نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 324

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 324 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 238065 / تحميل: 6450
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

حكم المتّقي بصحة الحديث

وقد وافق الشيخ علي المتّقي ابن أبي شيبة والسّيوطي في الحكم بتصحيح الحديث فقد جاء في كتابه: « علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ش، في المصنّف، عن عمران بن حصين. صحيح »(١). .

حكم البدخشي بصحة الحديث

وتبعهم محمّد بن معتمد خان البدخشي في غير واحدٍ من كتبه:

ففي ( مفتاح النجا ): « وعند ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عنه مرفوعاً: علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي ».

وفي ( تحفة المحبّين ): « علي منّي وأنا من علي وعلي ولي كلّ مؤمن بعدي. شب بسند صحيح. عم في فضائل الصّحابة، كلاهما عن عمران بن حصين ».

حكم القاضي ثناء الله بصحّة الحديث

وكذا حكم القاضي سناء الله بصحّة سند حديث ابن أبي شيبة، وردّ بذلك بصراحة على قدح نصر الله الكابلي فيه، وهذه ترجمة عبارته في كتابه ( سيف مسلول ):

__________________

(١). كنز العمال ١١ / ٦٠٨ رقم ٣٢٩٤١.

٨١

« الثالث: حديث بريدة عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - قال: علي منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. قالوا: الولي هو الأولى بالتصرّف فهو الإِمام. لكن في إسناده الأجلح الشيعي وهو متّهم، فلا يحتج بخبره. كذا قال الملّا نصر الله الكابلي رحمة الله عليه.

لكنّ هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عمران بن حصين ».

الحديث في المصنّف بألفاظ عديدة

ثمّ إنَّ هذا الحديث أخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه ( المصنف ) بألفاظ مختلفة.

منها: اللفظ الذي تقدّم.

ومنها: « لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي. ش عن عبد الله بن بريدة عن أبيه » قاله المتقي(١). .

ومنها: « عن عمران بن حصين: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليها علياً فغنموا، فصنع عليٌّ شيئاً أنكروه - وفي لفظٍ: فأخذ علي من الغنيمة جارية - فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفرٍ بدءوا برسول الله فسلّموا عليه ونظروا إليه ثم ينصرفون إلى رحالهم. فلما قدمت السرية سلّموا على رسول الله فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر أن عليّاً قد أخذ من الغنيمة جاريةً؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

__________________

(١). كنز العمال ١١ / ٦٠٨ رقم ٣٢٩٤٢.

٨٢

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع، فأقبل إليه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ويعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي!! علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ش. وابن جرير وصحّحه »(١). .

(٣)

رواية أحمد بن حنبل

وهذا الحديث أخرجه أحمد في ( مسنده ) عن عمران بن حصين فقد جاء فيه:

« حدّثنا عبد الرزاق وعفان المعنى. وهذا حديث عبد الرزاق قالا: ثنا جعفر بن سليمان قال: حدّثني يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية وأمّر عليهم علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - فأحدث شيئاً في سفره، فتعاهد - وقال عفان: فتعاقد - أربعة من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن يذكروا أمره لرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال عمران: وكنّا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله فسلّمنا عليه. قال: فدخلوا عليه فقام رجل منهم فقال:

يا رسول الله، إن عليّاً فعل كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله، إنّ عليا فعل كذا وكذا فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله، إنّ علياً فعل كذا وكذا فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله، إنّ علياً فعل كذا وكذا.

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٤٢ رقم ٣٦٤٤٤.

٨٣

قال: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع - وقد تغيّر وجهه - فقال: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١). .

الكلمات في وثاقة رجال سند أحمد

ورجال سند رواية أحمد بن حنبل كلّهم من المشاهير الثقات المقبولين وهم:

١ - عبد الرزاق بن همام

فأمّا عبد الرزاق فهذه بعض الكلمات في مدحه والثناء عليه:

١ - اليافعي: « الحافظ العلّامة المرتحل إليه من الآفاق، الشيخ الإِمام، عبد الرزاق بن همام اليمني الصنعاني الحميري صاحب المصنفات.

روى عن: معمر، وابن جريج، والأوزاعي، وطبقتهم، ورحل إليه الأئمة إلى اليمن.

قيل: ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - مثل ما رحلوا إليه.

روى عنه خلائق عن أئمة الإِسلام، منهم: الإِمام سفيان بن عيينة، والإِمام أحمد، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وعلي المديني، ومحمود بن غيلان »(٢). .

__________________

(١). مسند أحمد ٤ / ٤٣٨ - ٤٣٨.

(٢). مرآة الجنان - حوادث ٢١١.

٨٤

٢ - السمعاني: « أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني. قيل: ما رُحل إلى أحدٍ بعد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مثلما رُحل إليه »(١). .

٣ - ابن خلكان: « أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني: قيل: ما رحل الناس ...»(٢). .

٢ - عفّان بن مسلم

وهو من رجال الصحيحين. ومن الثقات الأثبات:

١ - المقدسي: « عفّان بن مسلم الصفّار الأنصاري، مولى عزرة بن ثابت، كنيته أبو عثمان، سمع: وهيب بن خالد، وصخر بن جويرية، وغير واحد، عندهما مات ببغداد سنة ٢٢٠ وهو ابن ٨٦ سنة »(٣). .

٢ - الذهبي: « عفان بن مسلم، الحافظ الثبت، أبو عثمان الأنصاري مولاهم، البصري، الصفّار، محدّث بغداد قال يحيى القطّان: إذا وافقني عفّان فلا اُبالي من خالفني. وقال العجلي: عفّان ثقة ثبت صاحب سنّة »(٤). .

٣ - الذهبي أيضاً: « عفان بن مسلم الصفار، أبو عثمان، الحافظ. عن: هشام الدستوائي، وهمام، والطبقة. وعنه: البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو زرعة، واُمم. وكان ثبتاً في أحكام الجرح والتعديل. مات سنة ٢٢٠ »(٥). .

__________________

(١). الأنساب - الصنعاني ٨ / ٩٢.

(٢). وفيات الأعيان ٣ / ٢١٦.

(٣). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٤٠٧.

(٤). تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٧٩.

(٥). الكاشف ٢ / ٢٣٦.

٨٥

٣ - جعفر بن سليمان

١ - ابن حبان: « جعفر بن سليمان الضبعي الحرشي من أهل البصرة، وكنيته أبو سليمان، ينزل في بني ضبيعة فنسب إليها، يروي عن: ثابت، ومالك ابن دينار. روى عنه: ابن المبارك، وأهل العراق. ومات في رجب سنة ١٧٨.

وكان يبغض الشيخين:

حدّثنا الحسن بن سفيان، حدّثنا إسحاق بن أبي كامل، ثنا جرير بن يزيد ابن هارون - بين يدي أبيه - قال: بعثني أبي إلى جعفر بن سليمان الضبعي فقلت له: بلغنا أنك تسبّ أبا بكر وعمر. قال: أما السبّ فلا، ولكن البغض ما شئت. قال: وإذا هو رافضي مثل الحمار.

قال أبو حاتم: وكان جعفر بن سليمان من الثّقات المتقنين في الروايات، غير أنه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعيةٍ إلى مذهبه.

وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصّدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أنّ الإحتجاج بأخباره جائز فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره. ولهذه العلّة تركنا حديث جماعةٍ ممن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها وإنْ كانوا ثقات، واحتججنا بأقوامٍ ثقات، انتحالهم سوء غير أنهم لم يكونوا يدعون إليه، وانتحال العبد بينه وبين ربّه، إنْ شاء عذّبه عليه وإنْ شاء غفر له، وعلينا قبول الروايات عنهم إذا كانوا ثقات على حسب ما ذكرنا في غير موضع من كتبنا »(١). .

٢ - المقدسي: « جعفر بن سليمان الحرشي الضّبعي، نزيل بني ضبيعة، البصري، كنيته أبو سليمان، سمع: ثابت البناني، والجعد بن عثمان، وأبا

__________________

(١). الثقات. كتاب اتباع التابعين ٦ / ١٤٠.

٨٦

عمران الجوني، ويزيد الرشك، وسعيد الجريري. روى عنه: قطن بن نسير، ويحيى بن يحيى، وقتيبة، ومحمّد بن عبيد بن حسان »(١). .

٣ - السمعاني: « روى عنه: ابن المبارك، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعبيد الله بن عمر القواريري، وأهل العراق. مات سنة ١٧٨. وكان يبغض الشيخين أبا بكر وعمر »(٢). .

٤ - الذهبي: « ثقة، فقيه، ومع كثرة علومه قيل: كان اُميّاً، وهو من زهّاد الشيعة »(٣). .

٥ - ابن حجر: « صدوق زاهد، لكنه يتشيّع »(٤). .

٤ - يزيد الرّشك

روى عنه أصحاب الصحاح كلّهم:

الذهبي: « ع - يزيد بن أبي يزيد الضّبعي الرّشك. عن مطرف ومعاذ.

وعنه شعبة وابن علية. ثقة متعبّد. مات سنة ١٣٠ »(٥). .

٥ - المطرف بن عبد الله

وهو أيضاً من رجال الصّحاح كلّها:

١ - المقدسي: « مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري، أبو عبد الله

__________________

(١). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٧١.

(٢). الأنساب - الضبعي ٨ / ١٤١.

(٣). الكاشف ١ / ١٢٩.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ١٣١.

(٥). الكاشف ٣ / ٢٥٢.

٨٧

ويقال إنّه من بني حريش. سمع عمران بن حصين عندهما مات سنة ٩٥ »(١).

٢ - الذهبي: « ع - مطرف بن عبد الله وكان من عبّاد أهل البصرة »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « ع - مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي العامري، أبو عبد الله، أحد الأعلام »(٣). .

٤ - ابن حجر: « ثقة، عابد، فاضل »(٤). .

فظهر ان رمي الحديث بالكذب والبطلان محض الزور والبهت والخسران

* و أخرجه عن بريدة بالسند الآتي:

« حدّثنا ابن نمير، حدّثني أجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن بعثين، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد. فقال: إذا التقيتم فعليّ على الناس وإن افترقتم فكلّ واحد منكم على جنده. قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة، فاصطفى علي امرأةٍ من السّبي لنفسه. قال بريدة: فكتب معي خالد ابن الوليد إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يخبره بذلك، فلمـّا أتيت النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - دفعت الكتاب، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم

__________________

(١). الجمع بين رجال الصّحيحين ٢ / ٥٠٢.

(٢). تذهيب التهذيب مخطوط.

(٣). الكاشف ٣ / ١٣٢.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ٢٥٣.

٨٨

بعدي »(١). .

الكلمات في وثاقة سنده الثاني

ورجال هذا السند أيضاً من كبار الثقات المعتمدين وهم:

١ - عبد الله بن نمير

١ - الذهبي: « عبد الله بن نمير، الحافظ الإِمام، أبو هشام الهمداني ثم الخارفي الكوفي، والد الحافظ الكبير محمد، حدّث عن: هشام بن عروة، والأعمش، وأشعث بن سوار، وإسماعيل بن أبي خالد، ويزيد بن أبي زياد، وعبيد الله بن عمر، وعدة. وعنه: أحمد وابن معين، وإسحاق الكوسج، وأحمد ابن الفرات، والحسن بن علي بن عفان، وخلق.

وثّقه يحيى بن معين وغيره. وكان من كبار أصحاب الحديث، توفي في سنة ١٩٩ »(٢). .

٢ - الذهبي أيضاً: « عنه: ابنُه، وأحمد، وابن معين. حجّة. توفي سنة ١٩٩ »(٣). .

٣ - ابن حجر: « ثقة صاحب حديث، من أهل السنة من كبار التاسعة »(٤). .

__________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٥٦.

(٢). تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٢٧.

(٣). الكاشف ٢ / ١٢٢.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٤٥٧.

٨٩

٢ - أجلح بن عبد الله

١ - الذهبي: « بخ ٤ - أجلح بن عبد الله بن حجيّة الكندي، عن الشعبي وعكرمة. وعنه: القطّان، وابن نمير، وخلق. وثّقه ابن معين وغيره، وضعّفه النسائي وهو شيعي، مع أنه روى عنه شريك أنه قال: سمعنا أنّه ما سبّ أبا بكر وعمر أحد إلّا افتقر أو قتل. مات سنة ١٤٥ »(١). .

٢ - ابن حجر: « بخ ٤ صدوقٌ شيعي، من السابعة، مات سنة ٤٥ »(٢). .

وسيأتي مزيد من البحث حول وثاقة هذا الرجل

٣ - عبد الله بن بريدة

١ - الذهبي: « ع - عبد الله بن بريدة قاضي مرو، عن: أبيه، وعمران بن حصين، وعائشة، وسمرة. وعنه: مالك بن مغول، وحسين بن واقد، وأبو هلال. ثقة. ولد سنة ١٥ ومات سنة ١١٥ وله مائة »(٣). .

٢ - ابن حجر: « ثقة »(٤). .

* و أخرجه عن ابن عباس بالسند الآتي:

« حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، حدّثنا عمرو ابن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذْ أتاه تسعة رهطٍ فقالوا: يا ابن عباس إمّا أن تقوم معنا وإمّا أنْ تخلونا من هؤلاء. قال فقال ابن عباس: بل أقوم

__________________

(١). الكاشف ١ / ٥٣.

(٢). تقريب التهذيب ١ / ٤٩.

(٣). الكاشف ٢ / ٦٦.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٤٠٣.

٩٠

معكم. قال - وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى - قال: فانتدوا فتحدّثوا فلا ندري ما قالوا. قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أُفٍ وتف! وقعوا في رجلٍ له عشر:

وقعوا في رجلٍ قال له النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -: لأبعثنَّ رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحبّ الله ورسوله. قال: فاستشرف لها من استشرف. قال: أين علي؟ قالوا: هو في الرحل يطحن. قال: وما كان أحدكم ليطحن؟ قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فنفث في عينيه، ثم هزّ الرّاية ثلاثاً فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حيي.

قال: ثمّ بعث فلاناً بسورة التوبة فبعث عليّاً خلفه فأخذها منه، قال: لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه.

قال: وقال لبني عمه: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال - وعلي معه جالس - فأبوا، فقال علي: أنا اُواليك في الدنيا والآخرة. قال: أنت وليي في الدنيا والآخرة قال: فتركه. ثم أقبل على رجلٍ رجلٍ منهم فقال: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبوا فقال علي: أنا اُواليك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة.

قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة.

قال: وأخذ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين، فقال:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - ثم نام مكانه قال: وكان المشركون يرمون رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فجاء أبو بكر وعلي نائم. قال: وأبو بكر يحسب أنّه نبي الله. قال فقال: يا نبيَّ الله! قال فقال له علي: إنّ نبيّ الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار. قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبيّ الله - صلّى الله عليه وسلّم - وهو يتضوّر، قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه

٩١

حتى أصبح ثم كشف عن رأسه. فقالوا: إنّك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك!

قال: وخرج بالنّاس في غزوة تبوك قال فقال له علي: أخرج معك؟ قال فقال له نبيّ الله - صلّى الله عليه وسلّم - لا. فبكى علي. فقال له: أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنك لست بنبيّ! إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي.

قال: وقال له رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي.

قال: وسدّ أبواب المسجد غير باب علي قال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره.

قال: وقال: من كنت مولاه فإن مولاه علي.

قال: وأخبرنا الله عزّ وجلّ في القرآن أنّه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم، فهل حدّثنا أنّه سخط عليهم بعد؟

قال: وقال نبيّ الله - صلّى الله عليه وسلّم - لعمر حيث قال: ائذن لي فلأضرب عنقه قال: وكنت فاعلا! وما يدريك؟ لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم.

حدّثنا عبد الله حدثني أبي حدّثنا أبو مالك كثير بن يحيى قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس بنحوه »(١). .

كلمات في وثاقة سنده الثالث

ورجال هذا السند أيضاً ثقات معتمدون وهم:

__________________

(١). مسند أحمد ١ / ٣٣٠ - ٣٣١.

٩٢

١ - يحيى بن حماد

الذهبي: « يحيى بن أبي زياد الشيباني مولاهم البصري، أبو بكر ويقال أبو محمد عنه: خ، وإسحاق بن راهويه، وبندار، وإسحاق الكوسج، وبكار بن قتيبة، والدارمي، وإسحاق بن سيار، والكديمي، وخلق.

ووثّقه أبو حاتم وغيره. قال محمّد بن النعمان بن عبد السّلام: لم أر أعبد من يحيى بن حماد، وأظنّه لم يضحك. قيل: توفي سنة ٢١٥ »(١). .

الذهبي أيضاً: « ثقة متألّه »(٢). .

ابن حجر: « ثقة عابد »(٣). .

٢ - أبو عوانة

٣ - أبو بلج

٤ - عمرو بن ميمون

وهؤلاء عرفت وثاقتهم لدى توثيق سند أبي داود الطّيالسي

الوجوه الدالة على أنّ مجرد إخراج أحمد دليل الاعتبار عندهم

هذا كلّه، مضافاً إلى أن مجرّد إخراج أحمدٍ حديثاً في ( مسنده ) دليل على اعتبار الحديث والإِعتماد عليه والقول بحجّيّته يدل على ذلك وجوه عديدة

__________________

(١). تذهيب التهذيب - مخطوط.

(٢). الكاشف ٣ / ٢٢٣.

(٣). تقريب التهذيب ٢ / ٣٤٦.

٩٣

نذكرها باختصار:

الأول: إن ( مسند أحمد ) « أصل من اُصول الاُمة » نصَّ عليه السبكي في ( طبقاته ) فتكذيب حديث الولاية المذكور في هذا المسند الذي هو أصل من اُصول الاُمة عين المجون والهزل، ومخالفة للإِنصاف والعدل.

الثاني: إن أحمد وصف كتابه ( المسند ) بأنّه « أصل كبير » حكى ذلك السبكي عن أبي موسى المديني عنه وهل ترفع اليد عن حديث الولاية المخرج في هذا الأصل الكبير، بطعن متعصّب جاحد غرير؟

الثالث: إنّ هذا المسند « مرجع وثيق » كما عن أبي موسى المديني، وما في المرجع الوثيق حريّ بالإذعان والتصديق، كيف وقد أخرج مرة بعد مرة، عن ثقة بعد ثقة؟

الرابع: إن أحاديث المسند منتقاة من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة قاله أبو موسى، فيما حكاه السبكي عنه ولا ريب في أنّ الانتقاء دليل على مزيد الإِهتمام والإِعتناء

الخامس: إن « المسند » مجعول « إماماً » كما في كلام المديني، والمجعول إماماً يؤتمّ به ويقتدى.

السادس: إنّ هذا المسند جعله أحمد « معتمداً » و « ملجأً » و « مستنداً »

هكذا ذكر أبو موسى المديني فلا يكذّب حديث الولاية المذكور فيه إلّا المنهمك في العناد، ولا يتحامل بردّه إلّا المرتبك في أشراك الزيغ واللداد.

السابع: إن أحمد قد انتقى أحاديث المسند من أكثر من سبعمائة ألف حديث، وقد نصَّ على ذلك أحمد نفسه مخاطباً ولديه عبد الله وصالحاً وابن أخيه حنبل بن إسحاق، بعد أن قرأ عليهم المسند وذكر ذلك أبو موسى المديني فيما حكاه السبكي عنه فحديث الولاية المذكور فيه في غاية الاعتماد والإِعتبار، فلا يصغى إلى تلميعات أهل التفرقة والإِنكار

٩٤

الثامن: إن أحمد جعل المسند مرجعاً للمسلمين عند الاختلاف في حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال: « فإنْ كان فيه وإلّا فليس بحجة » فلا يقدم على تكذيب حديث الولاية المذكور في هذا المسند المحكوم بالرجوع فيه عند التشاجر والاختلاف، إلّا أهل الزيغ والاعتساف بل إنّ هذا الحديث حجّة وأيّة حجة، ولا أثر حينئذٍ لأيّ عجيج وضجّة!

التاسع: لقد شهد عبد الله بن أحمد بانتخاب أبيه هذا المسند من سبعمائة ألف حديث

العاشر: لقد شهد أبو موسى مرةً بعد اُخرى بأنّ أحمد « لم يرو في المسند إلّا عمّن ثبت عنده صدقه »، و « ان الحديث حين شذّ لفظه من الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه مع ثقة رجال إسناده »، وأنه « قد احتاط في المسند إسناداً ومتناً ».

ذكر عبارة السبكي المشتملة على الوجوه المذكورة

كانت تلك طائفةً من الأوصاف التي وصف بها المسند من السبكي وغيره، وشهادات من أحمد حكاها أبو موسى المديني عنه، جاءت بترجمة أحمد من كتاب ( طبقات الشافعية الكبرى ) فإليك عبارة السبكي المشتملة على ذلك كله:

« قلت: وألّف مسنده وهو أصل من اُصول هذه الاُمة. قال الإِمام الحافظ أبو موسى محمّد بن أبي بكر المدينيرضي‌الله‌عنه : هذا الكتاب - يعني مسند الإِمام أبي عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني قدّس الله روحه - أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقى من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة، فجعل إماماً ومعتمداً وعند التنازع ملجأ ومستنداً، على ما أخبرنا والدي وغيره: إنّ المبارك بن عبد الجبار أبا الحسين - كتب إليهما من بغداد - قال: أنا أبو

٩٥

إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي - قراءةً عليه - أنا أبو عبد الله عبيد الله ابن محمّد بن محمّد بن حمدان بن عمر بن بطة - قراءة عليه - أنا أبو حفص عمر بن محمّد بن رجا، ثنا موسى بن حمدون البزار، قال قال لنا حنبل بن إسحاق: جمعنا عمّي - يعني الإِمام أحمد - لي ولصالح ولعبد الله، وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه - يعني تاماً - غيرنا وقال لنا:

إنّ هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فارجعوا إليه، فإنْ كان فيه وإلّا ليس بحجة.

وقال عبد الله بن أحمد: كتب أبي عشرة آلاف ألف حديث، لم يكتب سواداً في بياض إلّا حفظه. وقال عبد الله أيضاً: قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّة عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - رجع إليه. وقال أيضاً: خرّج أبي المسند من سبعمائة ألف حديث.

قال أبو موسى: ولم يخرّج إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته. ثم ذكر بإسناده إلى عبد الله ابن الإِمام أحمد قال: سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان، قال: لم أخرج عنه في المسند شيئاً، لمـّا حدّث بحديث المواقيت تركته.

قال أبو موسى: فأمّا عدد أحاديث المسند فلم أزل أسمع من أفواه الناس أنها أربعون ألفاً، إلى أن قرأت على أبي منصور بن زريق ببغداد قال: أنا أبو بكر الخطيب قال قال ابن المنادي: لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه - يعني عبد الله بن الإِمام أحمد بن حنبل - لأنّه سمع المسند وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفا - سمع منها ثلاثين ألفا والباقي وجادة - فلا أدري هذا الذي ذكر ابن المنادي أراد به ما لا مكرر فيه أو أراد غيره مع المكرر فيصحّ القولان جميعاً. والاعتماد على قول ابن المنادي دون غيره. قال: ولو

٩٦

وجدنا فراغاً لعددناه إنْ شاء الله تعالى. فأمّا عدد الصحابة - رضي الله عنهم - فنحو من سبعمائة رجل.

قال أبو موسى: ومن الدليل على أن ما أودعه الإِمام أحمد مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلّا ما صحّ سنده: ما أخبرنا أبو علي الحداد قال: أنا أبو نعيم، أنا ابن الحصين وأنا ابن المذهّب قالا: أنا القطيعي، ثنا عبد الله قال: حدّثني أبي، ثنا محمّد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التيّاح قال: سمعت أبا زرعة يحدّث عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: يهلك اُمّتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: لو أنّ الناس اعتزلوهم. قال عبد الله قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: إضرب على هذا الحديث، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - يعني قوله صلّى الله عليه وسلّم: اسمعوا وأطيعوا. وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذّ لفظه من الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه. فكان دليلاً على ما قلناه»(١). .

ترجمة السبكي

وهذه نبذة من ترجمة السبكي صاحب الطبقات:

١ - ابن قاضي شهبة: « عبد الوهّاب بن علي العلّامة قاضي القضاة حضر وسمع بمصر من جماعة، ثم قدم دمشق مع والده في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسمع بها من جماعة وأفتى ودرّس وحدّث وصنّف واشتغل وناب عن أبيه وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه. وقال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله،

__________________

(١). طبقات الشافعيّة الكبرى للسّبكي ١ / ٢٠١ - ٢٠٣.

٩٧

وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحدٍ قبله. وقال الحافظ شهاب الدين ابن حجّي: خرّج له ابن سعد مشيخةً ومات قبل تكميلها، وحصل فنوناً من العلم من الفقه والاُصول، وكان ماهراً فيه والحديث والأدب، وبرع وشارك في العربية

توفي شهيداً بالطاعون في ذي الحجة سنة ٧٧١ »(١). .

٢ - ابن حجر: « إنتهت إليه رياسة القضاء والمناصب بالشام، وحصل له بسبب القضاء محنة شديدة مرةً بعد مرة، وهو مع ذلك في غاية الثبات وقد صنّف تصانيف كثيرة جدّاً على صغر سنّه، قرئت عليه وانتشرت في حياته وبعد موته »(٢). .

ترجمة أبي موسى المديني

وأبو موسى المديني - الذي نقل عنه السبكي في مدح مسند أحمد بن حنبل - من كبار الحفّاظ المشاهير:

١ - الذهبي: « أبو موسى المديني، محمّد بن أبي بكر عمر بن أحمد، الحافظ، صاحب التصانيف لم يخلّف مثله بعده. مات في جمادى الاولى. وكان مع براعته في الحفظ والرجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى »(٣). .

٢ - السبكي: « روى عنه: الحافظ أبو بكر بن محمّد بن موسى الحازمي، والحافظ عبد الغني، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والحافظ محمّد

__________________

(١). طبقات الشافعيّة لابن قاضي شهبة ٣ / ١٠٤ / ٦٤٩.

(٢). الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٦ - ٤٢٧.

(٣). العبر ٣ / ٨٤.

٩٨

ابن مكّي، والحسن بن أبي معشر الأصبهاني، والناصح بن الحنبلي، وخلق كثير

قال ابن الدبيثي: عاش حتّى صار أوحد وقته وشيخ زمانه إسناداً وحفظاُ.

وقال ابن النّجار: إنتشر علمه في الآفاق، وكتب عنه الحفّاظ، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الحفظ والعلم والثّقة والإِتقان والدين والصّلاح، وسديد الطريقة، وصحّة الضبط والنقل، وحسن التصانيف

قال أبو البركات محمد بن محمود الرويديني: وصنّفت الأئمة في مناقبه تصانيف كثيرة ...»(١). .

٣ - الأسنوي: « أبو موسى محمّد بن عمر بن أحمد المديني الأصبهاني الامام الحافظ كان ورعاً زاهداً متواضعاً متعفّفاً عمّا في أيدي الناس »(٢). .

٤ - ابن قاضي شهبة: « محمّد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمّد، الحافظ الكبير، أبو موسى المديني الأصبهاني، أحد الأعلام كان حافظاً واسع الدائرة جم العلوم. قال أبو سعد السمعاني: كتبت عنه وسمعت منه، وهو ثقة صدوق. وقال ابن الدبيثي توفي في جمادى الآخرة سنة ٥٨١.

وقد أفردت ترجمته بالتّصنيف »(٣). .

كلام ابن عساكر في مدح المسند

وذكر الفاضل عمر بن محمّد عارف النهرواني المدني في ( رسالته في

__________________

(١). طبقات الشافعيّة للسبكي ٤ / ٩٠ - ٩١.

(٢). طبقات الشافعيّة للأسنوي ٢ / ٢٤٠ / ١١١٩.

(٣). طبقات الشافعيّة لابن قاضي شهبة ٢ / ٤٠ / ٣٤٢.

٩٩

مناقب أحمد بن حنبل ) التي ألّفها بعد ختم المسند سنة ١١٦٣ ما نصّه:

« قال ابن عساكر: أما بعد فإنّ حديث المصطفى - صلّى الله عليه وسلّم - به يعرف سبل الإِسلام والهدى، ويبنى عليه أكثر الأحكام، ويؤخذ منه معرفة الحلال والحرام. وقد دوّن جماعة من الأئمة ما وقع إليهم من حديثه، فكان أكبر الكتب التي جمعت فيه هو المسند العظيم الشأن والقدر، مسند الإِمام أحمد، وهو كتاب نفيس، ويرغب في سماعة وتحصيله ويرحل إليه، إذا كان مصنفه الإِمام أحمد المقدّم في معرفة هذا الشأن، والكتاب كبير القدر والحجم مشهور عند أرباب العلم، يبلغ أحاديثه ثلاثين ألفاً سوى المعاد، وسوى ما ألحق به ابنه عبد الله من أعالي الأسناد، وكان مقصود الإِمام في جمعه أنْ يرجع إليه في الإِعتبار من بلغه أو رواه ».

كلام ابن الجوزي في مدح المسند

وجاء في الرسالة المذكورة أيضاً: « قال ابن الجوزي: صحّ عند الإِمام أحمد من الأحاديث سبعمائة ألف وخمسين ألفاً. والمراد بهذه الأعداد الطّرق لا المتون، أخرج منها مسنده المشهور الذي تلّقته الاُمة بالقبول والتكريم، وجعلوه حجةً يرجع إليه ويعوَّل عند الإِختلاف عليه. قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند - وما سمعه منه تامّاً غيرنا - ثم قال لنا: هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا إليه، فإنْ وجدتموه فيه فذاك وإلّا فليس بحجة. وكان يكره وضع الكتب، فقيل له في ذلك، فقال: قد عملت هذا المسند إماماً إذا اختلف الناس في سنّةٍ من سنن رسول الله فارجعوا إليه ».

ولا تخفى الوجوه التي تشتمل عليها هذه العبارة، فإنّ كلّ واحدةٍ منها

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فأمهل حتى تقدم المدينة فانها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكناً فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله انشاء الله لاقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.

قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً الى ركن المنبر فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف قط قبله، فأنكر عليّ وقال: ما عسيت ان يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:

أما بعد، فاني قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا ادري لعلها بين يدي اجلي، فمن عقلها و وعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا احل لاحد أن يكذب عليّ. ان الله بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده، فأخشى ان طال بالناس زمان أن يقول قائل « والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله! » فيضلوا بترك فضيلة انزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى اذا احصن من الرجال والنساء اذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثم انّا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا من آبائكم فانه كفر أن ترغبوا عن آبائكم أو أن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم الاثم، ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا تطروني كما اطري عيسى بن مريم وقولوا: عبد الله ورسوله.

ثم انه بلغني ان قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلاناً! فلا يغترنّ امرؤ ان يقول انما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وانها كانت

٢٨١

كذلك ولكن الله وقى شرها! وليس منكم من تقطع الاعناق اليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة ان يقتلا.

وانه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الانصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معها، واجتمع المهاجرون الى أبي بكر، فقلت لابي بكر: يا أبا بكر! انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الانصار، فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا رجلان صالحان فذكر ما تمامى عليه القوم، فقال: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا نريد اخواننا هؤلاء من الانصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم فقلت: والله لنأتينهم! فانطلقنا حتى اتيناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا يوعك. فلما جلسنا قليلا تشهّد خطيبهم فأثنى على الله. بما هو أهله ثم قال:

أمّا بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فاذا هم يريدون ان يختزلونا من أصلنا وان يحصنونا من الامر، فلما سكت أردت ان اتكلم وكنت زوّرت مقالة اعجبتني اريد أن اقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت اداري منه بعض الحدّ، فلما أردت ان اتكلّم قال ابو بكر: على رسلك! فكرهت أن أغضبه فتكلم ابو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الّا قال بديهة مثلها أو أفضل حتى سكت! فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فانتم له اهل ولن يعرف هذا الامر الّا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم احد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجرّاح - وهو جالس بيننا - فلم أكره مما قال غيرها، كان والله ان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من اثم أحب الي من ان أتامرّ على قوم فيهم ابو بكر! اللهم الا أن تسوّل لي نفسي عند الموت شيئاً

٢٨٢

لا اجده الان.

فقال قائل من الانصار! انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب، منا امير ومنكم امير يا معشر قريش! فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الانصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة فقلت: قتل الله سعد بن عبادة! قال عمر: وانّا والله ما وجدنا فيما حضر من أمر اقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فاما بايعناهم على ما لا نرضى(١) واما نخالفهم، فيكون فساد، فمن بايع رجل على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّه ان يقتلا »(٢) .

وقال ابن هشام « قال ابن اسحق: وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الانصار ان عبد الله بن ابي بكر حدثني عن ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس، قال اخبرني عبد الرحمن بن عوف قال: وكنت منزله بمنى أنتظره وهو عند عمر في آخر حجة حجها عمر، قال: فرجع عبد الرحمن بن عوف من عند عمر فوجدني في منزله في منى انتظره وكنت أقرئه القرآن، قال ابن عباس: فقال لي عبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلا أتى امير المؤمنين فقال: يا امير المؤمنين! هل لك في فلان يقول: والله لو قد مات عمر ابن الخطاب لقد بايعت فلاناً والله ما كانت بيعة ابي بكر الا فلتة فتمت.

قال: فغضب عمر فقال: اني انشاء الله لقائم العشية في الناس فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغضبوهم امرهم، قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، فان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وانهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس واني أخشى ان تقوم فتقول.

__________________

( ١، ٢ ). صحيح البخاري ٨ / ٢١٠.

٢٨٣

مقالة يطير بها اولئك عنك كل مطير ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها، فامهل حتى تقدم المدينة فانها دار السنة وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكناً فيعى أهل الفقه مقالتك ويضعوها على مواضعها.

قال: فقال عمر: أما والله انشاء الله لاقومن بذلك اول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً الى ركن المنبر فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته فلم أنشب ان خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد: ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف! قال: فأنكر عليّ سعيد بن زيد ذلك وقال: ما عسى ان يقول مما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:

أما بعد! فاني قائل لكم مقالة قد قدر لي ان اقولها ولا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ان لا يعيها فلا يحل لاحد ان يكذب علي. ان الله بعث محمداً وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعلمناها ووعيناها، ورجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده فأخشى ان طال بالناس زمان ان يقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وان الرجم في كتاب الله حق على من زنى اذا أحصن من الرجال والنساء اذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم انا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله، لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أو كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم الا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا تطروني كما اطري عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله. ثم انه قد بلغني أن فلاناً قال: والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلاناً فلا يغرن امرؤ أن يقول ان بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت! وانها قد كانت كذلك الا أن الله قد وقى شرّها،

٢٨٤

وليس فيكم من تنقطع الاعناق اليه مثل ابي بكر، فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فانه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا.

انه كان من خبرنا حين توفى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الانصار خالفونا فاجتمعوا بأشرافهم ( بأسرهم. ظ ) في سقيفة بني ساعدة، وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما. واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت لابي بكر: انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الانصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالا عليه القوم وقالا: أين تريدون؟ يا معشر المهاجرين! قلنا: نريد اخواننا هؤلاء من الانصار، قالا: فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين! اقضوا أمركم! قال: قلت: والله لنأتينهم.

فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ فقالوا: وجع، فلما جلسنا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت الله من قومكم، قال: واذا هم يريدون أن يجتازونا ( يختزلونا. ظ ) من أصلنا ويغتصبونا الامر. فلما سكت أردت أن أتكلم وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني اريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت اداري منه بعض الحد، فقال أبو بكر على رسلك يا عمر! فكرهت أن أغضبه، فتكلم وهو كان أعلم ( أحلم. ظ ) مني وأوفر. فو الله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري الا قالها في بديهة أو مثلها أو أفضل حتى سكت قال:

أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ولم أكره شيئاً مما قال غيرها، كان: والله ان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك الى اثم أحب الي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر.

٢٨٥

قال: فقال قائل من الانصار، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش! قال: فكثر اللفظ وارتفعت الاصوات حتى تخوفت الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر! فبسط يده فبايعته ثم بايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة! قال: فقلت: قتل الله سعد بن عبادة! »(١) .

وقال أحمد بن اسحق بن جعفر المعروف باليعقوبي: « واستأذن قوم من قريش عمر في الخروج للجهاد، فقال: قد تقدم لكم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: اني آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرة، لا تخرجوا فتسللوا بالناس يميناً وشمالا، قال عبد الرحمن بن عوف: فقلت: نعم يا أمير المؤمنين! ولم تمنعنا من الجهاد؟ فقال: لئن أسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن اجيبك، ثم اندفع يحدث عن أبي بكر حتى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد بمثلها فاقتلوه »(٢) .

وقال محمد بن جرير الطبري: « حدثني علي بن مسلم، قال: ثنا: عباد ابن عباد، قال: ثنا: عباد بن راشد قال: حدثنا عن الزهري عن عبيد الله بن [ عبد الله بن ] عتبة عن ابن عباس، قال: كنت اقرىء عبد الرحمن ابن عوف القرآن، قال: فحج عمر وحججنا معه، قال: فاني لفي منزل بمنى اذ جاءني عبد الرحمن بن عوف، فقال: شهدت أمير المؤمنين اليوم وقام اليه رجل فقال: اني سمعت فلاناً يقول: لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلاناً، قال: فقال أمير المؤمنين: اني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوا الناس أمرهم، قال فقلت: يا أمير المؤمنين ان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وانهم الذين يغلبون على مجلسك واني لخائف ان قلت اليوم مقالة ألا يعوها ولا يحفظوها ولا يضعوها على مواضعها،

__________________

(١). سيرة ابن هشام ٢ / ٦٥٨.

(٢). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٤٧ - ١٤٨.

٢٨٦

وأن يطيروا بها كل مطير. ولكن أمهل حتى تقدم المدينة تقدم دار الهجرة والسنة وتخلص بأصحاب رسول الله من المهاجرين والانصار فتقول ما قلت متمكنا فيعوا مقالتك ويضعوها على مواضعها فقال:

والله لا قومن بها في أول مقام أقومه بالمدينة قال: فلما قدمنا المدينة وجاء يوم الجمعة هجرت للحديث الذي حدثنيه عبد الرحمن فوجدت سعيد ابن زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست الى جنبه عند المنبر ركبتي الى ركبته، فلما زالت الشمس لم يلبث عمر أن خرج فقلت لسعيد وهو مقبل: ليقولن أمير المؤمنين اليوم على هذا المنبر مقالة لم يقل قبله، فغضب وقال: أي مقالة يقول لم يقل قبله!؟ فلما جلس عمر على المنبر أذن المؤذ [ نو ] ن فلما قضى المؤذن أذانه قام عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد، فاني اريد أن أقول مقالة قد قدر أن أقولها من وعاها وعقلها وحفظها، فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ومن لم يعها فاني لا أحل لاحد أن يكذب عليّ، ان الله عز وجل بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله ورجمنا بعده، واني قد خشيت أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وقد كنا نقول ( نقرأ. ظ ): لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم.

ثم انه بلغني أن قائلا منكم يقول: لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلاناً فلا يغرن أمراءاً أن يقول ان بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر. وانه كان من خبرنا حين توفى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الانصار بأسرها واجتمع المهاجرون الى أبي بكر، فقلت لابي بكر: انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الانصار، فانطلقنا نؤمهم فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدراً فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد اخواننا هؤلاء من الانصار، قالا: فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم فقلنا: والله لنأتينهم.

٢٨٧

قال: فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة. قال: واذا بين أظهرهم رجل مزمل، قال: قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع، فقام رجل منهم فحمد الله وقال: أما بعد، فنحن الانصار وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا وقد دفت الينا من قومكم دافة، قال: فلما رأيتم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الامر، وقد كنت زورت في نفسي مقالة اقدمها بين يدي أبي بكر وقد كنت اداري منه بعض الحد وكان هو أوقر مني وأحلم، فلما أردت أن أتكلم قال على رسلك فكرهت أن أعصيه فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئاً كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت الا قد جاء به أو بأحسن منه وقال: أما بعد، يا معشر الانصار! فانكم لا تذكرون منكم فضلا الا وأنتم له أهل وان العرب لا تعرف هذا الامر الا لهذا الحي من قريش وهم أوسط داراً ونسباً، ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح واني والله ما كرهت من كلامه شيئاً غير هذه الكلمة ان كنت لا قدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني الى اثم أحب الي من أو أؤمر على قوم فيهم أبو بكر، فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب؟ منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش! قال: فارتفعت الاصوات واكثر اللغظ.

فلما أشفقت الاختلاف قلت لابي بكر: أبسط يدك أبايعك! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الانصار، ثم نزونا على سعد حتى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت. قتل الله سعداً! وانا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما أن نتابعهم على ما لا نرضى أو نخالفهم فيكون فساد »(١) .

__________________

(١). تاريخ الطبري ٢ / ٤٤٥ - ٤٤٧.

٢٨٨

وقال أيضاً: « ثنا عبيد الله بن سعيد، قال: ثنا عمي، قال: نا: سيف ابن عمر عن سهل وأبي عثمان عن الضحاك بن خليفة، قال: لما قام الحباب ابن المنذر انتضى سيفه وقال: أنا: جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، أنا أبو شبل في عرينة الاسد يعزى الى الاسد! فحامله عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد، وتتابع القوم على البيعة وبايع ( تمانع. ظ ) سعد، وكانت فلتة كفلتات الجاهلية قام أبو بكر دونها، وقال قائل حين وطئ سعد: قتلتم سعدا! فقال عمر: قتله الله انه منافق واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه ».

وقال أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي: « أخبرنا محمد بن الحسن ابن قتيبة النحمي بعسقلان، ثنا: محمد بن المتوكل، ثنا: عبد الرزاق أنا: معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، قال:

كنت عند عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر بن الخطاب، فلما كان في آخر حجة حجها عمر أتاني عبد الرحمن بن عوف في منزلي عشاءاً، فقال: لو شهدت امير المؤمنين! اليوم وجاءه رجل وقال: يا امير المؤمنين! اني سمعت فلاناً يقول: لو قدمات امير المؤمنين لبايعت فلاناً! فقال عمر: اني لقائم العشية في الناس ومحذرهم - هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا المسلمين امرهم - فقلت: يا امير المؤمنين! ان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاهم وانهم الذين يغلبون على مجلسك، واني اخشى ان تقول فيهم اليوم مقالة لا يعونها ولا يضعونها مواضعها وان يطيروا بها كل مطير، ولكن امهل يا أمير المؤمنين! حتى تقدم المدينة فانها دار السنة ودار الهجرة فتخلص بالمهاجرين والانصار وتقول ما قلت متمكناً فيعوا مقالتك ويضعونها مواضعها.

قال عمر: أما والله لاقومن به في اول مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عباس: فلما قدمنا المدينة وجاء يوم الجمعة هجرت لما حدّثني عبد الرحمن بن عوف، فوجدت سعيد بن زيد بن نقيل قد سبقني بالتهجر جالساً الى جنب المنبر فجلست الى جنبه تمس ركبتي ركبته، فلما زالت الشمس خرج

٢٨٩

علينا عمر فقلت وهو مقبل: أما والله ليقولن اليوم امير المؤمنين على هذا المنبر مقالة لم يقل قبله! قال فغضب سعيد بن زيد فقال: وأي مقالة يقول لم يقل قبله؟ فلما ارتقى عمر المنبر اخذ المؤذن في أذانه فلما فرغ من أذانه.

قام عمر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أمّا بعد، فاني اريد ان اقول مقالة قد قدر لي أن اقولها، فمن وعاها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ومن خشي ان لا يعيها فاني لا احل لاحد أن يكذب على: ان الله بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزل عليه الكتاب، فكان مما انزل عليه آية الرجم، فرجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده، واني خائف أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله! فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وان الرجم على من أحصن اذا زنا وقامت عليه البينة أو كان الحمل أو الاعتراف. ثم انّا قد كنّا نقرأ « ولا ترغبوا عن آبائكم » ثم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فانما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله ».

ثم انه بلغني أن فلاناً منكم يقول: لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلاناً، فلا يغرن امرأ أن يقول: ان بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك الا أن الله وقى شرها ودفع عن الاسلام والمسلمين ضرها، وليس فيكم من تقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر. وانه كان من خبرنا حين توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن علياً والزبير ومن تبعهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة، وتخلفت عنا الانصار في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت: با أبابكر! انطلق بنا الى اخواننا من الانصار، فانطلقنا نؤمهم فلقينا رجلين صالحين من الانصار شهدا بدراً فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد اخواننا هؤلاء الانصار قالا: فارجعوا مضوا الامر أمركم بينكم: فقلت والله لنأتينهم فأتيناهم فاذاهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة بين أظهرهم رجل مزمل قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، قال: قلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع.

٢٩٠

فقام خطيب الانصار فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد! فنحن الانصار وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط منا وقد دفت الينا دافة منكم. واذا هم يريدون أن يختزلون أصلنا ويختصلوا بأمر دوننا وقد كنت زورت في نفسي مقالة اريد ان أقوم بها بين يدي أبي بكر وكنت اداري من أبي بكر بعض الحد، وكان أوقر مني وأحلم، فلما أردت الكلام قال: على رسلك. فكرهت ان اغضبه، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه و والله ما ترك كلمة فد كنت زورتها الا جاء بها أو أحسن منها في بديهته، ثم قال:

أما بعد! وأما ما ذكرتم فيكم من خير يا معشر الانصار فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب داراً ونسباً، ولقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح، فو الله ما كرهت مما قال شيئاً غير هذه الكلمة، كنت لان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك الى ثم أحب الي من أن أقدم على قوم فيهم أبو بكر! فلما قضى أبو بكر مقالته فقام رجل من الانصار فقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، والا أجلنا الحرب فيما بيننا وبينكم جذعة! قال معمر: فقال قتادة: قال عمر: فانه لا يصلح سيفان في غمد ولكن منا الامراء ومنكم الوزراء! قال معمر عن الزهري في حديثه فارتفعت الاصوات بيننا وكثر اللغظ حتى أشفقت الاختلاف، فقلت: يا أبا بكر! أبسط يدك أبايعك! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الانصار. قال: ونزونا على سعد بن عبادة حتى قال قائل: قتلتم سعداً قال قلت: قتل الله سعداً، وانا والله ما رأينا فيما حضرنا امراً كان أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا ان فارقنا القوم أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما أن نبايعهم على ما لا نرضى واما أن نخالفهم فيكون فساد. فلا يغرن امرأ يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقد كانت كذلك الا أن الله وقى شرها! وليس فيكم من يقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فانه لا يبايع لا هو ولا الذي بايعه بعده. قال

٢٩١

الزهري وأخبرنى عروة أن الرجلين الذين لقياهم من الانصار عويم بن ساعدة ومعن بن عدي، والذي قال « انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب » خباب ابن المنذر »(١) .

وقال الشهرستاني في كتاب [ الملل والنحل ] « الخلاف الخامس في الامامة وأعظم خلاف بين الامة، اذ ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الامامة في كل زمان! وقد سهل الله تعالى ذلك في الصدر الاول، فاختلف المهاجرون والانصار فيها وقالت الانصار: منا أمير ومنكم أمير واتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الانصارى فاستدركه أبو بكر وعمر في الحال بأن حضرا سقيفة بني ساعدة وقال عمر: كنت ازور في نفسي كلاماً في الطريق فلما وصلنا الى السقيفة أردت أن أتكلم فقال أبو بكر: مه يا عمر! فحمد الله وأثنى عليه وذكر ما كنت أقدره في نفسي كأنه يخبر عن غيب! فقبل أن يشتغل الانصار بالكلام مددت يدي اليه فبايعته وبايعه الناس وسكنت النائرة.

الا ان بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد الى مثلها فاقتلوه. فأيما رجل بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فانهما تغرة أن يقتلا، وانما سكنت الانصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبيعليه‌السلام : الائمة من قريش!

وهذه البيعة هي التي جرت في السقيفة، ثم لما عاد الى المسجد انثال الناس عليه وبايعوه عن رغبة سوى جماعة من بنى هاشم وأبي سفيان من بني أمية وأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه كان مشغولا بما أمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تجهيزه ودفنه وملازمة قبره من غير منازعة ولا مدافعة ».

وقال السيوطي في ( تاريخ الخلفا ): « روى الشيخان أن عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه خطب الناس مرجعه من الحج فقال في خطبته: قد بلغني

__________________

(١). الثقات لابن حبان -

٢٩٢

أن فلاناً منكم يقول: لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امرأ أن يقول أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا وانها كذلك الا أن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من قطع اليه الاعناق مثل أبي بكر.

وانه كان من خبرنا حين توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان علياً والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة وتخلف الانصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت له: يا أبا بكر! انطلق بنا الى اخواننا من الانصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقال: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلت: نريد اخواننا من الانصار فقالا: عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا هم مجتمعون واذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ قالوا ابن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وجع، فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من اصلنا وتحصنوننا من الامر! فلما سكت أردت أن أتكلم، وقد كنت زورت مقالة اعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر، وقد كنت اداري منه بعض الحد، وهو كان أحلم منى وأوقر، فقال أبو بكر: على رسلك! فكرهت أن اغضبه وكان أعلم منى، والله ما ترك من كلمة اعجبتني في تزويري الا قالها في بداهته وأفضل حتى سكت.

فقال: أما بعد! فما ذكرتم من خير فانتم أهله ولم تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من اثم أحب الي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر! فقال قائل من الانصار: أنا جذيلها المحك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش!

٢٩٣

وكثر اللغظ وارتفعت الاصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار، أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما أن نتابعهم على ما لا نرضى واما أن نخالفهم فيكون فيه فساد ».

وقال ابن حجر المكي في ( الصواعق ): « روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن باجماع من يعتد به: أنّ عمررضي‌الله‌عنه خطب الناس مرجعه من الحج فقال في خطبته: قد بلغني أن فلاناً منكم يقول: لو مات عمر بايعت فلاناً! فلا يغترن ( يغرن. ظ ) امراً أن يقول ان بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا وانها كذلك الا أن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر.

وانه كان من خبرنا حين توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ عليّاً والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة وتخلفت الانصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا الى اخواننا من الانصار، فانطلقنا نؤمهم - أي نقصدهم - حتى لقينا رجلان صالحان فذكر لنا الذي صنع القوم، قالا أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: تريد اخواننا من الانصار فقالا: لا عليكم أن تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين! فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا هم مجتمعون فاذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وجع.

فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة منكم أي دبّ قوم منكم بالاستعلاء والترفّع علينا تريدون أن تخزلونا من أصلنا وتحصنونا من الامر أي تنحونا عنه وتستبدون به دوننا. فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زوّرت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي

٢٩٤

أبي بكر، وقد كنت اداري منه بعض الحد وهو كان أحلم منّي وأوقر. فقال أبو بكر: على رسلك! فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قالها في بديهة وأفضل حتى سكت، فقال: أما بعد، فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم احد هذين الرجلين ايهما شئتم وأخذ بيدي وبيد ابي عبيدة بن الجراح فلم اكره ما قال غيرها ولان والله ان اقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من اثم احب الي من ان اتأمر على قوم فيهم ابو بكر.

فقال قائل من الانصار - أي هو الحباب بمهملة مضمومة فموحدة - ابن المنذر: انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب اي انا يشتفى برأيي وتدبيري وأمنع بجلدتي ولحمتي كل نائبة تنوبهم، دل على ذلك ما في كلامه من الاستعارة بالكناية المخيل لها بذكر ما يلائم المشبه به، اذ موضوع الجذيل المحكّك - وهو بجيم فمعجمة - تصغير جذل عود ينصب في العطن لتحتك به الابل الجرباء، والتصغير للتعظيم، والعذق بفتح العين النخلة بجملها، فاستعارة لما ذكرناه، والمرجب بالجيم، وغلط من قال بالحاء، من قولهم، نخلة وجبة، وترجيبها ضم اعذاقها الى سعفاتها وشدها بالخوض لئلا ينفضّها الريح او يصل اليها اكل. منا امير ومنكم امير، يا معشر قريش.

وكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا ابا بكر! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعه الانصار. اما والله ما وجدنا فيما حضرنا امرأ هو اوفق من مبايعة ابي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة ان يحدثوا بعدنا بيعة فاما ان نبايعهم على ما لا نرضى واما ان نخالفهم فيكون فيه فساد ».

وقال: « ولا يقدح في حكاية الاجماع تأخر علي والزبير والعباس وطلحة مدة لامور، منها انهم رأوا ان الامر تم بمن تيسّر حضوره حينئذ من اهل الحل والعقد، ومنها انهم لما جاءوا وبايعوا اعتذروا كما مر عن الاولين من طرق

٢٩٥

بأنهم اخروا عن المشورة مع ان لهم فيها حقاً لا للقدح في خلافة الصديق، هذا مع الاحتياج في هذا الامر لخطره الى الشورى التامة، ولهذا مر عن عمر بسند صحيح ان تلك البيعة كانت فلتة ولكن وقى الله شرها! ».

السابع: لقد كان امير المؤمنينعليه‌السلام يرى بطلان خلافة ابي بكر لانها كانت من غير مشورة من المسلمين، ويشهد بما ذكرنا ما رواه الشريف الرضيرحمه‌الله في ( نهج البلاغة ) حيث قال:

« وقالعليه‌السلام : وا عجباً اتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة.

وروي له شعر في هذا المعنى:

فان كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وان كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك اولى بالنبي أقرب ».

قال ابن ابي الحديد: « حديثهعليه‌السلام في النثر والنظم المذكورين مع ابي بكر وعمر، اما النثر فالى عمر توجيهه لان ابا بكر لما قال لعمر: امدد يدك، قال له عمر انت صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المواطن كلها، شدتها ورخائها فامدد انت يدك. فقال عليعليه‌السلام : اذا احتججت لاستحقاقه الامر بصحبته اياه في المواطن [ كلها ] فهلا سلمت الامر الى من قد شركه في ذلك وزاد عليه بالقرابة؟!

وأما النظم فموجه الى ابي بكر، لان ابا بكر حاج الانصار في السقيفة فقال نحن عشيرة [ عترة] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيضته التي تفقأت عنه، فلمّا بويع احتج على الناس ببيعته [ بالبيعة ] وانها صدرت عن اهل الحل والعقد، فقال عليعليه‌السلام : امّا احتجاجك على الانصار بأنك من بيضة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قومه فغيرك اقرب نسباً منك اليه، وامّا احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة بك فقد كان قوم من جملة الصحابة

٢٩٦

غائبين لم يحضروا العقد فكيف يثبت »(١) .

الثامن: لقد استخلف ابو بكر عمر غير مشورة من المسلمين، بل لقد أمره عليهم بالرغم منهم، وتلك كتبهم تنطق بذلك، فقد روى القاضي أبو يوسف باسناده قال: « لما حضرت الوفاة أبا بكررضي‌الله‌عنه ارسل الى عمر يستخلفه، فقال الناس: أتستخلف علينا فظاً غليظاً لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ؟ فماذا تقول لربك اذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ قال: اتخوفونني ربي [ بربي ]؟ أقول: اللهم أمرت خير أهلك »(٢) .

وقال ابن سعد: « وسمع بعض اصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على ابي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على ابي بكر فقال [ له ] قائل منهم: ما أنت قائل لربك اذا سألك عن استخلافك لعمر علينا وقد ترى غلظته »(٣) .

وروى باسناده عن عائشة قالت: « لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا يا خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ذا تقول لربك اذا قدمت عليه غدا وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟ فقال اجلسوني، أبالله ترهبوني؟ اقول: استخلفت عليهم خيرهم.

... عن عائشة قالت: لما حضرت ابا بكر الوفاة استخلف عمر فدخل عليه علي وطلحة فقالا: من استخلفت؟ قال: عمر، قالا: فما ذا أنت قائل لربك؟ قال: أبالله تفرقاني؟ لانا أعلم بالله وبعمر منكما، أقول: استخلفت عليهم خير أهلك »(٤) .

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ١٨ / ٤١٦.

(٢). الخراج: ١١.

(٣). طبقات ابن سعد ٣ / ١٩٩.

(٤). طبقات ابن سعد ٣ / ٢٧٤.

٢٩٧

ورواه المحب الطبري(١) والمتقى(٢) والوصابي(٣) .

وروى ابن ابي شيبة في ( المصنف ): « ان ابا بكر حين حضره الموت أرسل الى عمر يستخلفه، فقال الناس: تستخلف علينا فظاً غليظاً؟ ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ، فما تقول لربك اذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ».

ورواه شاه ولي الله ( والد الدهلوي )(٤) .

وقال محمد بن جرير الطبري « وعقد أبو بكر في مرضته التي توفى فيها لعمر بن الخطاب عقد الخلافة من بعده وذكر أنه لما أراد العقد له دعا عبد الرحمن بن عوف فيما ذكر ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: لما نزل بأبي بكر -رحمه‌الله - الوفاة دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر! فقال: يا خليفة رسول الله! هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل ولكن فيه غلظة: فقال أبو بكر: ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضى الامر اليه لترك كثيراً مما هو عليه، ويا أبا محمد! قد رمقته فرأيتني اذا غضبت على الرجل في الشيء أراني الرضى عنه واذا لنت له أراني الشدة عليه! لا تذكر يا أبا محمد مما قلت لك شيئاً. قال: نعم! ثم دعا عثمان بن عفان فقال: يا أبا عبد الله! أخبرني عن عمر، قال: أنت أخبر به، فقال أبو بكر على ذاك، يا أبا عبد الله! قال: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأن ليس فينا مثله! قال أبو بكررحمه‌الله : رحمك الله يا أبا عبد الله! لا تذكر مما ذكرت لك شيئاً قال: أفعل. فقال له أبو بكر: لو تركته ما عدوتك! وما أدري لعله تاركه، والخيرة له ألا يلي من اموركم شيئاً ولوددت أني كنت خلوا من اموركم وأني كنت فيمن مضى من

__________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٢٣٧.

(٢). كنز العمال ٥ / ٣٩٨.

(٣). الاكتفاء في فضل الاربعة الخلفاء - مخطوط.

(٤). قرة العينين ٢٧.

٢٩٨

سلفكم، يا أبا عبد الله! لا تذكرن مما قلت لك من أمر عمر ولا مما دعوتك له شيئاً!

ثنا: ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن عمرو عن أبي السفر، قال: أشرف أبو بكر على الناس من كنفيه وأسماء ابنة عميس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول: أترضون بمن أستخلف عليكم فاني والله ما ألوت من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة واني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له واطيعوا! فقالوا: سمعنا وأطعنا!

حدثني عثمان بن يحيى عن عثمان القرقساني قال: ثنا سفيان بن عيينة عن اسمعيل عن قيس، قال رأيت عمر بن الخطاب وهو يجلس والناس معه، وبيده جريدة وهو يقول: أيها الناس! اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انه يقول: اني لم آلكم نصحاً، قال: ومعه مولى لابي بكر يقال له: شديد، معه الصحيفة التي فيها استخلاف عمر.

قال أبو جعفر: وقال الواقدي: حدثني ابراهيم بن أبي النضر عن محمد ابن ابراهيم بن الحارث، قال: دعا أبو بكر عثمان خالياً فقال له: اكتب « بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة الى المسلمين: أما بعد » قال ثم اغمي عليه فذهب عنه فكتب عثمان: أما بعد، فاني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً [ منه ]. ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ عليّ فقرأ عليه فكبر أبو بكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس ان افتلتت نفسي في غشيتي! قال: نعم! قال: جزاك الله خيراً عن الاسلام وأهله وأقرها أبو بكررضي‌الله‌عنه من هذا الموضع.

ثنا: يونس بن عبد الاعلى، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا الليث بن سعد، قال: ثنا علوان عن صالح بن كيسان عم عمر بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه أنه دخل على أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مهتماً فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً فقال أبو بكررضي‌الله‌عنه : أتراه؟ قال: نعم! قال: اني وليت أمركم

٢٩٩

خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الامر له دونه ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولما تقبل وهي مقبلة، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج وتألموا الاضطجاع على الصوف الاذري كما يألم أحدكم أن ينام على حسك، والله لان يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس غداً فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالا! يا هادي الطريق انما هو الفجر أو البحر. فقلت، له خفض عليك رحمك الله فان هذا يهيضك في أمرك، انما الناس في أمرك بين رجلين: اما رجل رأى ما رأيت فهو معك، واما رجل خالفك فهو مشير عليك وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت الّا خيراً ولم تزل صالحاً مصلحاً وانك لا تأسى على شيء من الدنيا.

قال أبو بكررضي‌الله‌عنه : أجل! اني لا آسي على شيء من الدنيا الّا على ثلث فعلتهن وددت أني تركتهن، وثلث تركتهن وددت أني فعلتهن، وثلث وددت أني سألت عنهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأما الثلث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وان كانوا قد علقوا على الحرب، ووددت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحا، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الامر في عنق أحد الرجلين – يريد عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً.

وأما اللاتي تركتهن فوددت أني يوم أتيت بالاشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه فانه يخيل الي أنه لا يرى شراً الا أعان عليه! ووددت أني سيرت خالد بن الوليد الى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، فان ظفر المسلمون ظفروا وان هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد، ووددت أني كنت اذ وجهت خالد ابن الوليد الى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب الى العراق فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله ومديديه! ووددت أني كنت سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن هذا الامر فلا ينازعه أحد! ووددت أني

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324