نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 319397 / تحميل: 7089
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وقد ذكر ( الدهلوي ) في ( أُصول الحديث ) له، والصدّيق حسن خان في ( الحطة في ذكر الصحاح الستة ) كتاب « الخصائص » في الكتب المصنفة في ( المناقب ) قالا: « وللنسائي رسالة طويلة الذيل في مناقبه كرّم الله وجهه، وعليها نال الشهادة في دمشق من أيدي نواصب الشام، لفرط تعصبهم وعداوتهم معهرضي‌الله‌عنه ».

واستشهد ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) بقصّة النسائي وكتابه « الخصائص » في مقام الدفاع عن أهل السنّة، ودفع ما قيل من أنّهم يبطنون بغض أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، ولكن العجب منه تكذيبه حديث الطير وحديث الولاية المخرجين في هذا الكتاب، فهو مرةً يستشهد باستشهاد النسائي على أيدي النواصب وبتصنيفه كتاب الخصائص لولاء أهل نحلته لأهل البيت الأمجاد، ومرةً يشاقق النسائي بتكذيب حديث الولاية، واُخرى بتكذيب حديث الطير، ويسرّ قلوب أهل النصب والعناد، وهل هذا إلّا تدافع وتهافت وتناقض؟!

وهكذا، فقد باهى تلميذه رشيد الدين خان في كتابه ( إيضاح لطافة المقال ) وافتخر بكتاب « الخصائص »، وعدّه من مصنّفات عظماء أهل التحقيق من أهل السنّة في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن شيخه ( الدهلوي ) قد أبطل هذا الافتخار بإبطال حديث الولاية وحديث الطير، المسرودين في ( الخصائص ) وغيره من الأسفار المشهورة بالإِعتبار

(١٠)

رواية أبي يعلى

رواه بقوله: « ثنا الحسن بن حمّاد الوراق ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع - ثقة - ثنا عيسى بن عمر عن إسماعيل السدّي، عن أنس بن مالك: إن رسول

١٦١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده طائر فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء أبو بكر فردّه ثم جاء عمر فردّه ثم جاء عثمان فردّه ثم جاء علي فأذن له »(١) .

و قال أبو يعلى أيضاً: « ثنا قطن بن نسير، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا عبد الله بن مثنى، ثنا عبد الله بن أنس، عن أنس قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجل مشوي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام، فقالت عائشة: اللّهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللّهم اجعله أبي، قال أنس فقلت أنا: اللهم اجعله سعد به عبادة. قال أنس: سمعت حركة الباب، فإذا علي فسلَّم، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف، ثم سمعت حركة الباب فسلَّم علي، فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته فقال: اُنظر من هذا؟ فخرجت فإذا علي، فجئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته، فقال: ائذن له فأذنت له فدخل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم وإليَّ اللّهم وإليَّ ».

إعتبار مسند أبي يعلى

ومسند أبي يعلى من المسانيد المعتبرة المشهورة، والأسفار المقبولة المعروفة، ومن مرويّات مشاهير العلماء: كالسيوطي، والثعالبي، والكردي، والأمير، والشوكاني، وشاه ولي الله، وغيرهم.

وقال الذهبي بترجمة أبي يعلى: « أبو يعلى، الموصلي، الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة صاحب المسند الكبير ».

قال: « قال السمعاني: سمعت إسماعيل بن محمّد بن الفضل الحافظ يقول: قرأت المسانيد، كمسند العدني ومسند أبي منيع، وهي كالأنهار، ومسند

____________________

(١). مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥.

١٦٢

أبي يعلى كالبحر يكون مجتمع الأنهار.

قلت: سمعنا مسند أبي يعلى بفوت نصف جزءٍ بالإِجازة العالية، ويقع من حديثه بعلو لابن البخاري »(١) .

وقال في ( العبر ) له: « أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى، التميمي، الحافظ، صاحب المسند »(٢) .

وكذا قال: صلاح الدين الصفدي، واليافعي بترجمته. وقد أورد السيّوطي، والثعالبي في ( طبقات الحفاظ ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ) كلمة إسماعيل بن الفضل الحافظ المتقدمة.

* وقال الحافظ الهيثمي: « عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقدّم فرخاً مشويّاً، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الفرخ، فجاء علي ودقَّ الباب، فقال أنس: من هذا؟ قال: علي، فقلت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف، ثمّ تنّحى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكل، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الفرخ، فجاء علي فدقَّ الباب دقّاً شديداً، فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا أنس، من هذا؟ قلت: علي. قال: أدخله، فدخل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد سألت الله ثلاثا أن يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ، فقال علي: وأنا - يا رسول الله - فقد جئت ثلاثاً، كلّ ذلك يردّني أنس. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يلام الرجل على

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٢). العبر في خبر من غبر ٢ / ١٣٤.

١٦٣

حبّ قومه.

وفي روايةٍ: كنت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حائط، وقد أُتي بطائر.

و في روايةٍ قال: أهدت أُمّ أيمن إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائراً بين رغيفين، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ فجاءته بالطائر.

قلت: عند الترمذي طرف منه.

رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار.

و أبو يعلى باختصار كثير، إلّا أنّه قال: فجاء أبو بكر فردّه، ثم جاء عمر فردّه، ثم جاء علي فأذن له.

وفي إسناد الكبير: حمّاد بن المختار ولم أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح.

وفي أحد أسانيد الأوسط: أحمد بن عياض بن أبي طيبة، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ورجال أبي يعلى ثقات، وفي بعضهم ضعف »(١) .

رجال الحديث

ورجال أبي يعلى ثقات. أمّا الحديث الأوّل فرجاله رجال النسائي في الخصائص، وقد عرفتهم، وأمّا الحديث الثاني فهم ثقات بلا كلام.

وقول الهيثمي - بعد توثيق رجال إسناد أبي يعلى - « وفي بعضهم ضعف » ما هو إلّا إشارة إلى تكلّم بعضهم - عن تعصّبٍ - في « السدّي »، وقد عرفت أنّه من رجال الصّحاح.

____________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥.

١٦٤

ترجمة أبي يعلى

وأبو يعلى - أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي - فهو من الحفاظ المشاهير الأعلام، وهذه طائفة من مصادر ترجمته - وقد ترجمنا له في بعض المجلّدات بالتفصيل -:

١ - تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٧.

٢ - العبر ٢ / ١٣٤.

٣ - الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

٤ - مرآة الجنان ٢ / ٢٤٩.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ١٣٠.

٦ - النجوم الزاهرة ٣ / ١٩٧.

٧ - طبقات الحفاظ: ٣٠٦.

٨ - دول الإِسلام ١ / ١٨٦.

٩ - سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٧٤.

وقد وصفه الذهبي في ( سيره ) بـ « الإِمام، الحافظ، شيخ الإِسلام ».

(١١)

رواية ابن جرير الطّبري

وأبو جعفر محمد بن جرير الطّبري من رواة حديث الطّير، وقد جمع طرقه في مؤلّف مفرد لكثرتها. قال الحافظ ابن كثير - في ذكر الحديث -: « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة، منهم: أبو بكر ابن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان - فيما رواه شيخنا الذهبي - ورأيت فيه مجلَّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري المفسّر

١٦٥

صاحب التاريخ »(١) .

ترجمته

وقد ترجمنا لابن جرير الطّبري في بعض المجلّدات. ومن مصادرها:

١ - تاريخ بغداد ٢ / ١٦٢.

٢ - معجم الأدباء ١٨ / ٤٠.

٣ - الأنساب - الطبري.

٤ - تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٧٨.

٥ - طبقات الحفّاظ: ٣٠٧.

٦ - تذكرة الحفاظ ٢ / ٧١٠.

٧ - طبقات السبكي ٣ / ١٢٠.

٨ - طبقات الداودي ٢ / ١٠٦.

٩ - الوافي بالوفيات ٢ / ٢٨٤.

١٠ - العبر ٢ / ١٤٦.

١١ - طبقات القراء ٢ / ١٠٦.

١٢ - مرآة الجنان ٢ / ٢٦٠.

١٣ - البداية والنهاية ١١ / ١٤٥.

١٤ - شذرات الذهب ٢ / ٢٦٠.

ه فوة من ابن كثير

وأمّا قول ابن كثير بعد العبارة المذكورة: « ثمّ وقفت على مجلَّد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً، للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلّم ».

____________________

(١). البداية والنهاية ٧ / ٣٥٤.

١٦٦

فيضعّف بأنّ الباقلّاني لا يبلغ أدنى المراتب الحاصلة للطبري في معرفة الحديث والرجال، وأين الثريّا من الثّرى؟ وأين الدرّ من الحصى؟! فلا وجه لهذه المعارضة

بل لا يخفى على الممارس لعلم الحديث والعارف بأحوال العلماء والرّجال: أنّ الباقلاني لا يعدّ من علماء الحديث، ولا يلتفت إلى أقواله في هذا الفن، وقد نصّ على ذلك شاه وليّ الله والد ( الدهلوي ) في كتاب ( قرة العينين ).

(١٢)

رواية أبي القاسم البغوي

رواه من حديث سفينة مولى - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - « قال: أهدت امرأة من الأنصار طائرين في رغيفين إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن في البيت غيري وغير أنس، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بغدائه فقلت: يا رسول الله، قد أهدت لك امرأة من الأنصار هديّة، فقدّمت إليه الطّائرين فقال: اللّهم إئتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، فجاء علي بن أبي طالب، فضرب الباب ضرباً خفيفاً، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو الحسن، ثمّ ضرب الباب ورفع صوته فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هذا؟ قلت: علي بن أبي طالب، قال: افتح له، ففتحت له، فأكل معه من الطيرين حتى فنيا»(١) .

ترجمته

١ - السمعاني: « أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز بن المرزبان

____________________

(١). معجم الصحابة - مخطوط.

١٦٧

ابن سابور بن شاهنشاه البغوي ابن بنت أحمد بن منيع البغوي كان محدّث العراق في عصره، عمّر العمر الطويل حتى رحل الناس إليه، وكتب عنه الأجداد والأحفاد والآباء والأولاد، وكان ثقة مكثراً فهماً عارفاً بالحديث، وكان يورق أوّلاً ثم رجع، وصنف المعجم الكبير للصحابة، وجمع حديث علي بن الجعد، وغيره.

سمع: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وعلي بن الجعد، وخلف ابن هشام، ومحمّد بن عبد الوهاب الهاروني ...، وخلقاً يطول ذكرهم من شيوخ البخاري ومسلم سوى هؤلاء.

روى عنه: يحيى بن محمّد بن صاعد، وعلي بن إسحاق بن البحتري الماوردي، وعبد الباقي بن قانع، وحبيب بن الحسن الفرّاء، وأبو بكر محمّد ابن عمر بن الجعابي، وأبو حاتم البستي، وأبو أحمد بن عدي الحافظ، وأبو بكر الإِسماعيلي، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وأبو بكر ابن المقرئ، وأبو الحسن الدار قطني، ومحمّد بن المظفّر، وخلق كثير سوى هؤلاء »(١) .

٢ - الذهبي: « البغوي، الحافظ الثقة الكبير، مسند العالم قال ابن أبي حاتم: أبو القاسم البغوي يدخل في الصحيح، وقال الدار قطني: كان البغوي قلّ أنْ يتكلّم على الحديث، فإذا تكلّم كان كلامه كالمسمار في السّاج. قال ابن عدي: كان البغوي صاحب حديث

قلت: وقد احتجّ به عامّة من خرّج الصحيح، كالإِسماعيلي، والدار قطني، والبرقاني. وعاش مائة سنة وثلاث سنين، قال الخطيب: أبو بكر كان ثقة ثبتاً فهماً عارفاً. وقال السلمي: سألت الدّار قطني عن البغوي فقال: ثقة إمام جبل إمام، أقلّ المشايخ خطأً »(٢) .

____________________

(١). الأنساب - البغوي.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٣٧.

١٦٨

٣ - الذهبي أيضاً: « وكان محدّثاً حافظاً مجوّداً مصنفاً، انتهى إليه علوّ الإِسناد في الدنيا ...»(١) .

٤ - السيوطي: « البغوي، الحافظ الكبير الثقة مسند العالم »(٢) .

(١٣)

رواية ابن صاعد

قال الخوارزمي: « أخبرنا صمصام الأئمة أبو عفان عثمان بن أحمد الصرام الخوارزمي قال: أخبرنا عماد الدين أبو بكر بن الحسن النسفي قال: حدّثني الشيخ الفقيه أبو القاسم ميمون بن علي الميموني قال: حدّثنا الشيخ. الزاهد أبو محمّد إسماعيل بن الحسين قال: حدّثنا أبو الحسن القاضي علي ابن الحسن بن علي بن مطرف الجراحي ببغداد قال: حدّثنا يحيى بن صاعد قال: حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدّثنا أبو أحمد الحسين بن محمّد قال: حدّثنا سليمان بن قرم، عن محمّد بن شعيب، عن داود بن علي ابن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عباس -رضي‌الله‌عنه - قال: أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك، فجائه علي بن أبي طالب »(٣) .

ترجمته

١ - الذهبي: « يحيى بن صاعد بن كاتب، مولى أبي جعفر المنصور، الحافظ الإِمام الثقة قال الدار قطني: ثقة ثبت حافظ، وقال أحمد بن عبدان

____________________

(١). العبر ٢ / ١٧٠.

(٢). طبقات الحفاظ: ٣١٢.

(٣). مناقب علي بن أبي طالب: ٥٨.

١٦٩

الشيرازي: هو أكثر حديثاً من محمّد بن محمّد الباغندي، ولا يتقدّمه أحد في الدراية، قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجلّ من الحفظ، وهو فوق ابن أبي داود في الفهم والحفظ، وسئل ابن الجعابي: هل كان ابن صاعد يحفظ؟ فتبسّم وقال: لا يقال لأبي محمّد يحفظ، كان يدري قال الخطيب: كان ابن صاعد ذا محلٍّ من العلم، وله تصانيف في السنن والأحكام

قلت : لابن صاعد كلام متين في الرجال والعلل، يدل على تبحّره، مات في ذي القعدة سنة ٣١٨ »(١) .

٢ - اليافعي ووصفه بـ « الحافظ الحجة »(٢) .

٣ - السيوطي: « يحيى بن محمّد بن صاعد بن كاتب، مولى أبي جعفر المنصور، الحافظ الإِمام الثقة »(٣) .

(١٤)

رواية ابن أبي حاتم الرازي

رواه بإسنادٍ أجود من إسناد الحاكم، قال ابن كثير في ذكر حديث الطّير في فضائل مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ورواه ابن أبي حاتم، عن عمّار ابن خالد الواسطي، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس، فذكر الحديث. وهذا أجود من إسناد الحاكم »(٤) .

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٧٦.

(٢). مرآة الجنان ٢ / ٢٧٧.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٢٣٥.

(٤). البداية والنهاية ٧ / ٣٥٣.

١٧٠

ترجمته

١ - الذهبي: في حوادث ٣٢٧ « وفيها: توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر، الحافظ الجامع، التميمي الرازي بالراء، وقد قارب التسعين، رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومائتين، فسمع أبا سعيد الأشج، والحسن بن عرفة وطبقتهما، قال أبو يعلى الخليلي: أخذ عن أبيه وأبي زرعة، كان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، ثمّ قال: وكان زاهداً يعدّ من الإِبدال »(١) .

٢ - اليافعي ووصفه بـ « الحافظ العالم » ثمّ نقل كلام الخليلي المتقدم(٢) .

٣ - السبكي: « الإِمام ابن الإِمام، حافظ الري وابن حافظها، كان بحراً في العلم، وله المصنفات المشهورة »(٣) .

وقد ترجمنا له في مجلد حديث الغدير.

(١٥)

رواية ابن عبد ربّه

رواه في كتابه في إحتجاجٍ للمأمون على الفقهاء، في بحوثٍ مفصّلة جرت، فذكر حديث الطير ومفاده، وهذه عبارة ابن عبد ربّه حيث قال: « إحتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي: إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد ابن زيد قال: بعث إليَّ يحيى بن أكثم وإلى عدة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين

____________________

(١). العبر ٢ / ٢٠٨.

(٢). مرآة الجنان حوادث: ٣٢٧.

(٣). طبقات السبكي ٣ / ٣٢٤.

١٧١

رجلاً، كلّهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب، فسمّوا من تظنّونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين، فسمّينا له عدّةً وذكر هو عدّة، حتى تم العدد الذي أراد، وكتب تسمية القوم وأمر بالبكور في السحر، وبعث إلى من لم يحضر فأمره بذلك، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه وهو جالسٌ ينتظرنا، فركب وركبنا معه حتى صرنا إلى الباب، فإذا بخادم واقف فلمـّا نظر إلينا قال: يا أبا محمّد، أمير المؤمنين ينتظرك. فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة، فأخذنا فيها، فلم نستتمها حتى خرج الرّسول فقال: اُدخلوا، فدخلنا فإذا أمير المؤمنين جالس على فراشه وعليه سوادة وطيلسانه والطويلة وعمامته، فوقفنا وسلّمنا فردّ السلام، وأمر لنا بالجلوس، فلمـّا استقرّ بنا المجلس تحدّر عن فراشه ونزع عمامته وطيلسانه ووضع قلنسوته، ثمّ أقبل علينا فقال: إنّما فعلت ما رأيتم لتفعلوا مثل ذلك، وأما الخف فمنع من خلفه علّة، من قد عرفها منكم فقد عرفها، ومن لم يعرفها فسأعرّفه، ومدّ رجله. وقال: انزعوا قلانسكم وخفافكم وطيالستكم، قال: فأمسكنا فقال لنا يحيى: انتهوا إلى ما أمركم به أمير المؤمنين، فتنحّينا، فنزعنا أخفافنا وطيالستنا وقلانسنا ورجعنا، فلمـّا استقرّ بنا المجلس قال:

إنما بعثت إليكم - معشر القوم - في المناظرة، فمن كان به شيء من الخبثين لم ينتفع بنفسه ولم يفقه ما يقول، فمن أراد منكم الخلاء فهناك، وأشار بيده، فدعونا له.

ثمّ ألقى مسألةً من الفقه فقال: يا أبا محمّد قل وليقل القوم من بعدك، فأجابه يحيى، ثمّ الذي يلي يحيى، ثمّ الذي يليه، حتى أجاب آخرنا في العلّة وعلّة العلّة وهو مطرق لا يتكلّم، حتى إذا انقطع الكلام التفت إلى يحيى فقال: يا أبا محمّد، أصبت الجواب وتركت الصواب في العلّة، ثمّ لم يزل يردّ على كلّ واحدٍ منا مقالته، ويخطّئ بعضنا ويصوّب بعضنا، حتى أتى على آخرنا.

ثمّ قال: إني لم أبعث فيكم لهذا، ولكني أحببت أنْ أبسطكم، إنّ أمير

١٧٢

المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به، قلنا: فليفعل أمير المؤمنين وفّقه الله فقال:

إن أمير المؤمنين يدين الله على أنّ علي بن أبي طالب خير خلفاء الله بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأولى الناس بالخلافة له.

قال إسحاق: فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في علي، وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة! فقال: يا إسحاق، اختر، إنْ شئت سألتك أسألك، وإنْ شئت أن تسأل فقل. قال إسحاق: فاغتنمتها منه. فقلت: بل أسألك يا أمير المؤمنين قال: سل.

قلت: من أين قال أمير المؤمنين إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالخلافة بعده؟

قال: يا إسحاق، خبّرني عن الناس بما يتفاضلون حين يقال: فلان أفضل من فلان؟ قلت: بالأعمال الصالحة، قال: صدقت. قال: فأخبرني عمّن فضل صاحبه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ إنّ المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله يلحق به. قال: فأطرقت، فقال لي: يا أبا إسحاق لا تقل: نعم، فإنّك إنْ قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهاداً وحجاً وصياماً وصلاةً وصدقة، فقلت: أجل، يا أمير المؤمنين لا يلحق المفضول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفاضل أبداً.

قال: يا إسحاق فانظر ما رواه لك أصحابك - ومن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك - من فضائل علي بن أبي طالب فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر، فإنّي رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل علي فقل إنّه أفضل منه، لا والله، ولكن قس إلى فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإنْ وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده فقل إنّهما أفضل منه، لا والله، ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإنْ وجدتها مثل فضائل

١٧٣

علي فقل إنّهم أفضل منه، لا والله، ولكن قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنّة، فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنّهم أفضل منه.

قال: يا إسحاق، أيّ الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت: الإِخلاص بالشهادة، قال: أليس السبق إلى الإِسلام؟ قلت: نعم، قال: إقرأ ذلك في كتاب الله تعالى، يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) إنّما عنى من سبق إلى الإِسلام، فهل علمت أحداً سبق علياً إلى الإِسلام؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنّ علياً أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم. قال: أخبرني أيّهما أسلم قبل ثمّ اُناظرك من بعده في الحداثة والكمال؟ قلت: علي أسلم قبل أبي بكر، على هذه الشريطة، فقال: نعم. فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أنْ يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاه إلى الإِسلام أو يكون إلهاماً من الله؟ قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق لا تقل إلهاماً، فتقدّمه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ رسول الله لم يعرف الإِسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى. قلت: أجل، بل دعاه رسول الله إلى الإِسلام، قال: يا إسحاق، فهل يخلو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين دعا إلى الإسلام، من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلّف ذلك من نفسه؟ قال: فأطرقت، فقال: يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى التكلف، فإنّ الله يقول:( وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) . قلت: أجل، يا أمير المؤمنين، بل دعاه بأمر الله، قال: فهل من صفة الجبّار - جلّ ذكره - أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت: أعوذ بالله، فقال: أفتراه في قياس قولك - يا إسحاق -: إنّ عليا أسلم صبيّا لا يجوز عليه الحكم، قد كلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون، فهل يدعوهم السّاعة ويرتدّون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء، ولا يجوز عليهم حكم الرسولعليه‌السلام ، أترى هذا جائزاً

١٧٤

عندك أنْ تنسبه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت: أعوذ بالله، قال: يا إسحاق فأراك إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً على هذا الخلق، إبانة بها منهم ليعرفوا فضله، ولو كان الله أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا علياً، قلت: بلى، قال: فهل بلغك أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا أحداً من الصبيان من أهله وقرابته لئلّا تقول: إنّ علياً ابن عمّه؟ قلت: لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل، قال: يا إسحاق، أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسئل عنه؟ قلت: لا، قال: فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك.

قال: ثمّ أيّ الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإِسلام؟ قلت: الجهاد في سبيل الله، قال: صدقت، فهل تجد. لأحدٍ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما تجد لعلي في الجهاد؟ قلت: في أيّ وقت؟ قال: في أيّ الأوقات شئت.

قلت: بدر. قال: لا أريد غيرها، فهل تجد لأحدٍ إلّا دون ما تجد لعلي يوم بدر؟ أخبرني كم قتلى بدرٍ؟ قلت: نيف وستّون رجلاً من المشركين. قال: فكم قتل علي وحده؟. قلت: لا أدري، قال: ثلاثة وعشرين، أو اثنين وعشرين، والأربعون لسائر الناس، قلت: يا أمير المؤمنين: كان أبو بكر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عريشه، قال: ما ذا يصنع؟ قلت: يدبّر، قال: ويحك يدبّر دون رسول الله، أو معه شريكاً، أم افتقاراً مره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رأيه؟ أيّ الثلاث أحبّ إليك؟ قلت: أعوذ بالله أنْ يدبّر أبو بكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يكون معه شريكاً، أو أنْ يكون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتقار إلى رأيه، قال: فما الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممّن هو جالس؟ قلت: يا أمير المؤمنين كلّ الجيش كان مجاهداً، قال: صدقت كلّ مجاهد، ولكنّ الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله صلي الله

١٧٥

عليه وسلّم وعن الجالس أفضل من الجالس، أما قرأت كتاب الله:( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى، وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) ؟ قلت: وكان أبو بكر وعمر مجاهدين، قال: فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟ قلت: نعم، قال: فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر، قلت: أجل.

قال: يا إسحاق هل تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: اقرأ عليَّ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) فقرأت منها حتى بلغت:( يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً - إلى قوله -وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) قال: على رسلك، فيمن نزلت هذه الآيات؟ قلت: في علي، قال: فهل بلغك أنّ علياً حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال:( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ) ؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به علياً؟ قلت: لا، قال: صدقت، لأن الله - جلّ ثناؤه - عرف سيرته.

يا إسحاق، ألست تشهد أنّ العشرة في الجنّة؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، قال: أرأيت لو انّ رجلاً قال: والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا، ولا أدري أن كان رسول الله قاله أم لم يقله، أكان عندك كافراً؟ قلت: أعوذ بالله، قال: أرأيت لو أنّه قال: ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا كان كافراً؟ قلت: نعم، قال: يا إسحاق أرى بينهما فرقاً، يا إسحاق: أتروي الحديث؟ قلت: نعم.

قال: فهل تعرف حديث الطير؟

قلت: نعم.

قال: فحدثني به.

قال: فحدّثته الحديث. فقال:

١٧٦

يا إسحاق، إني كنت أكلّمك وأنا أظنّك غير معاندٍ للحق، فأمّا الآن فقد بان لي عنادك، إنّك توقن أنّ هذا الحديث صحيح؟ قلت: نعم، رواه من لا يمكنني ردّه، قال: أفرأيت أنّ من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح ثمّ زعم أنّ أحداً أفضل من علي. لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أنْ يكون دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده مردودة عليه، أو أن يقول: عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه، أو أن يقول: إن الله عزّ وجلّ لم يعرف الفاضل من المفضول، فأيّ الثلاثة أحبّ إليك أنْ تقول؟ فأطرقت، ثم قال: يا إسحاق لا تقل منها شيئاً، فإنّك إن قلت منها شيئاً استتبتك، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله.

قلت: لا أعلم.

وإنّ لأبي بكر فضلاً، قال: أجل لو لا أن له فضلاً لما قيل إنّ علياً أفضل منه، فما فضله الذي قصدت له الساعة؟

قلت: قول الله عزّ وجلّ:( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) فنسبه إلى صحبته. قال: يا إسحاق، أمّا إني لا أحملك على الوعر من طريقك إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضى عنه كافراً وهو قوله:( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ) قلت: إن ذلك كان صاحبا كافرا، وأبو بكر مؤمن، قال: فإذا جاز أن ينسب إلى صحبته من رضيه كافراً جاز أنْ ينسب إلى صحبة نبيّه مؤمناً، وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث. قلت: يا أمير المؤمنين إن قدر الآية عظيم، إنّ الله يقول:( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) قال: يا إسحاق تأبى الآن إلّا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك، أخبرني عن حزن أبي بكر، أكان رضا أم سخطاً؟ قلت: إن أبا بكر إنّما حزن من أجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفاً عليه وغمّاً أن يصل إلى رسول الله شيء من

١٧٧

المكروه، قال: ليس هذا جوابي، إنّما كان جوابي أن تقول رضى أم سخط، قلت: بل كان رضاً لله، قال: وكان الله جلّ ذكره بعث إلينا رسولاً ينهى عن رضا الله عزّ وجلّ وعن طاعته! قلت: أعوذ بالله، قال: أوليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا لله؟ قلت: بلى قال: أولم تجد أنّ القرآن يشهد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا تحزن، نهياً له عن الحزن؟ قلت: أعوذ بالله. قال: يا إسحاق إنّ مذهبي الرفق بك، لعلّ الله يردّك إلى الحق، ويعدل بك عن الباطل، لكثرة ما تستعيذ به.

وحدثني عن قول الله:( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) من عنى بذلك، رسول الله أم أبو بكر؟ قلت: بل رسول الله قال: صدقت.

قال: فحدّثني عن قول الله عزّ وجلّ:( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ - إلى قوله -ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) ، أتعلم من « المؤمنين » الذين أراد الله في هذا الموضع؟ قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين، قال: الناس جميعاً انهزموا يوم حنين، فلم يبق مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا سبعة نفر من بني هاشم: علي يضرب بسيفه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله، والخمسة محدقون به خوفاً من أنْ يناله من جراح القوم شيء، حتى أعطى الله لرسوله الظفر، فالمؤمنون في هذا الموضع عليّ خاصة ثم من حضره من بني هاشم، قال: فمن أفضل، من كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الوقت أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟ قلت: بل من أنزلت عليه السكينة.

قال: يا إسحاق، من أفضل، من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتّى تمّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد من الهجرة؟ إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أنْ يأمر علياً بالنوم على فراشه، وأنْ يقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك،

١٧٨

فبكى عليرضي‌الله‌عنه فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يبكيك يا علي أجزعاً من الموت؟ قال: لا والذي بعثك بالحق يا رسول الله، ولكن خوفاً عليك، أفتسلم يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: سمعاً وطاعةً وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله، ثمّ أتى مضجعه واضطجع وتسجّى بثوبه، وجاء المشركون من قريش فحفّوا به لا يشكّون أنّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أجمعوا أن يضربه من كلّ بطنٍ من بطون قريش رجل ضربة بالسيف، لئلاّ يطلب الهاشميّون من البطون بطنا بدمه، وعلي يسمع القوم فيه من تلاف نفسه ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار، ولم يزل علي صابرا محتسباً، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح، فلمـّا أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا: أين محمّد؟ قال: وما علمي بمحمّد أين هو؟ قال: فلا نراك إلّا مغرراً بنفسك منذ ليلتنا، فلم يزل علي أفضل ما بدأ به يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه.

يا إسحاق، هل تروي حديث الولاية؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اروه، ففعلت، قال: يا إسحاق، أرأيت هذا الحديث هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت: إن النّاس ذكروا أنّ الحديث إنّما كان بسبب زبد بن حارثة، لشيء جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: في أيّ موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟ قلت: أجل، قال: فإن قتل زيد بن حارثة قبل الغدير، كيف رضيت لنفسك بهذا؟ أخبرني لو رأيت ابنا لك قد أتت عليه خمسة عشر سنة يقول: مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاعلموا ذلك، أكنت منكرا ذلك عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ فقلت: اللهم نعم، قال: يا إسحاق أفتنزّه ابنك عمّا لا تنزّه عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

ويحكم لا تجعلوا فقهائكم أربابكم، إنّ الله جلّ ذكره قال في كتابه:

١٧٩

( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) ولم يصلّوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنّهم أرباب، ولكنْ أمروهم فأطاعوا أمرهم.

يا إسحاق: أتروي حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قد سمعته وسمعت من صحّحه وجحده، قال: فمن أوثق عندك، من سمعت منه فصحّحه أو من جحده؟ قلت: من صحّحه، قال: فهل يمكن أن يكون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مزح بهذا القول؟ قلت: أعوذ بالله، قال: فقال قولاً لا معنى له فلا يوقف عليه؟ قلت: أعوذ بالله، قال: أفما تعلم ان هارون كان أخا موسى لأبيه وأمّه؟ قلت: بلى، قال: فعلي من رسول الله لأبيه واُمّه؟ قلت: لا، قال: أوليس هارون نبياً وعلي غير نبي؟ قلت: بلى، قال: فهذان الحالان معدومان في علي وقد كانا في هارون فما معنى أنت منّي بمنزلة هارون من موسى؟ قلت له: إنّما أراد أن يطيّب بذلك نفس علي لمـّا قال المنافقون إنّه خلّفه استثقالاً له، قال: فأراد أن يطيّب نفسه بقول لا معنى له؟ قال: فأطرقت، قال: يا إسحاق له معنىً في كتاب الله بيّن، قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عزّ وجلّ حكايةً عن موسى أنّه قال لأخيه هارون:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) قلت: يا أمير المؤمنين: إن موسى خلّف هارون في قومه وهو حي ومضى إلى ربّه، وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلّف علياً كذلك حين خرج إلى غزاته، قال: كلّا ليس كما قلت، أخبرني عن موسى حين خلّف هارون هل كان معه حين ذهب إلى ربّه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت: لا، قال: أو ليس استخلفه على جماعتهم؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين خرج إلى غزاته هل خلّف إلّا الضعفاء والنساء والصبيان؟ فأنّى يكون مثل ذلك؟!

وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدلّ على استخلافه إيّاه، لا يقدر أحد أن يحتجّ فيه، ولا أعلم أحداً احتجّ به، وأرجو أنْ يكون توفيقاً من الله. قلت:

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

من تصريحات الأعلام

بدلالة حديث الطّير على أفضلية الإِمام عليه‌السلام

٢٨١

الطَّير؟ قلت: نعم. قال: فحدّثني به. قال: فحدّثته الحديث فقال: يا إسحاق، إني كنت اُكلّمك وأنا أظنّك غير معاندٍ للحق، فأما الآن فقد بان لي عنادك، إنّك توقنُ أنَّ هذا الحديث صحيح؟ قلت: نعم، رواه من لا يمكنني ردّه. قال:

أفرأيت أنَّ من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح ثمّ زعم أن أحداً أفضل من علي لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أن يكون دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده مردودة عليه، أو أنْ يقول: عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه، أو أن يقول: إنّ الله عزّ وجلّ لم يعرف الفاضل من المفضول. فأيّ الثلاثة أحبّ إليك أن تقل؟

فأطرقت.

ثمّ قال: يا إسحاق: لا تقل منها شيئاً، فإنّك إنْ قلت منها شيئاً استتبتك، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله.

قلت: لا أعلم ».

ثمّ إنّ يحيى بن أكثم أعرب عن قبوله لما قال المأمون وعجزه عن الجواب بقوله: « يا أمير المؤمنين، قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير، وأثبتّ ما لا يقدر أحد أنْ يدفعه ».

قال إسحاق: « فأقبل علينا وقال: ما تقولون؟ فقلنا: كلّنا نقول بقول أمير المؤمنين »(١) .

الحاكم النيسابوري

وقال الذهبي بترجمة الحاكم: « وسئل الحاكم أبو عبد الله عن حديث الطير فقال: لا يصحّ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله

____________________

(١). العقد الفريد ٥ / ٣٥٤ - ٣٥٨.

٢٨٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

فهذا الكلام الذي نسبه الذهبي إلى الحاكم وأقرّه عليه صريح في دلالة حديث الطَّير على الأفضليّة ولنعم ما أفاد محمّد بن إسماعيل الأمير في توضيح هذا الكلام المعزى إلى الحاكم:

« وإذا ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله من أدلة غير حديث الطير، فما ذا ينكر من دلالة حديث الطير على الأحبيّة الدالة على الأفضلية؟ وكيف تجعل هذه الدلالة قادحة في صحة الحديث كما نقل عن الحاكم؟ ويقرب أن الحافظ أبا عبد الله الحاكم ما أراد إلّا الاستدلال على ما يذهب إليه من أفضليّة علي، بتعليق الأفضلية على صحة حديث الطير، وقد عرف أنّه صحيح، فأراد استنزال الخصم إلى الإِقرار بما يذهب إليه الحاكم فقال: لا يصح ولو صحَّ لما كان أحد أفضل من علي بعده. وقد تبيّن صحّته عنده وعند خصمه، فيلزم تمام ما أراده من الدليل على مذهبه »(٢) .

الفخر الرّازي

قال إمام الإِشاعرة الفخر الرازي ما نصّه:

« فأما خبر الطّير فلا شك أنّه لو صحّ لدلّ على كونه أفضل من غيره، لكنه من أخبار الآحاد ».

فهذا كلامه وهو - كما ترى - إقرار بالدّلالة بلا تشكيك، وأما ما ذكره بالنسبة إلى سنده فبطلانه ظاهر ممّا تقدّم وسبق في بحث السند، لا سيّما من الحاكم النيسابوري الممدوح لدى الفخر والمعتمد.

وأيضاً:

قال الفخر بعد عبارته المذكورة في جواب حديث الطير: « وهو معارض

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ١٠٣٩.

(٢). الروضة الندية - شرح التحفة العلويّة.

٢٨٣

بأخبار كثيرة وردت في حق الشيخين

لا يقال: الأحاديث المرويّة في حق علي -رضي‌الله‌عنه - أقوى، لبقائها مع الخوف الشديد على روايتها في زمان بني اُميّة، فلو لا قوّتها في ابتداء أمرها لما بقيت.

لأنّا نقول: هذا معارض بما أنّ الروافض كانوا أبداً قادحين في فضائل الصّحابة - رضي الله عنهم - فلو لا قوتها في ابتدائها وإلّا لما بقي الآن شيء منها »(١) .

هذا كلام الفخر ولو كان هناك مساغ لشيء من التأويلات التي ذكرها ( الدهلوي ) أو غيره، أو كان عند الفخر نفسه تأويل غيرها لذكره فيظهر أن لا طريق عندهم للجواب إلّا الطعن في السند، وقد عرفت فساده، والمعارضة بما رووه في فضائل الشيخين، وهي معارضة باطلة، لكون ما يروونه فيهما ليس بحجة، واللّاحجة لا يعارض الحجة. وأمّا ما ذكره في جواب الاعتراض فواضح الاندفاع، لأنّه قياس مع الفارق

وبالجملة، فهذا الكلام أيضاً دال على المفروغية عن دلالة حديث الطّير على الأفضليّة وهذا هو المطلوب في المقام.

محمّد بن طلحة

وقال محمّد بن طلحة الشافعي في ( مطالب السؤول ) في الباب الأول: « الفصل الخامس: في محبة الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومؤاخاة الرسول إياه، وامتزاجه به، وتنزيله إياه منزلة نفسه، وميله إليه، وإيثاره إيّاه.

وقبل الشروع في المعاقد المقصودة والمقاصد المعقودة في هذا الفصل، لا بدّ من شرح حقيقة المحبّة وكيفية إضافتها إلى الله تعالى وإلى

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

٢٨٤

العبد، فإن العقل إذا لم يحط بتصوّر ذاتها لم ينتظم قضاؤه عليها لا بنفيها ولا إثباتها، ولم يستقم حكمه لها بشيء من نعوتها وصفاتها فأقول:

المحبّة حالة شريفة أخبر الله عزّ وجلّ بوجودها منه لعبده ومن عبده له، فقال جلّ وعلا:( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) وقالك( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) وقال:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ )

إنّ حقيقة محبّة الله تعالى لعبده: إرادته سبحانه لإِنعامٍ مخصوص يفيضه على ذلك العبد من تقريبه، وإزلافه من محال الطهارة والقدس، وقطع شواغله وتطهير باطنه عن كدورات الدنيا، ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنّه يراه، فإرادته بأنْ يخصَّ عبده بهذه الأحوال الشريفة هي محبّته له

وأمّا محبّة الله تعالى فهي ميله إلى نيل هذا الكمال، وإرادته درك هذه الفضائل.

فيكون إضافة المحبة إلى الله - تعالى جلّ وعلا - وإضافتها إلى العبد مختلفين، نظراً إلى الاعتبارين المذكورين.

فإذا وضح معناهما فمن خصّه الله - عزّ وعلا - بمحبّته على ما تقدم من إرادته بقربه وإزلافه من مقرّ التقديس والتطهير، وقطع شواغله عنه، وتطهير قلبه من كدورات الدنيا ورفع الحجاب، فقد أحرز قصاب السّابقين، وارتدى بجلباب الفائزين المقربين.

وهذه المحبّة ثابتة لأمير المؤمنين علي، بتصريح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه صحَّ النقل في المسانيد الصحيحة والأخبار الصريحة، كمسندي البخاري ومسلم وغيرهما: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم خيبر: لأعطينَّ الراية

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً - وقد اُحضر إليه طير ليأكله - اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه. وكان أنس

٢٨٥

حاضراً يسمع قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل مجيء علي. فبعد ذلك جاء أنس إلى علي فقال: استغفر لي ولك عندي بشارة، ففعل، فأخبره بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إيقاظ وتنبيه: إعلم - أيدك الله بروحٍ منه - أن أخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدق وأقواله حق، فإذا أخبر عن شيء فهو محقّق لا يرتاب في صحته ذوو الإِيمان ولا أحد من المهتدين، فكان صلوات الله عليه قد اطّلع بنور النبوّة على أنَّ علياً ممّن يحبّه الله تعالى، وأراد أنْ يتحقق الناس ثبوت هذه المنقبة السنيّة والصّفة العليّة التي هي أعلى درجات المتّقين لعلي، وكان بين الصحابة يومئذٍ منهم حديثو عهد بالإِسلام، ومنهم سمّاعون لأهل الكتاب، ومن فيهم شيء من نفاق، فأحبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يثبت ذلك لعلي في نفوس الجميع فلا يتوقف فيه أحد. فقرنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبره بثبوت هذه الصفة - وهي المحبة الموصوفة من الجانبين لعلي، التي هي صفة معينة معنوية لا تدرك بالعيان - بصفة محسوسةٍ تدرك بالأبصار أثبتها له وهي فتح خيبر على يديه، فجمع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصف علي بين المحبة والفتح، بحيث يظهر لكلّ ناظر صورة الفتح ويدركه بحاسّته، فلا يبقى عنده توقف في ثبوت الصفة الْأُخرى المقترنة بهذه الصفة المحسوسة، فيترسّخ في نفوس الجميع ثبوت هذه الصفة الشريفة العظيمة لعلي.

وهكذا في حديث الطير، جعل إتيانه وأكله معه - وهو أمر محسوس مرئي - مثبتاً عند كلّ أحد من علمه أنّ علياً متصف بهذه الصفة العظيمة، وزيادة الأحبيّة على أصل المحبة. وفي ذلك دلالة واضحة على علّو مكانة علي وارتفاع درجته وسمّو منزلته، واتّصافه بكون الله تعالى يحبّه وأنّه أحبّ خلقه إليه.

وكانت حقيقة هذه المحبة قد ظهرت عليه آثارها وانتشرت لديه أنوارها، فإنّه كان قد أزلفه الله تعالى في مقرّ التقديس، فإنّه نقل الترمذي في صحيحه: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا علياً يوم الطائف فانتجاه فقال الناس:

٢٨٦

لقد أطال نجواه مع ابن عمه! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما انتجيته ولكنَّ الله انتجاه »(١) .

الحافظ الكنجي

وقال الحافظ محمد بن يوسف الكنجي - بعد رواية حديث الطير -: « وفيه دلالة واضحة على أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله، وأدّل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما دعا به. وقد وعد الله تعالى من دعاه بالإجابة حيث قال:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) فأمر بالدعاء ووعد بالإِجابة، وهو عزّ وجلّ لا يخلف الميعاد، وما كان الله ليخلف وعده رسله. ولا يردّ دعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحبّ الخلق إليه. ومن أقرب الوسائل إلى الله محبّته ومحبّة من يحبّه لحبّه. كما أنشدني بعض أهل العلم في معناه:

بالخمسة الغرّ من قريش

وسادس القوم جبرئيل

بحبّهم ربّ فاعف عنّي

بحسن ظنّي بك الجميل

العدد الموسوم بالستّة في هذا البيت أصحاب العباء الذين قال الله تعالى في حقهم:( لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) وهم: محمّد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وسادس القوم جبرئيل »(٢) .

المحبُّ الطَّبري

وقال محبّ الدين الطبري في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« ذكر أنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى بعد رسول الله صلّى الله عليه

____________________

(١). مطالب السؤول ١ / ٤٢ - ٤٣.

(٢). كفاية الطالب: ١٥١.

٢٨٧

وسلّم:

عن أنس بن مالكرضي‌الله‌عنه قال: كان عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فأكل معه. أخرجه الترمذي، والبغوي في المصابيح في الحسان »(١) .

وأيضاً:

قال الطبري في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« ذكر اختصاصه بأحبيّة الله تعالى له:

عن أنس بن مالك قال: كان عند النبيّ »(٢) .

وأيضاً:

قال: « ذكر محبة الله عزّ وجلّ ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له:

تقدّم في الخصائص ذكر أحبيّته إلى الله ورسوله، وهي متضمنّة للمحبّة مع الترجيح فيها على الغير »(٣) .

فليمت المنكرون والجاحدون حنقاً وغيظاً

شهابُ الدّين أحمد

وقال السيد شهاب الدين أحمد - بعد حديث أبي ذر في أحبّ الخلق إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« قال الشيخ العارف اُسوة ذوي المعارف جلال الدين أحمد الخجنديقدس‌سره - بعد رواية حديث عائشة ومعاذة وأبي ذر رضي الله عنهم كما سبق -: وهذه الآثار عاضدة حديث الطير، إذ لا يكون أحد أحبّ إلى رسول الله

____________________

(١). ذخائر العقبى: ٦١.

(٢). الرياض النضرة ٣ / ١١٤.

(٣). الرياض النضرة ٣ / ١٨٨.

٢٨٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أن يكون ذلك أحبّ إلى الله عزّ وجل »(١) .

وأيضاً:

قال السيد شهاب الدين: « الباب السابع، في ترنّم أغاني النبوّة في مغاني الفتوة، بأحبّيته إلى الله تعالى ورسوله، وتنسّمه شقائق شواهق معالي العناية بما ظهر أنّه أشدّ حبّاً لله ورسوله:

عن أنس بن مالك -رضي‌الله‌عنه - قال: كان عند النبيّ صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم وبارك وسلّم طير فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي بن أبي طالب فأكل معه. ورواه الطبري وقال: خرّجه الترمذي »(٢) .

فحديث الطير عنده دليل الأحبيّة

ابن تيميّة

وقال ابن تيمية في الجواب عن حديث الطير ما نصّه:

« السادس - إنّ الأحاديث الثّابتة في الصّحاح التي أجمع أهل الحديث على صحّتها وتلقّيها بالقبول تناقض هذا، فكيف يعارض تلك بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لم يصحّحوه؟ يتبيّن هذا لكلّ متأمّل ما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من فضائل القوم

وأيضاً: فإنّ الصّحابة أجمعوا على تقديم عثمان، الذي عمر أفضل منه، وأبو بكر أفضل منهما. وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، وقد تقدّم بعض ذلك، لكن ذكر هذا ليتبيّن أن حديث الطير من الموضوعات »(٣) .

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). منهاج السنّة ٤ / ٩٩.

٢٨٩

فلو لا دلالة هذا الحديث على الأفضلية عند ابن تيمية لما كان بحاجة إلى المعارضة والإِستدلال بما ذكر ولو كانت الأحبيّة فيه نسبية - كما ذكر ( الدهلوي ) أو يمكن تأويلها بوجه من الوجوه - لم يكن تناقض بين حديث الطير وما ذكر من أحاديث القوم!!

ومن هنا يظهر اضطراب القوم في مقام الجواب عن هذا الحديث الشريف، فالمتقدّمون كالرّازي وابن تيميّة لم يذكروا شيئا من التأويلات إمّا عن عجز وقصور، وإمّا للالتفات إلى ركاكتها وسخافتها، فعمدوا إلى خرافات شيوخهم في باب فضائل الشيخين، فزعموا مناقضتها لحديث الطّير، أو ادّعوا وضع هذا الحديث الشّريف، مكذّبين كبار أساطين طائفتهم الذين رووه، وأثبتوه في كتبهم في جملة فضائل مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام . والمتأخّرون سلكوا سبيل التأويل وإنكار دلالة الحديث على الأحبيّة والأفضليّة المطلقة، مخطّئين أولئك الذين أذعنوا بالدلالة وادّعوا المعارضة أو الوضع بل لقد وقع الواحد منهم في التهافت والتناقض فالرازي يعترف في ( نهاية العقول ) بدلالة حديث الطير على الأفضلية بصراحة ثمّ يدّعي المعارضة، ويناقض نفسه في ( الأربعين ) - كما ستسمع فيما بعد - ويمنع الدّلالة

لكن الجمع بين المتناقضات ممتنع، وهم بين أمرين، إمّا رفع اليد عن الحكم بالوضع بدعوى معارضته لما وضعوه في حق الشيخين، وإمّا الإِعتقاد والإِقرار بدلالة الحديث على الأحبيّة ونبذ التأويلات الموهونة وأمّا لا هذا ولا ذاك فهذا من وساوس الخناس الأفّاك، والله ولّي التفضّل بالفهم والإدراك.

محمّد الأمير الصّنعاني

وقال العلّامة محمّد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في دلالة حديث الطَّير على أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد إيراد طرقه:

« قلت: هذا الخبر رواه جماعة عن أنس، منهم: سعيد بن المسيب،

٢٩٠

وعبد الملك بن عمير، وسليمان بن الحجاج الطّائفي، وأبو الرجال الكوفي، وأبو الهندي، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، ويغنم بن سالم بن قنبر، وغيرهم.

وأمّا ما قال الحافظ الذهبي في التذكرة في ترجمة الحاكم أبي عبد الله المعروف بابن البيّع الحافظ المشهور، مؤلّف المستدرك وغيره، بعد أن ساق حكاية: وسئل الحاكم أبو عبد الله عن حديث الطير فقال: لا يصح، ولو صحَّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال الذهبي: قلت: ثمّ تغيّر رأي الحاكم، فأخرج حديث الطير في مستدركه. قال الذهبي: وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنَّف، ومجموعها يوجب أن الحديث له أصل. انتهى كلام الذهبي. فأقول:

كلام الحاكم هذا لا يصح عنه، أو أنّه قاله ثمّ رجع عنه كما قال الذهبي ثمّ تغيّر رأيه. وإنّما قلنا ذلك لأمرين:

أحدهما - وهو أقواهما - إنّ القول بأفضليّة عليرضي‌الله‌عنه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو مذهب الحاكم، كما نقله الذهبي أيضاً في ترجمته عن ابن طاهر، قال الذهبي قال ابن طاهر: كان - يعني الحاكم - شديد التعصّب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنّن في التقديم والخلافة، وكان منحرفا عن معاوية وإنّه يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه. انتهى كلام ابن طاهر، وقرّره الذهبي بقوله: أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأمّا الشيخان فمعظّم لهما بكلّ حال، فهو شيعي لا رافضي. إنتهى.

قلت : إذا عرفت هذا: فكيف يطعن الحاكم في شيء هو رأيه ومذهبه ومن أدلة ما يجنح إليه؟ فإنْ صحّ عنه نفي صحة حديث الطائر فلا بدَّ من تأويله بأنّه أراد نفي أعلى درجات الصحّة، إذ الصحة عند أئمة الحديث درجات سبع، أو أن ذلك وقع منه قبل الإحاطة بطرق الحديث، ثمّ عرفها بعد ذلك فأخرجه فيما جعله مستدركاً على الصحيحين.

٢٩١

والثاني : إنّ إخراجه في المستدرك دليل صحته عنده، فلا يصح نفي الصحة عنه إلّا بالتأويل المذكور.

فعلى كلّ حالٍ فقدح الحاكم في الحديث لا يتم.

ثمّ هذا الذهبي - مع تعاديه وما يعزى إليه من النصب - ألّف في طرقه جزء. فعلى كلّ تقدير قول الحاكم لا يصح. لا بدّ من تأويله.

ولأنّه علّل عدم صحته بأمر قد ثبت من غير حديث الطير، وهو أنّه: إذا كان أحبّ الخلق إلى الله سبحانه كان أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله من غير حديث الطائر، كما أخرجه أبو الخير القزويني من حديث ابن عباس: إنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - دخل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام إليه وعانقه وقبّل بين عينيه، قال له العباس: أتحب هذا يا رسول الله؟ فقال: والله للهَ أشدّ حبّاً له منّي. ذكره المحبّ الطبريرحمه‌الله .

قلت : وفي حديث خيبر الماضي - و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ساُعطي الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله - ما يدلّ لذلك. فإنّه ليس المراد من وصفه بحبّ الله إيّاه أدنى مراتبها ولا أوسطها بل أعلاها، لما علم ضرورةً من أنّ الله يحبّ جماعة من الصحابة غير عليرضي‌الله‌عنه ، قد ثبت ذلك بالنص على أفرادٍ منهم، وثبت أنّ الله يحبّهم جملةً، لقوله تعالى:( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) وقد أخبر الله عنهم في عدّة آيات أنّهم اتّبعوا رسوله كقوله تعالى:( لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ ) وغيرها من الآيات المثنية عليهم، الدالة على اتّباعهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد علّق محبّته تعالى باتّباع رسوله، فدلّ أنّهم محبوبون لله تعالى، وأنّ رتبتهم في المحبّة متفاوتة.

فلمـّا خصَّ علياً يوم خيبر بتلك الصّفة من بينهم، وقد علم أنّه قد شاركهم في محبّة الله لهم، لأنه رأس المتّبعين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، علم

٢٩٢

أنّه أعلاهم محبةً لله، كأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لاُعطينَّ الرّاية أحبَّ الناس إلى الله، ولهذا تطاول لها الصحابة، وامتدّت إليها الأعناق، وأحبَّ كلٌّ وترجّى أن يخصَّ بها.

وقد ثبت أنّ علياً أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أخرجه الترمذي - وقال حسن غريب - من حديث عائشة أنّها سئلت: أيّ الناس أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: فاطمة. قيل فمن الرجال؟ قالت: زوجها، إنّه كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً.

وأخرج المخلّص الذهبي والحافظ أبو القاسم الدمشقي من حديث عائشة - وقد ذكر عنها عليرضي‌الله‌عنه - قالت: ما رأيت رجلاً أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه، ولا امرأة أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته.

وأخرج الخجندي عن معاذة الغفارية قالت: دخلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت عائشة وعلي خارج من عنده، فسمعته يقول: يا عائشة إنّ هذا أحبّ الرجال إليّ وأكرمهم عليّ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه.

وأخرج الملّا في سيرته عن معاوية بن ثعلبة قال: جاء رجل إلى أبي ذر - وهو في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: يا أبا ذر، ألا تخبرني بأحبّ الناس إليك، فإني أعرف أنَّ أحبّ الناس إليك أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: أي وربّ الكعبة، أحبّهم إليَّ أحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ذاك الشيخ - وأشار إلى عليرضي‌الله‌عنه -.

ذكر هذه الأحاديث المحبّ الطبريرحمه‌الله .

وإذا ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه أحبّ الخلق إلى الله سبحانه. فإن رسول الله لا يكون الأحب إليه إلّا الأحبّ إلى الله سبحانه. وإنّه قد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله من أدلّة غير حديث الطائر هذا.

٢٩٣

فماذا ينكر من دلالة حديث الطّير على الأحبيّة الدالّة على الأفضليّة؟ وانّها تجعل هذه الدلالة قادحة في صحة الحديث! كما نقل عن الحاكم.

ويقرب أنّ الحافظ أبا عبد الله الحاكم ما أراد إلّا الإِستدلال على ما يذهب إليه من أفضليّة عليرضي‌الله‌عنه ، بتعليق الأفضليّة على صحة حديث الطير، وقد عرف أنّه صحيح، فأراد استنزال الخصم إلى الإِقرار بما يذهب إليه الحاكم فقال: لا يصح، ولو صحَّ لما كان أحد أفضل من عليرضي‌الله‌عنه بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تبيَّن صحته عنده وعند خصمه، فيلزم تمام ما أراده من الدليل على مذهبه هذا.

وفي حديث الطير معجزة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستجابة دعائه في إتيانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأحبّ الخلق.

وفيه دلالة على أن أحبّ الخلق إلى الله علي، فإنّه مقتضى استجابة الدعوة، وأنّه لا أرفع منه درجةً في الأحبيّة عنده تعالى بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا ثلاث مرّات، وكلّها يأتي فيها عليرضي‌الله‌عنه لا غيره، ويرجع من طريقه مرة بعد مرة، يردّه أمر الله والدعوة النبويّة، وألقى في قلب أنس ردّه لهرضي‌الله‌عنه مرة بعد مرة، ليظهر الأمر الإِلهي والدعوة النبويّة، إذ لو فتح له عند أوّل مرة لربّما قيل اتّفق أنّه وصل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتّفاقاً، فما وقع الترديد من أنس والتردّد منهرضي‌الله‌عنه إلّا ليعلم اختصاصه، وأنّه لو كان غيره في رتبتهرضي‌الله‌عنه لجاء به له أو معه، إذ ليست الدعوة مقصورةً على أحد.

وقد قدّمنا في حديث المحبّة بحثاً نفيساً في حديث خيبر فلا نكرّره، وأشار الإِمام المنصور بالله إلى حديث الطير بقوله:

ومن غداة الطير كان الذي

خصّ بأكل الطّائر المشتوي »(١)

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

٢٩٤

الملّا يعقوب اللّاهوري

وقال الملّا يعقوب اللاهوري في ( شرح تهذيب الكلام ) في البحث عن أدلّة أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ولحديث الطير وهو قولهعليه‌السلام : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فجاء علي فأكل معه. رواه الترمذي.

ولا شكَّ أنّ الأحبّ إلى الله تعالى من كان أكثر ثواباً عنده.

أقول : وهذا الحديث يدلّ على أفضليّة علي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو خلاف الإِجماع، والعام المخصوص لا يكون حجة ».

ودلالة هذا الكلام على مطلوب الإِمامية واضحة جدّا، فقد نصّ اللاّهوري على دلالة حديث الطير على أفضليّة أمير المؤمنين مطلقا حتى من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - والعياذ بالله -. لكن زعم شمول هذا الإِطلاق للنبيّ عليه وآله السلام صريح البطلان، لما نصّ عليه أكابر العلماء المحققين من عدم دخول المتكلِّم في إطلاق كلامه وسيجئ ما يدل على ذلك وعليه، فهذا العام ليس مخصّصاً حتى يقال: العام المخصوص لا يكون حجة.

ولو سلَّمنا كونه عاماً مخصوصاً فهو - على ما نصّ عليه أجلّة المحققين في علم الاُصول - حجة أيضاً بل حجيّته مورد اجماعٍ مستند إلى الصّحابة، وإليك كلام القاضي عضد الدين الإِيجي الصريح في ذلك، فإنّه قال في مبحث العام المخصّص من ( شرح المختصر ):

« لنا ما سبق من استدلال الصّحابة مع التخصيص، وتكرر وشاع ولم ينكر، فكان إجماعاً. ولنا أيضاً: إنا نقطع بأنّه إذا قال: أكرم بني تميم وأمّا فلاناً منهم فلا تكرمه، فترك إكرام سائر بني تميم عُدّ عاصياً، فدلَّ على ظهوره فيه وهو المطلوب. ولنا أيضاً: إنّه كان متناولاً للباقي، والأصل بقاؤه على ما كان

٢٩٥

عليه »(١) .

المولوي حسن زمان

وقال المولوي حسن زمان الهندي في معنى حديث الطير: « وكان إتيان الشيخين إتّفاقاً، فلذا صرفهما رضي الله عنهما، ثمّ إتيان المرتضى إجابة من الله عزّ وجلّ لدعائه، ولذا قبله، حيث علم ذلكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلّا فكيف يسوغ ردّ من أتى الله به!

ولذا خرّجه النسائي في ذكر منزلة علي من الله عزّ وجلّ.

وبه تبطل إرادة « من أحبّ الخلق » فإنّ الصدّيق والفاروق كذلك قطعاً، فما وجه تخصيصه بالأحبيّة بالإِتيان به دونهما!

ويبطل احتمال أنّهما لم يكونا حينئذٍ بالمدينة الطيّبة.

وقيل من قال: إنَّ المراد: أحبّ الناس إلى الله في الأكل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ المرتضى هو كذا، إذ الأكل مع من هو في حكم الولد يوجب تضاعف لذّة الطعام. مردود بأنّ أحبّ الناس كذلك شرعاً وعرفاً وعقلاً إنّما هو فاطمة أو اُختها إن كانت، أو الحسن والحسين إن كانا، أو الأزواج المكرّمات.

واحتمال الأحبيّة للمجموع إحتمال ناشٍ من غير دليل، فلا اختلال به بالاستدلال »(٢) .

* * *

____________________

(١). شرح المختصر في علم الاُصول: ٢٢٤.

(٢). القول المستحسن في فخر الحسن - فضائل علي.

٢٩٦

قوله:

ولا ريب في كون حضرة الأمير أحبّ الناس إلى الله في الوصف المذكور.

أقول:

لا ريب في كون سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله تعالى في ذاك الوصف، بل جميع الأوصاف الفاضلة والمحامد الكاملة. ولو فرضنا قصر دلالة هذا الحديث على الأحبيّة في الأكل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدلّ ذلك على أفضليّته من غيره مطلقا، لأنّ محبّة الله ليست منبعثة عن الطبائع النفسانيّة، وإنّما هي دائرة مدار الأفضليّة الدينيّة، فمن كان الأفضل من حيث الفضائل الدينية كان الأكثر محبوبيةً، لامتناع أحبيّة المفضول من الفاضل عنده سبحانه، ولوضوح أنّه الحكيم على الإِطلاق، وأفعاله وأحكامه مبنيّة على الحكم والمصالح، فهي منزّهة عن اللغو والعبث، ولا مساغ للترجيح أو الترجّح بلا مرجّح في أقواله وأفعاله.

وعلى هذا، فكون المفضول أحبّ عند الله في الأكل مع رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبث صريح بل ظلم قبيح وترجيح للمرجوح، وكلّ ذلك ممتنع في حقه، وتعالى شأنه عمّا يقول الظالمون علواً كبيراً.

٢٩٧

فأحبيّة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام في الأكل مثبتة لأفضليته في الدين وتقدّمه على غيره من المقرّبين فكيف بالمردودين! فاستبصر ولا تكن من الغافلين.

فهذا التأويل لا ينفع السّاعين وراء إنكار فضائل الوصّي، ودلائل إمامته بعد النبيّ صلوات الله عليهما.

قوله:

لأنّ الأكل مع الولد أو من هو في حكم الولد يوجب تضاعف لذّة الطعام.

أقول:

لا يخفى أنّ هذه الجملة غير واردة في كلام الكابلي الذي انتحل ( الدهلوي ) كلماته، وإنّما هي زيادة منه أتى بها تمادياً في الباطل وسعياً وراء إطفاء نور الله ولكنّه جهل ما يستلزمه ذلك، وأنّ ذلك سيعرّضه إلى مزيدٍ من النقد، لأنّ أكل الولد أو من في حكمه مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يوجب تضاعف لذّه الطّعام فيما إذا كان ذاك الولد أو من بحكمه أفضل من غيره لدى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلّا فمن الواضح جدّاً أنّه لو كان هناك أفضل من هذا الآكل معه لم يكن أكل هذا المفضول أحبّ إليه من أكل الأفضل معه، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ ملاك الأحبيّة والأقربيّة إلى الله والرّسول هو الأفضليّة في الدين، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يراعي هذا الملاك في جميع جهات معاشرته مع أصحابه، ولم تكن أفعاله وأقواله منبعثةً عن الميول النفسانيّة.

ومن هنا كان ما رواه الحافظ ابن مردويه بسنده: « عن رافع مولى عائشة قال: كنت غلاماً أخدمها، فكنت إذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها ذات يوم، إذ جاء جاءٍ فدقَّ الباب، فخرجت إليه، فإذا جارية مع إناءٍ مغطّى،

٢٩٨

فرجعت إلى عائشة فأخبرتها فقالت: أدخلها، فدخلت فوضعته بين يدي عائشة، فوضعته عائشة بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعل يأكل وخرجت الجارية، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليت أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وإمام المتّقين يأكل معي. فجاء جاءٍ فدقَّ الباب، فخرجت إليه، فإذا هو علي بن أبي طالب. قال: فرجعت فقلت: هذا علي. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مرحباً وأهلاً فقد عنيتك مرّتين حتى أبطأت عليّ، فسألت الله عزّ وجلّ أن يأتي بك، إجلس فكل معي »(١) .

فهذا الحديث صريح في أنّ دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن ناشئاً عن الميل النفساني، بل إنّ دعائه بحضور أمير المؤمنينعليه‌السلام عنده وأكله معه كان لأجل كونهعليه‌السلام « أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وإمام المتقين » هذه الأوصاف التي يكفي الواحد منها للإِمامة والخلافة من بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل.

فلو سلّم كون الأحبيّة في حديث الطير مقيّدة بالأكل مع النبيّ، فلا ريب في أنّ السبّب في هذه الأحبيّة هي الأحبيّة الحقيقيّة العامّة والأفضليّة المطلقة التامّة الثابتة لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

فإنكار دلالة حديث الطير، ودعوى دلالته على مجرّد الأحبيّة في الأكل - أو تأويله بغير هذا التأويل ممّا ذكره ( الدّهلوي ) - لا يسقط الحديث عن الصّلاحية للاستدلال به للامامة والخلافة بلا فصل لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام لا بن مردويه - مخطوط.

٢٩٩

قوله:

ولو كان المراد الأحبيّة مطلقاً فلا دلالة للحديث على المدّعى.

أقول:

أمّا أنّ المراد هو الأحبيّة المطلقة فقد بيّنا ثبوته بما لا مزيد عليه.

وأمّا أنّ هذه الأحبيّة لا تفيد المدّعى فتفوّه ( الدهلوي ) به بعيد، لما أثبتنا بما لا مزيد عليه كذلك من دلالة الأحبيّة على الأفضلية، وأن الأفضليّة توجب الإِمامة والرئاسة والخلافة وقد كان عمر بن الخطّاب نفسه يرى ذلك، فإنكار استلزام الأحبيّة للأفضلية الدالّة على الإِمامة تكذيب لخليفتهم أيضاً.

قوله:

وأيّ دليلٍ على أنْ يكون أحبّ الخلق إلى الله صاحب الرئاسة العامّة؟

أقول:

هلّا ألقى ( الدهلوي ) نظرةً في إفادات والده التي نصَّ فيها على الملازمة بين الأحبيّة والإِمامة؟

لكنْ لا عجب لأنّ الإِنهماك في الباطل والسّعي في إبطال الحق قد يؤدّي إلى ذلك وإلاّ فإنّ ( الدهلوي ) متّبع لوالده في عقائده وأفكاره، وسائر على نهجه في أخذه وردّه

بل، إنّ هذا الذي قاله تكذيب لجدّه الأعلى، وإبطالٌ لاستدلاله يوم السقيفة على أولويّة أبي بكر بالخلافة

وعلى كلّ حالٍ، فقد ثبت - والحمد لله - وجوب الرئاسة العامة والإِمامة الكبرى لأحبّ الخلق إلى الله، وأنّ العاقل المنصف لا يجوّز أنْ يتقدم غير

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460