نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 324

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 324 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241675 / تحميل: 6563
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء »(١) .

ولأنّ هذا العقد يلحقه الفسخ بتعذّر العوض ، فكان له الفسخ ، كما لو تعذّر المـُسْلَم فيه. ولأنّه لو شرط في البيع رهناً فعجز عن تسليمه ، استحقّ البائع الفسخ وهو وثيقة بالثمن ، فالعجز عن تسليم الثمن إذا تعذّر أولى.

وقال أبو حنيفة : ليس للحاكم أن يحجر عليه ، وليس للبائع الرجوع في عينه ، بل يكون أُسوة الغرماء ؛ لتساويهم في سبب الاستحقاق ، فيتساوون في الاستحقاق. ولأنّ البائع كان له حقُّ الإمساك لقبض الثمن فلمّا سلّمه قبل قبضه فقد أسقط حقّه من الإمساك ، فلم يكن له أن يرجع في ذلك بالإفلاس ، كالمرتهن(٢) .

والبائع وإن ساوى الغرماء في السبب لكن اختلفوا في الشرط ، فإنّ بقاء العين شرط لملك(٣) الفسخ ، وهو موجود في حقّ مَنْ وجد متاعه دون مَنْ لم يجده.

والفرقُ : أنّ الرهن مجرّد الإمساك على سبيل الوثيقة وليس ببدلٍ ، وهنا(٤) هو(٥) بدل عنها(٦) ، فإذا تعذّر استيفاؤه ، رجع إلى المـُبدل(٧) .

قال أحمد : لو أنّ حاكماً حكم أنّه(٨) أُسوة الغرماء ثمّ رفع(٩) إلى‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٥ و ٢٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٣.

(٣) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « تملّك » بدل « لملك ».

(٤) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « رهنا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) هو ، أي الثمن.

(٦) أي : عن العين.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في البدل » بدل « إلى المبدل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٨) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له » بدل « أنّه ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٩) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رجع » بدل « رفع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

٨١

حاكمٍ يرى العمل بالحديث(١) ، جاز له نقض حكمه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو مات المفلس قبل القسمة ، فإن كان في التركة وفاء للديون ، اختصّ صاحب العين بماله ، وإلّا كان أُسوةَ الغرماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن مات فهو أُسوة الغرماء »(٣) وغالب الإفلاس إنّما يكون مع قصور المال عن الديون على ما سلف(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية أبي ولّاد عن الصادقعليه‌السلام ، وقد سلفت(٥) .

ومالكُ لم يفصّل ، بل أطلق القول بأنّ الغريم لا يختصّ بعين ماله في صورة الميّت ، بل يشارك الغرماء ؛ لما تقدّم(٦) من الرواية.

وقد بيّنّا أنّ الإفلاس إنّما يكون مع القصور.

ولأنّه إذا مات انتقل الملك إلى الورثة فمَنَع ذلك الرجوعَ ، كما لو باعه المشتري ثمّ أفلس(٧) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الوارث يقوم مقام المورّث ، ولهذا تتعلّق به ديونه ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالرجوع » بدل « بالحديث ». وما أثبتناه كما في المصدر. والمراد بالحديث حديث ابن خلدة الزرقي ، المتقدّم في ص ٧٩.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٣)

(٤) في ص (٦)

(٥) في ص ٨.

(٦) آنفاً.

(٧) راجع : الهامش (١) من ص ٨ ، المسألة ٢٥٩.

٨٢

بخلاف ما لو باعه.

مسألة ٣٢٧ : وهذا الخيار يثبت للبائع والمـُقرض والواهب بشرط الثواب‌. وبالجملة ، كلّ معاوضة ، سواء وجد غير هذه العين ، أو لم يوجد سواها ؛ للعموم(١) .

والأقرب : أنّ هذا الخيار على الفور - وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد(٢) - لأنّ الأصل عدم الخيار ، فيكون الأصل عدم بقائه لو وُجد. ولأنّه خيار يثبت في البيع لنَقْصٍ في العوض ، فكان على الفور ، كالردّ بالعيب والخلف(٣) والشفعة. ولأنّ القول بالتراخي يؤدّي إلى الإضرار بالغرماء من حيث إنّه يؤدّي إلى تأخير حقوقهم.

والثاني : أنّه على التراخي ؛ لأنّه حقّ رجوع لا يسقط إلى عوض ، فكان على التراخي ، كالرجوع في الهبة(٤) .

وما قلناه أشبه من خيار الهبة.

فعلى ما اخترناه من الفوريّة لو علم بالحجر ولم يفسخ ، بطل حقّه من الرجوع.

وقال بعض الشافعيّة : يتأقّت بثلاثة أيّام ، كما هو أحد أقوال الشافعي في خيار المعتقة تحت الرقيق وفي الشفعة(٥) .

____________________

(١) راجع : الهامش (٤) من ص ٧٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، الوسيط ٤ : ٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣ ، منهاج الطالبين : ١٢٢ ، المغني ٤ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الحلب » بدل « الخلف ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٨٣

مسألة ٣٢٨ : لا يفتقر هذا الخيار إلى إذن الحاكم‌ ، بل يستبدّ به الفاسخ من غير الحاجة إلى حكم الحاكم ؛ لأنّه ثابت بالسنّة الصحيحة ، فصار كخيار المرأة فسخَ النكاح ، والعتق.

ولوضوح الحديث ذهب بعض الشافعيّة إلى أنّه لو حكم حاكمٌ بالمنع من الفسخ ، نقض حكمه(١) .

وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يفتقر إلى حكم الحاكم وإذنه ؛ لأنّه فسخٌ مختلفٌ فيه ، كالفسخ بالإعسار(٢) .

مسألة ٣٢٩ : الفسخ قد يحصل بالقول ، كما ينعقد البيع به. وصيغة الفسخ : فسخت البيع ، ونقضته ، ورفعته.

ولو اقتصر على قوله : رددت الثمن ، أو : فسخت البيع ، فيه إشكال أقربه : الاكتفاء به ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : لا يكتفى بذلك ؛ لأنّ حقّ الفسخ أن يضاف إلى العقد المرسل ، ثمّ إذا انفسخ العقد ، ثبت مقتضاه(٣) .

وقد يحصل بالفعل ، كما لو باع صاحب السلعة سلعتَه ، أو وهبها ، أو دفعها.

وبالجملة ، إذا تصرّف فيها تصرّفاً يدلّ على الفسخ ، كوطئ الجارية المبيعة ، على الأقوى ؛ صوناً للمسلم عن فاسد التصرّفات ، وتكون هذه التصرّفات تدلّ على حكمين : الفسخ ، والعقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

والأصحّ عنده : أنّه لا يحصل الفسخ بها ، وتلغو هذه التصرّفات(٤) .

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ - ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٦ ، الحاوي =

٨٤

واعلم أنّ حقّ الرجوع للبائع لا يثبت على الإطلاق بالإجماع ، بل هو مشروط بأُمور يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

ولا يختصّ الرجوع بالبيع على ما تقدّم(١) ، بل يثبت في غيره من المعاوضات ، وإنّما يظهر الغرض بالنظر في أُمور ثلاثة : العوض المتعذّر تحصيله ، والعرض(٢) المسترجع ، والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس.

النظر الأوّل : في العوض

يشترط في العوض أمران : الحلول ، وتعذّر استيفائه بسبب الإفلاس ، فلو كان الثمن مؤجَّلاً ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّه لا مطالبة له في الحال ، فكيف يفسخ البيع اللازم بغير موجب!؟ وإلّا لحلّ الأجل بالفلس على ما تقدّم(٣) .

ولو حلّ الأجل قبل انفكاك الحجر ، فالأقرب : أنّه لا يشارك صاحبه الغرماء ؛ لسبق تعلّق حقّهم بالأعيان ، بخلاف ما لو ظهر دَيْنٌ حالّ سابق ، فإنّه يشارك الغرماء ، فعلى هذا ليس لصاحب الدَّيْن الذي قد حلّ الرجوعُ في عين ماله ، سواء كان الحاكم قد دفعها في بعض الديون أو لا.

مسألة ٣٣٠ : لو كانت أمواله وافيةً بالديون ، لم يجز الحجر عندنا ،

____________________

= الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(١) في ص ٨٢ ، المسألة ٣٢٧.

(٢) أي المعوّض.

(٣) في ص ١٦ ، المسألة ٢٦٣.

٨٥

وهو الظاهر من مذهب الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يجوز الحجر عليه(٢) .

فعلى تقدير جواز الحجر لو حجر ، فهل لصاحب العين الرجوع في عينه؟ للشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه يصل إلى الثمن.

والثاني : أنّه يرجع ؛ لأنّه لو لم يرجع لما أمن أن يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذه(٣) .

وهذان الوجهان عندنا ساقطان ؛ لأنّهما فرع الحجر وقد منعناه.

مسألة ٣٣١ : لو ترك الغرماء لصاحب السلعة الثمن ليتركها ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يلزمه القبول‌ ، وكان له أخذ عينه(٤) - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لما فيه من تحمّل المنّة ، ولعموم الخبر(٦) ، ولأنّه ربما يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذ.

وللشافعيّة فيه وجهٌ آخَر : أنّه لا يبقى له الرجوع في العين ، تخريجاً‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٩ - ٤٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٦٥ ، المسألة (٤)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٦) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ - ٢٨٧ / ٣٥٢٠ و ٣٥٢٢.

٨٦

ممّا إذا حجر عليه الحاكم وفي ماله وفاء(١) .

وقال مالك : ليس له الرجوع في العين ؛ لأنّ ذلك إنّما جُعل له لما يلحقه من النقص في الثمن ، فإذا بذل له ، لم يكن له الرجوع ، كما إذا زال العيب من المبيع ، لم يكن له ردّه(٢) .

ويمكن أن نقول : إن كان المدفوع من مال المفلس ، لم يجب القبول ؛ لإمكان تجدّد غريمٍ آخَر ، فلا يأمن من مزاحمته ، فكان له الرجوعُ في العين.

وإن كان من مال الغرماء أو تبرّع به أجنبيٌّ ، فإنّه لا يجب عليه الإجابة أيضاً ؛ لأنّه تبرّع بدفع الحقّ غير مَنْ هو عليه ، فلم يُجبر صاحب الحقّ على قبضه ، كما لو أعسر الزوج بالنفقة فبذل غيره النفقة ، أو عجز المكاتب فبذل عنه متبرّعٌ ما عليه لسيّده.

والوجه أن نقول : إذا دفع الغرماء من خالص أموالهم ثمن السلعة وكان في السلعة زيادة بأن غلا سعرها أو كثر الراغبون إليها ويرجى لها صعود سعرٍ ، كان على صاحب السلعة أخذ ما بذله الغرماء ؛ لما فيه من انتفاعهم بالسلعة ، بخلاف التبرّع عن الزوج والمكاتب ؛ إذ لا حقّ لهم في المعوّض ، والغرماء لهم حقٌّ في المعوّض ، فكان لهم ذلك ؛ لما في منعهم من الإضرار بالمفلس ، وهو منفيّ.

مسألة ٣٣٢ : إذا أوجبنا عليه أخذ ما بذله الغرماء من مالهم(٣) ، أو أجابهم إليه تبرّعاً منه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر‌ ، لم يشارك صاحب السلعة فيما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٣٧ ، الذخيرة ٨ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٣) في « ج » : « أموالهم ».

٨٧

أخذه منهم ، أمّا لو كان المدفوع من مال المفلس وخصّوه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر ، شاركه فيما أخذه.

ولو دفع الغرماء الثمن إلى المفلس من مالهم فبذله للبائع ، لم يكن له الفسخُ ؛ لأنّه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ ، كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه ، ملك الثمن.

ولو أسقط الغرماء حقّهم عنه فتمكّن من الأداء ، أو وُهب له مالٌ فأمكنه الأداء منه ، أو غلت أعيان أمواله فصارت قيمتها وافيةً بحقوق الغرماء بحيث يمكن أداء الثمن كلّه ، لم يكن للبائع الفسخُ ؛ لزوال سببه ، ولأنّه أمكنه الوصول إلى ثمن سلعته من المشتري ، فلم يكن له الفسخ ، كما لو لم يفلس.

ولو دفع الغرماء إلى المفلس من عين ماله قدر الثمن ليدفعه إلى البائع ، لم يجب على البائع القبول حذراً من ظهور آخَر.

مسألة ٣٣٣ : لو مات المشتري المفلس ، لم يزل الحجر عن المال ، بل يتأكّد‌ ، فإنّه لو مات غير محجور عليه ، حُجر عليه ، فلو قال وارثه للبائع والسلعة باقية : لا ترجع حتى أُقدّمك على الغرماء ، لم يلزمه القبول أيضاً ؛ لما ذكرناه من محظور ظهور غريمٍ آخَر.

ولو قال : أُؤدّي الثمن من مالي ، فالوجه : أنّ عليه القبول ، ولم يكن له الفسخ ؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث ، فله تخليص المبيع ، وكما أنّ المديون لو دفع الثمن إلى [ البائع ](١) ، لم يكن له الفسخ ، كذا وارثه.

هذا على تقدير أن يكون المديون قد خلّف وفاءً ، أمّا إذا لم يخلّف‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المشتري ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٨٨

وفاءً ، فإنّه لا اختصاص له بالعين على ما بيّنّاه.

مسألة ٣٣٤ : لو امتنع المشتري من تسليم الثمن مع يساره ، أو هرب أو مات وهو مليٌّ‌ فامتنع الوارث من دفع الثمن ، فإن كان الثمن حالّاً ولم تُسلّم السلعة إلى المشتري ، فإنّه يتخيّر البائع بعد ثلاثة أيّام في الفسخ والصبر عندنا خاصّةً.

ولو كان البائع قد سلّم السلعة إلى المشتري ، لم يكن له الفسخ وإن تعذّر عليه ثبوته(١) أو مطله أو شبه ذلك - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه لم يوجد عيب الإفلاس ، ويمكن التوصّل إلى الاستيفاء بالسلطان ، فإن فُرض عجْزٌ ، كان نادراً لا عبرة به.

والثاني : أنّ له الفسخ ؛ لتعذّر الوصول إلى الثمن(٣) .

مسألة ٣٣٥ : لو باع السلعة وضمن المشتري ضامنٌ بالثمن‌ ، فإن كان البائع قد رضي بضمانه ، انتقل حقّه عن المشتري إلى الضامن ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل وقد رضي بانتقال المال من ذمّة المشتري إلى ذمّة الضامن ، فبرئت ذمّة المشتري ، ولم يكن للبائع الرجوعُ في العين ، سواء تعذّر عليه الاستيفاء من الضامن أو لا.

ولو لم يرض البائع بضمانه ، لم يكن بذلك الضمان اعتبارٌ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا اعتبار لإذن المشتري في الضمان عندنا ، بل متى ضمن ورضي البائع صحّ الضمان ، سواء ضمن بإذن المشتري أو تبرّع بالضمان عنه.

____________________

(١) أي : ثبوت التسليم. والظاهر : « إثباته ».

(٢ و ٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ - ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

٨٩

وقال الشافعي : إن ضمن بإذن المشتري ، فلا رجوع للبائع في العين ؛ لأنّه ليس بمتبرّعٍ على المشتري ، والوصول من يده كالوصول من يد المشتري. وإن ضمن بغير إذنه ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يرجع ، كما لو تبرّع متبرّعٌ بالثمن.

والثاني : أنّه لا يرجع ؛ لأنّ الحقّ قد تقرّر في ذمّته ، وتوجّهت المطالبة عليه ، بخلاف المتبرّع(١) .

تذنيب : لو أُعير [ من ](٢) المشتري ما يرهنه بالثمن ، صحّ‌ ، ولم يكن له الرجوعُ في العين ؛ لإمكان إيفائه من الدَّيْن بالرهن.

وللشافعي الخلافُ السابق في الضمان(٣) .

مسألة ٣٣٦ : لو انقطع جنس الثمن ، فإن جوّزنا الاعتياضَ عنه إذا كان في الذمّة والاستبدالَ ، فلا تعذّر في استيفاء عوضٍ عنه ، ولم يكن للبائع فسخ البيع.

وإن منعنا من الاعتياض ، فهو كانقطاع المـُسْلَم فيه ، والمـُسْلَم فيه إذا انقطع ، كان أثره ثبوت حقّ الفسخ - وهو أصحّ قولي الشافعي. وفي الثاني : الانفساخ ، وهو أضعف قوليه(٤) - فكذا هنا.

النظر الثاني : في المعاوضة.

يُعتبر في المعاوضة - التي يملك فيها المفلس - شرطان : سَبْقُ المعاوضة على الحَجْر ، وكونها محضَ معاوضةٍ ، فلو باع من المفلس شيئاً بعد الحجر عليه ، فالأقرب : الصحّة على ما تقدّم(٥) .

____________________

(١ و ٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) في ص ٢٧ ، المسألة ٢٧٣.

٩٠

وهل يثبت له حقّ الفسخ والرجوع في العين؟ خلافٌ سبق(١) . فإن قلنا : لا رجوع ، تحقّق شرط سَبْق المعاوضة على الحجر ، وإلّا فلا.

ولو آجر الإنسان دارَه وسلّمها إلى المستأجر وقبض الأُجرة ثمّ أفلس وحُجر عليه ، فالإجارة مستمرّة بحالها لا سبيل للغرماء عليها ، كالرهن يختصّ به المرتهن.

فإن انهدمت الدار في أثناء المدّة وفُسخت الإجارة فيما بقي منها ، ضارَب المستأجر مع الغرماء بحصّة ما بقي منها إن كان الانهدام قبل قسمة المال بينهم.

وإن كان بعد القسمة ، فالأقوى : أنّه يضارب أيضاً - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه دَيْنٌ أُسند إلى عقدٍ سابق على الحجر ، وهو الإجارة ، فصار كما لو انهدمت(٣) قبل القسمة.

وفي الآخَر : أنّه لا يضارب ؛ لأنّه دَيْنٌ حدث بعد القسمة ، فصار كما لو استقرض(٤) .

ويضعَّف بأنّ السبب متقدّم ، فيكون مسبَّبه كالمتقدّم.

مسألة ٣٣٧ : لو باعه جاريةً بعبدٍ وتقابضا ثمّ أفلس مشتري الجارية‌ وحُجر عليه وهلكت الجارية في يده ثمّ وجد بائعها بالعبد عيباً فردّه ، فله طلب قيمة الجارية قطعاً.

والأقرب في الطلب : أنّه يضارب كسائر أرباب الديون ، وهو أصحّ‌

____________________

(١) في ص ٣٣ ، ضمن المسألة ٢٨٠.

(٢ و ٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « انهدم ». والظاهر ما أثبتناه.

٩١

وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يقدّم على سائر الغرماء بقيمتها ؛ لأنّه أدخل في مقابلتها عبداً في مال المفلس(١) .

وهذان الوجهان يخالفان الوجهين في رجوع مَنْ باع منه بعد الحجر عليه(٢) شيئاً بالثمن إذا قلنا : لا يتعلّق بعين متاعه ، فإنّا في وجهٍ نقول : يضارب. وفي وجهٍ نقول : يصبر إلى أن يستوفي الغرماء حقوقهم ، ولا نقول بالتقدّم بحال.

والفرق : أنّ الدَّيْن هناك حادث بعد الحجر ، وهنا مستند إلى سببٍ سابق على الحجر ، فإذا انضمّ إليه إدخال شي‌ء في ملك المفلس ، أثّر في التقديم على أحد القولين(٣) .

مسألة ٣٣٨ : قد بيّنّا اشتراط التمحّض للمعاوضة فيها‌ ، فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح بتعذّر استيفاء العوض ، وهو ظاهر على معنى أنّ المرأة لا تفسخ النكاح بتعذّر استيفاء الصداق ، ولا الزوج الخلعَ ولا العافي عن القصاص الصلحَ بتعذّر استيفاء العوض.

وللشافعي قولٌ بتسلّط المرأة على الفسخ بتعذّر استيفاء الصداق(٤) وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وكذا ليس للزوج فسخُ النكاح إذا لم تسلّم المرأة نفسَها ، وتعذّر الوصول إليها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٢) كلمة « عليه » من « ث ، ج ، ر ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠.

(٤) الأُم ٥ : ٩١ ، مختصر المزني : ٢٣٢ ، الحاوي الكبير ١١ : ٤٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ١٠ : ٥٣ ، روضة الطالبين ٦ : ٤٨٣.

٩٢

أمّا إذا انفسخ النكاح من جهتها فسقط صداقها ، أو طلّقها قبل الدخول فسقط نصفه وبقي نصفه فاستحقّ الزوج الرجوعَ بما دفعه أو بنصفه فأقلّ وعين الصداق موجودة ، فهو أحقّ بعين ماله ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحقّ به »(١) .

مسألة ٣٣٩ : إذا أفلس المـُسْلَم إليه قبل توفية مال السَّلَم ، فأقسامه ثلاثة :

أ : أن يكون رأس المال باقياً بحاله‌ ، فللمُسْلِم فسخُ العقد والرجوع إلى رأس ماله ، كما في البائع. وإن أراد أن يضارب مع الغرماء بالمـُسْلَم فيه ولا يفسخ ، أُجيب إليه.

ب : أن يكون بعض رأس المال باقياً وبعضه تالفاً‌ ، وحكمه حكم ما لو تلف بعض المبيع دون بعضٍ ، وسيأتي.

ج : أن يكون رأس المال تالفاً‌ ، فالأقرب أنّه لا ينفسخ السَّلَم بمجرّد ذلك ، كما لو أفلس المشتري بالثمن والمبيع تالف ، بخلاف الانقطاع ؛ فإنّه هناك إذا فسخ ، رجع إلى رأس المال بتمامه، وهنا إذا فسخ ، لم يكن له [ إلّا ](٢) المضاربة برأس المال. ولو لم يفسخ ، لضارَب بالمـُسْلَم فيه ، وهذا [ أنفع ؛ إذ الغالب ](٣) زيادة قيمة المـُسْلَم فيه على رأس المال ، فحينئذٍ‌

____________________

(١) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٩٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٠٧ ، وبتفاوت يسير في صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، وصحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، وسنن البيهقي ٦ : ٤٥.

(٢) الزيادة يقتضيها السياق ، وكما هي مقتضى قول المصنّفقدس‌سره في قواعد الأحكام ٢ : ١٤٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقع إذا تعالت ». وهي تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

٩٣

[ يُقوَّم ](١) المـُسْلَم فيه ، ويضارب المُسْلِم بقيمته مع الغرماء ، فإذا عُرفت حصّته ، نُظر إن كان في المال من جنس الـمُسْلَم فيه ، أخذ منه بقدر نصيبه ، وإن لم يكن ، اشتري له من جنس حقّه ، ويبقى له الباقي في ذمّة المفلس ، وليس له أن يأخذ القيمة إذا لم يكن من جنس الحقّ ؛ لأنّه يأخذ بدل المـُسْلَم فيه. وهو(٢) أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ للمُسْلِم فسخَ العقد والمضاربة(٣) مع الغرماء برأس المال ؛ لأنّه تعذّر عليه الوصول إلى تمام حقّه ، فليمكَّن من فسخ السَّلَم ، كما لو انقطع جنس المـُسْلَم فيه(٤) .

وليس عندي بعيداً من الصواب.

وعلى هذا فهل يجي‌ء قول بانفساخ السَّلَم كما لو انقطع جنس المُسْلَم فيه؟

قال بعض الشافعيّة : نعم ، إتماماً للتشبيه(٥) .

وقال بعضهم : لا ؛ لإمكان حصوله باستقراضٍ وغيره ، بخلاف الانقطاع(٦) .

وإذا كان رأس المال تالفاً وانقطع جنس الـمُسْلَم فيه ، فالأقوى أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقدم ». وهي تصحيف ، والمثبت هو الصحيح.

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « وهذا ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المعاوضة » بدل « المضاربة ». وما أثبتناه من المصادر.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

٩٤

يثبت له حقّ الفسخ ؛ لأنّ سببه ثابت ، وهو الانقطاع ، فإنّه سبب للفسخ في حقّ غير المحجور عليه ففي حقّه أولى ، ولأنّ ما يثبت في حقّ غير المحجور عليه يثبت في حقّ المحجور عليه كالردّ بالعيب.

وله فائدة هنا ؛ فإنّ ما يخصّه لو فسخ ، لصُرف إليه في الحال عن جهة رأس المال ، وما يخصّه لو لم يفسخ ، لم يُصرف إليه ، بل يُوقف إلى أن يعود المُسْلَم فيه فيشتري به.

مسألة ٣٤٠ : لو قُوِّم الـمُسْلَم فيه فكانت قيمته - مثلاً - عشرين ، فأفرزنا(١) من المال للمُسْلِم(٢) عشرةً ؛ لكون الديون ضِعْف المال ، ثمّ رخص السعر قبل الشراء فكانت العشرة تفي بثمن جميع الـمُسْلَم فيه ، فالأقرب : أنّه يشترى به جميع حقّه ويسلّم إليه ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بيوم(٣) القسمة.

والموقوف وإن لم يملكه المُسْلِم لكنّه صار كالمرهون بحقّه وانقطع حقّه عن غيره من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم إليه لم يتعلّق بشي‌ء ممّا عند الغرماء ، فكان حقّه في ذمّة المفلس.

ولا خلاف في أنّه لو فضل الموقوف عن جميع حقّ الـمُسْلِم ، كان الفاضل للغرماء ، وليس له أن يقول : الزائد قد زاد لي ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّا نردّ الموقوف إلى ما يخصّه باعتبار قيمة الأجزاء فتُصرف إليه خمسة ، والخمسة الباقية تُوزّع عليه وعلى باقي الغرماء ؛ لأنّ الموقوف لم يدخل في ملك الـمُسْلِم ، بل هو باقٍ على ملك المفلس ، وحقّ الـمُسْلِم‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة إضافة « له » وحذفناها لزيادتها.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المسلم ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يوم ». والمثبت هو الصحيح.

٩٥

في الحنطة(١) ، لا في ذلك الموقوف ، فإذا صارت القيمة عشرةً ، فليس دَيْنه إلّا ذلك(٢) .

ولا استبعاد فيه.

ولو غلا السعر وكُنّا قد أوقفنا العشرة ولم يوجد القدر الذي أسلم فيه إلّا بأربعين ، فعلى الأوّل لا يزاحمهم ، وليس له إلّا ما وقف له ، وهو العشرة يشتري له بها ربع حقّه ، ويبقى الباقي في ذمّة المفلس. وعلى الوجه [ الثاني ](٣) ظهر أنّ الدَّيْن أربعون ، فيسترجع من سائر الحصص ما تتمّ به حصّة الأربعين.

مسألة ٣٤١ : إذا ضرب الغرماء على قدر رؤوس أموالهم وأخذ الـمُسْلِم ممّا خصّه قدراً من الـمُسْلَم فيه‌ وارتفع الحَجْر عنه ثمّ حدث له مالٌ وأُعيد الحَجْر واحتاجوا إلى الضرب ثانياً ، قوّمنا الـمُسْلَم فيه ، فإن اتّفقت قيمته الآن والقيمة السابقة ، فذاك ، وإلّا فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة.

وإن نقصت ، فالاعتبار بالقيمة الثانية أو بالأقلّ؟ الأقرب : الأوّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

ولو كان الـمُسْلَم فيه ثوباً أو عبداً ، فحصّة الـمُسْلِم يشترى به شقصٌ منه ، للضرورة ، فإن لم يوجد ، فللمُسْلِم الفسخُ.

مسألة ٣٤٢ : الإجارة نوعان :

الأوّل : ما تتعلّق بالأعيان‌ ، كالأرض المعيّنة للزرع ، والدار للسكنى ،

____________________

(١) ذكر الحنطة من باب المثال ، حيث لم يسبق لها ذكر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الأوّل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

٩٦

والعبد للخدمة ، والدابّة للحمل.

ثمّ في كلّ واحدٍ من القسمين(١) إمّا أن يفلس المستأجر أو المؤجر.

فلو استأجر(٢) أرضاً أو دابّةً ثمّ أفلس قبل تسليم الأُجرة وقبل مضيّ شي‌ء من المدّة ، كان للمؤجر فسخ الإجارة ، تنزيلاً للمنافع في الإجارة منزلة الأعيان في البيع ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٣) .

وحكى الجويني قولاً آخَر للشافعي : إنّه لا يثبت الرجوع بالمنافع ، ولا تُنزّل منزلة الأعيان القائمة ؛ إذ ليس لها وجود مستقرّ(٤) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : للمؤجر الخيار في فسخ الإجارة والرجوع بالعين والمنافع ، وفي إمضاء الإجارة والضرب مع الغرماء بالأُجرة.

فإن كانت العين المستأجرة فارغةً ، آجرها الحاكم على المفلس ، وصرف الأُجرة إلى الغرماء.

ولو كان التفليس بعد مضيّ بعض المدّة ، فللمؤجر فسخ الإجارة في المدّة الباقية ، والمضاربة مع الغرماء بقسط المدّة الماضية من الأُجرة المسمّاة ، بناءً على أنّه إذا باع عبدين فتلف أحدهما ثمّ أفلس ، يفسخ البيع في الباقي ، ويضارب بثمن التالف ، وبه قال الشافعي(٥) ، خلافاً لأحمد حيث يذهب أنّه إذا تلف بعض المبيع ، لم يكن للبائع الرجوعُ في البعض الباقي ، كذا هنا إذا مضى بعض المدّة ، كان بمنزلة تلف بعض المبيع(٦) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « من النوعين ».

(٢) من هنا شرع المصنّفقدس‌سره فيما يتعلّق بالقسم الأوّل. ويأتي القسم الثاني في ص ١٠١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦ - ٥٠٧.

(٦) المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦.

٩٧

ويُحتمل فسخ العقد في الجميع إذا مضى بعض المدّة ، ويضرب بقسط ما حمل من أُجرة المثل.

مسألة ٣٤٣ : لو أفلس مستأجر الدابّة وحُجر عليه في خلال الطريق ففسخ المؤجر ، لم يكن له طرح متاعه في البادية المهلكة‌ ، ولا في موضعٍ غير محترز ، بل يجب عليه نقله إلى مأمن بأُجرة المثل لذلك النقل من ذلك المكان ، ويقدّم به على الغرماء ؛ لأنّه لصيانة المال وحفظه وإيصاله إلى الغرماء ، فأشبه أُجرة الكيّال والحمّال وأُجرة المكان المحفوظ فيه ، فإذا وصل إلى المأمن ، وَضَعه عند الحاكم.

ولو وَضَعه على يد عَدْلٍ من غير إذن الحاكم ، فوجهان.

وكذا لو استأجر لحمل متاع فحمل بعضه.

فروع :

أ - لو كان المأمن في صوب المقصد ، وجب المضيّ إليه.

وهل للمؤجر تعجيل الفسخ في موضع العلم بالحجر ، أو يجب عليه الصبر إلى المأمن؟ الأقرب : الأوّل ؛ لأنّ الحجر سبب في تخييره بين الفسخ والإمضاء ، وقد وُجد السبب ، فيوجد المسبّب.

ويُحتمل الثاني ؛ لأنّه يجب عليه المضيّ إلى المأمن ، سواء فسخ أو لا ، فلا وجه لفسخه.

ب - تظهر الفائدة فيما لو كان الأجر(١) في نقله من موضع الحجر إلى موضع المأمن مخالفاً لما يقع له بعد التقسيط من المسمّى‌ ، فإن قلنا : له الفسخ ، ففسخ ، كان له أُجرة المثل إلى المأمن ، سواء زادت عن القسط من المسمّى أو نقصت أو ساوته. وإن قلنا : ليس له الفسخ ، فله القسط من‌

____________________

(١) في « ث » والطبعة الحجريّة : « الأُجرة ».

٩٨

المسمّى.

ج - لو قلنا : ليس له الفسخ ، أو قلنا : له الفسخ ، ولم يفسخ ، هل يقدّم بقسط النقل من موضع الحجر إلى المأمن من المسمّى؟ إشكال‌ ينشأ : من أنّه مستمرّ على الإجارة السابقة التي يجب الضرب بمسمّاها مع الغرماء ، فلم يقدّم على باقي الغرماء في هذا القسط ، كما لم يقدّم في القسط للنقل من مبدأ المسافة إلى موضع الحجر ، ومن أنّ له النقل من المخافة إلى المأمن بأُجرة مقدّمة ، فيجب تقديم هذا القسط من المسمّى.

د - لو كان النقل إلى المأمن إنّما هو في منتهى مسافة الإجارة ، وجب النقل إليه.

ويجي‌ء الاحتمالان في أنّ المؤجر هل له الفسخ أم لا؟ لكن احتمال عدم الفسخ هنا أقوى منه في الأوّل.

ه- لو كان النقل إلى المأمن إنّما يحصل بأُجرة مساوية للنقل إلى المقصد أو أكثر ، فالأولى وجوب النقل إلى المقصد‌ ، وعدم تخييره في الفسخ ، بل يجب عليه إمضاء العقد.

وهل يقدّم بالقسط للنقل من موضع الحجر إلى المقصد من المسمّى أم لا؟ إشكال.

و - لو كان المأمن في صوب المقصد وصوب مبدأ المسافة على حدٍّ واحد‌ أو تعدّدت مواضع الأمن وتساوت قُرْباً وبُعْداً ، فإن كانت أُجرة الجميع واحدةً ، نُظر إلى المصلحة ، فإن تساوت ، كان له سلوك أيّها شاء ، لكنّ الأولى سلوك ما يلي المقصد ؛ لأنّه مستحقّ عليه في أصل العقد. وإن اختلفت الأُجرة ، سلك أقلّها أُجرةً.

وإن تفاوتت المصلحة ، فإن اتّفقت مصلحة المفلس والغرماء في‌

٩٩

شي‌ء واحد ، تعيّن المصير إليه. وإن اختلفت ، فالأولى تقديم مصلحة المفلس.

مسألة ٣٤٤ : لو فسخ المؤجر للأرض إجارتها ؛ لإفلاس المستأجر ، فإن كانت فارغةً ، أخذها ، فإن كان قد مضى من المدّة شي‌ء ، كان كما تقدّم(١) ، وينبغي أن يكون الماضي من الزمان له وَقْعٌ بحيث يقسط المسمّى عليه ، فيرجع في الباقي من المدّة بقسطه.

وإن كانت الأرض مشغولةً بالزرع ، فإن كان الزرع قد استُحصد ، فله المطالبة بالحصاد وتفريغه(٢) .

وإن لم يكن استُحصد ، فإن اتّفق الغرماء والمفلس على قطعه ، قُطع. وإن اتّفقوا على التبقية إلى الإدراك ، فلهم ذلك بشرط أن يقدّموا المؤجر بأُجرة المثل لبقيّة المدّة - محافظةً للزرع - على الغرماء.

وإن اختلفوا فأراد بعضُهم القطعَ وبعضُهم التبقيةَ ، فالأولى مراعاة ما فيه المصلحة حتى لو كانت الأُجرة تستوعب الحاصل وتزيد عليه ، قُطع ، وإلّا فلا ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخَر يُنظر إن كانت له قيمة لو قُطع ، أُجيب مَنْ يريد القطع من المفلس والغرماء ؛ إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ، ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو.

ولا بأس به عندي.

فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أُجرة المدّة الماضية ، فهو أحد الغرماء ، فله طلب القطع.

____________________

(١) في ص ٩٦ ، ضمن المسألة ٣٤٢.

(٢) كذا ، والظاهر : « تفريغها ». أي تفريغ الأرض.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

التّعريف بالصّالحاني

والصّالحاني كثيراً مّا ينقل عنه الشّهاب أحمد ويصفه بالأوصاف الحميدة والألقاب الجليلة، مثل « الإمام العالم الأديب الأريب المحلّى بسجايا المكارم، الملقّب بين الأجلّة الأئمة الأعلام بمحيي السنّة وناصر الحديث ومجدّد الإسلام، العالم الرباني والعارف السبحاني » « الذي سافر ورحل وأدرك المشايخ، وسمع وأسمع وصنّف في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير، وصحب بالعراق أبا موسى المديني الإمام ومن في طبقته ».

واعتمد على روايته ونصَّ على تسنّنه العلّامة سلامة الله الهندي في كتابه ( معركة الآراء ).

وله ترجمة في كتاب ( شدّ الأزار ) قال: « الشيخ سعد الدين أبو حامد محمود بن محمّد الصالحاني الأديب، سافر الحجاز وأدرك مشايخ ذاك العهد وصحب في العراق أبا موسى المديني ومن في طبقته، ثم سكن شيراز. وأسمع الحديث وصنّف الكتب في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير، وعاش سبعين سنة ما تأذّى أحد منه قط، وكان صاحب فراسة. توفّي في ربيع الأوّل سنة ٦١٢ وقبره عند قبر أبي السائب، رحمة الله عليهم »(١). .

(٢٦)

رواية أبي السعادات ابن الأثير

ورواه أبو السعادات المبارك بن محمّد المعروف بابن الأثير الجزري

__________________

(١). شدّ الأزار في حطّ الأوزار عن زوار المزار: ١٣٩.

١٨١

الشافعي: عن « عمران بن حصين. قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -.

ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا.

فأقبل إليهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم، والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إنّ عليّاً منّي وأنا من علي وهو ولي كلّ مؤمن بعدي.

أخرجه الترمذي »(١). .

من مصادر ترجمة ابن الأثير

وهذه طائفة من مصادر ترجمة ابن الأثير صاحب جامع الأصول:

١ - الكامل في التاريخ ١٢ / ١٢٠.

__________________

(١). جامع الاُصول ٨ / ٦٥٢ ٦٥٢ رقم ٦٤٩٢.

١٨٢

٢ - وفيات الأعيان ٤ / ١٤١.

٣ - المختصر في أخبار البشر ٣ / ١١٨.

٤ - العبر في خبر من غبر ٥ / ١٩.

٥ - معجم الأدباء ٦ / ٢٣٨.

٦ - طبقات السبكي ٥ / ١٥٣.

٧ - بغية الوعاة ٢ / ٢٧٤.

وقد ذكرنا ترجمته عن هذه وغيرها في ( حديث الطير ).

(٢٧)

رواية أبي القاسم الرّافعي

ورواه إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم بن محمّد الرافعي القزويني، كما في ( كنز العمّال ) و ( مفتاح النجا ) و ( معارج العلى ) و ( القول المستحسن ) قال المتقي الهندي:

« سألت الله - يا علي - فيك خمساً فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليّ، وأعطاني فيك أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني فيك أنّك وليّ المؤمنين بعدي.

الخطيب، والرافعي، عن علي »(١). .

وهذا نصُّ رواية الرافعي: « إبراهيم بن محمّد بن عبيد بن جهينة أبو إسحاق الشهرزوري ثنا عبيد الله سعيد بن كفير بن عفير، ثنا إبراهيم بن

__________________

(١). كنز العلماء ١١ / ٦٢٥ رقم ٣٣٠٤٧.

١٨٣

رشيد أبو إسحاق الهاشمي الخراساني، حدّثني يحيى بن عبد الله بن حسين ابن حسن بن علي بن أبي طالب، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليرضي‌الله‌عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

سألت الله - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معي لواء الحمد وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنّك أخي في الدنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة. وأعطاني أنك وليّ المؤمنين بعدي »(١). .

ترجمة الرّافعي

والرافعي إمام، فقيه، محدّث، رجالي توجد ترجمته في:

١ - تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٦٤.

٢ - طبقات السّبكي ٨ / ٢٨١.

٣ - النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦.

٤ - مرآة الجنان ٤ / ٥٦.

٥ - العبر ٥ / ٩٤.

٦ - سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٢٥٢ وهذه خلاصة ما قال:

« الرّافعي، شيخ الشّافعيّة، عالم العجم والعرب، إمام الدين، كان من العلماء العاملين، يذكر عنه تعبد ونسك وأحوال وتواضع، إنتهت إليه معرفة المذهب.

__________________

(١). التدوين في ذكر أهل العلم بقزوين ٢ / ١٢٦.

١٨٤

قال ابن الصلاح: أظن أنّي لم أر في بلاد العجم مثله، كان ذا فنون، حسن السيرة جميل الأمر.

وقال أبو عبد الله محمّد بن محمّد الإسفراييني الصفار: هو شيخنا، إمام الدين، ناصر السنّة صدقاً، أبو القاسم، كان أوحد عصره في الأصول والفروع، ومجتهد زمانه، وفريد وقته في تفسير القرآن والمذهب، كان له مجلس للتفسير وتسميع الحديث بجامع قزوين، صنّف كثيراً، وكان زاهداً ورعاً، سمع الكثير.

قال الإمام النواوي: هو من الصالحين المتمكّنين، كانت له كرامات كثيرة ظاهرة.

وقال ابن خلّكان: توفي في ذي القعدة سنة ٦٢٣ ».

وستأتي ترجمته في قسم الدلالة أيضاً.

(٢٨)

رواية أبي الحسن ابن الأثير

ورواه عز الدين أبو الحسن ابن الأثير صاحب اُسد الغابة، بترجمة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

« أنبأنا إبراهيم بن محمّد وغير واحد، بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان الضّبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله فأقبل إليهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم، والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ

١٨٥

عليّاً منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١). .

فهو يرويه في سياق فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعن مشايخه، بأسانيدهم إلى الترمذي وتلك شواهد على صحّة الحديث وثبوته عنده واعتنائه به

من مصادر ترجمة ابن الأثير

وصاحب ( اُسد الغابة ) من أكابر الحفاظ المعتمدين وتوجد ترجمته في كلمات كبار العلماء، في المصادر المعتمدة مثل:

وفيات الأعيان ٣ / ٣٤٨.

وتذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٩٩.

وطبقات السبكي ٥ / ١٢٧.

وطبقات الحفّاظ ؟؟؟؟؟؟؟.

والعبر ٥ / ١٢٠.

والمختصر ٣ / ١٦١.

وقد أوردنا ترجمته بالتفصيل في حديث الطير.

كلمات في مدح اُسد الغابة

وكتاب ( اُسد الغابة في معرفة الصحابة ) من الكتب المعتمدة المقبولة:

قال ابن قاضي شهبة: « صنّف كتاباً حافلاً في معرفة الصحابة، جمع فيه بين: كتاب ابن مندة، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البرّ، وكتاب أبي

__________________

(١). أُسد الغابة ٣ / ٦٠٤.

١٨٦

موسى في ذلك، وزاد وأفاد، وسمّاه أُسد الغابة في معرفة الصحابة »(١). .

وقال ابن الوزير: « وهو أجمع كتابٍ في هذا المعنى »(٢). .

وقال كاشف الظنون: « واستدرك ما فات على من تقدّمه، وبيِّن أوهامهم قاله الذهبي في تجريد أسماء الصحابة، وهو مختصر أُسد الغابة »(٣). .

(٢٩)

رواية أبي الربيع ابن سبع الكلاعي

ورواه أبو الرّبيع سليمان بن موسى الكلاعي البلنسي المعروف بابن سبع، في كتابه ( شفاء الصّدور )(٤). عن بريدة بن الحصيب، كما جاء في ( أسنى المطالب للوصّابي اليمني ) حيث قال:

« وعنه في روايةٍ اُخرى: إن خالد بن الوليد قال: إغتنمها يا بريدة فأخبر النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ما صنع. فقدمت ودخلت المسجد ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في منزل، وناس من أصحابه على بابه، فقال: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خيراً، فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ فقلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم. قالوا: فأخبر النبيّ فإنّه يسقط من عينه، ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال:

ما بال القوم ينتقصون علياً؟! من أبغض علياً فقد أبغضني، ومن

__________________

(١). طبقات الشافعية ٢ / ٨١.

(٢). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٣). كشف الظنون ١ / ٨٢.

(٤). أسنى المطالب - مخطوط.

١٨٧

فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خُلِق من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. يا بريدة، أما علمت: أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليّكم بعدي؟

أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار، وابن أسبوع الأندلسي في الشفا ».

ترجمة ابن سبع الكلاعي

وأبو الربيع الكلاعي من أكابر الحفاظ الثقات:

١ - الذهبي: « الكلاعي، الإمام العالم، الحافظ البارع، محدّث الأندلس وبليغها أبو الربيع كان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به، حافظاً حافلاً، عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك، وفي حفظ أسماء الرجال خصوصاً من تأخّر زمانه »(١). .

٢ - وقال: « أبو الربيع الكلاعي، سليمان بن سالم البلنسي، الحافظ الكبير، صاحب التصانيف وبقيّة أعلام الأثر بالأندلس »(٢). .

٣ - وقال: « الإمام العلّامة، الحافظ المجود، الأديب البليغ، شيخ الحديث والبلاغة بالأندلس، وكان من كبار أئمة الحديث »(٣). .

٤ - اليافعي: « الحافظ، أبو الربيع الكلاعي، سليمان بن موسى البلنسي، صاحب التصانيف، وبقيّة أعلام الأثر في الأندلس. قال الأبّار:

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤١٧.

(٢). العبر ٥ / ١٣٧.

(٣). سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٣٤.

١٨٨

وكان قد فاق وتقدّم على أقرانه، عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، لا نظير له في الاتقان والضّبط »(١). .

٥ - السيوطي: « أبو الربيع، الإمام الحافظ البارع، محدّث الأندلس وبليغها سليمان بن موسى وكان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به، حافظاً عارفاً »(٢). .

٦ - محمّد بن يوسف الشامي: « أو أبا الربيع، فالثقة الثبت سليمان ابن سالم الكلاعي »(٣). .

٧ - المقري: « وكانت وقعة اينجة التي قتل فيها الحافظ أبو الربيع الكلاعي رحمه ‌الله تعالى يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة ٦٣٤، ولم يزل رحمه ‌الله تعالى متقدّماً أمام الصّفوف زحفاً إلى الكفّار مقبلاً على العدو وكان رحمه ‌الله تعالى حافظاً للحديث، مبرّزاً في نقده، تام المعرفة بطرقه، ضابطاً لأحكام أسانيده، ذاكراً لرجاله »(٤). .

(٣٠)

رواية الضياء المقدسي

ورواه ضياء الدين محمّد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي في كتاب ( المختارة ) كما جاء في ( أسنى المطالب للوصابي ): « عن ابن عباس -رضي‌الله‌عنه - إن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال لبريدة: إن عليّاً

__________________

(١). مرآة الجنان حوادث: ٦٣٤.

(٢). طبقات الحفّاظ: ٥٠٠.

(٣). سبل الهدى والرشاد. مقدمة الكتاب ١ / ٤.

(٤). نفح الطّيب ٦ / ٢٦٣.

١٨٩

وليّكم بعدي فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر به.

أخرجه الحاكم في المستدرك والضياء في المختارة »(١). .

كتاب المختارة للضياء

ورواية الضياء المقدسي هذا الحديث الشريف في كتابه ( المختارة ) من أقوى الأدلة على صحته وثبوته، ومن أمتن الحجج على ردّ أهل العناد والمكابرة، وقطع ألسنتهم ودحض أباطيلهم ذلك، لأنّ الضياء قد التزم في كتابه هذا بالصحّة، وأذعن بذلك المحقّقون ووافقوه على صحة أخباره، حتّى جعل بعضهم تصحيحه أعلى من تصحيح الحاكم، ورجّح كتابه على المستدرك.

قال كاشف الظنون: « المختارة في الحديث، للحافظ ضياء الدين محمّد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة ٦٤٣. التزم فيه الصحة، فصحّح فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها. قال ابن كثير: وهذا الكتاب لم يتم، وكان بعض الحفّاظ من مشايخنا يرجّحه على مستدرك الحاكم. كذا في الشذا الفيّاح »(٢). .

وقال الشيخ حسن زمان في القول المستحسن:

« قال الشيخ الكردي في الاُمم: هي الأحاديث التي يصلح أن يحتجَّ بها، سوى ما في الصحيحين وقالوا: كتابه أحسن من مستدرك الحاكم.

وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرّافعي: إن تصحيحه أعلى من

__________________

(١). أسنى المطالب للوصابي - مخطوط.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٦٢٤ - ١٦٢٥.

١٩٠

تصحيح الحاكم، وإنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبان.

ووافقه ابن حجر والسّخاوي.

والسيوطي أشرك صحيحه بالصحيحين في إطلاق اسم الصحّة على جميع ما فيه.

وممّن يعتمده: الحافظ المزّي، والمنذري، وعماد الدين ابن كثير، في كثيرين ».

ترجمة الضّياء المقدسي

وقد أطنب القوم وأطالوا في الثناء على الضياء المقدسي ومدحه وإطرائه:

١ - الذهبي: « الضياء، الإمام العالم الحافظ الحجة، محدّث الشام شيخ السنّة. سمع ما لا يوصف كثرة، وحصّل أُصولاً كثيرةً، ونسخ وصنّف وليّن وجرح وعدّل، وكان المرجوع إليه في هذا الشأن.

قال تلميذه عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبد الله، شيخ وقته ونسيج وحده، علماً وحفظاً، وثقةً وديناً، من العلماء الربانيين، وهو أكبر من أنْ يدل عليه مثلي، كان شديد التحرّي في الرّواية، مجتهداً في العبادات، كثير الذكر، منقطعاً متواضعاً سهل العارية. رأيت جماعةً من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه ومدحوه بالحفظ والزهد. سألت الزّكي البرزالي عنه فقال: ثقة جليل حافظ ديّن.

قال ابن النجار: حافظ متقن حجّة، عالم بالرجال، ورع تقي، ما رأيت مثله في نزاهته وعفّته وحسن طريقته.

١٩١

وقال الشريف ابن النابلسي: ما رأيت مثل شيخنا الضياء »(١). .

٢ - الذهبي أيضاً: « والشيخ الضياء الحافظ أحد الأعلام أفنى عمره في هذا الشأن، مع الدين والورع، والفضيلة التامّة، والثقة والإتقان، إنتفع الناس بتصانيفه والمحدّثون بكتبه، فالله يرحمه ويرضى عنه »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « الشيخ الإمام الحافظ، القدوة، المحقّق، المجوّد، بقيّة السّلف حصّل الاُصول الكثيرة، وجرّح وعدّل، وصحّح وعلّل، وقيّد وأهمل، مع الديانة والأمانة، والتقوى والصيانة، والورع والتواضع، والصّدق والإخلاص، وصحّة النقل، ومن تصانيفه المشهورة »(٣). .

ومن مصادر ترجمته:

الوافي بالوفيات ٤ / ٦٥.

والبداية والنهاية ١٣ / ١٦٩.

والنجوم الزّاهرة ٦ / ٣٥٤.

وشذرات الذهب ٥ / ٢٢٤.

وطبقات الحفّاظ ؟؟؟؟؟؟؟.

(٣١)

رواية محمّد بن طلحة

ورواه أبو سالم محمّد بن طلحة القرشي الشافعي، مصححاً إيّاه ومحتجّاً به وهذه عبارته: «إعلم - أظهرك الله بنوره على أسرار التنزيل،

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٠٥.

(٢). العبر ٥ / ١٧٩.

(٣). سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٢٦.

١٩٢

ومنحك بلطفه تبصرة تهديك إلى سواء السبيل -: أنّه لمـّا كان من محامل لفظة المولى الناصر، كان معنى الحديث: من كنت ناصره فعليٌّ ناصره. فيكون النبي قد وصف عليّاً بكونه ناصراً لكلّ من كان النبي ناصره، فإنّه ذكر ذلك بصيغة العموم. وإنّما أثبت النبي - صلّى الله عليه وسلّم - هذه الصفة - وهي صفة الناصرية لعلي - لمـّا أثبتها الله عزّ وجلّ لعلي، فإنّه نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره إلى أسماء بنت عميس قالت:

لمـّا نزل قوله تعالى:( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) سمعت رسول الله يقول: صالح المؤمنين علي بن أبي طالب. فلمـّا أخبر الله فيما أنزله على رسوله أنّ ناصره هو الله وجبرئيل وعلي، ثبتت صفة الناصرية لعلي، فأثبته النبي اقتداءً بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له.

ثم وصفه بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله - فيما رواه الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده -: إن عليّاً دخل فقال: مرحباً بسيّد المسلمين وإمام المتّقين. فسيادة المسلمين وإمامة المتّقين لمـّا كانت من صفات نفسه وقد عبّر الله تعالى عن نفس علي بنفسه، وصفه بما هو من صفاتها، فافهم ذلك.

ثم لم يزل يخصّه بعد ذلك بخصائص من صفاته، نظراً إلى ما ذكرنا. حتى روى الحافظ أيضاً في حليته بسنده عن أنس بن مالك قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لأبي برزة - وأنا أسمع -: يا أبا برزة، إنّ الله عهد إليّ في علي بن أبي طالب أنّه راية الهدى ومنار الإيمان، وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني. يا أبا برزة، علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربّي،

١٩٣

وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، من أحبّه أحبّني ومن أبغضه أبغضني، فبشّره بذلك.

فإذا وضح لك هذا المستند، ظهرت حكمة تخصيصه عليّاً بكثيرٍ من الصّفات دون غيره، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

وقد روى الأئمة الثقات: البخاري، ومسلم، والترمذي، في صحاحهم بأسانيدهم، أحاديث اتّفقوا عليها، وزاد بعضهم على بعضٍ بألفاظٍ اُخرى، والجميع صحيح:

فمنها: عن سعد بن أبي وقاص قال: إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - خلّف عليّاً في غزوة تبوك على أهله، فقال: يا رسول الله، تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي. قال ابن المسيّب: أخبرني بهذا عامر بن سعد، عن أبيه. فأحببت أن أشافه سعدا، فلقيته فقلت له: أنت سمعته من رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم؟ فوضع أصبعيه على اُذنيه وقال: نعم، وإلّا استكّتا.

وقال جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي.

وروى مسلم والترمذي بسنديهما: إن معاوية بن أبي سفيان أمر سعد ابن أبي وقاص قال: ما منعك أنْ تسبَّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلن أسبّه، لأنْ تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم:

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له - وخلّفه في بعض مغازيه فقال -: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا

١٩٤

نبي بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. فتطاولنا إليها فقال: ادعوا لي علياً، فاُتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع إليه الراية، ففتح الله عليه.

ولمـّا نزلت هذه الآية:( نَدْعُ أَبْنائَنا وَأَبْنائَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهم هؤلاء أهلي.

ونقل الترمذي بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب

فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي! إنّ عليّاً منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

فقد رأيت كيف يذكر ابن طلحة هذا الحديث في معرض الإستدلال والاحتجاج إلى جنب أحاديث أُخرى ويقول: « والجميع صحيح »؟

من مصادر ترجمة ابن طلحة

وابن طلحة يعدّ من كبار فقهاء الشافعية ومحدّثيهم، وقد ذكروه وأثنوا عليه في غير واحد من كتبهم. فراجع منها: مرآة الجنان.

والعبر ٥ / ٢١٣.

وطبقات السبكي ٨ / ٦٣.

__________________

(١). مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ٤٦ - ٤٨.

١٩٥

وطبقات ابن قاضي شهبة ؟؟؟؟؟.

والبداية والنهاية ١٣ / ١٨٦.

والنجوم الزاهرة ٧ / ٣٣.

والوافي بالوفيات ٣ / ١٧٦.

(٣٢)

رواية الكنجي الشّافعي

ورواه أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي، بأسانيده في غير موضع من كتابه، حيث قال:

« الباب التاسع عشر: في غضب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لمخالفة حكم علي -رضي‌الله‌عنه -:

أخبرنا أحمد بن شمذويه الصريفيني بها وأحمد بن محمّد بن سيد الأواني بها، قالا: أخبرنا عمر الدينوري، أخبرنا الكروخي، أخبرنا أبو عامر محمود بن القاسم الأزدي وغيره، أخبرنا الجراحي، أخبرنا المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى الحافظ، حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علياً فأقبل عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - ثم قال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ من بعدي، فلا تخالفوه في حكمه.

رواه أبو عيسى الحافظ كما أخرجناه.

١٩٦

وأخبرتني - كتابةً - عجيبة بنت الحافظ أعلى من هذا السند، غير أنّ أصل سماعي منها لم يحضرني وقت الإملاء.

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مناقب عليعليه‌السلام ، عن عبد الرزاق وعفان، عن جعفر بن سليمان، غير أنّ في حديث عبد الرزاق: فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الرابع - وقد تغيّر وجهه - فقال: دعوا عليا، دعوا عليّا، دعوا عليا، إن عليّا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي. الباقي سواء »(١). .

وقال الكنجي: « روى إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده قصة نوم علي على فراش رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديثٍ طويل. وتابعه الحافظ محدّث الشام في كتابه المسمّى بالأربعين الطوال.

فأمّا حديث الإمام أحمد، فأخبرنا: قاضي القضاة حجة الإسلام أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاة أبي المعالي محمّد بن علي القرشي قال: أخبرنا حنبل بن عبد الله المكّبر، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهّب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثنا أبي.

وأمّا الحديث الذي في الأربعين الطوال فأخبرنا به: القاضي العلّامة مفتي الشام، أبو نصر محمّد بن هبة الله ابن قاضي القضاة شرقاً وغرباً أبي نصر محمّد بن هبة الله بن محمّد بن جميل الشيرازي، قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمّد بن عبد الواحد الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمّد التميمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدّثنا عبد الله بن

__________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ١١٣.

١٩٧

أحمد بن محمّد بن حنبل، حدّثني أبي.

حدّثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، حدّثنا عمرو ابن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهطٍ

هكذا رويته من مسند الإمام أحمد. وهذا حديث بطوله وإن لم يخرج في الصحيحين بهذا السياق لكن أكثر ألفاظه متّفق على صحتها.

ورواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في خصائص علي، عن محمّد ابن المثنى، عن يحيى بن حماد، بطوله كما أخرجناه سواء »(١). .

ترجمة الكنجي

وأبو عبد الله فخر الدين محمّد بن يوسف الكنجي، إمام، محدّث، فقيه، متكلّم، أديب كما وصفه أرباب التواريخ والتّراجم فلاحظ:

١ - تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٤١.

٢ - الذيل على الروضتين: ٢٠٨.

٣ - ذيل مرآة الزمان ١ / ٣٦٠.

٤ - البداية والنهاية ١٣ / ٢٢١.

٥ - النجوم الزاهرة ٦ / ٨٠.

٦ - الوافي بالوفيات ٥ / ٢٥٤.

٧ - كشف الظنون ٢٦٣، ١٤٩٧، ١٨٤٤.

غير أنّ القوم نقموا عليه ميله إلى مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد كان هذا هو السّبب المهم في استشهاده في وسط جامع دمشق - حيث

__________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٢٤١ - ٢٤٤.

١٩٨

كان يملي كتابه في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام - على يد النواصب بصورة شنيعة وقد جاء هذا في جميع تراجمه، نكتفي بكلام واحد، وهو الصفدي:

« الفخر الكنجي - محمّد بن يوسف بن محمّد بن الفخر الكنجي، نزيل دمشق، عُني بالحديث، وسمع ورحل وحصّل. كان إماماً محدّثاً، لكنّه كان يميل إلى الرفض، جمع كتباً في التشيّع، وداخل التتار، فانتدب له من تأذّى منه، فبقر جنبه بالجامع في سنة ٦٥٨. وله شعر يدل على تشيّعه وهو:

وكان علي أرمد العين يبتغي

دواء فلمـّا لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلةٍ

فبورك مرقيّاً وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم فارساً

كميّاً شجاعاً في الحروب محاميا

يحبُّ الإله والإله يحبُّه

به يفتح الله الحصون كما هيا

فخصَّ بها دون البريّة كلّها

علياً وسمّاه الوصيَّ المؤاخيا ».

(٣٣)

رواية محبّ الدين الطبري

ورواه أبو العباس أحمد بن عبد الله الطبري في كتابيه غير مرة:

ففي ( الرياض النضرة ) في مناقب أمير المؤمنين:

« عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعملها علياً. قال: فمضى على السرية فأصاب جاريةً فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وسلّموا عليه ثم انصرفوا

١٩٩

إلى رحالهم، فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إنّ عليّاً صنع كذا وكذا، فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام الثالث، فقال مثل مقالته فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي - ثلاثاً -؟ إنّ علياً منّي وأنا منه، وإنّه وليّ كلّ مؤمن بعدي.

خرّجه الترمذي - وقال: حسن غريب - وأبو حاتم.

وخرّجه أحمد وقال فيه: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع - وقد تغيّر وجهه - فقال: دعوا علياً، علي منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١). .

وفيه:

« عن بريدة قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سريةً، وأمّر عليها رجلاً وأنا فيها، فأصبنا سبياً، فكتب الرجل إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إبعث لنا من يخمّسه. قال: فبعث عليّاً وفي السّبي وصيفة وهي أفضل السّبي. قال: فخمّس وقسّم. قال: فخرج ورأسه يقطر. قلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السّبي، فإنّي قسّمت وخمّست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي، ثم صارت في آل علي.

فكتب الرجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

__________________

(١). الرياض النضرة في مناقب العشرة: ٣ / ١٢٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324