نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 304891 / تحميل: 6516
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

من الأحاديث الصَّريحة في:

أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله والرّسول مطلقا ً

١ - روى الكنجي والبدخشاني عن الحافظ أبي نعيم في أربعينه والطبراني في الكبير، ومحبّ الدين الطبري عن الحافظ أبي العلاء الهمداني في أربعينه في المهدي كلّهم عن علي بن الهلال، عن أبيه، عن علي - واللّفظ للطبري - قال:

« دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحالة التي قبض فيها، فإذا فاطمة - رضي الله عنها - عند رأسه، فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها وقال: حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟ فقالت: أخشى الضّيعة من بعدك. فقال: يا حبيبتي، أما علمت أنّ الله تعالى اطّلع على أهل الأرض اطّلاعةً فاختار منها أباك فبعثه برسالته، ثمّ اطّلع اطّلاعة على أهل الأرض فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه!

يا فاطمة: ونحن أهل بيتٍ قد أعطانا الله سبع خصالٍ لم يعط أحداً قبلنا، ولا يعطي أحداً بعدنا:

أنا خاتم النبيين وأكرمهم على الله عزّ وجلّ، وأحبّ المخلوقين إلى الله تعالى، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ وهو بعلكِ،

٢٤١

وشهيدنا خير الشّهداء وأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ وهو حمزة بن عبد المطلب عمّ أبيكِ وعمّ بعلكِ. ومنّا من له جناحان أخضران يطير بهما في الجنّة حيث يشاء مع الملائكة وهو ابن عمّ أبيك وأخو بعلك. ومنّا سبطا هذه الاُمّة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيّدا شباب أهل الجنّة وأبوهما - والذي بعثني بالحق - خير منهما.

يا فاطمة، والذي بعثني بالحق، إنّ منهما مهدي هذه الاُمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطّعت السّبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً، يبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منها من يفتح حصون الضّلالة، وقلوباً غلفاً، يقوم بالدّين في آخر الزّمان كما قمت به في أوّل الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً »(١) .

فالنبيّ يصف عليّاً -عليه‌السلام - بقوله: « ووصيي خير الأوصياء وأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ » ومن المعلوم أنّ الأوصياء السّابقين كانوا أنبياء فعليعليه‌السلام أحبّ إلى الله من أُولئك الأنبياء فمن زيدٌ هناك ومن عمرو؟!

فالحديث يدلّ على أحبيّة علي من الأنبياء بالدلالة المطابقية، وعلى أحبيّة من غيرهم بالأولويّة القطعيّة وهذا أيضاً مفاد حديث الطير، لأنّ الحديث يفسّر بعضاً.

٢ - روى السيد علي الهمداني: « عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حدّثني جبرئيل عن الله عزّ وجلّ: إنّ الله يحب عليّاً ما لا يحبّ الملائكة ولا النبيّين ولا المرسلين، وما من تسبيح يسبّحه لله إلّا ويخلق الله ملكاً يستغفر لمحبيّه وشيعته إلى يوم القيامة »(٢) .

____________________

(١). البيان في أخبار صاحب الزمان: ٧. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ١٣٥. مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٢). مودة القربى - ينابيع المودة: ٢٥٦.

٢٤٢

فهل من تأمّل في أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام من الثلاثة؟!

٣ - روى الخطيب الخوارزمي بسنده من طريق محمّد بن جرير الطبري، عن عبد الله بن عمر قال: « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وسئل بأيّ لغةٍ خاطبك ربّك ليلة المعراج فقال - خاطبني بلغة علي بن أبي طالب، فألهمني أنْ قلت: يا ربّ خاطبتني أم علي؟ فقال: يا أحمد، أنا شيء ليس كالأشياء، لا اُقاس بالناس، ولا اُوصف بالشبهات، خلقتك من نوري وخلقت علياً من نورك، فاطّلعت على سرائر قلبك فلم أجد أحداً في قلبك أحبّ إليك من علي بن أبي طالب، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئنُّ قلبك »(١) .

ورواه نور الدين جعفر البدخشي في ( خلاصة المناقب ) مرسلاً.

وعلى ضوء هذا الحديث يتضّح فساد تأويلات ( الدهلوي ) وأنّ حديث الطّير من البراهين السّاطعة على أفضليّة مولانا أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام.

ومن لطائف هذا المقام: أنّ السيد علي بن أحمد بن معصوم المدني طاب ثراه يروي هذا الحديث الشريف بسند أكثره من رواية الأبناء عن الآباء حيث يقول:

« حدّثنا والدي الأجل أحمد نظام الدين، عن والده السيد الجليل محمّد معصوم، عن شيخه المحقق المولى محمّد أمين الأسترآبادي، عن شيخه طراز المحدّثين الميرزا محمّد الأسترآبادي، عن السيّد أبي محمّد محسن قال: حدّثني أبي علي شرف الآباء، عن أبيه منصور غياث الدّين أستاذ البشر، عن أبيه محمّد صدر الحقيقة، عن أبيه منصور غياث الدين، عن أبيه محمّد صدر الدين، عن أبيه إبراهيم شرف الملّة، عن أبيه محمد صدر الدين، عن أبيه إسحاق عزّ الدين، عن أبيه علي ضياء الدين، عن أبيه عربشاه

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٣٧.

٢٤٣

زين الدين، عن أبيه أبي الحسن الأمير نجيب الدين، عن أبيه الأمير خطير الدين، عن أبيه أبي علي الحسن جمال الدين، عن أبيه أبي جعفر الحسين العزيزي، عن أبيه أبي سعيد علي، عن أبيه أبي إبراهيم زيد الأعثم، عن أبيه أبي شجاع علي، عن أبيه أبي عبد الله محمّد، عن أبيه علي، عن أبيه أبي عبد الله جعفر، عن أبيه أحمد السكّين، عن أبيه جعفر، عن أبيه أبي جعفر محمّد، عن أبيه زيد الشهيد، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه الحسين سيّد الشهداء، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال:

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - وقد سئل بأيّ لغةٍ خاطبك ربّك ليلة المعراج قال -: خاطبني بلسان علي، فألهمني أنْ قلت

توضيح : أقول: هذا الحديث الشريف رواه أيضاً أبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي المعروف بأخطب خوارزم

واللّغة كاللسان كما تطلق على ما يعبّر به كلّ قوم عن أغراضهم، كلغة العرب ولغة العجم، تطلق على ما يعبّر به الإِنسان الواحد عن غرضه، من النطق وتقطيع الصّوت، الذين يمتاز بهما الأشخاص بعضها عن بعض، ويعبّر عنها باللهجة، فقول السائل في الحديث: بأيّ لغة خاطبك ربّك؟ يحتمل المعنيين. و قوله: خاطبني بلسان علي - أو بلغة علي كما في رواية الخوارزمي - مراد به المعنى الثاني، وهو يتضمن الجواب عن المعنى الأول أيضاً إنْ كان مرادا، لأنّ لغة عليعليه‌السلام كانت عربيّة. وقاس الشيء بالشيء قدّره به، أي جعله على مقداره. والشبهات جمع شبهة كغرفة وغرفات قال في القاموس: الشبهة بالضم الالتباس والمثل انتهى. وإرادة المعنى الثاني هنا أظهر. أي لا أوصف بالأمثال، وإن كان المعنى الأول أيضاً ظاهراً »(١) .

٤ - أخرج الترمذي: « حدّثنا محمّد بن بشّار ويعقوب بن إبراهيم وغير

____________________

(١). التذكرة - مخطوط.

٢٤٤

واحد قالوا: نا أبو عاصم، عن أبي الجراح قال: ثني جابر بن صبيح قال: حدّثتني أم شراحيل قالت: حدّثتني أم عطيّة قالت: بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشاً فيهم علي. قالت: فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو رافع يديه يقول: اللّهم لا تمتني حتى تريني عليّاً هذا حديث غريب حسن، إنّما نعرفه من هذا الوجه »(١) .

ورواه الفقيه ابن المغازلي حيث قال: « قولهعليه‌السلام : لا تمتني حتى تريني وجه علي. أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن العباس البزاز قال: أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن الحسين بن محمّد المحاملي، نا علي بن مسلم، نا أبو عاصم قال: حدّثني أبو الجراح »(٢) .

ورواه الخطيب الخوارزمي بسنده عن الحافظ البيهقي قال: « أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمر قالا: حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب قال: حدّثنا أبو أميّة محمّد بن إبراهيم الطرسوسي، قال: حدّثنا أبو عاصم النبيل »(٣) .

ورواه الكنجي الشّافعي بسنده عن الترمذي قال: « هذا حديث عال، أخرجه أبو عيسى محمّد بن عيسى الترمذي في صحيحه، ووقع إلينا عاليا من غير هذا الطريق، لكن اقتصرنا على هذا لشهرته عند أهل النقل »(٤) .

ورواه الزرندي عن اُم عطيّة(٥) .

وكذا حسام الدين(٦) والبدخشاني(٧) عن الترمذي.

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٠١.

(٢). مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام : ١٢٢.

(٣). مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام : ٣٠.

(٤). كفاية الطالب: ١٣٣.

(٥). نظم درر السمطين: ١٠٠.

(٦). مرافض الروافض - مخطوط.

(٧). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٤٥

وهل في دلالته على الأحبيّة المطلقة العامّة ريب؟!

٥ - قال الحافظ محبّ الدين الطبري تحت عنوان « ذكر أنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بعد أن روى حديث الطير:

« وعن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: إنّ علياً دخل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام إليه وعانقه وقبّل ما بين عينيه، فقال له العباس: أتحبّ هذا يا رسول الله؟ فقال: يا عم، والله لله أشدّ حبّا له منّي. أخرجه أبو الخير القزويني(*) »(١) .

وكرّر روايته في « ذكر أن الله تعالى جعل ذريّته في صلب علي »(٢) .

وقد بلغت دلالة هذا الحديث في الوضوح حدّاً حتى ذكره الطبري تحت عنوان « ذكر أنّه أحبّ الخلق إلى الله » كما نصَّ محمّد بن إسماعيل وغيره على دلالته على ذلك.

فهذا هو الحديث، وهذه تصريحات المحقّقين من أهل السنّة فقل ما يقتضيه الإنصاف في تأويلات المنحرفين؟!

٦ - روى الخطيب الخوارزمي قائلاً: « أنبأني أبو العلاء الحافظ الحسن ابن أحمد العطار الهمداني قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المقري قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدّثنا حبيب بن الحسن قال: حدّثنا عبد الله بن أيوب القربي قال: حدّثنا زكريا بن يحيى المنقري قال: حدّثنا إسماعيل بن عبّاد المدني، عن شريك عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند زينب بنت جحش فأتى بيت أم سلمة - وكان يومها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فلم يلبث أن جاء علي فدقّ الباب دقّاً خفيفاً، فاستثبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدقّ

____________________

(١). ذخائر العقبى: ٦٢.

(٢). ذخائر العقبى: ٦٧.

(*). هو: أحمد بن إسماعيل المتوفى سنة: ٥٨٩ أو ٥٩٠. ترجم له في سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٩٠.

٢٤٦

فأنكرته اُمّ سلمة. قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قومي فافتحي له الباب. فقالت: يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب فأتلقاه بمعاصمي، وقد نزلت فيّ آية من كتاب الله بالأمس!! فقال - كالمغضب - إن طاعة الرّسول طاعة الله، ومن عصى الرسول فقد عصى الله! إنّ بالباب رجلا ليس بالنزق ولا الخرق، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. ففتحت له الباب، فأخذ بعضادتي الباب حتى إذا لم يسمع حسّاً ولا حركة، وصرت إلى خدري استأذن فدخل.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتعرفينه؟ قلت: نعم، هذا علي بن أبي طالب. قال: صدقت. سجيّته من سجيّتي، ولحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة علمي.

إسمعي واشهدي: هو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي.

إسمعي واشهدي: لو أنَّ عبداً عبد الله ألف عام من بعد ألف عام بين الركن والمقام، ثمّ لقى الله مبغضاً لعلي لأكبَّه الله يوم القيامة على منخريه في نار جهنم »(١) .

ولا يخفى: أن هذه الصّفات التي ذكرها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما ذكرها جواباً لسؤال اُمّ سلمة « من هذا الذي بلغ من خَطَره »؟ فلا يعقل أنْ يكون قوله « يحبّه الله ورسوله » إلّا بمعنى « الأحبيّة»، لأنّ كلّ مؤمن يحبّه الله ورسوله، فلا بدّ أن يكون قوله في حق علي لإفادة معنى الأحبيّة العامة المطلقة وهذا هو المطلوب.

٧ - روى الخطيب الخوارزمي قائلاً: « وأنبأني مهذّب الأئمة هذا قال أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن علي بن أبي عثمان الدّقاق قال: أخبرنا أبو المظفر هنّاد بن إبراهيم النسفي قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن يوسف بن

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام : ٤٣.

٢٤٧

محمّد بن الحجاج الطبري - بسارية طبرستان - قال: حدّثنا أبو عبد الله الحسين ابن جعفر بن محمّد الجرجاني قال: حدّثنا أبو عيسى إسماعيل بن إسحاق بن سليمان النّصيبي قال: حدّثنا محمّد بن علي الكفرثوثي قال: حدّثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال:

صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة العصر وأبطأ في ركوعه في الركعة الأولى، حتى ظنّ أنّه قد سهى وغفل، ثمّ رفع رأسه وقال: سمع الله لمن حمده، ثمّ أوجز في صلاته، ثمّ أقبل علينا بوجهه كأنّه القمر ليلة البدر في وسط النجوم، ثمّ جثى على ركبتيه وبسط قائمه حتى تلألأ المسجد بنور وجهه، ثمّ رمى بطرفه إلى الصفّ الأوّل يتفقَّد أصحابه رجلاً رجلاً، ثمّ رمى بطرفه إلى الصفّ الثّاني، ثمّ رمى بطرفه إلى الصف الثّالث، يتفقّدهم رجلاً رجلاً، ثمّ كثرت الصّفوف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال:

ما لي لا أرى ابن عمّي علي بن أبي طالب، يا ابن عمّي، فأجابه علي من آخر الصفوف وهو يقول: لبّيك لبّيك يا رسول الله. فنادى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأعلى صوته: اُدنُ منّي يا علي. فما زال علي يتخطّى أعناق المهاجرين والأنصار حتى دنا المرتضى إلى المصطفى، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الذي خلَّفك عن الصفّ الأوّل؟ قال: شككت أنّي على غير طهر، فأتيت منزل فاطمة فناديت يا حسن يا حسين يا فضّة، فلم يجبني أحد، فإذا بهاتف يهتف بي من ورائي وهو ينادي: يا أبا الحسن يا ابن عمّ النبيّ، إلتفتْ، فالتفتُّ، فإذا بسطلٍ من ذهب وفيه ماء وعليه منديل، فأخذت المنديل ووضعته على منكبي الأيمن وأومأت إلى الماء، فإذا الماء يفيض على منكبي، فتطّهرت وأسبغت الطهر، ولقد وجدته في لين الزبد وطعم الشهد ورائحة المسك، ثمّ التفتّ ولا أدري من وضع السّطل والمنديل، ولا أدري من أخذه.

فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجهه وضمّه إلى صدره،

٢٤٨

فقبَّل ما بين عينيه ثمَّ قال: يا أبا الحسن ألا أُبشّرك، إنّ السّطل من الجنّة والماء والمنديل من الفردوس الأعلى، والذي هيّأك للصّلاة جبرئيل، والذي مندلك ميكائيل. والذي نفس محمّد بيده ما زال إسرافيل قابضا بيده على ركبتي حتى لحقت معي الصّلاة.

أفيلومني الناس على حبّك، والله تعالى وملائكته يحبّونك فوق السماء؟! »(١) .

٨ - روى الحافظ الدار قطني: « ثنا أبو القاسم الحسن بن محمّد بن بشر البجلي الكوفي، ثنا علي بن الحسين بن عتبة، ثنا إسماعيل بن أبان، ثنا عبد الله بن مسلم الملائي، عن أبيه، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عائشة قالت: لمـّا حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموت قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له أبا بكر فنظر إليه ثمّ وضع رأسه، فقال: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له عمر فنظر إليه ثمّ وضع إليّ رأسه، فقال: ادعوا لي حبيبي فقلت: ويلكم ادعوا لي علي بن أبي طالب، فو الله ما يريد غيره. فلمـّا رآه أخرج الثوب الذي كان عليه ثمّ أدخله فيه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه »(٢) .

ورواه الخوارزمي: « أخبرني الشّيخ الإِمام شهاب الدين أبو النجيب سعد ابن عبد الله بن الحسن الهمداني - فيما كتب إليَّ من همدان - أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد باصبهان - فيما أذن لي في الرواية عنه - قال: أخبرنا الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطبراني - سنة ٤٧٣ - قال: أخبرنا الإِمام الحافظ طراز المحدّثين أبو بكر أحمد ابن موسى بن مردويه الأصبهاني.

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٢١٥.

(٢). الأفراد للدار قطني.

٢٤٩

وبهذا الإِسناد قال أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني المعروف بالمروزي قال: وأخبرنا بهذا الحديث الإِمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصبهاني - في كتابه إليّ من أصبهان سنة ٤٨٨ - عن أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه. قال:

حدّثنا عبد الرحمن بن محمّد بن حمّاد قال: حدّثنا القاسم بن علي بن منصور الطائي قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان »(١) .

والكنجي: « أخبرنا أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد بن الحسن الصالحي، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي، أخبرنا أبو غالب ابن البنّاء، أخبرنا أبو الغنائم ابن المأمون، أخبرنا إمام أهل الحديث أبو الحسن الدار قطني

قلت : رواه محدّث الشام في كتابه كما أخرجناه قال قال الدار قطني: تفرّد به مسلم الملّائي، وهو قريب في مثل هذا »(٢) .

ورواه محمّد باكثير المكّي عن الدار قطني عن عائشة(٣) .

ومحبّ الدين الطبري(٤) وإبراهيم الوصّابي(٥) : عن التّمام الرازي في فوائده، عن عائشة.

وشهاب الدين أحمد، عن المحبّ الطبري، عن الرازي. وعن الصالحاني، عن سليمان الحافظ الأصبهاني، عن ابن مردويه عن عائشة(٦) .

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٢٨.

(٢). كفاية الطالب: ٢٦٢.

(٣). وسيلة المآل - مخطوط.

(٤). ذخائر العقبى: ٧٢.

(٥). الاكتفاء - مخطوط.

(٦). توضيح الدلائل - مخطوط.

٢٥٠

وأخرجه الحافظ أبو يعلى من حديث عبد الله بن عمرو باللفظ التالي:

« ثنا كامل بن طلحة، ثنا ابن لهيعة، حدّثني حي بن عبد الله المغازي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في مرضه: ادعوا لي أخي، فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا لي أخي فدعوا له عمر فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا لي أخي فدعي له عثمان فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا لي أخي، فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب وأكبّ عليه، فلمـّا خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علّمني ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب »(١) .

ويفيد هذا الحديث بطرقه - فيما بعد - أنّ الثلاثة ما كانوا في نظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصداقاً لقوله « حبيبي » أو « أخي » حتى قامت عائشة لأئمة الحاضرين: « ويلكم ادعوا له علي بن أبي طالب » إنّ « حبيبه » و « أخاه » ليس إلّا أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام فهو الأحبّ إليه والأقرب عنده من جميع الخلائق، فهو الأفضل

فهل في سقوط تأويلات ( الدهلوي ) شكّ وريب!!

____________________

(١). العلل المتناهية ١ / ٢٢١، رقم: ٣٤٧.

٢٥١

من أقوال الصحابة الصَّريحة في:

أنّ علّياً أحبُّ النّاس إلى النبيّ

وكما كانت الأحاديث الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صريحةً في الدلالة على أنّ علياًعليه‌السلام كان أحبّ الخلق عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... كذلك الآثار التي يروونها عن الصّحابة فإنّها صريحة في أن هذا الأمر كان مفروغاً عنه ومتسالماً عليه بينهم سمعوه من النّبيّ وفهموه من أحواله وسيرته

قول أبي ذر الغفاري

عن معاوية بن ثعلبة قال: « جاء رجل إلى أبي ذر - وهو في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال: يا أبا ذر، ألا تحدّثني بأحبّ الناس إليك! فو الله لقد علمت أنّ أحبّهم إليك أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: أجل والذي نفسي بيده: إنّ أحبّهم إليَّ أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ذلك الشيخ. وأشار إلى علي ».

رواه الخوارزمي بسنده عن البيهقي عن معاوية بن ثعلبة(١) .

والمحبّ الطبري(٢) وإبراهيم الوصابي(٣) عن الملّا في سيرته عنه

وشهاب الدين أحمد، عن الطبري، عن الملّا(٤) .

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٢٩.

(٢). الرياض النضرة ٣ / ١١٦، ذخائر العقبى: ٦٢.

(٣). الاكتفاء - مخطوط.

(٤). توضيح الدلائل - مخطوط.

٢٥٢

وهل يجوّز عاقل تخصيص هذه « الأحبيّة » بالأحبيّة في الأكل وما شابه؟ وما الدليل على ذلك؟

قول بريدة

أخرج الحاكم قائلاً: « حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا العباس بن محمّد الدوري، حدّثنا شاذان الأسود بن عامر، حدّثنا جعفر بن زياد الأحمر، عن عبد الله بن عطا، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:

كان أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ومن الرجال علي.

هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه »(١) .

ورواه المولوي مبين عن الحاكم(٢) .

وروى البدخشاني، عن الترمذي، عن بريدة قال: « كان أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ومن الرّجال علي »(٣) .

قول عائشة

١ - روى الكنجي: « أخبرنا الحافظ محمّد بن محمود - ببغداد - ويوسف ابن خليل - بحلب - وخالد بن يوسف - بدمشق - وغيرهم، قالوا جميعاً: أخبرنا حجّة العرب زيد بن الحسن الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا إمام أهل الحديث أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ، أخبرنا أبو منصور محمّد بن محمّد ابن عثمان السوّاق، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي طالب الكاتب، حدّثنا محمّد بن جرير الطبري، حدّثنا محمّد بن عيسى الدّامغاني، حدّثني يسع بن

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٥. ووافقه الذهبي.

(٢). وسيلة النجاة: ٢٧.

(٣). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٥٣

عدي، حدّثنا شاه بن الفضل، عن أبي المبارك، عن حيوة بن شريح بن هاني، عن أبيه، عن عائشة قالت:

ما خلق الله خلقاً أحب إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من علي ابن أبي طالب »(١) .

فهذا الحديث الذي رواه الحفّاظ عن الحافظ الطبري، بسنده عن عائشة، نصّ صريح فيما يدلّ عليه حديث الطير من « الأحبيّة » العامّة المطلقة، فلا مجال لشيء من التأويلات الفاسدة.

٢ - أخرج التّرمذي: « حدّثنا حسين بن يزيد الكوفي، نا عبد السلام بن حرب، عن أبي الجحاف، عن جميع بن عمير التيمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: فاطمة. فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها، أن كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً. هذا حديث حسن غريب »(٢) .

وأخرجه الحاكم بسنده عن عبد السلام بن حرب(٣) .

وعن الترمذي: ابن الأثير(٤) ومحبّ الدين الطّبري(٥) وشهاب الدين أحمد(٦) والعيدروس(٧) والوصّابي(٨) والبدخشاني(٩) .

إنّ هذه « الأحبيّة » عامّة قطعاً ولو كان هناك غير فاطمة وعلي لذكرته

____________________

(١). كفاية الطالب: ٣٢٤.

(٢). صحيح الترمذي ٥ / ٦٥٨.

(٣). المستدرك ٣ / ١٥٧.

(٤). أَسد الغابة ٥ / ١٥٧.

(٥). الرياض النضرة ٣: ١١٥، ذخائر العقبى.

(٦). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٧). العقد النبوي - مخطوط.

(٨). الاكتفاء - مخطوط.

(٩). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٥٤

عائشة قطعاً

٣ - أخرج الحاكم: « حدّثنا أبو بكر محمّد بن علي الفقيه الشاشي، حدّثنا أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ، حدّثنا علي بن سعيد بن بشير، عن عبّاد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن رجاء الزبيدي، عن أبي إسحاق الشيباني، عن جميع بن عمير قال:

دخلت مع أُمي على عائشة فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسألها عن علي فقالت: تسأليني عن رجلٍ - والله - ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - منه ولا امرأة من الأرض كانت أحبّ إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من امرأته. هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه »(١) .

ورواه المولوي مبين عن الحاكم كذلك(٢) .

وأخرجه النّسائي بسنده عن أبي إسحاق الشيباني(٣) وكذا أبو يعلى الموصلي(٤) وكذا الخطيب الخوارزمي(٥) .

ورواه الحافظ المحبّ الطبري عن الحافظين المخلّص الذهبي وأبي القاسم الدمشقي، عن عائشة(٦) .

وشهاب الدين أحمد، عن المحبّ عنهما، عن عائشة(٧) .

والمولوي ولي الله عن النسائي(٨) .

____________________

(١). المستدرك ٣ / ١٥٤.

(٢). وسيلة النجاة: ٢٨.

(٣). الخصائص: ٢٩.

(٤). المسند

(٥). مناقب أمير المؤمنين: ٣٧.

(٦). ذخائر العقبى: ٦٢، الرياض النضرة ٣ / ١١٦.

(٧). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٨). مرآة المؤمنين - مخطوط.

٢٥٥

إذن لا أحبَّ إلى الله والرسول من أمير المؤمنينعليه‌السلام وباعترافٍ من عائشة و « الأحبيّة » أحبيّة مطلقة

٤ - روى الحافظ الزرندي بقوله: « ويروى أنّ امرأة من الأنصار قالت لعائشة رضي الله عنها: أيّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: علي بن أبي طالب »(١) .

ورواه شهاب الدين أحمد عن الزرندي(٢) .

٥ - روى الزرندي: « عن جميع بن عمير قال: دخلت على عائشة فسألتها: من كان أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: فاطمة. قلت: لست أسألكِ عن النساء، إنّما أسألكِ عن الرجال! فقالت: زوجها »(٣) .

وكذا رواه الابشيهي(٤) .

٦ - روى المتّقي: « عن عروة قال: قلت لعائشة: من كان أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: علي بن أبي طالب. قلت: أيّ شيء كان سبب خروجك عليه؟ قالت: لِمَ تزوَّج أبوك أمك؟ قلت: ذلك من قدر الله. قالت: وكان ذلك من قدر الله. ن »(٥) .

٧ - روى المحبّ الطبري، وإبراهيم بن عبد الله الوصّابي: « عن معاذة الغفارية قالت: كان لي اُنس بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخرج معه في الأسفار وأقوم على المرضى واُداوي الجرحى، فدخلت إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في بيت عائشة وعلي خارج من عنده وسمعته يقول:

____________________

(١). نظم درر السمطين: ١٠٢.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). نظم درر السمطين: ١٠٢.

(٤). المستطرف من كل فن مستظرف ١ / ١٣٧.

(٥). كنز العمال ١١ / ٣٣٤، رقم ٣١٦٧٠ وفيه: ( ز ).

٢٥٦

يا عائشة، إنّ هذا أحبّ الرجال إليَّ وأكرمهم عليَّ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه، [ فلمـّا أن جرى بينها وبين علي بالبصرة ما جرى رجعت عائشة إلى المدينة، فدخلت عليها فقلت لها: يا اُم المؤمنين كيف قلبك اليوم بعد ما سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لكِ فيه ما قال؟ قالت معاذة قالت: كيف يكون قلبي لرجلٍ كان إذا دخل عليَّ وأبي عندنا لا يملّ من النظر إليه، فقلت: يا أبة إنّك لتديم النظر إلى عليّ! فقال: يا بنيّة، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: النظر إلى وجه علي عبادة ]. أخرجه الخجندي(*) »(١) .

وإنّ هذه الأحاديث لتقلع أساس جميع التأويلات والتسويلات لا سيّما وأنّها عن عائشة التي جرى منها على أمير المؤمنينعليه‌السلام ما جرى وكان منها ما كان!! ولكن مع ذلك كلّه وبالإِضافة إليه نورد عنها الحديث التّالي:

٨ - أخرج أحمد: « ثنا أبو نعيم، حدّثنا يونس، ثنا عمرو بن حريث قال:

قال النّعمان بن بشير: إستأذن أبو بكر على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول: والله لقد عرفت أنّ عليّاً أحبّ إليك من أبي - ثلاثاً -. فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى إليها وقال لها: يا بنت اُم رومان لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى الله عليه! »(٢) .

وأخرجه النسائي: « أخبرني عبدة بن عبد الرحيم المروزي قال: أنبأنا عمرو بن محمّد قال: أنبأنا يونس بن أبي إسحاق، عن عمرو بن حريث، عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمع

____________________

(١). الرياض النضرة ٣ / ١١٦، الاكتفاء - مخطوط.

(*) وهو: ابو بكر محمد بن عبد اللطيف الاصفهاني الشافعي المتوفى سنة: ٥٥٢. سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٣٨٦.

(٢). مسند أحمد ٤ / ٢٥٧.

٢٥٧

صوت عائشة عالياً وهي تقول: والله لقد علمت أنّ عليّا أحبّ إليك من أبي. فأهوى أبو بكر ليلطمها وقال: يا بنت فلانة، أراكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فأمسكه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخرج أبو بكر مغضباً، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عائشة كيف رأيتني أنقذتك من الرجل! ثمّ استأذن أبو بكر بعد ذلك، وقد اصطلح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعائشة فقال: أدخلاني في السّلم كما أدخلتماني في الحرب. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد فعلنا »(١) .

وقال الحافظ ابن حجر: « أخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، بسندٍ صحيح، عن النعمان بن بشير قال: إستأذن أبو بكر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد علمت أنّ عليّاً أحبّ إليك من أبي »(٢) .

تنبيهات على بطلان دعاوى وتأويلات

لقد كانت تلك ثلّة من الأحاديث والآثار الواضحة الدلالة على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق لدى الله ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً لا سيّما ما كان منها عن عائشة مع انحرافها عن الإِمامعليه‌السلام ومن هنا صرّح العلّامة جلال الدين الخجندي - بالنسبة إلى أحاديث عائشة ومعاذة الغفارية وأبي ذر الغفاري - بأنّ هذه الأحاديث لدلالتها على أحبيّة عليعليه‌السلام تعاضد حديث الطير وتؤيّده، ونصَّ العلّامة محمّد ابن إسماعيل الأمير على أنّ الأخبار المذكورة دليل على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... كما سنقف

____________________

(١). الخصائص: ٢٨.

(٢). فتح الباري ٧ / ١٨.

٢٥٨

عليه فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.

ولكنَّ من القوم من سوّلت له نفسه لأنْ يدّعي المعارضة بين ذلك، وبين ما رووه من أحبيّة عائشة وأبيها فيجمع بينهما بحمل ما ورد في علي والزهراءعليهما‌السلام على الأحبيّة النسبيّة فلننقل كلامه ونبيّن ما فيه:

كلام المحبّ الطبري وبطلانه

لقد جاء في ( الرّياض النضرة ): « ذكر اختصاصه بأحبيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عن عائشة: سُئلت: أيّ الناس أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: فاطمة. فقيل: من الرّجال؟ قالت: زوجها، أنْ كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً. أخرجه الترمذي. وقال: حسن غريب.

وعنها - وقد ذكر عندها علي فقالت: ما رأيت رجلاً كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا امرأة أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته. خرّجه المخلّص والحافظ الدمشقي.

وعن معاذة الغفارية قالت: كانت لي اُنس بالنبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أخرج معه في الأسفار وأقوم على المرضى واُداوي الجرحى، فدخلت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت عائشة - وعليرضي‌الله‌عنه خارج من عنده - فسمعته يقول: يا عائشة، إنّ هذا أحبّ الرجال وأكرمهم عليَّ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه. خرّجه الخجندي.

وعن مجمع قال: دخلت مع اُمي على عائشة فسألتها عن أمرها يوم الجمل فقال: كان قدراً من قدر الله. وسألتها عن علي فقالت: سألت عن أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وزوجه أحبّ الناس كانت إليه.

وعن معاوية بن ثعلبة قال: جاء رجل إلى أبي ذر - وهو في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال: يا أبا ذر، ألا تخبرني بأحبّ الناس إليك، فإني

٢٥٩

أعلم أنّ أحبّ الناس إليك أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: إي وربّ الكعبة، أحبّهم إليَّ أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هو ذاك الشيخ. وأشار إلى علي. خرّجه الملّا في سيرته.

وقد تقدَّم لأبي بكر مثل هذه في المتّفق عليه.

فيحمل هذا على أنّ علياً أحبّ الناس إليه من أهل بيته، وعائشة أحبّ إليه مطلقاً، جمعاً بين الحديثين. ويؤيّده ما رواه الدولابي في الذريّة الطاهرة: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة: أنكحتك أحبّ أهل بيتي إليَّ.

خرّجه عبد الرزاق، ولفظه: أنكحتك أحبّ أهلي إليَّ »(١) .

وقلّده الوصّابي صاحب ( الاكتفاء ) فيما قال.

أقول:

إنّ حمل أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام على الأحبيّة النّسبية - بأيّ معنىً كانت - حمل باطل، تدفعه الأحاديث التي ذكرناها والآثار التي أوردناها، خصوصاً ما كان منها عن عائشة فإنّ هذه الأحاديث والآثار لا تقبل التأويل بشكلٍ من الأشكال

على أنّ تخصيص أحبيّة الإِمامعليه‌السلام بأنّها بالنسبة إلى أهل البيتعليهم‌السلام - على تقدير تسليمه - لا يضرّ بما نقوله، لأنّ مقتضى الأحاديث المعتبرة الكثيرة - كحديث الثقلين، وحديث السّفينة، وأمثالهما ممّا رواه القوم ومنهم المحبّ الطبري نفسه - وكذا الأحاديث الواردة في أفضليّة بني هاشم من سائر قريش، وهي أيضاً أحاديث كثيرة معتبرة جداً(٢) هو أفضليّة أهل البيتعليهم‌السلام من جميع الناس على العموم. فمن كان الأفضل في أهل البيت - الذين هم أفضل الناس - كان أفضل الناس، بالأولوية القطعيّة

____________________

(١). الرياض النضرة في مناقب العشرة ٣ / ١١٥ - ١١٦.

(٢). اُنظر: الجزء ٥ ص ٣١٦ - ٣٢١ من كتابنا.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

على أنّهعليه‌السلام أحقّ بمقام الرسول عليه وآله السلام ، وأولى بالإمامة والخلافة من جهة أنّها إذا دلّت على الفضل الأكيد ، والاختصاص الشديد ، وعلوّ الدرجة ، وكمال المرتبة ، علم ضرورة أنّها أقوى الأسباب والوصلات إلى أشرف الولايات. لأنّ الظاهر في العقل أن من كان أبهر فضلاً ، وأجلّشأناً ، وأعلى في الدين مكاناً ، فهو أولى بالتقديم ، وأحقّ بالتعظيم ، والإمامة ، وخلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هي أعلا منازل الدين بعد النبوّة ، فمن كان أجلّ قدراً في الدين ، وأفضل وأشرف على اليقين ، وأثبت قدماً ، وأوفر حظّاً فيه ، فهو أولى بها ، ومن دلّ على ذلك من حاله دل على إمامته.

ولأنّ العادة قد جرت فيمن يرشّح لجليل الولايات ، ويؤهّل لعظيم الدرجات ، أن يصنع به بعض ما تقدّم ذكره ، يبيّن ذلك أنّ بعض الملوك لو تابع بين أفعال وأقوال في بعض أصحابه طول عمره وولايته يدل على فضل شديد ، وقرب منه في المودّة والمخالصة والاتحاد ، لكان عند أرباب العادات بهذه الأفعال مرشّحاً له لأفضل المنازل ، وأعلى المراتب بعده ، ودالاً على استحقاقه لذلك. وقد قال قوم من أصحابنا : إن دلالة العقل ربما كانت آكد من دلالة القول ؛ لأنها أبعد من الشبهة ، وأوضح في الحجة ، من حيث إنّ مايختصَ بالفعل لا يدخله المجاز ولا يتحمل التأويل ، وأمّا القول فيحتمل ضروباً من التأويل ويدخله المجاز وبالله التوفيق.

فصل :

وأمّا النص المختص بالقول فينقسم قسمين : النص الجلي ، والنصّ الخفيّ. فالنص الجليّ : هو ما علم سامعوه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مراده منه ضرورة وإن كنَا نعلم الآن ثبوته.

٣٢١

والمراد به إستدلالاً : وهو النصّ الذي فيه التصريح بالإمامة والخلافة مثل ، قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « سلّموا على عليً بإمرة المؤمنين »(1)

وقوله صلوات الله عليه وآله مشيرا إليه وآخذا بيده : « هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوه »(2) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمّ سلمة : «اسمعي واشهدي هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين »(3) .

وقوله عليه وآله السلام حين جمع بني عبدالمطّلب في دار أبي طالبوهم أربعون رجلاً يومئذ يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ـ فيما ذكره الرواة ـ وقد صنع لهم فخذ شاة مع مدّ من البرّ ، وأعدّ لهم صاعاً من اللبن ، وقد كان الرجال منهم يأكل الجذعة في مقام واحد ويشرب الفرق من الشراب ، ثمّ أمر بتقديمه لهم ، فأكلت الجماعة من ذلك اليسير حتّى تملّوا منه ولم يبيّن ما أكلوه وشربوه فيه.

ثمّ قال لهم بعدأن شبعوا ورووا : يابني عبد المطّلب ، إنّ الله قد بعثني إلى الخلق كافّة ، وبعثني إليكم خاصّة فقال :( وَاَنذِر عَشِيرَتَكَ الأقرَبينَ ) (4) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ، ثقيلتين في الميزان ، تَملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم بهما الأمم ، وتدخلون بهما الجنَة ، وتنجون بهما من النار : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله ، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من

____________

(1) ارشاد المفيد 1 : 48 ، أمالي الطوسي 1 : 340 ، بشارة المصطفى : 185 ، اليقين : 54 و 95 و 96.

(2) احقاق الحق 4 : 297 عن نهاية العقول للفخر الرازي.

(3) ارشاد المفيد 1 : 47 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 54 ، اليقين : 29 و 35.

(4) الشعراء 26 : 214.

٣٢٢

بعدي »؟ فلم يجب أحد منهم.

فقام عليّعليه‌السلام فقال : « أنا يا رسول الله اُؤازرك على هذا الأمر».

فقال : « اجلس ».

ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا وقام علي فقال مثل مقالته الاُولى ، فقال : « اجلس ».

فاعاد القول ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف ، فقام علي فقال : «أنا اُؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر». فقال : «اجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي ».

فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : ليهنك اليوم إن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميراً عليك(1) .

وقد أورد هذا الخبر الاُستاذ أبو سعيد الخركوشي إمام أصحابالحديث بنيشابور في تفسيره(2) .

وهذا الضرب من النص قد تفرّد بنقله الشيعة الإمامية خاصّة ، وإن كانبعض من لم يفطن لما عليه فيه من أصحاب الحديث قد روى شيئاً منه.

وأمّا الدلالة على تصحيح هذا النصّ فقد سطرها أصحابنا في كتبهم ، وذكروا من الكلام في إثباته وإبطال ما خرج المخالفون فيه ما ربّما بلغ حجم

____________

(1) انظر : علل الشرائع 1 : 69 1 | 1 و. 7 2 | 1 ، مسند احمد1 : 111 و 195 فضائل أحمد : 161 | 230 ، خصائص النسائي : 83 | 66 ، تاربخ الطبري 2 : 319 ، تفسير الطبري 19 : 74 ، شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 371 | 514 و 42 | 580 ، تاريخ ابنعساكر ـ ترجمة الاٍمام عليعليه‌السلام ـ 1 : 99 | 137 ، شرح نهح البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 244 تفسير ابن كثير مجمع الزوائد 9 | 13.

(2) تفسير الخركوشي...

٣٢٣

كتابنا هذا أو أكثر ، فمن أراد تحقيق أبوابه والتغلغل في شعابه فعليه بالكتابالشافي ، فإنّه يشرف منه على ما لا يمكن المزيد عليه.

فصل:

وأمّا النصّ الذي يسمِّيه أصحابنا النصّ الخفيّ فهو ما لا يقطع علىأنِّ سامعيه علموا النصّ عليه بالإمامة منه ضرورة ، وإن كان لا يمتنع أن يكونوا يعلمونه كذلك أو علموه استدلالاً ، من حيث اعتبار دلالة اللفظ ، وأمّا نحن فلا نعلم ثبوته ، والمراد به إلاّ استدلالاً ، وهذا الضرب سن النصّ على ضربين : قرانيٌّ ، وأخباريٌّ.

فأمّا النصّ من القرآن : فقوله سبحانه وتعالى :( إنّما وَلِيكم الله وَرَسوله وَالَّذِينَ آمَنوا الَذِينَ يُقِيمُونَ الصلوةَ وَيُؤتونَ الزَّكوةَ وَهْم راكِعونَ ) (1) .

ووجه الاستدلال من هذه الاية : أنه قد ثبت أن المراد بلفظة ( وليكم ) المذكورة في ألآية : من كان المتحقق بتدبيركم والقيام باُموركم وتجب طاعته عليكم ، بدلالة أنّهم يقولون في السلطان : أنَه ولي أمر الرعية ، وفيمن ترشح للخلافة : أنه وليّ عهد المسلمين ، وفي من يملك تدبير انكاح المرأة : أنَة وليّها ، وفي عصبة المقتول : أنّهم أولياء الدم ، من حيث كانت إليهم المطالبة بالدم والعفو.

وقال المبرد في كتابه : الولي هو الأولى والأحق ، ومثله المولى(2) .

فإذا كان حقيقته في اللغة ذلك فالذي يدل على أنّه المراد في الاية : أنَه قد ثبت أنّ المراد بـ ( الذين امنوا ) ليس هو جميعهم بل بعضهم ، وهو منكانت له الصفة المخصوصة التي هي إيتاء الزكاة في حال الركوع.

____________

(1) المائدة 5 : 55.

(2) الكامل في اللغة والأدب : 348.

٣٢٤

وقد علمنا أنّ هذه الصفة لم تثبت لغير أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإذا ثبت توجّه الآية إلى بعض المؤمنين دون جميعهم ، ونفى سبحانه ما أثبته عمّن عدا المذكور بلفظة (إنّما) لأنها محققة لما ذكرنا فيه لما لم يذكره ـ يبينه قولهم : إنّما الفصاحة في الشعر للجاهلية ، يريدون نفي الفصاحة عن غيرهم ، وإنّما النحاة المدققون البصريّون يريدون نفي التدقيق عن غيرهم ، وإنّما اكلت رغيفاً يريدون نفي أكل أكثر من رغيف - فيجب أن يكون المراد بلفظة ( وليّ ) في الآية ما يرجع إلى معنى الإمامة والاختصاص بالتدبير ، لأنما تحمله هذه اللفظة من الموالاة في الدين والمحبّة لا تخصص في ذلك ، والمؤمنون كلهم مشتركون في معناه ، فقد قال الله سبحانه :( والمؤمنونَ وَالمؤمِناتُ بَعضُهم أَولِياءُ بَعضٍ ) (1) فإذا ثبت ذلك فالذي يدلّ على توجه لفظة ( الذين امنوا ) إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام أشياء :

منها : قد ورد الخبر في ذلك بنقل طائفتين مختلفتين ومن طريق العامّة والخاصة نزول الأية في أمير المؤمنين عند تصدقه بخاتمه في حال ركوعه ، والقصة في ذلك مشهورة(2) .

ومنها : أن الاُمة قد اجمعت على توجهها إليهعليه‌السلام ، لأنها بين قائلين : قائل يقول : ان المراد بها جميع المؤمنين الذين هو أحدهم ، وقائل يقول : إنه المختص بها.

ومنها : أن كلّ من ذهب إلى أن المراد بالأية ما ذكرناه من معنى الإمامة

____________

(1) التوبة 9 : 71.

(2) انظر : تفسير فرات : 40 أمالي الصدوق : 107 | 4 ، تفسير التبيان للطوسي 3 : 559 ، الاحتجاج للطبرسي : 450 ، تفسير الطبري 6 : 186 ، أسباب النزول للواحدي : 148 ، مناقب ابن المغازلي : 312/ 356 و 313 / 357 ، مناقب الخوارزمي : 186 ، تذكرة الخواص : 24 ، تفسير الرازي12 : 26 ، كفاية الطالب : 250 ، الفصول المهمة : 124.

٣٢٥

يذهب إلى أنهعليه‌السلام هو المراد بها والمقصود ، ويدل على أنهعليه‌السلام المختصّ بالآية هو دون غيره ، أن الإمامة إذا بطل ثبوتها لأكثر من واحد في الزمان ، واقتضت اللفظة الإمامة ، وتوجّهت إليهعليه‌السلام بما قدّمناه ثبت أنّهعليه‌السلام المنفرد بها ، ولأنّ كلّ من ذهب إلى أن اللفظة مقتضية للإمامة افردهعليه‌السلام بموجبها ، وما يورد في هذا الدليل من الأسئلة والجوابات فموضعها الكتب الكبار.

فصل:

وأما النص من طريق الأخبار : فمثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ : «من كنت مولاه فعلي مولاه »(1) .

وقوله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى »(2) .

____________

(1) مصنف عبدالرزاق الصنعاني 11 : 225 ، المصنف لابن آبي شيبة 12 : 59 | 12121 و 60 | 12122 ، سنن ابن ماجة 1 : 45 | 121 ، السنة لابن أبي عاصم ذكره بأسانيده من حديث رقم 1354 ـ 1376 ، مسند أحمد1 : 84 و 5 : 347 و 366 ، صحيح الترمذي 5 : 633 | 3713 ، خصائص النسائي : 99 | 81 ـ 83 ، و 100 | 84 و 101 | 86 ، حلية الأولياء4 : 23 و 5 : 364 ، أخبار اصفهان 1 : 126 ، الطبراني في المعجم الكبير 3 : 199 | 4903 و 4 : 173 | 4052 و 12 : 97 | 12593 و 19 : 291 | 646 والأوسط 2 : 126 ، والصغير 1 : 65 و 71 ، مستدرك الحاكم 3 : 110 ، تاريخ بغداد 8 : 290 ، شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 156 | 210 و 157 |212 و 158 | 213 ، مناقب ابن المغازلي : 20 | 26 و 21 | 29 ، مناقب الخوارزمي : 79 و 94 ، وانظر : طرق الحديث عن الصحابة في تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الإمام عليعليه‌السلام ـ 2 : 35 ـ 90 ، مجمع الزوائد 9 : 104 و 106.

(2) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 60 | 12125 و 61 | 12126 ، التاريخ الكبير للبخاري 1 : 115 | 333 و 7 : 301 | 1284 ، صحيح مسلم 4 : 1870 | 2404 ، السنة لابن أبي عاصم ذكره باسانيده من حديث رقم13333ـ 1348 ، مسند أحمد 1 : 179 و 3 : 32 و 6 :

=

٣٢٦

فهذان الخبران ممّا رواهما الشيعي والناصبي ، وتلقّته الاُمّة بالقبول على اختلافها في النِحَل وتباينها في المذاهب ، وإن كانوا قد اختلفوا في تأويله واعتقاد المراد به.

فامّا وجه الاستدلال بخبر الغدير ففيه طريقتان : أحدهما : أن نقول : إنّ النبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله قرّر اُمّته في ذلك المقام على فرض طاعته فقال : « ألست اولى بكم من أنفسكم » فلمّا أجابوه بالاعتراف وقالوا : بلى ، رفع بيد أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وقال عاطفاً على ما تقدّم : «فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه(1) - وفي روايات اُخر : فعليّ مولاه - اللهمّ وال من

____________

=

438 ، صحيح الترمذي 5 : 640 | 3730 ، خصائص النسائي : 68 ـ 79 | 45 و 48 و 50 و 51 و 62 و 63 و 64 ، حلية الاولياء 4 : 345 و 7 : 195 و 196 ، تاريخ ابن اصبهان 2 : 281 و 328 ، الطبراني في المعجم الكبير 1 : 146 | 328 و 148 | 333 و 334 و 2 : 247 | 2035 و 4 : 17 | 3515 و 11 : 74 | 11087 و 24 : 146 | 384 ـ 389 ، والصغير 2 : 53 ـ 54 ، تاريخ بغداد 1 : 325 و 3 : 406 و 4 : 305 و 8 : 53 و 9 : 365 و 10 : 43 و 12 : 323 ، الاستيعاب 3 : 34 ، المناقب لابن المغازلي : 27 ـ 36 | 40ـ 56. انظر طرق الحديث عن الصحابة في تاريخ أبن عساكرـ ترجمة الإمام علي (ع) ـ 1 : 306 ـ390 ، مجمع الزوائد 9 : 109.

وغير ذلك من مصادر العامة المختلفة التي يصعب حصرها هنا ، حيت تتكفل في ذلك المراجع المختصة بهذا الباب ، ولعل من أوضح التعليقات المؤيدة لهذا الأمر ما ذكره الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل (1 : 152) عن أحد المشايخ وهو عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي (ت 417 هـ) والذيَ يُترجم له بأنه كان صادقاً عارفاً حافظاً وغير ذلك من عبارات الثناء والتقدير كما يذكر ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه (11 : 272) والذهبي في تذكرة الحفاظ ( 4 : 1272 | 1072 ).

فذكر الحسكاني عنه قوله : خرجته ـ أي حديث المنزلة ـ بخمسة آلاف إسناد.فتأمل.

(1) السنة لابن أبي عاصم : 1361 ، مسند أحمد4 : 370 ، خصائص النسائي : 100 | 84 ،

=

٣٢٧

والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله »(1).

فأتى عليه الصلاة والسلام بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الأولى التي قدّمها ، وهو أنّ لفظة (مولى) تحتمل معنى أولى ، وإن كانت تحتمل غيره ، فيحب أن يكون أراد بها المعنى المتقدّم على مقتضى استعمال أهل اللغة ، وإذا كانت هذه اللّفظة تفيد معنى الإمامة بدلالة أنّهم يقولون : السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعيّة ، والمولى أولى بعبده ، وولد الميّت أولى بميراثه منغيره ، وقوله سبحانه :( النبي أولى بِالمُؤمِنِينَ مِن أنفُسِهِم ) (2) لا خلاف بين المفسّرين أنّ المراد به أنّه أولى بتدبير المؤمنين والأمر والنهي فيهم من كل أحد منهم. وإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالخلق من أنفسهم من حيث كان مفترض الطاعة عليهم ، وأحق بتدبيرهم وأمرهم ونهيهم وتصريفهم بلا خلاف ، وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنينعليه‌السلام فيكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، من حيث أنّ طاعته مفترضة عليهم ،

____________

=

المعجم الكبير للطبراني 3 : 200 | 3052 ، المناقب لابن المغازلي : 18 | 24 و 23 | 34.تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الإمام علي (ع ) ـ 2 : 74 | 571.

(1) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 67 | 12140 و 68 | 12141 ، سنن ابن ماجة 1 : 43 | 116 ، انساب الأشراف للبلاذري 2 : 156 | 169 ، مسند أحمد 1 : 118 و 119 و 4 : 281 و 368 و 370 و 372 ، خصائص النسائي : 102 | 88 ، كشف الأستار للبزار 3 : 190 و 191 ، والطبراني في المعجم الكبير 3 : 201 | 3052 و 4 : 173 | 4053 ، والصغير 1 : 65 ، مستدرك الحاكم 3 : 109 ، أخبار اصفهان 1 : 107 و 2 : 227 ، تاريخ بغداد 7 : 377 و 14 : 236 ، المناقب لابن المغازلي : 16ـ 27 | 23 و 26 و 27 و 29 و 33 و 37 و 38 ، شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 157 | 211 ، وانظر ابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 2 : 38 ـ 84 ، تذكرة الخواص : 36 ، اُسد الغابة 1 : 367 و 4 : 28 ، ذخائر العقبى : 67.

(2) الأحزاب 33 : 6.

٣٢٨

وأمره ونهيه ممّا يجب نفوذه فيهم ، وفرض الطاعة والتحقق بالتدبير من هذا الوجه لا يكون الآ لنبي أوامام ، فاذا لم يكنعليه‌السلام نبياً وجب أن يكون إماماً.

وأمّا الطريقة الاُخرى في الاستدلال بهذا الخبر فهي : أن لا نبني الكلام على المقدّمة ونستدلّ بقوله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » من غيراعتبار لما قبله ، فنقول : معلومِ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوجب لأميرالمؤمنينعليه‌السلام أمراً كان واجباً له لا محالة ، فيجب أن يعتبر ما تحتمله لفظة (مولى) من الأقسام ، وما يصحّ كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مختصاً به منها وما لا يصحّ ، وما يجوز أن توجبه لغيره في تلك الحال وما لا يجوز ، وجميع ما تحتمله لفظه (مولى) ينقسم إلى أقسام :

منها : ما لم يكن ـ عليه واله السلام ـ عليه ، وهو المعتق والحليف لأنه لم يكن حاجفا لأحد ، والحليف الذي يحالف قبيلة وينتسب إليهم ليتعزز بهم.

ومنها : ما كان عليه ، ومعلوم لكلّ أحد أنّه لم يرده وهو المعتق والجار والصهر والحليف الإمام إذا عد من أقسام المولى وابن العمّ.

ومنها : ما كان عليه ، ومعلوم بالدليل أنَه لم يرده ، وهو ولاية الديات والنصرة فيه والمحبّة أو ولاء العتق. ومما يدلّ على أنّه لم يرده ذلك أنّ كلّ عاقل يعلم من دينهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجوب موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً ونطق القران بذلك ، وكيف يجوز أن يجمع عليه وآله السلام ذلك الجمع العظيم في مثل تلك الحال ويخطب على المنبر المعمول من الرحال ليعلم الناس من دينه ما يعلمونه هم ضرورة.

وكذلك ولاء العتق ، فإنهم يعلمون أن ولاء العتق لبني العمّ قبل الشريعة وبعدها.

ويبطل ذلك أيضاً ما جاء في الرواية من مقال عمر بن الخطاب له عليه

٣٢٩

السلام : بخّ بخّ يا عليّ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة(1) .

ومنها : ما كان حاصلاً له ويجب أن يريده ، وهو الأولى بتدبير الاُمّة وأمرهم ونهيهم ، لأنّا إذا أبطلنا جميع الأقسام وعلمنا أنّه يستحيل أن يخلو كلامه من معنى وفائدة ، ولم يبق إلاّ هذا القسم ، وجب أن يريده ، وقد بيّنا أنّ كلّمن كان بهذه الصفة فهو الإمام المفترض الطاعة ، وأمّا استيفاء الكلام فيه ففي الكتب الكبار(2).

____________

(1) مسند أحمد 4 : 281 تاريخ بغداد 8 : 290 ، مناقب ابن المغازلي : 18 | 24 ، مناقب الخوارزمي : 4 9 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام عليعليه‌السلام ـ 2 : 47 ـ52؟ 546 و 547 و 549 و 550 تذكرة الخواص : 36 ، ذخائر العقبى : 67‎.

(2) لقد أفرد علماء الاماميةرحمهم‌الله في إثبات الاستدلال بهذا الحديث على إمامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، جملة واسعة من المؤلفات القيمة التي لم تترك جانباً إلا وناقشته وتعرضت له سواء بالاثبات أو التفنيد ، وبحجج متينة لا يرقى لها الشك والتأويل.

وقد وافقهم على ذلك جملة من علماء العامة ممن هداهم الله تعالى الى ادراك هذه الحقيقة الناصعة والثابتة ، مثل الحافظ أبي الفرج يحيى بن السعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه الموسوم بكتاب «مرج البحرين» والعلامة سبط ابن الجوزي في كتابه «تذكرة الخواص : 37» ، حيث ذكر سبل الاستدلال للوصول إلى ما ذهب إليه الشيعة الامامية من تفسيرهم لكلمة «المولى» ، سنحاول أن نورده مختصراً ، قال :

اتفق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة حيث جمع الصحابة ـ وكانوا مائة وعشرين ألفاً ـ وقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه الحديث» حيث نصصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك بصريح العبارة دون الاشارة.

ثم ذكر بعد ذلك قصة الحرث بن النعمان الفهري عند سماعه الخبر حيث جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : هذا منك أو من الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقد احمرت عيناه ـ والله الذي لا إله إلا هو أنه من الله وليس مني». قالها ثلاثاً. وبعد ان ذكر ابن الجوزي هذه القصة عرج فذكر أقوال علماء العربية في تفسيرهم للفظة «المولى» وانها ترد على عشرة وجوه ، وناقش هذه الوجوه المذكورة وبيّن بطلان الذهاب الى تفسيرها بالوجوه التسعة الاولى ، والتي

=

٣٣٠

فصل:

وأمّا الاستدلال بالخبر الآخر وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لانبي بعدي»(1) فإنه يدل على النصّ من وجهين : أحدهما : أنّ هذا القول يقتضي حصول جميع منازل هارون من موسى لأمير المؤمنين من النبيّعليه‌السلام إلآ ما خصّه الاستثناء المنطوق به في الخبر من النبوة ، وما جرى مجرى الاستثناء وهو العرف من اُخوّة النسب ، وقد علمنا أن من منازل هارون من موسىعليهما‌السلام هي : الشركة في النبوّة ، واُخوّة النسب ، والتقدّم عنده في الفضل والمحبّة والاختصاص على جميع قومه ، والخلافة له في حال غيبته على اُمّته ، وأنّه لو بقي بعده لخلفه فيهم. وإذا خرج الاستثناء بمنزلة النبوة ، وخص العرف منزلة الاُخوّة ـ لأن كل من عرفهما علم أنهما لم يكونا ابني أب واحد ـ وجب القطع على ثبوت ما عدا هاتين المنزلتين من المنازل الاُخر. وإذا كان في جملة

____________

=

تفسرها بانها تعني المالك أو المعتق أو الناصية إلخ ، وذهب إلى إثبات حتمية تفسيرها بالوجه العاشر دون غيره من الوجوه ، وهو «الاولى» ، حيث قال :

فتعين الوجه العاشر وهو «الاولى» ومعناه : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به ، وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن السعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى«مرج البحرين» ، فبعد ان ذكر الحديث قال.

فعلم ان جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر ـ الأولى ـ ودل عليه أيضاً قولهعليه‌السلام «الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» وهذا نص صريح في إثبات امامته وقبول طاعته ، وكذا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «وأدر الحق معه حيث ما دار وكيف ما دار» فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين عليعليه‌السلام وبين أحد من الصحابة إلا والحق مع علي وهذا باجماع الاُمة الا ترى أن العلماء إنما استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين.

(1)تقدم في صفحة : 326.

٣٣١

تلك المنازل أنه لو بقي لخلفه ودبرّ أمر اُمَته ، وقام فيهم مقامه ، وعلمنا بقاء أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد وفاة الرسولعليه‌السلام وجبت له الإمامة بعده بلا شبهة ، وإنما قلنا إنّ هارون لو بقي بعد موسىعليه‌السلام لحلفه في اُمته ، لأنه قد ثبتت خلافته له في حال حياته ، وقد نطق به القران في قوله تعالى :.( وَقال مُوسى لأخِيهِ هارونَ آخلُفنِي فِي قومِي ) (1) وإذا ثبتت له الخلافة في حال الحياة وجب حصولها له بعد الوفاة لو بقي إليها ، لأنخروجها عنه في حال من الأحوال مع بقائه حطّ له عن مرتبة سنية كانت له ، وصرف عن ولاية فوضت إليه ، وذلك يقتضي التنفير ، وقد يجنب الله تعالى أنبياءه من موجبات التنفير ما هو أقل ممّا ذكرناه بلا خلاف فيه بيننا وبين المعتزلة ، وهو الدمامة المفرطة ، والخلق المشينة ، والصغائر المستخفة ، وانلا يجبهم فيما يسألونه لاُمتهم من حيث يظهر لهم.

وأما الوجه الآخر من الاستدلال بالخبر على النص فهو : أن تقول : قد ثبت كون هارونعليه‌السلام خليفة لموسىعليه‌السلام على أمَته في حياته ومفترض الطاعة عليهم ، وإن هذه المنزلة من جملة منازله منه ، ووجدنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استثنى ما لم يرده من المنازل بعده بقوله : «إلآ أنَه لا نبيَ بعدي» فدل هذا الاستثناء على أن ما لم يستثنه حاصل لأمير المؤمنينعليه‌السلام بعده ، وإذا كان من جملة المنازل الخلافة في الحياة وثبتت بعده فقد تبين صحة النصّ عليه بالإمامة.

وإنما قلنا : إن الاستثناء في الخبر يدل على بقاء ما لم يستثن من المنازل بعده ؛ لأنّ الاستثناء كما أن من شأنه إذا كان مطلقاً أن يوجب ثبوت ما لم يستثن مطلقاً ، فكذلك إذا قيد بحال أو وقت أن يوجب ثبوت ما لم

____________

(1) الأعراف 7 : 142.

٣٣٢

يستثن في ذلك الوقت ، وفي تلك الحال ألا ترى أنّ قول القائل : ضربت أصحابي إلاّ أنّ زيداً في الدار يدلّ على أنّ ضربه أصحابه كان في الدار لتعلّق الاستثناء بذلك ، والأسئلة والجوابات في الدليل كثيرة ، وفيما ذكرناه هنا كفاية لمن تدبره.

وأمّا ما تختصّ الشيعة بنقله من ألفاظ النصوص الصريحة علىأمير المؤمنينعليه‌السلام وعلى الأئمّة من أبنائهعليهم‌السلام بما لم يشاركها فيه مخالفوها فممّا لا يُحصى ، أوَ يُحصى الحصى؟! ولا يمكن له الحصر والعدّ ، أوَ يُحصر رملٌ عالج ويعد؟

ونحن نذكر جملة كافية من الأخبار في هذا الباب شافية في معناها لأولي الألباب إذا انتهينا إلى الركن الرابع من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

٣٣٣

٣٣٤

( الباب الثالث )

في ذكر طرف من آيات الله سبحانه

الظاهرة على أمير المؤمنين عليه السلام

والمعجزات الخارقة للعادة المؤيّدة لإمامته

الدالة على مكانه من الله عزّ وجلّ ومنزلته

٣٣٥

وهذا الباب يشتمل على فنّين من الايات الدلالات ، أحدهما ما يختصرّ بالإِخبار عن الغائبات ، والفنّ الاخر : غيرها من المعجزات الخارقة للعادات.

فأما الفن الأول : وهو إخباره بالغائبات والكائنات قبل كونها ، فيوافق الخبر المخبر عنه ، فإنه أحد معجزات المسيحعليه‌السلام الدالة على ثبوته كما نطق به التنزيل من قوله :( وَاُنَبِّئُكُم بما تأكلون وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم ) (1) وكان ذلك من آيات نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً مثل ، ما جاء في القرآن من قوله تعالى :( لَتَدخُلنَّ المَسجدَ الحَرامَ اِن شاءَ الله امِنِينَمُحَلّقِينَ رُؤُسكُم وَمُقَصِّرِينَ لأ تَخافُون ) (2) وَقوله تعالى في يوم بدر قبل الواقعة :( سَيُهزَمُ الجَمعُ وَيُوَلًّونَ الدُّبُر ) (3) وقوله تعالى في غلبة فارس الروم :( الم غلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدنَى الأرض وَهُم مِن بَعدِ غَلَبهِم سَيَغلِبُونَ ) (4) فيأمثال لذلك (لا نطوّل به )(5) .

فكان جميع ذلك على ما قال.

وما كان من هذا الفنّ منقولاً عن أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو أكثر من أن يحصى ولا يمكن إنكاره ، إذ ظهر للخلق اشتهاره ، فلا يخفى على العامّ والخاصّ ما حفظ عنهعليه‌السلام من الملاحم والحوادث في خطبه وكلامه وحديثه بالكائنات قبل كونها :

فمنه : قوله قبل قتاله الفرق الثلاثة بعد بيعته : «اُمرت بقتال الناكثين

____________

(1) آل عمران 3 : 49.

(2) الفتح 48 : 27.

(3) القمر 54 : 45.

(4) الروم 30 : 1 ـ3.

(5) في نسخة «ق» : قد مر ذكر بعضها في بيان معجزات النبي (ص ).

٣٣٦

والقاسطين والمارقين»(1) .

فما مضت الأيّام حتّى قاتلهم.ومنه : قوله لطلحة والزبير لمّا استأذناه في الخروج إلى العمرة : «واللهما تريدان العمرة وإنّما تريدان البصرة»(2) .

فكان كما قال.

ومنه : قوله بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة : «يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً يبايعوني على الموت ».

قال ابن عبّاس : فجعلت اُحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلاً ثمّ انقطع مجيء القوم فقلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ماذا حمله على ما قال ! فبينا أنا متفكّر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل حتّى دنا ، وإذا هو رجل عليه قباء صوف ، معه سيفه وترسه وأدواته ، فقرب من أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : امدد يدك أبايعك ، فقالعليه‌السلام : «وعلى متبايعني؟» قال : على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح الله عليك ، فقال : «ما اسمك» قال : اُويس قال : «أنت اُويس القرني؟» قال : نعم. قال : قال : «الله أكبر ، أخبرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّي أدرك رجلاً من اُمّته يقال له : اُويس القرني يكون من حزب الله ورسوله ، يموت على الشهادة ، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر».

____________

(1) الخصال : 145 ، ارشاد المفيد ا : 315 ، بشارة المصطفى : 142 و 167 ، مناقب ابن شهرآشوب : 66 ، مسند ابي يعلى الموصلي 1 : 397 | 519 ، انساب الاشراف للبلاذري2 : 137 | 129 ، وفي المعجم الكبير للطبراني 10 : 112 | 10053 ، ومجمع الزوائد 6 : 235.

(2) ارشاد المفيد 1 : 315 ، الجمل : 166 ، الخرائج والجرائح 1 : 199 | 39 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 262 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 232 ، وفي بعضها : تريدان الغدرة أو الفتنة.

٣٣٧

قال ابن عبّاس : فسرى عنّي(1).

ومنه : إخباره بالمُخْدَج(2) وقوله : «إنّ فيهم لرجلاً موذون اليد ، له ثدي كثدي المرآة وهو شرّ الخلق والخليقة ، قاتلهم أقرب الخلق إلى الله وسيلة».

ولم يكن المخدج معروفاً في القوم ، فلمّا قتل الخوارج جعل يطلبه في القتلى ويقول : «والله ما كذبت ولا كذبت» ويحض أصحابه على طلبه لمّا أجلت الوقعة ، وكان يرفع رأسه إلى السماء تارة ويحطّه أخرى ، حتى وجِدَ في القوم فشقً عن قميصه ، فكان على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعرات إذا جذبت انجذب كتفه معها وإذا تركت رجع كتفه إلى موضعها ، فلمّا وجده كبّر ثمّ قال : «إنّ في هذه لعبرة لمن استبصر»(3).

ومنه : قوله في الخوارج مخاطباً لأصحابه : «والله لا يفلت منهم عشرة

____________

(1) ارشاد المفيد 1 : 315 ، الخرائج والجرائح 1 : 200 | 39 ، الثاقب في المناقب : 266 | 5 ، وباختلاف في رجال الكشي 1 : 315 | 156 ، وباختصار في إرشاد القلوب : 224.

(2) المُخْدَج : الناقص الخلق ، ويراد به هنا مُخْدَج اليد أي ناقصها.

(3) ارشاد المفيد1 : 316 ـ 317 ، ونحوه في مسند الطيالسي : 24 / 66 و 69 ، ومصنف عبد الرزاق الصنعاني 10 : 147 | 18650 و 149 | 18652 و 18653 ، والمصنف لابن أبي شيبة 15 : 303 | 19727 و 311 | 19744 ، صحيح مسلم 2 : 749 | 1066 ، وسنن أبي داود 4 : 242 | 4763 و 244 | 4768 و 245 | 4769 ، سنن ابن ماجة 1 : 59 | 167 ، والسنة لابن أبي عاصم : 428 | 912 و 430 | 916 و 432 | 917 ، ومسند أحمد 1 : 83 و 95 و 144 و 147 و 155 ، وخصائص النسائي : 184 | 177 و 189 | 183 و 190 | 184 و 191 | 186 و 193 | 188 ، مسند أبي يعلى الموصلي 1 : 281 | 337 و 371 | 476 و 477 و 372 | 478 ـ 481 و 421 | 555 ، المعجم الصغير للطبراني 2 : 85 ، وسنن البيهقي 8 : 188 ، وتاريخ بغداد 11 : 118 و 12 : 390 ، ومناقب الخوارزمي : 185 ، وجامع الاصول لابن الأثير 1 : 79 | 7550 ، والكامل في التاريخ 3 : 347 و 348 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 275 و 276.

٣٣٨

ولايهلك منكم عشرة »(1).

فكان كما قال.

ومنه : ما رواه جندب بن عبداللهّ الأزدي قال : شهدت مع عليّعليه‌السلام الجمل وصفين لا أشكّ في قتال من قاتله ، حتّى نزلت النهروان فدخلني شكّ فقلت : قرّاؤنا وخيارنا نقتلهم ! إنّ هذا الأمر عظيم ، فخرجت غدوة أمشي ومعي أداوة ماء حتّى برزت من الصفوف ، فركزت رمحي ووضعت ترسي عليه واستترت من الشمس ، فإنّي لجالس إذ ورد عليّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام فقال : «يا أخا الأزد أمعك طهور؟» قلت : نعم.

فناولته الأداوة ، فمضى حتّى لم أره ، ثمّ أقبل فتطهّر فجلس في ظلّ الترس ، فإذا فارس يسأل عنه ، فقلت : يا أمير المؤمنين هذا فارس يريدك ، قال : «فأشر إليه» فأشرت إليه فجاء فقال : يا أمير المؤمنين قد عبر القوم وقطع النهر ، فقال : « كلاّ ما عبروا » ، فقال : بلى والله لقد فعلوا ، قال : «كلاّ ما فعلوا».

قال : فإنّه لكذلك إذ جاء رجلٌ آخر فقال : يا أمير المؤمنين قد عبر القوم ، قال : «كلاّ ما عبر القوم» قال : والله ما جئتك حتّى رأيت الرايات في ذلك الجانب والأثقال ، قال : « والله ما فعلوأ ، وإنّه لمصرعهم ومهراق دمائهم ».

ثمّ نهض ونهضت معه ، فقلت في نفسي : الحمد للهّ الذي بصّرني بهذا الرجل وعرّفني أمره ، هذا أحد رجلين : إمّا رجل كذّاب جريء ، أوعلى بيّنة من ربه وعهد من نبيّه ، اللهمّ إنّي أعطيك عهداً تسألني عنه يوم القيامة : إنأنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أوّل من يقاتله وأوّل من يطعن بالرمح فيعينه ، وإن كانوا لم يعبروا أن أقيم على المناجزة والقتال.

____________

(1) الخرائج والجرائح 1 : 227 | ضمن حديث 71 ، كشف الغمة 1 : 274 ، مناقب ابن المغازلي : 59 | ضمن حديث 86 ، الكامل في التاريخ 3 : 5 34 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 273.

٣٣٩

فدفعنا إلى الصفوف ، فوجدنا الرايات والأثقال كما هي ، قال : فأخذ بقفاي ودفعني ثم قال : «يا أخا الأزد ، أتبيّن لك الأمر؟» فقلت : أجليا أمير المؤمنين ، قال : « فشأنّك بعدوّك » فقتلت رجلاً ، ثمّ قتلت آخراَ ، ثمّ اختلفت أنا ورجل آخر أضربه ويضربني فوقعنا جميعاً ، فاحتملني أصحابي ، فأفقت حين أفقت وقد فرغ القوم(1).

فكان كما قالعليه‌السلام .

وأمّا إخبارهعليه‌السلام بما يكون بعد وفاته من الحوادث والملاحم والوقائع ، وما ينزل بشيعته من الفجائع ، وما يحدث من الفتن في دولة بني اُميّة والدولة العبّاسيّة وغيرها فأكثر من أن تحصى :

فمن ذلك : قولهعليه‌السلام لأهل الكوفة : «أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجلٌ رحب البلعوم ، مندحق(2) البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي ، فأمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة ، وأمّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإسلام والهجرة»(3).

فكان كما قالعليه‌السلام .

ومن ذلك : أنّه لمّا اخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل فتكلّم فيه الحسن والحسينعليهما‌السلام فخلّى سبيله فقالا له : «يبايعك يا أمير المؤمنين» فقال : «ألم يبايعني بعد قتل عثمان ، لا حاجة لي في بيعته ،

____________

(1) ارشاد المفيد 1 : 317 ، كشف الغمة 1 : 277 ، ونحوه في الكافي 1 : 2 |280 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 217 ، وكنز العمال 11 : 289.

(2) قال ابن الأثير في نهايته (2 : 105 ) : وفي حديث علي [عليه‌السلام ] «سيظهر بعدي عليكم رجل مندحق البطن» أي واسعها ، كأن جوانبها قد بعد بعضها من بعض فاتسعت.

(3)نهج البلاغة 1 : 101 | خطبة 56.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460