نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار8%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 315776 / تحميل: 6978
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

من الأحاديث الصَّريحة في:

أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله والرّسول مطلقا ً

١ - روى الكنجي والبدخشاني عن الحافظ أبي نعيم في أربعينه والطبراني في الكبير، ومحبّ الدين الطبري عن الحافظ أبي العلاء الهمداني في أربعينه في المهدي كلّهم عن علي بن الهلال، عن أبيه، عن علي - واللّفظ للطبري - قال:

« دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحالة التي قبض فيها، فإذا فاطمة - رضي الله عنها - عند رأسه، فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها وقال: حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟ فقالت: أخشى الضّيعة من بعدك. فقال: يا حبيبتي، أما علمت أنّ الله تعالى اطّلع على أهل الأرض اطّلاعةً فاختار منها أباك فبعثه برسالته، ثمّ اطّلع اطّلاعة على أهل الأرض فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه!

يا فاطمة: ونحن أهل بيتٍ قد أعطانا الله سبع خصالٍ لم يعط أحداً قبلنا، ولا يعطي أحداً بعدنا:

أنا خاتم النبيين وأكرمهم على الله عزّ وجلّ، وأحبّ المخلوقين إلى الله تعالى، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ وهو بعلكِ،

٢٤١

وشهيدنا خير الشّهداء وأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ وهو حمزة بن عبد المطلب عمّ أبيكِ وعمّ بعلكِ. ومنّا من له جناحان أخضران يطير بهما في الجنّة حيث يشاء مع الملائكة وهو ابن عمّ أبيك وأخو بعلك. ومنّا سبطا هذه الاُمّة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيّدا شباب أهل الجنّة وأبوهما - والذي بعثني بالحق - خير منهما.

يا فاطمة، والذي بعثني بالحق، إنّ منهما مهدي هذه الاُمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطّعت السّبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً، يبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منها من يفتح حصون الضّلالة، وقلوباً غلفاً، يقوم بالدّين في آخر الزّمان كما قمت به في أوّل الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً »(١) .

فالنبيّ يصف عليّاً -عليه‌السلام - بقوله: « ووصيي خير الأوصياء وأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ » ومن المعلوم أنّ الأوصياء السّابقين كانوا أنبياء فعليعليه‌السلام أحبّ إلى الله من أُولئك الأنبياء فمن زيدٌ هناك ومن عمرو؟!

فالحديث يدلّ على أحبيّة علي من الأنبياء بالدلالة المطابقية، وعلى أحبيّة من غيرهم بالأولويّة القطعيّة وهذا أيضاً مفاد حديث الطير، لأنّ الحديث يفسّر بعضاً.

٢ - روى السيد علي الهمداني: « عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حدّثني جبرئيل عن الله عزّ وجلّ: إنّ الله يحب عليّاً ما لا يحبّ الملائكة ولا النبيّين ولا المرسلين، وما من تسبيح يسبّحه لله إلّا ويخلق الله ملكاً يستغفر لمحبيّه وشيعته إلى يوم القيامة »(٢) .

____________________

(١). البيان في أخبار صاحب الزمان: ٧. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ١٣٥. مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٢). مودة القربى - ينابيع المودة: ٢٥٦.

٢٤٢

فهل من تأمّل في أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام من الثلاثة؟!

٣ - روى الخطيب الخوارزمي بسنده من طريق محمّد بن جرير الطبري، عن عبد الله بن عمر قال: « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وسئل بأيّ لغةٍ خاطبك ربّك ليلة المعراج فقال - خاطبني بلغة علي بن أبي طالب، فألهمني أنْ قلت: يا ربّ خاطبتني أم علي؟ فقال: يا أحمد، أنا شيء ليس كالأشياء، لا اُقاس بالناس، ولا اُوصف بالشبهات، خلقتك من نوري وخلقت علياً من نورك، فاطّلعت على سرائر قلبك فلم أجد أحداً في قلبك أحبّ إليك من علي بن أبي طالب، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئنُّ قلبك »(١) .

ورواه نور الدين جعفر البدخشي في ( خلاصة المناقب ) مرسلاً.

وعلى ضوء هذا الحديث يتضّح فساد تأويلات ( الدهلوي ) وأنّ حديث الطّير من البراهين السّاطعة على أفضليّة مولانا أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام.

ومن لطائف هذا المقام: أنّ السيد علي بن أحمد بن معصوم المدني طاب ثراه يروي هذا الحديث الشريف بسند أكثره من رواية الأبناء عن الآباء حيث يقول:

« حدّثنا والدي الأجل أحمد نظام الدين، عن والده السيد الجليل محمّد معصوم، عن شيخه المحقق المولى محمّد أمين الأسترآبادي، عن شيخه طراز المحدّثين الميرزا محمّد الأسترآبادي، عن السيّد أبي محمّد محسن قال: حدّثني أبي علي شرف الآباء، عن أبيه منصور غياث الدّين أستاذ البشر، عن أبيه محمّد صدر الحقيقة، عن أبيه منصور غياث الدين، عن أبيه محمّد صدر الدين، عن أبيه إبراهيم شرف الملّة، عن أبيه محمد صدر الدين، عن أبيه إسحاق عزّ الدين، عن أبيه علي ضياء الدين، عن أبيه عربشاه

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٣٧.

٢٤٣

زين الدين، عن أبيه أبي الحسن الأمير نجيب الدين، عن أبيه الأمير خطير الدين، عن أبيه أبي علي الحسن جمال الدين، عن أبيه أبي جعفر الحسين العزيزي، عن أبيه أبي سعيد علي، عن أبيه أبي إبراهيم زيد الأعثم، عن أبيه أبي شجاع علي، عن أبيه أبي عبد الله محمّد، عن أبيه علي، عن أبيه أبي عبد الله جعفر، عن أبيه أحمد السكّين، عن أبيه جعفر، عن أبيه أبي جعفر محمّد، عن أبيه زيد الشهيد، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه الحسين سيّد الشهداء، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال:

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - وقد سئل بأيّ لغةٍ خاطبك ربّك ليلة المعراج قال -: خاطبني بلسان علي، فألهمني أنْ قلت

توضيح : أقول: هذا الحديث الشريف رواه أيضاً أبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي المعروف بأخطب خوارزم

واللّغة كاللسان كما تطلق على ما يعبّر به كلّ قوم عن أغراضهم، كلغة العرب ولغة العجم، تطلق على ما يعبّر به الإِنسان الواحد عن غرضه، من النطق وتقطيع الصّوت، الذين يمتاز بهما الأشخاص بعضها عن بعض، ويعبّر عنها باللهجة، فقول السائل في الحديث: بأيّ لغة خاطبك ربّك؟ يحتمل المعنيين. و قوله: خاطبني بلسان علي - أو بلغة علي كما في رواية الخوارزمي - مراد به المعنى الثاني، وهو يتضمن الجواب عن المعنى الأول أيضاً إنْ كان مرادا، لأنّ لغة عليعليه‌السلام كانت عربيّة. وقاس الشيء بالشيء قدّره به، أي جعله على مقداره. والشبهات جمع شبهة كغرفة وغرفات قال في القاموس: الشبهة بالضم الالتباس والمثل انتهى. وإرادة المعنى الثاني هنا أظهر. أي لا أوصف بالأمثال، وإن كان المعنى الأول أيضاً ظاهراً »(١) .

٤ - أخرج الترمذي: « حدّثنا محمّد بن بشّار ويعقوب بن إبراهيم وغير

____________________

(١). التذكرة - مخطوط.

٢٤٤

واحد قالوا: نا أبو عاصم، عن أبي الجراح قال: ثني جابر بن صبيح قال: حدّثتني أم شراحيل قالت: حدّثتني أم عطيّة قالت: بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشاً فيهم علي. قالت: فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو رافع يديه يقول: اللّهم لا تمتني حتى تريني عليّاً هذا حديث غريب حسن، إنّما نعرفه من هذا الوجه »(١) .

ورواه الفقيه ابن المغازلي حيث قال: « قولهعليه‌السلام : لا تمتني حتى تريني وجه علي. أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن العباس البزاز قال: أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن الحسين بن محمّد المحاملي، نا علي بن مسلم، نا أبو عاصم قال: حدّثني أبو الجراح »(٢) .

ورواه الخطيب الخوارزمي بسنده عن الحافظ البيهقي قال: « أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمر قالا: حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب قال: حدّثنا أبو أميّة محمّد بن إبراهيم الطرسوسي، قال: حدّثنا أبو عاصم النبيل »(٣) .

ورواه الكنجي الشّافعي بسنده عن الترمذي قال: « هذا حديث عال، أخرجه أبو عيسى محمّد بن عيسى الترمذي في صحيحه، ووقع إلينا عاليا من غير هذا الطريق، لكن اقتصرنا على هذا لشهرته عند أهل النقل »(٤) .

ورواه الزرندي عن اُم عطيّة(٥) .

وكذا حسام الدين(٦) والبدخشاني(٧) عن الترمذي.

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٠١.

(٢). مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام : ١٢٢.

(٣). مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام : ٣٠.

(٤). كفاية الطالب: ١٣٣.

(٥). نظم درر السمطين: ١٠٠.

(٦). مرافض الروافض - مخطوط.

(٧). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٤٥

وهل في دلالته على الأحبيّة المطلقة العامّة ريب؟!

٥ - قال الحافظ محبّ الدين الطبري تحت عنوان « ذكر أنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بعد أن روى حديث الطير:

« وعن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: إنّ علياً دخل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام إليه وعانقه وقبّل ما بين عينيه، فقال له العباس: أتحبّ هذا يا رسول الله؟ فقال: يا عم، والله لله أشدّ حبّا له منّي. أخرجه أبو الخير القزويني(*) »(١) .

وكرّر روايته في « ذكر أن الله تعالى جعل ذريّته في صلب علي »(٢) .

وقد بلغت دلالة هذا الحديث في الوضوح حدّاً حتى ذكره الطبري تحت عنوان « ذكر أنّه أحبّ الخلق إلى الله » كما نصَّ محمّد بن إسماعيل وغيره على دلالته على ذلك.

فهذا هو الحديث، وهذه تصريحات المحقّقين من أهل السنّة فقل ما يقتضيه الإنصاف في تأويلات المنحرفين؟!

٦ - روى الخطيب الخوارزمي قائلاً: « أنبأني أبو العلاء الحافظ الحسن ابن أحمد العطار الهمداني قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المقري قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدّثنا حبيب بن الحسن قال: حدّثنا عبد الله بن أيوب القربي قال: حدّثنا زكريا بن يحيى المنقري قال: حدّثنا إسماعيل بن عبّاد المدني، عن شريك عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند زينب بنت جحش فأتى بيت أم سلمة - وكان يومها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فلم يلبث أن جاء علي فدقّ الباب دقّاً خفيفاً، فاستثبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدقّ

____________________

(١). ذخائر العقبى: ٦٢.

(٢). ذخائر العقبى: ٦٧.

(*). هو: أحمد بن إسماعيل المتوفى سنة: ٥٨٩ أو ٥٩٠. ترجم له في سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٩٠.

٢٤٦

فأنكرته اُمّ سلمة. قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قومي فافتحي له الباب. فقالت: يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب فأتلقاه بمعاصمي، وقد نزلت فيّ آية من كتاب الله بالأمس!! فقال - كالمغضب - إن طاعة الرّسول طاعة الله، ومن عصى الرسول فقد عصى الله! إنّ بالباب رجلا ليس بالنزق ولا الخرق، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. ففتحت له الباب، فأخذ بعضادتي الباب حتى إذا لم يسمع حسّاً ولا حركة، وصرت إلى خدري استأذن فدخل.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتعرفينه؟ قلت: نعم، هذا علي بن أبي طالب. قال: صدقت. سجيّته من سجيّتي، ولحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة علمي.

إسمعي واشهدي: هو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي.

إسمعي واشهدي: لو أنَّ عبداً عبد الله ألف عام من بعد ألف عام بين الركن والمقام، ثمّ لقى الله مبغضاً لعلي لأكبَّه الله يوم القيامة على منخريه في نار جهنم »(١) .

ولا يخفى: أن هذه الصّفات التي ذكرها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما ذكرها جواباً لسؤال اُمّ سلمة « من هذا الذي بلغ من خَطَره »؟ فلا يعقل أنْ يكون قوله « يحبّه الله ورسوله » إلّا بمعنى « الأحبيّة»، لأنّ كلّ مؤمن يحبّه الله ورسوله، فلا بدّ أن يكون قوله في حق علي لإفادة معنى الأحبيّة العامة المطلقة وهذا هو المطلوب.

٧ - روى الخطيب الخوارزمي قائلاً: « وأنبأني مهذّب الأئمة هذا قال أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن علي بن أبي عثمان الدّقاق قال: أخبرنا أبو المظفر هنّاد بن إبراهيم النسفي قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن يوسف بن

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام : ٤٣.

٢٤٧

محمّد بن الحجاج الطبري - بسارية طبرستان - قال: حدّثنا أبو عبد الله الحسين ابن جعفر بن محمّد الجرجاني قال: حدّثنا أبو عيسى إسماعيل بن إسحاق بن سليمان النّصيبي قال: حدّثنا محمّد بن علي الكفرثوثي قال: حدّثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال:

صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة العصر وأبطأ في ركوعه في الركعة الأولى، حتى ظنّ أنّه قد سهى وغفل، ثمّ رفع رأسه وقال: سمع الله لمن حمده، ثمّ أوجز في صلاته، ثمّ أقبل علينا بوجهه كأنّه القمر ليلة البدر في وسط النجوم، ثمّ جثى على ركبتيه وبسط قائمه حتى تلألأ المسجد بنور وجهه، ثمّ رمى بطرفه إلى الصفّ الأوّل يتفقَّد أصحابه رجلاً رجلاً، ثمّ رمى بطرفه إلى الصفّ الثّاني، ثمّ رمى بطرفه إلى الصف الثّالث، يتفقّدهم رجلاً رجلاً، ثمّ كثرت الصّفوف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال:

ما لي لا أرى ابن عمّي علي بن أبي طالب، يا ابن عمّي، فأجابه علي من آخر الصفوف وهو يقول: لبّيك لبّيك يا رسول الله. فنادى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأعلى صوته: اُدنُ منّي يا علي. فما زال علي يتخطّى أعناق المهاجرين والأنصار حتى دنا المرتضى إلى المصطفى، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الذي خلَّفك عن الصفّ الأوّل؟ قال: شككت أنّي على غير طهر، فأتيت منزل فاطمة فناديت يا حسن يا حسين يا فضّة، فلم يجبني أحد، فإذا بهاتف يهتف بي من ورائي وهو ينادي: يا أبا الحسن يا ابن عمّ النبيّ، إلتفتْ، فالتفتُّ، فإذا بسطلٍ من ذهب وفيه ماء وعليه منديل، فأخذت المنديل ووضعته على منكبي الأيمن وأومأت إلى الماء، فإذا الماء يفيض على منكبي، فتطّهرت وأسبغت الطهر، ولقد وجدته في لين الزبد وطعم الشهد ورائحة المسك، ثمّ التفتّ ولا أدري من وضع السّطل والمنديل، ولا أدري من أخذه.

فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجهه وضمّه إلى صدره،

٢٤٨

فقبَّل ما بين عينيه ثمَّ قال: يا أبا الحسن ألا أُبشّرك، إنّ السّطل من الجنّة والماء والمنديل من الفردوس الأعلى، والذي هيّأك للصّلاة جبرئيل، والذي مندلك ميكائيل. والذي نفس محمّد بيده ما زال إسرافيل قابضا بيده على ركبتي حتى لحقت معي الصّلاة.

أفيلومني الناس على حبّك، والله تعالى وملائكته يحبّونك فوق السماء؟! »(١) .

٨ - روى الحافظ الدار قطني: « ثنا أبو القاسم الحسن بن محمّد بن بشر البجلي الكوفي، ثنا علي بن الحسين بن عتبة، ثنا إسماعيل بن أبان، ثنا عبد الله بن مسلم الملائي، عن أبيه، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عائشة قالت: لمـّا حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموت قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له أبا بكر فنظر إليه ثمّ وضع رأسه، فقال: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له عمر فنظر إليه ثمّ وضع إليّ رأسه، فقال: ادعوا لي حبيبي فقلت: ويلكم ادعوا لي علي بن أبي طالب، فو الله ما يريد غيره. فلمـّا رآه أخرج الثوب الذي كان عليه ثمّ أدخله فيه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه »(٢) .

ورواه الخوارزمي: « أخبرني الشّيخ الإِمام شهاب الدين أبو النجيب سعد ابن عبد الله بن الحسن الهمداني - فيما كتب إليَّ من همدان - أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد باصبهان - فيما أذن لي في الرواية عنه - قال: أخبرنا الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطبراني - سنة ٤٧٣ - قال: أخبرنا الإِمام الحافظ طراز المحدّثين أبو بكر أحمد ابن موسى بن مردويه الأصبهاني.

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٢١٥.

(٢). الأفراد للدار قطني.

٢٤٩

وبهذا الإِسناد قال أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني المعروف بالمروزي قال: وأخبرنا بهذا الحديث الإِمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصبهاني - في كتابه إليّ من أصبهان سنة ٤٨٨ - عن أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه. قال:

حدّثنا عبد الرحمن بن محمّد بن حمّاد قال: حدّثنا القاسم بن علي بن منصور الطائي قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان »(١) .

والكنجي: « أخبرنا أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد بن الحسن الصالحي، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي، أخبرنا أبو غالب ابن البنّاء، أخبرنا أبو الغنائم ابن المأمون، أخبرنا إمام أهل الحديث أبو الحسن الدار قطني

قلت : رواه محدّث الشام في كتابه كما أخرجناه قال قال الدار قطني: تفرّد به مسلم الملّائي، وهو قريب في مثل هذا »(٢) .

ورواه محمّد باكثير المكّي عن الدار قطني عن عائشة(٣) .

ومحبّ الدين الطبري(٤) وإبراهيم الوصّابي(٥) : عن التّمام الرازي في فوائده، عن عائشة.

وشهاب الدين أحمد، عن المحبّ الطبري، عن الرازي. وعن الصالحاني، عن سليمان الحافظ الأصبهاني، عن ابن مردويه عن عائشة(٦) .

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٢٨.

(٢). كفاية الطالب: ٢٦٢.

(٣). وسيلة المآل - مخطوط.

(٤). ذخائر العقبى: ٧٢.

(٥). الاكتفاء - مخطوط.

(٦). توضيح الدلائل - مخطوط.

٢٥٠

وأخرجه الحافظ أبو يعلى من حديث عبد الله بن عمرو باللفظ التالي:

« ثنا كامل بن طلحة، ثنا ابن لهيعة، حدّثني حي بن عبد الله المغازي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في مرضه: ادعوا لي أخي، فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا لي أخي فدعوا له عمر فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا لي أخي فدعي له عثمان فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا لي أخي، فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب وأكبّ عليه، فلمـّا خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علّمني ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب »(١) .

ويفيد هذا الحديث بطرقه - فيما بعد - أنّ الثلاثة ما كانوا في نظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصداقاً لقوله « حبيبي » أو « أخي » حتى قامت عائشة لأئمة الحاضرين: « ويلكم ادعوا له علي بن أبي طالب » إنّ « حبيبه » و « أخاه » ليس إلّا أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام فهو الأحبّ إليه والأقرب عنده من جميع الخلائق، فهو الأفضل

فهل في سقوط تأويلات ( الدهلوي ) شكّ وريب!!

____________________

(١). العلل المتناهية ١ / ٢٢١، رقم: ٣٤٧.

٢٥١

من أقوال الصحابة الصَّريحة في:

أنّ علّياً أحبُّ النّاس إلى النبيّ

وكما كانت الأحاديث الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صريحةً في الدلالة على أنّ علياًعليه‌السلام كان أحبّ الخلق عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... كذلك الآثار التي يروونها عن الصّحابة فإنّها صريحة في أن هذا الأمر كان مفروغاً عنه ومتسالماً عليه بينهم سمعوه من النّبيّ وفهموه من أحواله وسيرته

قول أبي ذر الغفاري

عن معاوية بن ثعلبة قال: « جاء رجل إلى أبي ذر - وهو في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال: يا أبا ذر، ألا تحدّثني بأحبّ الناس إليك! فو الله لقد علمت أنّ أحبّهم إليك أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: أجل والذي نفسي بيده: إنّ أحبّهم إليَّ أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ذلك الشيخ. وأشار إلى علي ».

رواه الخوارزمي بسنده عن البيهقي عن معاوية بن ثعلبة(١) .

والمحبّ الطبري(٢) وإبراهيم الوصابي(٣) عن الملّا في سيرته عنه

وشهاب الدين أحمد، عن الطبري، عن الملّا(٤) .

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٢٩.

(٢). الرياض النضرة ٣ / ١١٦، ذخائر العقبى: ٦٢.

(٣). الاكتفاء - مخطوط.

(٤). توضيح الدلائل - مخطوط.

٢٥٢

وهل يجوّز عاقل تخصيص هذه « الأحبيّة » بالأحبيّة في الأكل وما شابه؟ وما الدليل على ذلك؟

قول بريدة

أخرج الحاكم قائلاً: « حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا العباس بن محمّد الدوري، حدّثنا شاذان الأسود بن عامر، حدّثنا جعفر بن زياد الأحمر، عن عبد الله بن عطا، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:

كان أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ومن الرجال علي.

هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه »(١) .

ورواه المولوي مبين عن الحاكم(٢) .

وروى البدخشاني، عن الترمذي، عن بريدة قال: « كان أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ومن الرّجال علي »(٣) .

قول عائشة

١ - روى الكنجي: « أخبرنا الحافظ محمّد بن محمود - ببغداد - ويوسف ابن خليل - بحلب - وخالد بن يوسف - بدمشق - وغيرهم، قالوا جميعاً: أخبرنا حجّة العرب زيد بن الحسن الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا إمام أهل الحديث أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ، أخبرنا أبو منصور محمّد بن محمّد ابن عثمان السوّاق، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي طالب الكاتب، حدّثنا محمّد بن جرير الطبري، حدّثنا محمّد بن عيسى الدّامغاني، حدّثني يسع بن

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٥. ووافقه الذهبي.

(٢). وسيلة النجاة: ٢٧.

(٣). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٥٣

عدي، حدّثنا شاه بن الفضل، عن أبي المبارك، عن حيوة بن شريح بن هاني، عن أبيه، عن عائشة قالت:

ما خلق الله خلقاً أحب إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من علي ابن أبي طالب »(١) .

فهذا الحديث الذي رواه الحفّاظ عن الحافظ الطبري، بسنده عن عائشة، نصّ صريح فيما يدلّ عليه حديث الطير من « الأحبيّة » العامّة المطلقة، فلا مجال لشيء من التأويلات الفاسدة.

٢ - أخرج التّرمذي: « حدّثنا حسين بن يزيد الكوفي، نا عبد السلام بن حرب، عن أبي الجحاف، عن جميع بن عمير التيمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: فاطمة. فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها، أن كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً. هذا حديث حسن غريب »(٢) .

وأخرجه الحاكم بسنده عن عبد السلام بن حرب(٣) .

وعن الترمذي: ابن الأثير(٤) ومحبّ الدين الطّبري(٥) وشهاب الدين أحمد(٦) والعيدروس(٧) والوصّابي(٨) والبدخشاني(٩) .

إنّ هذه « الأحبيّة » عامّة قطعاً ولو كان هناك غير فاطمة وعلي لذكرته

____________________

(١). كفاية الطالب: ٣٢٤.

(٢). صحيح الترمذي ٥ / ٦٥٨.

(٣). المستدرك ٣ / ١٥٧.

(٤). أَسد الغابة ٥ / ١٥٧.

(٥). الرياض النضرة ٣: ١١٥، ذخائر العقبى.

(٦). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٧). العقد النبوي - مخطوط.

(٨). الاكتفاء - مخطوط.

(٩). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٥٤

عائشة قطعاً

٣ - أخرج الحاكم: « حدّثنا أبو بكر محمّد بن علي الفقيه الشاشي، حدّثنا أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ، حدّثنا علي بن سعيد بن بشير، عن عبّاد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن رجاء الزبيدي، عن أبي إسحاق الشيباني، عن جميع بن عمير قال:

دخلت مع أُمي على عائشة فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسألها عن علي فقالت: تسأليني عن رجلٍ - والله - ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - منه ولا امرأة من الأرض كانت أحبّ إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من امرأته. هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه »(١) .

ورواه المولوي مبين عن الحاكم كذلك(٢) .

وأخرجه النّسائي بسنده عن أبي إسحاق الشيباني(٣) وكذا أبو يعلى الموصلي(٤) وكذا الخطيب الخوارزمي(٥) .

ورواه الحافظ المحبّ الطبري عن الحافظين المخلّص الذهبي وأبي القاسم الدمشقي، عن عائشة(٦) .

وشهاب الدين أحمد، عن المحبّ عنهما، عن عائشة(٧) .

والمولوي ولي الله عن النسائي(٨) .

____________________

(١). المستدرك ٣ / ١٥٤.

(٢). وسيلة النجاة: ٢٨.

(٣). الخصائص: ٢٩.

(٤). المسند

(٥). مناقب أمير المؤمنين: ٣٧.

(٦). ذخائر العقبى: ٦٢، الرياض النضرة ٣ / ١١٦.

(٧). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٨). مرآة المؤمنين - مخطوط.

٢٥٥

إذن لا أحبَّ إلى الله والرسول من أمير المؤمنينعليه‌السلام وباعترافٍ من عائشة و « الأحبيّة » أحبيّة مطلقة

٤ - روى الحافظ الزرندي بقوله: « ويروى أنّ امرأة من الأنصار قالت لعائشة رضي الله عنها: أيّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: علي بن أبي طالب »(١) .

ورواه شهاب الدين أحمد عن الزرندي(٢) .

٥ - روى الزرندي: « عن جميع بن عمير قال: دخلت على عائشة فسألتها: من كان أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: فاطمة. قلت: لست أسألكِ عن النساء، إنّما أسألكِ عن الرجال! فقالت: زوجها »(٣) .

وكذا رواه الابشيهي(٤) .

٦ - روى المتّقي: « عن عروة قال: قلت لعائشة: من كان أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: علي بن أبي طالب. قلت: أيّ شيء كان سبب خروجك عليه؟ قالت: لِمَ تزوَّج أبوك أمك؟ قلت: ذلك من قدر الله. قالت: وكان ذلك من قدر الله. ن »(٥) .

٧ - روى المحبّ الطبري، وإبراهيم بن عبد الله الوصّابي: « عن معاذة الغفارية قالت: كان لي اُنس بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخرج معه في الأسفار وأقوم على المرضى واُداوي الجرحى، فدخلت إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في بيت عائشة وعلي خارج من عنده وسمعته يقول:

____________________

(١). نظم درر السمطين: ١٠٢.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). نظم درر السمطين: ١٠٢.

(٤). المستطرف من كل فن مستظرف ١ / ١٣٧.

(٥). كنز العمال ١١ / ٣٣٤، رقم ٣١٦٧٠ وفيه: ( ز ).

٢٥٦

يا عائشة، إنّ هذا أحبّ الرجال إليَّ وأكرمهم عليَّ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه، [ فلمـّا أن جرى بينها وبين علي بالبصرة ما جرى رجعت عائشة إلى المدينة، فدخلت عليها فقلت لها: يا اُم المؤمنين كيف قلبك اليوم بعد ما سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لكِ فيه ما قال؟ قالت معاذة قالت: كيف يكون قلبي لرجلٍ كان إذا دخل عليَّ وأبي عندنا لا يملّ من النظر إليه، فقلت: يا أبة إنّك لتديم النظر إلى عليّ! فقال: يا بنيّة، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: النظر إلى وجه علي عبادة ]. أخرجه الخجندي(*) »(١) .

وإنّ هذه الأحاديث لتقلع أساس جميع التأويلات والتسويلات لا سيّما وأنّها عن عائشة التي جرى منها على أمير المؤمنينعليه‌السلام ما جرى وكان منها ما كان!! ولكن مع ذلك كلّه وبالإِضافة إليه نورد عنها الحديث التّالي:

٨ - أخرج أحمد: « ثنا أبو نعيم، حدّثنا يونس، ثنا عمرو بن حريث قال:

قال النّعمان بن بشير: إستأذن أبو بكر على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول: والله لقد عرفت أنّ عليّاً أحبّ إليك من أبي - ثلاثاً -. فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى إليها وقال لها: يا بنت اُم رومان لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى الله عليه! »(٢) .

وأخرجه النسائي: « أخبرني عبدة بن عبد الرحيم المروزي قال: أنبأنا عمرو بن محمّد قال: أنبأنا يونس بن أبي إسحاق، عن عمرو بن حريث، عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمع

____________________

(١). الرياض النضرة ٣ / ١١٦، الاكتفاء - مخطوط.

(*) وهو: ابو بكر محمد بن عبد اللطيف الاصفهاني الشافعي المتوفى سنة: ٥٥٢. سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٨٦.

(٢). مسند أحمد ٤ / ٢٥٧.

٢٥٧

صوت عائشة عالياً وهي تقول: والله لقد علمت أنّ عليّا أحبّ إليك من أبي. فأهوى أبو بكر ليلطمها وقال: يا بنت فلانة، أراكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فأمسكه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخرج أبو بكر مغضباً، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عائشة كيف رأيتني أنقذتك من الرجل! ثمّ استأذن أبو بكر بعد ذلك، وقد اصطلح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعائشة فقال: أدخلاني في السّلم كما أدخلتماني في الحرب. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد فعلنا »(١) .

وقال الحافظ ابن حجر: « أخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، بسندٍ صحيح، عن النعمان بن بشير قال: إستأذن أبو بكر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد علمت أنّ عليّاً أحبّ إليك من أبي »(٢) .

تنبيهات على بطلان دعاوى وتأويلات

لقد كانت تلك ثلّة من الأحاديث والآثار الواضحة الدلالة على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق لدى الله ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً لا سيّما ما كان منها عن عائشة مع انحرافها عن الإِمامعليه‌السلام ومن هنا صرّح العلّامة جلال الدين الخجندي - بالنسبة إلى أحاديث عائشة ومعاذة الغفارية وأبي ذر الغفاري - بأنّ هذه الأحاديث لدلالتها على أحبيّة عليعليه‌السلام تعاضد حديث الطير وتؤيّده، ونصَّ العلّامة محمّد ابن إسماعيل الأمير على أنّ الأخبار المذكورة دليل على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... كما سنقف

____________________

(١). الخصائص: ٢٨.

(٢). فتح الباري ٧ / ١٨.

٢٥٨

عليه فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.

ولكنَّ من القوم من سوّلت له نفسه لأنْ يدّعي المعارضة بين ذلك، وبين ما رووه من أحبيّة عائشة وأبيها فيجمع بينهما بحمل ما ورد في علي والزهراءعليهما‌السلام على الأحبيّة النسبيّة فلننقل كلامه ونبيّن ما فيه:

كلام المحبّ الطبري وبطلانه

لقد جاء في ( الرّياض النضرة ): « ذكر اختصاصه بأحبيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عن عائشة: سُئلت: أيّ الناس أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: فاطمة. فقيل: من الرّجال؟ قالت: زوجها، أنْ كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً. أخرجه الترمذي. وقال: حسن غريب.

وعنها - وقد ذكر عندها علي فقالت: ما رأيت رجلاً كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا امرأة أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته. خرّجه المخلّص والحافظ الدمشقي.

وعن معاذة الغفارية قالت: كانت لي اُنس بالنبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أخرج معه في الأسفار وأقوم على المرضى واُداوي الجرحى، فدخلت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت عائشة - وعليرضي‌الله‌عنه خارج من عنده - فسمعته يقول: يا عائشة، إنّ هذا أحبّ الرجال وأكرمهم عليَّ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه. خرّجه الخجندي.

وعن مجمع قال: دخلت مع اُمي على عائشة فسألتها عن أمرها يوم الجمل فقال: كان قدراً من قدر الله. وسألتها عن علي فقالت: سألت عن أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وزوجه أحبّ الناس كانت إليه.

وعن معاوية بن ثعلبة قال: جاء رجل إلى أبي ذر - وهو في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال: يا أبا ذر، ألا تخبرني بأحبّ الناس إليك، فإني

٢٥٩

أعلم أنّ أحبّ الناس إليك أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: إي وربّ الكعبة، أحبّهم إليَّ أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هو ذاك الشيخ. وأشار إلى علي. خرّجه الملّا في سيرته.

وقد تقدَّم لأبي بكر مثل هذه في المتّفق عليه.

فيحمل هذا على أنّ علياً أحبّ الناس إليه من أهل بيته، وعائشة أحبّ إليه مطلقاً، جمعاً بين الحديثين. ويؤيّده ما رواه الدولابي في الذريّة الطاهرة: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة: أنكحتك أحبّ أهل بيتي إليَّ.

خرّجه عبد الرزاق، ولفظه: أنكحتك أحبّ أهلي إليَّ »(١) .

وقلّده الوصّابي صاحب ( الاكتفاء ) فيما قال.

أقول:

إنّ حمل أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام على الأحبيّة النّسبية - بأيّ معنىً كانت - حمل باطل، تدفعه الأحاديث التي ذكرناها والآثار التي أوردناها، خصوصاً ما كان منها عن عائشة فإنّ هذه الأحاديث والآثار لا تقبل التأويل بشكلٍ من الأشكال

على أنّ تخصيص أحبيّة الإِمامعليه‌السلام بأنّها بالنسبة إلى أهل البيتعليهم‌السلام - على تقدير تسليمه - لا يضرّ بما نقوله، لأنّ مقتضى الأحاديث المعتبرة الكثيرة - كحديث الثقلين، وحديث السّفينة، وأمثالهما ممّا رواه القوم ومنهم المحبّ الطبري نفسه - وكذا الأحاديث الواردة في أفضليّة بني هاشم من سائر قريش، وهي أيضاً أحاديث كثيرة معتبرة جداً(٢) هو أفضليّة أهل البيتعليهم‌السلام من جميع الناس على العموم. فمن كان الأفضل في أهل البيت - الذين هم أفضل الناس - كان أفضل الناس، بالأولوية القطعيّة

____________________

(١). الرياض النضرة في مناقب العشرة ٣ / ١١٥ - ١١٦.

(٢). اُنظر: الجزء ٥ ص ٣١٦ - ٣٢١ من كتابنا.

٢٦٠

الواضحة.

والشواهد على هذا المعنى من كلام أكابر القوم كثيرة أيضاً، من ذلك ما رواه ملك العلماء الهندي عن الحافظ الزرندي: أنّه نقل عن إمام أهل السنّة أبي حنيفة:

« إنّه مرَّ يوماً في سكك بغداد، فرأى بعض أولاد السّادات يلعب بالجوز، فنزل من بغلته وأمر أصحابه بالنزول ومشى أربعين خطوة ثم ركب، وتوجّه إلى أصحابه فقال: من جال في قلبه أو ظهر على لسانه أنّه خير من صبي أو غلامٍ من أهل بيت رسول الله فهو عندي زنديق »(١) .

فانظر إلى حكم هذا الإِمام واحكم على طبقته بما شئت على من شئت.

وجوه ردّ حديث عمرو بن العاص

لكنا - مع كلّ هذا - نبرهن على أنّ الحديث الذي عارض به المحبّ الطبري تلك الأحاديث، - وهو حديث ابن العاص - باطل سنداً ودلالةً فلا معارضة، ولا موجب للحمل الذي زعمه وبطلانه من وجوه:

الوجه الأول:

إنّ حديث عمرو بن العاص خبر واحد تفرّد بنقله أهل السنّة، وما كان كذلك فليس بحجةٍ على الإِماميّة، إذ لو كانت أخبارهم حجة على الإِمامية فلِمَ لا تكون أخبار الإِماميّة حجةٍ عليهم كذلك ولقد أنصف ولي الله الدهلوي في كتابه ( قرّة العينين في تفضيل الشيخين ) حيث نصَّ على أنّه لا يجوز الإِحتجاج على الإِماميّة والزيديّة بأحاديث الصحيحين، فضلاً عن غيرها. وكذا

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.

٢٦١

قال ولده ( الدهلوي ) في غير موضع من كتابه ( التحفة ).

فهذا الحديث - وإنْ كان في الصحيحين - ممّا لا يصلح الإحتجاج به أمام الإِماميّة.

الوجه الثاني:

إنَّ مدار هذا الحديث المزعوم المتفق عليه!! في الصحيحين على « خالد بن مهران الحذّاء » ففي البخاري:

« حدّثنا معلّى بن أسد، ثنا عبد العزيز بن مختار، ثنا خالد الحذّاء، عن أبي عثمان، ثني عمرو بن العاص: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قال فقلت: ثمّ من؟ قال: عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالاً »(١) .

وفيه: « حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذّاء، عن أبي عثمان: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثمّ من؟ قال: عمر. فعدَّ رجالاً، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم »(٢) .

وفي مسلم: « حدّثنا يحيى بن يحيى قال: أنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذّاء، عن أبي عثمان قال: أخبرني عمرو بن العاص »(٣) .

فمدار الحديث على « خالد الحذّاء »، وهو مقدوح مطعون فيه: قال

____________________

(١). صحيح البخاري - باب مناقب أبي بكر ٣ / ٦٤.

(٢). صحيح البخاري - خبر غزوة ذات السلاسل ٣ / ٢٨٦.

(٣). صحيح مسلم - باب مناقب أبي بكر ٧ / ١٠٩.

٢٦٢

الحافظ ابن حجر: « قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به »(١) . وقال أيضاً: « قد أشار حمّاد بن زيد إلى أن حفظه تغيّر لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السّلطان»(٢) .

الوجه الثالث:

إنّه حديث منقطع، لأنَّ خالداً لم يسمع عن أبي عثمان - وهو النهدي - شيئاً، قال ابن حجر: « قال عبد الله بن أحمد بن حنبل - في كتاب العلل - عن أبيه: لم يسمع خالد الحذّاء عن أبي عثمان النهدي شيئاً »(٣) .

الوجه الرّابع:

إنّ هذا الحديث يدل على أحبيّة عائشة من فاطمةعليها‌السلام ، فيبطله الأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة من طرقهم في شأن فاطمةعليها‌السلام ، الدالّة على أحبيّتها وأفضليّتها من عائشة وغيرها مثل: حديث: « فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة » و حديث: « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني » و حديث: « إنّما هي بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها » إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تحصى كثرةً(٤) .

فمن العجيب جدّاً دعوى المحبّ كون « عائشة أحبّ إليه مطلقاً » فإنّه قلّة حياء على أنّه لا يستقيم على اُصول السنّة أيضاً، لأنّ « الأحبيّة » دليل « الأفضلية »(٥) . فيلزم أن تكون أفضل من أبيها أبي بكر أيضاً. وهو كما ترى!!

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٤.

(٢). تقريب التهذيب ١ / ٢١٩.

(٣). تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٥.

(٤). راجع أبواب فضائلها في الصحاح وغيرها.

(٥). هذا واضح جدّاً، وقد نصّ عليه العلماء، كالحافظ النووي بشرح حديث عمرو بن العاص من

٢٦٣

الوجه الخامس:

عن أسلم بإسناد صحيح على شرط الشيخين: « إنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم - فلمـّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج، حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحدٍ أحبّ إلينا بعد أبيك منكِ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندكِ أنْ آمر بهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلمـّا خرج عمر جاءوها فقالت: أتعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنَّ عليكم البيت، وأيم الله ليمضينّ لِما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فرأُوا رأيكم ولا ترجعوا إليَّ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها، حتى بايعوا لأبي بكر »(١) .

ولو كان لحديث عمرو بن العاص أصل لم يكن وجه لما قاله عمر مع الحلف عليه.

الوجه السادس:

إنّه لو كان لهذا الحديث المفترى أصل، فلما ذا اعترفت عائشة بأحبيّة علي والزهراءعليهما‌السلام ؟ ولماذا لم تجب « جميع بن عمير » و « عروة بن الزبير » و « معاذة الغفاريّة » الذين عيّروها بخروجها على أمير المؤمنينعليه‌السلام بكونها هي وأبوها أحبّ النّاس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قالت: إنّه كان قضاءً وقدراً من الله؟

____________________

( المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) فراجعه.

(١). إزالة الخفا عن سيرة الخلفا. والحديث في كنز العمال ٥ / ٦٥١ رقم: ١٤١٣٨ عن ابن أبي شيبة.

٢٦٤

من هنا يظهر أنْ حديث عمرو بن العاص ممّا اختلقته يداه، أو بعض الأيدي الحاقدة على أمير المؤمنينعليه‌السلام من العثمانية أو المروانيّة وإلّا لاحتجت به عائشة في هذه المواضع ونحوها لتبرير مواقفها وأقوالها

الوجه السابع:

لقد عرفت من الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي - بسندٍ صحيح كما اعترف ابن حجر - أن عائشة خاطبت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولها: « والله لقد علمت أنّ عليا أحبّ إليك من أبي » وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرّها على هذا ولم يجبها بشيء فما نسبه عمرو بن العاص في هذا الحديث إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذب.

كلام ابن حجر وإبطاله

نعم هو افتراء وكذب، وإنْ حاول الحافظ ابن حجر ترجيح حديث عمرو، أو الجمع بينهما - لأنّ حديث عمرو بن العاص صحيح في زعمه، لأنّه مخرج في الصحيحين - فقال ما نصه:

« أخرج أحمد وأبو داود والنّسائي - بسندٍ صحيح - عن النعمان بن بشير قال: إستأذن أبو بكر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد علمت أنّ عليا أحبّ إليك من أبي. الحديث. فيكون علي ممّن أبهمه عمرو بن العاص أيضا.

وهو وإنْ كان في الظاهر يعارض حديث عمرو، لكن يرجّح عمرو أنّه من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا من تقريره.

ويمكن الجمع باختلاف جهة المحبّة، فيكون في حق أبي بكر على عمومه بخلاف علي، ويصح حينئذ دخوله فيمن أبهمه عمرو.

ومعاذ الله أن نقول - كما يقول الرافضة - من إبهام عمرو فيما روى، لما

٢٦٥

كان بينه وبين علي رضي الله عنهما، فقد كان النعمان مع معاوية على علي وَلم يمنعه ذلك من الحديث بمنقب علي، ولا ارتياب في أنَّ عمراً أفضل من النعمان، والله أعلم »(١) .

أقول : لكنّها محاولة يائسة

أمّا ترجيح حديث عمرو لكونه من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حديث النعمان، لكونه من تقريره، فصدور مثله من شيخ الإِسلام عند القوم غريب.

أمّا أوّلاً: فلأنَّ تقدم أحد المتعارضين لكونه قولا ممنوع في أمثال المقام.

وأمّا ثانياً: فلأنَّ في حديث النعمان مرجّحات عديدة على اصول أهل السنّة، توجب تقدّمه على حديث عمرو بن العاص. منها: جلالة شأن عائشة صاحبة القضيّة، وأنّها أكثر وقوفا على حالات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّها أعرف الناس بحال أبيها من حيث الفضيلة إلى غير ذلك ممّا لا يخفى عند الإِمعان.

ومن أكبر المرجّحات في حديث النّعمان: أنّ هذا الرجل يروي هذا الحديث مع كونه مع معاوية على عليعليه‌السلام ، والفضل ما شهدت به الأعداء، وأيضاً: فإنّه من حديث عائشة، وهي من أشدّ الناس عداوةً لأمير المؤمنينعليه‌السلام . بخلاف حديث عمرو بن العاص، فإن عمراً لم يكن له عداوة مع عائشة وأبي بكر وعمر، بل كانوا جميعاً ملةً واحدةً، وقد كان وزير معاوية بن أبي سفيان الذي وضعت في سلطنته الأحاديث الكثيرة في فضل المخالفين لأهل البيتعليهم‌السلام ، ومن الواضح جدّاً تقدّم الخبر الذي ينقله مثل النعمان في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، على الخبر الذي ينقله مثل ابن العاص في فضل

____________________

(١). فتح الباري ٧ / ١٨.

٢٦٦

أبي بكر وعمر

وأمّا دعوى الجمع بين الحديثين بما ذكر فبطلانها واضح ممّا سبق بالتفصيل، حيث علمت أنّ إطلاق أفعل التفصيل على المفضول بلحاظ وجهٍ حقيرٍ، غير جائز

الوجه الثامن:

أخرج الترمذي: « حدّثنا سفيان بن وكيع، نا محمّد بن بكر، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: أنّه فرض لاسامة في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف. فقال عبد الله بن عمر لأبيه: لم فضّلت اُسامة عليَّ، فوالله ما سبقني إلى مشهد؟ قال: لأنَّ زيداً كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبيك، وكان اُسامة أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك، فآثرت حبّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على حبّي. هذا حديث حسن غريب »(١) .

فهذا الحديث صريح في أنّ « زيد بن حارثة » كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من « عمر بن الخطاب » بإقرارٍ منه، فما جاء في ذيل حديث عمرو بن العاص كذب، ولو كان لِما ذكره عمرو أصل لعلمه عمر بن الخطاب، وحمل هذا الإِقرار من عمر على التواضع غير جائز، لأنّه جاء في جواب اعتراضٍ من ولده على ما فعله فلا بدَّ من أن يحمل على الحقيقة والإِطلاق

وبالجملة، فلا مناص للقوم من الإِلتزام بأحد الأمرين، إمّا تكذيب عمر ابن الخطاب في أحبيّة زيد منه، وإمّا تكذيب عمرو بن العاص في حديثه! لكنّ الإِنسان إذا ابتلي ببليّتين اختار أهونهما والأهون عندهم تكذيب عمرو

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٤.

٢٦٧

الوجه التّاسع:

روى المتقي: « عن عمرو بن العاص قال قيل: يا رسول الله، أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. فقال: من الرجال؟ قال: أبو بكر، قال: ثمّ من؟ قال: ثم أبو عبيدة. كر »(١) .

وهذا الحديث الذي رواه المتقي، عن ابن عساكر، عن عمرو بن العاص يعارض حديثه المذكور

فأيّ النّاس أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أبي بكر: عمر أو أبو عبيدة؟

لقد وقع الرّجل في تهافت واضح، وواقع الأمر أنّه عند ما جعل أحد الرجلين أحبّ الناس بعد أبي بكر نسي جعله الآخر من قبل فكذب مرّتين

الوجه العاشر:

وروى المتقي أيضاً: « عن عمرو بن العاص قال: لمـّا قدمت من غزوة السلاسل - وكنت أظن أنْ ليس أحد أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي - فقلت: يا رسول الله، أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. قال: إني لست أسألك عن النساء. قال: أبوها إذن. قلت: فأيّ الناس أحبّ إليك بعد أبي بكر؟ قال: حفصة. قلت: لست أسألك عن النساء، قال: فأبوها إذن. قلت: يا رسول الله فأين علي؟ فالتفت إلى أصحابه فقال: إنَّ هذا يسألني عن النفس. ابن النجار »(٢) .

____________________

(١). كنز العمال ١٢ / ٥٠٠، رقم: ٣٥٦٣٩.

(٢). كنز العمال ١٣ / ١٤٢، رقم: ٣٦٤٤٦.

٢٦٨

وهذا حديث آخر يرويه المتقي، عن الحافظ ابن النجار، عن عمرو بن العاص وفي رجوعه من غزوة ذات السلاسل بالذّات، فنقول: إنّه وإن افترى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الحديث أحبيّة فلان وفلان إليه، إلاّ أنّه صرّح في ذيله - بإلجاء من الله سبحانه - بما هو الحق وبالرغم من أن للإماميّة الأخذ بالذيل وتكذيب الصدر أخذاً بقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود، وعملاً بما قيل: خذ ما صفى ودع ما كدر فلهم الإِحتجاج بذيله على الأحبيّة المطلقة لعليعليه‌السلام ، لكن لو سلّم صدور الحديث بكاملة فإنّ دلالته على كونهعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبيةً مطلقةً عامة صحيحة وتامّة وهذا هو المطلوب والحمد لله الذي أجرى الحق على لسانهم وخرّب بأيديهم بنيانهم.

هذا تمام الكلام على ما ادّعاه المحبّ الطبري في هذا المقام.

كلامٌ آخر للمحبّ الطبري وإبطاله

وكذا ادّعى المحبّ الطبري في حديث أحبيّة الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام ، حيث قال في كتابه ( ذخائر العقبى ):

« وذكر أنّها رضي الله عنها كانت أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عن اُسامة بن زيد -رضي‌الله‌عنه - قالوا: يا رسول الله من أحبّ إليك؟ قال: فاطمة. قالوا: نسألك عن الرجال؟ قال: أما أنت يا جعفر، وذكر حديثاً سيأتي إن شاء الله تعالى في مناقب جعفررضي‌الله‌عنه وفيه: إنّ أحبّهم إليه زيد بن حارثةرضي‌الله‌عنه . أخرجه أحمد.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّها سُئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقالت: فاطمة. فقيل: من الرجال؟ قالت:

٢٦٩

زوجها، أن كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه أبو عمر بن عبيد، وزاد بعد قوله قوّاماً، جديراً بقول الحق.

وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة رضي الله عنها، ومن الرجال عليرضي‌الله‌عنه . أخرجه أبو عمر. قال إبراهيم: يعني من أهل بيته.

ويؤيّد تأويل إبراهيم: الحديث المتقدّم: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: أنكحتك أحبّ أهل بيتي إليّ.

وفي المصير إليه جمع بينه وبين ما روي في الصحيح عن عمرو بن العاصرضي‌الله‌عنه أنّه سئل عن أحبّهم إليه قال: عائشة. قالوا: من الرجال؟

قال: أبوها - وقد ذكرنا ذلك في مناقب أبي بكررضي‌الله‌عنه في كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة المبشرة، وذكرناه في مناقب عائشة رضي الله عنها في كتاب السمط الثمين في مناقب اُمهات المؤمنين -.

وما أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي عن اُسامة: إنَّ علياًرضي‌الله‌عنه قال: يا رسول الله، أي أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال: فاطمة. قال عليرضي‌الله‌عنه : والله لا نسألك عن أهلك، قال: فأحبّ أهلي إليَّ من أنعم الله عليه وأنعمت عليه: اُسامة بن زيد. قال: فقال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: علي. ثمّ أنت. قال فقال العباس: يا رسول الله، جعلت عمّك آخرهم؟! قال قال: إنّ علياً سبقك بالهجرة »(١) .

أقول:

فالعجب من المحبّ الطبري لقد جهل أو تجاهل دلالة الأحاديث الكثيرة الشائعة - والتي روى هو كثيراً منها في نفس كتابه هذا - على أنّ أهل البيت

____________________

(١). ذخائر العقبى: ٣٥ - ٣٦.

٢٧٠

عليهم‌السلام أفضل الناس وأحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً، وإلّا لَما ارتضى هذا التأويل؟

والأعجب جعله هذا التأويل طريق الجمع!! وكأنّه ما درى - بغض النظر عن الأمور والجهات الأخرى - أنّ ذكر حديث عمرو بن العاص مع تلك المثالب والقبائح التي يتّصف بها في مقابلة أحاديث سيّدنا أبي ذر -رضي‌الله‌عنه - وغيره من الصحابة ممّا لا يرتضيه إنسان عاقل فضلا عن المؤمن!! وأمّا ما رواه في أنّ أحبّهم إليه زيد بن حارثة، فممّا تفرّد به أهل السنّة، على أنّه غير صحيح على اُصولهم أيضاً، فهو ينافي ما أجمع عليه الشيعة والسنّة.

كلام الشيخ عبد الحق الدهلوي وبطلانه

وممّا يضحك الثكلى قول الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( شرح المشكاة ) بشرح حديث جميع بن عمير:

« قوله: قالت: زوجها.

اُنظر إلى إنصاف الصدّيقة وصدقها على رغم من يزعم من الزائغين خلاف ذلك. ولقد استحيت أن تذكر نفسها وأباها. ولا يبعد أنْ لو سئلت فاطمة عن ذلك لقالت: عائشة وأبوها. وقد ورد كذلك في رواية عن غير فاطمة رضي الله عنها. ومن هاهنا يعلم أنّ الوجوه مختلفة والحيثيّات متعددة، وبهذا ينحلّ الشبهات ويتخلّص عن الورطات ».

أقول:

إنّه لم يتعرَّض شرّاح ( المصابيح ) و ( المشكاة ) لهذه الورطة في شرحهم لهذا الحديث، وكأنّه يعلمون بأنْ لا مخلَص لهم منها، فرأوا المصلحة في السّكوت وليت الشيخ عبد الحق سار على نهجهم، لكنْ منعه من ذلك

٢٧١

شدّة تعصّبه، فأتى بما يزيد الشّبهة قوةً، وأوقع نفسه في ورطة

إنّ من الواضح جدّاً: أنّ مثل هذا الحديث لا ينفي إتّصاف عائشة بالعداء لأمير المؤمنينعليه‌السلام وبغضها له لكنَّ الفضل ما شهدت به الأعداء وهل ينكر الشيخ عدائها للإِمامعليه‌السلام حتى آخر لحظةٍ من حياته، حيث أنشدت - لمـّا بلغها نبأ استشهاده -:

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قرَّ عيناً بالإِياب المسافر؟!

وأمّا قوله: « ولقد استحيت أن تذكر نفسها وأباها »

فنقول في جوابه: أي نسبة بين تلك المتبرّجة المتجمّلة الخارجة على إمام زمانها وبين الحياء ...!!

ثمّ ما يقول الشيخ بالنسبة إلى اعترافها بأحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام مطلقاً من غير سؤال منها عن ذلك كقولها: « ما خلق الله خلقاً أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علي بن أبي طالب »؟ ففي هذا الحديث الذي رواه الحافظ الكنجي بسنده عنها لم يكن أحد سألها عن أحبّ الناس إليه، وقد جاءت فيه بعبارة واضحة الدّلالة على العموم، تشمل نفسها وأباها وسائر الناس أجمعين

وأيضاً: ففي الأحاديث المتقدّمة أنّ « جميعاً » و « عروةً » و « معاذةً » لمـّا عيّروها بالخروج إلى البصرة لم تسكت، بل اعتذرت بأنَّه كان قضاءً وقدراً من الله، وأنّها استشهدت في جواب معاذة بحديث عن أبيها أبي بكر في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن الواضح جدّاً أنّه متى آل الأمر إلى التعنيف والتعيير - لا مرةً بل مرّات - تحتّم الجواب بما يقطع اللّوم والعتاب فلو كان لحديث أحبيّتها وأحبيّة والدها أصل، فأيّ موضعٍ يكون اُولى من هذا الموقع للإِعتذار به يا اُولوا الألباب!!

وأيضاً: لو كان لها نصيب من الحياء لَما قالت لعروة: « لِمَ تزوَّج أبوك أُمّكِ »؟ ألم يكن بإمكانها التمثيل بشيء آخر للقضاء والقدر في جواب ذاك

٢٧٢

التابعي الجليل عند القوم؟

وأيضاً: لو كان الحياء هو المانع لها من ذكر نفسها وأبيها فما الذي حملها على ذكر أحبيّة علي والزهراءعليها‌السلام ؟ هلّا سكتت ولم تجب بشيء أصلاً؟!

وأيضاً: فقد أخرج الحاكم أنّها قالت في جواب أُمّ جميع بن عمير: « والله ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه، ولا امرأة من الأرض كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته »(١) وليس من شأن أحدٍ من أهل الإِيمان أن يذكر - استحياءً - أمراً غير واقعٍ ويؤكّده بالحلف الشرعي بلفظ الجلالة غير متأثّم من قوله تعالى:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) !!

وأيضاً: لقد جاء في حديث النعمان بن بشير - الذي رووه بسندٍ صحيح - « فسمع صوتها عالياً وهي تقول: والله لقد علمت أنّ علياً أحبّ إليك من أبي » فلما ذا كلّ ذلك؟ وأين كان حياؤها؟

وأمّا قوله: « ولا يبعد أنْ لو سئلت فاطمة ».

فكلام من عنده قاله تسكيناً لقلبه وفاطمةعليها‌السلام لا تتفوّه بما لا أصل له وما تعتقد هي خلافه مطلقاً

وأمّا قوله: « وقد ورد كذلك في رواية عن غير فاطمة ».

فإنْ أراد حديث عمرو بن العاص، فقد عرفت حاله.

وإنْ أراد غيره فحديث يتفرّدون به والأدلّة السابقة واللاحقة تبطله

وأمّا قوله: « ومن هنا يعلم ».

فجوابه: أنّ ممّا ذكرنا - ونذكر - يعلم أنْ ليس لهم لزيغهم خلاص عن الشبهات، ولا مناص عن الورطات، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون( فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ

٢٧٣

النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) .

٢٧٤

من أقوال التّابعين والخلفاء الصريحة

في أنّ عليّاً أحبّ الناس إلى النبيّ

وكذلك رأي التّابعين واُولئك الذين يقول أهل السنّة فيهم بإمرة المؤمنين فإنّهم كانوا يرون أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى رسول ربّ العالمين:

قول الحسن البصري:

قال الغزالي: « ويروى عن ابن عائشة: أنّ الحجاج دعا بفقهه البصرة وفقهاء الكوفة. قال: فدخلنا عليه ودَخَل الحسن البصريرحمه‌الله آخر من دخل. فقال الحجاج: مرحباً بأبي سعيد مرحباً بأبي سعيد، إليَّ إليَّ، ثمّ دعا بكرسي ووضع إلى جنب سريره، فقعد عليه، فجعل الحجاج يذاكرنا ويسألنا، إذا ذكر علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فنال منه ونلنا منه مقاربةً له وفرقاً من شره، والحسن ساكت عاض على إبهامه.

فقال: يا أبا سعيد، مالي أراك ساكتاً؟

قال: ما عسيت أن أقول؟

قال: أخبرني برأيك في أبي تراب.

قال: سمعت الله جلّ ذكره يقول:( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) فعلي ممّن هدى الله من أهل الإِيمان، فأقول:

٢٧٥

ابن عمّ النبيّعليه‌السلام ، وختنه على ابنته، وأحبّ الناس إليه، وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله، لن تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحظرها عليه، ولا يحول بينه وبينها. وأقول: إنّه إنْ كانت لعلي هنات فالله حسيبه، والله ما أجد فيه قولاً أعدل من هذا.

فبسر وجه الحجاج وتغيّر، وقام عن السرير مغضباً، فدخل بيتاً خلفه وخرجنا.

قال عامر الشعبي: فأخذت بيد الحسن فقلت له: يا أبا سعيد، أغضبت الأمير وأو غرت صدره. فقال: إليك عنّي يا عامر. يقول الناس: عامر الشعبي عالم أهل الكوفة، أتيت شيطاناً من شياطين الإِنس تكلّمه بهواه وتقاربه في رأيه! ويحك يا عامر، هلّا اتقيت إنْ سُئلت فصدقت أو سكتّ فسلمت. قال عامر: يا أبا سعيد قلتها وأنا أعلم ما فيها. قال الحسن: فذاك أعظم في الحجة عليك وأشدّ في التّبعة»(١) .

قول المأمون العبّاسي:

وروى أبو علي مسكويه: إنّ المأمون كتب إلى الناس كتاباً يجيب فيه على اعتراضهم في كتاب لهم إليه على أخذه البيعة منهم لسيّدنا الإِمام الرضاعليه‌السلام ، فذكر نصّ الكتاب بطوله، نورد منه قدر الحاجة، وهذا هو:

« بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد رغم أنف الراغمين. أما بعد فقد عرف أمير المؤمنين كتابكم وتدبّر أمركم ومخض زبدتكم، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم، وعرفكم مقبلين ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم، في مراوضة الباطل وصرف وجوه الحق عن مواضعها، ونبذكم كتاب الله تعالى والآثار، وكلّ ما جاءكم به

____________________

(١). إحياء علوم الدين ٢ / ٣٤٦.

٢٧٦

الصادق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى كأنكم من الاُمم السالفة التي هلكت بالخسف والقذف والريح والصيحة والصواعق والرجم( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) .

والذي هو أقرب إلى أمير المؤمنين من حبل الوريد، لولا أنْ يقول قائل: إنّ أمير المؤمنين ترك الجواب من سوء أحلامكم وقلة أخطاركم وركاكة عقولكم ومن سخافة ما تأوون من آرائكم. فليستمع مستمع وليبلّغ الشاهد غائباً. أما بعد:

فإنّ الله تعالى بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها وأموالها لا يرون أحداً يساويهم ولا يناويهم، فكان نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميناً من أوسطهم بيتاً وأقلّهم مالاً.

وكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها. ثمّ آمن به علي ابن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - وله سبع سنين، لم يشرك بالله شيئاً، ولم يعبد وثناً، ولم يأكل رباً، ولم يشاكل أهل الجاهلية في جهالاتهم. وكانت عمومة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إما مسلم مهين أو كافر معاند، إلّا حمزة، فإنّه لم يمتنع من الإِسلام ولا امتنع الإِسلام منه. فمضى لسبيله على بيّنةٍ من ربّه.

أمّا أبو طالب فإنّه كفلَه وربّاه مدافعاً عنه ومانعاً منه، فلمـّا قبض الله أبا طالب همّ به القوم وأجمعوا عليه ليقتلوه، فهاجر إلى القوم الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ.

فلم يقم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب، فإنّه آزره ووقاه بنفسه ونام في مضجعه. ثمّ لم يزل بعد ذلك مستمسكا بأطراف الثغور وينازل الأبطال، ولا ينكل عن قرن، ولا يولي عن جيش. منيع القلب، يأمَّر على جميع ولا يأمّر عليه أحد.

أشدّ الناس ووطأةً على المشركين، وأعظمهم جهاداً في الله، وأفقههم في

٢٧٧

دين الله، وأقرأهم لكتاب الله، وأعرفهم بالحلال والحرام.

وهو صاحب الولاية في حديث غدير خم، وصاحب قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وصاحب يوم الطائف.

وكان أحب الخلق إلى الله وإلى رسوله »(١) .

____________________

(١). الطرائف: ١٢٢ عن نديم الفريد.

٢٧٨

لقد أثبتنا - والحمد لله - أنّ الأحبيّة في حديث الطير هي الأحبيّة المطلقة وأنّ جميع تأويلات ( الدّهلوي ) وغيره باطلة في الغاية وساقطة إلى النهاية إلّا أنا نذكر فيما يلي تصريحاتٍ ونصوصاً من عدة من أكابر علماء القوم، في أنّ حديث الطير دليل على أفضلية سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام وأحبيّته المطلقة عند الله والنبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... إتماماً للحجّة وتنويراً للمحجّة

علماء عصر المأمون

قد تقدّم سابقاً عن ابن عبد ربّه فيما رواه تحت عنوان « إحتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي » عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد قال: « بعث إليّ يحيى بن أكثم وإلى عدّةٍ من أصحابي - وهو يومئذٍ قاضي القضاة - فقال: إنّ أمير المؤمنين أمرني أن احضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا، كلّهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب » أنّ المأمون احتّج على الفقهاء الحاضرين - وفيهم إسحاق وابن أكثم - بفضائل لأمير المؤمنينعليه‌السلام في إثبات أفضليّته من غيره من الأصحاب، وكان منها حديث الطّير، حيث قال لإسحاق بن إبراهيم الذي كان المخاطب فيهم:

« يا إسحاق: أتروي الحديث؟ قلت: نعم. قال: فهل تعرف حديث

٢٧٩

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460