نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 319526 / تحميل: 7090
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

بالباب فقال لي: استأذن لي، فلم آذن له. وفي رواية: انه قال ذلك ثلاثاً، فدخل بغير إذني، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الذي أبطأ بك يا علي؟ فقال: يا رسول الله، جئت لأدخل فحجبني أنس. فقال: يا أنس لِمَ حجبته؟ فقال: يا رسول الله، لما سمعت الدعوة أحببت أن يجئ رجل من قومي فتكون له. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تضر الرجل محبة قومه ما لم يبغض سواهم »(١) .

ترجمته:

كحّالة : « فقيه، أُصولي، أديب، ناثر، ناظم، مؤرّخ، مشارك في أنواعٍ من العلوم، من مؤلَّفاته الكثيرة »(٢) .

(١٣٤)

رواية بهجت افندي

المتوفى سنة: ١٣٥٠.

رواه في ( تاريخ آل محمّد: ٣٨ ) وترجمه إلى الفارسية وأوضح مدلوله ومعناه.

(١٣٥)

رواية منصور ناصف

وهو: الشيخ منصور علي ناصف، المتوفى بعد سنة: ١٣٧١، من علماء الأزهر.

____________________

(١). تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٤٤٣.

(٢). معجم المؤلفين ٥ / ٢٨٣.

١٠١

قال:

« عن أنس -رضي‌الله‌عنه - قال: كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي فأكل معه ».

وقال بشرحه:

« فيه: إنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - أحبّ الخلق إلى الله تعالى »(١) .

ترجمته:

ويكفي للوقوف على شخصية الرّجل العلمية ومزايا كتابه المذكور النظرُ في التقاريظ الصادرة عن علماء عصره والمطبوعة في مقدمة كتابه، فلاحظ.

١٠٢

تفنيد مزاعم

الكابلي والدهلوي حول

سند حديث الطّير

١٠٣

١٠٤

قوله:

« الحديث الرّابع ما رواه أنس: إنّه كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له أو أُهدي إليه، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي من هذا الطير. فجاءه علي ».

تصرّفات ( الدهلوي ) في الحديث وتلبيساته لدى نقله

أقول:

( للدهلوي ) هنا تسويلات وتعسّفات نشير إليها:

(١) من الواضح جدّاً أنّ علماء الإماميّة، كالشيخ المفيد، وابن شهر آشوب وأمثالهما، يثبتون تواتر هذا الحديث، ولهم في ذلك بيانات وتقريرات. فكان على ( الدهلوي ) أن يشير إلى تواتر هذا الحديث - ولو عن الإِمامية، ولو مع تعقيبه بالردّ - لكنّ إعراضه عن ذكر ذلك ليس إلّا لتخديع عوام أهل نحلته، كيلا يخطر ببال أحدٍ منهم، ولا يطرق آذانهم تواتر هذا الحديث، حتّى نقلاً عن الإِماميّة.

١٠٥

لكن ثبوت تواتره - حسب إفادات أئمة أهل السنّة - بل قطعيّة صدوره ومساواته للآية القرآنية في القطعية - حسب إفادة ( الدهلوي ) نفسه، كما عرفت ذلك كلّه - يكشف النّقاب عن تسويل ( الدهلوي ) وتلبيسه والله يحق الحقّ بكلماته.

(٢) إنّ قوله: « ما رواه أنس » تخديع وتلبيس آخر، إنّه يريد - لفرط عناده وتعصّبه - إيهام أنّ رواية هذا الحديث منحصرة في أنس بن مالك، وأنّه لم يرو عن غيره من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لكن قد عرفت أنّ رواة هذا الحديث يروونه عن عدّة من الصحابة عن الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم:

١ - أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢ - أنس بن مالك.

٣ - عبد الله بن العباس.

٤ - أبو سعيد الخدري.

٥ - سفينة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ - سعد بن أبي وقاص.

٧ - عمرو بن العاص.

٨ - أبو الطفيل عامر بن واثلة.

٩ - يعلى بن مرّة.

ولا يتوّهم: لعلّ ( الدهلوي ) إنّما نسبه إلى أنس بن مالك فحسب، لانتهاء طرق أكثر الرّوايات إليه، وليس مراده حصر روايته فيه.

لأنّ صريح عبارته في فتواه المنقولة سابقاً أنّ مدار حديث الطير بجميع طرقه ووجوهه على أنس بن مالك فحسب

(٣) إنّه بالإِضافة إلى ما تقدّم كتم كثرة طرق هذا الحديث ووجوهه عن أنس.

١٠٦

(٤) إنّه - بالإِضافة إلى كلّ ما ذكر - لم يذكر لفظاً كاملاً من ألفاظ الخبر عن أنس بن مالك، المتقدمة في أسانيد الحديث.

(٥) إنّه قد ارتكب القطع والتغيير في نفس هذا اللّفظ الذي ذكره بحيث أنّا لم نجد في كتاب من كتب الفريقين رواية حديث الطير بهذا اللّفظ بل إنّ لفظه لا يطابق حتى لفظ الكابلي المنتحل منه كتابه وهذه عبارة الكابلي كاملةً:

« الرابع: ما رواه أنس بن مالك: إنّه كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له فقال: اللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي. فجاء علي، فأكله معه.

وهو باطل، لأنّ الخبر موضوع، قال الشيخ العلّامة إمام أهل الحديث شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الدمشقي الذهبي في تلخيصه: لقد كنت زمناً طويلاً أظنّ أنّ حديث الطير لم يحسن الحاكم أن يودعه في مستدركه، فلمـّا علّقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه.

وممّن صرّح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري.

ولأنّه ليس بناص على المدّعى، فإنّ أحبّ الخلق إلى الله تعالى لا يجب أنْ يكون صاحب الزعامة الكبرى كأكثر الرسل والأنبياء.

ولأنّه يحتمل أن يكون الخلفاء غير حاضرين في المدينة حينئذٍ، والكلام يشمل الحاضرين فيها دون غيرهم، ودون إثبات حضورهم خرط قتاد هوبر.

ولأنّه يحتمل أن يكون المراد بمن هو من أحبّ الناس إليك كما في قولهم فلان أعقل الناس وأفضلهم. أي من أعقل وأفضلهم.

ولأنّه اختلف الروايات في الطير المشوي، ففي رواية هو النحام، وفي رواية إنّه الحبارى، وفي أُخرى إنّه الحجل.

ولأنّه لا يقاوم الأخبار الصحاح لو فرضت دلالته على المدّعى ».

فقد أضاف ( الدهلوي ) جملة « أو أهدي إليه ». ونقص جملة « فأكله معه »

١٠٧

بتغيير « فجاء علي » إلى « فجاءه علي ».

ثمّ إنّ ( الدهلوي ) وضع - تبعاً للكابلي - كلمة « أحبّ الناس » في مكان « أحبّ الخلق» فلماذا هذا التبديل والتغيير منهما؟ والحال أنّه لم يرد لفظ « أحبّ الناس » في طريقٍ من طرق حديث الطّير، لا عند السابقين ولا اللّاحقين من أهل السنّة وتلك ألفاظهم قد تقدمت في قسم السّند كما لا تجده في لفظٍ من ألفاظ الإِماميّة في شيء من موارد استدلالهم بحديث الطّير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

ولعمري، إنّ مثل هذه التبديلات والتصرّفات والتحريفات، لا يليق بمثل ( الدهلوي ) عمدة الكبار، بل هو دأب المحرّفين الأغمار، وديدن المسوّلين الأشرار والله الصائن الواقي عن العثار.

اختلاف الرّوايات في الطير غير قادح في الحديث

قوله:

« واختلفت الرّوايات في الطير المشوي، ففي رواية إنّه النحام، وفي رواية إنّه حبارى، وفي رواية إنّه حجل ».

أقول:

لا أدري ما ذا يقصد ( الدهلوي ) من ذكر اختلاف الروايات في الطير المشوي!! إنْ أراد أن ذلك موجود في كلمات علماء الإِماميّة، فهو محض الكذب والإِفتراء. وإنْ أراد إفهام كثرة تتّبعه في الحديث وإحاطته بألفاظ هذا الحديث بالخصوص، فهذا يفتح عليه باب اللّوم والتعيير، لأنّ معنى ذلك أنّه قد وقف على الطرق الكثيرة والألفاظ العديدة لهذا الحديث، ثمّ أعرض عن

١٠٨

جميعها، عناداً للحقّ وأهله. وإنْ كان ذكر هذا الإِختلاف عبثاً، فهذا يخالف شأنه، لا سيّما في هذا الكتاب الموضوع على الاختصار والإِيجاز، كما يدّعي أولياؤه.

لكنّ الحقيقة، إنّه قد أخذ هذا المطلب من الكابلي، كغيره ممّا جاء به، فقد عرفت قول الكابلي: « ولأنّه اختلفت الرّوايات في الطير المشوي، ففي رواية هو النحام، و في رواية إنّه الحبارى، و في أخرى إنّه الحجل ».

غير أنّ الكابلي ذكر هذا الاختلاف في وجوه الإِبطال بزعمه، وكأن ( الدهلوي ) استحيى من أن يورده في ذاك المقام، وإن لم يمكنه كف نفسه فيعرض عنه رأساً.

مجرّد اختلاف الأخبار لا يجوّز تكذيب أصل الخبر

وعلى كلّ حالٍ، فإنّ الإِستناد إلى إختلاف الروايات في « الطير المشوّي »، لأجل القدح والطعن في أصل الحديث، جهل بطريقة علماء الحديث أو تجاهل عنها، فإنّهم في مثل هذا المورد لا يكذّبون الحديث من أصله، ولا ينفون الواقعة التي أخبرت عنها تلك الأخبار، بل إنّهم يجمعون بينها بطرقٍ شتى، منها الحمل على تعدّد الواقعة هذا الطريق الّذي على أساسه الجمع بين الروايات المختلفة في واقعة حديث الطير

ولا بأس بذكر بعض موارد الجمع على هذا الطريق في كتب الحديث:

قال الحافظ ابن حجر - بعد ذكر الأحاديث المختلفة في رمي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوه الكفّار يوم حنين، حيث جاء في بعضها: أنّه رماهم بالحصى، وفي آخر: بالتراب، وفي ثالث: أنّه نزل عن بغلته وتناول بنفسه، وفي رابع: أنّه طلب الحصى أو التراب من غيره. واختلفت في المناول، ففي بعضها: إنّه ابن مسعود، وفي آخر: إنّه أمير المؤمنين علي عليه

١٠٩

السلام - قال ابن حجر:

« ويجمع بين هذه الأحاديث: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاً قال لصاحبه: ناولني، فناوله، فرماهم. ثمّ نزل عن البغلة فأخذه بيده فرماهم أيضاً، فيحتمل: أنه الحصى في إحدى المرتين، وفي الأخرى التراب. والله أعلم »(١) .

وقال الحافظ ابن حجر بشرح قول البرّاء بن عازب: « وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء »، وهو الحديث الثاني في باب غزوة حنين عند البخاري:

« وفي حديث العباس عند مسلم: شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث، فلم نفارقه. الحديث. وفيه: ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يركض بغلته قبل الكفّار. قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكفّها إرادة أنْ لا يسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه ».

قال ابن حجر: « ويمكن الجمع: بأنّ أبا سفيان أخذ أوّلاً بزمامها، فلمـّا ركّضها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس، فأخذ بلجام البغلة يكفّها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له، لأنّه كان عمه »(٢) .

وقال شهاب الدين القسطلاني(٣) بشرح قول البّراء: « ولقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بغلته البيضاء » وهو الحديث الرابع في باب غزوة حنين عند البخاري. قال:

« عند مسلم من حديث سلمة: على بغلته الشهباء. وعند ابن

____________________

(١). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٦.

(٢). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٤.

(٣). وهو: أحمد بن محمد، المتوفّى سنة: ٩٢٣، الضوء اللّامع ٢ / ١٠٣.

١١٠

سعد ومن تبعه: على بغلته دلدل. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، لأنّ دلدل أهداها له المقوقس، يعني لأنّه ثبت في صحيح مسلم من حديث العباس: وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. قال القطب الحلبي: فيحتمل أن يكون يومئذٍ ركب كلّا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلّا فما في الصحيح أصح »(١) .

وقال الشّامي(٢) : « السابع - البغلة البيضاء. وفي مسلم عن سلمة بن الأكوع: الشهباء التي كان عليها يومئذٍ أهداها له فَروة - بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو وبالتاء - ابن نفاثة - بنون مضمومة ففاء مخففة فألف فثاء مثلثة. ووقع في بعض الروايات عند مسلم فروة بن نعامة - بالعين والميم - والصحيح المعروف الأوّل.

ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممّن ألّف في المغازي: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على بغلته دلدل. وفيه نظر، لأنّ دلدل أهداها له المقوقس.

قال القطب: يحتمل أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركب يومئذٍ كلا من البغلتين، وإلّا فما في الصحيح أصّح »(٣) .

وقال القسطلاني: « حدّثني بالإِفراد عمرو بن علي - بفتح العين وسكون الميم - ابن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي قال: حدّثنا أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد قال: حدّثنا سفيان الثوري قال: حدّثنا أبو صخرة جامع بن شداد - بالمعجمة وتشديد الدال المهملة الاُولى - المحاربي قال: حدّثنا صفوان بن محرز - بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاء - المازني: قال: حدّثنا عمران بن حصين قال:

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٠٣.

(٢). محمد بن يوسف الصالحي، المتوفّى سنة: ٩٤٢، شذرات الذهب ٨ / ٢٥٠، كشف الظنون ٢ / ٩٧٨.

(٣). سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ٥ / ٣٤٩.

١١١

جاء بنو تميم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لهم: ابشروا - بهمزة قطع - بالجنّة يا بني تميم قالوا: أمّا إذا بشّرتنا فأعطنا من المال، فتغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء ناس من أهل اليمن - وهم الأشعريون - فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم: إقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلناها يا رسول الله كذا ورد هذا الحديث هنا مختصراً، وسبق تاماً في بدء الخلق، ومراده منه هنا قوله: فجاء ناس من أهل اليمن.

قال في الفتح: واستشكل بأنّ قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع، وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقب فتح خيبر سنة سبع. وأجيب: باحتمال أن يكون طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك »(١) .

وقال القسطلاني: « حدّثني بالإِفراد ولأبي ذر حدّثنا محمّد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي قال: حدّثنا أبو اُسامة حمّاد بن اُسامة، عن بريد بن عبد الله - بضم الموحدة وفتح الراء - ابن أبي بردة - بضم الموحدة وسكون الراء - عن جدّه أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعريرضي‌الله‌عنه أنّه قال: أرسلني أصحابي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسأله الحملان لهم - بضم الحاء المهملة وسكون الميم - أي ما يركبون عليه ويحملهم، إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك. فقلت: يا نبيّ الله، إنّ أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال: والله لا أحملكم على شيء، ووافقته، أي صادفته وهو غضبان ولا أشعر، أي والحال أني لم أكن أعلم غضبه، ورجعت إلى أصحابي حال كوني حزيناً من منع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحملنا، ومن مخافة أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وَجَد في نفسه، أي غضب عليّ، فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٣٩.

١١٢

فلم ألبث - بفتح الهمزة والموحدة بينهما لام ساكنة. آخره مثلثة - إلّا سويعة، - بضم السّين المهملة وفتح الواو مصّغر ساعة - وهي جزء من الزمان، أو من أربعة وعشرين جزء من اليوم والليلة، إذ سمعت بلالا ينادي، أي عبد الله بن قيس، يعني يا عبد الله، ولأبي ذرّ ابن عبد الله بن قيس: فأجبته. فقال: أجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوك، فلمـّا أتيته قال: خذ هذين القرينين وهاتين القرينتين. أي: الناقتين. لستة أبعرة. لعلّه قال: هذين القرينين - ثلاثاً - فذكر الراوي مرّتين اختصاراً.

لكن قوله في الرواية الاُخرى: فأمر لنا بخمس ذود. مخالف لما هنا.

فيحمل على التعدد، أو يكون زادهم واحداً على الخمس، والعدد لا ينفي الزائد »(١) .

فالعجب من الكابلي المتتبّع النظّار، كيف عرّض الحديث للقدح والإِنكار بمجرّد اختلاف الروايات في الطّير المشوي، ولم يقف على دأب خدّام الحديث النبوي، حيث أنّهم حملوا اختلاف كثير من الأحاديث على تعدّد الواقعة، وجعلوه حجة نافية للشبهات قاطعة، فليت شعري هل يقف الكابلي عن مقالته السمجة الشنيعة، ويتوب عن هفوته الغثة الفظيعة، أم يصرّ على ذنبه ويدع النصفة في جنبه، فيبطل شطراً عظيماً من الروايات والأخبار، ويعاند جمعاً كثيراً من العلماء والأحبار.

بطلان دعوى حكم أكثر المحدّثين بوضع الحديث

قوله:

« وهذا الحديث قال أكثر المحدّثين بأنّه موضوع ».

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٥٠.

١١٣

أقول:

هذا كذب مبين وتقوّل مهين فقد عرفت أنّ رواة هذا الحديث ومخرجيه في كلّ قرنٍ يبلغون في الكثرة حدّاً لا يبقى معه شكّ في تواتره وقطعيّة صدوره ووقوعه

وأيضاً قد عرفت أنّ حديث الطير مخرَّج في صحيح الترمذي الذي هو أحد الصحّاح الستّة التي ادّعى جمع من أكابرهم إجماع السابقين واللاحقين على صحّة الأحاديث المخرّجة فيها فيكون هذا الحديث صحيحاً لدى جميع العلماء الأعلام بل الْأُمة قاطبة

فهل تصدق هذه الدعوى من ( الدهلوي )؟

وهل من الجائز جهله برواية هؤلاء الذين ذكرناهم وغيرهم لحديث الطّير، وهو يدّعي الإِمامة والتبّحر في الحديث؟

لكن هذا القول من ( الدهلوي ) ليس إلّا تخديعاً للعوّام، وإلّا فإنّه لم ينسب القول بوضع هذا الحديث إلّا إلى الجزري والذهبي!! فيا ليته ذكر أسامي طائفة من « أكثر المحدّثين » القائلين بوضع حديث الطير!!

بل الحقيقة، إنّه لا يملك إلّا ما قاله وتقوّله الكابلي وقد عرفت أنّ الكابلي لم يعز هذه الفرية إلّا إلى الرجلين المذكورين فقط. لكن لما ذا زاد عليه دعوى حكم أكثر المحدثين بذلك؟

وسواء كان القول بالوضع لهذين الرجلين فحسب أو لأكثر أو أقلّ منهما فإنّه قول من أعمته العصبيّة العمياء، وتغلّب عليه العناد والشقاء، فخبط في الظلماء وعمه في الطخية الطخياء، وبالغ في الاعتداء وصرم حبل الحياء.

١١٤

حول نسبة القول بوضعه إلى الجزري

قوله:

« وممّن صرّح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري ».

أقول:

في أي كتابٍ قال ذلك؟

أوّلاً : في أيّ كتاب وأيّ مقام صرّح الجزري بوضع حديث الطير؟

لم يفصح ( الدهلوي ) عن ذلك كي نراجع ونطابق بين الحكاية والعبارة.

ولكن أنّى له ذلك وأين؟! فإنّ إمامه الكابلي أيضاً قد أغفل وأجمل، وكلّ ما عند ( الدهلوي ) فمأخوذ منه ومن أمثاله

كذب ( الدهلوي ) في نسبة القول بوضع حديث المدينة إليه

وثانياً : لقد عزا الكابلي القول بوضع حديث أنا مدينة العلم إلى الجزري، وقلّده ( الدهلوي ) في ذلك مع أنّ الجزري روى حديث المدينة بسنده، ولم يحكم بوضعه بل نقل عن الحاكم تصحيحه وهذه عبارته:

« أخبرنا الحسن بن أحمد بن هلال - قراءة عليه - عن علي بن أحمد بن عبد الواحد، أخبرنا أحمد بن محمّد بن محمّد - في كتابه من إصبهان - أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسين المقري، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو أحمد محمّد بن أحمد الجرجاني، أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا عبد الحميد بن بحر، أخبرنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي -رضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها.

١١٥

رواه الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى، حدّثنا محمّد بن رومي، حدّثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي وقال: حديث غريب. وروى بعضهم عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي. قال: لا يعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس. انتهى.

قلت: ورواه بعضهم عن شريك، عن سلمة ولم يذكر فيه عن سويد.

ورواه الأصبغ بن نباتة، والحارث، عن علي نحوه.

ورواه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها وقال الحاكم: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. و رواه أيضاً من حديث جابر بن عبد الله ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

أقول : فمن يرى النسبة بلا تعيين للكتاب ولا نقل لنصّ العبارة والكلام - ثمّ يرى كذب نسبة القول بالوضع في حديث أنا مدينة العلم - يقطع بكذب النّسبة في حديث الطير.

لو قال ذلك فلا قيمة له

وثالثاً : ولو فرضنا جَدَلاً وسلّمنا صدور مثل هذه الهفوة من الجزري، فلا ريب في أنّه لا يعبأ ولا يعتنى به، في قبال تصريحات أساطين الأئمة المحققين بثبوت حديث الطير وتحقق قصّته

قال ابن حجر وغيره: القول بوضعه باطل

ورابعاً : لقد تقدم قول السبكي في ( طبقاته ) بترجمة الحاكم: « وأمّا

____________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٦٩ - ٧١.

١١٦

الحكم على حديث الطير بالوضع، فغير جيد » وقول ابن حجر المكّي في ( المنح المكّية ): « وأمّا قول بعضهم: إنّه موضوع، وقول ابن طاهر: طرقه كلها باطلة معلولة، فهو الباطل ». فلو كان الجزري قد قال بذلك كان باطلاً.

الجزري متّهم بالمجازفة في القول

وخامساً : إنّ الجزري كان متّهماً لدى العلماء بالمجازفة في القول وبأشياء أُخرى كما لا يخفى على من راجع ترجمته. فلو كان قد قال في حديث الطير ما زعمه الكابلي و ( الدهلوي ) فهو من مجازفاته في القول.

وإليك عبارة السّخاوي بترجمته، المشتملة على ما ذكرنا:

« وقال شيخنا في ( معجمه ) خرّج لنفسه أربعين عشارية لفظها من أربعين شيخنا العراقي، وغيّر فيها أشياء ووهم فيها كثيراً، وخرّج جزءً فيه مسلسلات بالمصافحة وغيرها، جمع أوهامه فيه في جزء الحافظ ابن ناصر الدين، وقفت عليه وهو مفيد. وكذا انتقد عليه شيخنا في مشيخة الجنيد البلباني من تخريجه

ووصفه في ( الإِنباء ) بالحافظ الإِمام المقري ثم قال: وذكر أنّ ابن الخبّاز أجاز له، واتّهم في ذلك، وقرأت بخط العلاء ابن خطيب الناصريّة: أنّه سمع الحافظ أبا إسحاق البرهان سبط ابن العجمي يقول: لمـّا رحلت إلى دمشق قال لي الحافظ الصدر الياسوفي: لا تسمع من ابن الجزري شيئاً. انتهى. وبقيّة ما عند ابن خطيب الناصرية: إنّه كان يتّهم في أول الأمر بالمجازفة، وأنّ البرهان قال له: أخبرني الجلال ابن خطيب داريا: أن ابن الجزري مدح أبا البقاء السبكي بقصيدة زعم أنّها له، بل وكتب خطّه بذلك، ثم ثبت للممدوح أنّها في ديوان قلاقش.

قال شيخنا: وقد سمعت بعض العلماء يتّهمه بالمجازفة في القول، وأمّا

١١٧

الحديث فما أظنّ به ذلك، إلّا أنه كان إذا رأى للعصريّين شيئاً أغار عليه ونسبه لنفسه، وهذا أمر قد أكثر المتأخّرون منه، ولم ينفرد به.

قال: وكان يلقّب في بلاده: الإِمام الأعظم. ولم يكن محمود السّيرة في القضاء »(١) .

حول نسبة القول بوضَعه إلى الذّهبي

قوله:

« قال إمام أهل الحديث شمس الدين ابو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي في تلخيصه ».

أقول:

تصريح الذهبي بأنّ للحديث طرقاً كثيرة وأصلا ً

أوّلاً : قد عرفت سابقاً تصريح الذهبي بأنّ لحديث الطّير طرقاً كثيرة وأنّ له أصلاً، بل إنّ الذهبي أفرد طرقه بالتّصنيف، وعرفت أيضاً ذكر ( الدهلوي ) هذا في كتابه ( بستان المحدّثين )، وإقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود.

وعليه، فإنّ إقرار الذهبي بما ذكر يؤخذ به، ودعواه وضع الحديث لا يعبأ بها، إذ ليست إلّا عن التعصّب والعناد، ويبطلها إقراره المذكور. لكن العجب من ( الدهلوي ) كيف يحتّج بكلام الذهبي الصّادر عن البغض والتعصّب، ويُعرض عمّا اعترف به في ثبوت الحديث وأنّ له أصلاً؟ إنّه ليس إلّا التعصب والعناد إذ يقبل كلام الذهبي الباطل ولا يقبل كلامه الحق!!

____________________

(١). الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع ٣ / ٤٦٥.

١١٨

رجوعه عن كلامه الذي استند إليه الدهلوي وسلفه

وثانياً : لقد رجع الذهبي عمّا كان يدّعيه ونصّ على ذلك، فكيف أخذ ( الدهلوي ) بما قاله الذهبي في السابق، ولم يلتفت إلى رجوعه وعدوله عنه؟

لقد قال الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) ما نصّه: « محمّد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة المصري عن يحيى بن حسّان. فذكر حديث الطّير. وقال الحاكم: هذا على شرط البخاري ومسلم.

قلت : الكلّ ثقات إلّا هذا، فإنّه اتّهمته به، ثمّ ظهر لي أنّه صدوق.

روى عنه: الطبراني، وعلي بن محمّد الواعظ، ومحمّد بن جعفر الرافقي، وحميد بن يونس الزّيات، وعدة. يروي عن: حرملة، وطبقته.

ويكنّى أبا علاثة. مات سنة ٢٩١. وكان رأساً في الفرائض.

وقد يروي أيضاً عن: مكّي بن عبد الله الرعيني، ومحمّد بن سلمة المرادي، وعبد الله بن يحيى بن معبد صاحب ابن لهيعة.

فأمّا أبوه فلا أعرفه »(١) .

فظهر أنّ الذي قاله الذهبي - حول ما رواه الحاكم - كان قبل انكشاف حال « محمّد بن أحمد بن عياض » عنده إذ رواته الآخرون ثقات، فلمـّا ظهر له حاله وأنّه صدوق - ورأس في الفرائض وهو نصف الفقه - رفع اليد عمّا قاله، فالحديث عنده صحيح والحقّ مع الحاكم.

فسقط اعتماد الكابلي و ( الدهلوي ) على كلام الذهبي السابق.

قال السبكي وغيره: الذهبي متعصّب متهوّر

وثالثاً: ولو فرضنا أنّ الذّهبي لم يعترف بالحق والأمر الواقع الصحيح في

____________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٤٦٥.

١١٩

باب حديث الطير، وأنّه ليس بين أيدينا إلّا حكمه بوضعه فالحقيقة أنّه لا تأثير لكلامه ولا قيمة له حتى يعتمد عليه في مقام ردّ هذا الحديث، لأنّ كبار المحققين من أهل السنّة لم ينظروا إلى كلامه في موارد كثيرة من الجرح والتعديل بعين الاعتبار، لفرط تعصّبه، حتى خشي عليه بعض تلامذته يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وإليك شواهد من كلماتهم في هذا الباب:

قال السبكي بترجمة أحمد بن صالح المصري: « وممّا ينبغي أنْ يتفقّد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربّما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك، وإليه أشار الرّافعي بقوله: وينبغي أنْ يكون المزكّون برآء من الشحناء والعصبيّة في المذهب، خوفاً من أنْ يحملهم ذلك على جرح عدلٍ أو تزكية فاسق، وقد وقع هذا لكثير من الأئمة، جرحوا بناءً على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب.

وقد أشار شيخ الإِسلام، سيد المتأخرين تقي الدين بن دقيق العيد في كتابه ( الإِقتراح ) إلى هذا وقال: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من النّاس: المحدّثون والحكّام.

قلت : ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري: تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللّفظ، فيا لله والمسلمين! أيجوز لأحدٍ أنْ يقول: البخاري متروك؟ وهو حامل لواء الصناعة ومقدّم أهل السنّة والجماعة، ويا لله والمسلمين! أتجعل ممادحه مذام؟! فإنّ الحقّ في مسألة اللّفظ معه، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أنّ تلفظّه من أفعاله الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى؟ وإنّما أنكرها الإِمام أحمد لبشاعة لفظها.

ومن ذلك قول بعض المجسّمة في أبي حاتم ابن حبان: لم يكن له كثير دين! نحن أخرجناه من سجستان لأنّه أنكر الحدّ لله. فليت شعري! مَنْ أحق بالإِخراج؟ من يجعل ربّه محدوداً أو من ينزّهه عن الجسميّة!

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

ما أعلم رجلاً كان أحب إلى رسول الله من علي ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول الله من امرأته ».

وتاسعاً : إنّ بعض المنقول عنها في حق أمير المؤمنينعليه‌السلام مؤيَّد باليمين بخلاف ما رووه عنها في حق أبيها.

وعاشراً : إن أقوالها في حقّهعليه‌السلام مؤيَّدة ببراهين منها نفسها حيث قالت: « أنْ كان ما علمت صوّاماً قوّاماً » هكذا رواه الترمذي، وإن أطرح منه ولي الله الدهلوي هذه الجملة لدى نقله عن الترمذي! وفي لفظ آخر: « فو الله لقد كان صوّاما قوّاما، ولقد سالت نفس رسول الله في يده فردّها إلى فيه ». وليست هذه الأشياء في قولها في حق أبي بكر.

والحادي عشر : لو كان أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعنى مجرّد محبّة الإِنسان لأولاده وأقربائه، لما أجابت عائشة سؤال المرأة من الأنصار « أيّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »؟ فقالت: « علي بن أبي طالب »، لأن الأصحاب لم يكونوا منحصرين في الأولاد والأقارب، فالسؤال والجواب لم يكن في حدود الأولاد والأقرباء فقط، حتى يحمل ما ورد عن عائشة في أحبيّة الإمام إلى النبي على أنّه كان أحبّ الأولاد والأقرباء.

والثاني عشر : إنّ حمل كلامها على ذلك يبطله أيضاً قولها للنبيّ: « والله لقد علمت أن علياً أحبّ إليك من أبي » فما قالته لجميع بن عمير باقٍ على إطلاقه، وتأويله من قبيل تأويل الكلام بما لا يرضى صاحبه.

والثالث عشر : إنّه لو كان مرادها أحبيّة الإِمام إلى النبيّ من بين الأولاد والأقرباء فقط، لكان ذلك خير طريق لها للتخلّص عن تعيير جميع بن عمير وعروة بن الزبير ومعاذة الغفارية، لخروجها على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

والرابع عشر : إنه لو سلّمنا ما ادّعاه وليّ الله الدهلوي من أنّ مراد عائشة

٣٨١

- فيما روي عنها في أحبيّة الأميرعليه‌السلام إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنّه أحبّ إليه من بين الأولاد والأقرباء فإنّ ذلك لم يكن إلاّ اجتهادا منها في مقابلة النصّ الوارد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطباً إيّاها: « يا عائشة، إن هذا أحب الرجال إليّ وأكرمهم عليّ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه » ومن المعلوم أنْ لا اعتبار باجتهادها في مقابل النص عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل يظهر من ذلك كونها في مقام العناد والمخالفة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا حال وليّ الله الدهلوي الذي يحاول تثبيت التأويل المذكور، وحال غيره أصحاب التأويلات الاُخرى.

تأويل الحديث ببعض الوجوه

وبالجملة، فقد ثبت - والحمد لله - إطلاق أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أحبّ الخلق إليه من جميع الجهات، وإنّ تأويل ذلك بشيء من التأويلات تأباه ألفاظ حديث الطير وغيره من الأخبار والرّوايات، فيبطل قول ولي الله: « وإمّا أن نقول بأنّ الحبّ يتعلّق بالصّفات المحمودة ».

مضافاً إلى بطلان ما يومي إليه كلامه من أنَّ أحبيّة الإِمامعليه‌السلام كانت لمجرّد الشجاعة ومحاربة الأعداء، فإنّه باطل بالأدلة المتكثرة ومنها أقوال عائشة المشتملة على التعليل بكونه « صوّاماً قوّاماً » وهو الشيء الذي حذفه ولي الله!!

ومضافاً إلى بطلان ما يومي إليه كلامه من كون الشيخين أحبّ إليه من حيث صفة الحلّ والعقد، فإنّه لو كان كذلك فلما ذا أعرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّا قال له ابن مسعود ليلة الجنّ بشأن استخلافهما من بعده كما في ( آكام المرجان لبدر الدين محمّد بن عبد الله الشبلي )؟!

٣٨٢

ومما ذكرنا - من إطلاق أحبيّة الإِمام إلى النبيّ وبطلان تقييده بجهةٍ من الجهات - يبطل أيضاً قوله:

« وإمّا أن نقول: إن الأحبّ بمعنى من الأحب ».

فإنّ هذا تأويل التوربشتي ومن تبعه وقد عرفت سقوطه بحمد الله فلا نعيد.

الخلاصة:

إنّ كلّ مساعي القوم في ردّ حديث الطّير لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنّ كلّ أعمالهم ذاهبة هباءً منثوراً

لقد سعوا كثيراً وبذلوا جهداً كبيراً لكن ضلّ سعيهم وما شروا بذلك إلّا جهنّم وسعيراً

كلماتٌ في ذم التأويل

إنّه ما كان عند القوم أزيد من القدح في السند، والمعارضة في الدلالة، والحمل والتأويل وقد عرفت سقوط ذلك كلّه ولننقل بعض الكلمات في ذم التأويل لآيات الكتاب والأحاديث النبويّة عن بعض أكابرهم:

قال الغزالي: « وأمّا الطامّات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح، وأمر آخر يخصّها وهو: صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أُمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام شيء يوثق به، كدأب الباطنيّة في التأويلات، فهذا أيضا حرام وضرره عظيم، فإنّ الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل، اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ، وسقط به منفعة كلام الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن ما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له، بل يتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيلها على وجوهٍ شتّى. وهذا أيضاً من البدع

٣٨٣

الشائعة العظيمة الضرر، وإنّما قصد أصحابها الإِغراب، لأنَّ النفوس مائلة إلى الغريب، ومستلّذة له، وبهذا الطريق توصّل الباطنية إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم ...»(١) .

وقال ابن قيّم الجوزيّة: « إذا سئل عن تفسير آية من كتاب الله وسنةٍ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلّم فليس أن يخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة الموافقة نحلته وهواه، ومن فعل ذلك استحق المنع من الإِفتاء والحجر عليه، وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به أئمة الكلام قديماً وحديثاً »(٢) .

قال: « وقال بعض أهل العلم: كيف لا يخشى الكذب على الله ورسوله من يحمل كلامه على التأويلات المستنكرة والمجازات المستكرهة التي هي بالألغاز والأحاجي أولى منها بالبيان والهداية؟ وهل يأمن على نفسه أن يكون ممن قال الله فيهم:( وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) ؟

ويكفي المتأوّلين كلام الله ورسوله بالتأويلات التي لم يردها ولم يدل عليها كلامه أنهم قالوا برأيهم على الله، وقدّموا آراءهم على نصوص الوحي، وجعلوا آراءهم عياراً على كلام الله ورسوله؟ ولو علموا علموا أيّ باب شرٍّ فتحوا على الاُمّة بالتأويلات الفاسدة، وأيّ بناء الإِسلام هدموا بها، وأيّ معاقل وحصون استباحوها، وكان أحدهم لأنْ يخرّ من السماء إلى الأرض أحبّ إليه من أنْ يتعاطى شيئاً من ذلك »(٣) .

وقال محمّد معين السندي: « ومن أشنع ما يخرجون كلام الشارع -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن الحقيقة والمجاز، ويفتحون فيه باب التأويل، فهو فعلهم ذلك إذا حملهم عليه نصرة إمامهم على غيره من الأئمة،

____________________

(١). إحياء علوم الدين ١ / ٣٧.

(٢). أعلام الموقعين ٤ / ٢٤٥.

(٣). أعلام الموقعين ٤ / ٢٤٩.

٣٨٤

فحفظ رأيه أهم عليهم من إخراج كلام نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحقيقة والإِمام ليس بمعصوم حتى نأوّل له كلمات الشريعة ونترك حقيقة الكلام، ولم يأذن الله تعالى ورسوله لأحدٍ بهذه النصرة لأحد »(١) .

____________________

(١). دراسات اللبيب - الدراسة الثامنة.

٣٨٥

٣٨٦

تفنيد المعارضة

بحديث الاقتداء بالشيخين

٣٨٧

٣٨٨

وبقي شيء وهو آخر ما تذرّع به ( الدّهلوي ) في جواب حديث الطّير دعوى معارضته بحديث الإِقتداء الذي يروونه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وهذا:

قوله:

« وأيضاً، فإنّه - على تقدير دلالته على المدعى - لا يقاوم الأخبار الصحاح الدالة على خلافة أبي بكر وعمر، مثل: إقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر، وغير ذلك ».

أقول:

هذا الكلام المشتمل على الإِحتجاج بحديث الإِقتداء في غاية الوهن والهوان، لأنّ الحديث المذكور من الأحاديث الموضوعة، فدعوى صحّته والاحتجاج به باطلة، مضافاً إلى الوجوه الاُخرى لبطلان هذا الكلام فنقول:

١ - المعارضة بما اختصوا بروايته غير مسموعة

إنّ هذا الكلام لا يناسب شأن ( الدّهلوي ) لأنّ من القواعد المقرّرة

٣٨٩

للبحث والمناظرة، المعلومة لأصاغر الطلبة فضلاً عن الأفاضل: عدم جواز الإِحتجاج على الخصم بما لا يرويه ولا يرضاه، فكيف يحتّج ( الدّهلوي ) بحديث الإِقتداء ونحوه ممّا اختصّ أهل السنّة بروايته ويريد إلزام الشيعة بذلك؟

إنّه لا يجوز الإِحتجاج على الشيعة بما لا ترضاه حتى لو كان في غاية الصحة عند أهل السنّة

٢ - المعارضة به ينافي ما التزم به ( الدّهلوي )

بل معارضة ( الدّهلوي ) واستدلاله بهذا الحديث ينافي ما التزم به في نفس كتابه ( التحفة ) فإنّه قد صرّح في أوّله بأنّه قد التزم فيه بعدم النقل إلّا عن الكتب المعتبرة للشيعة، وأن يكون إلزامهم بها لا بما يرويه أهل السنّة

فالعجب منه كيف نسي هذا الأصل في غير موضع من بحوث كتابه!! والأعجب من ذلك تكراره لهذا الذي التزم به وتأكيده إيّاه، فراجع كلامه في الباب الرابع بعد ذكر حديث الثقلين، وفي الباب السادس بعد ذكر مسألة تفضيل غير الأنبياء، وفي الباب السّابع أيضا - وهو باب الإمامة - نصّ على عدم تمسكّه بغير روايات الشيعة في مقابلتها!

فقد تعهّد ( الدّهلوي ) وجدّد عهده وميثاقه غير مرة، ولكنّه نقض العهد وخالف الالتزام غير مرة كذلك!!

٣ - المعارضة به ينافي ما نصَّ عليه والده

وينافي أيضاً ما نصَّ عليه والده ولي الله الدهلوي، وهو إمامه واُستاذه ومقتداه في كلّ شيء فقد نص وليّ الله في آخر كتابه ( قرة العينين في تفضيل الشيخين ) على عدم جواز المناظرة مع الإِمامية والزيدية حتى بأحاديث الصحيحين وأمثالها، لكونهم لا يرون صحّتها، فكيف يُلزمون بها.

٣٩٠

٤ - المعارضة به ينافي ما نصّ عليه تلميذه

وهذا هو الذي نصَّ عليه وقرّره تلميذه رشيد الدين الدهلوي، فقد نصَّ في كتابه ( الشوكة العمرية على أنّ كلّ فرقة من الشيعة والسنة لا تعتمد على ما تختص به الاُخرى، إذن، لا يجوز الإِحتجاج بهكذا روايات من الطّرفين

وتلخص - إلى الآن - أنّ احتجاج ( الدهلوي ) بحديث الإِقتداء، وكذا احتجاجه بغير هذا الحديث من أخبارهم التي اختصّوا بها، وكذا احتجاج غيره من علماء القوم باطل بمقتضى المناظرة وهو ما نصّ عليه ( الدهلوي ) نفسه ووالده وتلميذه

٥ - هذا الحديث واه بجميع طرقه حسب تصريحاتهم

وبعد فإنّ ما ذكرناه هو القاعدة العامّة التي يسقط على أساسها كثير من إِحتجاجات القوم واستدلالاتهم ومنها الإِحتجاج والمعارضة بحديث الإِقتداء

لكنَّ هذا الحديث مقدوح مطعون فيه بجميع طرقه فوصف ( الدهلوي ) إياه بالصحّة جهل أو كذب وإليك بيان ذلك في رسالةٍ خاصّةٍ استفيد فيها كثيراً من تحقيقات السيّد في هذا الحديث:

٣٩١

٣٩٢

رسالةٌ في

تحقيق حديث الإِقتداء بالشّيخين

تأليف

السيّد علي الحسيني الميلاني

٣٩٣

٣٩٤

إنّ حديث الاقتداء من الأحاديث المشهورة في فضل الشيخين ، فقدّرووه عن عدّةٍ من الصحابة و بأسانيد كثيرة . لكن لم يخرجه البخاري و في صحيحيهما مطلقاً ، و لم يخرج في شيء من الصلاح عن غير حلايفة و مسعود و حذيفة.

لكنّا ننظر في الأكثر بما كان من حديث حذيفة و ابن مسعود ، و نكتفي في عن حديث الآخرين بقدر الضرورة فنقول :

لقد رووا هذا الحديث عن :

١- حذيفة بن اليمان.

٢- عبد الله بن مسعود.

٣- أبي الدراء.

٤- أنس بن مالك.

٥- عبد الله بن عمر.

٦- جدّة عبد الله بن أبي الهذيل.

و نحن نذكر الإِسناد إلي كلّ واحدٍ منهم ، و ننظر في رجاله :

٣٩٥

ولكنّ الحقيقة هي تسرّبُ الأغراض والدوافع الباعثة إلى الاختلاق والتحريف إلى المعايير التي اتّخذوها للتمييز والتمحيص فلم تخل ( الصحاح ) من الموضوعات والأباطيل، ولم تخل ( الموضوعات ) من الصحاح والحقائق وهذا ما دعا آخرين إلى وضع كتبٍ تكلّموا فيها على ما اُخرج في الصحاح وأخرى تعقّبوا فيها ما أُدرج في الموضوعات وقد تعرّضنا لهذا في بعض بحوثنا المنشورة

وحديث: « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح وقال بصحّته غيرهم تبعاً لهم ومن ثمّ استندوا إليه في البحوث العلميّة.

ففي كتب العقائد في مبحث الإِمامة جعلوه من أقوى الحجج على إمامة أبي بكر وعمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...

وفي الفقه استدلّوا به لترجيح فتوى الشيخين في المسألة إذا خالفهما غيرهما من الأصحاب

وفي الأصول في مبحث الإِجماع يحتجّون به لحجّيّة اتّفاقهما وعدم جواز مخالفتهما فيما اتّفقا عليه

فهل هو حديث صحيح حقّاً؟

لقد تناولنا هذا الحديث بالنقد، فتتبّعنا أسانيده في كتب القوم، ودقّقنا النظر فيها على ضوء كلمات أساطينهم، ثم عثرنا على تصريحاتٍ لجماعة من كبار أئمّتهم في شأنه، ثم كانت لنا تأمّلات في معناه ومتنه

فإلى أهل الفضل والتحقيق هذه الصفحات اليسيرة المتضمّنة تحقيق هذا الحديث في ثلاثة فصول والله أسأل أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، وأنْ يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنّه خير مسؤول.

٣٩٦

(١)

نظرات في أسانيد

حديث الاقتداء

إنّ حديث الاقتداء من الأحاديث المشهورة في فضل الشيخين، فقد رووه عن عدّة من الصحابة وبأسانيد كثيرة لكن لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مطلقاً، ولم يخرج في شيء من الصحاح عن غير حذيفة وعبد الله بن مسعود، وقد ذهب غير واحدٍ من أعلام القوم إلى عدم قبول ما لم يخرجه الشيخان من المناقب، وكثيرون منهم إلى عدم صحّة ما أعرض عنه أرباب الصحاح.

وعلى ما ذكر يسقط حديث الاقتداء مطلقاً أو ما كان من حديث غير ابن مسعود وحذيفة.

لكنّا ننظر في أسانيد هذا الحديث عن جميع من روي عنه من الصحابة، إلّا أنّا نهتمّ في الأكثر بما كان من حديث حذيفة وابن مسعود، ونكتفي في البحث عن حديث الآخرين بقدر الضرورة فنقول:

لقد رووا هذا الحديث عن:

١ - حذيفة بن اليمان.

٢ - عبد الله بن مسعود.

٣ - أبي الدرداء.

٤ - أنس بن مالك.

٥ - عبد الله بن عمر.

٦ - جدّة عبد الله بن أبي الهذيل.

ونحن نذكر الإِسناد إلى كلّ واحدٍ منهم، وننظر في رجاله:

٣٩٧

حديث حذيفة

رواه أحمد بن حنبل قال:

« حدّثنا سفيان بن عيينة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي ابن حراش، عن حذيفة: أنّ النبيّ صلى ‌الله ‌عليه [‌ وآله ] ‌وسلّم ، قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»(١)

وقال أيضاً:

« حدثنا وكيع، حدّثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي ابن حراش، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، كنّا جلوساً عند النبي صلى ‌الله ‌عليه [‌ وآله ] ‌وسلّم فقال: إنّي لست أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي - وأشار إلى أبي بكر وعمر - قال: وما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه »(٢) .

ورواه الترمذي حيث قال:

« حدّثنا الحسن بن الصباح البزّاز، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى ‌الله ‌عليه [‌ وآله ] ‌وسلَّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وفيه عن ابن مسعود

قال: « روى سفيان الثوري هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعيّ، عن حذيفة، عن النبي صلى ‌الله ‌عليه [‌ وآله ] ‌وسلّم ».

قال: « حدّثنا أحمد بن منيع وغير واحد، قالوا: أخبرنا سفيان بن عيينة،

____________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٨٢.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٨٥.

٣٩٨

عن عبد الملك بن عمير، نحوه ».

« وكان سفيان بن عيينة يدلّس في هذا الحديث فربَّما ذكره عن زائدة عن عبد الملك بن عمير، وربّما لم يذكر فيه عن زائدة ».

« وروى هذا الحديث ابراهيم بن سعد، عن سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن هلال مولى ربعي، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبيّ صلى ‌الله ‌عليه [‌ وآله ] ‌وسلّم »(١) .

وقال:

« حدّثنا محمود بن غيلان، أخبرنا وكيع، أخبرنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن مولىً لربعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: كنّا جلوساً »(٢) .

ورواه ابن ماجة بسنده

« عن عبد الملك بن عمير، عن مولىً لربعي بن حراش، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى ‌الله ‌عليه [‌ وآله ] ‌وسلّم: إنّي لا أدري ما قدر بقائي فيكم »(٣) .

ورواه الحاكم بإسناده:

« عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: سمعت رسول الله صلى ‌الله ‌عليه [‌ وآله ] ‌وسلّم يقول: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد »

____________________

(١). صحيح الترمذي - مناقب أبي بكر وعمر ٥ / ٦٠٩.

(٢). صحيح الترمذي - مناقب عمّار بن ياسر.

(٣). سنن ابن ماجة - مناقب أبي بكر ١ / ٣٧.

٣٩٩

و عنه، عن ربعي، عن حذيفة، قال:

« قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ [ وآله‌ ] و سلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وإذا حدّثكم ابن اُمّ عبد فصدّقوه ».

وعنه:

« عن هلال مولى ربعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، أنّ رسول الله صلى ‌الله ‌عليه [‌ وآله ‌وسلّم ] قال: إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ».

وبإسناده:

« عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان: أنّ رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ [ وآله‌ ] و سلّم قال: إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن أُمّ عبد ».

ثمّ قال الحاكم: « هذا حديثٌ من أجلِّ ما روي في فضائل الشيخين، وقد أقام هذا الإِسناد عن الثوري ومسعر: يحيى الحمّاني، وأقامه أيضاً عن مسعر: وكيع وحفص بن عمر الإِيلي(١) ثم قصر بروايته عن ابن عيينة: الحميدي وغيره، وأقام الإِسناد عن ابن عيينة: إسحاق بن عيسى بن الطبّاع.

فثبت بما ذكرنا صحّة هذا الحديث وإنْ لم يخرجاه »(٢) .

____________________

(١). لقد اقتصرنا في النقد على الكلام حول « عبد الملك بن عمير » الذي عليه مدار هذا الحديث الذي بذل الحاكم جهداً في تصحيحه فكان أكثر حرصاً من الشيخين على رواية ما وصفه بـ « أجلّ ما روي في فضائل الشيخين » وإلّا فإنّ « حفص بن عمر الإِيلي » هذا مثلاً أدرجه العقيلي في الضعفاء وروى عنه حديث الاقتداء ثم قال: « أحاديثه كلّها إمّا منكر المتن، أو منكر الإِسناد، وهو إلى الضعف أقرب » الضعفاء ٢ / ٧٩٧.

و « يحيى الحمّاني » قال الحافظ الهيثمي بعد أن روى الحديث عن الترمذي والطبراني في الأوسط: « وفيه يحيى بن عبد الحميد الحمّاني وهو ضعيف » مجمع الزوائد ٩ / ٢٩٥.

(٢). المستدرك ٣ / ٧٥.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460