نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 398

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 398 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223830 / تحميل: 8164
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ما ذا كان الهدف من المناورات العسكرية؟

لقد كان الهدف الاساسي من بعث وتوجيه السرايا ، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات العسكرية مع القبائل القاطنة على خطوط التجارة المكية هو ايقاف قريش على قوة المسلمين العسكرية ، واشتداد ساعدهم ، وخاصة عند ما كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشترك بنفسه في العمليات ، ويترصّد مع مجموعات كبيرة من أنصاره تحركات قريش الاقتصادية ، ويعترض قوافلها التجارية.

لقد كان رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد بذلك إفهام حكومة مكة الوثنية بأن جميع طرق التجارة المكية هي في متناول يده ، وأنه يستطيع ـ متى شاء ـ أن يشلّ اقتصاد المكيين بتعريض خطوطهم وطرقهم التجارية ، للتهديد الجدّي.

ولقد كانت التجارة أمرا حيويّا وحساسا جدا بالنسبة إلى أهل مكة ، وكانت البضائع التي تنقل منها إلى الطائف والشام تشكّل اساس الاقتصاد المكّي ، فاذا كانت هذه الخطوط تتعرض للتهديد من قبل العدوّ وحلفائه مثل « بني ضمرة » و « بني مدلج » فان ذلك كان يعني انهدام وانهيار حياتهم.

لقد كان الهدف من بعث تلك الدّوريات العسكرية هو : أن تعرف قريش بأن طريق تجارتها الرئيسية هي الآن تحت رحمة المسلمين ، فاذا استمرّوا في معاداتهم للاسلام وللمسلمين وحالوا دون انتشار الاسلام ، والدعوة إليه ، واستمروا في ايذاء من تبقّى من المسلمين المستضعفين والعجزة في مكة واضطهادهم ، قطع المسلمون شريان اقتصادهم.

والخلاصة أنّ الهدف كان هو أن تعيد قريش النظر في مواقفها في ضوء الحالة الجديدة ، والتهديد العسكريّ الاسلامي الجدّي ، وتترك للمسلمين الحرية في الدّعوة إلى عقيدتهم ، وتفتح الطريق لزيارة بيت الله الحرام ، ونشر التوحيد ليستطيع الاسلام بمنطقه القويّ ، والمحكم أن ينفذ في القلوب ، ويتجلّى نور الاسلام ويشعّ على جميع نقاط شبه الجزيرة العربية ، وربوعها ، وبخاصة منطقة

٤١

الحجاز مركز الجزيرة ، وقلبها النابض.

فان المتكلم مهما كان قويّ المنطق ، سديد البرهان وأنّ المربّي والمرشد مهما كان مخلصا مجدا فانّه لا يستطيع أن يحرز اي نجاح في تنوير العقول ، وتهذيب النفوس وبث الفكر الصحيح إذا لم تتوفّر له حرية العمل ، ولم تتهيأ له البيئة المطمئنّة وأجواء الحرّية والديمقراطية.

ولقد كان الاضطهاد والكبت وسلب الحريات التي كانت تمارسها قريش هي الموانع الكبرى أمام تقدّم الاسلام وسرعة انتشاره ونفوذه ، وكان الطريق الى كسر هذا السدّ ، وإزالة هذا المانع ينحصر في تهديد اقتصادها وتعريض خطوطها التجارية ، للخطر ، وكانت هذه الخطة تتحقق فقط عن طريق القيام بتلك المناورات العسكرية والاستعراضات الحربية ، والعمليات الاعتراضية.

نظرية المستشرقين :

ولقد وقع المستشرقون عند تحليلهم لهذه العمليّات في خطأ كبير ، وتفوّهوا نتيجة ذلك بكلام يخالف القرائن والشواهد الموجودة في التاريخ.

فهم يقولون : لقد كان هدف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مصادرة أموال قريش ، والسيطرة عليها هو تقوية نفسه.

في حين أنّ هذا الرأي لا يلائم نفسيّة أهل يثرب لأنّ الغارة ، وقطع الطريق ، واستلاب الأموال ، من شيم الاعراب أهل البوادي ، البعيدين عن روح الحضارة ، وقيم المدنية وأخلاقها ، بينما كان مسلمو يثرب عامة ، أهل زرع ، وفلاحة ، ولم يعهد منهم أن قطعوا الطرق على القوافل ، أو سلبوا أموال القبائل التي كانت تعيش خارج حدودها.

وأما حروب الأوس والخزرج فقد كان لها أسباب وعلل محليّة ، وقد كان اليهود هم الذين يؤججون نيرانها ، بغية إضعاف القوى والصفوف العربية وتقويه نفسها وموقعها.

ومن جانب آخر لم يكن المسلمون المهاجرون الذين كانوا حول الرسول

٤٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينوون ملافاة ما خسروه ، رغم أنّ ثرواتهم وممتلكاتهم كانت قد صودرت من قبل المكيين ، ويدل على ذلك أنهم لم يتعرضوا بعد معركة « بدر » لأيّة قافلة تجارية لقريش.

كيف لا وقد كان الهدف وراء أكثر هذه البعوث والارساليات العسكرية هو تحصيل وجمع المعلومات ، عن العدوّ وتحركاته وخططه ، والمجموعات التي لم يكن يتجاوز عدد أفرادها غالبا الثمانية أو الستين أو الثمانين رجلا لا يمكنها قطع الطريق ، واستلاب الاموال ، ومصادرة القوافل التجارية الكبرى التي كان يقوم بحراستها رجال أكثر عددا وأقوى عدّة من تلك السرايا ، بأضعاف المرات غالبا.

فاذا كان الهدف هو الحصول على المال والثروة من هذا الطريق فلما ذا خصّت قريش بذلك ، ولم يعترض المسلمون تجارة غيرهم من القبائل المشركة؟ ولما ذا لم يمس المسلمون شيئا من أموال غير قريش.

واذا كان الهدف هو الغارة ، وقطع الطريق واستلاب الأموال ، فلما ذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعث المهاجرين فقط ، ولا يستعين بأحد من الأنصار في هذا المجال غالبا؟

وربما قال هؤلاء المستشرقون : ان المقصود من هذه العمليات الاعتراضية كان هو الانتقام من قريش ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه تعرّضوا على أيدي المكيين لألوان التعذيب والاضطهاد والأذى ، فدفعتهم غريزة الانتقام والثأر ـ بعد أن حصلوا على القوة ـ الى تجريد سيوفهم ، للانتقام من الذين طالما اضطهدوهم ، وليسفكوا منهم دما!!

ولكن هذا الرأي لا يقل في الضعف والوهن والسخافة عن سابقه ، لأنّ الشواهد والقرائن التاريخية الحيّة العديدة ، تكذّبه وتفنّده ، وتوضّح ـ بجلاء ـ أن الهدف من بعث تلك السرايا والدوريات العسكرية لم يكن أبدا القتال والحرب ، والانتقام وسفك الدماء.

وإليك ما يدلّ على بطلان هذه النظرية :

٤٣

أوّلا : اذا كان هدف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعث تلك المجموعات العسكرية هو القتال واستلاب الاموال واخذ المغانم ، وجب أن يزيد في عدد أفراد تلك المجموعات ، ويبعث كتائب ـ عسكرية مسلّحة ، ومجهزة تجهيزا قويا ، إلى سيف البحر ، وشواطئه على حين نجد أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث مع « حمزة بن أبي طالب » ثلاثين شخصا ، ومع « عبيدة بن الحارث » ستين شخصا ، ومع « سعد بن أبي وقاص » أفرادا معدودين لا يتجاوزون العشرة ، بينما كانت قريش قد أناطت حراسة قوافلها إلى أعداد كبيرة جدا من الفرسان ، تفوق عدد أفراد المجموعات العسكرية الاسلامية.

فقد واجه « حمزة » ثلاثمائة ، وعبيدة مائتين رجلا من قريش ، وقد ضاعفت قريش من عدد المحافظين والحرس على قوافلها خاصة بعد أن عرفت بالمعاهدات والتحالفات التي عقدها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع القبائل القاطنة على الشريط التجاريّ؟!

هذا مضافا إلى أنّه لو كان قادة هذه البعوث والدوريات مكلّفين بمقاتلة العدوّ فلما ذا لم يسفك من أحد قطرة دم في أكثر تلك البعوث والعمليات ولما ذا انصرف بعضهم لوساطة قام بها « مجدي بن عمرو » بين الطرفين؟!

ثانيا : ان كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كتبه لعبد الله بن جحش شاهد حيّ على أن الهدف لم يكن هو القتال ، والحرب.

فقد جاء في ذلك الكتاب : « انزل نخلة بين مكة والطائف فترصّد بها قريشا وتعلم ( اي حصّل ) لنا من أخبارهم ».

إن هذه الرسالة توضّح بجلاء أنّ مهمة عبد الله وجماعته لم تكن القتال قط ، بل كانت جمع المعلومات حول العدوّ وتنقلاته وتحركاته ، أي مهمة استطلاعية حسب.

واما سبب الصدام في « نخلة » ومصرع عمرو الحضرمي فقد كان القرار الذي أخذته الشورى العسكرية التي عقدتها نفس المجموعة ، وليس بقرار وأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤٤

ومن هنا انزعج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد سماعه بنبإ هذا الصدام الدموي ولا مهم على فعلتهم وقال :

« ما أمرتكم بقتال ».

ويؤيّد هذا ما ورد في مغازي الواقدي عن سليمان بن سحيم أنه قال : ما أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقتال في الشهر الحرام ، ولا غير الشهر الحرام إنما أمرهم أن يتحسّسوا أخبار قريش(١) .

والعلة في أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يختار لهذه الدوريات والبعوث رجالا من المهاجرين دون الأنصار هي أن الانصار قد بايعوا في العقبة على الدفاع ، أي أن معاهدتهم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت معاهدة دفاعية تعهّدوا بموجبها بأن يمنعوه من أعدائه ويدافعوا عنه إذا قصده عدوّ.

من هنا ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أن يفرض عليهم مثل هذه المهمات ، ويبقى هو في المدينة ، ولكنه عند ما خرج ـ فيما بعد ـ بنفسه أخذ معه جماعة من رجال الانصار تقوية لروابط الاخوة والوحدة بين المهاجرين والأنصار ، ولهذا كان رجاله في غزوة « بواط » أو « ذات العشيرة » يتكونون من الأنصار والمهاجرين.

وعلى هذا الاساس يتضح بطلان نظرية المستشرقين حول الهدف من بعث الدوريات العسكرية.

كما أنّ بالتأمل والامعان في ما قلناه يتضح أيضا بطلان ما قالوه في هذا المجال في تلك العمليات التي شارك فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه ، إذ أن الذين خرجوا معه ما كانوا ينحصرون في المهاجرين خاصه بل كانوا خليطا من المهاجرين والأنصار ، والحال أن الأنصار لم يبايعوا النبيّ على القيام بأية عملية هجوميّة ابتدائية ، بل كل ما بايعوا عليه النبيّ كما قلنا هو : العمل الدفاعي ،

__________________

(١) المغازي : ج ١ ص ١٦.

٤٥

فكيف يصح أن يدعوهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عمليات قتالية ابتدائية هجوميّة.

وتشهد بما نقول حادثة وقعة بدر التي سنشرحها في ما بعد ، فما لم يعلن الأنصار عن موافقتهم على قتال قريش لم يقرر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحرب ، في تلك الواقعة.

هذا والسبب في تسمية أصحاب السير والتواريخ هذا النوع من العمليات التي خرج فيها النبيّ بنفسه ( غزوة ) وان لم يقع فيها قتال وغزو ، هو أنّهم أرادوا أن يجمعوا كل الحوادث تحت عنوان واحد ، وإلاّ فلم يكن الهدف الاساسيّ من هذه العمليات هو الحرب والقتال ، أو السيطرة على الأموال وسلبها.

٤٦

٢٨

تحويل القبلة

من بيت المقدس الى الكعبة

لم يكن قد مضى على هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة عدة أشهر إلاّ وبدأت نغمة معارضة اليهود للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تظهر شيئا فشيئا!!

وفي الشهر السابغ عشر من الهجرة بالضبط(١) أمر الله تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأمر المؤكّد القاطع بأن يتحول إلى الكعبة ويتخذها من الآن فصاعدا قبلة له وللمسلمين كافة ، فيتوجهون الى المسجد الحرام في أوقات الصلوات.

هذا هو مجمل القصة ، وإليك بيانها على وجه التفصيل.

صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة عشر عاما كاملة في مكة نحو بيت المقدس.

وبعد الهجرة الى المدينة كان الأمر الإلهيّ له هو أن يبقى على الحالة من حيث القبلة ، أي بأن يصلي الى بيت المقدس ، كما كان يفعل في مكة.

وقد كان هذا الاجراء نوعا من المحاولة لاقامة التعاون والتقارب بين الدينين

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ١ ص ٢٤١ و ٢٤٢ ، إعلام الورى باعلام الهدى : ص ٧١ و ٧٢. ويقول ابن هشام في السيرة النبوية : ان القبلة صرفت عن الشام إلى الكعبة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ( السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٠٦ ) ويرى ابن الاثير أن ذلك حدث في منتصف شهر شعبان ( الكامل : ج ٢ ص ٨٠ ).

٤٧

القديم والجديد ، ولكن تنامي قوة المسلمين واشتداد ساعدهم أحدث رعبا كبيرا ، وأوجد قلقا واسعا في أوساط اليهود القاطنين في المدينة لأن تقدّم الاسلام والمسلمين المطرد كان يدلّ على أن الدين الاسلامي سيعمّ في أقرب وقت كل أنحاء شبه الجزيرة العربية ، وستتقلّص ( بل تزول ) في المقابل قوة اليهود وسلطانهم ، ومكانتهم ، من هنا نصب أحبار اليهود العداوة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعمدوا إلى ممارسة سلسلة من الأعمال الإجهاضية والإيذائية.

لقد أخذوا يؤذون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين بمختلف أنحاء الطرق وبشتى الوسائل والسبل ، والمعاذير والحجج ومن جملتها التذرع بقضيّة صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين الى بيت المقدس.

فكانوا يقولون معيّرين إياه : أنت تابع لنا تصلي الى قبلتنا!!

أو كانوا يقولون : تخالفنا يا محمّد في ديننا وتتبع قبلتنا(١) .

فشقّ هذا الكلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واغتم لذلك غما شديدا فكان يخرج من بيته في منتصف الليل ويتطلع في آفاق السماء ينتظر من الله أمرا ووحيا في هذا المجال كما تفيد الآية الآتية :

«قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها »(٢) .

ويستفاد من الآيات القرآنية في هذا المجال أنه كان لتغيير القبلة مضافا إلى الردّ على دعوى اليهود سبب آخر أيضا.

وهو أن هذه المسألة كانت من المسائل الاختبارية التي اراد الله تعال بها ان يمتحن المسلمين ، ويميّز المؤمن الواقعي الحقيقي عن أدعياء الايمان ، المنتحلين له كذبا ونفاقا ، وأن يعرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به من حوله معرفة جيدة لأن إتباع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأمر الثاني الذي نزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أثناء الصلاة ( وهو التوجه إلى المسجد الحرام ) كان علامة قوية

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١ ص ٢٥٥ أو : ما درى محمّد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم.

(٢) البقرة : ١٤٤.

٤٨

من علامات الايمان والتسليم ، والاخلاص والوفاء للدين الجديد.

بينما كانت مخالفته علامة قوية من علامات النفاق والتردّد كما يصرّح القرآن الكريم بنفسه بذلك اذ يقول :

«وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ »(١) .

ومن المسلّم أنه يمكن الوقوف على حكم اخرى لهذا الأمر ( أي صرف القبلة من الشام الى الكعبة ) إذا تتبعنا تاريخ الاسلام بشكل أوسع ، وطالعنا أوضاع شبه الجزيرة العربية.

ويمكن الاشارة الى بعض هذه الحكم مضافا الى ما ذكرناه :

أولا : أن الكعبة التي رفعت قواعدها على يدي بطل التوحيد وناشر لوائه النبيّ العظيم « ابراهيم الخليل »عليه‌السلام كانت موضع احترام وتقديس من المجتمع العربي ، فقد كان العرب يحبون الكعبة ويعظمونها غاية التعظيم على ما هم عليه من الشرك والفساد ، فكان اتخاذه قبلة من شأنه كسب رضا العرب ، واستمالة قلوبهم ، وترغيبهم في الاسلام تمهيدا لاعتناق دين التوحيد ونبذ الاوثان والاصنام.

وأيّ هدف ، وأية غاية ترى أسمى وأجلّ من أن يؤمن المشركون المعاندون المتخلفون عن ركب الحضارة والمدنية ، وينتشر الاسلام بسببهم في كل أنحاء العالم.

ثانيا : أن الابتعاد عن اليهود الذين لم يكن يؤمل في إذعانهم للاسلام ، وايمانهم برسالة ( محمّد ) ذلك اليوم كان يبدو أمرا ضروريا ، لأنهم كانوا يقومون بأعمال ايذائية ضد الاسلام والمسلمين ويطلعون على رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) البقرة : ١٤٣. ويمكن بيان هذه العلة بصورة أخرى وهي إنما أمر بالصلاة الى بيت المقدس لأن مكة وبيت الله الحرام كانت العرب آلفة بحجها فأراد الله أن يمتحن بغير ما آلفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه. ( راجع مجمع البيان : ج ١ ص ٢٢٢ و ٢٢٣ ).

٤٩

وآله بين الفينة والأخرى بأسئلة عويصة يشغلونه بها ، يظهرون بها ـ حسب تصورهم ـ أنهم يعرفون أمورا كثيرة وأنهم علماء ، وبذلك يضيّعون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوقت ، ويشغلونه عن مهامه الكبرى.

فكان تغيير القبلة واحدا من مظاهر الابتعاد عن اليهود واجتنابهم ، تماما مثل نسخ صوم يوم عاشوراء الذي تم لنفس هذا الغرض.

فقد كانت اليهود تصوم يوم عاشوراء قبل الاسلام ، فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمون بأن يصوموا هذا اليوم أيضا ، ثم نسخ الأمر بصوم عاشوراء وفرض مكانه صوم شهر رمضان(١) .

وعلى كل حال فان الاسلام الذي يتفوق على جميع الأديان ، يجب أن تتجلى فيه هذه الحقيقة بحيث يغدو أمر تكامله وتفوقه باديا للعيان ، واضحا للجميع.

وفي هذه الحالة تصوّر بعض المسلمين أن ما أتوا به من صلاة وعبادة وهم متجهين إلى بيت المقدس كان باطلا إذ قالوا : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ، أو حال من مضى من أمواتنا وهم كانوا يصلون الى بيت المقدس؟!

فنزل الوحي الإلهي يقول :

«وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ »(٢) .

ومع ملاحظة هذه الاعتبارات وبينما كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انتهى من الركعة الثانية من صلاة الظهر ، نزل عليه جبرئيل ، وأمره بأن يتوجه بالمصلّين معه حدب المسجد الحرام.

وجاء في بعض الاخبار أنّ جبرئيل أخذ بيد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأداره نحو المسجد الحرام ، فتبعه الرجال والنساء الذين كانوا يأتمون به في

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١ ص ٢٧٣.

(٢) البقرة : ١٤٣. والمراد من الايمان هنا هو العمل وهو من الموارد التي استعمل فيها لفظ الايمان واريد به العمل.

٥٠

المسجد(١) .

فتحوّل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فكان أول صلاته الى بيت المقدس ، وآخرها الى الكعبة.

ومنذ ذلك الحين جعلت الكعبة المعظمة ـ زاد الله من شرفها ـ قبلة مستقلة للمسلمين يتوجهون إليها في كثير من واجباتهم وشعائرهم الدينية(٢) .

هذا والغريب أن اليهود الذين كانوا قبل نزول الأمر بالتحوّل من بيت المقدس الى الكعبة المعظمة يفتخرون على المسلمين بأنهم يصلّون على قبلة اليهود ، لما حوّل المسلمون إلى الكعبة المعظمة ، وامروا بالصلاة إليها دون بيت المقدس أخذوا يعيبون على المسلمين التوجه إلى نقطة ما في الأرض فردّ الله عليهم بقوله :

«سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(٣) .

أي ان الله فوق الزمان والمكان ، والتوجه إلى نقطة خاصة في حالة العبادة انما هو لمصالح اجتماعية خاصة فالصلاة الى الكعبة توجّه الى الله كالصلاة الى بيت المقدس سواء بسواء.

كرامة علمية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وما ينبغي الاشارة إليه هنا هو : أن العرض الجغرافي للمدينة ـ طبقا لمحاسبات علماء الفلك القدامى ـ هو ٢٥ درجة ، وطولها ٧٥ درجة و ٢٠ دقيقة ، ولهذا كانت قبلة المدينة لا توافق محراب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الباقي على حالته السابقة الى الآن في مسجده الشريف ، وقد سبّب هذا الاختلاف حيرة لدى بعض المتخصصين في هذا العلم ، وربما دفعهم إلى ارتكاب توجيهات وتبريرات لرفع هذا الاختلاف.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٠١ عن من لا يحضره الفقيه.

(٢) كالصلاة والذبح ودفن الموتى ، والدعاء وغير ذلك.

(٣) البقرة : ١٤٢.

٥١

ولكن القائد المعروف بسردار الكابلي أثبت في الآونة الأخيرة ـ طبقا للمقاييس المعروفة اليوم ـ أن خط المدينة الجغرافي على عرض ٢٤ درجة و ٥٧ دقيقة وطول ٣٩ درجة و ٥٩ دقيقة(١) .

وتكون نتيجة هذه المحاسبة هي أن قبلة المدينة تكون في نقطة الجنوب تماما وتنحرف عن نقطة الجنوب ب ٤٥ دقيقه فقط.

وهذا الاستخراج الفلكي للقبلة ينطبق على محراب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل تطبيق ، ويعدّ هذا من كرامات النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث توجه في حالة الصلاة(٢) من بيت المقدس الى الكعبة بصورة دقيقة ومن دون أي انحراف ولا جزئي مغتفر وذلك من دون أية محاسبة فلكيّة ، وعلميّة.

وقد أخذ جبرئيل بيده وحوّل وجهه نحو الكعبة المعظمة كما أسلفنا(٣) .

__________________

(١) تحفة الأجلّة في معرفة القبلة : ص ٧١ طبعة ١٣٥٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه للصدوق : ج ١ ص ١٧٨.

(٣) وقد نقل الحرّ العاملي في وسائل الشيعة : في أبواب القبلة ج ٣ ص ٢١٥ و ٢١٦ حادثة تحوّل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة من بيت المقدس الى المسجد الحرام فراجع.

٥٢

٢٩

معركة بدر

معركة « بدر » من معارك الاسلام الكبرى ومن حروبه البارزة ، وقد اكتسب الذين شاركوا في هذه المعركة منزلة خاصة بين المسلمين فيما بعد.

فالواقعة التي كان يشارك فيها فرد أو عدة أفراد من المجاهدين في « بدر » أو اذا كانوا يشهدون على أمر قال المسلمون : ووافقنا عليه البدريون.

أجل إن الذين شاركوا في معركة بدر من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعون بالبدريين ، ولم يكن هذا إلاّ لاهميّة تكلم الوقعة التاريخية.

وتتضح علة هذه الأهميّة إذا نحن استعرضنا تفاصيل هذه الوقعة.

لقد قلنا في ما سبق أنه بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منتصف جمادى الآخرة من السنة الثانية للهجرة ، أن قافلة قريش التجارية خرجت من مكة إلى الشام بقيادة « أبي سفيان بن حرب ».

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لملاحقتها إلى « ذات العشيرة » وتوقّف هناك إلى مطلع الشهر التالي ، ولم يعثر على تلك القافلة ، وقد كان وقت عودة القافلة معلوما تقريبا ، فقد كانت قافلة قريش تعود من الشام إلى مكة في أوائل الخريف.

ومن المعلوم أنّ أوّل خطوة على طريق الانتصار في مثل هذه المحالات هو

٥٣

تحصيل اكبر قدر من المعلومات حول العدوّ لأنّ قائد الجيش ما لم يعرف شيئا عن استعدادات العدوّ ، ونقطة تمركزه وتواجده ، ومعنويات أفراده ، فانه ربما ينهزم وينكسر في أول مواجهة.

ولقد كان من أساليب النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرائعة في جميع الحروب والمعارك التي ستقرأ تفاصيلها هو جمع المعلومات حول مدى استعداد العدوّ ، ومبلغ تهيّؤه ومكان تواجده ، وتمركزه ، وهذه مسألة تحظى والى اليوم بأهميّة خاصّة في الحروب العالمية والمحلية ، بل وترصد لها ميزانيّات كبرى ، وتستخدم أجهزة عريضة في عالمنا الحاضر ، كما هو معلوم للجميع ، وكما أشرنا الى ذلك فيما سبق.

وقد بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينا له على قافلة قريش اسمه « عدي » ـ حسب رواية المجلسي(١) ـ أو « طلحة بن عبيد الله » و « سعيد بن زيد » حسب ما قال صاحب « حياة محمّد » نقلا عن المصادر التاريخيّة(٢) ، لإخباره عن مسير تلك القافلة ، وعدد حرّاسها ورجالها ونوعية البضائع المحمّلة.

فلما عاد العين أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ بأن قافلة قريش قافلة كبرى شارك فيها كلّ أهل مكّة ، حتى أنه ما من قرشيّ أو قرشية بمكة له مثقال فصاعدا إلاّ بعث به في تلك القافلة.

٢ ـ إنّ البضائع يحملها ألف بعير وأنّ قيمتها تبلغ خمسين ألف دينار.

٣ ـ وأنه يقودها « أبو سفيان بن حرب » في أربعين رجلا.

وحيث إن أموال المسلمين المهاجرين إلى المدينة كانت قد صودرت في مكة على أيدي قريش من هنا كان الوقت مناسبا جدا لأن يأخذ المسلمون أموال قريش في تلك القافلة ، ويحتفظوا بها ريثما تفرج قريش عن أموال المسلمين المهاجرين المصادرة بمكة ، فاذا لجّوا وأصرّوا في مصادرة أموال المسلمين قسّم

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٢١٧.

(٢) المغازي : ج ١ ص ١٩.

٥٤

المسلمون في المقابل أموال قريش المأخوذة فيما بينهم وتصرفوا فيها كغنائم حرب من هنا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم :

« هذا عير قريش ( أي قافلتهم ) فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعلّ الله ينفلكموها »(١) .

من هنا استخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة « عبد الله بن أمّ مكتوم » للصلاة بالناس ، والقيام بالشؤون الدينية ، و « أبا لبابة » للقيام بالشؤون السياسية.

ثم خرج من المدينة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا لمصادرة أموال قريش أو بالاحرى توقيفها وحبسها.

النبيّ يتوجه الى منطقة ذفران(٢) :

لقد ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة بعد أن أتاه خبر عن تحرك قافلة قريش ، قاصدا وادي ذفران حيث طريق القافلة في يوم الاثنين ، الثامن من شهر رمضان ، وقد عقد رايتين سلّم إحداهما إلى مصعب بن عمير ، والاخرى ( وتسمى العقاب ) إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ولقد كانت المجموعة التي خرج بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تتألّف من اثنين وثمانين من المهاجرين ، ومائة وسبعين من الخزرج ، وواحد وستين من الأوس ، وكان عندهم ثلاثة أفراس فقط.

__________________

(١) المغازي : ج ١ ص ٢٠.

(٢) وادي ذفران الذي كان يمرّ به قافلة قريش التجارية يقع على مرحلتين من بدر.

وقد ذكر ابن هشام في سيرته جميع المراحل التي طواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة إلى ذفران ومنه إلى بدر الذي ارتحل إليه رسول الله بعد أن بلغه نبأ تحرك قافلة قريش.

وبدر كان موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كلّ عام يتبايعون فيه ويتفاخرون على غرار سوق عكاظ ، وكان يقع على طريق مكة والمدينة والشام. ( راجع السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٣ ـ ٦١٨ ).

٥٥

ولقد بلغ حبّ الشهادة عند الاشخاص في المجتمع الاسلامي يومئذ مبلغا عجيبا حتى أنّ فتيانا دون الحلم اشتركوا في هذه المعركة ، وردّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضهم إلى المدينة لمّا استصغرهم(١) .

إن كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفيد بانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وعدهم بالرخاء والانفراج في المعيشة وذلك عن طريق السيطرة على أموال قريش ، وأخذ بضائعها ، وكان المسوّغ لهذا العمل هو ما سبق أن ذكرناه ، وهو أن قريشا كانت قد صادرت كل أموال المهاجرين المسلمين في مكة ، منقولها وغير منقولها ، ومنعت من دخولهم مكة ، وخروجهم منها.

ومن الواضح أن يسمح العاقل لنفسه ـ أيّا كان ـ بأن يعامل عدوه بمثل هذه المعاملة التي عامله بها العدوّ.

وأساسا يجب أن نعلم أنّ سبب هجوم المسلمين على قافلة قريش هو أنهم قد ظلموا وقهروا ، الأمر الذي يذكره القرآن الكريم أيضا ، ولذلك يسمح للمسلمين بأن يقاتلوا عدوّهم ويعترضوا تجارتهم إذ يقول :

«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ »(٢) .

ولقد كان أبو سفيان قد عرف ـ عند توجهه بالقافلة إلى الشام ـ أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يترصد القافلة ، ولهذا اتخذ كافة الاحتياطات عند قفوله ورجوعه من الشام ، فكان يسأل القوافل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان إذا رأى أحدا منهم سأله : هل أحسست أحدا؟!

__________________

(١) المغازي : ج ١ ص ٢١.

وروي أنه كان الرجل يساهم أباه في الخروج مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغبة في الجهاد في سبيل الله والشهادة فكان ممن ساهم « سعد بن خيثمة » وأبوه في الخروج إلى بدر ، فقال سعد لأبيه : انه لو كان غير الجنة آثرتك به ، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا.

فقال خيثمة : آثرني ، وقرّ مع نسائك! فابى سعد.

فقال خيثمة : إنه لا بدّ لأحدنا من أن يقيم ، فاستهما ( أي اقترعا ) فخرج سهم سعد فقتل ببدر ( المصدر ).

(٢) الحج : ٣٩.

٥٦

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد خرج مع أصحابه من المدينة ، يلاحق قافلة قريش ، وقد نزل في وادي ذفران.

ولما أحسّ أبو سفيان بذلك أحجم عن الاقتراب الى منطقة بدر ولم ير بدّا من أن يخبر قريشا بالخطر الذي يحدق بتجارتهم ، وأموالهم ، ويطلب مساعدتهم ، فاستأجر رجلا يدعى « ضمضم بن عمرو الغفاري » وأمره بأن يجدع بعيره ( يقطع أنفه ) ويحوّل رحله ، ويشقّ قميصه من قبله ودبره ويصيح الغوث! الغوث ، ويخبر قريشا أنّ محمّدا تعرّض لتجارتهم!!

فخرج ضمضم سريعا إلى مكّة ، ولمّا قدمها وقف ببطن الوادي يصيح بأعلى الصوت : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة(١) ، أموالكم مع أبي سفيان قد تعرّض لها محمّد في أصحابه ، لا أرى ان تدركوها ، الغوث الغوث(٢) .

فأثار هذا المنظر المثير ، واستغاثات ضمضم المتتابعة أهل مكة ، فتجهزوا سراعا ، وتهيّأوا للخروج ، وأعدّ كل صناديد قريش ورجالها المقاتلون أنفسهم للتحرّك نحو المدينة إلاّ أبو لهب الذي لم يشترك في هذا الخروج ، وارسل مكانه « العاصي بن هشام » لقاء أجر قدره أربعة آلاف درهم.

وأراد « أميّة بن خلف » هو الآخر أن يتخلّف لاسباب خاصّة ، فقد قيل له : أن محمّدا يقول : لأقتلنّ أميّة بن خلف(٣) .

فرأى أشراف قريش وسادات مكة أن تخلف رجل مثله يضرّ بقريش ويوهن من عزيمة الجيش ، فقرروا إثارته وتحريكه فأتاه عقبة بن أبي معيط وأبو جهل وهو جالس في المسجد بين ظهرانيّ قومه ، بمجمرة يحملانه فيها نار وعود يتبخّر به حتى وضعاها بين يديه ثم قالا له :

« يا أميّة استجمر فإنّما أنت من النساء »!

__________________

(١) اللطيمة : الابل التي تحمل الاقمشة والعطور ، والنداء يعني : ادركوا اللطيمة ادركوها.

(٢) الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٨١ ، المغازي : ج ١ ص ٣١ ، بحار الانوار : ج ١٩ ص ٢١٦.

(٣) المغازي : ج ١ ص ٣٥.

٥٧

فغضب أميّة ، وهاجت به الحمية ، فتجهز من فوره ، وخرج مع الناس(١) .

وخلاصة القول أنه اوعبت قريش لمّا سمعت بتعرض قافلتها وأموالها للخطر من قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، فكانوا بين رجلين إما خارج أو باعث مكانه رجلا ، وما بقي أحد من عظماء قريش إلاّ أخرج مالا لتجهيز الجيش ، وأخرجوا معهم المغنيات يضربن بالدفوف ويهيّجن الرجال للقتال.

المشكلة التي كانت تواجهها قريش :

ولما اعلن عن موعد الرحيل تذكرت قريش بأن بينهم وبين قبيلة « بني بكر » عداء قديما ، فخافوا أن يوجهوا إليهم ضربة من الخلف ، أو يحملوا على نسائهم وذراريهم في مكة في غياب منهم فكاد ذلك يثنيهم عن الخروج.

وقد كان العداء بين قريش وبني بكر يعود إلى دم سفك بينهم في قصة ذكرها ابن هشام وغيره من كتّاب السيرة(٢) .

ولكن سراقة بن جعشم المدلجي ـ وكان من أشراف بني كنانة وهم من بني بكر ـ طمأنهم ، ووعدهم بأن لا تأتيهم بنو بكر من خلفهم بشيء يكرهونه ، ولما اطمأنّوا خرجوا صوب المدينة سراعا.

وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه قد خرجوا من المدينة لاعتراض قافلة قريش التجارية ، وهبطوا في وادي ذفران ، وبقوا هناك ينتظرون مرورها ، ولكنه فجأة بلغه خبر جديد غيّر أفكار قادة الجيش الاسلامي ، وفتح ـ في الحقيقة ـ فصلا جديدا في حياتهم.

فقد أتاه الخبر عن مسير قريش باتجاه المدينة لحماية قافلتها التجارية ، وأن جيشها قد وصل إلى مشارف المنطقة التي يتواجد فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، وأن طوائف متعددة قد ساهمت وشاركت في تكوين هذا الجيش.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٣٨ ، الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٨٢ ، المغازي : ج ١ ص ٣٥ و ٣٦.

(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٠ و ٦١١ ، المغازي : ج ١ ص ٣٨ و ٣٩.

٥٨

فوجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقائد الاعلى للمسلمين نفسه أمام خيارين :

إما أن يقاتل ، ولكنّه لم يخرج هو أو أصحابه الذين مرّ ذكرهم إلاّ لمصادرة أموال قريش ، فلم يكونوا متهيّئين لمقاتلة الجيش المكّي الكبير ، لا من حيث العدد ، ولا من حيث العدّة.

وإما أن يرجع إلى المدينة من حيث أتى ، وهذا يعني أن ينهار كلّ ما كسبوه من الهيبة والمهابة ، بفضل المناورات العسكرية ، والعروض النظامية السابقة.

وبخاصة إذا تقدم العدوّ نحو المدينة في ظل هذا الانسحاب واجتاح مركز الإسلام « المدينة المنورة ».

فرأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا ينسحب ، بل يقاتل العدوّ بما عنده من العدة القليلة والعدد القليل ويقاوم حتى اللحظة الأخيرة والنفس الأخير.

والجدير بالذكر أنّ أكثر الذين كانوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا من شبّان الأنصار وكان عدد المهاجرين لا يتجاوز ٨٢ شخصا.

وكانت بيعة العقبة التي بايع فيها الأنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيعة على الدفاع عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمايته لا القتال والحرب.

اي انهم بايعوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن يمنعونه في المدينة فلا يصل إليه أحد من أعدائه وهو بينهم.

أمّا أن يخرجوا معه الى خارج المدينة لقتال العدوّ فلم يبايعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مثل ذلك فما ذا يفعل القائد الأعلى للمسلمين.

إنه لم ير مناصا من استشارة الناس الذين معه ، ومعرفة رأيهم في ما يجب اتخاذه من طريقة حل لهذه المشكلة.

النبيّ يعقد شورى عسكرية :

وهنا وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الجماعة وقال : أشيروا

٥٩

عليّ أيّها الناس.

فقام أبو بكر وقال : يا رسول الله إنّها قريش ، وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلّت منذ عزّت ولم نخرج على أهبة الحرب!!

وهذا يعني أنه رأى من الصالح ان ينسحبوا الى المدينة ، ولا يواجهوا قريشا.

فقال له رسول الله : اجلس.

ثم قام عمر بن الخطاب ، وكرّر نفس مقالة أبي بكر ، فأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجلوس أيضا.

ثم قام « المقداد بن عمرو » وقال : يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى : اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون.

ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا ، وإنا معكما مقاتلون.

فو الّذي بعثك بالحقّ لو سرت الى برك الغماد ( وهو موضع بناحية اليمن ) لجالدنا معك من دونه ، حتى تبلغه ، ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا ( أي النار المتقدة ) وشوك الهراس ( وهو شجر كبير الشوك ) لخضناه معك.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيرا ودعا له به.

إخفاء الحقائق وكتمانها :

إذا كان اخفاء الحقائق ، والتعتيم عليها وسترها ، والتعصب الباطل أمرا مشينا من كلّ من ألّف وكتب ، فإنّه ولا شك أقبح من المؤرّخ ، المؤتمن على التاريخ وحقائقه.

فان على المؤرخ أن يكون مرآة صادقة للأجيال القادمة لا يكدرها غبار التعصب ، وغشاوة التحريف والتبديل والكتمان للحقائق.

ولقد ذكر ابن هشام(١) والمقريزي(٢) والطبري(٣) ما وقع في الشورى

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٥.

(٢) إمتاع الاسماع : ص ٧٤.

(٣) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٠.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وقد ذكرنا مراراً قول الحافظ ابن حجر مراراً: بأن التشيّع غير ضائر(١) .

بل لقد ذكر الذهبي بترجمة أبان بن تغلبرحمه‌الله ما نصّه:

« شيعي جلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه، وعليه بدعته(٢) .

وتلخص:

صحة كلا طريقي أبي يعلى.

(١٠)

رواية المحاملي

ومن رواة هذا الحديث: القاضي أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل بن محمّد الضبيّ المحاملي البغدادي، المتوفى سنة ٣٣٠.

فقد جاء في بعض أسانيد الحافظ ابن عساكر بسنده:

« أنبأنا أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل المحاملي، أنبأنا أبو موسى محمّد ابن المثنى، أنبأنا يحيى بن حماد، أنبأنا الوضّاح، أنبأنا يحيى أبو بلج، أنبأنا عمرو بن ميمون قال:

إني لجالس إلى ابن عباس، إذْ أتاه تسعة رهط »(٣) .

أقول:

هذا السّند هو سند النسائي بعينه.

__________________

(١). مقدمة فتح الباي: ٣٩٨.

(٢). ميزان الإعتدال: ١ / ٥.

(٣). ولكني لم أجده في كتاب الأمالي للمحاملي رواية ابن يحيى البيّع.

٢٠١

(١١)

رواية الطبراني

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني، في مسند ابن عباس، تحت عنوان ( عمرو بن ميمون عن ابن عباس ):

« حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، ثنا كثير بن يحيى، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون قال:

كنا عند ابن عباس، فجاءه سبعة نفر ».

فأخرج الحديث بكامله(١) .

ثم روى: « حدّثنا أبو شعيب عبدالله بن الحسن الحرّاني، ثنا أبو جعفر النفيلي، ثنا مسكين بن بكير، ثنا شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس:

إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بالأبواب كلّها فسدّت إلّا باب عليرضي‌الله‌عنه »(٢) .

ورواه في ( المعجم الأوسط ) بنفس السّند الأوّل، لكنْ باختصار:

قال: « حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا كثير بن يحيى أبو مالك، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، قال:

قال نبي الله صلّى الله عليه وسلّم يوم خيبر، لأبعثنَّ رجلاً لا يخزيه الله، فبعث إلى علي وهو في الرحل يطحن - وما كان أحدكم يطحن - فجاءوا به

__________________

(١). المعجم الكبير ١٢ / ٧٧ رقم ١٢٥٩٣.

(٢). المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ رقم ١٢٥٩٤.

٢٠٢

أرمد، فقال: يا نبي الله ما أكاد اُبصر، فنفث في عينيه، وهزّ الراية ثلاث مرار، ثم دفعها إليه، ففتح له، فجاء بصفيّة بنت حيي.

ثم قال لنبي عمّه: أيّكم بتولاّني في الدنيا والآخرة؟ فقال لكلّ رجلٍ منهم: يا فلان، أتتولّاني في الدنيا والآخرة - ثلاثاً -؟ فيقول: لا، حتى مرّ على آخرهم، فقال علي: يا نبي الله، أنا وليّك في الدنيا والآخرة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنت وليّي في الدنيا والآخرة.

قال: وبعث أبا بكر بسورة التوبة، وبعث علياً على أثره، فقال أبو بكر: يا علي، لعلّ الله ورسوله سخطا عليَّ. فقال علي: لا ولكنْ قال نبي الله صلّى الله عليه وسلّم: لا ينبغي أن يبلّغ عنّي إلّا رجل مني وأنا منه.

قال: ووضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبه على علي وفاطمة والحسن والحسين ثم قال:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) .

وكان أوّل من أسلم بعد خديجة من الناس.

قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله »(١) .

أقول:

وشيخ الطبراني (إبراهيم بن هاشم البغوي ):

ترجم له الحافظ الخطيب فقال:

« إبراهيم بن هاشم بن الحسين بن هاشم، أبو إسحاق البيّع، المعروف

__________________

(١). المعجم الأوسط ٣ / ٣٨٨ رقم ٢٨٣٦.

٢٠٣

بالبغوي. سمع اُمية بن بسطام، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وأبا الربيع الزهراني، وعلي بن الجعد، ومحرز بن عون، ومحمّد بن بكار، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن سعيد الدارمي.

روى عنه: أحمد بن سلمان النجاد، وعبدالباقي بن قانع

أخبرني الأزهري قال قال أبو الحسن الدارقطني: إبراهيم بن هاشم البغوي ثقة.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي، قال: مات أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم البغوي يوم الخميس سلخ جمادى الآخرة سنة ٢٩٧.

قلت: وكان مولده سنة ٢٠٧ »(١) .

وذكره الحافظ ابن الجوزي فيمن توفي في السنة المذكورة من الأكابر، قال: « وكان ثقة »(٢) .

وبقي الكلام على سند رواية سدّ الأبواب، ففيه:

( أبو شعيب عبدالله بن الحسن الحرّاني ):

قال الدارقطني: ثقة مأمون.

وقال الخطيب: كان مسنداً غير متّهم في روايته.

ووصفه الذهبي: بـ « الشيخ المحدّث المعمَّر المؤدّب، طال عمره، وتفرَّد »

__________________

(١). تاريخ بغداد ٦ / ٢٠٣.

(٢). المنتظم ١٣ / ٩٧.

٢٠٤

فذكر توثيق الدارقطني(١) ، وقال عنه أيضاً: « معمَّر صدوق »(٢) .

وقال ابن حجر « ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويهم » وقال موسى بن هارون: « السماع من أبي شعيب يفضل على السماع من غيره، لأنه المحدّث ابن المحدّث ابن المحدّث وهو صدوق » وقال مسلمة: « كان ثقة فصيحاً »(٣) .

أقول: وإنما اُورد في ( الميزان ) و ( لسانه ) لأنّه كان يأخذ الدراهم على الحديث، كما صرّح بذلك الذهبي مع التنصيص على أنه كان غير متّهم.

و (أبو جعفر النفيلي ) وهو: عبدالله بن محمّد بن علي بن نفيل.

من رجال البخاري والأربعة.

وروى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والذهلي وجماعة.

وثّقه أبو حاتم، والدارقطني، وابن حبان(٤) .

و (مسكين بن بكير ) وهو:

من رجال الصحاح الستة(٥) .

__________________

(١). تاريخ بغداد ٩ / ٤٣٥، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٥٣٦.

(٢). ميزان الإعتدال ٢ / ٤٠٦.

(٣). لسان الميزان ٣ / ٢٧١.

(٤). الجرح والتعديل ٥ / ١٥٩، تهذيب التهذيب ٦ / ١٦، تذكرة الحفاظ ٢ / ٤٤٠، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٦٣٤.

(٥). تهذيب التهذيب ١٠ / ١٢٠.

٢٠٥

(١٢)

رواية الحاكم النيسابوري

وأخرجه الحاكم أبو عبدالله النيسابوري في ( المستدرك ):

« أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ببغداد، من أصل كتابه، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يحيى بن حمّاد، ثنا أبو عوانة، ثنا أبو بلج، ثنا عمرو بن ميمون، قال:

إني لجالس عند ابن عبّاس ».

فرواه بطوله ثم قال: « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وقد حدّثنا السيد الأوحد أبو يعلى حمزة بن محمّد الزيدي -رضي‌الله‌عنه - ثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن مهرويه القزويني القطان، قال: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: كان يعجبهم أن يجدوا الفضائل من رواية أحمد بن حنبل »(١) .

أقول:

وشيخ الحاكم: (أبو بكر القطيعي ) قد ترجمنا له في الكتاب.

وأخرج الحاكم أيضاً قال:

« حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق، ثنا زياد بن الخليل التستري، ثنا كثير

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢.

٢٠٦

ابن يحيى، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال:

شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي ».

ثم قال الحاكم: « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقد رواه أبو داود الطيالسي وغيره عن أبي عوانة، بزيادة ألفاظ »(١) .

أقول:

وشيخ الحاكم (أبو بكر أحمد بن إسحاق ) هو النيسابوري، المعروف بالصبغي.

تجد الثناء بالجميل عليه في:

١ - طبقات الشافعية ٣ / ٩.

٢ - الوافي بالوفيات ٦ / ٢٣٩.

٣ - مرآة الجنان ٢ / ٣٣٤.

٤ - النجوم الزاهرة ٣ / ٣١٠.

٥ - سير أعلام النبلاء ١٥ / ٤٨٣.

٦ - شذرات الذهب ٢ / ٣٦١.

وأمّا (زياد بن خليل التستري ) فقد ذكره الخطيب وابن الجوزي والسمعاني والذهبي وقالوا ما موجزه:

« وأبو سهل زياد بن خليل التستري. قدم بغداد وحدّث بها عن إبراهيم بن

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤.

٢٠٧

المنذر الحزامي و روى عنه: عبدالصمد بن علي الطستي وأبو بكر محمّد بن عبدالله الشافعي

وذكره الدارقطني فقال: لا بأس به.

ومات في طريق المدينة قبل أنْ يدخل مكة في ذي القعدة سنة ٢٩٠. وقيل: ٢٨٦ »(١) .

(١٣)

رواية ابن عبدالبر

وقال الحافظ ابن عبدالبر القرطبي بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« روي عن سليمان، وأبي ذر، والمقداد، وحذيفة، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم: أن علي بن أبي طالب أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره.

قال ابن إسحاق: أول من آمن بالله ورسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم، من الرجال علي بن أبي طالب.

وهو قول ابن شهاب، إلّا أنه قال: من الرجال بعد خديجة.

وهو قول الجميع في خديجة.

حدثنا أحمد بن محمّد، حدثنا أحمد بن الفضل، حدثنا محمّد بن جرير قال قال أحمد بن عبدالله الدقاق: حدثنا مفضل بن صالح، عن سماك بن حرب،

__________________

(١). الأنساب - التستري، تاريخ بغداد ٨ / ٢٨١، تاريخ الإسلام - حوادث ٢٨١ - ٢٩٠ - ص ١٨١، المنتظم ١٢ / ٤٠٧.

٢٠٨

عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:

لعلي أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي كان لؤاؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره، وهوالذي غسّله وأدخله في قبره.

وقد مضى في باب أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه ذكر من قال أن أبا بكر أول من أسلم.

وروي عن سلمان الفارسي أنه قال: أوّل هذه الاُمّة وروداً على نبيّها عليه الصلاة والسلام الحوض أوّلها إسلاماً: علي بن أبي طالب.

وروي هذا الحديث مرفوعاً عن سلمان الفارسي، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم انه قال: أوّل هذه الاُمّة وروداً عليّ الحوض أوّلها إسلاماً: علي بن أبي طالب.

ورفعه أولى، لأن مثله لا يدرك بالرأي.

حدثنا أحمد بن قاسم، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبي اُسامة، حدثنا يحيى بن هاشم، حدثنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن حنش بن المعتمر، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أوّلكم وروداً عليَّ الحوض أوّلكم إسلاماً: علي بن أبي طالب.

وروى أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: أنت ولي كلّ مؤمن بعدي.

وبه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: أوّل من صلّى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد خديجة علي بن أبي طالب.

٢٠٩

حدثنا عبدالوارث بن سفيان، قال حدثنا قاسم بن أصبغ، قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، قال حدثنا الحسن(١) بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال:

كان علي أوّل من آمن بالله من الناس بعد خديجة رضي الله عنهما.

قال أبو عمررحمه‌الله : هذا إسناد لا مطعن فيه لأحدٍ، لصحته وثقة نقلته »(٢) .

أقول:

أمّا (عبدالوارث بن سفيان ) فقد:

قال الذهبي: « عبدالوارث بن سفيان بن جبرون. المحدث الثقة العالم الزاهد

توفي سنة ٣٩٥ »(٣) .

وأمّا (قاسم بن أصبغ ) فقد

ذكره الذهبي، ووصفه بـ « الإمام الحافظ العلّامة محدّث الأندلس » قال: « وانتهى إليه علوّ الإسناد بالأندلس، مع الحفظ والإتقان، وبراعة العربية، والتقدم في الفتوى، والحرمة التامة، والجلالة».

قال: « أثنى عليه غير واحد، وتواليف ابن حزم، وابن عبدالبر، وأبي الوليد الباجي، طافحة بروايات قاسم بن أصبغ.

__________________

(١). كذا، والصحيح: يحيى بن حمّاد، وراجع الهامش أيضاً.

(٢). الإستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ٢٧ - ٢٨.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٧ / ٨٤.

٢١٠

مات سنة ٣٤٠ »(١) .

وأمّا (أحمد بن زهير بن حرب ) فهو: ابن أبي خيثمة، وترجمته موجودة في الكتاب.

وأمّا (يحيى بن حمّاد ) ومن فوقه، فقد عرفتهم كذلك.

فالسند صحيح كما ذكر ابن عبدالبر.

(١٤)

رواية الحسكاني

وروى الحاكم الحسكاني حديث عمرو بن ميمون بتفسير قوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرضاة اللهِ ) ، قال:

« أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو بكر القباب عبدالله بن محمّد قال: أخبرنا أبو بكر ابن أبي عاصم القاضي، قال: محمّد بن المثنى قال: حدّثنا يحيى بن حماد، قال: حدّثنا أبو عوانة الوضّاح بن عبدالله، عن يحيى بن سليم أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال:

وكان - يعني عليّاً - أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولبس ثوبه ونام مكانه، فجعل المشركون يرمونه كما كانوا يرمون رسول الله، وهم يحسبون أنه نبي الله، فجاء أبو بكر وقال: يا نبي الله، فقال علي: إن نبي الله قد ذهب نحو بئر ميمون، وكان المشركون يرمون عليّاً وهو يتضوّر، حتى أصبح فكشف عن رأسه فقالوا: كنا نرمي صاحبك ولا يتضوّر، وأنت تتضوّر، استنكرنا ذلك.

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٥ / ٤٧٢.

٢١١

- أخبرنا أبو عبدالله الجرجاني قال: أخبرنا أبو طاهر السلمي قال: أخبرنا جدّي أبو بكر قال: حدّثنا علي بن مسلم قال: حدّثنا أبو داود، عن أبي عوانة عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن ابن عباس:

إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمـّا انطلق ليلة الغار

- وأخبرنا الحاكم أبو عبدالله قال: حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، قال: أخبرنا زياد بن الخليل التستري، قال: حدّثنا كثير بن يحيى. قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال:

شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم نام مكانه.

- اخبرنا الحاكم الوالد، عن أبي حفص بن شاهين قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني قال: حدّثنا أحمد بن عبدالرحمن بن سراج ومحمّد بن أحمد بن الحسين القطواني، قالا: حدثنا عباد بن ثابت قال: حدّثني سليمان بن قرم قال: حدثني عبدالرحمن بن ميمون أبو عبدالله قال: حدّثني أبي عن ابن عباس: إنه سمعه يقول: أنام رسول الله علياً على فراشه »(١) .

أقول:

لقد روى الحاكم الحسكاني هذا الحديث بأسانيد:

فأمّا السند الأوّل ففيه:

(أبو بكر التميمي ) وهو: أحمد بن محمّد بن عبدالله بن الحارث التميمي الأصبهاني،

__________________

(١). شواهد التنزيل ١ / ١٢٤ - ١٢٨.

٢١٢

نزيل نيسابور. ترجم له الحافظ عبدالغافر، فقال ما ملخّصه:

« أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبدالله بن الحارث. الإمام أبو بكر التميمي الإصبهاني، المقرئ الأديب، الفقيه، المحدّث، الديّن، الزاهد، الورع، الثقة، الإمام بالحقيقة، فريد عصره في طريقته وعلمه وورعه، لم يعهد مثله. كان عارفاً بالحديث، كثير السماع، صحيح الاصول، توفي بنيسابور سنة ٤٣٠.

حدّث عن أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن جعفر بجملةٍ من حديثه ومصنفاته، وعن أبي بكر عبدالله بن محمّد القباب، وأقرانهم.

سمع منه الوالد، وابن أبي زكريا، وابن رامش، وابن الشقاني والطبقة.

قرأت بخط الحسكاني - وكان من المكثرين عنه، المختصّين بالإستفادة منه - أنه قال: توفي أبو الشيخ بإصبهاني سنة ٣٦٩ وهو ابن ٩٧ سنة »(١) .

و (أبو بكر القبّاب ) وهو: من كبار المحدّثين والقرّاء، توجد ترجمته في:

١ - طبقات المفسرين للداوودي ٢ / ٢٥١.

٢ - غاية النهاية في طبقات القراء للجزري ١ / ٤٥٤.

٣ - سير أعلام النبلاء ١٦ / ٢٥٧.

٤ - ذكر أخبار أصبهان ٢ / ٩٠.

٥ - النجوم الزاهرة ٤ / ١٣٩.

٦ - شذرات الذهب ٣ / ٧٢.

٧ - الأنساب - القبّاب.

قال ابن الجزري الحافظ: « إمام وقته، مفسّر مشهور ...، قال الحافظ

__________________

(١). المنتخب من السياق في تاريخ نيسابور ١٠٧.

٢١٣

أبو العلاء: فأمّا أبو بكر القباب، فإنه من أجلّة قرّاء اصبهان، ومن العلماء بتفسير القرآن، كثير الحديث، ثقة نبيل، توفي سنة ٣٧٠. قيل: إنه بلغ المائة ».

و (ابن أبي عاصم ) فمن فوقه، قد عرفتهم في الكتاب.

فالسند صحيح بلا ارتياب.

وكذا السند الثالث، فإنّه عن ( الحاكم صاحب المستدرك ) بسنده المتقدّم قريباً.

(١٥)

رواية ابن عساكر

وقال الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من ( تاريخه ):

« وأخبرتنا به اُمّ البهاء فاطمة بنت محمّد قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنا أبو بكر بن المقرئ، نا أبو يعلى، نا يحيى بن عبدالحميد، نا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

فقال: أين علي؟

قالوا: يطحن.

قال: وما كان أحد منهم يرضي أن يطحن؟

فاُتي به. فدفع إليه الراية، فجاء بصفيّة بنت حيي.

٢١٤

( قال ابن عساكر ):

هذا مختصر من حديث.

وأخبرنا بتمامه: أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو محمّد بن أبي عثمان وأبو طاهر القصاري.

ح وأخبرنا أبو عبدالله بن القصاري، أنا أبي أبو طاهر قالا أنا أبو القاسم إسماعيل بن الحسين بن هشام، أنا أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل المحاملي، أنا أبو موسى محمّد بن المثنى، نا يحيى بن حماد، نا الوضّاح نا يحيى أبو بلج، نا عمرو بن ميمون قال:

إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط ».

فرواه بطوله. ثم قال:

« وأخبرتنا اُم البهاء فاطمة بنت محمّد، قال: أنا إبراهيم بن منصور، انا أبو بكر بن المقرئ، انا أبو يعلى، نا زهير، نا يحيى بن حماد، نا أبو عوانة، نا أبو بلج، عن عمرو بن ميمون قال:

إني لجالس عند ابن عباس، إذ أتاه سبعة رهط ».

فرواه بطوله أيضاً. ثم قال:

« أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أحمد ابن جعفر، نا عبدالله بن محمّد، حدّثني أبي، نا يحيى بن حماد، نا أبو عوانة، نا أبو بلج، نا عمرو ميمون قال:

إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط ».

٢١٥

فرواه بطوله، ثم قال:

« قال: وأنبأنا عبدالله بن أحمد، نا أبو مالك كثير بن يحيى، أنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، بنحوه »(١) .

أقول:

لقد روى ابن عساكر الحافظ هذا الحديث بأسانيد له، عن طريق أحمد بن حنبل، وأبي يعلى، والمحاملي.

وقد عرفت صحّة روايات هؤلاء في محالّها.

وأمّا مشايخ ابن عساكر:

فإن ( اُمّ البهاء فاطمة بنت محمّد ) هي:

« الشيخة العالمة الواعظة الصالحة المعمّرة، مسندة إصبهان، فطمة بنت محمّد بن أبي سعد أحمد بن الحسن بن علي بن البغدادي الأصبهاني حدّث عنها: السمعاني وابن عساكر قال السّمعاني: شيخة معمّرة مسندة. وقال أبو موسى: توفيت في ٥٣٩ ولها قريب من ٩٤ سنة»(٢) .

و (إبراهيم بن منصور ) هو: سبط بحرويه. وقد تقدمت ترجمته.

وكذا ترجمة (ابن المقرئ ).

وهؤلاء مشايخه في السندين الأول والثالث.

__________________

(١). تاريخ دمشق ٤٢ /.

(٢). سير أعلام النبلاء ٢٠ / ١٤٨.

٢١٦

وفي السند الثاني:

(أبو القاسم ابن السّمرقندي )، وقد ترجمنا له في الكتاب.

و (أبو القاسم إسماعيل بن الحسن بن هشام )، وهو: إسماعيل بن الحسن ابن عبدالله بن الهيثم بن هشام، الصرصري، صاحب المحاملي (١) ، المتوفى سنة ٤٠٣.

قال الحاکم: سألت البرقاني عنه فقال: صدوق.

وسئل عنه - وأنا أسمع - فقال: ثقة(١) .

وقال السمعاني: « شيخ صدوق ثقة، سمع أبا عبدالله الحسين بن إسماعيل المحاملي و وآخر من روى عنه إن شاء الله: أبو طاهر أحمد بن محمّد بن عبدالله القصاري الخوارزمي »(٢) .

أقول:

لم أعثر - فيما بيدي من المصادر - ترجمةً لأبي طاهر هذا، ولا لابنه أبي عبدالله محمّد بن أحمد.

وفي السند الرابع:

(أبو القاسم بن الحصين )

و (أبو علي بن المذهب )

و (أحمد بن جعفر ) وهو القطيعي.

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٦٢.

(٢). الأنساب - الصرصري.

٢١٧

وهؤلاء ترجمنا لهم في الكتاب، فلا نعيد.

فظهر صحّة رواية ابن عساكر بأغلب أسانيدها.

هذا، وقد رواه في كتاب ( الأربعين الطوال )، وفي كتاب ( الموافقات ) بعين لفظ أحمد في ( المسند ) كما في ( الرياض النضرة ) و ( كفاية الطالب ).

(١٦)

رواية ابن الأثير

وروى عز الدين ابن الأثير بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« أنبأنا إبراهيم بن محمّد بن مهران الفقيه وغير واحدٍ، بإسنادهم إلى أبي عيسى محمّد بن عيسى الترمذي، عن محمّد بن حميد، عن إبراهيم بن المختار، عن شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، قال: أوّل من أسلم علي.

ومثله روى مقسم، عن ابن عباس، واسم أبي بلج: يحيى بن أبي سليم(١) .

أقول:

أمّا ( إبن الأثير ) صاحب ( أسد الغابة ) فغني عن التعريف.

وأمّا (إبراهيم بن محمّد بن مهران ) فقد:

قال ابن الأثير - في حوادث سنة ٥٥٧ -: « وفيها توفي إبراهيم بن محمّد

__________________

(١). اسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٨٩.

٢١٨

ابن مهران الفقيه الشافعي، بجزيرة ابن عمر، وكان فاضلاً كثير الورع »(١) .

(١٧)

رواية الكنجي الشافعي

وقال الحافظ أبو عبدالله محمّد بن يوسف القرشي الكنجي:

« وروى إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده قصة نوم عليعليه‌السلام على فراش رسول الله في حديث طويل، وتابعه الحافظ محدث الشام في كتابه المسمى بالأربعين الطوال.

فأمّا حديث الإمام أحمد:

فأخبرناه قاضي القضاة حجة الإسلام أبو الفضل يحيى بن قاضي القضاة أبي المعالي محمّد بن علي القرشي، قال: أخبرنا حنبل بن عبدالله المكبّر، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي.

وأمّا الحديث الذي في الأربعين الطوال:

فأخبرناه به القاضي العلّامة مفتي الشام أبو نصر محمّد بن هبة الله بن قاضي القضاة شرقاً وغرباً أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمّد بن مميل الشيرازي، قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمّد بن عبدالواحد الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن

__________________

(١). الكامل في التاريخ ١١ / ٤٧٧.

٢١٩

علي بن محمّد التيمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدثنا عبدالله بن أحمد بن محمّد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون، قال:

إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا »(١) .

أقول:

ورجال هذين السندين كلّهم علماء كبار موثقون، وقد ترجمنا لهم في الكتاب، فالسندان صحيحان بلا شبهة وارتياب.

(١٨)

رواية المحبّ الطبري

وقال الحافظ أبو العباس محب الدين الطبري المكي في ( ذخائر العقبى ) ما نصّه:

« ذكر اختصاصه بعشر:

عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس رضي الله عنهما، إذ أتاه سبعة رهط فقالوا: يا ابن عباس » فروى الخبر بطوله، فقال:

« أخرجه بتمامه أحمد، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه »(٢) .

__________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٢٤٠ - ٢٤٤.

(٢). ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ٨٦ - ٨٨.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398