نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 324

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 324 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 238057 / تحميل: 6450
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

التّعريف بالصّالحاني

والصّالحاني كثيراً مّا ينقل عنه الشّهاب أحمد ويصفه بالأوصاف الحميدة والألقاب الجليلة، مثل « الإمام العالم الأديب الأريب المحلّى بسجايا المكارم، الملقّب بين الأجلّة الأئمة الأعلام بمحيي السنّة وناصر الحديث ومجدّد الإسلام، العالم الرباني والعارف السبحاني » « الذي سافر ورحل وأدرك المشايخ، وسمع وأسمع وصنّف في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير، وصحب بالعراق أبا موسى المديني الإمام ومن في طبقته ».

واعتمد على روايته ونصَّ على تسنّنه العلّامة سلامة الله الهندي في كتابه ( معركة الآراء ).

وله ترجمة في كتاب ( شدّ الأزار ) قال: « الشيخ سعد الدين أبو حامد محمود بن محمّد الصالحاني الأديب، سافر الحجاز وأدرك مشايخ ذاك العهد وصحب في العراق أبا موسى المديني ومن في طبقته، ثم سكن شيراز. وأسمع الحديث وصنّف الكتب في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير، وعاش سبعين سنة ما تأذّى أحد منه قط، وكان صاحب فراسة. توفّي في ربيع الأوّل سنة ٦١٢ وقبره عند قبر أبي السائب، رحمة الله عليهم »(١). .

(٢٦)

رواية أبي السعادات ابن الأثير

ورواه أبو السعادات المبارك بن محمّد المعروف بابن الأثير الجزري

__________________

(١). شدّ الأزار في حطّ الأوزار عن زوار المزار: ١٣٩.

١٨١

الشافعي: عن « عمران بن حصين. قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -.

ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا.

فأقبل إليهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم، والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إنّ عليّاً منّي وأنا من علي وهو ولي كلّ مؤمن بعدي.

أخرجه الترمذي »(١). .

من مصادر ترجمة ابن الأثير

وهذه طائفة من مصادر ترجمة ابن الأثير صاحب جامع الأصول:

١ - الكامل في التاريخ ١٢ / ١٢٠.

__________________

(١). جامع الاُصول ٨ / ٦٥٢ ٦٥٢ رقم ٦٤٩٢.

١٨٢

٢ - وفيات الأعيان ٤ / ١٤١.

٣ - المختصر في أخبار البشر ٣ / ١١٨.

٤ - العبر في خبر من غبر ٥ / ١٩.

٥ - معجم الأدباء ٦ / ٢٣٨.

٦ - طبقات السبكي ٥ / ١٥٣.

٧ - بغية الوعاة ٢ / ٢٧٤.

وقد ذكرنا ترجمته عن هذه وغيرها في ( حديث الطير ).

(٢٧)

رواية أبي القاسم الرّافعي

ورواه إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم بن محمّد الرافعي القزويني، كما في ( كنز العمّال ) و ( مفتاح النجا ) و ( معارج العلى ) و ( القول المستحسن ) قال المتقي الهندي:

« سألت الله - يا علي - فيك خمساً فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليّ، وأعطاني فيك أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني فيك أنّك وليّ المؤمنين بعدي.

الخطيب، والرافعي، عن علي »(١). .

وهذا نصُّ رواية الرافعي: « إبراهيم بن محمّد بن عبيد بن جهينة أبو إسحاق الشهرزوري ثنا عبيد الله سعيد بن كفير بن عفير، ثنا إبراهيم بن

__________________

(١). كنز العلماء ١١ / ٦٢٥ رقم ٣٣٠٤٧.

١٨٣

رشيد أبو إسحاق الهاشمي الخراساني، حدّثني يحيى بن عبد الله بن حسين ابن حسن بن علي بن أبي طالب، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليرضي‌الله‌عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

سألت الله - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معي لواء الحمد وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنّك أخي في الدنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة. وأعطاني أنك وليّ المؤمنين بعدي »(١). .

ترجمة الرّافعي

والرافعي إمام، فقيه، محدّث، رجالي توجد ترجمته في:

١ - تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٦٤.

٢ - طبقات السّبكي ٨ / ٢٨١.

٣ - النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦.

٤ - مرآة الجنان ٤ / ٥٦.

٥ - العبر ٥ / ٩٤.

٦ - سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٢٥٢ وهذه خلاصة ما قال:

« الرّافعي، شيخ الشّافعيّة، عالم العجم والعرب، إمام الدين، كان من العلماء العاملين، يذكر عنه تعبد ونسك وأحوال وتواضع، إنتهت إليه معرفة المذهب.

__________________

(١). التدوين في ذكر أهل العلم بقزوين ٢ / ١٢٦.

١٨٤

قال ابن الصلاح: أظن أنّي لم أر في بلاد العجم مثله، كان ذا فنون، حسن السيرة جميل الأمر.

وقال أبو عبد الله محمّد بن محمّد الإسفراييني الصفار: هو شيخنا، إمام الدين، ناصر السنّة صدقاً، أبو القاسم، كان أوحد عصره في الأصول والفروع، ومجتهد زمانه، وفريد وقته في تفسير القرآن والمذهب، كان له مجلس للتفسير وتسميع الحديث بجامع قزوين، صنّف كثيراً، وكان زاهداً ورعاً، سمع الكثير.

قال الإمام النواوي: هو من الصالحين المتمكّنين، كانت له كرامات كثيرة ظاهرة.

وقال ابن خلّكان: توفي في ذي القعدة سنة ٦٢٣ ».

وستأتي ترجمته في قسم الدلالة أيضاً.

(٢٨)

رواية أبي الحسن ابن الأثير

ورواه عز الدين أبو الحسن ابن الأثير صاحب اُسد الغابة، بترجمة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

« أنبأنا إبراهيم بن محمّد وغير واحد، بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان الضّبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله فأقبل إليهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم، والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ

١٨٥

عليّاً منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١). .

فهو يرويه في سياق فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعن مشايخه، بأسانيدهم إلى الترمذي وتلك شواهد على صحّة الحديث وثبوته عنده واعتنائه به

من مصادر ترجمة ابن الأثير

وصاحب ( اُسد الغابة ) من أكابر الحفاظ المعتمدين وتوجد ترجمته في كلمات كبار العلماء، في المصادر المعتمدة مثل:

وفيات الأعيان ٣ / ٣٤٨.

وتذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٩٩.

وطبقات السبكي ٥ / ١٢٧.

وطبقات الحفّاظ ؟؟؟؟؟؟؟.

والعبر ٥ / ١٢٠.

والمختصر ٣ / ١٦١.

وقد أوردنا ترجمته بالتفصيل في حديث الطير.

كلمات في مدح اُسد الغابة

وكتاب ( اُسد الغابة في معرفة الصحابة ) من الكتب المعتمدة المقبولة:

قال ابن قاضي شهبة: « صنّف كتاباً حافلاً في معرفة الصحابة، جمع فيه بين: كتاب ابن مندة، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البرّ، وكتاب أبي

__________________

(١). أُسد الغابة ٣ / ٦٠٤.

١٨٦

موسى في ذلك، وزاد وأفاد، وسمّاه أُسد الغابة في معرفة الصحابة »(١). .

وقال ابن الوزير: « وهو أجمع كتابٍ في هذا المعنى »(٢). .

وقال كاشف الظنون: « واستدرك ما فات على من تقدّمه، وبيِّن أوهامهم قاله الذهبي في تجريد أسماء الصحابة، وهو مختصر أُسد الغابة »(٣). .

(٢٩)

رواية أبي الربيع ابن سبع الكلاعي

ورواه أبو الرّبيع سليمان بن موسى الكلاعي البلنسي المعروف بابن سبع، في كتابه ( شفاء الصّدور )(٤). عن بريدة بن الحصيب، كما جاء في ( أسنى المطالب للوصّابي اليمني ) حيث قال:

« وعنه في روايةٍ اُخرى: إن خالد بن الوليد قال: إغتنمها يا بريدة فأخبر النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ما صنع. فقدمت ودخلت المسجد ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في منزل، وناس من أصحابه على بابه، فقال: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خيراً، فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ فقلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم. قالوا: فأخبر النبيّ فإنّه يسقط من عينه، ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال:

ما بال القوم ينتقصون علياً؟! من أبغض علياً فقد أبغضني، ومن

__________________

(١). طبقات الشافعية ٢ / ٨١.

(٢). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٣). كشف الظنون ١ / ٨٢.

(٤). أسنى المطالب - مخطوط.

١٨٧

فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خُلِق من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. يا بريدة، أما علمت: أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليّكم بعدي؟

أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار، وابن أسبوع الأندلسي في الشفا ».

ترجمة ابن سبع الكلاعي

وأبو الربيع الكلاعي من أكابر الحفاظ الثقات:

١ - الذهبي: « الكلاعي، الإمام العالم، الحافظ البارع، محدّث الأندلس وبليغها أبو الربيع كان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به، حافظاً حافلاً، عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك، وفي حفظ أسماء الرجال خصوصاً من تأخّر زمانه »(١). .

٢ - وقال: « أبو الربيع الكلاعي، سليمان بن سالم البلنسي، الحافظ الكبير، صاحب التصانيف وبقيّة أعلام الأثر بالأندلس »(٢). .

٣ - وقال: « الإمام العلّامة، الحافظ المجود، الأديب البليغ، شيخ الحديث والبلاغة بالأندلس، وكان من كبار أئمة الحديث »(٣). .

٤ - اليافعي: « الحافظ، أبو الربيع الكلاعي، سليمان بن موسى البلنسي، صاحب التصانيف، وبقيّة أعلام الأثر في الأندلس. قال الأبّار:

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤١٧.

(٢). العبر ٥ / ١٣٧.

(٣). سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٣٤.

١٨٨

وكان قد فاق وتقدّم على أقرانه، عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، لا نظير له في الاتقان والضّبط »(١). .

٥ - السيوطي: « أبو الربيع، الإمام الحافظ البارع، محدّث الأندلس وبليغها سليمان بن موسى وكان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به، حافظاً عارفاً »(٢). .

٦ - محمّد بن يوسف الشامي: « أو أبا الربيع، فالثقة الثبت سليمان ابن سالم الكلاعي »(٣). .

٧ - المقري: « وكانت وقعة اينجة التي قتل فيها الحافظ أبو الربيع الكلاعي رحمه ‌الله تعالى يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة ٦٣٤، ولم يزل رحمه ‌الله تعالى متقدّماً أمام الصّفوف زحفاً إلى الكفّار مقبلاً على العدو وكان رحمه ‌الله تعالى حافظاً للحديث، مبرّزاً في نقده، تام المعرفة بطرقه، ضابطاً لأحكام أسانيده، ذاكراً لرجاله »(٤). .

(٣٠)

رواية الضياء المقدسي

ورواه ضياء الدين محمّد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي في كتاب ( المختارة ) كما جاء في ( أسنى المطالب للوصابي ): « عن ابن عباس -رضي‌الله‌عنه - إن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال لبريدة: إن عليّاً

__________________

(١). مرآة الجنان حوادث: ٦٣٤.

(٢). طبقات الحفّاظ: ٥٠٠.

(٣). سبل الهدى والرشاد. مقدمة الكتاب ١ / ٤.

(٤). نفح الطّيب ٦ / ٢٦٣.

١٨٩

وليّكم بعدي فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر به.

أخرجه الحاكم في المستدرك والضياء في المختارة »(١). .

كتاب المختارة للضياء

ورواية الضياء المقدسي هذا الحديث الشريف في كتابه ( المختارة ) من أقوى الأدلة على صحته وثبوته، ومن أمتن الحجج على ردّ أهل العناد والمكابرة، وقطع ألسنتهم ودحض أباطيلهم ذلك، لأنّ الضياء قد التزم في كتابه هذا بالصحّة، وأذعن بذلك المحقّقون ووافقوه على صحة أخباره، حتّى جعل بعضهم تصحيحه أعلى من تصحيح الحاكم، ورجّح كتابه على المستدرك.

قال كاشف الظنون: « المختارة في الحديث، للحافظ ضياء الدين محمّد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة ٦٤٣. التزم فيه الصحة، فصحّح فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها. قال ابن كثير: وهذا الكتاب لم يتم، وكان بعض الحفّاظ من مشايخنا يرجّحه على مستدرك الحاكم. كذا في الشذا الفيّاح »(٢). .

وقال الشيخ حسن زمان في القول المستحسن:

« قال الشيخ الكردي في الاُمم: هي الأحاديث التي يصلح أن يحتجَّ بها، سوى ما في الصحيحين وقالوا: كتابه أحسن من مستدرك الحاكم.

وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرّافعي: إن تصحيحه أعلى من

__________________

(١). أسنى المطالب للوصابي - مخطوط.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٦٢٤ - ١٦٢٥.

١٩٠

تصحيح الحاكم، وإنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبان.

ووافقه ابن حجر والسّخاوي.

والسيوطي أشرك صحيحه بالصحيحين في إطلاق اسم الصحّة على جميع ما فيه.

وممّن يعتمده: الحافظ المزّي، والمنذري، وعماد الدين ابن كثير، في كثيرين ».

ترجمة الضّياء المقدسي

وقد أطنب القوم وأطالوا في الثناء على الضياء المقدسي ومدحه وإطرائه:

١ - الذهبي: « الضياء، الإمام العالم الحافظ الحجة، محدّث الشام شيخ السنّة. سمع ما لا يوصف كثرة، وحصّل أُصولاً كثيرةً، ونسخ وصنّف وليّن وجرح وعدّل، وكان المرجوع إليه في هذا الشأن.

قال تلميذه عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبد الله، شيخ وقته ونسيج وحده، علماً وحفظاً، وثقةً وديناً، من العلماء الربانيين، وهو أكبر من أنْ يدل عليه مثلي، كان شديد التحرّي في الرّواية، مجتهداً في العبادات، كثير الذكر، منقطعاً متواضعاً سهل العارية. رأيت جماعةً من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه ومدحوه بالحفظ والزهد. سألت الزّكي البرزالي عنه فقال: ثقة جليل حافظ ديّن.

قال ابن النجار: حافظ متقن حجّة، عالم بالرجال، ورع تقي، ما رأيت مثله في نزاهته وعفّته وحسن طريقته.

١٩١

وقال الشريف ابن النابلسي: ما رأيت مثل شيخنا الضياء »(١). .

٢ - الذهبي أيضاً: « والشيخ الضياء الحافظ أحد الأعلام أفنى عمره في هذا الشأن، مع الدين والورع، والفضيلة التامّة، والثقة والإتقان، إنتفع الناس بتصانيفه والمحدّثون بكتبه، فالله يرحمه ويرضى عنه »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « الشيخ الإمام الحافظ، القدوة، المحقّق، المجوّد، بقيّة السّلف حصّل الاُصول الكثيرة، وجرّح وعدّل، وصحّح وعلّل، وقيّد وأهمل، مع الديانة والأمانة، والتقوى والصيانة، والورع والتواضع، والصّدق والإخلاص، وصحّة النقل، ومن تصانيفه المشهورة »(٣). .

ومن مصادر ترجمته:

الوافي بالوفيات ٤ / ٦٥.

والبداية والنهاية ١٣ / ١٦٩.

والنجوم الزّاهرة ٦ / ٣٥٤.

وشذرات الذهب ٥ / ٢٢٤.

وطبقات الحفّاظ ؟؟؟؟؟؟؟.

(٣١)

رواية محمّد بن طلحة

ورواه أبو سالم محمّد بن طلحة القرشي الشافعي، مصححاً إيّاه ومحتجّاً به وهذه عبارته: «إعلم - أظهرك الله بنوره على أسرار التنزيل،

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٠٥.

(٢). العبر ٥ / ١٧٩.

(٣). سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٢٦.

١٩٢

ومنحك بلطفه تبصرة تهديك إلى سواء السبيل -: أنّه لمـّا كان من محامل لفظة المولى الناصر، كان معنى الحديث: من كنت ناصره فعليٌّ ناصره. فيكون النبي قد وصف عليّاً بكونه ناصراً لكلّ من كان النبي ناصره، فإنّه ذكر ذلك بصيغة العموم. وإنّما أثبت النبي - صلّى الله عليه وسلّم - هذه الصفة - وهي صفة الناصرية لعلي - لمـّا أثبتها الله عزّ وجلّ لعلي، فإنّه نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره إلى أسماء بنت عميس قالت:

لمـّا نزل قوله تعالى:( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) سمعت رسول الله يقول: صالح المؤمنين علي بن أبي طالب. فلمـّا أخبر الله فيما أنزله على رسوله أنّ ناصره هو الله وجبرئيل وعلي، ثبتت صفة الناصرية لعلي، فأثبته النبي اقتداءً بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له.

ثم وصفه بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله - فيما رواه الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده -: إن عليّاً دخل فقال: مرحباً بسيّد المسلمين وإمام المتّقين. فسيادة المسلمين وإمامة المتّقين لمـّا كانت من صفات نفسه وقد عبّر الله تعالى عن نفس علي بنفسه، وصفه بما هو من صفاتها، فافهم ذلك.

ثم لم يزل يخصّه بعد ذلك بخصائص من صفاته، نظراً إلى ما ذكرنا. حتى روى الحافظ أيضاً في حليته بسنده عن أنس بن مالك قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لأبي برزة - وأنا أسمع -: يا أبا برزة، إنّ الله عهد إليّ في علي بن أبي طالب أنّه راية الهدى ومنار الإيمان، وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني. يا أبا برزة، علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربّي،

١٩٣

وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، من أحبّه أحبّني ومن أبغضه أبغضني، فبشّره بذلك.

فإذا وضح لك هذا المستند، ظهرت حكمة تخصيصه عليّاً بكثيرٍ من الصّفات دون غيره، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

وقد روى الأئمة الثقات: البخاري، ومسلم، والترمذي، في صحاحهم بأسانيدهم، أحاديث اتّفقوا عليها، وزاد بعضهم على بعضٍ بألفاظٍ اُخرى، والجميع صحيح:

فمنها: عن سعد بن أبي وقاص قال: إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - خلّف عليّاً في غزوة تبوك على أهله، فقال: يا رسول الله، تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي. قال ابن المسيّب: أخبرني بهذا عامر بن سعد، عن أبيه. فأحببت أن أشافه سعدا، فلقيته فقلت له: أنت سمعته من رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم؟ فوضع أصبعيه على اُذنيه وقال: نعم، وإلّا استكّتا.

وقال جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي.

وروى مسلم والترمذي بسنديهما: إن معاوية بن أبي سفيان أمر سعد ابن أبي وقاص قال: ما منعك أنْ تسبَّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلن أسبّه، لأنْ تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم:

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له - وخلّفه في بعض مغازيه فقال -: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا

١٩٤

نبي بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. فتطاولنا إليها فقال: ادعوا لي علياً، فاُتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع إليه الراية، ففتح الله عليه.

ولمـّا نزلت هذه الآية:( نَدْعُ أَبْنائَنا وَأَبْنائَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهم هؤلاء أهلي.

ونقل الترمذي بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب

فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي! إنّ عليّاً منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

فقد رأيت كيف يذكر ابن طلحة هذا الحديث في معرض الإستدلال والاحتجاج إلى جنب أحاديث أُخرى ويقول: « والجميع صحيح »؟

من مصادر ترجمة ابن طلحة

وابن طلحة يعدّ من كبار فقهاء الشافعية ومحدّثيهم، وقد ذكروه وأثنوا عليه في غير واحد من كتبهم. فراجع منها: مرآة الجنان.

والعبر ٥ / ٢١٣.

وطبقات السبكي ٨ / ٦٣.

__________________

(١). مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ٤٦ - ٤٨.

١٩٥

وطبقات ابن قاضي شهبة ؟؟؟؟؟.

والبداية والنهاية ١٣ / ١٨٦.

والنجوم الزاهرة ٧ / ٣٣.

والوافي بالوفيات ٣ / ١٧٦.

(٣٢)

رواية الكنجي الشّافعي

ورواه أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي، بأسانيده في غير موضع من كتابه، حيث قال:

« الباب التاسع عشر: في غضب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لمخالفة حكم علي -رضي‌الله‌عنه -:

أخبرنا أحمد بن شمذويه الصريفيني بها وأحمد بن محمّد بن سيد الأواني بها، قالا: أخبرنا عمر الدينوري، أخبرنا الكروخي، أخبرنا أبو عامر محمود بن القاسم الأزدي وغيره، أخبرنا الجراحي، أخبرنا المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى الحافظ، حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علياً فأقبل عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - ثم قال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ من بعدي، فلا تخالفوه في حكمه.

رواه أبو عيسى الحافظ كما أخرجناه.

١٩٦

وأخبرتني - كتابةً - عجيبة بنت الحافظ أعلى من هذا السند، غير أنّ أصل سماعي منها لم يحضرني وقت الإملاء.

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مناقب عليعليه‌السلام ، عن عبد الرزاق وعفان، عن جعفر بن سليمان، غير أنّ في حديث عبد الرزاق: فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الرابع - وقد تغيّر وجهه - فقال: دعوا عليا، دعوا عليّا، دعوا عليا، إن عليّا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي. الباقي سواء »(١). .

وقال الكنجي: « روى إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده قصة نوم علي على فراش رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديثٍ طويل. وتابعه الحافظ محدّث الشام في كتابه المسمّى بالأربعين الطوال.

فأمّا حديث الإمام أحمد، فأخبرنا: قاضي القضاة حجة الإسلام أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاة أبي المعالي محمّد بن علي القرشي قال: أخبرنا حنبل بن عبد الله المكّبر، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهّب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثنا أبي.

وأمّا الحديث الذي في الأربعين الطوال فأخبرنا به: القاضي العلّامة مفتي الشام، أبو نصر محمّد بن هبة الله ابن قاضي القضاة شرقاً وغرباً أبي نصر محمّد بن هبة الله بن محمّد بن جميل الشيرازي، قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمّد بن عبد الواحد الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمّد التميمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدّثنا عبد الله بن

__________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ١١٣.

١٩٧

أحمد بن محمّد بن حنبل، حدّثني أبي.

حدّثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، حدّثنا عمرو ابن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهطٍ

هكذا رويته من مسند الإمام أحمد. وهذا حديث بطوله وإن لم يخرج في الصحيحين بهذا السياق لكن أكثر ألفاظه متّفق على صحتها.

ورواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في خصائص علي، عن محمّد ابن المثنى، عن يحيى بن حماد، بطوله كما أخرجناه سواء »(١). .

ترجمة الكنجي

وأبو عبد الله فخر الدين محمّد بن يوسف الكنجي، إمام، محدّث، فقيه، متكلّم، أديب كما وصفه أرباب التواريخ والتّراجم فلاحظ:

١ - تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٤١.

٢ - الذيل على الروضتين: ٢٠٨.

٣ - ذيل مرآة الزمان ١ / ٣٦٠.

٤ - البداية والنهاية ١٣ / ٢٢١.

٥ - النجوم الزاهرة ٦ / ٨٠.

٦ - الوافي بالوفيات ٥ / ٢٥٤.

٧ - كشف الظنون ٢٦٣، ١٤٩٧، ١٨٤٤.

غير أنّ القوم نقموا عليه ميله إلى مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد كان هذا هو السّبب المهم في استشهاده في وسط جامع دمشق - حيث

__________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٢٤١ - ٢٤٤.

١٩٨

كان يملي كتابه في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام - على يد النواصب بصورة شنيعة وقد جاء هذا في جميع تراجمه، نكتفي بكلام واحد، وهو الصفدي:

« الفخر الكنجي - محمّد بن يوسف بن محمّد بن الفخر الكنجي، نزيل دمشق، عُني بالحديث، وسمع ورحل وحصّل. كان إماماً محدّثاً، لكنّه كان يميل إلى الرفض، جمع كتباً في التشيّع، وداخل التتار، فانتدب له من تأذّى منه، فبقر جنبه بالجامع في سنة ٦٥٨. وله شعر يدل على تشيّعه وهو:

وكان علي أرمد العين يبتغي

دواء فلمـّا لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلةٍ

فبورك مرقيّاً وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم فارساً

كميّاً شجاعاً في الحروب محاميا

يحبُّ الإله والإله يحبُّه

به يفتح الله الحصون كما هيا

فخصَّ بها دون البريّة كلّها

علياً وسمّاه الوصيَّ المؤاخيا ».

(٣٣)

رواية محبّ الدين الطبري

ورواه أبو العباس أحمد بن عبد الله الطبري في كتابيه غير مرة:

ففي ( الرياض النضرة ) في مناقب أمير المؤمنين:

« عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعملها علياً. قال: فمضى على السرية فأصاب جاريةً فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وسلّموا عليه ثم انصرفوا

١٩٩

إلى رحالهم، فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إنّ عليّاً صنع كذا وكذا، فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام الثالث، فقال مثل مقالته فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي - ثلاثاً -؟ إنّ علياً منّي وأنا منه، وإنّه وليّ كلّ مؤمن بعدي.

خرّجه الترمذي - وقال: حسن غريب - وأبو حاتم.

وخرّجه أحمد وقال فيه: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع - وقد تغيّر وجهه - فقال: دعوا علياً، علي منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١). .

وفيه:

« عن بريدة قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سريةً، وأمّر عليها رجلاً وأنا فيها، فأصبنا سبياً، فكتب الرجل إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إبعث لنا من يخمّسه. قال: فبعث عليّاً وفي السّبي وصيفة وهي أفضل السّبي. قال: فخمّس وقسّم. قال: فخرج ورأسه يقطر. قلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السّبي، فإنّي قسّمت وخمّست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي، ثم صارت في آل علي.

فكتب الرجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

__________________

(١). الرياض النضرة في مناقب العشرة: ٣ / ١٢٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الواسع »(١) .

كما ترجم له في تاريخ مصر بقوله: « ابن حجر إمام الحافظ في زمانه، إنتهت اليه الرحلة والرئاسة في الحديث في الدنيا بأسرها، فلم يكن في عصره حافظ سواه »(٢) .

ترجمة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي

وأما الشيخ أبو اسحاق الشيرازي الذي وصف الشريف المرتضى -رحمه‌الله - بما نقله الحافظ ابن حجر فإليك بعض كلماتهم في مدحه:

قال ابن خلكان ما ملخصه:

« الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزآبادي الملقّب جمال الدين، سكن بغداد وتفقّه على جماعة من الأعيان، وصحب القاضي أبا الطيّب الطبري كثيراً وانتفع به وناب عنه في مجلسه، ورتّبه معيدا في حلقته، وصار إمام وقته ببغداد، ولما بنى نظام الملك مدرسته ببغداد سأله أن يتولاّها فلم يزل إلى أن مات. وصنّف التصانيف المباركة وانتفع به خلق كثير، وله شعر حسن، وكان في غاية من الورع والتشدّد في الدين، ومحاسنه أكثر من أن تحصر، وكانت ولادته في سنة ٣٩٣، وتوفي سنة ٤٧٦.

وذكره محب الدين ابن النجار في تاريخ بغداد، فقال في حقه: إمام أصحاب الشافعي، ومن انتشر فضله في البلاد، وفاق أهل زمانه بالعلم والزهد، وأكثر علماء الأمصار من تلامذته »(٣) .

وقال الذهبي بترجمته:

___________________

(١). نظم العقيان في أعيان الأعيان / ٤٥.

(٢). حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ١ / ٣٦٣.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٢٩.

٣٠١

« أبو اسحاق الشيرازي، الشيخ الامام القدوة المجتهد شيخ الاسلام نزيل بغداد. قال السمعاني: هو إمام الشافعية ومدرّس النظامية وشيخ العصر، رحل الناس إليه من البلاد وقصدوه، وتفرّد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة. صنّف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، وكان زاهداً ورعاً. قال أبو بكر الشاشي: أبو إسحاق حجة الله على أئمة العصر. وقال الموفّق الحنفي: أبو اسحاق أمير المؤمنين في الفقهاء.

قال السمعاني: سمعت جماعة يقولون: لمـّا قدم أبو إسحاق نيسابور رسولاً تلقّوه، وحمل إمام الحرمين غاشية ومشى بين يديه وقال: أفتخر بهذا. وكان عامة المدرّسين بالعراق والجبال تلامذته وأتباعه، وكفاهم بذلك فخراً.

قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق. لو رآه الشافعي لتجمّل به.

أخبرني الحسن بن علي، أنا جعفر الهمداني، أنا السلفي، سألت شجاع الذهلي عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدّم عليهم في وقته ببغداد، كان ثقة ورعاً صالحاً عالماً بالخلاف لا يشاركه فيه أحد.

قال محمد بن عبد الملك الهمداني: ندب المقتدى أبا اسحاق للمراسلة إلى المعسكر فتوجّه، فكان يخرج اليه أهل البلد بنسائهم وأولادهم يمسحون أردانه ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، وخرج الخبازون ونثروا الخبز، وخرج الفاكهة والحلوى ونثروا، حتى الأساكفة عملوا مداساتٍ صغاراً ونثروها وهي تقع على رءوس الناس.

قال شيرويه الديلمي في تاريخ همدان: الشيخ أبو إسحاق إمام عصره، وكان ثقة فقيهاً زاهداً في الدنيا على التحقيق، أوحد زمانه »(١) .

وقال اليافعي في تاريخه حيث عنون أبا إسحاق: « الشيخ الامام المتّفق على جلالته وبراعته في الفقه والأصول، وزهادته وورعه وعبادته وصلاحه وجميل

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٥٢.

٣٠٢

صفاته، السيد الجليل أبو إسحاق المشهور فضله في الآفاق » ثمّ قال بعد أن أورد كلمات العلماء في حقه:

« كان قد استقر إجماع أهل بغداد بعد موت الخليفة على أن تعقد الخلافة لمن اختاره الشيخ أبو إسحاق، فاختار المقتدى بأمر الله »(١) .

وقد ترجمه أيضاً:

١ - الذهبي في العبر في خبر من غبر: حوادث سنة ٤٧٦.

٢ - ابن الوردي في تاريخه: تتمة المختصر في أخبار البشر: حوادث سنة ٤٧٦.

٣ - الأسنوي في طبقات الشافعية: ٢ / ٨٣.

٤ - ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية ١ / ٢٤٤.

* * *

والخلاصة: إذا كان ذكر « الجاحظ » فضائل أمير المؤمنين -عليه‌السلام - دليلاً على الحب وعدم العداوة والنصب، فاللازم أن يكون ذكر هؤلاء الأئمّة وترجمتهم كبار الامامية بكل مدحٍ وثناءٍ دليلاً على حبهم وودّهم لهم، والموافقة معهم في عقائدهم، وتنزيههم مما يقال فيهم وينسب اليهم من المذاهب الباطلة على حد زعم أهل السنة.

ولكن رشيد الدين الدهلوي لا يسلم بذلك ولا يلتزم به.

فكذلك ذكر الجاحظ الامام -عليه‌السلام - بفضائله ومناقبه فما ذكره رداً على « العلامة الحلي » ودفاعاً عن الجاحظ باطل.

___________________

(١). مرآة الجنان: حوادث سنة ٤٧٦.

٣٠٣

تكملة

وأما ما ذكره رشيد الدين الدهلوي عن السيد الشهيد القاضي نور الله التستري - طاب ثراه - ونسبه إليه، فهو غريب جداً بل كذب، يلوح ذلك لمن راجع كتاب ( احقاق الحق ) للقاضي المذكور، بل بطلانه واضح من كلام الرشيد الدهلوي نفسه.

أما من ( احقاق الحق ) فان القاضي -رحمه‌الله - قال في الرد على كلام ابن روزبهان الذي تقدم نصه:

« قد علم عداوة الجاحظ من كلماته الأخر، ومن بعض عقائده الدالّة على أن صدور تلك المدائح عنه من قبيل ما أشار اليه تعالى بقوله:( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) . وبقوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) .

وأقل ما صدر عن الجاحظ ممّا يدلّ على عداوته لأمير المؤمنين ومخالفته لاجماع المسلمين أنه أظهر في سنة عشر ومائتين من الهجرة القول بأن الامامة بالميراث، وأن وارث النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - هو عمّه العباس دون علي، وكان ذلك منه تقرّباً إلى الخليفة المأمون العباسي، فباع دينه بدنياه، نظير ذلك أن معاوية كان يصف علياً -عليه‌السلام - عند خواص أصحابه، ويحاربه ويأمر

٣٠٤

بسبّه على رؤوس المنابر، والشيطان يسبّح الله ويقدّسه بل يزعم في دعوى إخلاصه أن سجدة آدمعليه‌السلام شرك مع الله، وصار لمخالفته الأمر بها عدواً لله ملعوناً مطروداً، وبهذا يعلم بطلان استدلاله المذكور على المحبة، ويفهم أنه لم يذق طعم المحبة.

وبالجملة، قد علم أن الجاحظ - وهو أبو عثمان عمرو بن بحر - كان عثمانياً مروانياً، ومع هذا قد اعترف بفضل بني هاشم وأهل بيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وتقديمهم، وفضل علي -عليه‌السلام - وتقديمه في بعض رسائله، فإنْ كان هذا مذهبه فذاك، وإلّا فقد أنطقه الله تعالى بالحق وأجرى لسانه بالصدق، وقال ما يكون حجةً عليه في الدنيا والآخرة، ونطق بما لو اعتقد غيره لكان خصيمه في محشره فإن الله تعالى عند لسان كلّ قائل، فلينظر قائل ما يقول وأصعب الأمور وأشقها أن يذكر الانسان شيئاً يستحق به الجنة، ثم يكون ذلك موجباً لدخول النار، نعوذ بالله من ذلك».

فظهر ان القاضي التستري -رحمه‌الله - قد ذكر تأليف الجاحظ رسالة فضائل علي وأهل البيت -عليهم‌السلام -، وأنه لم يحمل ذلك على محمل مستغرب، فقول رشيد الدين الدهلوي: « مع عدم ذكر تأليفه كتاباً في مناقبه، وحمل ذلك على محمل يستغفر به الأذكياء بل الأغنياء » كذب صريح.

وأما ظهور كذب هذا الرجل من كلام نفسه، فلأنه يقول: « وحمل ذلك على محمل يستغربه الأذكياء بل الأغنياء » لأنّ هذا الكلام يتضمن عدم إنكار السيد تصنيف الجاحظ تلك الرسالة.

هذا، وأما دعوى أنه « يستغربه الأذكياء بل الأغنياء » فطريفة جداً. فلقد ثبت بالقطع واليقين لدى ( الدهلوي ) نصب الجاحظ وعداوته وثبت عنده أن الجاحظ صنّف رسالة في الطعن في خصائص مولانا علي -عليه‌السلام -، فلابدّ أنْ يكون ( الدهلوي ) يحمل رسالة الجاحظ - المذكورة - على ذلك المعنى أيضاً، فيكون حينئذٍ خارجاً من عداد الأذكياء بل الأغنياء في رأي تلميذه الرشيد

٣٠٥

بل الألطف من هذا: أن رشيد الدين خان يجعل استدلال القاضي -رحمه‌الله - على عداوة الجاحظ ومخالفته لإِجماع المسلمين بإظهار قوله المذكور في الامامة، أعجب ممّا ادّعاه العلّامة الحلّي -رحمه‌الله - وكأن الرشيد الدهلوي لا يدري أن مقالة الجاحظ هذه تؤدي إلى إنكار خلافة الامام -عليه‌السلام - حتى في المرتبة الرابعة، فلو لم يكن هذا المذهب نصباً وعداوة لدى الرشيد الدهلوي فليقل لنا ما هو مصداق العداوة والبغض والانحراف في رأيه

هذا، وأما تشكيك رشيد الدين الدهلوي في صدور هذه المقالة من الجاحظ حيث قال « على تقدير تسليم صدورها من هذا المعتزلي » فيدل على طول باعه في التحقيق وسعة اطلاعه وإحاطته بالمذاهب والنحل ...!!

فإن صدور هذه المقالة من الجاحظ مشهور، فقد قال الشريف في ردّ كلام قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي القائل بعد كلام له:

« وبعد، فإنْ جاز حصول النص على هذه الطريقة ويختص بمعرفته قوم على بعض الوجوه، ليجوزنّ إدعاء النص على العباس وغيره، وإن اختص بمعرفته قوم دون قوم ثم انقطع النقل، لأنه إنْ جاز انقطاع النقل فيما يعم تكليفه عن بعض دون بعض جاز انقطاعه عن المكلَّفين كذلك، لأن ما أوجب إزاحة العلة في كلّهم يوجب إزاحة العلة في بعضهم ».

قال الشريفرحمه‌الله في ردّه:

« يقال له: إن المعارضة بما يدعى من النص على العباس، أبعد عن الصواب من المعارضة بالنص على أبي بكر، والذي يتبيّن بطلان هذه المقالة، والفرق بينها وبين ما يذهب اليه الشيعة في النص على أمير المؤمنين -عليه‌السلام - وجوه:

منها: أنا لا نسمع بهذه المقالة إلّا حكاية وما شاهدنا قط ولا شاهد من أخبرنا ممن لقيناه قوماً يدينون بها، والحال في شذوذ أهلها أظهر من الحال في شذوذ البكرية، وإنْ كنا لم نلق منهم إلّا آحاداً لا يقوم الحجة بمثلهم، فقد وجدوا على

٣٠٦

حال وعرف في جملة الناس من يذهب إلى المقالة المرويّة عنهم، وليس هذا في العباسية.

ولو لا أن الجاحظ صنّف كتاباً حكى فيه مقالتهم وأورد فيه ضرباً من الحجاج نسبه إليهم، لما عرفت لهم شبهة ولا طريقة تعتمد في نصرة قولهم.

والظاهر أن قوماً ممّن أراد التسوّق والتوصل إلى منافع الدنيا، تقرّب إلى بعض خلفاء ولد العباس بذكر هذا المذهب وإظهار اعتقاده ثم انقرض أهله وانقطع نظام القائلين به لانقطاع الأسباب والدواعي لهم إلى إظهاره، ومن جعل ما يحكى من هذه المقالة الضعيفة الشاذة معارضة لقول الشيعة في النص، فقد خرج عن الغاية في البهت والمكابرة.

ومنها: ان الذي يحكى عن هذه الفرقة التي أخبرنا عن شذوذها وانقراضها مخالف أيضاً لما تدين به الشيعة من النص، لأنهم يعوّلون فيما يدعونه من النص على صاحبهم على أخبار آحادٍ ليس في شيء منها تصريح بنصّ ولا تعريض، ولا دلالة عليه من الفحوى ولا ظاهر، وإنما يعتمدون على أن العم وارث، وأنه يستحق وراثة المقام كما يستحق وراثة المال، وعلى ما روي من قوله ردوا عليَّ أبي وما أشبه هذا من الأخبار التي إذا سلم نقلها وصحت الرواية المتضمنة لها لم يكن فيها دلالة على النص والامارة، ولا اعتبار بمن يحمل نفسه من مخالفينا على أن يحكى عنهم القول بالنص الجلي الذي يوجب العلم ويزيل الريب كما يقول الشيعة، لأن هذا القول عن قائله لا يغني عنه شيئاً، مع العلم بما حكي من مقالة هذه الفرقة وسطر من احتجاجها واستدلالها.

ولولم يرجع في ذلك إلّا إلى ما صنّفه الجاحظ لهم، لكان فيه أكبر حجة وأوضح دلالة، فما وجدناه - مع توغّله وشدّة توصّله إلى نصرة هذا المذهب - أقدم على أن يدعي عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نصاً صريحاً بالامامة، بل الذي اعتمده فهو ما قدمنا ذكره وما يجري مجراه.

مثل: قول العباس - وقد خطب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٠٧

خطبته المشهورة في الفتح فانتهى إلى قوله: إنّ مكة حرام، حرّمها الله يوم خلق السماوات والأرض لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها - إلّا الأذخر يا رسول الله. فأطرق رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وقال: إلّا الأذخر.

ومثل: ما روي من تشفيعه له في مجاشع بن مسعود السلمي - وقد التمس البيعة على الهجرة بعد الفتح - فأجابه إلى ذلك.

ومثل: إدعائه سبقه الناس إلى الصلاة على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عند وفاته.

وتعلّقه بحديث الميراث، وحديث اللدود.

إلى غير ما ذكرناه مما هو مسطور في كتابه.

ومن تصفحه علم أن جميع ما اعتمده لا يخرج عما حكمنا فيه بخلوّه من الاشارة إلى نص أو دلالة، وقد علمنا عادة الجاحظ فيما ينصره من المذاهب، فإنه لا يدع غثّاً ولا سميناً، ولا يغفل عن إيراد ضعيف ولا قوي، حتى أنه ربما خرج إلى ادعاء ما لا يعرف. فلو كان لمن ذهب إلى مذهب العباسية خبر ينقلونه يتضمن نصاً صريحاً على صاحبهم، لما جاز أن يعدل عن ذكره مع تعلّقه بما حكينا بعضه، واعتماده على أخبار آحاد أكثرها لا يعرف »(١) .

وأما قول رشيد الدين الدهلوي: « وإنما يترتب على هذا الرأي حرمان أحب الأحباب، وانتقال الميراث إلى غير المحبوب ».

فتوجيه لمقالة الجاحظ، وفيه ما لا يخفى.

وأما قوله: « فصاحب هذا الزعم فاعتبروا يا أولي الألباب » فيتضمن وجهين للدفاع عن الجاحظ:

الأول: إنما قال ذلك ليتقرّب إلى المأمون العباسي، لا عداوةً لأمير المؤمنين -عليه‌السلام -.

___________________

(١). الشافي في الامامة / ٩٨ - ٩٩.

٣٠٨

والثاني: إن العداوة أمر باطني، وكلام الجاحظ لا يدل عليها.

وكلا الوجهين فاسد.

أما الأوّل: فلأن مقتضاه: أن كلّ قول صدر إرضاءً لملك أو رئيس - وإنْ كان في أقصى مراتب الشناعة والفساد - لا يدل على اعتقاد قائله به، وهذا يستلزم أن لا يكون الذين سبّوا علياً تقربّاً إلى الأمويين نواصب له وأعداء، وأن لا يحكم بالكفر على من سبَّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأهانه واستهزأ به تقرباً إلى أئمّة الكفر إلى غير ذلك من اللوازم الواضح فسادها.

وأما الثاني: فكالأول في البطلان، بل أظهر منه.

هذا، ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن القاضي التستري -رحمه‌الله - لم ينفرد في دعوى تشيّع المأمون، بل قال بذلك جماعة من أئمّة أهل السنّة من السابقين واللاحقين، كالجلال السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) والذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) والبرزنجي في ( مرافضه )، بل ذكر ابن خلدون في ( تاريخه ): « أن دولة بني العباس دولة شيعية ».

على أن للتشيع معنيين: أحدهما: التشيع بالمعنى الخاص، وهو الاعتقاد بامامة أئمّة الإِثنى عشر من أهل البيت، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ، وآخرهم: المهدي المنتظر،عليهم‌السلام .

والثاني: التشيع بالمعنى العام، وهو الاعتقاد بامامة علي -عليه‌السلام ، بعد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بلا فصل.

وقد صرح القاضي التستري في مقدمة كتابه ( مجالس المؤمنين ) بأنه يذكر فيه الشيعة بالمعنى العام لا الخاص.

فظهر بطلان دفاع الرشيد الدين الدهلوي عن الجاحظ، وانتقاداته لكلام القاضي التستري -رحمه‌الله -.

٣٠٩

٥ ) حول رسالة الجاحظ في فضل عليعليه‌السلام

وإن تصنيف الجاحظ رسالة فضائل المؤمنين -عليه‌السلام - إنما كان يفيده لو لم يرتكب تلك القبائح، ولم يطعن في فضائل الامام -عليه‌السلام - في رسالة أخرى صنّفها في نصرة العثمانية.

ومع ذلك فإنا لا نستبعد اعتقاد الجاحظ بإمامة علي بعد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ولعله من هنا أثبت في رسالته في الفضائل أفضليته من غيره، واعترف بمناقبه وفضائله التي لا تحصى، ولكن دعته الدواعي الدنيوية والشهوات النفسانية إلى تصنيف الرسالة الأخرى، التي زعم فيها كون الامامة بالميراث ...كما ذكره الشريف المرتضى والقاضي التستري - رحمهما الله تعالى -.

ونظير ذلك ما ذكره شمس الأئمّة محمد بن عبد الستار الكردي العمادي المتوفى سنة ٦٤٢ * ترجم له محيي الدين ابن أبي الوفا القرشي في ( الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية ) بقوله: « كان أستاذ الأئمّة على الاطلاق والموفود اليه من الآفاق، قرأ بخوارزم على الشيخ برهان الدين ناصر بن أبي المكارم عبد السيد بن علي المطرزي صاحب المغرب، ثم رحل إلى ما وراء النهر وتفقّه بسمرقند على شيخ الاسلام المرغيناني صاحب الهداية، والشيخ مجد الدين المهاري السمرقندي المعروف بامام زاده، وسمع الحديث منهما، وتفقّه ببخارى على العلامة بدر الدين عمر بن عبد الكريم، والشيخ شرف الدين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر العقيلي وبرع في معرفة المذاهب وإحياء علم أصول الفقه بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدبوسي وشمس الأئمّة السرخسي، وتفقه عليه خلق كثير ».

وترجم له محمود بن سليمان الكفوي في ( كتائب أعلام الأخيار من مذهب النعمان المختار ) بقوله: « الشيخ الامام الموفود اليه من الآفاق مرضي الشمائل، جامع مكارم الأخلاق، بدر الأمة، شمس الأئمة أخذ عن كبار الفقهاء

٣١٠

وأعلام العلماء، حتى قرن الله مساعيه بالنجاح، وجعل صيته الطيار موفور الجناح، أخذ عن جمع كثير لا يحيط بها الحد ولا يضبطها العد، كان قد وصل إلى خدمة الرجال من أصحاب الكتيبة التاسعة والعاشرة والحادية عشر وأخذ عنهم وسمع التفسير والحديث، وبرع في معرفة المذاهب، وكان أستاذ الأئمّة على الاطلاق وكانت الطلبة ترحل اليه من الآفاق »

*عن الشافعية بقوله :

« الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيد المرسلين محمد وآله العالمين العاملين. وبعد، فإني ما كنت أسمع شفعوياً يذم إمام الأئمّة وسراج الأمة أبا حنيفة -رضي‌الله‌عنه - ويسيء القول به ويلعنه، بل أراهم يتقربون إلى أتباعه ويتودّدون إلى أشياعه إلّا المعتزلة منهم، فإنّهم كانوا يبغضون لبدعتهم ويعادون لعداوتهم.

حتى دخلت حلب - طهّرها الله عن البدع - فسمعت بعد مدة أنّ أعلام المدرسين من الشفعوية، لعن أبا حنيفة -رحمه‌الله - فانكرت على الناقل وكذّبته، ثم توالى على سمعي من سكان مدارس الشفعوية من المتفقهة منهم، أنهم يسيئون القول في الحنفيين ويبغضونهم، وفي أيديهم كتاب مكتوب فيه مناظرة الشافعي - رحمه‌ الله تعالى - مع محمد بن الحسن الشيباني، يذكر فيه أن الشافعي -رحمه‌الله - ناظره فنظره عند هارون الرشيد وكفّره، وهم يعتقدون صحة ذلك ويدرسونه، فقلت: سبحان الله! الشافعي كان تلميذ محمد بن الحسن واستفاد منه علم أبي حنيفة -رحمه‌الله - وأثنى عليه، كيف يستجرئ أن يناظره وينظره ويحاجّه ويحجّه، فضلاً عن أن ينظره ويكفّره، مع علمه قبح ذلك في الشريعة المطهرة؟

فطلبت ذلك المكتوب فأخفوه، والآن وقعت في يدي جزازة مكتوب فيها: إن أبا محمد الغزالي الطوسي أحد رؤساء الشفعوية ذكر في آخر كتابه الموسوم بالمنخول في الاصول باباً، قدّم فيه مذهب الشافعي على سائر المذاهب، وفضّله على سائر أصحاب المناصب، مثل أبي حنيفة وأحمد ومالك -رحمهم‌الله -، وسلك في تصحيح دعواه ثلاث مسالك وطعن فيه، وخص أبا حنيفة -رحمه‌الله - بالتشنيع

٣١١

العظيم والتقبيح العميم، ووصفه بما يشير إلى أنه كان ملحداً لا مؤمناً، نحو قوله: فأما أبو حنيفة فقد قلّب الشريعة ظهراً لبطن وشوّش مسلكها وخرم نظامها، وسنذكر تمامه في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

فقلت لنفسي: لا أتيقّن هذا ما لم أطّلع على الكتاب الموسوم بالمنخول، فتوسّلت بطريقةٍ إلى تحصيله، فوجدته بعد جهد جهيد في زمان مديد، فوجدته كما نسخ في هذه الجزازة، فأورد في قلبي وجداً وحرارة، فبان لي أن تقرّبهم في بلاد العجم إلى أصحاب الامام المعظم كان تقية، لما يرون من تقدّمهم وقربهم وتعصباً لأمرائهم، وأن تبغضهم بهم في هذه وإزراءهم عليهم لقربهم من السلطان وميله إليهم، ولاح لي بدلالة واضحة وأمارة لائحة أن القوم يعرفون أن أبا حنيفة -رحمه‌الله - هو الامام المقدّم والحبر المعظم، والعالم التقي والزاهد النقي، لكن يظهرون خلاف ما يضمرون، طلباً للرئاسة الكلية والشوهات النفسانية والحفوظ الدنيوية.

ومصداق هذه الدعوى وبرهانها أن خيارهم يأخذون الشفعة بالجوار، وأنه غصب وعدوان عندهم، ويتطهّرون بماء الحمام ويغتسلون به وهو نجس عندهم والصلاة بتلك الطهارة باطلة عندهم، بناءاً على أن رماد النجاسة المحرقة نجس عندهم، وقد خلط بالكلس في الحمام وبطليه، وأن النجاسة تحترق في الاتون وأنّ أجزاء رمادها تقع في مجرى الحوض، فيجري عليه الماء فيتنجس، ويتعاملون في السوق بالأخذ والعطاء بدون قولهم بعت واشتريت في المطعوم والمشروب والملبوس، وأنه باطل عندهم، والمقبوض بناء على ذلك كالمقبوض بالغصب.

وكذا يبيعون ويشترون على أيدي صبيانهم وتصرفاتهم عندهم باطلة، ويزارعون والمزارعة عندهم فاسدة، ويتزوّجون بتزويج أولياء فساق وتزويجهم في مذهبهم باطل، وكذلك أنكحتهم بحضرة الفساق فاسدة، فيظهر بهذا أن أنكحتهم في الأكثر باطلة، ووطؤهم بناء على تلك الأنكحة زنا وأولادهم أولاد زنا، وما يأكلون ويشربون ويلبسون حرام، وكذا ما يجمعون بتلك الطرق.

٣١٢

فإن قالوا: أخذنا في هذه المسائل بمذهب أبي حنيفة -رحمه‌الله - وأنه حقّ، فما بالهم يطعنون عليه ويلعنون؟!

وإنْ قالوا: مذهبه باطل ومذهبنا حق، فما بالهم يلابسون المحظورات ويقارفون المنهيّات، ويبارزون بالمعاصي لمالك الأوامر والنواهي، وهم يعلمون ذلك ولا يتناهون عنه ولا يرجعون، بل يتعاونون على ذلك ويتظافرون وعلى ذلك يموتون ولا يتوبون عن ذلك ولا يتذكرون؟! وممّا يؤيّد هذا ويوضحّه أنك ترى أعلمهم وأزهدهم إذا تمكّن من أمير أو وزير يعتقد أنه ظالم غاشم يجري معه في هواه ويوافقه فيما يهواه، فيمدحه في وجهه بما ليس فيه حتى يصمّه ويعميه، ومذهبه أنه لا ولاية لهذا الأمير والوزير على أولاده الصغار تزويجاً وعلى أموالهم بيعاً وشراءً، وعلى تزويج بنته البكر البالغة، فضلاً عن أن يثبت له ولايته على العوام وأموال الأيتام والأوقاف وأموال بيت المال، وأنّ توليته لا تصحّ، وأنّ الأنكحة بحضرة أمثاله لا تنعقد، ومع ذلك يتقلّد منه القضاء والنظر في الأوقاف وأموال الأيتام مع اعتقاده أنّ توليته باطلة وتقلّده فاسد، وهو في مدحه إيّاه وإعانته ظالم آثم ثمّ ربما تعدّى من ذلك إلى الوزارة وجمع المال بالطرق المحرمة، ويظهر له أنه ناصح أمين وشفيق ومسكين وهو في الحقيقة خائن مبين، فيتلهى بالرجل حتى يصل إلى أغراض فاسدة، من التقدّم على العوام وجمع الحطام وتخريب المدارس والرباطات معنى بتوليته من لا يصلح لها، إذا علم أنه يدخل معه في هواه ويوافقه فيما يهواه، وترك الصالح للتدريس والفتيا وعدم تمكينه من ذلك خوفاً من أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينكر عليه أفعاله ولا يحسن أحواله.

فلينظر العاقل المنصف أنّ من هذه صفاته هل يصلح أن يعتمد عليه في أمور الدين والدنيا، ويؤتمن عليه في المصالح ويفوّض إليه تدبير المملكة، فمن هذه صفته لا يبعد منه أن يعتقد حقيّة مذهب الإِمام أبي حنيفة -رحمه‌الله - ثم يظهر خلافه ليحصل له الرئاسة الكلية ».

٣١٣

ثم إنّ الكردري أورد طعن الغزالي صاحب ( المنخول ) في أبي حنيفة في الفصل الأول من كتابه وذكر أن الغزالي « ردّد أمر أبي حنيفة -رحمه‌الله - بين أن يكون جاهلاً ومجنوناً. وبين كونه كافراً زنديقاً » فقال:

« فهذا اعتقادهم في إمام الأئمّة وسراج الأُمّة، فكيف في أتباعه ومقلدي مذهبه، من الأمراء والسلاطين وقواد عساكر المسلمين والفقهاء منهم والمدرسين؟

واعتقادهم في أتباعه ما نص عليه من وصفهم به، من شدة الغباوة وقلة الدراية وشدّة الخذلان، فإنّ حواسّهم فاسدة غير سليمة وعقولهم وأنظارهم غير سديدة ».

ثم قال: « ثمّ لا يستحيون ويظهرون في وجوه أتباعه من الأمراء والقضاة والولاة من الأطراء ما يزيد على الصّديق وعمر الفاروق ».

قال: « ثمّ إنّ الله تعالى عزّ وجلّ أظهر كرامة أبي حنيفة -رحمه‌الله - بأنْ سلّط على هذا الطّاعن فيه رؤساء مذهبه وعملائهم، فقابلوه على طعنه بأن شهدوا عليه بالإِلحاد والزندقة والتزوير والمخرقة عند السلطان سنجر، وأفتوا بإباحة دمه ووجوب قتله »(١) .

أقول: وهكذا حال الجاحظ وشأنه مع مولانا أمير المؤمنين -عليه‌السلام - وعليه ينطبق جميع ما قاله الكردري في حق الغزالي، وكذا على من كان على شاكلته.

٦ ) يستند إلى أقوال العلماء في فنونهم

قد علمت أن مدح الشريف الرضي -رحمه‌الله - للجاحظ لم يكن مدحاً على حقيقته، بل كان مدح إلزام وإفحام

ثم نقول: إنه لا مانع من أن يكون مدحاً واقعياً، وأن يكون استناد الشريف إلى كلام الجاحظ في معرفة كلام الامام -عليه‌السلام - استناداً حقيقياً

___________________

(١). الرد على مطاعن أبي حنيفة في كتاب المنخول للغزالي.

٣١٤

... وذلك لأن العلماء كثيراً ما يستندون إلى أشعار الكفّار، وفي المسائل الطبية - مثلاً - إلى أقوال الطبيب الملحد، ولا يرون في ذلك بأساً أبداً

وقد تعرّض لهذه المسألة علماء الدراية وعلم الحديث في كتبهم التي وضعوها في هذا العلم، قال الحافظ جلال الدين السيوطي:

« قال عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه اليه أبو محمد بن عبد الحميد: وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد عليها والاسناد اليها، لأنّ الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية، ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم، لحصول الثقة بها وبعد التدليس، ومن زعم [ اعتقد ] أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم، ولو لا جواز الاعتماد على ذلك لتعطّل كثير من المصالح المتعلّقة بها.

وقد رجع الشارع الى قول الأطباء في صور، وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلّا عن قول الكفار [ قوم كفار ] ولكنْ لمـّا بَعُدَ التدليس فيها اعتمد عليها، كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وهم كفار، لبعد التدليس »(١) .

هذا، وأما مدح الكفار والمشركين والخوارج بصفات كانوا يتصفون بها فكثير في الصحاح وكتب الحديث والتواريخ وغيرها.

وبهذا نكتفي في رد دفاع الفاضل رشيد الدين الدهلوي عن الجاحظ.

___________________

(١). تدريب الراوي - شرح تقريب النواوي ١ / ١٥٢.

٣١٥

٣١٦

(٥)

عدم رواية ابن أبي داود حديث الغدير

٣١٧

٣١٨

وأمّا استناد الفخر الرازي إلى ترك ابن أبي داود حديث الغدير وقدحه فيه، فمردود بوجوه:

١. لا دليل على القدح

إن دعوى قدح ابن أبي داود السجستاني في حديث الغدير دعوى لا يدعمها أي دليل، ولم يقم عليها برهان.

وكل دعوى لم يقم صاحبها على صحّتها دليلاً فهي غير مسموعة

٢. دعوى القدح كاذبة

بل إن هذه الدعوى باطلة لا أصل لها، فقد قيل: إنّ ابن أبي داود لم ينكر خبر الغدير، وإنما أنكر منه بعض أمور خارجة عن أصل الحديث قال الشريف المرتضى - رحمه‌ الله تعالى:

« فإنْ قيل: أليس قد حكي عن ابن أبي داود السجستاني في دفع الخبر، وحكي عن الخوارج مثله، وطعن الجاحظ في كتاب العثمانية فيه؟

قيل له: أول ما نقوله أن لا معتبر في باب الإجمال بشذوذ كل شاذ عنه، بل الواجب أن يعلم أن الذي خرج عنه ممن يعتبر قوله في الإجماع ثم يعلم أنّ الاجماع لم يتقدم خلافه.

٣١٩

فإنّ ابن أبي داود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الاجماع، خصوصاً بالذي لا شبهة فيه من تقدم الاجماع وفقد الخلاف وقد سبقهما ثم تأخر عنهما.

على أنه قد قيل: إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم متقدّماً، وقد حكي عنه التنصّل من القدح في الخبر والتبرّي مما قذفه به محمد بن جرير الطبري.

وأما الجاحظ فلم يتجاسر أيضاً على التصريح بدفع الخبر، وإنما طعن على بعض رواته، وادّعى اختلاف ما نقل من لفظه.

ولو صرّح الجاحظ والسجستاني وأمثالهما بالخلاف لم يكن قادحاً لما قدّمناه »(١) .

٣. استدلال الرازي يخالف قواعد البحث

ولو سلّمنا ما حكي من قدح ابن أبي داود في حديث الغدير، فإنه لا وجه لتمسك الرازي بذلك، لأنه خروج عن قواعد البحث وآداب المناظرة، إذ قد تقرر في علم المناظرة أن يتخذ المخاصم من أقوال خصمه وتصريحات أصحابه وأبناء طائفته دليلاً على الرد، لا أن يعتمد المخاصم على ما ذكره أهل مذهبه وعلماء نحلته لأجل أن يخصم بذلك خصمه

وعلى هذا الأساس التزم ( الدهلوي ) في مقدمة ( التحفة ) ومن قبله والده في ( قرّة العينين ) بعدم الاحتجاج بروايات أهل السنة، حتى من البخاري وغيره من صحاحهم في محاجة الإِمامية ولكنهما - مع الأسف - خالفا ما التزما ولم يفيا بما وعدا

___________________

(١). الشافي في الامامة / ١٣٢.

٣٢٠

321

322

323

324