نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 282873
تحميل: 5613


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 282873 / تحميل: 5613
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 14

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام عن دلالتها بالتأويلات العليلة، فهم كقول القائل:

وفي تعبٍ من يحسد الشمس نورها

و يجهد أنْ يأتي لها بضريب

فهل من متكلّم عربي أديب يقول: « فلان أعقل الناس وأفضلهم » وهو يريد « فلان من أعقل الناس وأفضلهم »؟ سلّمنا فما الدليل على حجيّة هكذا قول؟ سلّمنا فما الملازمة بين صحّة هكذا كلام وتماميّة التأويل المذكور فيه، وبين مجيء نفس التأويل في حديث الطّير؟

والحمد لله ربّ الذي وفّقنا لبيان ركاكة هذه التأويلات وسخافتها فلننظر فيما قاله غير ( الدهلوي ) في هذا الباب

* * *

٣٢١

٣٢٢

دحض تقوّلات

بعض علماء الحديث

٣٢٣

٣٢٤

التُّوربشتي

قال الشيخ فضل الله التوربشتي - شارح مصابيح السنّة - بشرح حديث الطير:

« ومنه حديث أنسرضي‌الله‌عنه قال: كان عند النبيّعليه‌السلام طير. الحديث.

قلت: نحن وإنْ كنا لا نجهل - بحمد الله - فضل عليرضي‌الله‌عنه وقدمه وبلاءه وسوابقه واختصاصه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة ومؤاخاته إيّاه في الدين، ونتمسّك من حبّه بأقوى وأولى ممّا يدّعيه الغالون فيه، فلسنا نرى أن نضرب عن تقرير أمثال هذه الأحاديث في نصابها صفحاً، لما نخشى فيها من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين، وهذا باب اُمرنا بمحافظته وحمى اُمرنا بالذبّ عنه، فحقيق علينا أنْ ننصر فيه الحق ونقدّم فيه الصدّق.

وهذا حديث يريش به المبتدع سهامه ويوصل به المنتحل جناحه، فيتخّذه ذريعةً إلى الطعن في خلافة أبي بكررضي‌الله‌عنه ، التي هي أوّل حكمٍ أجمع عليه المسلمون في هذه الاُمة، وأقوم عمادٍ أُقيم به الدين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقول - وبالله التوفيق -:

هذا الحديث لا يقاوم ما أوجب تقديم أبي بكر والقول بخيريّته، من

٣٢٥

الأخبار الصّحاح منضمّاً إليها إجماع الصحابة، لمكان سنده، فإن فيه لأهل النقل مقالاً، ولا يجوز حمل أمثاله على ما يخالف الإِجماع، لا سيّما والصحابي الذي يرويه ممّن دخل في هذا الإِجماع، واستقام عليه مدّة عمره، ولم ينقل عنه خلافه، فلو ثبت عنه هذا الحديث فالسّبيل أنْ يأوّل على وجهٍ لا ينقض عليه ما اعتقده ولا يخالف ما هو أصحّ منه متناً وإسناداً، وهو أنْ يقال:

يحمل قوله « بأحبّ خلقك » على أنّ المراد منه: ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك، فيشاركه فيه غيره، وهم المفضلّون بإجماع الاُمّة، وهذا مثل قولهم: فلانٌ أعقل الناس وأفضلهم. أي: من أعقلهم وأفضلهم. وممّا يبيّن لك أن حمله على العموم غير جائز هو أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة خلق الله، ولا جائز أن يكون علي أحبّ إلى الله منه. فإنْ قيل: ذاك شيء عرف بأصل الشرع. قلت: والذي نحن فيه عرف أيضاً بالنصوص الصحيحة وإجماع الاُمة. فيأوّل هذا الحديث على الوجه الذي ذكرناه.

أو على أنّه أراد به: أحبّ خلقه إليه من بني عمّه وذويه، وقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلق القول وهو يريد تقييده، ويعمّ به وهو يريد تخصيصه، فيعرفه ذو الفهم بالنظر إلى الحال أو الوقت أو الأمر الذي هو فيه »(١) .

أقول:

١ - في كلامه اعتراف بدلالة حديث الطير

تفيد عبارة التوربشتي بوضوحٍ دلالة حديث الطير على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام وبطلان تقدّم المتغلّبين عليه، إنّه يصرّح بصلاحيّة هذا الحديث لأن يتخذ ذريعة إلى الطعن في خلافة أبي بكر لكنْ لـمّـا كانت

____________________

(١). شرح المصابيح - مخطوط.

٣٢٦

خلافته إجماعيةً - بزعمه - فلا مناص من الطّعن في سند حديث الطّير أو تأويله

٢ - بطلان دعوى أنّ في سنده مقالا ً

لكنّ دعوى « إنّ في سنده مقالاً لأهل النقل فلا يقاوم ما أوجب تقديم أبي بكر » باطلة فقد أثبتنا - بحمد الله - تواتر حديث الطير وقطعيّة صدوره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورأيت طرقه العديدة الصحيحة، وتصريحات أكابر أعلام القوم بصحته بقطع النظر عن تواتره فلو كان بعد ذلك لأحدٍ مقال في سنده فهو مردود عليه.

٣ - بطلان دعوى المعارضة

ومن العجيب: أنّ هذا المحدِّث المتّبحر لم يفهم أن أخبار أهل السنّة - وإنْ بلغت عندهم في الصّحة أعلى درجاتها - لا تكون حجة على الآخرين، فقوله: « هذا الحديث لا يقاوم ما أوجب تقديم أبي بكر والقول بخيريّته من الأخبار الصحاح » ساقط في الغاية.

٤ - بطلان دعوى الإجماع على خلافة أبي بكر

وأيضا يريد هذا المحدّث ردّ حديث الطير لمخالفته للإجماع المزعوم على خلافة أبي بكر لكن أين الإجماع على ذلك؟ لقد ثبت وهن التمسّك بهذا الإِجماع في كتب الإِمامية من المتقدمين والمتأخرين مثل ( تشييد المطاعن ) وغيره، بما لا مزيد عليه والمؤمن لا يجوّز رفع اليد عن حديث صادَر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقطع واليقين بهكذا دعوى لا أساس لها من الصحة أصلاً

٣٢٧

٥ - بطلان قوله: إن الصّحابي الذي يرويه ممّن دخل في الإِجماع

وأمّا دعوى أن « الصّحابي الذي يرويه ممّن دخل في هذا الإِجماع واستقام عليه مدّة عمره ولم ينقل عنه خلافه » فمردودة، لأنّ رواية هذا الحديث غير منحصرة في أنس بن مالك كي يكون لهذه الدعوى حظٌّ من الواقعية، بل لقد ثبت أن غير أنسٍ من الصّحابة كسيدّنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وابن عباس، وأبي الطّفيل، وغيرهم، يروون حديث الطّير. ومن المعلوم أنّ دخول أمير المؤمنينعليه‌السلام وابن عبّاس في الإِجماع المزعوم في حيّز المنع والإِمتناع، وعدم نقل الخلاف عنهما باطل محض، بل الدلائل على إبطال أمير المؤمنينعليه‌السلام - وكذا ابن عبّاس وسائر بني هاشم بل غيرهم - خلافة أبي بكر لا تحصى وفي كتاب ( المعارف ) إن أبا الطفيل كان من غلاة الرّوافض(١) فكيف يقال بأنه ممّن دخل في الإِجماع المدّعى واستقام عليه مدّة عمره ولم ينقل عنه خلافه؟

على أنّ سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام استدلّ - فيما استدل في الشورى - بحديث الطّير على أحقيّته بالخلافة، وقد سلّم القوم جميعاً كلامه وقد جاء في حديث احتجاجه على القوم بفضائله قوله لهم:

« بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق، فسمعت وأطعت مخافة أنْ يرجع الناس كفّاراً يضرب بعضهم رقاب بعضٍ بالسيف، ثمّ بايع أبو بكر لعمر وأنا والله أولى منه بالأمر منه، فسمعت وأطعت مخافة أنْ يرجع الناس كفّاراً، ثمّ أنتم تريدون أنْ تبايعوا عثمان! إذا لا أسمع ولا اُطيع، إنّ عمر جعلني في خمسةِ نفرٍ أنا سادسهم، لا يعرف لي فضل في الصلاح ولا يعرفونه لي كما نحن فيه شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أنْ أتكلَّم ثم لا يستطيع عربيّهم

____________________

(١). كتاب المعارف: ٦٢٤.

٣٢٨

ولا عجميّهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك ردّ خصلة منها ».

ولو سلّمنا ما ذكره من دخول رواة حديث الطّير من الصّحابة في الإِجماع وعدم نقل خلافٍ عنهم فأيّ ضرورةٍ لتوجيه هذا الحديث على وجهٍ لا ينافي اعتقادهم بخلافة أبي بكر؟ إنّه كثيراً ما يتّفق اعتراف الشخص بالحق وهو لا يعتقده، وذاك مصداق

قولهعليه‌السلام : « الحق يعلو ولا يعلى عليه ».

٦ - صرف ألفاظ الشّارع عن ظاهرها حرام

ثمّ إنّ التأويل كيفما كان، ومن أيّ أحدٍ كان، بلا مجوّز، غير جائز وهذا شيء نصَّ عليه كبار العلماء وأرسلوه إرسال المسلّمات قال المنّاوي بشرح حديث: « إتّقوا الحديث عنّي إلّا بما علمتم »: « قال الغزالي: ومن الطامات: صرف ألفاظ الشارع عن ظاهرها إلى أُمورٍ لم تسبق منها إلى الإِفهام كدأب الباطنية، فإن الصَّرف عن مقتضى ظواهرها من غير اعتصامٍ فيه بالنقل عن الشارع، وبغير ضرورة تدعو إليه من دليلٍ عقلي، حرام »(١) .

ولا ريب في أنّ ما فعله التوربشتي في حديث الطير من أظهر مصاديق هذا الموضوع المتوجّه إليه هذا الحكم.

٧ - دعوى أن ما دلّ على تقديم أبي بكر أصحّ متناً وإسناداً باطلة

وأمّا دعوى أنّ حديث الطير يخالف ما هو أصحّ متناً وإسناداً فباطلة:

أمّا أوّلاً: فلأنَّ الفضائل الموضوعة والمناقب المصنوعة موهونة على أُصولهم، كما فصّل في كتاب ( شوارق النّصوص ). وأمّا ثانياً: فلأنَّ تلك الأحاديث حتّى لو صحّت عند أهل السنّة فليست بحجةٍ على خصومهم.

____________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ / ١٣٢.

٣٢٩

٨ - سخافة التأويل بتقدير « مِن »

وأمّا ما ذكره من تقدير « من » وحمل « أحبّ الخلق » على « من أحبّ الخلق » فسخيف في الغاية، وقد عرفت ذلك في جواب كلام ( الدهلوي ).

مضافاً إلى أنه - بناءً على هذا التأويل - يكون كلٌّ من المشايخ الثلاثة المفضَّلين على غيرهم بإجماع الاُمة - كما زعم - داخلاً في دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و « من أحبّ الخلق إلى الله »، فلما ذا جعل الله سبحانه علياًعليه‌السلام مصداق الدعاء ومَن طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجيئه إليه، ولم يجعله أحد الثلاثة المفضَّل كلٌّ منهم عليهعليه‌السلام كما زعم؟!

وأيضاً، لو كان كذلك لم يكن من المناسب أنْ يردَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشايخ الثلاثة بعد مجيء الواحد منهم تلو الآخر كما ثبت من رواية أبي يعلى، إلّا أنْ يقال بأن الله تعالى أجاب دعوة النبيّ وأتاه بأحبّ الخلق إليه لكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّهم خلافاً لمرضاة ربّه!!

ولكنّ هذا ممّا يهدم أركان الإِيمان، وإنْ لا يبعد إلتزامهم به! ألا ترى ( الدهلوي ) - في مقام الجواب عن مطعن حديث القرطاس - ينكر أن تكون جميع أقوال النبيّ وأفعالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطابقة للوحي الإلهي؟!!

لكنّ الإِصرار على هذا التأويل العليل - والالتزام بهذا اللّازم الفاسد الشنيع - ينجرّ إلى سقوط عمدة أدلّتهم عن الاستدلال، وهو تمسكّهم بقوله تعالى:( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) على أفضلية أبي بكر. وقد بيّنا وجه ذلك فهل يبقون على إصرارهم؟!!

٩ - وجوه الرّد على طعنه في العموم باستلزامه دخول النبي

وأمّا قوله: « وممّا يبيّن لك أنّ حمله على العموم غير جائز هو: أنّ

٣٣٠

النبيّ » فمن أعاجيب، الهفوات وقد كنّا نظنّ أنّ صدور هذا وأمثاله من المتسنّنين المتأخرّين من قلة ممارستهم لكلام العرب وقصر باعهم في فنون الأدب، لكن صدوره من مثل التوربشتي يبيّن لك أنّ الباعث على هذا ونحوه هو التعصب الأعمى للباطل والسقوط في دركات الهوى وكيف كان، فإنّ الجواب عمّا ذكره من وجوه:

الوجه الأوّل:

إنّ أحبيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الله من أمير المؤمنينعليه‌السلام أمر ثابت في أصل الشرع بالأدلّة القطعيّة، وعليه الإِجماع من الشيعة الإِمامية والمخالفين لهم قاطبة، فمن الضروري رفع اليد عن عموم حديث الطّير كيلا يشمل نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذ ليس لتخصيص غيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل فالحديث بالنسبة إلى من عدا النبيّ باق على عمومه. وتمسّك التوربشتي للتخصيص الزائد « بالنّصُوص الصحيحة وإجماع الاُمة » فباطل. أمّا بالنظر إلى النصوص الصّحيحة فلا نصّ صحيح على أحبيّة أبي بكر وعمر وعثمان - الذين زعم أفضليتهم بإجماع الاُمة - إلى الله وما يرويه أرباب الكذب والإِفتراء في باب أحبيّة الشيخين إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّما هو كذب مفتعل، مضافاً إلى أنَّ أحداً من أرباب الكذب لم يرو في باب أحبيّة عثمان إليه حديثاً ولو مفترى عليه. وأمّا بالنّظر إلى إجماع الاُمّة فدعوى قيامها على أحبيّة أولئك فمن أعاجيب الأكاذيب، لوضوح أنّ الإِمامية الأثني عشرية بل جمهور الشيعة ينفون أصل المحبوبيّة عنهم فضلاً عن الأحبيّة، فأين إجماع الاُمّة؟ وهل يرى التوربشتي أو غيره خروج فرق الشيعة عن الاُمّة؟

لكنّ دعوى خروج فرق الشيعة عن الاُمّة وانحصارها في أهل نحلته لا تخلّصه من الورطة وذلك:

٣٣١

أوّلاً : ما الدليل على قيام إجماع أهل السنّة على أحبيّة القوم؟ ولو كان يكفي مجرد دعوى الإِجماع لجاز لكلّ أحدٍ دعواه على مدّعاه.

وثانياً : سلّمنا، فما الدّليل على حجية إجماعهم على غيرهم؟

وثالثاً : إنّك قد عرفت أن أبا ذر وبريدة كانا يقولان بأحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأنّ عائشة قد اعترفت بذلك غير مرّة حتى أنّها قالت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والله لقد علمت أنّ علياً أحبّ إليك من أبي » كما ورد عنها ما يدلّ بصراحة على أحبيّة فاطمة الزهراءعليها‌السلام واُسامة بن زيد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... فيكون هؤلاء خارجين عن الإجماع على أحبيّة المشايخ، وإذا خرج أبو ذرّ وبريدة وعائشة ورسول الله نفسه عن هذا الإِجماع فإنّ وصفه بإجماع الاُمة عجيب!! وكما ظهر بطلان دعوى إجماع الامّة على ما نحن فيه لخروج جملة من الأصحاب عنه يظهر بطلانه أيضا من خروج: الحسن البصري - من التابعين - والمأمون العباسي - من حكّام أهل السنّة - ويحيى بن أكثم وغيره - من كبار قضاتهم - والشيخ أبي عبد الله البصري، والحاكم النيسابوري، وقاضي القضاة عبد الجبار، ومحمّد بن طلحة الشافعي، ومحمّد بن يوسف الكنجي، وجلال الدين الخجندي، وشهاب الدين أحمد، ومحمّد بن إسماعيل الأمير وغيرهم من كبار علمائهم المعترفين بالأحبيّة المطلقة لأمير المؤمنينعليه‌السلام

وأيضا، فإنّ كثيرا من الأصحاب والتابعين وعلماء الإسلام يقولون بأفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام مطلقا، وبين الأفضلية والأحبيّة تلازم كما هو واضح.

وأيضاً، فإنَّ كثيرين منهم فضّلوه على عثمان، فيلزم خروجهم عن الإِجماع المدّعى، للتلازم بين الأفضليّة والأحبيّة

وأيضاً، فإنَّ كثيرين منهم في مسألة الأفضلية متوقّفون فدخولهم في

٣٣٢

الإِجماع المزعوم غير معلوم.

الوجه الثاني:

لقد نصَّ أكابر المحققين على أنَّ المتكلِّم خارج عن عموم كلامه، وبناءً على هذه القاعدة فإنّ النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - غير داخل من أوّل الأمر في عموم « أحبّ الخلق » في حديث الطير، وعلى هذا أيضاً تبطل دعوى عدم عمومه، ولنذكر عبارةً واحدةً فيها التصريح بالقاعدة المذكورة:

قال شيخ الإِسلام عبد الله بن حسن الدين ابن جمال الدين الأنصاري المعروف بمخدوم الملك في كتاب ( عصمة الأنبياء ): « إتفق المليّون واجتمعت على أنّهم معصومون قبل البعثة وبعدها من الكفر الحقيقي الإِختياري، غير أنّ الأزارقة والفضليّة من الخوارج يجوّزون صدور ذلك منهم، لا بمعنى فساد العقيدة في التوحيد والجهل في معرفة الذات والصّفات، بل باعتبار أنَّ كل ذنبٍ كفر عندهم، وصدور الذنب عنهم جائز، فوقوع الكفر عنهم يكون كذلك. وعن الإِضطراري - أيْ إظهاره تقيةً - خلافاً للشيعة، فإنّهم يجوّزون إظهار الكفر تقيةً، بل أوجبه بعضهم. ومعصومون عن الكفر الحكمي أيضاً، بمعنى أنّه لا يحكم عليهم في صباهم بالكفر تبعاً للأبوين ولا تبعاً للدار، فإنّهم مولودون على الفطرة والمعرفة بالله وصفاته وتوحيده، وهم نشأوا على المعرفة من بدو خلقتهم وأوّل فطرتهم، ومن طالع سيرتهم مذ صباهم إلى مبعثهم يعلم ذلك يقيناً، ثم لم يقدر آباؤهم أن يغووهم عن الفطرة، لكونهم عرفاء بالله تعالى، عقلاء لدينه، مختارين لتوحيده بتأييده. وإسلام الصبي الذي يعقل ديناً صحيح، وعقلهم في هذه الحالة من فضله ورحمته عليهم، والله يختصُّ برحمته من يشاء، فلا يكونون أتباعاً للآباء.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من مولود إلّا يولد على فطرة الإِسلام وأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه » فليس على عمومه على ما لا يخفى، مع

٣٣٣

أنَّ المتكلّم لا يدخل تحت الحكم، صرّح به أئمّة الحديث ».

الوجه الثالث:

إنّه لو تأمّل التوربشتي في لفظ الحديث لَما تفوّه بهذا الذي تفوّه به إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « اللّهم ائتني » فطلب من الله إتيان « أحبّ الخلق » إليه وحضوره عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا عند غيره فلم يكن داخلاً في عموم كلامه من أوّل الأمر وهذا ظاهر كلّ الظّهور، ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له نور.

الوجه الرابع:

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الطّير: « يأكل معي هذا الطّير » وهل يعقل أن يكون هو نفسه مصداقاً لقوله هذا فيكون المؤاكل نفسه؟

الوجه الخامس:

إنّ في كثيرٍ من طرق الحديث بعد لفظ « أحبّ خلقك إليك » أو نحوه لفظ « وإلى رسولك » أو نحوه وهذا صريح في أنَّ السؤال لغيره، وأن الدعاء لا يشمل نفسه، ولنعم ما أفاد العلّامة ابن بطريق:

« قد سأل الله تعالى أن يأتيه بأحبّ خلقه إليه وإلى رسوله، وتردّد السؤال من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك، وفي الجميع لم يأت إلّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فثبت أنّه دعوة الرسول. وإذا كانت المحبّة من الله تعالى له هي إرادة تعظيمه ورفعته ودنوّه منه وقربه من طاعته وقد سألها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلفظة « أفعل » وهي مما يبالغ به في المدح، لأنّه قال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك، و « الأحبّ » على وزن « أفعل » فصارت هذه غاية المدحة له، وإذا كان الله تعالى يريد قربه ورفعته

٣٣٤

وتعظيمه زيادةً على كافة خلقه، فقد ثبت مزيّته على سائر الخلق، بدليلٍ ثابت وهو سؤال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك. وإذا كان أحبّ خلق الله تعالى إليه وجب الإِقتداء به دون غيره، وهذا غاية التنويه بذكره ودعاء الخلق إلى اتّباعه.

وفي هذه المدحة أيضاً قطع النظارة له، لأنّه إذا كان أحبّ خلق الله تعالى ولا مماثل له في ذلك أحد، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارج من هذه الدعوة، يدلّ على ذلك قوله حين رآه: اللهم وإليّ، وفي الخبر الآخر يقول:

إليك وإلى رسولك. ثبت أنّ السؤال لمن عداه، لئلّا يعترض معترض على هذا الكلام. ومن كان أحبّ خلق الله تعالى إليه وأحبّ خلق الله إلى رسوله فقد عدم نظيره ووجب تفردّه بعلوّ المنزلة عند الله تعالى وعند رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إنْ عدّ أهل التُّقى كانوا أئمّتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم خلق وإنْ كرموا »(١)

ولا يخفى أنّه لما لم يكن دخول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عموم « أحبّ خلقك إليك » متبادراً إلى الأفهام ولا وجه لصّحة دعواه من أحدٍ، فقد ذكر المحبّ الطّبري حديث الطير تحت عنوان « ذكر أنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

١٠ - وجوه الردّ على التأويل بإرادة الأحبّ من بني عمّه

وقول التوربشتي: « فيأوّل هذا الحديث على أنّه أراد به أحبّ خلقه إليه من بني عمّه وذويه » فتعصّب بحت، وإلّا فإنّه غير نافع له أبداً لوجوه:

____________________

(١). العمدة: ٢٥٢ - ٢٥٣.

٣٣٥

الوجه الأوّل:

إنّه لا يقتضي وجه من الوجوه - ولو كان سخيفاً - هذا التأويل، ودعوى أنّه مقتضى أفضليّة الشيخين مصادرة على المطلوب.

الوجه الثاني:

إنّه تأويل من غير دليل شرعي أو ضرورة عقليّة، وقد تقدّم أنّ صرف كلام الشارع عن مقتضى ظاهره من غير اعتصام فيه بالنقل عنه وبغير ضرورة حرام.

الوجه الثالث:

إنّه تخصيص بلا مخصّص، فهو غير صحيح وغير مسموع وهذه قاعدة مسلَّمة، قال المنّاوي بشرح: « إتّقوا الحديث عنّي إلّا بما علمتم فمن يكذب عليَّ متعمّداً فليتبوّء مقعده من النار » قال: « قال الطيّبي: الأمر بالتبوّء تهكّم وتغليظ، إذ لو قيل: كان مقعده في النار لم يكن كذلك، والكذب عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكبائر الموبقة والعظام المهلكة، لإِضراره بالدين وإفساده أصل الإِيمان، والكاذبون عليه كثيرون، وقد اختلفت طرق كذبهم كما هو مبين في مبسوطات اُصول كتب الحديث. قال بعضهم: وعموم الخبر يشمل الكذب في غير الدين، ومن خصَّ به فعليه الدليل»(١) .

الوجه الرابع:

لقد جاء في صريح الأحاديث المعتبرة الكثيرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفضيل قريش على غيرها، ثمّ تفضيل بني هاشم من قريش على

____________________

(١). فيض القدير ١ / ١٣٢.

٣٣٦

غيرهم وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يزل من خيارٍ في خيار فلو سلّمنا كون المراد أنّ علياًعليه‌السلام أحبّ الخلق من بني عمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذويه لم يناف مدلول الحديث مطلوب أهل الحق لأنّ المفروض كون بني عمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير الخلق مطلقاً، فيكون عليعليه‌السلام أحبّ خير الخلق وهو المطلوب.

وقال محبّ الدين الطبري: « ذكر ما جاء في أنّه أفضل من ركب الكور بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عن أبي هريرة -رضي‌الله‌عنه - قال: ما احتذى النعال ولا انتعل، ولا ركب المطايا ولا ركب الكور بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من جعفر. خرّجه الترمذي وقال: حسن صحيح »(١) .

فإذا كان جعفر أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بحسب هذا الحديث - فهو أحبّ الناس إليه، لأنّ الأحبيّة تابعة للأفضليّه ومقتضى التأويل المذكور أن يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ إلى رسول الله من جعفر، فهو أحبّ الخلق إليه مطلقاً. وهو المطلوب.

الوجه الخامس:

لقد دلَّت الأحاديث الكثيرة الصحيحة على أفضلية أهل البيتعليهم‌السلام من جميع الخلق، فهم أحبّ الخلق إلى الله والرسول فيكون أمير المؤمنينعليه‌السلام - الذي هو أحبّ أهل البيت - أحبّ الخلق مطلقاً.

الطَّيِّبي

وقال الحسين بن عبد الله الطيّبي - شارح مشكاة المصابيح - بشرح حديث

____________________

(١). ذخائر العقبى: ٢١٧.

٣٣٧

الطير:

« قوله: بأحبّ خلقك إليك.

التوربشتي: نحن وإنْ كنّا لا نجهل - بحمد الله - فضل عليرضي‌الله‌عنه وقدمه وسوابقه في الإِسلام واختصاصه برسول الله

أقول : والوجه الذي يقتضيه المقام هو الوجه الثّاني، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكره أن يأكل وحده، لأنّه ليس من شيمة أهل المروّة، فطلب من الله أنْ يتيح له من يؤاكله، وكان ذلك براً وإحساناً منه إليه، وأبرّ المبرّات برّ ذي الرحم وصلته، كأنّه قال: بأحبّ خلقك إليك من ذوي القرابة ومن هو أولى بإحساني وبرّي إليه »(١) .

أقول:

لقد أورد الطّيبي كلام التوربشتي في تأويل هذا الحديث بنصّه ثمّ أعرض عن الوجه الأوّل لسخافته وأيدّ الوجه الثاني من وجهي التأويل بما ذكر، لكنَّ ما جاء به تأييداً لما تقوّله التوربشتي باطل من وجوه:

١ - لو كان الدعاء لكراهة الأكل وحده فقد كان أنس وغيره عنده

إنّه لا ريب في حضور أنس بن مالك وسفينة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قضيّة الطائر وساعة سؤاله من الله سبحانه أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه، فلو كان السّبب في دعائه هو « أنّه كان يكره أن يأكل وحده لأنّه ليس من شيمة أهل المروّة » لكان يكفي أكل أحد الحاضرين معه، ولم يكن حاجة لطلب غيره لا مرةً بل مرّات.

____________________

(١). الكاشف - شرح المشكاة - مخطوط.

٣٣٨

٢ - لو كان الغرض المؤاكلة فلماذا ردّ المشايخ؟

ولو كان الغرض أنْ لا يأكل وحده « فطلب من الله أن يتيح له من يؤاكله » كما يقول الطيّبي، فلما ذا ردّ المشايخ الثّلاثة الواحد بعد الآخر، كما في حديثي أبي يعلى والنسائي؟ اللّهم إلّا أنْ يضطّر الطيبي لأنْ يعترف بعدم أهليّتهم للمؤاكلة معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

٣ - لو كان المطلوب المؤاكلة والبرّ لكان أهل الحاجات أولى

ولو كان المطلوب هو إتاحة من يؤاكله، وليكون منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « برا وإحسانا منه إليه » فقد كان المناسب أن يأتيه الله تعالى ببعض الجائعين وأهل الحاجات والمساكين، لا أنْ يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام المصداق الوحيد لدعائه، لأنّ أولئك - وإنْ كان عليعليه‌السلام ذا رحم، وأبرّ المبرّات برّ ذي الرحم وصلته - هم أولى من جهة إفتقارهم وشدّة فاقتهم

٤ - لو سلّمنا أولويّة ذي الرحم ففاطمة أولى من علي

سلّمنا تقدّم ذي الرّحم في البرّ والإِحسان والصّلة على غير ذي الرّحم مع شدّة افتقار الغير، لكنْ ما كان المناسب أن يكون عليعليه‌السلام مورد انطباق الدعاء واستجابته، لكون فاطمةعليها‌السلام أولى منه بالبرّ والإِحسان في ذوي القرابة القريبة، فكان اللازم أن تكون هي المصداق لدعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ - رجاء أنس أنْ يكون رجلاً من الأنصار يبطل هذا الإِحتمال

ولو كان مراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من « أحبّ خلقك إليك » هو « أحبّ خلقك إليك من ذوي القرابة القريبة ومن هو أولى بإحساني وبرّي

٣٣٩

إليه » كما زعم الطيبي، فلما ذا رجا أنس بن مالك أن يكون رجلاً من الأنصار؟ ألم يعلم أنس أنْ لا قرابة بينه وبين الأنصار، وأنَّهم ليسوا بأولى الناس بإحسانه وبرّه؟

إنّ من الطّريف قول الطيبي نقلاً عن التوربشتي أنّه « قد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلق القول وهو يريد التقييد، ويعمّ به ويريد تخصيصه، فيعرفه ذو الفهم بالنظر إلى الحال والوقت، أو الأمر الذي هو فيه » فإنّه يقول هذا ولا يعبأ بفهم أنس الذي فهم ما يخالف هذا التأويل العليل الذي أورده، مع أنَّ أنساً عندهم من ذوي الفهم!!

أضف إلى هذه الوجوه: أنّ كثيراً من ألفاظ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث واضحة على بطلان هذا التأويل، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« اللّهم جئني بأحبّ خلقك وأوجههم عندك ».

و « اللّهم ائتنا بخير خلقك ».

و « اللّهم أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليَّ من الأوّلين والآخرين ».

و « الحمد لله الذي جعلك، فإني أدعو في كلّ لقمة أنْ يأتيني الله أحبّ الخلق إليه وإليَّ فكنت أنت ».

و « أبى الله يا أنس إلّا أنْ يكون علي بن أبي طالب ».

و « ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ».

و « أوَفي الأنصار خير من علي؟ » أو « أفضل من علي ».

وغير ذلك.

الخلخالي

تأويل التوربشتي فقط

وقال شمس الدين محمّد بن مظفر - شارح مصابيح السنّة - بشرح

٣٤٠