجز أن يستوفيها المستأجر بلا عوضٍ ، فإذا لم يتمكّن من استيفائها ولم يمكنه من أخذ بدلها ، خلا الفسخ عن الفائدة ، ولم يعد إليه حقّه ، فلا يستفيد بالفسخ شيئاً.

ولأنّ المستأجر دخل في العقد على أن يضمن المنفعة ، فلهذا وجب عليه الأُجرة ، بخلاف المتنازع ، فإنّ المشتري دخل على أنّه لا يضمن المنفعة ، فجرى مجرى البائع للأُصول دون ثمرتها.

وحكى بعض الشافعيّة قولاً : إنّ للبائع طلبَ أُجرة المثل لمدّة بقاء الزرع ، كما لو بنى المشتري أو غرس ، كان للبائع الإبقاء بأُجرة المثل(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإن اتّفق المفلس والغرماء على تبقيته ، كان لهم ذلك.

وإن اختلفوا ، فطلب المفلس قطعه ، أو طلب الغرماء قطعه ، أو‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بفعله ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.

١٣٧

بعضهم طلبه ، أُجيب مَنْ طلب القطع على إشكال ؛ لما في التبقية من الغرور ، ومَنْ طلب قطعه أراد تعجيل حقّه ، وكذا المفلس يريد براءة ذمّته ، فأُجيب إلى ذلك.

ويُحتمل إجابة مَنْ طلب ما فيه الحظّ ، فيُعمل عليه.

وهو حسن - وكلاهما قولان للشافعيّة(١) - لأنّ النفع متوقّع ، ولهذا جاز لوليّ الطفل الزرع له.

مسألة ٣٦٦ : لو باعه أرضاً وفيها بذر مودع ، فإن باعها مطلقاً ، لم يدخل البذر في البيع ؛ لأنّه مودع فيها.

وإن باعها مع البذر ، فإن قصد التبعيّة ، جاز ، وإلّا بطل ؛ لأنّ بعض المبيع المقصود مجهول ، فلا يصحّ بيعه.

وإن باع الأرض وشرط البذر أو قصد التبعيّة ، دخل في البيع.

فإذا أفلس المشتري بعد ما استحصد واشتدّ حَبُّه أو كان قد حصده وذرّاه(٢) ونقّاه ، لم يكن لصاحب الأرض أن يرجع فيه - [ وهو أحد الوجهين للشافعيّة ](٣) (٤) - لأنّ هذا الزرع أعيان ابتدأها الله تعالى ، ولم يكن موجوداً حال البيع.

والثاني : أنّ [ له الرجوعَ ؛ لأنّ ](٥) ذلك(٦) من نماء الزرع ، فهو كالطلع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨ ، المغني ٤ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٦.

(٢) ذروت الحنطة وذرّيتها : نقّيتها في الريح. لسان العرب ١٤ : ٢٨٣ « ذرا ».

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٦) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة زيادة : « ممّا ». والظاهر زيادتها.

١٣٨

يصير تمراً ، ولهذا لو غصب رجلاً حَبّاً فبذره في ملكه واستحصد ، كان لصاحب البذر دون صاحب الأرض ، وكذا البيض لو صار فرخاً(١) .

والفرق بين الغاصب والمتنازع ظاهر.

مسألة ٣٦٧ : لو كانت الثمرة مؤبَّرةً حال البيع وشرطها في البيع ، كانت جزءاً من المبيع‌ يتقسّط الثمن عليها وعلى الأُصول ، فإذا أفلس المشتري وتلفت الثمرة بأكله أو بجائحة أو بأكل أجنبيّ ، فقد بيّنّا أنّ للبائع أخذَ الشجر بحصّته من الثمن ، ويُضارب مع الغرماء بحصّة الثمرة.

وسبيل التوزيع أن تُقوَّم الأشجار وعليها الثمار ، فإذا قيل : قيمتها مائة ، قُوّمت الأشجار وحدها ، فإذا قيل : قيمتها تسعون ، علمنا أنّ قيمة الثمرة عشرة ، فيضارب بعُشْر الثمن.

فإن اتّفق في قيمتها انخفاض وارتفاع ، فالاعتبار في قيمة الثمار بالأقلّ من قيمتي وقت العقد ويوم القبض ؛ لأنّها إن كانت يوم القبض أقلَّ [ فما نقص ](٢) قبله فهو من ضمان البائع ، فلا يُحسب على المشتري.

وإن كانت يوم العقد أقلَّ ، فالزيادة حصلت في ملك المشتري وتلفت ، فلا تعلّق للبائع بها.

نعم ، لو كانت العين باقيةً ، رجع فيها تابعةً للأصل إن لم تحصل زيادة عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي(٣) .

[ وقال بعض الشافعيّة ](٤) : الاعتبار في قيمته يومَ القبض ، واحتسب‌

____________________

(١) نفس المصادر في الهامش (٤) من ص ١٣٧.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ممّا قبض ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه - لاستقامة العبارة - من المصدر.

١٣٩

الزيادة للبائع بعد التلف ، كما أنّها لو بقيت العين ، لحصلت له(١) .

وهذا ظاهر كلام الشافعي(٢) .

لكن أكثر أصحابه حملوه على ما إذا كانت قيمته يوم القبض أقلّ أو لم تختلف القيمة ، فسواء أضفتها(٣) إلى هذا اليوم أو ذاك اليوم(٤) .

وأمّا الأشجار فللشافعيّة وجهان :

أظهرهما : أنّ الاعتبار فيها بأكثر القيمتين ؛ لأنّ المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع ، فنقصانه عليه ، وزيادته للمشتري ، ففيما يأخذه البائع [ يعتبر ](٥) الأكثر ؛ لكون النقصان محسوباً عليه ، كما أنّ فيما يبقى للمشتري ويضارب البائع بثمنه [ يعتبر ](٦) الأقلّ ؛ لكون النقصان محسوباً عليه.

والثاني : أنّ الاعتبار بقيمة يوم العقد ، سواء كانت أكثرَ القيمتين أو أقلَّهما.

أمّا إذا كانت أكثرَهما : فلما ذكرنا في الوجه الأوّل.

وأمّا إذا كانت أقلَّهما : فلأنّ ما زاد بعد ذلك من جملة الزيادات المتّصلة ، وعين الأشجار باقية ، فيفوز بها البائع ، ولا تُحسب عليه(٧) .

قال الجويني : ولصاحب الوجه الأوّل أن يقول : نعم ، البائع يفوز بها ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.

(٣) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وفي المصدر : « فبنوا إضافتها » بدل « فسواء أضفتها ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.

(٥ و ٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تعيّن بقيمة ». والمثبت من المصدر.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ - ٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ردّ القدح فيه من جهة كذب راويه

وأمّا الوجه الثاني، فقد عرفت الجواب عنه سابقاً ولعلَّ بطلان هذا الكلام لدى الخاص والعام، هو الذي منع ( الدهلوي ) وسلفه ( الكابلي ) وغيرهما من متكلّمي القوم من الاستدلال به في كتبهم الكلاميّة التي وضعوها للردّ على الإِماميّة نعم ذكره ( الدهلوي ) في حاشية كتابه ناسباً إيّاه إلى النّواصب مذعناً بناصبيّة الأعور

الجواب عن المناقشة في الدلالة

وأمّا الوجه الثالث فسيأتي الجواب عنه عند ما نتكلّم بالتفصيل في مفاد حديث الطّير ودلالته، فانتظر.

وقال في ( التوضيح الأنور بالحجج الواردة لدفع شبه الأعور ):

« وأمّا الثالث فلأنّا لا نسلّم لزوما ما توهمّه ممّا أرادوه، فإن المعني به كما سبق أحبّ من يأتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والنبي ممّن يؤتى، فكيف يلزم أن يكون أحبّ منه على ذلك التقدير؟ بل إنّما يلزم ذلك على تأويله الفاسد وقوله الوهمي الفاسد من أنّ معنى أحبّ خلقك يأكل معي: الذي أحببت أن يأكل منه حيث كتبته رزقاً له، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكل منه وكتب رزقاً له. ما أعمى قلب الخارجي الخارج عن طريق الصواب، والأبتر الناصبي الهارب عن المطر الجالس تحت الميزاب ».

١٨١

مع محسن الكشميري

وعلى هذه الوتيرة كلمات محمّد محسن الكشميري في هذا الباب، فإنّه قال:

« السابع - خبر الطائر، وهو: أنّه أُهدي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشوي. فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي. فجاء علي وأكل.

والجواب من وجوه:

الأوّل : إنّه ذكر مهرة فن الحديث أنّه موضوع، كما صرّح به محمّد بن طاهر الفتني في الرسالة له في بيان الصحيح والضعيف والوضّاعين والضعفاء المجهولين.

الثاني : إنّه لا يدلّ على الإِمامة بالمعنى المراد عند الخصم، كما مرّ غير مرة.

الثالث : إن مثله وارد في حقّ اُسامة بن زيد، حين سأل النبيّعليه‌السلام رجل عن أحبّ الناس إليه. فقال عليه الصلاة والسلام: اُسامة بن زيد. فلو كان علي أحب إلى الحق من بين الصحابة كان أحب إلى النبيّ أيضا، إذ لا يحبّ النبيّ إلاّ لما يحبّ الله. فلو كان أحبّ إليهعليه‌السلام مطلقا كان حديث اُسامة معارضاً له، فلا بدّ من تخصيص، فلم يبق حجة.

الرابع : إنّه مضمحل بتقديم النبيّ أبا بكر في الصلاة »(١) .

____________________

(١). نجاة المؤمنين - مخطوط.

١٨٢

دعوى وضع الحديث كاذبة

أقول : أمّا الوجه الأوّل فما ذكره فيه من « أنّه ذكر مهرة فنّ الحديث أنّه موضوع » فنسبة كاذبة ودعوى فارغة، إذ قد عرفت سابقاً وآنفاً أنْ مهرة فن الحديث لا يقولون بأنّه موضوع، ومن ادّعى ذلك كابن تيميّة فليس من مهرة فنّ الحديث، وليس لدعوى ذلك وجه يصلح للإِصغاء.

فرية على الفتني

وقوله: « كما صرَّح به محمّد بن طاهر الفتني » فرية واضحة، فقد ذكرنا سابقاً عبارة الفتني في ( تذكرة الموضوعات ) وليس فيها نسبة القول بوضع هذا الحديث إلى مهرة فنّ الحديث، وإنّما ذكر عن المختصر أن طرقه ضعيفة وأنّ ابن الجوزي ذكره في الموضوعات وأين هذا من ذاك؟ وقد عرفت أنّ دعوى من يدّعي ضعف جميع طرق حديث الطير كاذبة، ونسبة إيراد ابن الجوزي إيّاه في الموضوعات افتراء عليه

المناقشة في دلالته مردودة

وأمّا الوجه الثاني - وهو المناقشة في دلالة حديث الطير على مراد الإِماميّة - فسيظهر اندفاعه من الوجوه التي سنذكرها في بيان دلالة هذا الحديث على ما يذهب إليه الإِماميّة، إذ حاصل ذلك أنّه يدلّ على أفضلّية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والأفضلية مستلزمة للإِمامة بلا كلام.

دحض المعارضة بما رووه في حق اُسامة

وأمّا الوجه الثالث فواضح البطلان. أمّا أولاً: فلأن الحديث الذي ذكره الكشميري غير وارد بهذا اللّفظ في شيء من روايات أهل السنّة.

١٨٣

وأمّا ثانياً: فلأنّ هذا الحديث بأيّ لفظ كان - من متفردّات أهل السنّة وما كان كذلك فهو غير صالحٍ لإِلزام الإِماميّة به، ولا اقتضاء له لحملهم على رفع اليد عن عموم حديث الطَّير به. وأمّا ثالثاً: فلأنّ ما رووه في أحبيّة أُسامة ليس عندهم في مرتبة حديث الطّير، فإنّ حديث الطّير - كما فصّل سابقاً - متواتر مقطوع بصدوره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بلغت طرقه حدّاً في الكثرة حمل بعض أعلام حفّاظهم على جمعها في أجزاء مفردة. أما حديث أحبيّة أُسامة فلم تتعدّد طرقه فضلاً عن التواتر والثبوت.

ردّ الاستدلال بما ادّعاه من تقديم النبيّ أبا بكر في الصلاة

وأمّا الوجه الرابع - وهو دعوى اضمحلال حديث الطير ومفاده بتقديم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر في الصّلاة - فأوهن وأسخف ممّا تقدمه، وهو يدلّ على بُعد الكشميري عن أدب المناظرة والإِحتجاج وذلك لأنّ تقديم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر في الصلاة من الموضوعات، وفيهم من اعترف بوقوع الاختلاف والإِضطراب الفاحش في روايات القصّة كابن حجر العسقلاني في شرح البخاري، وهذا الإِضطراب والإِختلاف دليل الوضع والإِفتعال لدى جماعة من الأكابر منهم: كابن عبد البرّ، والأعور، والكابلي، و ( الدهلوي ) كما تبين في ( تشييد المطاعن ).

على أنّ الإِستخلاف في الصّلاة لا دلالة فيه على الإِمامة، وبهذا صرّح ابن تيميّة حيث قال: « الإِستخلاف في الحياة نوع نيابة لا بدّ لكلّ ولي أمر، وليس كلّ من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الاُمة يصلح أنْ يستخلف بعد الموت، فإنّ النبيّ استخلف غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته »(١) .

____________________

(١). منهاج السنّة ٤ / ٩١.

١٨٤

موجز الكلام في تحقيق خبر صلاة أبي بكر

وحديث صلاة أبي بكر - وإنْ رووه في صحاحهم بطرقٍ عديدة، واعتنوا به كثيراً، واستندوا إليه في بحوثهم في الاُصول والفروع - لم يسلم سندٌ من أسانيده من قدحٍ في الرواة، على أنّ هناك أدلة وشواهد من خارج الخبر وداخله على أنّ هذه الصلاة لم تكن بأمر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والعمدة في هذا الخبر ما أخرجوه عن عائشة، وسيأتي بعض الكلام عليه، وأمّا عن غيرها، فقد جاء عن أبي موسى الأشعري - أخرجه البخاري ومسلم(١) - وقد قال الحافظ ابن حجر بأنّه مرسل، ويحتمل أن يكون تلقّاه عن عائشة(٢) .

وجاء عن عبد الله بن عمر(٣) ، ومداره على « الزّهري » وهو من أشهر المنحرفين عن علي عليه الصّلاة والسلام(٤) .

وجاء عن ابن عباس، وهو: « عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس » وقد قال البخاري: « لا نذكر لأبي إسحاق سماعاً من الأرقم بن شرحبيل »(٥) .

وجاء عن عبد الله بن مسعود، وفيه « عاصم بن أبي النجود » قال الهيثمي: « فيه ضعف »(٦) وعن بعضهم « كان عثمانياً »(٧) .

____________________

(١). صحيح البخاري ٢ / ١٣٠ بشرح ابن حجر، صحيح مسلم بشرح النووي - هامش القسطلاني ٣ / ٦٣.

(٢). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٢ / ١٣٠.

(٣). صحيح البخاري ٢ / ٣٠٢ بشرح ابن حجر، صحيح مسلم بشرح النووي ٣ / ٥٩ هامش القسطلاني.

(٤). شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٢.

(٥). هامش سنن ابن ماجة ١ / ٣٩١.

(٦). مجمع الزوائد ٥ / ١٨٣.

(٧). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٥.

١٨٥

وجاء عن سالم بن عبيد وفيه « نعيم بن أبي هند » قالوا: « كان يتناول علياً »(١) .

وجاء عن أنس، وفيه: « أبو اليمان عن شعيب عن الزهري » فأمّا « الزهري » فقد تقدم. وأمّا الآخران فقد قالوا: إن « أبا اليمان » لم يسمع من « شعيب » ولا كلمة(٢) .

ثمّ إنّ الحديث عن عائشة ينتهي بجميع أسانيده إلى:

١ - الأسود بن يزيد النخعي، وهذا الرجل من المنحرفين عن عليعليه‌السلام (٣) والراوي عنه هو: إبراهيم بن يزيد النخعي، وهو من أعلام المدلّسين(٤) .

٢ - عروة بن الزبير، وهو من المشتهرين ببغض علي(٥) والراوي عنه ابنه « هشام » وهو من كبار المدلّسين(٦) .

٣ - عبيد الله بن عبد الله، والراوي عنه عند الشيخين هو « موسى بن أبي عائشة » وقد قال ابن أبي حاتم عن أبيه « تريبني رواية موسى بن أبي عائشة حديث عبيد الله بن عبد الله في مرض النبيّ »(٧) .

٤ - مسروق بن الأجدع، والراوي عنه: شقيق بن سلمة، وكان عثمانيّاً(٨) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ١٠ / ٤١٨.

(٢). تهذيب التهذيب ٢ / ٣٨٠.

(٣). شرح نهج البلاغة ٤ / ٩٧.

(٤). معرفة علوم الحديث: ١٠٨.

(٥). شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٢.

(٦). تهذيب التهذيب ١١ / ٤٤.

(٧). تهذيب التهذيب ١٠ / ٣١٤.

(٨). تهذيب التهذيب ٤ / ٣١٧.

١٨٦

ثمّ نقول:

أوّلاً : لقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر بالخروج مع اُسامة، إذْ لا ريب لأحدٍ في كونه هو وعمر وغيرهما من كبار المهاجرين والأنصار في بعث اُسامة(١) .

وثانياً : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بعد أن علم بخروج أبي بكر إلى الصلاة - خرج بنفسه، وهو معتمد على رجلين، فنحّاه عن المحراب، وصلّى بالناس بنفسه الكريمة(٢) .

وثالثاً : إن من الاُمور المسلّمة عدم جواز تقدّم أحدٍ على النبيّ(٣) .

ورابعاً : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يرى أن صلاة أبي بكر كانت بأمر من عائشة(٤) و « علي مع الحقّ والحقّ مع علي »(٥) ، وهو ما يدلّ عليه سقوط الأسانيد وقرائن الأحوال والشواهد.

وإنْ شئت التفصيل فراجع رسالتنا في الموضوع(٦) .

____________________

(١). فتح الباري ٨ / ١٢٤.

(٢). تجده في جميع الروايات في الصحاح وغيرها.

(٣). فتح الباري ٣ / ١٣٩، نيل الأوطار ٣ / ١٩٥، السيرة الحلبية ٣ / ٣٦٥.

(٤). شرح نهج البلاغة ٩ / ١٩٦ - ١٩٨.

(٥). صحيح الترمذي ٣ / ١٦٦، المستدرك ٣ / ١٢٤، جامع الاُصول ٩ / ٤٢٠.

(٦). الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإِمامية.

١٨٧

مع القاضي پاني پتي

ومن الطرائف ردّ القاضي پاني پتي - وهو من مشاهير متأخري علماء أهل السنّة، بل بيهقي عصره كما في ( إتحاف النبلاء ) عن ( الدهلوي ) - حديث الطير بقوله تبعاً للكابلي:

« الرابع - حديث أنس بن مالك: إنّه كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له فقال: اللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي، فجاء علي فأكله. رواه الترمذي.

قال شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي في ( التلخيص ): لقد كنت زمناً طويلاً أظنّ أن هذا الحديث لم يحسن الحاكم أنْ يودعه في مستدركه، فلمـّا علقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه.

وقد صرّح شمس الدين الجزري بوضع هذا الحديث.

وأيضاً: هذا الحديث لا دلالة فيه على الإِمامة كما لا يخفى. والمراد من « أحب الناس »: « من أحبّ الناس إليك » كما في قولهم: فلان أعقل الناس.

ومن المحتمل عدم حضور الخلفاء الآخرين في ذلك الوقت.

وقد ورد مثل هذا الحديث في حقّ العباسرضي‌الله‌عنه : روى ابن عساكر من طريق السبكي عن دحية قال: قدمت من الشام وأهديت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك. فقال: اللّهم ائتني بأحبّ أهلي إليك يأكل معي. فطلع العبّاس، فقال: يا عم أُجلس. فجلس وأكل.

لكن سنده واهٍ »(١)

____________________

(١). السيف المسلول - مخطوط.

١٨٨

تصرّفه في لفظ الحديث

أقول : أوّل ما في هذا الكلام تحريفه لفظ الحديث، فقد بدّل لفظ « أحبّ الخلق » إلى « أحبّ الناس ».

تصحيفه عبارة الذهبي

ثمّ إنّه ذكر كلمة الذهبي « لم يجسر الحاكم » بلفظ « لم يحسن » وهكذا ترجمها إلى الفارسيّة.

دعواه أنه موضوع مع اعترافه بإخراج الترمذي إيّاه

وهو يدّعي أنّ الحديث موضوع مع اعترافه بإخراج الترمذي إيّاه حيث قال: « رواه الترمذي » وهل في « الترمذي » حديث « موضوع »؟

لكنّ الحديث عند الترمذي بلفظ « أحبّ الخلق » لا « أحبّ الناس » وكلمة الذهبي « لم يجسر » لا « لم يحسن ».

ومن هذا كلّه يظهر أنّ الرّجل بصدّد أنْ يكتب شيئاً ليكون بزعمه ردّاً على استدلال الإِماميّة بهذا الحديث، فجاء بعبارات الكابلي ولم يكلِّف نفسه مشقة مراجعة ( الترمذي ) و ( تلخيص المستدرك ).

نسبة القول بوضعه إلى ابن الجزري

كما أنّه تبع الكابلي في نسْبة القول بأنّه حديث موضوع إلى ابن الجزري، هذه النسبة التي لا شاهد على ثبوتها، بل تدل القرائن على كذبها.

مناقشة في دلالته وتأويله للفظه

وفي الدلالة تبع الكابلي في دعوى أنّ هذا الحديث لا يدلّ على الإِمامة

١٨٩

لكنها دعوى فارغة عاطلة ثمّ ادّعى كون المراد من « أحب الناس » هو « من أحبّ الناس » إدعى هذا جازما به، والحال أنّه لو كان هذا الحديث موضوعاً كما يزعم فمن أين يثبت أنّ هذا الذي ذكره هو المراد حتماً؟

احتماله عدم حضور الخلفاء وقت القصّة

ومع ذلك، إحتمل - تبعاً للكابلي - أن لا يكون الخلفاء حاضرين في المدينة وقت قصّة الطير ودعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحضور « أحبّ الخلق » إلى الله وإليه، إلّا أنّه ليس إلّا محاولةً أُخرى لإِسقاط دلالة الحديث الشريف على أفضلية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام

ومن أدلّة بطلان هذا الإِحتمال وسقوطه: خبر الطير برواية النسائي.

معارضته الحديث بحديث اعترف بوهنه

ولقد زاد القاضي في الطنّبور نغمةً أُخرى، فجاء بما لم يذكره أسلافه فزعم معارضة حديث الطير بما وضعه بعض الكذّابين منهم في مقابلته لكنْ الذي يهوّن الأمر قوله بالتالي: « لكنَّ سنده واهٍ ».

* * *

١٩٠

مع حيدر علي الفيض آبادي

ولقد اغترَّ المولوي حيدر علي الفيض آبادي بكلمات الكابلي و ( الدهلوي ) في هذا الباب وحسبها كلمات حقٍّ فقال على ضوئها:

« كيف لا تكون أحاديث تقديم أبي بكر في الصلاة - هذه الأحاديث التي رواها أكثر فقهاء الصحابة بل الخلفاء الرّاشدون الملازمون لصحبة خاتم النبيّين، وكذا أهل البيت الطّاهرون، وبلغت حدّ التواتر والاستفاضة، بحيث انقطع بها نزاع المنازعين في مجمع المهاجرين والأنصار، واستدلّ بها المرتضى والزبير - دليلاً لاستحقاق الصدّيق للخلافة، ثمّ يستدلّ بخبر الطير غير الثابت صحتّه، وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، لإِثبات مقصود الشيعة؟

وكيف تفيد مثل هذه الأحاديث ما يدّعيه المخالفون؟ والحال أنّ الإِمامة عندهم - في الحقيقة - أصل الاُصول، وقد صرّحوا آلاف المرّات بأنّه لا يفيد في هذا الباب إلّا الروايات المتواترات خلافاً لجمهور أهل السنّة القائلين بأنّ الإِمامة من الفروع؟ »(١) .

كيف تكون الأكاذيب أدلّة على خلافة الثلاثة؟

أقول : إنّ هذا الكلام الذي تفوّه به الفيض آبادي كلام لا يفضح إلّا نفسه، ولا يثبت إلّا جهله أو تعصبّه كيف يجعل الأحاديث الّتي وضعها الموالون لأبي بكر ثابتة فضلاً عن استفاضتها وتواترها؟ إنّه لا طريق إلى ذلك إلّا أن يسمّى « الموضوع » بـ « الصحيح » و « الخامل » بـ « المشهور » و « المنكر »

____________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن - فضائل أبي بكر، مبحث صلاته.

١٩١

بـ « المستفيض » و « الباطل » بـ « المتواتر » فإنّه عندئذٍ يكون لما ذكره وجه!! إنّ هذه الأحاديث التي يدّعيها الرجل وأمثالها إذا وضعت في ميزان النقد ليست إلّا هباءً منثوراً، وكانت كأنْ لم يكن شيئاً مذكوراً؟!

ولا تكون الصحاح والمتواترات أدلّة على خلافة الأمير؟

وأمّا أدلّة إمّامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وأفضليته: فمن تتّبع أسفار القوم وروايات أئمتهم الأساطين، ونظر فيها بعين الإنصاف، يرى أنّها أدلّة محكمة رزينة وبراهين متقنة متينة، بحيث لا يؤثر فيها قدح قادح أو طعن طاعن

ومن ذلك حديث الطّير فإنّ من نظر في رواته وأسانيده في كتب القوم يذعن بصحّة إحتجاج الإماميّة به على خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام . وكيف لا يكون كذلك؟ وهو حديث رواه أركان مذاهب أهل السنّة وأساطين علمائهم وأعاظم فقهائهم في القرون المختلفة عن التابعين ومعاريف الصحابة الملازمين لخاتم النبيّين، بل عن رئيس أهل البيت وسيد العترة أمير المؤمنينعليه‌السلام ...!!

لقد بلغ حديث الطير في الصحة والثبوت حدّاً حمل جمعاً من أكابر أعلامهم المحققين على الإِذعان بذلك.

بل كان ثبوته وصحّته في زمن المأمون العباسي قاطعاً لنزاع النازعين في مجمعٍ من الفقهاء.

بل لقد استدل واحتّج به سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الشورى وسلّم به وأذعن بثبوته الزبير وطلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص.

بل لقد احتجّ به عمرو بن العاص على معاوية؟

وكيف لا يجوز الإحتجاج والاستدلال بهذا الحديث على أهل السنّة وهم

١٩٢

يرون الإِمامة فرعاً من فروع الدين لا أصلاً من أُصوله حتى لو لم يكن متواتراً؟ فكيف وتواتره ثابت بالقطع واليقين؟

* * *

١٩٣

١٩٤

دلالة

حديث الطَّير

١٩٥

١٩٦

قوله:

« ومع هذا فإنّه لا يفيد المدّعى ».

حاصل مفاد حديث الطّير خلافة علي

أقول:

إن منع دلالة حديث الطّير على ما يقوله الإِمامية واضح البطلان، فإنّ استدلال الإِمامية بهذا الحديث على ما يذهبون إليه في تمام المتانة وكمال الرزانة. وبيانه:

إنّ علّياًعليه‌السلام - حسب دلالة هذا الحديث الشريف - أحبّ جميع الخلق إلى الله تعالى وإلى رسوله، وكلّ من كان أحبّ الخلق إلى الله تعالى ورسوله فهو أفضل من جميع الخلائق عند الله ورسوله، وكل من كان أفضل من جميع الخلائق عند الله ورسوله فهو متعيّن للخلافة عند الله ورسوله، فينتج أنّ علياًعليه‌السلام متعيّن للخلافة عند الله ورسوله.

الأحبيّة تستلزم الأفضلية

أمّا أن كلّ من كان أحبّ الخلق إلى الله ورسوله فهو أفضل من جميع الخلائق عند الله ورسوله ففي غاية الوضوح، لكنّا نستشهد هنا بكلماتٍ لبعض الأساطين حذراً من مكابرة الجاحدين:

١٩٧

شواهد من كلمات العلماء

قال القسطلاني:

« فإنْ قلت: من اعتقد في الخلفاء الأربعة الأفضليّة على الترتيب المعلوم، ولكن محبّته لبعضهم تكون أكثر هل يكون آثماً أم لا؟

أجاب شيخ الإِسلام الولي العراقي: إنّ المحبة قد تكون لأمرٍ دينيّ، وقد تكون لأمرٍ دنيوي. فالمحبّة الدينية لازمة للأفضلية، فمن كان أفضل كانت محبته الدينيّة له أكثر، فمتى اعتقدنا في واحد منهم أنّه أفضل ثمّ أحببنا غيره من جهة الدين أكثر كان تناقضا، نعم إن أحببنا غير الأفضل أكثر من محبّة الأفضل لأمر دنيوي كقرابة أو إحسان ونحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع.

فمن اعترف بأن أفضل هذه الاُمة بعد نبيّها أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي، لكنّه أحبّ علياً أكثر من أبي بكر مثلاً، فإنْ كانت المحبّة المذكورة محبةً دينية فلا معنى لذلك، إذ المحبّة الدينية لازمة للأفضليّة كما قرّرناه، وهذا لم يعترف بأفضليّة أبي بكر إلّا بلسانه، وأما بقلبه فهو مفضّل لعلي، لكونه يحبّه محبّة دينية زائدةً على محبّة أبي بكر، وهذا لا يجوز. وإن كانت المحبة المذكورة دنيويةً لكونه من ذرية علي أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع فيه. والله أعلم »(١) .

إذن، المحبّة الدينيّة لازمة للأفضليّة، وهذا أمر مقرّر.

وقال السبكي:

« محمّد بن أحمد بن نصر الشيخ الإِمام أبو جعفر الترمذي شيخ الشافعية بالعراق قبل ابن شريح وكان إماماً زاهداً ورعاً قانعاً باليسير قال أحمد ابن كامل: لم يكن للشافعية بالعراق أرأس منه ولا أورع ولا أكثر تقلّلاً. وقال

____________________

(١). المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية - بشرح الزرقاني ٧ / ٤٢.

١٩٨

الدار قطني: ثقة مأمون ناسك. توفي أبو جعفر في المحرم سنة ٢٩٥. وقد كمل أربعاً وتسعين سنة. ونقل أنّه اختلط في آخر عمره.

وله كتاب في المقالات سمّاه كتاب اختلاف أهل الصلاة في الاُصول، وقف عليه ابن الصّلاح وانتقى منه فقال - ومن خطّه نقلت - إنّ أبا جعفر قلّ ما تعرض في هذا الكتاب لما يختار هو، وأنّه روى في أوّله حديث: « تفترق أُمتي على ثلاث وسبعين فرقة » عن أبي بكر ابن أبي شيبة. وأنّه بالغ في الردّ على من فضّل الغني على الفقير، وأنّه نقل: إن فرقة من الشيعة قالوا: أبو بكر وعمر أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنّ علياً أحبّ إلينا. قال أبو جعفر: فلحقوا بأهل البدع حيث ابتدعوا خلاف من مضى »(١) .

وهذا صريح في أنّ أحبيّة غير الأفضل لا وجه لها أبداً.

وقال شاه ولي الله في بيان أفضلية الشّيخين:

« وأمّا أفضليّتهم المطلقة من جهة وجود الخصائل الأربع فيهم فثابتة بالأحاديث الكثيرة، منها: حديث عمرو بن العاص - وهو الحديث الثاني والأربعون من أحاديث هذا المسلك - فعن عمرو بن العاص: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته. فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة فقلت: من الرجال؟! فقال: أبوها. قلت: ثمّ من؟ قال: عمر بن الخطاب.

وذلك كناية عن الأفضلية المطلقة »(٢) .

وقال أيضاً: « إنّ من ضروريات الدين أن الغرض من العبادات والطاعات وأشغال الصّوفية وغيرهم ليس إلّا حصول القرب من الله تعالى، وأن الأنبياء لم يفضلوا على غيرهم، والأولياء لم يتقدموا على غيرهم، إلّا من جهة قربهم عند

____________________

(١). طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ١٨٧.

(٢). إزالة الخفا عن سيرة الخلفا - مبحث أفضلّية الشيخين.

١٩٩

الله. ولمـّا كان الشيخان أحبّ إلى رسول الله من سائر الصّحابة كانا أحقّ بالخلافة من غيرهما.

أمّا المقدّمة الأُولى: فللحديث المستفيض عن عائشة: قيل لها: أيّ أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أحبّ إليه؟ قال: أبو بكر ثمّ عثمان. وعن عمرو بن العاص قال: عائشة. ومن الرجال أبوها ثمّ عمر. وعن أنس مثله.

والمراد من « الأحب » هنا هو « الأقرب منزلة » بدليل قول عائشة: لو كان مستخلفاً لاستخلف أبا بكر ثمّ عمر.

وأمّا المقدّمة الثانية: فلأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ينطق عن الهوى، وأنّ حبّه بالخصوص لم يكن عن هوى. فالأحبيّة تدل على أفضلية الشيخين »(١) .

وقال أيضاً في الوجوه الدالّة على أفضلية الشيخين: « النوع الخامس عشر: كون الصدّيق أحبّ من سائر الصّحابة، فعن عائشة عن عمر بن الخطاب قال: أبو بكر سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أخرجه الترمذي. ومن حديث ابن عباس(٢) ، عن عمر في قصّة البيعة نحوه. رواه الترمذي »(٣) .

فهل يبقى ريب لمنصف أو مجال لتعنّت متعصّب في أنّ الأحبيّة تستلزم الأفضليّة؟

وقال ( الدهلوي ) كما في ( مجموعة فتاواه ):

« فائدة - كثرة المحبّة الدينيّة لها معنيان، الأوّل: أنْ يعتقد المحبّ في محبوبه زيادةً في الاُمور الدينية. وهذا المعنى يستلزم ألبتّة اعتقاده

____________________

(١). إزالة الخفا عن سيرة الخلفا - مبحث أفضلّية الشيخين.

(٢). هنا وهم بيّن فإنّ البخاري إنّما روى نحو تلك الألفاظ في مناقب أبي بكر في ضمن قصة البيعة المرويّة عن عروة، عن ابن عباس، عن عمر من هذه الألفاظ شيء إلّا قول عمر: إنّه كان من خيرنا حين توفى الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٣). قرة العينين في تفضيل الشيخين - النوع الخامس عشر من فضائل أبي بكر.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460