نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 324

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 324 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 238388 / تحميل: 6456
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

كافية لوجوب قبول حديث الولاية المخرج في المسند، ووافية بالردّ على من طعن فيه

وقال ابن الجوزي في ( كتاب الموضوعات ): « فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإِسلام: كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، ونحوها، فانظر فيه، فإن كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب أمره، وإن ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال إسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين، فإنّك تعرف وجه القدح فيه »(١). .

وفي هذه العبارة عدّ المسند من دواوين الإسلام، وذكره في عداد الموطأ والصحيحين وغيرها من الكتب غير المحتاج إلى نظر والتأمّل في أسانيد أخبارها

اعتماد أبناء روزبهان وتيمية وحجر على ابن الجوزي

فهذا حكم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ولكم اعتمد أمثال أبناء تيميّة وروزبهان وحجر على أحكام ابن الجوزي في كتابه المذكور، خاصّةً في باب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البيت وكذلك صاحب الصواقع و ( الدهلوي ) وأتباعهما ولنذكر نبذة من موارد اعتماد القوم على آراء ابن الجوزي:

قال أبو المؤيد الخوارزمي في أوائل كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ): « والدليل على ما ذكرنا أن التعديل متى ترجّح على الجرح يجعل الجرح كأن لم يكن، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق ».

__________________

(١). الموضوعات ١ / ٩٩.

١٠١

وقال ابن الوزير الصنعاني - في الاُمور الدالة على عدم جواز تكفير أحمد بسبب الإِعتقاد بالتشبيه -: « ومنها - إنّه قد ثبت بالتواتر أنّ الحافظ ابن الجوزي من أئمّة الحنابلة وليس في ذلك نزاع، ولا شك أن تصانيفه في المواعظ وتواليفه في الرقائق مدرس فضلائهم وتحفة علمائهم، فبها يتواعظون ويخطبون، وعليها في جميع أحوالهم يعتمدون، وقد ذكر ابن الجوزي في كتبه هذه ما يقتضي نزاهتهم عن هذه العقيدة، وأنا أورد من كلامه في ذلك »(١). .

وقال ابن حجر المكي - بعد حديث أنا مدينة العلم -: « وقد اضطرب الناس في هذا الحديث، فجماعة منهم ابن الجوزي والنووي وناهيك بهما معرفةً بالحديث وطرقه »(٢). .

وقال ( الدهلوي ) في جواب حديث أنا مدينة العلم: « وذكره ابن الجوزي في الموضوعات».

وقال ابن روزبهان - في بحث حديث النور -: « ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات »(٣). .

وقال ابن تيمية في حديث: « أنت أخي ووصيي »: « قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الموضوعات »(٤). .

ثناء ابن خلكان على ابن الجوزي

وأثنى ابن خلكان على ابن الجوزي وبالغ في إطرائه حيث ترجمه، وهذه خلاصتها:

__________________

(١). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٢). الصواعق المحرقة: ١٨٩.

(٣). إبطال الباطل - مخطوط.

(٤). منهاج السنّة ٤ / ٩٥.

١٠٢

« أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي الفقيه الحنبلي، الواعظ الملقب جمال الدين، الحافظ، كان علّامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنف في فنون عديدة منها فكتبه أكثر من أن تعد، وكتب بخطّه شيئاً كثيراً وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة ٥٩٧ ببغداد، ودفن بباب حرب »(١). .

ثناء الذهبي على ابن الجوزي

وكذلك الذهبي حيث قال:

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق المفسّر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم حدّث عنه: ابنه الصاحب محيي الدين، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي، والحافظ عبد الغني، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل والتقي البلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وخلق سواهم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنف هذا الرجل حصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط »(٢). .

ثناء السيوطي على ابن الجوزي

والسيوطي أيضاً أثنى عليه كذلك، قال:

__________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ١٤٠.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٤٢.

١٠٣

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق، جمال الدين أبو الفرج صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنّف، وحصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط. قيل: إنّه حضره في بعض المجالس مائة ألف، وحضره ملوك ووزراء وخلفاء، وقال: كتبت بإصبعي ألف مجلّد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفاً »(١). .

كلام ابن الوزير في مدح المسند

وقال محمّد بن إبراهيم الصّنعاني المعروف بابن الوزير - بعد ذكر عبارة ابن دحية حول استشهاد الإِمام الحسين بن عليعليهما‌السلام -: « وفيما ذكره ابن دحية اُوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السنّة فيما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التشيع ليزيد وتصويب قتله الحسين. كيف؟ وهذه رواياتهم مفصحة بضد ذلك كما بيّناه، في مسند أحمد، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وأمثالها.

وهذه الكتب هي مفزعهم وإلى ما فيها مرجعهم، وهي التي يخضعون لنصوصها ويقصرون التعظيم عليها بخصوصها »(٢). .

وعليه، فمسند أحمد مفزع المحدّثين وإليه مرجعهم وهم خاضعون لنصوصه والأحاديث المروية فيه فويل ( للدهلوي ) المقلّد ( للكابلي ) التابع ( لابن تيمية ) هؤلاء الذين أبطلوا حديث الولاية المخرّج في ( المسند ) و ( جامع الترمذي ) وأمثالهما فإنّهم خرجوا عن طريقة المحدّثين،

__________________

(١). طبقات الحفّاظ: ٤٨٠.

(٢). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

١٠٤

وشقّوا عصا المجمعين، وخالفوا سنّة رسول ربّ العالمين.

كلام أبي مهدي المغربي في مدح المسند

وقال أبو مهدي عيسى بن محمّد المغربي - وهو أحد المشايخ السبعة الذين يفتخر شاه ولي الله الدهلوي باتّصال أسناده إليهم - في مدح كتاب ( المسند ) ما نصّه:

« وألّف مسنده، وهو أصل من اُصول هذه الاُمة، جمع فيه ما لم يتّفق لغيره وله التصانيف الفائقة، فمنها المسند، وهو ثلاثون ألفاً وبزيادة ابنه عبد الله أربعون ألف حديث وقال فيه - وقد جمع أولاده وقرأه عليهم -: هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فارجعوا إليه، فإنْ وجدتموه فيه وإلّا ليس بحجة »(١). .

كلام عبد الحق الدهلوي في مدح المسند

وقال الشيخ عبد الحقّ الدّهلوي في وصف المسند:

« ومسند الإِمام أحمد معروف بين الناس، جمع فيه أكثر من ثلاثين ألف حديث، وكان كتابه في زمانه أعلى وأرفع وأجمع الكتب »(٢). .

__________________

(١). مقاليد الأسانيد - ترجمة أحمد بن حنبل

(٢). رجال المشكاة - ترجمة أحمد بن حنبل

١٠٥

كلام ولي الله الدهلوي في مدح المسند

وقال عبد الرحيم الدهلوي والد ( الدهلوي ): « الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها، كان مصنّفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث، لم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، فتلقاها من بعدهم بالقبول واعتنى بها المحدّثون والفقهاء طبقة بعد طبقةً، واشتهرت فيما بين الناس وتعلّق بها القوم شرحا لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباطا لفقهها، وعلى تلك الأحاديث بناء عامّة العلوم، كسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي. وهذه الكتب مع الطبقة الاُولى اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصّحاح، وابن الأثير في جامع الأصول.

وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإن الإِمام أحمد جعله أصلاً يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه »(١). .

كلام ( الدهلوي ) في مدح المسند

و ( الدهلوي ) نفسه مدح المسند كذلك، ونقل حكاية جمع أحمد أولاده وقراءته عليهم المسند وما قال لهم في وصفه(٢). .

__________________

(١). حجّة الله البالغة - طبقات كتب الحديث.

(٢). بستان المحدّثين - ترجمة أحمد

١٠٦

(٤)

رواية الترمذي

وأخرج الترمذي حديث الولاية في صحيحه قائلاً:

« حدّثنا قتيبة بن سعيد، نا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلّموا على النبيّ، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ثم قام الثاني، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إن علياً منّي وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمنٍ من بعدي.

هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث جعفر بن سليمان »(١). .

__________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٢.

١٠٧

وثاقة رجال الإِسناد

ورجال هذا السند كلّهم ثقات بلا كلام:

١ - الترمذي

أما الترمذي نفسه، فغني عن التعريف، وإنْ شئت الوقوف على طرفٍ من كلماتهم في مدحه والثناء عليه وتوثيقه والإِستناد إليه، فراجع الكتب الرجاليّة وغيرها، مثل:

١ - سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٠.

٢ - تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٣٣.

٣ - الوافي بالوفيات ٤ / ٢٩٤.

٤ - تهذيب التهذيب ٩ / ٣٨٧.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ٦٦.

٦ - العبر ٢ / ٦٢.

٧ - النجوم الزاهرة ٣ / ٨٨.

٨ - طبقات الحفّاظ: ٢٧٨.

٩ - وفيات الأعيان ٤ / ٢٧٨.

١٠ - شذرات الذهب ٢ / ١٧٤.

١١ - مرآة الجنان ٢ / ١٩٣.

١٢ - الكامل في التاريخ ٧ / ١٥٢.

١٣ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ٥٩.

١٤ - اللباب في الأنساب ١ / ١٧٤.

١٠٨

٢ - قتيبة بن سعيد

وأما قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، فهو محدّث جليل القدر، روى عنه الشيخان وغيرهما:

السمعاني: « قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله البغلاني، المحدّث المشهور في الشرق والغرب، له رحلة إلى: العراق، والحجاز، والشام، وديار مصر، وعمّر العمر الطويل حتى كتب عنه البطون، ورحل إليه أئمة الدنيا من الأمصار.

سمع مالك بن أنس، والليث، وأقرانهما.

روى عنه الأئمّة الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو عيسى، وأبو عبد الرحمن، ومن لا يحصى كثرة »(١). .

الذهبي: « قال أبو بكر الأثرم: وسمعته - يعني أحمد بن حنبل - ذكر قتيبة فأثنى عليه وقال: هو آخر من سمع من ابن لهيعة. وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة. زاد النسائي: صدوق. وقال أبو داود: قدم قتيبة بغداد سنة ١٦ فجاء، أحمد ويحيى، وقال ابن خراش: صدوق وقال عبد الله بن محمّد بن سيّار الفرهاني: قتيبة صدوق ليس أحد من الكبار إلّا وقد حمل عنه بالعراق »(٢). .

٣ - جعفر بن سليمان

٤ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - البغلاني ٢ / ٢٥٧.

(٢). تذهيب تهذيب الكمال - مخطوط

١٠٩

٥ - مطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفتهم سابقاً فلا نكرّر

(٥)

رواية النسائي

ورواه أبو عبد الرحمن النسائي بإسناده قائلاً:

« ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا جعفر - يعني ابن سليمان - عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ».

« ثنا واصل بن عبد الأعلى، عن ابن فضيل، عن الأجلح، عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن مع خالد ابن الوليد وبعث علياً على آخر، وقال: إن التقيتما فعليّ على الناس، وإن تفرّقتما فكل واحدٍ منكما على جنده، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، وظفر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - وأمرني أن أنال منه. قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي، فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجلٍ وألزمتني بطاعته فبلّغت ما اُرسلت به. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لي:

لا تقعنَّ يا بريدة في علي، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي »(١). .

وثاقة رجال السند

هذا، وقد روى النسائي في هذا الحديث بطريقين، أوّلهما هو عين سند

__________________

(١). خصائص علي بن أبي طالب: ٧٥.

١١٠

الترمذي المتقدّم الذي عرفت وثاقة رجاله فلا حاجة إلى الإِعادة.

ترجمة النسائي

والنسائي نفسه، وإنْ كان غنياً عن التّعريف، لإِجماع القوم على توثيقه والثناء عليه وعلى كتبه وعلومه حتى أنّ الدار قطني قدّمه على جميع محدّثي زمانه كما في ( تذكرة الحفّاظ )، وقال الذهبي ووالد السبكي: بأنّه أحفظ من مسلم بن الحجاج كما في ( مقاليد الأسانيد ) ولكن لا بأس بإيراد بعض الكلمات في حقّه عن كتاب تذكرة الحفّاظ للذهبي باختصار:

« النسائي، الحافظ الإِمام، شيخ الإِسلام، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب برع في هذا الشأن وتفرّد بالمعرفة والإِتقان وعلوّ الإِسناد قال حافظ خراسان أبو علي النيسابوري: ثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي. قال أحمد بن نصر أبو طالب الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ قال الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. وقال محمّد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار قال الدار قطني: كان أبو بكر الشافعي كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النسائي وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله وكانت وفاته في شعبان سنة ٣٠٣. وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال. قال أبو سعيد بن يونس في تاريخه: كان النسائي إماماً حافظاً ثبتاً »(١). .

وإنْ شئت المزيد فراجع:

وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٨.

١١١

الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

مرآة الجنان ٢ / ٢٤٠.

طبقات الشّافعية للسبكي ٣ / ١٤.

طبقات الحفّاظ: ٣٠٣.

وغيرها من كتب التاريخ والرجال

اعتبار كتاب الخصائص

وكتاب ( خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ) للنسائي من أنفس الكتب وأجلّها وأشهرها ألّفه النسائي لمـّا دخل دمشق ووجد المنحرف بها عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيراً

وقد اعتمد علماء أهل السنّة على هذا الكتاب ونقلوا عنه، كما أنّ غير واحدٍ منهم ذكروه في بحوثهم مستشهدين به على ولاء أهل السنّة لأهل البيتعليهم‌السلام كما أنّا قد بيّنا في بعض المجلّدات السّابقة - وعلى ضوء كلمات القوم - أن ( خصائص أمير المؤمنين ) للحافظ النسائي إنّما هو قطعة من ( سننه ) الكبير، فتكون الأحاديث الواردة فيه من أحد ( الصحّاح الستّة ) عندهم.

١١٢

(٦)

رواية الحسن بن سفيان النسوي

ورواه الحسن بن سفيان النسوي البالوزي، كما جاء في كتاب الوصابي اليمني حيث روى:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والحسن بن سفيان في فوائده، وأبو نعيم في فضائل الصحابة »(١). .

ترجمة الحسن بن سفيان

والحسن بن سفيان من أكابر المحدّثين الثقات كما يظهر من ترجمته:

١ - السمعاني: « البالوزي - بفتح الباء الموحّدة بعدها الألف واللّام والواو وفي آخرها الزاء - هذه النسبة إلى بالوز، وهي قرية من قرى نسا على ثلاث أو أربع فراسخ منها.

خرجت إليها لزيارة قبر أبي العباس الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء الشيباني البالوزي النسوي من قرية بالوز.

كان محدّث خراسان في عصره، وكان مقدّماً في الفقه والعلم والأدب، وله الرحلة إلى: العراق، والشام، ومصر، والكوفة وصنّف: المسند

__________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب - مخطوط.

١١٣

الكبير، والجامع، والمعجم. وهو الرّاوية بخراسان لمصنفات الأئمة وكانت إليه الرحلة بخراسان من أقطار الأرض. سمع منه: أبو حاتم محمّد بن حبان البستي، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ، وإمام الأئمة أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة ومات في سنة ٣٠٣ وقبره بقرية بالوز مشهور يزار، زرته »(١). .

٢ - الذهبي: « الحسن بن سفيان بن عامر، الحافظ الإِمام، شيخ خراسان قال الحاكم: كان محدّث خراسان في عصره، متقدّماً في التثبّت والكثرة والفهم والفقه والأدب. وقال ابن حبان: كان الحسن ممّن رحل وصنّف وحدّث على تيقّظ، مع صحة الديانة والصلابة في السنّة. وقال أبو بكر أحمد ابن الرازي الحافظ: ليس للحسن في الدنيا نظير »(٢). .

وكذلك ترجم له السبكي وابن قاضي شهبة في ( طبقاتهما ) والسيوطي في ( طبقات الحفّاظ ) حيث ذكروا كلمة الحاكم وغيره في مدحه، ووصفوه بالحفظ والأمامة والتثبّت، وكذلك تجد ترجمته في غيرها من الكتب.

(٧)

رواية أبي يعلى الموصلي

ورواه أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي حيث قال:

« حدّثنا عبيد الله، ثنا جعفر بن سليمان، نا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -

__________________

(١). الأنساب - البالوزي ٢ / ٥٨.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٣.

١١٤

سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، قال: فمضى على السرية. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ أو من غزوةٍ أتوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قبل أنْ يأتوا منازلهم، فأخبروه بمسيرهم. قال: فأصاب علي جاريةً، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إذا قدموا على رسول الله ليخبروا به. قال: فقدمت السرية على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فأخبروه بمسيرهم، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، أصاب علي جاريةً. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

قال: ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله، صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا.

قال: فأقبل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - مغضباً والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ علي منّي فأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

وثاقة رجال الإسناد

ولا يخفى وثاقة رجال هذا السند:

١ - عبيد الله القواريري

أمّا عبيد الله، فهو عبيد الله بن عمر القواريري:

__________________

(١). مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ رقم ٣٥٥.

١١٥

السمعاني: « كان ثقةً صدوقاً، مكثراً من الحديث روى عنه: أبو قدامة السرخسي، ومحمّد بن إسحاق الصنعاني، وأبو داود السجستاني، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو القاسم البغوي، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم.

وكان أحمد بن سيّار المروزي يقول: لم أر في جميع من رأيت مثل مسدّد بالبصرة، والقواريري ببغداد، وصدقة بمرو. وثّقه يحيى بن معين وغيره. وقال أبو علي جزرة الحافظ: القواريري. أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة، وما رأيت أحدا أعلم بحديث البصرة منه.

وتوفي في ذي الحجة سنة ٢٣٥ »(١). .

الذهبي: « خ م د س - عبيد الله بن عمر القواريري، أبو سعيد البصري الحافظ. حدّث بمائة ألف حديث. سمع: حماد بن زيد، وأبا عوانة، وخلقا. وعنه: خ م د، والفريابي، والبغوي، وخلق. وكان يذكر مع مسدّد والزهراني. مات في ذي الحجة ٢٣٥ »(٢). .

ابن حجر: « وعنه: البخاري ومسلم وأبو داود قال ابن معين والعجلي والنسائي: ثقة. وقال صالح جزرة: ثقة صدوق قال: وهو أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. وقال أبو حاتم: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. وقال مسلمة بن قاسم: ثقة. وفي الزهرة: روى عنه البخاري خمسة، ومسلم أربعين »(٣). .

٢ - جعفر بن سليمان

٣ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - القواريري

(٢). الكاشف ٢ / ٢٠٣ وانظر العبر ودول الإسلام حوادث سنة ٢٣٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦ وانظر تقريب التهذيب أيضاً ١ / ٥٣٧.

١١٦

٤ - المطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفت وثاقتهم وشيئاً من مناقبهم فيما سبق.

ترجمة أبي يعلى

ولنذكر طرفاً من كلماتهم في الثناء على أبي يعلى الموصلي:

١ - ابن حبّان: « أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي أبو يعلى، من أهل الموصل، من المتقنين في الروايات والمواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعات. مات سنة ٣٠٧ »(١). .

٢ - الذهبي: « أبو يعلى الموصلي، الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة قال يزيد بن محمّد الأزدي: كان أبو يعلى من أهل الصّدق والأمانة والدين والعلم ووثقه ابن حبان ووصفه بالإِتقان والدين ثم قال: وبينه وبين النبيّ ثلاثة أنفس. وقال الحاكم: كنت أرى أبا علي الحافظ معجبا بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه حتى كان لا يخفى عليه منه إلّا اليسير. قال الحاكم: هو ثقة مأمون »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « كان ثقة صالحاً متقناً يحفظ حديثه. توفي وله ٩٧ سنة »(٣). .

٤ - الصفدي: « الحافظ صاحب المسند، سمع جماعةً كباراً، وله تصانيف في الزهد وغيره. غلّقت له الأسواق يوم جنازته. وكانت وفاته سنة ٣٠٧ وكنيته أبو يعلى »(٤). .

__________________

(١). الثقات ٨ / ٥٥.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٣). العبر حوادث ٣٠٧.

(٤). الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

١١٧

وكذلك تجد ترجمته في المصادر الاُخرى، وقد وصفوه جميعاً: بالحافظ الثبت الثقة محدّث الجزيرة صاحب المسند

(٨)

رواية ابن جرير الطبري وتصحيحه

رواه محمد بن جرير الطبري في ( تهذيب الآثار ). فقد ذكر المتّقي ما نصه:

« عن عمران بن حصين: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليها علياً، فغنموا، فصنع علي شيئاً أنكروه. وفي لفظ: فأخذ علي من الغنيمة جاريةً، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفرٍ بدءوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم. فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر أن علياً قد أخذ من الغنيمة جارية؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع. فأقبل إليه رسول الله يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي! علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

ش. وابن جرير وصحّحه »(١). .

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٤٢ رقم ٣٦٤٤٤.

١١٨

ترجمة الطبري

ولابن جرير الطبري في كتب القوم تراجم مفصّلة، نلخص بعضها فيما يلي:

١ - ياقوت الحموي: « قال أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد الطبري: كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه، لجمعه من علوم الإِسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحدٍ من هذه الاُمة، ولا ظهر من كتب المصنّفين وانتشر من كتب المؤلّفين ما انتشر له.

وكان راجحاً في علوم القرآن، والقراءات، وعلم التاريخ من الرسل والخلفاء والملوك، واختلاف الفقهاء، مع الرواية لذلك على ما في كتابه:

البسيط، والتهذيب، وأحكام القراءات، من غير تعويل على المناولات والإجازات ولا على ما قيل في الأقوال، بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة.

وقد بان فضله في علم اللغة والنحو على ما ذكره في كتاب التفسير وكتاب التهذيب مخبراً عن حاله فيه.

وقد كان له قدم في علم الجدل، يدل على ذلك مناقضاته في كتبه على المعارضين لمعاني ما أتى به.

وكان فيه من الزهد والورع والخشوع والأمانة، وتصفية الأعمال وصدق النية وحقائق الأفعال ما دل عليه كتابه في آداب النفوس ».

« كان أبو جعفر يذهب في جلّ مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف وطريق أهل العلم المتمسكين بالسّنن، شديداً على مخالفيهم، ماضياً على منهاجهم، لا تأخذه في ذلك ولا في شيء لومة لائم ».

« كان أبو جعفر يذهب في الإِمامة إلى إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وما عليه أصحاب الحديث في التفضيل، وكان يكفّر من خالفه في كلّ مذهب

١١٩

إذا كانت أدلّة العقول تدفع كالقول في القدر، وقول من كفّر أصحاب رسول الله من الروافض والخوارج، ولا يقبل أخبارهم ولا شهاداتهم، وذكر ذلك في كتابه في الشهادات، وفي الرسالة، وفي أول ذيل المذيّل »(١). .

٢ - السمعاني: « وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدُ من أهل عصره، وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم قال أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمّد بن جرير وتوفي سنة ٣١٠ »(٢). .

٣ - النووي: « هو الإِمام البارع في أنواع العلوم، وهو في طبقة الترمذي والنسائي. قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: إستوطن الطبري بغداد فأقام بها حتى توفي، وكان أحد الأئمة والعلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه »(٣). .

٤ - الذهبي: « الإِمام العلم الفرد الحافظ أبو جعفر الطبري، أحد الأعلام وصاحب التصانيف قال أبو بكر الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة وقال أبو حامد الإسفرائيني: لو سافر رجل إلى الصّين في تحصيل تفسير ابن جرير لم يكن كثيراً قال الفرغاني: بثّ مذهب الشافعي ببغداد سنتين واقتدى به، ثمّ اتّسع علمه وأدّاه اجتهاده إلى ما اختاره في كتبه. وقد عرض عليه القضاء فأبى. قال محمّد بن علي بن سهل الإِمام: سمعت ابن جرير قال: من

__________________

(١). معجم الأدباء ٥ / ٢٥٤ - ٢٦٨.

(٢). الأنساب - الطّبري ٨ / ٢٠٥ - ٢٠٧.

(٣). تهذيب الأسماء واللّغات ١ / ٧٨.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبداً

تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا

وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .

وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .

والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.

١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » .

وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.

(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.

١٦١

الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟

الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟

الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،

ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:

« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .

وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .

وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .

وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.

(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.

(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.

١٦٢

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .

فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».

وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .

____________________

(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.

(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

١٦٣

أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.

١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين ».

وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.

على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.

١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم

وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .

وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.

على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.

____________________

(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.

١٦٤

ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!

وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».

على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».

فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.

* * *

١٦٥

١٦٦

وجوه بطلان شبهة

إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية

وشبهات أخرى

١٦٧

١٦٨

قوله:

« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية

إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .

٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟

إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.

١٦٩

لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟

٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير

إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.

إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى:( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .

لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.

وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٧٠

حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.

٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي

ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:

« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

١٧١

و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [عليه‌السلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.

وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .

٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي

ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.

قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

١٧٢

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.

قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.

١٧٣

شبهات أخرى

هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:

١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى

فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:

الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟

والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف

١٧٤

الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».

ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .

فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!

الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .

الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».

فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).

الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب

____________________

(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.

١٧٥

واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».

فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.

السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .

السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.

الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.

ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».

وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.

قال: « مرسلاً غير مسند ».

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.

١٧٦

ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.

قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».

ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.

وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».

ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:

وعدت عواد دون وليك تشعب.

وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».

أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون

١٧٧

« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.

٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق

ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:

إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:

الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.

الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول عليعليه‌السلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّرهعليه‌السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قالعليه‌السلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيهعليه‌السلام شر. ومثل قوله تعالى( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في

١٧٨

التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .

الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:

الأول: ما روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .

٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم

ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».

وجوه دفعها

وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:

____________________

(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.

١٧٩

الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.

الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:

« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه:( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .

الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد

____________________

(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324