نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 304912 / تحميل: 6517
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ترجمته:

والهجروي من كبار فقهاء أهل السنة وعرفائهم، وقد وصفه شهاب الدين المذكور في كتابه بـ « الامام الشيخ العالم العارف الرباني، الملقب لوفور علمه ومعرفته بالغزالي الثاني، مرشد الخلائق الفقيه إمام الدين محمد الهجروي الإيجيقدس‌سره » ونحو ذلك.

(٧٧)

إثبات يوسف الأعور الواسطي

ولم يجترئ يوسف الأعور الواسطي في رسالته المشهورة في رد الامامية على جحد أصل حديث مدينة العلم، فأخذ يتنكب في تأويله يميناً وشمالاً، فذكر وجوها في الجواب عنه سنجيب عنها في ما بعد إن شاء الله تعالى، وهذا نص كلامه:

« الثاني من وجوه حجج الرافضة بالعلم حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها.

والجواب عنه أيضاً من وجوه: أحدها - إن هذا الحديث يتضمن العلم لعلي، ولا شك أنه بحر علم زاخر لا يدرك قعره، إلّا أنه لا يتضمن ثبوت الرجحان على غيره، بدليل ثبوت العلم لغيره على وجه المساواة بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مجموع الأصحاب: أصحابي كالنجوم بأيديهم اقتديتم اهتديتم. فثبت العلم لكلهم.

ثانيها: إن بعض أهل السنة ينقل زيادة على هذا القدر، وذلك قولهم: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها وأبوبكر وعمر وعثمان حيطانها وأركانها والباب فضاء فارغ والحيطان والأركان ظرف محيط، فرجحانهنّ

٢٠١

على الباب ظاهر.

ثالثها: دفع في تأويل علي بابها، أي مرتفع. وعلى هذا يبطل الاحتجاج به للرافضة ».

فالعجب كل العجب من ( الدهلوي ) كيف جمع بين الطعن في سنده والنكول عن معناه ومدلوله، حتى فاق بصنيعه أهل النصب والانحراف؟

(٧٨)

رواية شمس الدين ابن الجزري

لقد روى حديث مدينة العلم حيث قال: « أخبرنا الحسن بن أحمد بن هلال قراءة عليه عن علي بن أحمد بن عبد الواحد، أخبرنا أحمد بن محمد بن محمد في كتابه من أصبهان، أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسين المقري، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، أخبرنا الجرجاني، أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا عبد الحميد بن بحر، أخبرنا شريك عن سلمة بن كهيل عن الصنابحي عن عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها.

ورواه الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى، حدثنا محمد بن عمر الرومي، حدثنا شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن الصنابحي عن علي وقال: حديث غريب. ورواه بعضهم عن شريك ولم يذكروا فيه الصنابحي قال: ولا يعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس. انتهى.

قلت: ورواه بعضهم عن شريك عن سلمة ولم يذكر فيه عن سويد، ورواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه.

٢٠٢

ورواه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها. فمن أراد العلم فليأتها من بابها. وقال الحاكم: صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

ورواه أيضاً من حديث جابر بن عبد الله ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

اعتبار احاديث اسنى المطالب

ولا يخفى أن ابن الجزري يصرّح في خطبة هذا الكتاب باعتبار الأحاديث التي حواها، وهذا نص كلامه: « وبعد، فهذه أحاديث مسندة مما تواتر وصح وحسن من أسنى مناقب الأسد الغالب، مفرّق الكتائب، ومظهر العجائب، ليث بني غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي الله عنه وأرضاه، أردفتها بمسلسلات من حديثه وبمتصلات من روايته وتحديثه، وبأعلى إسناد صحيح إليه من القرآن والصحبة والخرقة التي اعتمد فيها أهل الولاية عليه، نسأل الله تعالى أن يثيبنا على ذلك ويقربنا لديه ».

وقال في خاتمته: « فهذا نزر من بحر وقل من كثر، بالنسبة إلى مناقبه الجليلة ومحاسنه الجميلة، ولو ذهبنا لاستقصاء ذلك بحقه لطال الكلام بالنسبة إلى هذا المقام، ولكن نرجو من الله تعالى أن ييسر افراد ذلك بكتاب نستوعب فيه ما بلغنا من ذلك، والله الموفق للصواب ».

ترجمته:

ترجم له ووصف بالأوصاف الجليلة في جميع المعاجم الرجالية وكتب الحديث وغيرها، ومن ذلك:

١ - معجم الشيوخ لنجم الدين ابن فهد المكي.

____________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٦٩.

٢٠٣

٢ - أنباء الغمر لابن حجر العسقلاني.

٣ - الدرر الفريدة للمقريزي.

٤ - الضوء اللامع للسخاوي.

٥ - الانس الجليل للعليمي.

٦ - الحبل المتين في إجازات الأمين لابن روزبهان.

٧ - شرح الشمائل له.

٨ - طبقات الحفاظ للسيوطي.

٩ - حسن المقصد له.

١٠ - ميزان المعدلة له.

١١ - الاتقان له.

١٢ - الصواعق لابن حجر المكي.

١٣ - مقاليد الأسانيد للثعالبي.

١٤ - الشقائق النعمانية لطاش كبرى زاده.

١٥ - النواقض للبرزنجي.

١٦ - كفاية المتطلع للدهان.

١٧ - مدارج الاسناد لأبي علي الصفوي.

١٨ - حصر الشارد لمحمد عابد السندي.

١٩ - المرافض للسهارنفوري.

٢٠ - الصواقع للكابلي.

٢١ - الانتباه في سلاسل أولياء لشاه ولي الله الدهلوي.

٢٢ - البدر الطالع للشوكاني.

٢٣ - بستان المحدثين ( للدهلوي ).

٢٤ - التحفة له.

٢٥ - إشباع الكلام لشاه سلامة الله.

٢٠٤

٢٦ - التاج المكلل لصديق حسن خان.

وقد ذكرنا ترجمته بالتفصيل في مجلّد ( حديث الغدير ) وهذا بعض مصادرها: الضوء اللامع ٩ / ٢٥٥، الانس الجليل ٢ / ١٠٩، الشقائق النعمانية ١ / ٩٨ طبقات الحفاظ ٥٤٣، البدر الطالع ٢ / ٢٥٧، التاج المكلل ٤٦٣.

(٧٩)

إثبات زين الدين الخوافي

لقد أثبت الشيخ زين الدين أبوبكر محمد بن محمد بن علي الخوافي حديث مدينة العلم جازماً به، على ما نقل عنه شهاب الدين أحمد في ( توضيح الدلائل ) حيث قال بعد ذكر نزول قوله تعالى:( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) في شأن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: « قال شيخ المشايخ في زمانه وواحد الأقران في علومه وعرفانه: الشيخ زين الدين أبوبكر محمد بن علي الخوافي قدس الله تعالى سره: فلذا اختص علي كرّم الله وجهه بمزيد العلم والحكمة، حتى قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وقال عمر: لولا علي لهلك عمر ».

ترجمته:

١ - عبد الرحمن الجامي في ( نفحات الانس ٤٩٢ ).

٢ - عبد الحق الدهلوي في ( أخبار الأخيار ٤٨ ).

٣ - القشاشي في ( السمط المجيد ٧٧ ).

وقد أثنوا عليه الثناء البالغ ووصفوه بالأوصاف الجميلة، وعن الخواجا محمد بارسا - وهو شيخ الخوافي - وصف الخوافي بقوله: « ذو العلم النافع والعمل الرافع، ملاذ الجمهور شفاء الصدور، وصفوة العلماء والعرفاء والفقهاء، رافع أعلام السنة

٢٠٥

وقامع أضاليل البدعة، ناهج مناهج الحقيقة سالك مسالك الشريعة والطريقة الداعي إلى الله سبحانه على طريق اليقين: سيّدنا ومولانا زين الملة والدين ».

(٨٠)

إثبات ملك العلماء الدولت آبادي

وقد أثبته ملك العلماء شهاب الدين ابن شمس الدين الزاولي الدولت آبادي وأرسله إرسال المسلَّم في ( هداية السعداء ). وذكره من جملة الأدلة على أن علياًعليه‌السلام هو وارث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دون عمه العباس.

ترجمته:

وترجم له كبار العلماء في كتبهم، وقد أوردنا ترجمته في مجلد ( حديث النور ) ونقتصر هنا على ترجمة غلام على آزاد له وهي هذه: « مولانا القاضي شهاب الدين ابن شمس الدين الزاولي الدولت آبادي نوّر الله ضريحه، ولد القاضي بدولت آباد دهلي وتلمذ على القاضي عبد المقتدر الدهلي ومولانا خواجكي الدهلوي وهو من تلامذة مولانا معين الدين العمراني رحمهم ‌الله تعالى، ففاق أقرانه وسبق إخوانه، وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقه يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم، ولمـّا توجّه الموكب التيموري إلى الهند، وخرج مولانا خواجكي قبل وصوله إلى دهلي منها إلى بكالبي، وذهب القاضي شهاب الدين صحبة أستاذه إلى كالبي فاقام مولانا خواجكي بكالبي، وذهب القاضي إلى دار الخيورجونفور - بفتح الجيم وسكون الواو والنون وضم الفاء وسكون الواو وآخرها راء، بلدة عظيمة من صوبة آله آباد، كانت دار الخلافة للسلاطين الشرقية، وذكر طبقتهم مسطور في تواريخ الهند، نشأ بها كثير من المشايخ والعلماء - فاغتنم السلطان

٢٠٦

ابراهيم الشرقي والي جونفور وروده ونضر سقاه الله تعالى سحائب الاحسان وروده، عظمه بين الكبراء ولقبه بملك العلماء، فزين القاضي مسند الافادة، وفاق البرجيس في افاضة السعادة، وألّف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم، وأذكى سراجاً أهدى من النار الموقدة علم العلم

توفي لخمس بقين من رجب المرجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة »(١) .

(٨١)

إثبات ابن حجر العسقلاني

ولقد أثبت شهاب الدين أبو الفضل ابن حجر العسقلاني حديث مدينة العلم، وأورده في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وحكم ببطلان القول بوضعه، ونصّ على كثرة طرقه في كتبه المختلفة:

فقال بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام في جملة من فضائله: « وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وقال عمر: علي أقضانا وأبي أقرؤنا.

وقال يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن.

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.

وقال معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل شهدت علياً يخطب وهو يقول: سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب الله

____________________

(١). سبحة المرجان في آثار هندوستان: ٣٩.

٢٠٧

فو الله ما من آية إلّا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل »(١) .

وقال السيوطي في ( قوت المغتذي ): « وقال الحافظ ابن حجر في أجوبته: حديث ابن عباس أخرجه ابن عبد البر في كتاب الصحابة المسمى بالاستيعاب ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه، وصحّحه الحاكم، وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بهذا اللفظ، ورجاله رجال الصحيح إلّا عبد السلام الهروي، فإنّه ضعيف.

قاله في جواب فتيا رفعت إليه في هذا الحديث ».

وقد أورد هذه الفتوى عنه ابن حجر المكي في ( المنح المكية ) كما سيأتي.

وصرّح في فتوى أخرى له بحسن حديث مدينة العلم وبطلان القول بوضعه، جاء ذلك في ( اللآلي المصنوعة ) حيث قال: « وسئل شيخ الاسلام أبو الفضل ابن حجر عن هذا الحديث في فتيا فقال: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: إنه صحيح، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وقال: إنه كذب. والصواب خلاف قوليهما معاً، وأن الحديث من قسم الحسن لا يرتقى إلى الصحة ولا ينحط إلى كذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً، ولكن هذا هو المعتمد في ذلك، انتهى ومن خطه نقلت »(٢) .

وقد ذكرت فتواه هذه في ( جمع الجوامع ) و ( النكت البديعات ) و ( الدرر المنتثرة ) و ( جواهر العقدين ).

كما ذكر حكمه بحسن الحديث في ( السيرة الشامية ) و ( تنزيه الشريعة ) و ( تذكرة الموضوعات ) و ( المرقاة ) و ( فيض القدير ) و ( رجال المشكاة ) و ( حاشية المواهب اللدنية ) و ( شرح المواهب اللدنية ) و ( نزل الأبرار ) و ( تحفة المحبين ) و ( الروضة الندية ) و ( وسيلة النجاة ) و ( السيف المسلول ) و ( الفوائد المجموعة ) و ( مرآة المؤمنين ) و ( القول المستحسن).

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٣٧.

(٢). اللئالي المصنوعة ١ / ٣٣٤.

٢٠٨

وقد حكم بحسنه في أجوبته عن الأحاديث التي انتقدها السراج القزويني على المصابيح، وزاد أن له شاهداً جاء ذلك في ( اللآلي المصنوعة ) بعد العبارة السابقة، حيث قال: « وذكر في أجوبته عن الأحاديث التي انتقدها السراج القزويني على المصابيح نحو ذلك. وزاد أن الحاكم روى له شاهداً من حديث جابر قال: حدثني أبوبكر محمد بن علي الفقيه الشاشي القفال حدثني النعمان بن هارون البلدي، ثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، ثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن جابر مرفوعاً به ».

وقد صرح العسقلاني في ( لسان الميزان ) بكثرة طرقه، وهذا نص كلامه كما في ( اللآلي المصنوعة ) بعد العبارة السابقة: « وقال في لسان الميزان - عقب إيراد الذهبي رواية جعفر بن محمد عن أبي معاوية وقوله: هذا موضوع - ما نصه: وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع »(١) .

ترجمته:

١ - البدر البشتكي في ( الطبقات ).

٢ - الفاسي في ( ذيل التقييد ).

٣ - ابن ناصر الدين في ( توضيح المشتبه ).

٤ - ابن خطيب الناصرية في ( الدر المنتخب ).

٥ - المقريزي في ( العقود الفريدة ).

٦ - ابن قاضي شهبة الأسدي في ( الأعلام ).

٧ - التقي ابن فهد المكي في ( ذيل طبقات الحفاظ ).

٨ - النجم ابن فهد المكي في ( معجم الشيوخ ).

____________________

(١). اللئالي المصنوعة ١ / ٣٣٤، وانظر لسان الميزان ٢ / ١٢٢.

٢٠٩

٩ - القطب الخيضري في ( طبقات الشافعية ).

١٠ - السخاوي في ( الضوء اللامع ).

١١ - السيوطي في ( طبقات الحفاظ ).

١٢ - السيوطي أيضاً في ( نظم العقيان ).

١٣ - السيوطي أيضاً في ( حسن المحاضرة ).

١٤ - الشوكاني في ( البدر الطالع ).

١٥ - شاه ولي الله في ( قرة العينين ).

١٦ - ( الدهلوي ) في ( بستان المحدثين ).

١٧ - صديق حسن خان في ( التاج المكلل ).

توجد ترجمته والنقل عنه والاعتماد عليه في هذه الكتب وغيرها، وقد أوردنا طرفاً من كلمات القوم في التعظيم له والثناء عليه في بعض مجلدات الكتاب، ومن مصادر ترجمته: ذيل طبقات الحفاظ لابن فهد ٣٨٠، الضوء اللامع ٢ / ٣٦ شذرات الذهب ٧ / ٢٧٠، نظم العقيان ٤٥، البدر الطالع ١ / ٨٧ - ٩٢ طبقات الحفاظ ٥٤٧، حسن المحاضرة ١ / ٣٦٣. وللسخاوي: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الاسلام ابن حجر.

(٨٢)

رواية شهاب الدين أحمد

وعقد شهاب الدين أحمد في ( توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل ) باباً خاصاً برواية حديث مدينة العلم وحديث أنا دار الحكمة، وتحقيق أعلمية سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « الباب الخامس عشر في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلم دار حكمة ومدينة علم وعلي لهما باب، وأنه أعلم الناس بالله

٢١٠

تعالى وأحكامه وآياته، وكلامه بلا ارتياب:

عن مولانا أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم: يا علي إن الله أمرني أن أدنيك فأعلمك لتعي، وأنزلت هذه الآية( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) وأنت أذن واعية لعلمي. رواه الحافظ الامام أبو نعيم في الحلية ، و رواه سلطان الطريقة وبرهان الحقيقة الشيخ شهاب الدين أبو جعفر عمر السهروردي في العوارف بأسناده إلى عبد الله بن الحسن رضي الله تعالى عنهما ولفظه قال: حين نزلت هذه الآية:( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم لعلي رضي الله تعالى عنه: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي. قال علي كرّم الله تعالى وجهه: فما نسيت شيئاً بعده وما كان لي أن أنسى. قال شيخ المشايخ في زمانه وواحد الأقران في علومه وعرفانه الشيخ زين الدين أبوبكر محمد بن محمد بن علي الخوافي قدس الله تعالى سره: فلذا اختص علي كرّم الله وجهه بمزيد العلم والحكمة حتى قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وقال عمر: لولا علي لهلك عمر.

وعن علي رضي الله تعالى عنه: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه في جامع الأصول وقال: أخرجه الترمذي.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وبارك وسلّم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد بابها فليأت علياً. رواه الزرندي وقال: هذه فضيلة اعترف بها الأصحاب وابتهجوا، وسلكوا طريق الوفاق وانتهجوا. رواه الطبري وقال: أخرجه أبو عمر ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه ».

وقال في ذكر أسماء أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ومنها: ( باب مدينة العلم ). عن عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم:

٢١١

أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه، رواه الطبري من تخريج أبي عمر، وأورده الامام الفقيه المذكور وقال كما في الحديث: واعلم أن الباب سبب لزوال الحائل والمانع من الدخول إلى البيت، فمن أراد الدخول وأتى البيوت من غير أبوابها شق وعسر عليه دخول البيت، فهكذا من طلب العلم ولم يطلب ذلك من عليرضي‌الله‌عنه وبيانه، فإنه لا يدرك المقصود، فإنهرضي‌الله‌عنه كان صاحب علم وعقل وبيان، ورب من كان عالماً ولا يقدر على البيان والافصاح، وكان عليرضي‌الله‌عنه مشهوراً من بين الصحابة بذلك، فباب العلم وروايته واستنباطه من عليرضي‌الله‌عنه ، وهو كان باجماع الصحابة مرجوعاً إليه في علمه موثوقاً بفتواه وحكمه، والصحابة كلّهم يراجعونه مهما أشكل عليهم ولا يسبقونه، ومن هذا المعنى قال عمر: لو لا علي لهلك عمر. رضي الله تعالى عنهم ».

وقال: « ومنها ( الفاروق ) وقد تقدّم حديثه قبل ذلك، وإني قد وجدت بخط بعض سادة العلماء والأكابر ما هذه صورته بتحبير المحابر مما قال أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه على المنبر:

أنا النون والقلم، وأنا النور ومصباح الظلم، أنا الطريق الأقوم، أنا الفاروق الأعظم، أنا عيبة العلم، أنا أوبة الحلم، أنا النبأ العظيم، أنا الصراط المستقيم، أنا وارث العلوم، أنا هيولى النجوم، أنا عمود الاسلام، أنا مكسر الاصنام، أنا ليث الزحام، أنا أنيس الهوام، أنا الفخار الأفخر، أنا الصديق الأكبر، أنا إمام المحشر، أنا ساقي الكوثر، أنا صاحب الرايات، أنا سريرة الخفيات، أنا جامع الآيات، أنا مؤلف الشتات، أنا مفرّج الكربات، أنا دافع الشقاة، أنا حافظ الكلمات، أنا مخاطب الأموات، أنا حلال المشكلات، أنا مزيل الشبهات، أنا صنيعة الغزوات، أنا صاحب المعجزات، أنا الزمام الأطول، أنا محكم المفصل، أنا حافظ القرآن، أنا تبيان الايمان، أنا قسيم الجنان، أنا شاطر النيران، أنا مكلم الثعبان، أنا حاطم الأوثان، أنا حقيقة الأديان، أنا عين الأعيان، أنا قرن الأقران، أنا مذل الشجعان، أنا فارس الفرسان، أنا سؤال

٢١٢

متى، أنا الممدوح بهل أتى، أنا شديد القوى، أنا حامل اللوا، أنا كاشف الردى، أنا بعيد المدى، أنا عصمة الورى، أنا ذكى الوغى، أنا قاتل من بغى، أنا موهوب الشذا، أنا أئمة القذى، أنا صفوة الصفا، أنا كفو الوفا، أنا موضح القضايا، أنا مستودع الوصايا، أنا معدن الإنصاف، أنا محض العفاف، أنا صواب الخلاف، أنا رجل الأعراف، أنا سور المعارف، أنا معارف العوارف، أنا صاحب الاذن، أنا قاتل الجن، أنا يعسوب الدين وصالح المؤمنين وإمام المتقين، أنا أول الصديقين، أنا الحبل المتين، أنا دعامة الدين، أنا صحيفة المؤمن، أنا ذخيرة المهيمن، أنا الحبل المتين، أنا دعامة الدين، أنا صحيفة المؤمن، أنا ذخيرة المهيمن، أنا الامام الامين، أنا الدرع الحصين، أنا الضارب بالسيفين، أنا الطاعن بالرمحين، أنا صاحب بدر وحنين، أنا شقيق الرسول، أنا بعل البتول، أنا سيف الله المسلول، أنا أوام الغليل، أنا شفاء العليل، أنا سؤال المسائل، أنا نجحة الوسائل، أنا قالع الباب، أنا مفرق الاحزاب، أنا سيد العرب، أنا كاشف الكرب، أنا ساقي العطاش، أنا النائم على الفراش، أنا الجوهرة الثمينة، أنا باب المدينة، أنا حكمة الحكمة، أنا واضع الشريعة، أنا حافظ الطريقة، أنا موضح الحقيقة، أنا مطية الوديعة، أنا مبيد الكفرة، أنا أبو الأئمة، أنا الدوحة الأصلية، أنا مفضال الفضيلة، أنا خليفة الرسالة، أنا سميدع البسالة، أنا وارث المختار، أنا ظهير الاطهار، أنا عقاب الكفور، أنا مشكاة النور، أنا جملة الأمور، أنا زهرة النور، أنا بصيرة البصائر، أنا ذخيرة الذخائر، أنا بشارة البشر، أنا الشفيع المشفّع في المحشر، أنا ابن عم البشير النذير، أنا طود الأطواد، أنا جود الأجواد، أنا حلية الخلد، أنا بيضة البلد، أنا صمصام الجهاد، أنا جلسة الآساد، أنا الشاهد المشهود، أنا العهد المعهود، أنا منحة المنائح، أنا صلاح المصالح، أنا غمضة الغوامض، أنا لحظة اللواحظ، أنا عذوبة اللفظ، أنا أعجوبة الحفظ، أنا نفيس النفائس، أنا غياث الضنك، أنا سريع الفتك، أنا رحيب الباع، أنا وقر الأسماع، أنا ارث الوارث، أنا نفثة النافث، أنا جنب الله، أنا وجه الله ».

٢١٣

وقال: « قال الامام الهمام المتفق على علوّ شأنه في العلوم والأعمال، المتسق له دراري الفضل في سلك النظم بألسنة أهل الكمال، الحافظ الورع البارع العالم العامل العارف الكامل بلا شك ومرية، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني في كتابه الفائق اللائق المسمى بالحلية:

وسيد القوم، محب الشهود ومحبوب المعبود، باب مدينة الحكم والعلوم ورأس المخاطبات ومستنبط الاشارات، راية المهتدين ونور المطيعين وولي المتقين وامام العادلين، أقدمهم إجابة وإيماناً، وأقومهم قضية وإيقانا، وأعظمهم حلماً وأوفرهم علماً: علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه، قدوة المتقين وزينة العارفين المنبئ عن حقائق التوحيد والمشير إلى لوامع علم التفريد، صاحب القلب العقول، واللسان السئول، والاذن الواعي والعهد الوافي، فقأعيون الفتن، ووقى من فنون المحن، فدفع الناكثين ووضع القاسطين ودمغ المارقين ».

كما أورد كلام العز ابن عبد السلام عن لسان حال أمير المؤمنينعليه‌السلام وشعر أبي زكريا النووي، وكلام الزرندي في نظم درر السمطين وقد تقدم كلّ واحد في محله.

(٨٣)

إثبات ابن الصباغ

وقد أرسله نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي المكي إرسال المسلَّم بعد ذكر حكم الامامعليه‌السلام في قضية الخنثى، قال: « فانظر رحمك الله إلى استخراج أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه بنور علمه وثاقب فهمه ما أوضح به سبيل السداد وبيّن به طريق الرشاد، وأظهر به جانب الذكورة على الأنوثة من مادة الايجاد وحصلت له هذه المنة الكاملة والنعمة الشاملة بملاحظة النبي عليه

٢١٤

السلام وتربيته إياه وحنّوه عليه وشفقته، فاستعد لقبول الأنوار وتهيّأ لفيض العلوم والأسرار، فصارت الحكمة من ألفاظه ملتقطة والعلوم الظاهرة والباطنة بفؤاده مرتبطة، لم تزل بحار العلوم تتفجر من صدره ويطفو عبابها، حتّى قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها »(١) .

ترجمته:

ترجم له نجم الدين عمر بن فهد المكي وعدّه من علماء مكة المكرمة، وأرخ وفاته سنة ٨٥٥، وكذا تلميذه السخاوي(٢) .

وقد وصفه أحمد بن عبد القادر العجيلي في ( ذخيرة المآل ) بأوصاف جليلة مثل « الشيخ » و « الامام » وصرّح بكونه من علماء المالكيّة، ونقل كلماته واعتمد عليها في مواضع من كتابه.

وكذا عبد الله بن محمد المطيري في كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة ) وهكذا اعتمد على كتابه ( الفصول المهمة ) ونقل عنه كل من: المولوي إكرام الدين الدهلوي في ( سعادة الكونين ) والبلخي القندوزي في ( ينابيع المودة ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) والحلبي في ( إنسان العيون ) والشيخاني القادري في ( الصراط السوي ) والصفوري في ( نزهة المجالس ) ومحبوب عالم في ( تفسيره ) والصبان في ( إسعاف الراغبين ) والعدوي الحمزاوي في ( مشارق الأنوار ) والشبلنجي في ( نور الأبصار ).

هذا وقد عدّه رشيد الدين خان - تلميذ ( الدهلوي ) - في ( إيضاح لطافة المقال ) في علماء أهل السنة المؤلفين في فضائل أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، إذ ذكره واصفاً إياه بـ « الشيخ الجليل » وذكر كتابه ( الفصول المهمة ). وكفى بذلك حجة قاهرة على ثقته واعتباره، وبيّنة زاهرة على جلالته واشتهاره.

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ١٩.

(٢). الضوء اللامع ٥ / ٢٨٤.

٢١٥

(٨٤)

إثبات البسطامي الحنفي

وقد أثبت عبد الرحمن بن محمد بن علي بن أحمد البسطامي الحنفي حديث مدينة العلم في كتابه ( درة المعارف الإِلهية في الأسرار الحرفية ) على ما نقل عنه البلخي حيث قال: « ثم إن الامام علياً كرّم الله وجهه ورث علم الأسرار والحروف من سيدنا ومولانا محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليه الإِشارة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها »(١) .

ترجمته:

ترجم له السخاوي بقوله: « عبد الرحمن بن محمد بن علي بن أحمد، أو أحمد ابن علي البسطامي الحنفي، ممن أخذ عن العزّ محمد بن جماعة في سنة بضع وثماني مائة، وتميز في علم الحروف، وله فيه شمس الآفاق في علم الحروف والأوفاق، وكان حيّاً سنة إحدى وأربعين »(٢) .

(٨٥)

إثبات الشّمس الجيلاني

أثبت شمس الدين محمد بن يحيى بن علي الجيلاني اللاهجي النوربخشي

____________________

(١). ينابيع المودة: ٤٠٠.

(٢). الضوء اللامع ٤ / ٢٨٤.

٢١٦

حديث مدينة العلم، ضمن فضائل لأمير المؤمنينعليه‌السلام في ( مفاتيح الإِعجاز في شرح گلشن راز) بشرح قوله:

« زهر ساية كه اول گشت حاصل

در آخر شد يكى ديگر مقابل »

مفاتيح الاعجاز

وقد ذكر حاجي خليفة كتابه المذكور في شروح « گلشن راز » حيث قال « وشرحه مظفر الدين علي الشيرازي، والشيخ شمس الدين محمد بن يحيى بن علي اللاهجي الجيلاني النوربخشي شرحاً فارسيّاً ممزوجاً سمّاه مفاتيح الاعجاز، بيّضه في ذي الحجة سنة ٨٧٧ »(١) .

(٨٦)

إثبات شمس الدين السخاوي

وقد أثبت شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري وحقّق حديث مدينة العلم في كتابه ( المقاصد الحسنة ) حيث قال:

« حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، الحاكم في المناقب من مستدركه، والطبراني في معجمه الكبير، وأبو الشيخ ابن حيان في السنة له، وغيرهم، كلّهم من حديث أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا به بزيادة فمن أراد العلم فليأت الباب.

ورواه الترمذي في المناقب من جامعه، وأبو نعيم في الحلية وغيرهما من حديث عليرضي‌الله‌عنه : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها.

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٥٠٥.

٢١٧

قال الدارقطني في العلل عقب ثانيهما: إنه حديث مضطرب غير ثابت. وقال الترمذي: إنه منكر. وكذا قال شيخه البخاري وقال: إنه ليس له وجه صحيح. وقال يحيى بن معين - فيما حكاه الخطيب في تاريخ بغداد -: إنه كذب لا أصل له. وقال الحاكم - عقب أولهما -: إنه صحيح الاسناد. وأورده ابن الجوزي من هذين الوجهين في الموضوعات، ووافقه الذهبي وغيره على ذلك، وأشار إلى هذا ابن دقيق العيد بقوله: هذا الحديث لم يثبتوه وقيل إنه باطل، وهو مشعر بتوقفه فيما ذهبوا إليه من الحكم بكذبه، بل صرّح العلائي بالتوقّف في الحكم عليه بذلك فقال: وعندي فيه نظر، ثمّ بيّن ما يشهد بصحته، لكون أبي معاوية راوي حديث ابن عباس حدّث به، فزال المحذور ممن هو دونه، قال: وأبو معاوية ثقة حافظ يحتج بافراده كابن عيينة وغيره، فمن حكم على الحديث بالوضع مع ذلك فقد أخطأ، قال: وليس هو من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول، بل هو كحديث أرحم أمتي بأمتي - يعني الماضي -.

وهو صنيع معتمد، فليس هذا الحديث بكذب.

خصوصاً و قد أخرج الديلمي في مسنده بسندٍ ضعيف جدّاً عن ابن عمر مرفوعاً: علي بن أبي طالب باب حطة فمن دخل فيه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.

ومن حديث أبي ذر رفعه: علي باب علمي ومبيّن لأمتي ما أرسلت به من بعدي حبه إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه عبادة.

ومن حديث ابن عباس رفعه: أنا ميزان العلم وعلي كفّتاه والحسن والحسين خيوطه. الحديث.

وأورد صاحب الفردوس - وتبعه ابنه المذكور بلا اسناد - عن ابن عباس رفعه: أنا مدينة العلم وأبوبكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها.

وعن أنس مرفوعاً: أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقتها.

وبالجملة، فكلها ضعيفة، وألفاظ أكثرها ركيكة، وأحسنها حديث ابن عباس بل هو حسن.

٢١٨

و قد روى الترمذي أيضاً والنسائي وابن ماجة وغيرهم من حديث حبشي بن جنادة مرفوعاً: علي مني وأنا من علي لا يؤدّي عني إلّا أنا أو علي »(١) .

ترجمته:

١ - عبد القادر العيدروس اليمني ترجمة مفصلة ذكر فيها شيوخه وتصانيفه وما قيل في حقه من سائر العلماء، وقد وصفه في أول الترجمة بـ « الشيخ العلامة الرحلة الحافظ » وقال: « لم يخلف بعده مثله في مجموع فنونه وأما مقرواته ومسموعاته فكثيرة جدّاً لا تكاد تنحصر، وأخذ عن جماعة لا يحصون، حتى بلغت عدة من أخذ عنه زيادة عن أربعمائة نفس، وأذن له غير واحد بالإفتاء والتدريس والاملاء

وكان شيخه شيخ الاسلام ابن حجر يحبه ويثني عليه وينّوه بذكره ويعرّف بعلوّ فخره، ويرجّحه على سائر جماعته المنسوبين إلى الحديث وصناعته ومما وصفه به بعض الحفاظ: هو والله بقية من رأيت من المشايخ، وأنا وجميع طلبة الحديث بالبلاد الشامية والبلاد المصرية وسائر بلاد الإسلام عيال عليه، والله ما أعلم في الوجود له نظيرا. وقال غيره: هو الآن من الأفراد في علم الحديث الذي اشتهر فيه فضله وليس بعد شيخ الاسلام ابن حجر فيه مثله وقال آخر: هو الذي انعقد على تفرده بالحديث النبوي الاجماع، وانه في كثرة اطلاعه وتحقيقه لفنونه بلغ ما لا يستطاع، ودوّنت تصانيفه واشتهرت، وثبت سيادته في هذا الفن النفيس وتقررت، ولم يخالف أحد من العقلاء في جلالته ووفور ثقته وديانته وأمانته، بل صرحوا بأجمعهم بأنه هو المرجوع إليه في التعديل والتجريح والتحسين والتصحيح، بعد شيخه شيخ الاسلام ابن حجر حامل راية العلوم والأثر ...»(٢) .

____________________

(١). المقاصد الحسنة: ٩٧.

(٢). النور السافر: ١٦.

٢١٩

٢ - فضل الله بن روزبهان في ( شرح الشمائل ) إذ وصفه بـ « الشيخ الامام الرحلة، حافظ العصر مسند مصر، الذي تفرّد في زمانه بعلوّ الإِسناد ورفعة الشأن، حتى أذعن لجلالة قدره أجلة أئمة الدوران ».

٣ - عبد الغفار العدثاني في ( عجالة المراكب وبغية الطالب ) بقوله: « الحافظ الكبير العلم الشهير خاتمة الحفاظ بلا نزاع، ولد بربيع الأول سنة ٨٢١ بالقاهرة إمام جليل القدر وخاتم حفاظ العصر. توفي سنة ٩٠١ بالمدينة الشريفة ».

٤ - الشوكاني ترجمة مفصلة كذلك(١) .

(٨٧)

اثبات الكاشفي الواعظ

ولقد أثبته حسين بن علي الكاشفي المعروف بالواعظ البيهقي في ذكر مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وبيان فضائله ومناقبه من كتابه الشهير ( روضة الشهداء ).

روضة الشهداء

وغير خفي أن كتاب ( روضة الشهداء ) من الكتب المعروفة التي اعتنى بها العلماء قال في ( كشف الظنون ) « روضة الشهداء فارسي لحسين بن علي الكاشفي المعروف بالواعظ البيهقي المتوفى سنة ٩١٠، وترجمه الفضولي محمد بن سليمان البغدادي المتوفى سنة ٩٧٠ وسمّاه حديقة السعداء قال فيه: اقتديت بروضة الشهداء في أصل التأليف وألحقت الفوائد من الكتب، فكان كتاباً مستقلاً كما مر في الحاء، وترجمه أيضاً الجامي المصري المتوفى سنة، وسمّاه سعادت نامه، قال:

____________________

(١). البدر الطالع ٢ / ١٨٤.

٢٢٠

الجملة المختصرة الدالّة على المقصود إلى جملة طويلة غير واضحة الدلالة عليه؟!

النكات واللّطائف فيما قاله النبيّ ودعا به

لكنّ دعائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك » . من جوامع كلمه وسواطع حكمه، فيه لطائف ونكت رفيعة، وهي بمجموعها تدلّ على اهتمام منه بليغ بإظهار علوّ مقام أمير المؤمنينعليه‌السلام في ذلك المقام:

١ - خطابه الباري عزّ وجلّ ونداؤه إيّاه باسم ذاته « الله » الذي هو أحبّ الأسماء إليه.

٢ - قوله: « اللّهم » دون « يا الله » إذ في الأول دلالة على التفخيم والتعظيم ليست هي في الثاني، لاشتماله على شدّتين ليستا في « يا الله ». وهذه النكتة نظير النكتة في اختيار ضم الضمير المجرور في قوله تعالى:( عَلَيْهُ اللهَ ) .

٣ - في « اللّهم » نكتة أُخرى ليست في « يا الله »، هي أنّ الميم عوض حرف النداء، فدلّت الكلمة على النداء لله سبحانه مع الابتداء باسمه العظيم، بخلاف « يا الله ». ومن الواضح أنّ الابتداء باسمه أدخل في التعظيم والتبرّك.

٤ - في أكثر طرق الحديث لفظ « ائتني ». وإنّما اختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا اللّفظ على « أرسل إليَّ» و « أبعث إليَّ » ونحوهما لما في « الإِتيان » - مع تعديته بالباء - من الدّلالة على مزيد العناية والاحتفال بشأن المأتيّ به، فكأن المرسل مصاحب للمأتيّ به، كما عن المبرّد في معنى: « ذهب فلان بزيد » أنّه يدّل على مصاحبة الفاعل للمفعول به، لأنّ الباء المعديّة عنده بمعنى مع.

٥ - قوله: « إئتني » دون « ائت » ليدلّ على أنّ مطلوبه حضور أحبّ الخلق عنده، لا مطلق إتيان أحبّ الخلق.

٢٢١

٦ - إختياره لفظ « الأحب » على غيره من الألفاظ الدالّة على التفضيل والتّرجيح لأنّ كثرة محبّة الله تعالى لشخصٍ تدلّ على جمعه لجميع صفات الكمال والمجد والعظمة، لأنّ مقام المحبّة أعلى المقامات وأسنى الدرجات.

٧ - « الأحب » هو « الأكثر محبوبية » فأمير المؤمنينعليه‌السلام أشدّ الخلق حباً لله، لأنّ « المحبوبية » فرع « المحبيّة » قال الله تعالى:( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) .

٨ - أضاف لفظة « أحب » إلى « الخلق » ليدلّ بصراحة على أنّ عليا أحبّ خلق الله، ولو لا إرادة الدّلالة الصرّيحة لا كتفي بأن يقول « الأحب » معرفا باللاّم.

٩ - أضاف كلمة « خلق » إلى ضمير الخطاب حيث قال: « خلقك » ليظهر أنّهعليه‌السلام أحبّ جميع الخلق بحيث كان أهلاً لأن يضاف إلى الحقّ جلّ جلاله والمراد من « الخلق » هو « المخلصون » فهو الأحبّ من غير المخلصين بالأولويّة.

١٠ - لفظة « الخلق » اسم جنس. واسم الجنس المضاف يفيد العموم، كما نصّ عليه أكابر العلماء، فالمراد: جميع الخلق المخلصين.

١١ - إتيانه بكلمة « إليك » هو لغرض إفادة الدّلالة الصريحة، وإلّا لكانت مقدرّة أو كانت الدّلالة على أحبيّته إلى الله بالالتزام، لأنّه مع وجود « إليّ » يكون الأحب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن كان أحبّ إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو أحبّ إلى الله تعالى بالالتزام.

١٢ - أضافصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفظ « وإلى رسولك » أو « وإليّ » ليصرّح وينصّ على أن عليّاً أحبّ الخلق إليه، وإن كان في قوله « إليك » كفاية، لأنّ « الأحبّ إلى الله » هو « الأحبّ إلى الرسول» قطعاً فهو إذن، « الأحبّ إلى النبيّ » بالدّلالتين.

١٣ - إنّه لم يذكر لـ « أحبّ » متعلَّقاً خاصّاً، ليدل على عموم أحبيّته

٢٢٢

وشمولها لجميع الأنواع والأقسام والأصناف، لأنّ حذف المتعلَّق في مقام البيان دليل العموم

١٤ - قوله « يأكل معي من هذا الطائر » لإثبات أنّ سبب طلبه للأكل معه هو أحبيّته إلى الله ورسوله، وليس أمراً نفسانياً.

١٥ - كلمة « معي » في قوله: يأكل معي من هذا الطائر، لإفادة أنّ علياعليه‌السلام لا يأكل الطائر بانفراد، بل إنّه لمـّا كان الغرض من الطّلب للأكل إظهار شأن علي ومنزلته عند الله ورسوله فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوف يشاركه في الأكل من الطير، ليكشف عن سببيّة مقاماته المعنوية ومراتبه الدينيّة وقربه من الله ورسوله لطلب حضوره والمؤاكلة معه.

٩ - قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحبّ الخلق إليك » يكذّب الحمل المذكور

وأيضاً: لو كان المراد هو « الأحبّ في الأكل » لم يكن لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أحبّ الخلق إليك » معنى، لأنّ « الأحبيّة في الأكل » ميل طبعي، وذلك محال في صفة الله تعالى، كما سبق في كلام الغزالي بل هذه الأحبيّة هي الثواب ورفعة المقام والمرتبة. وقال السيّد المرتضى:

« قد قال السائل: هب أنا سلّمنا صحة الخبر، ما أنكرت أنْ لا يفيد ما ادّعيت من فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام على المجاعة، وذلك أن معنى فيه: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي يريد: أحبّ الخلق إلى الله تعالى في الأكل معه، دون أن يكون أراد أحبّ الخلق إليه في نفسه لكثرة أعماله، إذ قد يجوز أن يكون الله تعالى يحبّ أن يأكل مع نبيّه من هو غير أفضل، ويكون ذلك أحبّ إليه للمصلحة.

٢٢٣

فقال الشيخ أيّده الله(١) : هذا الذي اعترضت به ساقط، وذلك أن محبّة الله تعالى ليست ميل الطباع وإنّما هي الثواب، كما أنّ بغضه وغضبه ليستا باهتياج الطباع وإنّما هما العقاب. ولفظ أفعل في أحبّ وأبغض لا يتوجه إلّا ومعناهما من الثواب والعقاب، ولا معنى على هذا الأصل لقول من زعم أنّ أحبّ الخلق إلى الله يأكل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توجه إلى محبّة الأكل والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل، لأنّه يخرج اللفظ ممّا ذكرناه من الثّواب إلى ميل الطباع، وذلك محال في صفة الله تعالى»(٢) .

١٠ - قوله: « بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك »

عن ( كتاب الطير ) قال الحافظ أبو بكر ابن مردويه: « نا فهد بن إبراهيم البصري قال: نا محمّد بن زكريا قال: نا العبّاس بن بكّار الضّبي قال: نا عبد الله ابن المثنى الأنصاري، عن عمّه ثمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك:

إن اُمّ سلمة صنعت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيراً أو أضباعاً فبعثت به إليه، فلمـّا وُضِعَ بين يديه قال: اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي بن أبي طالب فقال له أنس: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، واجتهد النبيّ في الدعاء وقال: اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك. فجاء علي، فقال له أنس: إنّ رسول الله على حاجة. قال أنس: فرفع علي يده فوكز على صدري ثمّ دخل. فلمـّا نظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام قائماً فضمّه إليه وقال: يا ربّ وإليَّ، يا ربّ وإليَّ. ما أبطأ بك يا علي؟ قال: يا رسول الله، قد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس، فرأيت الغضب في وجه رسول الله وقال: يا أنس ما حملك على

____________________

(١). يعني: الشيخ محمّد بن النعمان المفيد البغدادي

(٢). الفصول المختارة: ٦٥.

٢٢٤

ردّه؟ قلت: يا رسول الله، سمعتك تدعو فأحببت أنْ تكون الدّعوة في الأنصار. قال: لست بأوّل رجلٍ أحبَّ قومه، أبى الله - يا أنس - إلّا أن يكون ابن أبي طالب ».

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك » يكذّب الحمل والتأويل المذكور، إذ « الأوجه » في هذا المقام بمعنى « الأفضل على الإِطلاق » ومنه يعلم أنّ « الأحبّ » كذلك فقد دلّ الحديث على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام « أحبّ » و « أوجه » و « أشرف » و « أفضل » جميع « الخلق » عند الله سبحانه - عدا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من الأنبياء والملائكة والناس أجمعين

١١ - قوله: « بخير خلقك »

وعن ( كتاب الطير ) للحافظ أبي نعيم الأصفهاني: « نا علي بن حميد الواسطي، نا أسلم بن سهل، نا محمّد بن صالح بن مهران قال: نا عبد الله بن محمّد بن عمارة قال: سمعت من مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال بعثتني أم سليم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطير مشوي ومعه أرغفة من شعير، فأتيته به فوضعته بين يديه فقال: يا أنس اُدع لنا من يأكل معنا هذا الطير، اللّهم ائتنا بخير خلقك، فخرجت فلم يكن همّي إلّا رجلاً من أهلي آتيه فأدعوه، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب، فدخلت، فقال: أما وجدت أحداً؟ قلت: لا. قال: اُنظر. فنظرت فلم أجد أحداً إلّا عليّاً. ففعل ذلك ثلاث مرّات. فرجعت فقلت: هذا علي بن أبي طالب. فقال: ائذن له، اللّهم وإليَّ، اللّهم وإليَّ »

٢٢٥

١٢ - قوله: « أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليَّ من الأوّلين والآخرين »

وروى ابن المغازلي حديث الطير بإسناده عن أنس بن مالك وفيه: « اللّهم أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليَّ من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي » وقد تقدّم الحديث بتمامه في موضعه من قسم السّند، لكنّنا نذكر هنا متنه مرةً أُخرى:

« عن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشوي - أهدته له امرأة من الأنصار - فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعت ذلك بين يديه. فقال: اللّهم أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليَّ من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر. قال أنس: فقلت في نفسي: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار من قومي. فجاء علي، فطرق الباب فرددته وقلت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متشاغل - ولم يعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك - فقال: اللهم أدخل علىَّ أحبّ الخلق من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر. قلت: اللّهم رجلاً من قومي الأنصار. فجاء علي فرددته. فلمـّا جاء الثّالثة قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قم يا أنس فافتح الباب لعلي. فقمت ففتحت الباب فأكل معه، فكانت الدعوة له »(١) .

وهل بعد هذه الجملة من مجال لتأويل لفظ « الأحبّ » وتقييده؟ لقد ثبت من هذا الحديث - أيضاً - أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى النبيّ - وإلى الله بالملازمة - من جميع الخلق من الأوّلين والآخرين أي حتى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين.

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ١٦٨.

٢٢٦

١٣ - لو كان الغرض تضاعف لذّة الطعام لجاءت إحدى نسائه

إنّه لو كان المقصود حضور أحبّ الخلق في الأكل مع النبيّ حتى يتضاعف لذّة الطعام، لكان مقتضى استجابة هذا الدعاء حضور إحدى زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوضوح حصول الغرض من الدعاء - وهو الالتذاذ المتضاعف من الطعام - بمؤاكلة الزوجة المحبوبة، وأنّه لا يسدّ مسدّها في هذه الناحية أحد من الأولاد فضلاً عن غيرهم.

لكنّ عدم حضور أحد من نسائه - لا سيّما تلك التي يزعمون أنّها أحبّ نسائه بل النساء عامّةً إليه - وكذا عدم حضور فاطمةعليها‌السلام وهي ابنته لو كان الغرض يحصل بمؤاكلة الأولاد، دليل على أنّ غرضه من الدّعاء شيء آخر، وأنّ المقصود من « الأحبّ » ليس « الأحبّ في الأكل »

لقد استجاب الله عزّ وجلّ دعاء نبيّه وحبيبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأحضر عنده أحبّ الخلق إليه وأفضل الناس عنده.

١٤ - صنائع أنس دليل بطلان التأويل

ولو كان المراد مجرّد الأحبيّة في الأكل فلماذا كلّ هذا الإِهتمام من أنس ابن مالك لأنّ يختص بذلك قومه من الأنصار؟ ولماذا منع علياًعليه‌السلام مرة بعد أُخرى من الدخول على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

إنّ كلّ عاقل يلحظ أخبار قصّة الطير وما كان فيها من أنس من كذبٍ واحتيال وتعلّل، يحصل له اليقين الثابت بأنّ الدخول على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الساعة والأكل معه من ذاك الطائر، مرتبة عظيمة ومنزلة رفيعة.

وأيضاً: من الظّاهر جدّاً - بناء على حمل الأحبيّة على الأحبيّة في خصوص الأكل - أنّ الشخص الأحبّ إليه في الأكل ليس إلّا من كان أكثر

٢٢٧

معاشرةً أو أقرب نسباً أو أشدّ أُلفةً من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ومن المعلوم أن الأنصار لم يكونوا حائزين لهذا الشّرف وتلك المرتبة، فكيف يرجو أنس أن يكونوا مصداق دعاء الرسول؟

١٥ - قول أنس: « اللّهم اجعله رجلاً منّا حتى نشرّف به »

وعن ( كتاب الطير ) للحافظ ابن مردويه: « نا محمّد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن قال: نا علي بن الحسن السمالي قال: حدّثني محمّد بن الحسن بن الجهم، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن أنس قال: أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر فأعجبه، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطير. قال أنس قلت: اللّهم اجعله رجلاً منّا حتّى نشرّف به. قال: فإذا علي. فلمـّا أنْ رأيته حسدته فقلت: النبيّ مشغول، فرجع، قال: فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثانية، فأقبل علي كأنّما يضرب بالسيّاط، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتح افتح، فدخل، فسمعته يقول: اللّهم وإليَّ، حتى أكل معه من ذلك الطير».

فإذن كانت القضيّة ممّا يتشرف ويعتّز به ولم تكن الأحبيّة في الأكل العارية من كلّ فضيلة والخالية من كلّ شرف كما يزعم النّواصب

ونعم ما أفاد الشيخ المفيد البغدادي - طاب ثراه - حيث قال:

« إنّ الذي يسقط ما اعترض به السائل في تأويل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك » على المحبّة في الأكل معه، دون محبّته في نفسه بإعظام ثوابه بعد الذي ذكرناه في إسقاطه: أن الرواية جاءت عن أنس بن مالك أنّه قال: لمـّا دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيه تعالى بأحبّ الخلق إليه: قلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار لتكون

٢٢٨

لي الفضيلة بذلك. فجاء علي فرددته وقلت له إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شغل، فمضى، ثمّ دعا ثانيةً فقال لي: استأذن لي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقلت له: إنّه على شغل. ثمّ عاد ثالثة فاستأذنت له، ودخل، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد كنت سألت الله تعالى أن يأتيني بك دفعتين، ولو أبطأت عليَّ الثالثة لأقسمت على الله أن يأتيني بك.

ولو أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل الله تعالى أن يأتيه بأحبّ خلقه إليه في نفسه، وأعظمهم ثواباً عنده، وكانت هذه من أجلّ الفضائل، لَما آثر أنس أن يختص بها قومه، ولو لا أنّ أنسا فهم ذلك من معنى كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما دافع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن الدخول، ليكون ذلك الفضل لرجل من الأنصار، فيحصل له جزء منه »(١) .

١٦ - قول أنس: « فإذا علي فلمـّا أن رأيته حسدته »

وجاء في الحديث - فيما رواه ابن مردويه -: « قلت اللّهم اجعله رجلاً منّا حتى نشرّف به. قال: فإذا علي، فلمـّا أن رأيته حسدته، فقلت: النبيّ مشغول، فرجع ». و في لفظ خبر ابن المغازلي عنه: « بينا أنا كذلك إذْ دخل علي فقال: هل من إذن؟ فقلت: لا، ولم يحملني على ذلك إلّا الحسد ».

وهذا دليل آخر على أنّ الأحبيّة لم تكن في الأكل فقط بل إنّها كانت أحبيّة جليلة القدر وعظيمة الفخر توجب الأفضليّة التامّة والأكرمية الكاملة

____________________

(١). الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٦٨.

٢٢٩

١٧، ١٨ - قول عائشة وحفصة: « اللّهم اجعله أبي »

وأخرج أبو يعلى حديث الطير بسنده باللفظ التالي:

« ثنا قطن بن نسير، ثنا جعفر بن سليمان الضبّعي، ثنا عبد الله بن مثنّى، نبأ عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجل مشوي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام. فقالت عائشة: اللّهم اجعله أبي. وقالت حفصة: اللّهم اجعله أبي. قال أنس: فقلت اللّهم اجعله سعد بن عبادة.

قال أنس: سمعت حركة الباب فسلّم فإذا علي. فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف ثمّ. ثمّ سمعت حركة الباب فسلّم عليّ فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته فقال: اُنظر من هذا! فخرجت فإذا علي. فجئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته. فقال: ائذن له، فأذنت له فدخل. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وإليَّ وإليَّ »(١) .

فلو كان معنى الحديث « الأحبّ في الأكل » فما هذا الولوع والشغف من عائشة وحفصة؟! وهلّا فهمتا هذا المعنى من الحديث، لا سيّما عائشة التي يزعم المتعصّبون من القوم إرجاع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاُمة إليها، لأخذ الدين والأحكام الفقهية منها!! فلا تدعوان لوالديهما اللذين هما - بزعمهما - أعلى مرتبة وأجلّ شأناً، لحضور أمرٍ جزئيّ تافه لا أثر له!!

لكنّ هذه الأحبيّة هي الأحبيّة التامّة العامّة المطلقة، المقتضية للأفضلية التامة المطلقة وهي التي تمنّتها عائشة لأبيها!! وحفصة لأبيها!! وأنس

____________________

(١). تاريخ دمشق ٢ / ١١١ رقم: ٦١٤.

٢٣٠

لسعد أو غيره من الأنصار!!

١٩ - تكرار النبيّ الدعاء واجتهاده فيه

وقد اتّفقت الأخبار على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّر دعائه وطلبه من الله تعالى أنْ يأتيه بأحبّ الخلق إليه بل في بعضها: « واجتهد النبيّ في الدعاء »

وهكذا يكشف عن أن لمطلوبه شأناً عظيماً ومرتبةً عاليةً فاللازم بحكم العقل أن تكون صفة « الأحبيّة » المذكورة في دعائه المتكرّر صفةً جليلةً تكشف عن مقام صاحبها

٢٠ - قيام النبيّ لدى دخول علي وضمّه إليه

وفيما رواه الحافظ ابن مردويه عن أنس: « قال أنس: فرفع علي يده، فوكز على صدري ثمّ دخل، فلمـّا نظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام قائماً فضمّه إليه وقال: يا ربّ وإليَّ، يا ربّ وإليَّ، ما أبطأ بك يا علي! ».

وهذه قرائن اُخرى على أنّ هذه « الأحبيّة » شرف عظيم شاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إظهاره وإثباته لأمير المؤمنينعليه‌السلام باهتمام بالغ

٢١ - فلمـّا رآه تبسَّم وقال: الحمد لله

وهكذا في رواية النجار وبعض العلماء الكبار عن أنس: « قال: فدخل، فلمـّا رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسَّم ثمّ قال: الحمد لله الذي جعلك. فإنّي أدعو في كلّ لقمة أن يأتيني أحبّ الخلق إليه وإليّ، فكنت أنت ».

فما كلّ هذا لو كانت « الأحبيّة » في الأكل فقط!!

٢٣١

٢٢ - غضبه على أنس لردّه عليّا ً

وفي رواية ابن مردويه عنه أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أبطأ بك يا علي؟. قال: يا رسول الله قد جئت ثلاثاً، كلّ ذلك يردّني أنس. قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول الله وقال: يا أنس ما حملك على ردّه؟ قلت: يا رسول الله، سمعتك تدعو، فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار. قال: لست بأوّل رجل أحبّ قومه. أبى الله يا أنس إلّا أن يكون ابن أبي طالب ».

فلماذا الغضب من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على خُلقٍ عظيم؟! ألأمرٍ جزئي لا يعبؤ به؟! ولما ذا ذاك السّرور والاستبشار من حضور أحبّ الخلق إلى الله وإليه؟! ألأمرٍ جزئي لا يعبؤ به؟!

٢٣ - قوله: أبى الله يا أنس إلّا أنْ يكون ابن أبي طالب

من الأدّلة الواضحة والبراهين الساطعة على أنّ هذه الأحبيّة تشريف خاص من الله لعلي بواسطتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن دون أن يكون لميله النفساني دخل في ذلك وإلّا لقال: يا أنس أما علمت أنّ علياً أحبُّ الخلق إليَّ في الأكل، لكونه مني بمنزلة ولدي، فلا يكون الدعاء إلّا فيه.

نعم يدل هذا الكلام من النبيّعليه‌السلام أن ذاك المقام كان من الله سبحانه، وأنّه لا ينال إلّا علياًعليه‌السلام فظهر بطلان ما سنذكره من تأويلي ( الدهلوي )

٢٤ - قوله له: علي أحبّ الخلق إلى الله

وفي رواية فخر الدين الهانسوي: « فآذنه النبيّ بالدخول وقال: ما أبطأ بك عنّي؟ قال: جئت فردّني أنس، ثمّ جئت الثانية والثالثة فردّني. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس ما حملك على هذا؟ قال: رجوت أن يكون

٢٣٢

الدعاء لأحدٍ من الأنصار. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ أحبّ الخلق إلى الله. فأكل معه »(١) .

أي: كيف ترجو أن يكون الدعاء لأحد من الأنصار، وعليّ أحبّ الخلق إلى الله؟! وقد دعوت أن يأتيني بأحبّ خلقه إليه فبطل تأويل « الأحبيّة » إلى الأحبيّة في الأكل لأجل تضاعف لذّة الطّعام بل هي الأحبيّة التامة العامّة وبذلك تبطل التأويلات الأخرى كذلك

٢٥ - قوله في جوابه: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

وقال محمّد مبين اللكهنوي: « عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقدّم لرسول الله فرخ مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. قال فقلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار. فجاء علي، فقلت: إن رسول الله على حاجة، ثمّ جاء فقال رسول الله: افتح، فدخل. فقال رسول الله: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله، سمعت دعاءك، فأحببت أن يكون رجلاً من قومي. فقال رسول الله: الرجل قد يحب قومه. وفي بعض الروايات: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وهذا الحديث في المشكاة أيضاً برواية الترمذي »(٢)

أي: ليس لك أنْ ترجو أن يكون الذي دعوت الله أن يأتيني به رجلاً من قومك ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم إنّه لا يكون برجاء هذا وذاك بل ليس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً دخل فيه إنّه بيد الله وفضلُ منه

____________________

(١). دستور الحقائق - مخطوط.

(٢). وسيلة النجاة: ٢٨.

٢٣٣

٢٦ - قوله في جوابه: أوَ في الأنصار خير من علي؟!

قال وليّ الله اللكهنوي: « ووقع في روايةِ الطبراني، وأبي يعلى، والبزار بعد قوله فجاء عليرضي‌الله‌عنه فرددته، ثمّ جاء فرددته، فدخل في الثّالثة أو في الرابعة. فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك عنّي - أو ما أبطأ بك عنّي - يا علي؟ قال: جئت فردّني أنس، ثمّ جئت فردّني أنس. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رجوت أن يكون رجلاً من الأنصار. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أَوَفي الأنصار خير من عليّ، أو أفضل من علي؟ »(١) .

فإذن، ملاك « الأحبيّة » في حديث الطير هو « الأفضليّة » وأمير المؤمنينعليه‌السلام هو الأفضل من جميع المهاجرين والأنصار فهل تأويلها إلى ما ذكره ( الدهلوي ) إلّا مكابرة ولجاج؟ وهل يجنح إليه ويقبله إلّا من أعمته العصبيّة العمياء، وغلبت على قلبه البغضاء؟

٢٧ - قول أنس لعلي: إن عندي بشارة

وعن كتاب ( المعرفة ) لعبّاد بن يعقوب الرواجني وفي غير واحد من الكتب: « قال أنس: قلت: يا أبا الحسن استغفر لي فإنّ لي إليك ذنباً، وإنّ عندي بشارة. فأخبرته بما كان من دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فحمد الله واستغفر لي ورضي عنّي وأذهب ذنبي عنده بشارتي إيّاه ».

ففي هذا الحديث: إنّ أنساً طلب من أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يستغفر له ذنبه وهو ردّه إيّاه مرةً بعد مرةً، للحيلولة دون دخولهعليه‌السلام على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووعده - في مقابل الاستغفار له - أن يبشّره

____________________

(١). مرآة المؤمنين - مخطوط.

٢٣٤

ببشارةٍ، وهي إخباره بما كان من دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الواقعة.

فلو كانت « الأحبيّة » خاصّةً بالأكل معه لم يجعلها بشارة، لأنّ الأحبيّة على تقدير تقييدها بمحض الأكل الذي هو أمر حقير يسير، ممّا لا يصلح للإِعتناء حتّى يهنّأ به وصيّ البشير النذير

٢٨ - حديث الطير من خصائص علي عند سعد بن أبي وقاص

وروى الحافظ أبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص قوله: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي بن أبي طالب ثلاث خِصَالٍ: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله وحديث الطير. وحديث غدير خم »(١) .

إنّ ( حديث الغدير ) و ( حديث الرّاية ) من أقوى الأدلّة الصريحة في خلافة الأميرعليه‌السلام ، فمقتضى السّياق - بغض النظر عن الوجوه الاُخرى - أن يكون حديث الطير كذلك وكيف يرضى العاقل البصير أن يكون مدلول حديث الطير الواقع في هذا السياق مجرّد الأحبيّة في الأكل لتضاعف لذّة الطعام؟

٢٩ - احتجاج الأمير بحديث الطير في الشورى

وفي حديث الشورى - الذي رواه: ابن عقدة، والحاكم، وابن مردويه، وابن المغازلي، والخطيب الخوارزمي، والكنجي - إنّ الإِمامعليه‌السلام احتجّ على القوم - فيما احتجّ به على أفضليته منهم وأحقيّته بالإِمامة - بحديث الطير -.

فحديث الطير كسائر أحاديث فضائلهعليه‌السلام ممّا يحتجّ به على

____________________

(١). حلية الأولياء - ترجمة ابن أبي ليلى ٤ / ٣٥٦.

٢٣٥

الإِمامة والخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوضوح دلالته على أفضليّته كالأحاديث الأخرى.

ونقول - بقطع النظر عن أدلّة عصمة الأميرعليه‌السلام - إنّه لا يجوّز مسلم تطرّق الغلط في استدلاله، فإن تجويز ذلك في الشناعة بحيث جعله ( الدهلوي ) ووالده شاهداً على حمق قائله وجهله.

وأيضاً: فليس في حديث الشورى مطلقاً ما يدلّ على عدم تسليم القوم ما قاله بل إنّه ظاهر في قبولهم وإنْ أعرضوا عن ترتيب الأثر عليه ظلماً وعدواناً!!

وحينئذٍ، فإنّ جميع التأويلات التي ذكرها المكابرون ساقطة، وهلّا تبعوا أئمتهم في التسليم والقبول!! ولنعم ما قال الشيخ المفيد طاب ثراه:

« وشيء آخر وهو: أنّه لو احتمل معنى آخر لا يقتضي الفضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام لما احتجّ به أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الدار، ولا جعله شاهده على أنّه أفضل من الجماعة، وذلك أنّه لو لم يكن الأمر على ما وصفناه، وكان محتملا لما ظنّه المخالفون من أنّه سأل ربّه تعالى أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه في الأكل معه، لما أمن أمير المؤمنينعليه‌السلام من أن يتعلَّق بذلك بعض خصومه في الحال، أو يشتبه ذلك على إنسان، فلمـّا احتجّ به أمير المؤمنينعليه‌السلام على القوم، واعتمده في البرهان، دلّ على أنّه لم يكن مفهوماً منه إلّا فضلهعليه‌السلام .

وكان إعراض الجماعة أيضاً بتسليم إدّعائه دليلاً على صحة ما ذكرناه، وهذا بعينه يسقط قول من زعم أنّه يجوز مع إطلاق النبيّعليه‌السلام ما يقتضي فضله عند الله تعالى على الكافّة وجود من هو أفضل منه في المستقبل، لأنّه لو جاز ذلك لما عدل القوم عن الاعتماد عليه، ولجعلوه شبهة في منعه ممّا ادّعاه من القطع على نقصانهم عنه في الفضل.

وفي عدول القوم عن ذلك دليل على أنّ القول مفيد بإطلاقه فضله،

٢٣٦

ومؤمن بلوغ أحد منزلته في الثواب بشيء من الأعمال. وهذا بيّن لمن تدبّره »(١) .

٣٠ - حديث الطير من فضائل علي وخصائصه عند عمرو بن العاص

وفي كتاب ( مناقب علي بن أبي طالب ) لموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي: أنّ عمرو بن العاص كتب إلى معاوية كتاباً ذكر فيه مناقب لأمير المؤمنينعليه‌السلام وقد جاء حديث الطير ضمن تلك الفضائل والمناقب التي احتّج بها ابن العاص، لعلّو مقام الإِمام وسمّو مرتبة

وهل من المعقول أن يحتّج به ابن العاص لو كان معناه الأحبّ في الأكل فقط؟

إنّه لو لا دلالته التامّة على فضل الإِمامعليه‌السلام لما شهد به ابن العاص - المعاند له - في مقابل رئيس الفرقة الباغية وهذا أمر يعترف به من كان له أقل بصيرةٍ وإنصَاف

أقول:

فمن هذه الوجوه - ووجوه أُخرى لم نذكرها اختصاراً - لا يبقى أيّ ريب في عموم « الأحبيّة» الواردة في حديث الطير وبطلان تأويلات ( الدّهلوي ) ومن تقدّمة لهذا الحديث الشريف، لأجل صرفه عن الدلالة على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام فخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبالرغم من كفاية تلك الوجوه المتينة في الدلالة على ما ذكرنا، فإنّا نورد فيما يلي نبذة من الأحاديث الدالّة بوضوح على عموم أحبيّة سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تأكيداً لفساد تخيّلات ( الدهلوي ) وغيره من المسوّلين

____________________

(١). الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٦٩.

٢٣٧

٢٣٨

الأخبار والآثار

في أنّ عليّاً أحبُّ الخلق مطلقا ً

٢٣٩

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460