نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار8%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 304941 / تحميل: 6520
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بأفضليّته. والثاني: أن يكون حصل المحبّ من محبوبه نفع ديني عظيم لم يصل إليه من غيره. وهذا المعنى لا يستلزم اعتقاده الأفضلية، لأنّ هذه المحبّة موجودة بين كلّ شيخٍ ومريده، وكلّ تلميذ وأُستاذه، مع أنّه لا يعتقد تفضيله ».

ومن الواضح أنّ محبة الله ورسوله ليست إلّا من القسم الأول حيث الأحبيّة تستلزم الأفضلية كما اعترف ( الدهلوي ). فالحمد لله الذي أجرى الحقّ على لسانه، وأظهر صحّة استدلال الإماميّة بحديث الطّير من قبله.

وتفيد كلمات بعض الأساطين المحقّقين دلالة الأحبيّة على الأفضليّة:

قال أبو حامد الغزالي:

« بيان محبّة الله للعبد ومعناها: إعلم أنّ شواهد القرآن متظاهرة على أنّ الله تعالى يحب عبده، فلا بدَّ من معرفة معنى ذلك. ولنقدّم الشواهد على محبّته، فقد قال الله تعالى:( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) . وقال تعالى:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ) . وقال تعالى:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) . ولذلك ردَّ سبحانه على من ادّعى أنّه حبيب الله فقال:( قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ) .

وقد روى أنس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: إذا أحب الله تعالى عبداً لم يضره ذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. ثمّ تلى:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) . ومعناه: إنّه إذا أحبّه تاب عليه قبل الموت فلم تضره الذنوب الماضية وإن كثرت، كما لا يضر الكفر الماضي بعد الإسلام، وقد اشترط الله تعالى للمحبّة غفران الذنب فقال:( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإِيمان إلّا من يحب.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبّر وضعه الله، ومن أكثر ذكر الله أحبّه الله

٢٠١

وقالعليه‌السلام : قال الله تعالى: لا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتّى أُحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به. الحديث.

وقال زيد بن أسلم: إنّ الله ليحبّ العبد حتى يبلغ من حبّه له أن يقول: إعمل ما شئت فقد غفرت لك.

وما ورد من ألفاظ المحبّة خارج عن الحصر.

وقد ذكرنا أنّ محبة العبد لله تعالى حقيقة وليست بمجاز، إذ المحبة في وضع اللّسان عبارة عن ميل النفس إلى الشيء الموافق، والعشق عبارة عن الميل الغالب المفرط

فأمّا حبّ الله للعبد فلا يمكن أن يكون بهذا المعنى أصلا، بل الأسامي كلّها إذا أطلقت على الله تعالى وعلى غير الله لم تطلق عليهما بمعنى واحد أصلا فكلّ ذلك لا يشبه فيه الخالق الخلق، وواضع اللغة إنّما وضع هذه الأسامي أوّلا للخلق، فإنّ الخلق أسبق إلى العقول والأفهام من الخالق، فكان استعمالها في حقّ الخالق بطريق الاستعارة والتّجوز والنقل

ولذلك قال الشيخ أبو سعيد الميهني رحمه ‌الله تعالى لمـّا قرئ عليه قوله تعالى( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) فقال: بحق يحبّهم، فإنه ليس يحبّ إلّا نفسه على معنى أنّه الكلّ، وأن ليس في الوجود غيره، فمن لا يحبّ إلّا نفسه وأفعال نفسه وتصانيف نفسه فلا يجاوز حبّه وتوابع ذاته من حيث هي متعلقة بذاته، فهو إذا لا يحبّ إلّا نفسه.

وما ورد من الألفاظ في حبّه لعباده فهو مأوّل، ويرجع معناه إلى كشف الحجاب عن قلب عبده، فهو حادث يحدث بحدوث السبب المقتضي له، كما قال تعالى: لا يزال عبدي [ العبد ] يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه. فيكون تقرّبه بالنوافل سببا لصفاء باطنه وارتفاع الحجاب عن قلبه وحصوله في درجة القرب من ربّه. فكلّ ذلك فعل الله تعالى ولطفه به، فهو معنى حبّه

والقرب من الله في البُعد من صفات البهائم والسباع والشياطين،

٢٠٢

والتخلّق بمكارم الأخلاق التي هي الأخلاق الإِلهية، فهو قرب بالصّفة لا بالمكان

فإذاً، محبّة الله للعبد تقريبه من نفسه بدفع الشواغل والمعاصي عنه وتطهير باطنه عن كدورات الدنيا، ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنّه يراه »(١) .

أقول : إذا كان هذا حال من أحبّه الله فيكف يكون حال أحبّ الخلق إلى الله؟ وهل تحصل المراتب الحاصلة لأحبّ الخلق إلى الله لغيره؟ وهل يكون أحد في الفضيلة في مرتبة أحبّ الخلق إلى الله؟ أفلا تدلّ الأحبيّة إليه على الأفضلية عنده؟

وقال القاضي عياض:

« وأصل المحبّة الميل إلى ما يوافق المحبّ، ولكن هذا في حقّ من يصحّ الميل منه والانتفاع بالوفق، وهي درجة المخلوق. فأمّا الخالق - جلّ جلاله - فمنزّه عن الأعراض، فمحبّته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أسباب القرب وإفاضة رحمته عليه، وقصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه وينظر إليه ببصيرته، فيكون كما قال في الحديث: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ولا ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرّد لله والانقطاع إلى الله والإِعراض عن غير الله وصفاء القلب لله وإخلاص الحركات لله»(٢) .

إذا، الأحبيّة سبب الأفضليّة

____________________

(١). إحياء علوم الدين ٤ / ٣٢٧ - ٣٢٨.

(٢). الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ٣ / ٣٧٢.

٢٠٣

وقال النووي:

« ومحبّة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه، وتيسير ألطافه وهدايته، وإفاضة رحمته عليه. هذه مباديها. وأمّا غايتها فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته، فيكون كما قال في الحديث الصحيح: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره »(١) .

وقال الاسكندري:

« قال الشيخ أبو الحسن: المحبّة أخذة من الله لقلب عبده عن كلّ شيء سواه، فترى النفس مائلةً لطاعته والعقل متحصّناً بمعرفته، والروح مأخوذة في حضرته، والسرّ مغموراً في مشاهدته، والعبد يستزيد فيزاد ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته، فيكسى حلل التقريب على بساط القربة، ويمسّ أبكار الحقائق وثّيبات العلوم، فمن أجل ذلك قالوا: أولياء الله عرائس الله ولا يرى عرائس الله المجرمون »(٢) .

فهذه مراتب من أحبّه الله، فكيف إذا بلغت هذه المراتب أقصاها وأعلاها بسبب كون العبد أحبّ الخلائق بأجمعها عند الله عزّ وجلّ؟! إنّ هذا يدلّ على الأفضليّة والأكرميّة بلا ريب ولا شبهة.

وقال الفخر الرازي:

بتفسير قوله تعالى:( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٣) :

____________________

(١). المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ١٥ / ١٥١.

(٢). لطائف المنن: ٣٨.

(٣). سورة آل عمران: ٣١.

٢٠٤

« والمراد من محبّة الله تعالى له إعطاؤه الثواب »(١) .

وعليه، فالأحبيّة إلى الله عزّ وجلّ تستلزم الأكثرية في الثواب، وهذه هي الأفضلية بلا شبهة وارتياب

في حديثٍ نبوي

ولو أنّ المتعصّبين والمتعنتين لم يقنعوا بما ذكرنا عن أكابر علمائهم فإنّا نستشهد بحديث يروونه في كتبهم المعتبرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...

« عن أُسامة قال: كنت جالساً إذ جاء علي والعباس يستأذنان، فقالا لأُسامة: استأذن لنا على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقلت: يا رسول الله، علي والعباس يستأذنان. فقال: أتدري ما جاء بهما؟ قلت: لا، فقال: لكني أدري. ائذن لهما. فدخلا. فقالا: يا رسول الله جئناك نسألك أيّ أهلك أحبّ إليك؟ قال: فاطمة بنت محمّد. قالا: ما جئناك نسألك عن أهلك قال: أحبّ أهلي إليّ من قد أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أُسامة بن زيد. قالا: ثمّ من؟ قال: ثمّ علي بن أبي طالب. فقال العباس: يا رسول الله جعلت فداك عمّك آخرهم؟ قال: إنّ علياً سبقك بالهجرة. رواه الترمذي »(٢) .

فظهر أنّ الأحبيّة عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس لميلٍ شخصي وهوى نفسي منه، بل إنّ ملاكها الفضائل والجهات الدينيّة، ولمـّا كان عليعليه‌السلام الأحبّ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتضى حديث الطير، فهو متقدم على جميع الخلائق في الكمالات الدينية والفضائل المعنويّة، فيكون الأفضل من الجميع. وأمّا تقديم أُسامة عليه في هذا الحديث فلا يضرّ بالإِستدلال، لأنّ هذا من متفردّات أهل السنّة، فلا يكون حجة على الإِماميّة.

____________________

(١). التفسير الكبير ٨ / ١٨.

(٢). مشكاة المصابيح ٣ / ١٧٤٠.

٢٠٥

الأحبيّة دليل الأحقيّة بالخلافة في رأي عمر

وبعد، فمن الضروري أن ننقل هنا ما يروونه عن عمر بن الخطاب، الصريح في دلالة الأحبيّة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأحقيّة بالخلافة عنه فقد روى البخاري قائلاً:

« حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدّثني سليمان بن بلال، عن هشام ابن عروة، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وأبو بكر بالسنح - قال إسماعيل يعني بالعالية - واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الاُمراء وأنتم الوزراء. فقال عمر: نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فبايعه. فبايعه الناس »(١) .

فالأحبيّة المزعومة عند عمر تدل على الأحقيّة بالخلافة، فلم لا تكون الأحبيّة الثابتة باعتراف الخصوم - بمقتضى حديث الطّير - دالة على ذلك؟!

حبّ الله حقّاً دليل الأحقيّة بالخلافة عند عمر

بل إنّ « حبّ الله حقاً » دليل الأحقيّة بالخلافة عنده أنظر إلى ما يرويه أبو نعيم: « حدّثنا أبو حامد بن جبلة، نا محمّد بن إسحاق الثقفي السرّاج، نا محمود بن خداش، نا مروان بن معاوية، نا سعيد قال: سمعت شهر بن حوشب يقول: قال عمر بن الخطاب: لو استخلفت سالما مولى أبي حذيفة، فسألني عنه ربّي ما حملك على ذلك لقلت: ربّي سمعت نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول: إنّه يحبّ الله حقّاً من قلبه »(٢) .

____________________

(١). صحيح البخاري ٥ / ٧ - ٨.

(٢). حلية الأولياء ١ / ١٧٧.

٢٠٦

ورواه الطبري وابن الأثير باللفظ الآتي:

« لمـّا طعن عمر قيل له: لو استخلفت! فقال: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته وقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: أبو عبيدة أمين هذه الاُمة. ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته وقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك إنّ سالماً شديد الحبّ لله »(١) .

____________________

(١). تاريخ الطبري ٤ / ٢٢٧، الكامل ٣ / ٦٥

٢٠٧

٢٠٨

إبطال حُملِ الأحبّية من الخلق

على خصوص الأحبّية في الأكل مع النبيّ

٢٠٩

٢١٠

قوله:

« إذ القرينة تدلّ على أنّ المراد هو أحبّ الناس في الأكل مع النبيّ ».

أقول:

١ - إنّه خلاف الظّاهر

إنّ هذا الحمل خلاف الظّاهر فإنّ كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهر في أنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إليه مطلقاً، والحمل المذكور تأويل لا وجه له، وهو غير جائز.

وقد نصّ ( الدهلوي ) في أوّل كتاب ( التحفة ) على أنّ مذهب أهل السنّة هو الأخذ بظواهر كلمات المرتضى - لا حملها على التقيّة وغيرها - كما هو الحال بالنسبة إلى كلام الله عزّ وجلّ وكلام الرسول، وعليه، فيجب الأخذ بما ورد عن المرتضى في تفضيل بعض الأصحاب على نفسه.

هذا كلامه، وهو كاف لإِبطال جميع ما ورد عنه وعن غيره من أسلافه وأتباعه من التأويل لهذا الحديث الشريف وغيره من الأحاديث الواردة في إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ولله الحمد على ذلك.

٢١١

٢ - لو كان المراد ذلك لم يجز إطلاق أفعل التفضيل

فهذا الكلام الصادر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلق، ولو كان المراد الأحب في خصوص الأكل - لا مطلقاً - كان الكلام غلطاً مستبشعاً، لانّ إطلاق أفعل التفضيل بلحاظ بعض الحيثيّات غير المعتد بها غير جائز، إذْ لو جاز ذلك لزم أنْ يكون العالِم بمسألةٍ جزئيّةٍ واحدةٍ من مسائل الوضوء « أعلم» أو « أفقه » ممّن اتفّق جهله بها، وهو عالم بما سواها من مسائل الوضوء بل الطّهارات كلها بل سائر الأبواب الفقهية وهذا بديهيّ البطلان

وأيضاً: لو كان معظم أعضاء بدن زيد أجمل من عمر إلّا عضواً واحداً من عمر وكإصبعه مثلاً فكان أجمل فإنّه لا يستريب عاقل في بطلان قول القائل: عمر وأجمل من زيد.

إذن، لا يجوز رفع اليد عن الإِطلاقات بلحاظ هكذا حيثيّات في شيء من الكلمات، فكيف بكلمات الشارع المقدّس، فإنّ إرادة مثل هذه الحيثيّات من الإِطلاقات أشبه بالألغاز

٣ - لو جاز لزم تفضيل غير الأنبياء على الأنبياء

ولو جاز إطلاق أفعل التفضيل بلحاظ بعض الْأُمور غير المعتبرة في التفضيل لزم جواز تفضيل من اخترع صناعةً أو اكتشف علماً مثلاً على الأوصياء والأنبياء المرسلين وأنْ لا يكون مثل هذا من التعريض وسوء الأدب لكنّ شناعة هذا واضح لدى المميّزين من الأطفال فضلاً عن أرباب الأدب والكمال ولا نظنّ بأحدٍ من أهل السنّة الإِلتزام بجوازه، وكيف يظنّ بهم ذلك وهم يوجبون الضرب الشديد والحبس الطويل على من أقرّ على قول من عرّض بابنة أبي بكر؟ قال السّيوطي:

« أفتى أبو المطرف الشعبي في رجلٍ أنكر تحليف امرأة باللّيل قال: ولو

٢١٢

كانت بنت أبي بكر الصدّيق ما حلفت إلّا بالنهار. وصوّب قوله بعض المتسمّين بالفقه. فقال أبو المطرف: ذكر هذا لابنة أبي بكر رضي الله عنها يوجب عليه الضّرب الشديد والحبس الطويل، والفقيه الذي صوّب قوله هو أحقّ باسم الفسق من اسم الفقه، فيتقدم إليه في ذلك ويؤخر ولا يقبل فتواه ولا شهادته، وهي جرحة تامة، ويبغض في الله »(١) .

فإذا كان هذا فيمن لم يسب ولم يعرض بل أقرّ على قول من عرّض، فما ظنّك بمن عرّض أو صرّح بالسب، والغرض من هذا كلّه تقرير أنّه فاسق مرتكب لعظيم من الكبائر، لا مخلص له إلى العدالة بسبيل.

٤ - إذا جاز رفع اليد عن الإِطلاق لجاز فيما رووه عن ابن العاص

وإذا جاز حمل « الأحبّ المطلق » على « الأحب بالمعنى الخاص » مثل « الأحبّ في الأكل» ونحو ذلك جاز للإِماميّة أن تقول بأنّ المراد من أحبيّة أبي بكر وعمر - فيما رواه أهل السنّة عن عمرو بن العاص، وبالنظر إليه حمل ابن حجر والمحبّ الطبري الأحبيّة في حديث الطّير على المحمل المذكور وسيأتي الكلام على ذلك - هو « الأحبيّة في اللّعن » بقرينة ما أخرجه البخاري: « اللّهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً ».

أو « الأحبيّة في ترك الإِستخلاف » بقرينة ما رواه الشبلي في ( آكام المرجان ) عن ابن مسعود، الظّاهر في إعراض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن استخلاف الشيخين.

أو « الأحبيّة في ترك النفاق والرجوع إلى الإِيمان الخالص وتطهير قلوبهم من البغض والحسد لأهل البيت » هذا الحسد الذي ظهر من الشيخين فيما تكلّما به في قضية النجوى، وغير ذلك.

____________________

(١). إلقام الحجر - مخطوط.

٢١٣

أو « الأحبيّة في الهلاك حتى لا تنعقد سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبيّ ».

وأمثال ذلك من وجوه الحمل والتأويل

إذن خلق هذا الإِحتمال في حديث الطّير يفتح الباب لتوجّه ما ذكرناه إلى الحديث الذي اختلقوه في أحبيّة الشيخين، فيكون مصداقاً لقوله تعالى:( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ) .

٥ - أفعل التفضيل بمعنى الزيادة في الجملة غير وارد قط

هذا، وقد نصّ على عدم جواز إطلاق « أفعل التفضيل » وإرادة معنى « الزيادة في الجملة » المحقّقون من أهل السنّة، بل نصّ بعضهم على أنّ هذا غير وارد في اللّغة والعرف قطّ فقد قال القوشجي في شرح قول المحقق الطّوسي: « وعلى أكرم أحبّائه » قال:

« أي: آله وأصحابه الذين هم موصوفون بزيادة الكرم على من عداهم ». ثمّ قال القوشجي:

« قيل: لم يرد به معيّناً بل ما يتناول متعدداً، أعني من اتصّف من محبوبيّة بزيادة الكرم في الجملة.

وفيه نظر، لأنّ أفعل التفضيل إذا اُضيف فله معنيان، الأوّل - وهو الشائع الكثير - أنْ يقصد به الزيادة على جميع ما عداه ممّا اُضيف إليه. والثاني: أن يقصد به الزيادة مطلقاً لا على جميع ما عداه ممّا اُضيف إليه. وهو بالمعنى الأوّل يجوز أن يقصد بالمفرد منه المتعدد، دون المعنى الثاني. وأمّا أفعل التفضيل بمعنى الزيادة في الجملة فلم يردّ قط »(١) .

إذن، ليس « الأحبّ » في حديث الطّير بمعنى « الأحبّ في الجملة » بل هو الأحبّ على طريقة العموم والإِستغراق، فبطل التأويلات السّخيفة التي

____________________

(١). القوشجي على التجريد: ٣٧٩.

٢١٤

اخترعها أرباب الشّقاق.

وقال صدر الدين الشيرازي في الردّ على التوّهم المذكور:

« وأيضاً: لو كان معناها - أي معنى صيغة التفضيل - ذلك - أي الزيادة في الجملة - فإذا قال سائل: أيّ ابنيك أعلم؟ يصحّ أن يجاب بكليهما. والعارف باللّسان لا يشك في عدم جواز هذا الجواب.

فتبيَّن أن معناها ليس على ما ظنّه، وإصراره على ذلك أدلّ دليل »(١) .

٦ - إختلاف المسلمين في الأفضليّة دليل على عدم الجواز

ثمّ إنّ المسلمين مختلفون في أفضليّة بعض الصّحابة من بعض وهذا واضح ولو كانت الأفضليّة في الجملة جائزة وصحّ إطلاق « الأفضل » وإرادة الأفضليّة من بعض الجهات والوجوه، لانتفى الخلاف وهذا ممّا استدل به صدر الّدين الشيرازي على عدم الجواز حيث قال:

« ثمّ اختلف المسلمون في أفضليّة بعض الصّحابة على بعض، فذهب أهل السنّة إلى أنّ أبا بكر أفضلهم، وأثبتوا ذلك بوجوه مذكورة في موضعها، وبنوا على إثبات ذلك أنّ غيره من الصّحابة ليس أفضل منه، ومنعوا إطلاق الأفضل على غيره منهم.

وذهب الشيّعة إلى أنّ عليّاً أفضلهم، وأثبتوا ذلك بما لهم من الدلائل، وبنوا على إثبات ذلك أنّ غيره من الصّحابة ليس أفضل منه، ومنعوا أنْ يطلق الأفضل على آخر من الصحابة.

واستمرّ الخلاف بينهما، وفي كل من الطائفتين علماء كبار عارفون باللغة حقّ المعرفة، فلو كان معنى الصيغة ما ظنّه هذا القائل لصحّ أن يكون كل واحد منهما أفضل من الآخر، ولم يتمشّ هذا الخلاف والبناء والمنع.

____________________

(١). الحاشية على القوشجي على التجريد - مبحث الامامة.

٢١٥

وكيف يجوز أنْ يكون معناها ذلك ولم يتنبّه به أحد من هذه الجماعات الكثيرة، ونفي الخلاف والبناء والمنع المذكورة بين الطائفتين من قريب ثمانمائة سنة »(١) .

وعليه، فإنّه لمـّا ثبت « أحبيّة » أمير المؤمنينعليه‌السلام من حديث الطّير والأحاديث الكثيرة غيره، كان إطلاق « الأحبّ » على غيره غير جائز، وبذلك أيضاً يسقط التأويل المذكور، كما يسقط ما وضعوه في « أحبيّة » غيره عليه الصلاة والسلام.

٧ - شواهد عدم الجواز في أخبار الصّحابة وأقوالهم

ولِما ذكرنا من عدم جواز إطلاق « أفعل التفضيل » على « المفضول »، وبطلان حمل « أفعل التفضيل » على « الأفضلية الجزئيّة غير المعتنى بها » شواهد في أقوال الصّحابة والآثار المنقولة عنهم وإليك بعض ذلك:

* قال الغزّالي: « وروي عن ضبّة بن محصن العنزي قال: كان علينا أبو موسى الأشعري أميراً بالبصرة، فكان إذا خطبنا حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنشأ يدعو لعمررضي‌الله‌عنه . قال: فغاظني ذلك منه، فقمت إليه فقلت له: أين أنت من صاحبه تفضّله عليه؟ فصنع ذلك جمعاً.

ثمّ كتب إلى عمر يشكوني يقول: إنّ ضبّة بن محصن العنزي يتعرّض لي في خطبتي.

فكتب إليه عمر أن أشخصه إليَّ.

قال: فاشخصني إليه، فقدمت فضربت عليه الباب، فخرج إليَّ فقال: من أنت؟ فقلت: أنا ضبّة بن محصن العنزي. قال فقال لي: فلا مرحباً ولا

____________________

(١). الحاشية على شرح القوشجي على التجريد - مبحث الامامة.

٢١٦

أهلاً. قلت: أما المرحب فمن الله. وأما الأهل فلا أهل لي ولا مال، فبماذا استحللت - يا عمر - إشخاصي من مصري بلا ذنب أذنبته ولا شيء أتيته؟

فقال: ما الذي شجر بينك وبين عاملي؟ قال قلت: الآن أخبرك به، إنّه كان إذا خطبنا

قال: فاندفع عمر -رضي‌الله‌عنه - باكياً وهو يقول: أنت - والله - أوفق منه وأرشد، فهل أنت غافر لي ذنبي، يغفر الله لك؟

قال: قلت: غفر الله لك يا أمير المؤمنين.

قال: ثمّ اندفع باكياً وهو يقول: والله لليلة أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، فهل لك أن احدّثك بليلته ويومه؟

قلت: نعم.

قال: أمّا اللّيلة، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا أراد الخروج من مكّة هاربا من المشركين، خرج ليلا، فتبعه أبو بكر فهذه ليلته. وأمّا يومه، فلمـّا توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتدّت العرب

ثمّ كتب إلى أبي موسى يلومه »(١) .

فإنّ هذا الخبر يفيد أنّه - بالإِضافة إلى عدم جواز إطلاق صيغة أفعل التفضيل على المفضول، وإلى بطلان حمل أفعل التفضيل على الأفضليّة غير المعتنى بها - لا يجوز الفعل أو الترك المشعر بتفضيل المفضول على الفاضل، وأنّه لا يجوز تأويل ذلك بإرادة التفضيل من بعض الوجوه، وإلّا لما توجّه غيظ ضبّة ولا لوم عمر على أبي موسى الأشعري، بل كان على عمر أن يذكر الوجوه الجزئيّة التي يكون بها أفضل من أبي بكر، فيحمل ما كان يصنعه أبو موسى على ذلك.

* وروى المتقي: « عن ضبّة بن محصن العنزي قال قلت لعمر بن

____________________

(١). إحياء العلوم ٢ / ٢٤٤.

٢١٧

الخطّاب: أنت خير من أبي بكر؟

فبكى وقال: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر عمر. هل لك أنْ أحدّثك بليلته ويومه؟

قلت: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: أمّا ليلته، فلمـّا خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هارباً وأمّا يومه، فلمـّا توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارتدّ العرب

الدينوري في المجالسة، وأبو الحسن ابن بشران في فوائده، وق في الدلائل، واللّالكائي في السنّة»(١) .

ولو كان يجوز أن يقال « عمر خير من أبي بكر » ويراد « أنّه خير منه من بعض الوجوه » لمـّا « بكى عمر » فقدّم وفضّل ليلة أبي بكر ويومه على « عمر عمر »!! بل كان له إثبات أفضليته من أبي بكر من بعض الوجوه أمثال « الشدّة » و « الغلظة » و « الفظاظة »!!

* وروى المتّقي قال: « جبير بن نفير - إن نفراً قالوا لعمر بن الخطاب: والله ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقول بالحقّ، ولا أشدّ على المنافقين، منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال عوف بن مالك: كذبتم، والله لقد رأينا خيراً منه بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال: من هو يا عوف؟

فقال: أبو بكر.

فقال عمر: صدق عوف وكذبتم والله، لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضلّ من بعير أهلي.

____________________

(١). كنز العمال ١٢ / ٤٩٣ رقم: ٣٥٦١٥.

٢١٨

أبو نعيم في فضائل الصحابة. قال ابن كثير: إسناده صحيح »(١) .

ومن الواضح أنه لو جاز إطلاق أفعل التفضيل ببعض الوجوه عير المعتبرة، كان الواجب حمل قول القائلين لعمر: « أنت خير الناس بعد رسول الله » على تلك الوجوه، فلا يقول عوف وعمر لهم: « كذبتم والله ».

* وروى المتقي: « عن عمر قال: خير هذه الاُمة بعد نبيّها: أبو بكر، فمن قال غير هذا بعد مقامي هذا فهو مفتر، وعليه ما على المفتري. اللالكائي »(٢) .

ولو جاز التفضيل بلحاظ وجه غير معتبر لما حكم عمر على من فضّله على أبي بكر بما حكم

* وروى المتقي: « عن زياد بن علاقة قال: رأى عمر رجلاً يقول: إنّ هذا لخير الاُمّة بعد نبيّها. فجعل عمر يضرب الرّجل بالدّرة ويقول: كذب الآخر، لأبو بكر خير منّي ومن أبي ومنك ومن أبيك. خيثمة في فضائل الصّحابة »(٣) .

فلو جاز إطلاق ألفاظ التفضيل - ولو بلحاظ بعض الوجوه - لَما فعل عمر ذلك قطعاً.

* وقال أبو إسماعيل محمّد بن عبد الله الأزدي في أخبار وقعة فحل « فأرسلوا إلى أبي عبيدة أن أرسل إلينا رجلاً من صلحائكم نسأله عمّا تريدون وما تسألون وما تدعون إليه، نخبره بذات أنفسنا وندعوكم إلى حظّكم إن قبلتم. فأرسل إليهم أبو عبيدة معاذ بن جبل، فأتاهم على فرس له، فلمـّا دنا منهم نزل عن فرسه وأخذ بلجامه، ثمّ أقبل إليهم يقود فرسه فقالوا لبعض غلمانهم: إنطلق إليه فأمسك فرسه، فجاء الغلام ليمسك له دابّته، فقال معاذ: أنا أمسك فرسي،

____________________

(١). كنز العمال ١٢ / ٤٩٧.

(٢). كنز العمال ١٢ / ٤٩٦.

(٣). كنز العمال ١٢ / ٤٩٥.

٢١٩

لا أُريد أنّ يمسكه أحد غيري، فأقبل يمشي إليهم، فإذا هم على فرش وبسط ونمارق ثمّ أمسك برأس فرسه وجلس على الأرض عند طرف البساط.

فقالوا له: لو دنوت فجلست معنا كان أكرم لك، إنّ جلوسك مع هذه الملوك على هذه المجالس مكرمة لك، وإنّ جلوسك على الأرض متنحياً صنيع العبد بنفسه، فلا نراك إلّا قد أزريت بنفسك.

فأخبره الترجمان بمقالتهم، فجثا معاذ على ركبتيه واستقبل القوم بوجهه وقال للترجمان: قل لهم

فلمـّا فسّر هذا الترجمان لهم نظر بعضهم إلى بعض وتعجّبوا ممّا سمعوا منه وقالوا لترجمانهم: قل له أنت أفضل أصحابك.

فقال معاذ عند ذلك: معاذ الله أن أقول ذلك، وليتني لا أكون شرّهم »(١) .

ولو كان إطلاق صيغة التفضيل على المفضول بلحاظ بعض الحيثيّات جائزاً، لما استنكر معاذ قولهم: « أنت أفضل أصحابك » قطعاً.

٨ - لو كان مراد النبيّ « الأحب في الأكل » لصرّح به

وبعد، فإنّه لو كان مراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصّة الطير طلب أحب الخلق إليه في الأكل لصرّح به، إذ كان يمكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ يقول: اللّهم ائتني بالأحبّ في الأكل. لكنّه لم يقل هكذا بل قال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطائر.

إن تركهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك العبارة المختصرة، وقوله هكذا، يدلّ بكلّ وضوح وصراحة على معنى فوق الأحبيّة في الأكل، وليس ذلك إلّا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد إثبات أنّ الرجل الذي يطلبه أحبّ الخلق إلى الله وإلى رسوله على الإِطلاق والعموم وإلّا فما وجه العدول عن

____________________

(١). فتوح الشام - ذكر وقعة فحل.

٢٢٠

الجملة المختصرة الدالّة على المقصود إلى جملة طويلة غير واضحة الدلالة عليه؟!

النكات واللّطائف فيما قاله النبيّ ودعا به

لكنّ دعائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك » . من جوامع كلمه وسواطع حكمه، فيه لطائف ونكت رفيعة، وهي بمجموعها تدلّ على اهتمام منه بليغ بإظهار علوّ مقام أمير المؤمنينعليه‌السلام في ذلك المقام:

١ - خطابه الباري عزّ وجلّ ونداؤه إيّاه باسم ذاته « الله » الذي هو أحبّ الأسماء إليه.

٢ - قوله: « اللّهم » دون « يا الله » إذ في الأول دلالة على التفخيم والتعظيم ليست هي في الثاني، لاشتماله على شدّتين ليستا في « يا الله ». وهذه النكتة نظير النكتة في اختيار ضم الضمير المجرور في قوله تعالى:( عَلَيْهُ اللهَ ) .

٣ - في « اللّهم » نكتة أُخرى ليست في « يا الله »، هي أنّ الميم عوض حرف النداء، فدلّت الكلمة على النداء لله سبحانه مع الابتداء باسمه العظيم، بخلاف « يا الله ». ومن الواضح أنّ الابتداء باسمه أدخل في التعظيم والتبرّك.

٤ - في أكثر طرق الحديث لفظ « ائتني ». وإنّما اختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا اللّفظ على « أرسل إليَّ» و « أبعث إليَّ » ونحوهما لما في « الإِتيان » - مع تعديته بالباء - من الدّلالة على مزيد العناية والاحتفال بشأن المأتيّ به، فكأن المرسل مصاحب للمأتيّ به، كما عن المبرّد في معنى: « ذهب فلان بزيد » أنّه يدّل على مصاحبة الفاعل للمفعول به، لأنّ الباء المعديّة عنده بمعنى مع.

٥ - قوله: « إئتني » دون « ائت » ليدلّ على أنّ مطلوبه حضور أحبّ الخلق عنده، لا مطلق إتيان أحبّ الخلق.

٢٢١

٦ - إختياره لفظ « الأحب » على غيره من الألفاظ الدالّة على التفضيل والتّرجيح لأنّ كثرة محبّة الله تعالى لشخصٍ تدلّ على جمعه لجميع صفات الكمال والمجد والعظمة، لأنّ مقام المحبّة أعلى المقامات وأسنى الدرجات.

٧ - « الأحب » هو « الأكثر محبوبية » فأمير المؤمنينعليه‌السلام أشدّ الخلق حباً لله، لأنّ « المحبوبية » فرع « المحبيّة » قال الله تعالى:( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) .

٨ - أضاف لفظة « أحب » إلى « الخلق » ليدلّ بصراحة على أنّ عليا أحبّ خلق الله، ولو لا إرادة الدّلالة الصرّيحة لا كتفي بأن يقول « الأحب » معرفا باللاّم.

٩ - أضاف كلمة « خلق » إلى ضمير الخطاب حيث قال: « خلقك » ليظهر أنّهعليه‌السلام أحبّ جميع الخلق بحيث كان أهلاً لأن يضاف إلى الحقّ جلّ جلاله والمراد من « الخلق » هو « المخلصون » فهو الأحبّ من غير المخلصين بالأولويّة.

١٠ - لفظة « الخلق » اسم جنس. واسم الجنس المضاف يفيد العموم، كما نصّ عليه أكابر العلماء، فالمراد: جميع الخلق المخلصين.

١١ - إتيانه بكلمة « إليك » هو لغرض إفادة الدّلالة الصريحة، وإلّا لكانت مقدرّة أو كانت الدّلالة على أحبيّته إلى الله بالالتزام، لأنّه مع وجود « إليّ » يكون الأحب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن كان أحبّ إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو أحبّ إلى الله تعالى بالالتزام.

١٢ - أضافصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفظ « وإلى رسولك » أو « وإليّ » ليصرّح وينصّ على أن عليّاً أحبّ الخلق إليه، وإن كان في قوله « إليك » كفاية، لأنّ « الأحبّ إلى الله » هو « الأحبّ إلى الرسول» قطعاً فهو إذن، « الأحبّ إلى النبيّ » بالدّلالتين.

١٣ - إنّه لم يذكر لـ « أحبّ » متعلَّقاً خاصّاً، ليدل على عموم أحبيّته

٢٢٢

وشمولها لجميع الأنواع والأقسام والأصناف، لأنّ حذف المتعلَّق في مقام البيان دليل العموم

١٤ - قوله « يأكل معي من هذا الطائر » لإثبات أنّ سبب طلبه للأكل معه هو أحبيّته إلى الله ورسوله، وليس أمراً نفسانياً.

١٥ - كلمة « معي » في قوله: يأكل معي من هذا الطائر، لإفادة أنّ علياعليه‌السلام لا يأكل الطائر بانفراد، بل إنّه لمـّا كان الغرض من الطّلب للأكل إظهار شأن علي ومنزلته عند الله ورسوله فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوف يشاركه في الأكل من الطير، ليكشف عن سببيّة مقاماته المعنوية ومراتبه الدينيّة وقربه من الله ورسوله لطلب حضوره والمؤاكلة معه.

٩ - قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحبّ الخلق إليك » يكذّب الحمل المذكور

وأيضاً: لو كان المراد هو « الأحبّ في الأكل » لم يكن لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أحبّ الخلق إليك » معنى، لأنّ « الأحبيّة في الأكل » ميل طبعي، وذلك محال في صفة الله تعالى، كما سبق في كلام الغزالي بل هذه الأحبيّة هي الثواب ورفعة المقام والمرتبة. وقال السيّد المرتضى:

« قد قال السائل: هب أنا سلّمنا صحة الخبر، ما أنكرت أنْ لا يفيد ما ادّعيت من فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام على المجاعة، وذلك أن معنى فيه: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي يريد: أحبّ الخلق إلى الله تعالى في الأكل معه، دون أن يكون أراد أحبّ الخلق إليه في نفسه لكثرة أعماله، إذ قد يجوز أن يكون الله تعالى يحبّ أن يأكل مع نبيّه من هو غير أفضل، ويكون ذلك أحبّ إليه للمصلحة.

٢٢٣

فقال الشيخ أيّده الله(١) : هذا الذي اعترضت به ساقط، وذلك أن محبّة الله تعالى ليست ميل الطباع وإنّما هي الثواب، كما أنّ بغضه وغضبه ليستا باهتياج الطباع وإنّما هما العقاب. ولفظ أفعل في أحبّ وأبغض لا يتوجه إلّا ومعناهما من الثواب والعقاب، ولا معنى على هذا الأصل لقول من زعم أنّ أحبّ الخلق إلى الله يأكل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توجه إلى محبّة الأكل والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل، لأنّه يخرج اللفظ ممّا ذكرناه من الثّواب إلى ميل الطباع، وذلك محال في صفة الله تعالى»(٢) .

١٠ - قوله: « بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك »

عن ( كتاب الطير ) قال الحافظ أبو بكر ابن مردويه: « نا فهد بن إبراهيم البصري قال: نا محمّد بن زكريا قال: نا العبّاس بن بكّار الضّبي قال: نا عبد الله ابن المثنى الأنصاري، عن عمّه ثمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك:

إن اُمّ سلمة صنعت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيراً أو أضباعاً فبعثت به إليه، فلمـّا وُضِعَ بين يديه قال: اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي بن أبي طالب فقال له أنس: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، واجتهد النبيّ في الدعاء وقال: اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك. فجاء علي، فقال له أنس: إنّ رسول الله على حاجة. قال أنس: فرفع علي يده فوكز على صدري ثمّ دخل. فلمـّا نظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام قائماً فضمّه إليه وقال: يا ربّ وإليَّ، يا ربّ وإليَّ. ما أبطأ بك يا علي؟ قال: يا رسول الله، قد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس، فرأيت الغضب في وجه رسول الله وقال: يا أنس ما حملك على

____________________

(١). يعني: الشيخ محمّد بن النعمان المفيد البغدادي

(٢). الفصول المختارة: ٦٥.

٢٢٤

ردّه؟ قلت: يا رسول الله، سمعتك تدعو فأحببت أنْ تكون الدّعوة في الأنصار. قال: لست بأوّل رجلٍ أحبَّ قومه، أبى الله - يا أنس - إلّا أن يكون ابن أبي طالب ».

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك » يكذّب الحمل والتأويل المذكور، إذ « الأوجه » في هذا المقام بمعنى « الأفضل على الإِطلاق » ومنه يعلم أنّ « الأحبّ » كذلك فقد دلّ الحديث على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام « أحبّ » و « أوجه » و « أشرف » و « أفضل » جميع « الخلق » عند الله سبحانه - عدا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من الأنبياء والملائكة والناس أجمعين

١١ - قوله: « بخير خلقك »

وعن ( كتاب الطير ) للحافظ أبي نعيم الأصفهاني: « نا علي بن حميد الواسطي، نا أسلم بن سهل، نا محمّد بن صالح بن مهران قال: نا عبد الله بن محمّد بن عمارة قال: سمعت من مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال بعثتني أم سليم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطير مشوي ومعه أرغفة من شعير، فأتيته به فوضعته بين يديه فقال: يا أنس اُدع لنا من يأكل معنا هذا الطير، اللّهم ائتنا بخير خلقك، فخرجت فلم يكن همّي إلّا رجلاً من أهلي آتيه فأدعوه، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب، فدخلت، فقال: أما وجدت أحداً؟ قلت: لا. قال: اُنظر. فنظرت فلم أجد أحداً إلّا عليّاً. ففعل ذلك ثلاث مرّات. فرجعت فقلت: هذا علي بن أبي طالب. فقال: ائذن له، اللّهم وإليَّ، اللّهم وإليَّ »

٢٢٥

١٢ - قوله: « أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليَّ من الأوّلين والآخرين »

وروى ابن المغازلي حديث الطير بإسناده عن أنس بن مالك وفيه: « اللّهم أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليَّ من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي » وقد تقدّم الحديث بتمامه في موضعه من قسم السّند، لكنّنا نذكر هنا متنه مرةً أُخرى:

« عن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشوي - أهدته له امرأة من الأنصار - فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعت ذلك بين يديه. فقال: اللّهم أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليَّ من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر. قال أنس: فقلت في نفسي: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار من قومي. فجاء علي، فطرق الباب فرددته وقلت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متشاغل - ولم يعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك - فقال: اللهم أدخل علىَّ أحبّ الخلق من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر. قلت: اللّهم رجلاً من قومي الأنصار. فجاء علي فرددته. فلمـّا جاء الثّالثة قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قم يا أنس فافتح الباب لعلي. فقمت ففتحت الباب فأكل معه، فكانت الدعوة له »(١) .

وهل بعد هذه الجملة من مجال لتأويل لفظ « الأحبّ » وتقييده؟ لقد ثبت من هذا الحديث - أيضاً - أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى النبيّ - وإلى الله بالملازمة - من جميع الخلق من الأوّلين والآخرين أي حتى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين.

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ١٦٨.

٢٢٦

١٣ - لو كان الغرض تضاعف لذّة الطعام لجاءت إحدى نسائه

إنّه لو كان المقصود حضور أحبّ الخلق في الأكل مع النبيّ حتى يتضاعف لذّة الطعام، لكان مقتضى استجابة هذا الدعاء حضور إحدى زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوضوح حصول الغرض من الدعاء - وهو الالتذاذ المتضاعف من الطعام - بمؤاكلة الزوجة المحبوبة، وأنّه لا يسدّ مسدّها في هذه الناحية أحد من الأولاد فضلاً عن غيرهم.

لكنّ عدم حضور أحد من نسائه - لا سيّما تلك التي يزعمون أنّها أحبّ نسائه بل النساء عامّةً إليه - وكذا عدم حضور فاطمةعليها‌السلام وهي ابنته لو كان الغرض يحصل بمؤاكلة الأولاد، دليل على أنّ غرضه من الدّعاء شيء آخر، وأنّ المقصود من « الأحبّ » ليس « الأحبّ في الأكل »

لقد استجاب الله عزّ وجلّ دعاء نبيّه وحبيبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأحضر عنده أحبّ الخلق إليه وأفضل الناس عنده.

١٤ - صنائع أنس دليل بطلان التأويل

ولو كان المراد مجرّد الأحبيّة في الأكل فلماذا كلّ هذا الإِهتمام من أنس ابن مالك لأنّ يختص بذلك قومه من الأنصار؟ ولماذا منع علياًعليه‌السلام مرة بعد أُخرى من الدخول على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

إنّ كلّ عاقل يلحظ أخبار قصّة الطير وما كان فيها من أنس من كذبٍ واحتيال وتعلّل، يحصل له اليقين الثابت بأنّ الدخول على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الساعة والأكل معه من ذاك الطائر، مرتبة عظيمة ومنزلة رفيعة.

وأيضاً: من الظّاهر جدّاً - بناء على حمل الأحبيّة على الأحبيّة في خصوص الأكل - أنّ الشخص الأحبّ إليه في الأكل ليس إلّا من كان أكثر

٢٢٧

معاشرةً أو أقرب نسباً أو أشدّ أُلفةً من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ومن المعلوم أن الأنصار لم يكونوا حائزين لهذا الشّرف وتلك المرتبة، فكيف يرجو أنس أن يكونوا مصداق دعاء الرسول؟

١٥ - قول أنس: « اللّهم اجعله رجلاً منّا حتى نشرّف به »

وعن ( كتاب الطير ) للحافظ ابن مردويه: « نا محمّد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن قال: نا علي بن الحسن السمالي قال: حدّثني محمّد بن الحسن بن الجهم، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن أنس قال: أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر فأعجبه، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطير. قال أنس قلت: اللّهم اجعله رجلاً منّا حتّى نشرّف به. قال: فإذا علي. فلمـّا أنْ رأيته حسدته فقلت: النبيّ مشغول، فرجع، قال: فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثانية، فأقبل علي كأنّما يضرب بالسيّاط، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتح افتح، فدخل، فسمعته يقول: اللّهم وإليَّ، حتى أكل معه من ذلك الطير».

فإذن كانت القضيّة ممّا يتشرف ويعتّز به ولم تكن الأحبيّة في الأكل العارية من كلّ فضيلة والخالية من كلّ شرف كما يزعم النّواصب

ونعم ما أفاد الشيخ المفيد البغدادي - طاب ثراه - حيث قال:

« إنّ الذي يسقط ما اعترض به السائل في تأويل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك » على المحبّة في الأكل معه، دون محبّته في نفسه بإعظام ثوابه بعد الذي ذكرناه في إسقاطه: أن الرواية جاءت عن أنس بن مالك أنّه قال: لمـّا دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيه تعالى بأحبّ الخلق إليه: قلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار لتكون

٢٢٨

لي الفضيلة بذلك. فجاء علي فرددته وقلت له إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شغل، فمضى، ثمّ دعا ثانيةً فقال لي: استأذن لي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقلت له: إنّه على شغل. ثمّ عاد ثالثة فاستأذنت له، ودخل، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد كنت سألت الله تعالى أن يأتيني بك دفعتين، ولو أبطأت عليَّ الثالثة لأقسمت على الله أن يأتيني بك.

ولو أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل الله تعالى أن يأتيه بأحبّ خلقه إليه في نفسه، وأعظمهم ثواباً عنده، وكانت هذه من أجلّ الفضائل، لَما آثر أنس أن يختص بها قومه، ولو لا أنّ أنسا فهم ذلك من معنى كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما دافع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن الدخول، ليكون ذلك الفضل لرجل من الأنصار، فيحصل له جزء منه »(١) .

١٦ - قول أنس: « فإذا علي فلمـّا أن رأيته حسدته »

وجاء في الحديث - فيما رواه ابن مردويه -: « قلت اللّهم اجعله رجلاً منّا حتى نشرّف به. قال: فإذا علي، فلمـّا أن رأيته حسدته، فقلت: النبيّ مشغول، فرجع ». و في لفظ خبر ابن المغازلي عنه: « بينا أنا كذلك إذْ دخل علي فقال: هل من إذن؟ فقلت: لا، ولم يحملني على ذلك إلّا الحسد ».

وهذا دليل آخر على أنّ الأحبيّة لم تكن في الأكل فقط بل إنّها كانت أحبيّة جليلة القدر وعظيمة الفخر توجب الأفضليّة التامّة والأكرمية الكاملة

____________________

(١). الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٦٨.

٢٢٩

١٧، ١٨ - قول عائشة وحفصة: « اللّهم اجعله أبي »

وأخرج أبو يعلى حديث الطير بسنده باللفظ التالي:

« ثنا قطن بن نسير، ثنا جعفر بن سليمان الضبّعي، ثنا عبد الله بن مثنّى، نبأ عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجل مشوي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام. فقالت عائشة: اللّهم اجعله أبي. وقالت حفصة: اللّهم اجعله أبي. قال أنس: فقلت اللّهم اجعله سعد بن عبادة.

قال أنس: سمعت حركة الباب فسلّم فإذا علي. فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف ثمّ. ثمّ سمعت حركة الباب فسلّم عليّ فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته فقال: اُنظر من هذا! فخرجت فإذا علي. فجئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته. فقال: ائذن له، فأذنت له فدخل. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وإليَّ وإليَّ »(١) .

فلو كان معنى الحديث « الأحبّ في الأكل » فما هذا الولوع والشغف من عائشة وحفصة؟! وهلّا فهمتا هذا المعنى من الحديث، لا سيّما عائشة التي يزعم المتعصّبون من القوم إرجاع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاُمة إليها، لأخذ الدين والأحكام الفقهية منها!! فلا تدعوان لوالديهما اللذين هما - بزعمهما - أعلى مرتبة وأجلّ شأناً، لحضور أمرٍ جزئيّ تافه لا أثر له!!

لكنّ هذه الأحبيّة هي الأحبيّة التامّة العامّة المطلقة، المقتضية للأفضلية التامة المطلقة وهي التي تمنّتها عائشة لأبيها!! وحفصة لأبيها!! وأنس

____________________

(١). تاريخ دمشق ٢ / ١١١ رقم: ٦١٤.

٢٣٠

لسعد أو غيره من الأنصار!!

١٩ - تكرار النبيّ الدعاء واجتهاده فيه

وقد اتّفقت الأخبار على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّر دعائه وطلبه من الله تعالى أنْ يأتيه بأحبّ الخلق إليه بل في بعضها: « واجتهد النبيّ في الدعاء »

وهكذا يكشف عن أن لمطلوبه شأناً عظيماً ومرتبةً عاليةً فاللازم بحكم العقل أن تكون صفة « الأحبيّة » المذكورة في دعائه المتكرّر صفةً جليلةً تكشف عن مقام صاحبها

٢٠ - قيام النبيّ لدى دخول علي وضمّه إليه

وفيما رواه الحافظ ابن مردويه عن أنس: « قال أنس: فرفع علي يده، فوكز على صدري ثمّ دخل، فلمـّا نظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام قائماً فضمّه إليه وقال: يا ربّ وإليَّ، يا ربّ وإليَّ، ما أبطأ بك يا علي! ».

وهذه قرائن اُخرى على أنّ هذه « الأحبيّة » شرف عظيم شاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إظهاره وإثباته لأمير المؤمنينعليه‌السلام باهتمام بالغ

٢١ - فلمـّا رآه تبسَّم وقال: الحمد لله

وهكذا في رواية النجار وبعض العلماء الكبار عن أنس: « قال: فدخل، فلمـّا رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسَّم ثمّ قال: الحمد لله الذي جعلك. فإنّي أدعو في كلّ لقمة أن يأتيني أحبّ الخلق إليه وإليّ، فكنت أنت ».

فما كلّ هذا لو كانت « الأحبيّة » في الأكل فقط!!

٢٣١

٢٢ - غضبه على أنس لردّه عليّا ً

وفي رواية ابن مردويه عنه أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أبطأ بك يا علي؟. قال: يا رسول الله قد جئت ثلاثاً، كلّ ذلك يردّني أنس. قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول الله وقال: يا أنس ما حملك على ردّه؟ قلت: يا رسول الله، سمعتك تدعو، فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار. قال: لست بأوّل رجل أحبّ قومه. أبى الله يا أنس إلّا أن يكون ابن أبي طالب ».

فلماذا الغضب من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على خُلقٍ عظيم؟! ألأمرٍ جزئي لا يعبؤ به؟! ولما ذا ذاك السّرور والاستبشار من حضور أحبّ الخلق إلى الله وإليه؟! ألأمرٍ جزئي لا يعبؤ به؟!

٢٣ - قوله: أبى الله يا أنس إلّا أنْ يكون ابن أبي طالب

من الأدّلة الواضحة والبراهين الساطعة على أنّ هذه الأحبيّة تشريف خاص من الله لعلي بواسطتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن دون أن يكون لميله النفساني دخل في ذلك وإلّا لقال: يا أنس أما علمت أنّ علياً أحبُّ الخلق إليَّ في الأكل، لكونه مني بمنزلة ولدي، فلا يكون الدعاء إلّا فيه.

نعم يدل هذا الكلام من النبيّعليه‌السلام أن ذاك المقام كان من الله سبحانه، وأنّه لا ينال إلّا علياًعليه‌السلام فظهر بطلان ما سنذكره من تأويلي ( الدهلوي )

٢٤ - قوله له: علي أحبّ الخلق إلى الله

وفي رواية فخر الدين الهانسوي: « فآذنه النبيّ بالدخول وقال: ما أبطأ بك عنّي؟ قال: جئت فردّني أنس، ثمّ جئت الثانية والثالثة فردّني. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس ما حملك على هذا؟ قال: رجوت أن يكون

٢٣٢

الدعاء لأحدٍ من الأنصار. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ أحبّ الخلق إلى الله. فأكل معه »(١) .

أي: كيف ترجو أن يكون الدعاء لأحد من الأنصار، وعليّ أحبّ الخلق إلى الله؟! وقد دعوت أن يأتيني بأحبّ خلقه إليه فبطل تأويل « الأحبيّة » إلى الأحبيّة في الأكل لأجل تضاعف لذّة الطّعام بل هي الأحبيّة التامة العامّة وبذلك تبطل التأويلات الأخرى كذلك

٢٥ - قوله في جوابه: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

وقال محمّد مبين اللكهنوي: « عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقدّم لرسول الله فرخ مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. قال فقلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار. فجاء علي، فقلت: إن رسول الله على حاجة، ثمّ جاء فقال رسول الله: افتح، فدخل. فقال رسول الله: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله، سمعت دعاءك، فأحببت أن يكون رجلاً من قومي. فقال رسول الله: الرجل قد يحب قومه. وفي بعض الروايات: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وهذا الحديث في المشكاة أيضاً برواية الترمذي »(٢)

أي: ليس لك أنْ ترجو أن يكون الذي دعوت الله أن يأتيني به رجلاً من قومك ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم إنّه لا يكون برجاء هذا وذاك بل ليس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً دخل فيه إنّه بيد الله وفضلُ منه

____________________

(١). دستور الحقائق - مخطوط.

(٢). وسيلة النجاة: ٢٨.

٢٣٣

٢٦ - قوله في جوابه: أوَ في الأنصار خير من علي؟!

قال وليّ الله اللكهنوي: « ووقع في روايةِ الطبراني، وأبي يعلى، والبزار بعد قوله فجاء عليرضي‌الله‌عنه فرددته، ثمّ جاء فرددته، فدخل في الثّالثة أو في الرابعة. فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك عنّي - أو ما أبطأ بك عنّي - يا علي؟ قال: جئت فردّني أنس، ثمّ جئت فردّني أنس. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رجوت أن يكون رجلاً من الأنصار. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أَوَفي الأنصار خير من عليّ، أو أفضل من علي؟ »(١) .

فإذن، ملاك « الأحبيّة » في حديث الطير هو « الأفضليّة » وأمير المؤمنينعليه‌السلام هو الأفضل من جميع المهاجرين والأنصار فهل تأويلها إلى ما ذكره ( الدهلوي ) إلّا مكابرة ولجاج؟ وهل يجنح إليه ويقبله إلّا من أعمته العصبيّة العمياء، وغلبت على قلبه البغضاء؟

٢٧ - قول أنس لعلي: إن عندي بشارة

وعن كتاب ( المعرفة ) لعبّاد بن يعقوب الرواجني وفي غير واحد من الكتب: « قال أنس: قلت: يا أبا الحسن استغفر لي فإنّ لي إليك ذنباً، وإنّ عندي بشارة. فأخبرته بما كان من دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فحمد الله واستغفر لي ورضي عنّي وأذهب ذنبي عنده بشارتي إيّاه ».

ففي هذا الحديث: إنّ أنساً طلب من أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يستغفر له ذنبه وهو ردّه إيّاه مرةً بعد مرةً، للحيلولة دون دخولهعليه‌السلام على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووعده - في مقابل الاستغفار له - أن يبشّره

____________________

(١). مرآة المؤمنين - مخطوط.

٢٣٤

ببشارةٍ، وهي إخباره بما كان من دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الواقعة.

فلو كانت « الأحبيّة » خاصّةً بالأكل معه لم يجعلها بشارة، لأنّ الأحبيّة على تقدير تقييدها بمحض الأكل الذي هو أمر حقير يسير، ممّا لا يصلح للإِعتناء حتّى يهنّأ به وصيّ البشير النذير

٢٨ - حديث الطير من خصائص علي عند سعد بن أبي وقاص

وروى الحافظ أبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص قوله: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي بن أبي طالب ثلاث خِصَالٍ: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله وحديث الطير. وحديث غدير خم »(١) .

إنّ ( حديث الغدير ) و ( حديث الرّاية ) من أقوى الأدلّة الصريحة في خلافة الأميرعليه‌السلام ، فمقتضى السّياق - بغض النظر عن الوجوه الاُخرى - أن يكون حديث الطير كذلك وكيف يرضى العاقل البصير أن يكون مدلول حديث الطير الواقع في هذا السياق مجرّد الأحبيّة في الأكل لتضاعف لذّة الطعام؟

٢٩ - احتجاج الأمير بحديث الطير في الشورى

وفي حديث الشورى - الذي رواه: ابن عقدة، والحاكم، وابن مردويه، وابن المغازلي، والخطيب الخوارزمي، والكنجي - إنّ الإِمامعليه‌السلام احتجّ على القوم - فيما احتجّ به على أفضليته منهم وأحقيّته بالإِمامة - بحديث الطير -.

فحديث الطير كسائر أحاديث فضائلهعليه‌السلام ممّا يحتجّ به على

____________________

(١). حلية الأولياء - ترجمة ابن أبي ليلى ٤ / ٣٥٦.

٢٣٥

الإِمامة والخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوضوح دلالته على أفضليّته كالأحاديث الأخرى.

ونقول - بقطع النظر عن أدلّة عصمة الأميرعليه‌السلام - إنّه لا يجوّز مسلم تطرّق الغلط في استدلاله، فإن تجويز ذلك في الشناعة بحيث جعله ( الدهلوي ) ووالده شاهداً على حمق قائله وجهله.

وأيضاً: فليس في حديث الشورى مطلقاً ما يدلّ على عدم تسليم القوم ما قاله بل إنّه ظاهر في قبولهم وإنْ أعرضوا عن ترتيب الأثر عليه ظلماً وعدواناً!!

وحينئذٍ، فإنّ جميع التأويلات التي ذكرها المكابرون ساقطة، وهلّا تبعوا أئمتهم في التسليم والقبول!! ولنعم ما قال الشيخ المفيد طاب ثراه:

« وشيء آخر وهو: أنّه لو احتمل معنى آخر لا يقتضي الفضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام لما احتجّ به أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الدار، ولا جعله شاهده على أنّه أفضل من الجماعة، وذلك أنّه لو لم يكن الأمر على ما وصفناه، وكان محتملا لما ظنّه المخالفون من أنّه سأل ربّه تعالى أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه في الأكل معه، لما أمن أمير المؤمنينعليه‌السلام من أن يتعلَّق بذلك بعض خصومه في الحال، أو يشتبه ذلك على إنسان، فلمـّا احتجّ به أمير المؤمنينعليه‌السلام على القوم، واعتمده في البرهان، دلّ على أنّه لم يكن مفهوماً منه إلّا فضلهعليه‌السلام .

وكان إعراض الجماعة أيضاً بتسليم إدّعائه دليلاً على صحة ما ذكرناه، وهذا بعينه يسقط قول من زعم أنّه يجوز مع إطلاق النبيّعليه‌السلام ما يقتضي فضله عند الله تعالى على الكافّة وجود من هو أفضل منه في المستقبل، لأنّه لو جاز ذلك لما عدل القوم عن الاعتماد عليه، ولجعلوه شبهة في منعه ممّا ادّعاه من القطع على نقصانهم عنه في الفضل.

وفي عدول القوم عن ذلك دليل على أنّ القول مفيد بإطلاقه فضله،

٢٣٦

ومؤمن بلوغ أحد منزلته في الثواب بشيء من الأعمال. وهذا بيّن لمن تدبّره »(١) .

٣٠ - حديث الطير من فضائل علي وخصائصه عند عمرو بن العاص

وفي كتاب ( مناقب علي بن أبي طالب ) لموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي: أنّ عمرو بن العاص كتب إلى معاوية كتاباً ذكر فيه مناقب لأمير المؤمنينعليه‌السلام وقد جاء حديث الطير ضمن تلك الفضائل والمناقب التي احتّج بها ابن العاص، لعلّو مقام الإِمام وسمّو مرتبة

وهل من المعقول أن يحتّج به ابن العاص لو كان معناه الأحبّ في الأكل فقط؟

إنّه لو لا دلالته التامّة على فضل الإِمامعليه‌السلام لما شهد به ابن العاص - المعاند له - في مقابل رئيس الفرقة الباغية وهذا أمر يعترف به من كان له أقل بصيرةٍ وإنصَاف

أقول:

فمن هذه الوجوه - ووجوه أُخرى لم نذكرها اختصاراً - لا يبقى أيّ ريب في عموم « الأحبيّة» الواردة في حديث الطير وبطلان تأويلات ( الدّهلوي ) ومن تقدّمة لهذا الحديث الشريف، لأجل صرفه عن الدلالة على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام فخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبالرغم من كفاية تلك الوجوه المتينة في الدلالة على ما ذكرنا، فإنّا نورد فيما يلي نبذة من الأحاديث الدالّة بوضوح على عموم أحبيّة سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تأكيداً لفساد تخيّلات ( الدهلوي ) وغيره من المسوّلين

____________________

(١). الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٦٩.

٢٣٧

٢٣٨

الأخبار والآثار

في أنّ عليّاً أحبُّ الخلق مطلقا ً

٢٣٩

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460