نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 398

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 398 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 230286 / تحميل: 8673
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

يكون من الحق الذي يجريه الله سبحانه على لسان المعاندين له، ثمّ التوقّف عن قبول كلّ تصرفٍ منهم في ألفاظ السنّة النبويّة وأخبار الحقائق الراهنة، وعن قبول كلّ رأيٍ منهم يتنافى ومداليل تلك الأحاديث والأخبار والله وليّ التوفيق.

هذا تمام الكلام على سند ( حديث الولاية ) ومتنه.

أمّا السند، فقد عرفت أنه من الأحاديث المقطوع بصدورها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنّه من الأحاديث المتفق عليها بين المسلمين. أما من أهل السنّة فهو في غير واحدٍ من سننهم ومسانيدهم وجوامعهم الحديثية المعتبرة، وبأسانيد كثيرة جدّاً، وكثير منها صحيح بلا ريب.

وأمّا المتن، فقد عرفت أن من تصرّف فيه فقد ارتكب إثماً لا يغفر، والحديث موجود بلفظه الصحيح الصادر عن النبي في المصادر، ولا فائدة في تحريفه، سواء كان من أصحاب الكتب أنفسهم أو من الناسخين أو غيرهم.

وعلى الجملة، فلا ينفع المتعصّبين المناقشة في سند الحديث فضلاً عن تكذيبه، ولا التلاعب في لفظه وتحريفه.

فلننظر في كلماتهم في دلالته وبالله التوفيق.

٢٦١

٢٦٢

دلالةُ

حديث الولاية

٢٦٣

٢٦٤

وفي مرحلة الدلالة، فإنّ ( الدهلوي ) يناقش أوّلاً في دلالة لفظة « الولي » على « الأولوية بالتصّرف » وهي الإمامة، لكونها من الألفاظ المشتركة. ثم إنّه يقول بعدم وجود قرينةٍ في الحديث لدلالته على الأولويّة بالتصرّف بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مباشرةً، فليكنْ الحديث دالّاً على إمامة أمير المؤمنين في المرتبة الرابعة وبعد عثمان.

فإليك كلماته، والنظر فيها كلمةً كلمةً

ولربّما تعرّضنا في خلال البحث إلى كلمات غيره أيضاً

وبالله التوفيق.

٢٦٥

« الولي » بمعنى « الأولى بالتصرف »

قوله:

وأيضاً: فإنّ « الوليّ » من الألفاظ المشتركة، فأيّ ضرورة لأنْ يكون المراد هو الأولى بالتصرف؟

أقول:

إنّها شبهة في مقابل الحق، ذكرها تبعاً للكابلي، لكنّها لا تضرّ بدلالة حديث الولاية على مطلوب أصحابنا الإماميّة، لكونها مندفعة بوجوهٍ عديدةٍ ودلائل سديدة:

« ١ - ٤ »

كلمات وليّ الله في معنى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ )

لقد استدلّ شاه وليّ الله الدّهلوي بقوله تعالى:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) في مواضع من كتابه ( إزالة الخفا في سيرة الخلفا )، وفسّر لفظة « الولي » في الآية وترجمها بما معناه « المتصرّف في الأمر » و« المتولّي للأمر » فكلّ ما هو الوجه في ذلك، هو الوجه في دلالة حديث

٢٦٦

الولاية على المعنى المذكور وهذه عباراته معرّبةً:

* قال بعد ذكر لوازم الخلافة الخاصة: « وإنّ الأصل في اعتبار هذه الأوصاف نكات، أولاها: إن النفوس القدسيّة للأنبياء -عليهم‌السلام - مخلوقة في غاية الصفاء والرّفعة، فكانوا - كما اقتضت الحكمة الإلهيّة - بتلك النفوس العالية الطاهرة مستوجبين لأنْ ينزل عليهم الوحي وتفوّض إليهم رياسة العالم. قال الله تعالى:( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) .

ثمّ إنّ في الأُمة جماعةً لهم نفوس قريبة من نفوس الأنبياء في ذلك المعنى، وهؤلاء في أصل الفطرة والخلقة خلفاء للأنبياء بين النّاس، مثالهم مثال المرآة تنعكس فيها آثار الشّمس، وليس كذلك التراب والخشب والحجر. فهذه الجماعة التي هي خلاصة الأُمة مستمدة من النفس القدسية النبوية بوجهٍ لم يتيسّر لغيرهم

فالخلافة الخاصة هي أنْ يكون هذا الشخص - الذي هو رئيس المسلمين في الظّاهر - في أعلى مراتب الصفاء وعلوّ الفطرة، فتكون الرياسة الظاهريّة جنباً إلى جنب الرياسة الباطنيّة، وهذه الجماعة البالغون مرتبة خلافة الأنبياء يسمّون في الشريعة بالصدّيقين والشهداء والصّالحين. وهذا المعنى يستفاد من الآيتين، قال الله تعالى على لسان عباده( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) . وقال تارك وتعالى( فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ) .

وقوله تعالى في موقع آخر:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) أيضاً إشارة إلى هذا المعنى، يعنى: إنّ وليّ عوام

٢٦٧

المسلمين أفاضلهم وهذا ما ذكره عبدالله بن مسعود:

أخرج أبو عمرو في خطبة الإستيعاب عن ابن مسعود قال: إنّ الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمّد صلّى الله عليه وسلّم خير قلوب العباد فاصطفاه وبعثه برسالته، ثمّ نظر في قلوب العباد بعد قلب محمّد صلّى الله عليه وسلّم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه صلّى الله عليه وسلّم، يقاتلون عن دينه.

وقد روى البيهقي مثله إلّا أنّه قال: فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيّه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح.

وكما تحقّق أولويّة هذه الجماعة في الخلافة، فإنّ اجتهاد هؤلاء أولى وأحقّ من اجتهاد غيرهم.

وقد أشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى صفات هؤلاء في كلماته في بيان مناقبهم في تلويحات هي أبلغ من التصريح ».

* وذكر ولي الله الدهلوي قوله تعالى:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) وترجم « الولي » بـ « كار ساز وياري دهنده » أي: متولّي الأمر والناصر.

ومن الواضح الجلي أن الناصر المتولّي لُامور المسلمين هو الخليفة والإمام القاهر. فبأي وجهٍ حَمَل اللفظة في الآية على المعنى المذكور، كان هو الوجه في حملها في حديث الولاية على ذاك المعنى.

* وذكر ولي الله في موضعٍ ثالث تلك الآية المباركة وقال: « أي: أيّها المسلمون، لماذا تخافون من ارتداد العرب وجموعهم المجتمعة؟ فإنّ متولّي

٢٦٨

الأمر والناصر ليس إلّا الله المنزّل لكم الوحي والمدبّر لاُموركم

وسبب نزول هذه الآية ومصداقها هو الصدّيق الأكبر، - وإنْ كان لفظها عامّاً، قال جابر بن عبدالله: نزلت في عبدالله بن سلام لمـّا هجره قومه من اليهود. وأخرج البغوي عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) أُنزلت في المؤمنين فقيل: أُنزلت في علي، فقال: هو من المؤمنين - وليس كما يزعم الشيعة ويروون في القصة حديثاً ويجعلون( وَهُمْ راكِعُونَ ) حالاً من( وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ )

إنّ هذا الوعد لم ينجز على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لعدم اجتماع جمعٍ لقتال أهل الردّة في حياته، لعدم تحقّق الارتداد حينذاك كما لم يتحقّق ذلك بعد عهد الشيخين فيكون مصداق الآية هم الجنود المجنّدة للصدّيق الأكبر -رضي‌الله‌عنه - الذين خرجوا لمحاربة المرتدّين، ودفعوهم بعون الله في أسرع حين وبأحسن الوجوه.

إن جمع الرجال ونصب القتال مع فرق المرتدّين أحد لوازم الخلافة، لأنَّ الخلافة الراشدة رياسة الخلق في إقامة الدين وجهاد أعداء الله وإعلاء كلمة الله

وأيضاً: فقوله:( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) ترغيب في تولّي الخليفة الراشد، والصدّيق الأكبر مورد النص ودخوله تحت الآية مقطوع به، وفيها إيماء إلى وجوب الإنقياد للخليفة الرّاشد، وفيها دلالة على تحقق خلافة الصدّيق الأكبر

وقوله:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) . وإنْ كان عاماً لفظاً، لكنّ مورد النص هو

٢٦٩

الصدّيق الأكبر، ودخول مورد النص تحت العام قطعي، فالصدّيق الأكبر ولي المسلمين ومتولّي أُمورهم، وهذا معنى الخلافة الراشدة ».

ومجمل هذا الكلام: دلالة الآية المباركة على الإمامة والخلافة.

وبه تندفع هفوات ولده ( الدهلوي ) وخرافاته في منع حمل « الولاية » و« الولي » على الأولوية بالتصرّف والإمامة والرياسة العامّة.

وأمّا دعوى نزول الآية في حقّ أبي بكر ودلالتها على إمامته دون أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، فيكذّبهما روايات أساطين أئمة القوم وأجلاّء محدّثيهم ومشاهير مفسّريهم(١) .

* وذكر شاه وليّ الله في ( إزالة الخفا ) في المقدمة الاُولى من مقدمات إثبات إمامة أبي بكر: أنّ بين الخلافة الخاصة والأفضلية ملازمةً. ثم ذكر وجوهاً عديدةً في بيان هذه الملازمة وتقريرها، قال في الوجه الأخير: « وقد تقرّر بأنّ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية بسياقها إشارة إلى أنّ ولاية المسلمين لا تجوز إلّالقومٍ يكون( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) من صفاتهم ».

فهذا ما ذكره في معنى الآية المباركة، فنعم الوفاق!

فوا عجباً من ( الدهلوي ) كيف لم يحتفل بنصّ أبيه؟ وكيف لم يعتن بقول

__________________

(١). روى نزل الآية المباركة في أمير المؤمنينعليه‌السلام لتصدّقه في الصلاة وهو راكع كثير من أئمة أهل السنّة في مختلف العلوم، فراجع من كتبهم:

تفسير الطبري ٦ / ٢٨٨، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٦، مجمع الزوائد ٧ / ١٧، أسباب النزول للواحدي: ١١٣، تفسير ابن كثير ٢ / ٧١، جامع الاصول ٩ / ٤٧٨، الكشاف ١ / ٦٤٩، تفسير النسفي ١ / ٢٨٩، ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ٢ / ٤٠٩، زاد المسير ٢ / ٣٨٣، فتح القدير ٢ / ٥٣، الصواعق المحرقة: ٢٤، أحكام القرآن للجصّاص ٤ / ١٠٢، الرياض النضرة ٢ / ٢٧٣.

٢٧٠

شيخه النّبيه؟ هذا الإمام النبيل الذي عند ( الدهلوي ) آية من آيات الله ولم يوجد له عندهم مثيل؟

(٥)

تسليم أبي شكور بدلالة الآية وحديث الغدير

وأبو شكور محمّد بن عبدالسعيد بن محمّد الكشي السالمي أيضاً يسلّم في كتاب ( التمهيد )(١) بدلالة الآية( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) وكذا حديث الغدير على ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بمعنى إمامته، فهو يعترف بهذا المعنى ولا ينبس فيه ببنت شفة، فيضطرّ إلى تقييد إمامتهعليه‌السلام بما بعد عثمان وهذه عبارته:

« وقالت الروافض: الإمامة منصوصة لعلي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - بدليل أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم جعله وصيّاً لنفسه، وجعله خليفةً من بعده حيث قال: أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، ثمّ هارونعليه‌السلام كان خليفة موسىعليه‌السلام ، فكذلك عليرضي‌الله‌عنه .

والثاني: وهو أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جعله وليّاً للناس لمـّا رجع من

__________________

(١). التمهيد في بيان التوحيد - لأبي شكور محمّد بن عبدالسيّد بن شعيب الكشّي السّالمي الحنفي، أوله: الحمد لله ذي المن والآلاء الخ. وهو مختصر في اُصول المعرفة والتوحيد، ذكر فيه أنّ القول في العقل كذا، وفي الروح كذا. إلى غير ذلك، فأورد ما يجوز كشفه من علم الكلام » كشف الظنون ١ / ٤٨٤.

أقول: والكتاب مطبوع في كابل أفغانستان طبعةً منقوصةً محرّقةً.

٢٧١

مكة ونزل في غدير خم، فأمر النبي أنْ يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر وصعد عليها فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم فقالعليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه، أللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. والله جلّ جلاله يقول:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) الآية. نزلت في شأن عليرضي‌الله‌عنه .

دلّ أنّه كان أولى الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ».

فأجاب هذا الرجل عن هذا الاستدلال بقوله:

« وأمّا قوله: بأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم جعله وليّاً. قلنا: أراد به في وقته، يعني: بعد عثمانرضي‌الله‌عنه وفي زمن معاويةرضي‌الله‌عنه . ونحن كذا نقول. وكذا الجواب عن قوله تعالى:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية. فنقول: إنّ علياًرضي‌الله‌عنه كان وليّاً وأميراً بهذا الدليل في أيّامه ووقته، وهو بعد عثمانرضي‌الله‌عنه ، وأمّا قبل ذلك فلا ».

أقول:

إذن، لا يجد أبو شكور مجالاً للتشكيك في دلالة حديث الغدير على ولاية الأمير، ولا ريب في أنّ المراد من هذه الولاية هي الإمامة، وإلّا لم يكن لتقييدها بما بعد عثمان معنىً.

وكذلك المراد من الآية( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) .

فتكون الولاية في حديث « وليّكم بعدي » بالمعنى المذكور كذلك.

٢٧٢

يبقى الكلام حول تقييد الإمامة بما بعد عثمان، وهو باطل مردود بوجوهٍ كثيرة، منها: قول عمر لعليعليه‌السلام : « أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة »(١) .

وما أشبه هذا الحمل السخيف والتقييد غير السديد بتأويل أهل الكتاب نبوة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، فإنّهم مع اعترافهم بنبوّته يقيّدونها بكونها إلى العرب خاصة، قال نصر الله الكابلي في ( الصواقع ):

« وقد اعترف اليهود والعيسوية وجم غفير من القاديين من النصارى ومن تابعهم من نصارى إفرنج بنبوّته، إلّا أنّهم يزعمون أنه مبعوث إلى العرب خاصة ».

وأيضاً: فإنّ بطلان ذلك الحمل في مفاد حديث الغدير صريح كلام الشيخ يعقوب اللاهوري(٢) صاحب كتاب ( الخير الجاري في شرح صحيح البخاري ) فإنّه قال في مبحث الإمامة من شرحه على ( تهذيب الكلام للتفتازاني ):

« ولِما تواتر من قوله - صلّى الله عليه وسلّم - من كنت مولاه فعلي مولاه، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

بيان التمسّك بالحديث الأول: إنّه صلّى الله عليه وسلّم جمع الناس يوم غدير خم - موضع بين مكة والمدينة بالجحفة، وذلك اليوم كان بعد رجوعه عن حجة الوداع - ثم صعد النبي صلّى الله عليه وسلّم خطيباً مخاطباً معاشر

__________________

(١). رواه: ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والحسن بن سفيان، والخركوشي، وابن السمّان، والسمعاني، وابن كثير، وغيرهم من الأئمة الأعلام، فراجع كتابنا ٩ / ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). هو: « الشيخ الفاضل يعقوب بن محمّد أحمد العلماء المبرزين مات سنة ١١٩٧ » نزهة الخواطر ٦ / ٤٢٢.

٢٧٣

المسلمين: ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله.

وهذا الحديث أورده عليرضي‌الله‌عنه يوم الشورى عندما حاول ذكر فضائله ولم ينكره أحد.

ولفظ المولى جاء بمعنى: المعتق الأعلى والأسفل، والحليف، والجار، وابن العم، والناصر، والأولى بالتصرف. وصدر الحديث يدل على أن المراد هو الأخير، إذ لا احتمال لغير الناصر والأولى بالتصرف ههنا، والأول منتف، لعدم اختصاصه بعض دون بعض، بل يعم المؤمنين كلّهم، قال الله تعالى( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) .

وبيان التمسّك بالثاني: إن لفظ المنزلة اسم جنس، وبالإضافة صار عامّاً بقرينة الإستثناء، كما إذا عرّف باللام، فبقي شاملاً لغير المستثنى وهو النبوة. ومن جملة ما يدخل تحت ذلك اللفظ: الرياسة والإمامة.

وإلى الأول يشير قوله: لأنّ المراد: المتصرّف في الأمر: إذ لا صحة لكون علي معتقاً أو ابن عم مثلاً لجميع المخاطبين، ولا فائدة لغيره ككونه جاراً أو حليفاً، لأنّه ليس في بيانه فائدة، أو ناصراً لشمول النصرة جميع المؤمنين.

وإلى الثاني يشير قوله: ومنزلة هارون عامة أخرجت منه النبوة، فتعيّنت الخلافة.

وردّ: بأنّه لا تواتر، بل هو خبر واحد، ولا حصر في علي. يعني: إنّ غاية ما لزم من الحديث ثبوت استحقاق علي -رضي‌الله‌عنه - للإمامة وثبوتها في المآل، لكن من أين يلزم نفي إمامة الثلاثة؟

٢٧٤

وهذا الجواب من المصنّف. وتوضيحه: إنّه لم يثبت له الولاية حالاً بل مآلاً، فلعلّه بعد الأئمة الثلاثة. وفائدة التنصيص لاستحقاقه الإمامة الإلزام على البغاة والخوارج.

أقول: يرد عليه أنّه كما كانت ولاية النبي - صلّى الله عليه وسلّم - عامة كما يدلّ عليه كلمة « من » الموصولة، فكذا ولاية علي، فيجب أن يكون علي هو الولي لأبي بكر دون العكس ».

أقول:

فالتقييد بما بعد عثمان مردود، للوجوه المذكورة وغيرها مما سنذكره، والمقصود الآن هو إثبات دلالة « الولاية » على « الإمامة والخلافة ».

(٦)

تسليم ابن أخ ( الدهلوي )

والمولوي محمد إسماعيل الدّهلوي، ابن أخ ( الدّهلوي )(١) يسلّم كذلك بدلالة « الولاية » في حديث الغدير على « إمامة » الأميرعليه‌السلام ، ثم يؤكّد ذلك بآيةٍ من الكتاب وحديثٍ عن النبي في تفسيرها.

__________________

(١). هو: محمّد إسماعيل بن عبدالغني بن أحمد بن عبدالرّحيم الدهلوي، قال في ( نزهة الخواطر ٧ / ٥٨ ): « الشيخ العالم الكبير العلّامة المجاهد في سبيل الله الشهيد أحد أفراد الدنيا في الذكاء والفطنة والشهامة وقوة النفس والصّلابة في الدين وكان نادرةً من نوادر الزمان وبديعة من بدائعه الحسان » وهي ترجمة مفصّلة جدّاً، وأرخ وفاته بسنة ١٢٤٦.

٢٧٥

جاء ذلك في رسالةٍ له في حقيقة الإمامة أسماها ( منصب امامت )، في النكتة الثانية، في أنّ الإمام نائب عن الرسول في إجراء سنن الله تعالى في خلقه، فذكر أُموراً، فقال:

« ومن جملتها: ثبوت الرياسة، أي: كما أنّ لأنبياء الله نوعاً من الرياسة بالنسبة إلى أُمهم، وبلحاظ هذه الرئاسة يكونون أُمةً للرسول إليهم، ويكون الرسول رسولاً إليهم، ومن هنا يتصرّف الرسول في كثير من أُمورهم الدنيويّة كما قال تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وكذلك لهم الولاية عليهم في الأُمور الاُخروية قال الله تعالى:( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) كذلك الإمام، فإنّ هذه الرئاسة الدنيويّة والاُخرويّة ثابتة له بالنسبة إلى المبعوث إليهم، قال النبي - صلّى الله عليه وسلّم -:

ألستم تعملون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. فقال: اللّهم من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال الله تعالى:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنّهم مسؤولون عن ولاية علي ».

أقول:

فإذا كان « الولاية » في حديث الغدير بمعنى الإمامة، وأنّ هذه الولاية هي المسؤول عنها في القيامة، « فالولاية » في حديث: « وليّكم بعدي » بنفس المعنى، وحملها على معنىً آخر لا يكون إلّاممّن رأيه معلول وفهمه مرذول وعقله مدخول!

٢٧٦

(٧)

لفظة « بعدي » قرينة

إنّه لا يخفى على المنصف اللبيب أن لفظة « الولي » تدل بقرينة لفظة « بعدي » على « الإمامة » و« الرياسة »، لعدم اختصاص كونهعليه‌السلام محبّاً وناصراً بزمان بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، اللّهم إلّا أنْ ينكر ( الدهلوي ) ولايته للمؤمنين - بمعنى المحبيّة والناصرية - في زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم ( الدهلوي ) ولايته للمؤمنين - بمعنى المحبيّة والناصرية - في زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما ينفي ولايته عليهم - بمعنى الإمامة - بعده، فيقول بأنّه عليه الصلاة والسلام لم يكن محبّاً وناصراً للمؤمنين على عهد رسول ربّ العالمين! وذلك ممّا يضحك عليه الثكلان.

ولنعم ما قال الوزير النحرير العلّامة الإربلي(١) - أعلى الله مقامه - بعد نقل هذا الحديث وغيره: « وأنت - أيّدك الله بلطفه - إذا اعتبرت معاني هذه الأحاديث الواردة من هذه الطرق أمكنك معرفة الحق، فإنّ قوله: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » وقوله: « وهو ولي كلّ مؤمن من بعدي » إلى غير ذلك، صريح في إمامته، وظاهر في التعيين عليه، لا ينكره إلاّمن يريد دفع الحق بعد ثبوته، والتغطية على الصّواب بعد بيانه، وستر نور الشّمس بعد انتشار أشعّتها:

وليس يصح في الأفهام شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

ومن أغرب الأشياء وأعجبها: أنهم يقولون: إنّ قولهعليه‌السلام في

__________________

(١). علي بن عيسى، المتوفى بعد ٦٨٧، له مؤلفات في التاريخ والأدب، من أعلام الإماميّة. الوافي بالوفيات ١٢ / ١٣٥، فوات الوفيات ٢ / ٦٦.

٢٧٧

مرضه: « مروا أبا بكر يصلّي بالناس » نص خفي في توليته الأمر وتقليده أمر الأمة، وهو على تقدير صحته لا يدلّ على ذلك. ومتى سمعوا حديثاً في أمر علي نقلوه عن وجهه، وصرفوه عن مدلوله، وأخذوا في تأويله بأبعد محتملاته، منكّبين عن المفهوم من صريحه، أو طعنوا في راويه وضعّفوه وإنْ كان من أعيان رجالهم وذوي الأمانة في غير ذلك عندهم.

هذا، مع كون معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعمران بن حطّان الخارجي، وغيرهم من أمثالهم، من رجال الحديث عندهم، وروايتهم في كتب الصحاح عندهم ثابتة عالية يقطع بها ويعمل عليها في أحكام الشرع وقواعد الدين.

ومتى روى أحد عن زين العابدين علي بن الحسين، وعن ابنه الباقر، وابنه الصادق وغيرهم من الأئمةعليهم‌السلام ، نبذوا روايته وأطرحوها وأعرضوا عنها فلم يسمعوها وقالوا: رافضي لا اعتماد على مثله، وإنْ تلطّفوا قالوا: شيعي ما لنا ولنقله! مكابرةً للحق وعدولاً عنه، ورغبةً في الباطل وميلاً إليه، واتّباعاً لقول من قال: إنّا وجدنا آباءنا على أُمّة.

ولعلّهم لمـّا رأوا ما جرت الحال عليه أولاً من الاستبداد بمنصب الإمامة فقاموا بنصر ذلك محامين عنه غير مظهرين لبطلانه ولا معترفين به، استينافاً لحميّة الجاهليّة. وهذا مجال طويل لا حاجة بنا إليه »(١) .

__________________

(١). كشف الغمة في معرفة الأئمة ١ / ٢٩٠ - ٢٩١.

٢٧٨

حمل بعضهم البعديّة على الرّتبة دون الزمان

هذا، ولمـّا رأى الرشيد الدهلوي(١) تماميّة دلالة الحديث على مذهب أهل الحق بكلمة « بعدي»، عمد إلى تأويل الحديث بحمل « البعديّة » على المرتبة لا الزمان فذكر: بأنّ هذا الحديث - وإنْ لم يخل سنده عن الكلام - فيجاب على تقدير تسليمه بأن الولي فيه بمعنى المحبّ، والمراد من البعدية يجوز أن يكون البعدية رتبةً لا زماناً. قال: وعلى تقدير تسليم معنى الخلافة من الولاية فإنّ الحمل المذكور لابدَّ منه، جمعاً بين هذا الحديث وما دلَّ على خلافة الخلفاء الثلاثة عند أهل السنة.

أقول:

إنّه لا يخفى على المتأمّل المتدرّب أنْ لا وجه لتجويز إرادة « المحب » من لفظ « الولي » في هذا الحديث، ولكنْ متى حملت « البعدية » على الرتبة كان المعنى: أن رتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام في المحبوبية بين سائر الخلائق هي بعد رتبة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم، فهو مقدَّم على غيره في صفة المحبوبية بعده، وعلى جميع أفراد الامّة أن يقولوا بأحبيّته إليهم بعد رسول الله، ويلتزموا بلوازم ذلك.

__________________

(١). قال في ( نزهة الخواطر ٧ / ١٨٠ ): « الشيخ الفاضل العلّامة رشيد الدين بن أمين الدين ابن وحيدالدين أبي عبدالسلام الكشميري ثم الدهلوي، العالم المشهور بسلامة الأفكار » فذكر مؤلفاته وأرخ وفاته بسنة ١٢٤٣.

٢٧٩

ومن البديهي أن « الأحبية » دليل « الأفضلية » - وبه في مجلَّد ( حديث الطّير ) - تصريحات لكبار ثقات السنّية وإذا ثبتت « الأفضلية » ثبتت « الخلافة ».

وبما ذكرنا يظهر سقوط ما ادّعاه من الجمع، لأنّ الحديث - بعد قطع النظر عن بطلان صرف البعدية عمّا هي ظاهرة فيه - دلّ على الأحبيّة فالأفضليّة والخلافة، فهوعليه‌السلام إمام جميع المؤمنين، وفيهم الثلاثة وهم مؤمنون عند القوم.

وأيضاً: فإنّ هذا الحديث على تقدير دلالته على الخلافة يكون نصّاً على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأمّا الثلاثة فالمعترف به عندهم عدم وجود نص على إمامتهم(١) ، ومن الواضح تقدّم المنصوص عليه على غيره. نعم يستنبطون من بعض الأخبار التي يروونها إمامة الثلاثة، وعلى تقدير التسليم بها فهل يعارض بأمثال تلك الإستنباطات صرائح النصوص؟

(٨)

الاستدلال بكلام ابن تيميّة

لقد نصَّ ابن تيمية على دلالة هذا الحديث على الإمامة والخلافة، لأنّ الولاية التي هي ضدّ العداوة لا تختص بزمانٍ وهذه عبارته:

« قوله: وهو ولي كلّ مؤمنٍ بعدي. كذب على رسول الله - صلّى الله عليه

__________________

(١). راجع: شرح المقاصد في علم الكلام للتفتازاني، شرح المواقف في علم الكلام للقاضي العضدي، وشرح العقائد النسفية للتفتازاني، وشرح التجريد للقوشجي، وغيرها من أهم الكتب الكلامية، في أوّل مباحث الإمامة.

٢٨٠

وسلّم - بل هو في حياته وبعد مماته ولي كلّ مؤمنٍ، وكلّ مؤمنٍ وليّه في المحيا والممات. فالولاية التي هي ضدّ العداوة لا تختص بزمانٍ. وأمّا الولاية التي هي الأمارة فيقال فيها: والي كلّ مؤمنٍ بعدي، كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي والوالي قدّم الوالي في قول الأكثر، وقيل يقدّم الولي.

فقول القائل: علي ولي كلّ مؤمنٍ بعدي، كلام يمتنع نسبته إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنّه إنْ أراد الموالاة لم يحتج أنْ يقول بعدي، وإنْ أراد الإمارة كان ينبغي أن يقال: وال على كلّ مؤمن »(١) .

أقول:

فثبت بالقطع واليقين أنّ « الولي » في هذا الحديث مع اشتماله على لفظ « بعدي » ليس بمعنى الولاية التي هي ضدّ العداوة، بل لابدَّ من حمله على معنىً يختص بزمان بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو ليس إلّا الإمارة والخلافة فالحديث دال على المطلوب.

بقي قوله: أنّه إن أراد الأمارة كان ينبغي أن يقال: « وال على كلّ مؤمن ».

ولا يخفى وهنه، ولعلّه لالتفاته إلى ذلك قال: « كان ينبغي »، لأنّه كما يكون لفظ « الوالي » بمعنى « الأمير » كذلك لفظ « الولي » يكون بمعنى « الأِّير » و« ولي الأمر » ويكون لفظ « بعدي » معيّناً للمراد وللمتكلّم أن يختار لإفادة كلامه أيّ لفظٍ يكون دالاً على مرامه، فلا انحصار لإفادة « الإمارة » بلفظ « الوالي ».

__________________

(١). منهاج السنة ٧ / ٣٩١. الطبعة الجديدة.

٢٨١

الحديث في رواية عمرو بن العاص

ولمزيد البيان لما ذكرنا والتأكيد له، نورد هنا كتاباً لعمرو بن العاص إلى معاوية، يشتمل على أحاديث من مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، منها حديث الولاية، بل لقد ذكر عمرو بعد حديث الولاية جملة صريحة في المطلوب، رافعة لكلّ شكٍ وارتيابٍ في معناه فقد جاء فيه قوله:

« وأمّا ما نسبت أبا الحسن أخا رسول الله صلّى الله وآله ووصيّه إلى الحسد والبغي على عثمان، وسمّيت الصّحابة فسقةً، وزعمت أنه أشلاهم على قتله، فهذا كذب وغواية. ويحك يا معاوية! أما علمت أن أبا حسنٍ بذل نفسه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبات على فراشه، وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة.

وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هو منّي وأنا منه، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي.

وقد قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم: ألا من كنت مولاه فعليّ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

وهو الذي قال فيهعليه‌السلام فيه يوم خيبر: لأُعطينَّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

وهو الذي قال فيه يوم الطّير: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك. فلمـّا دخل عليه قال: اللّهم إليَّ وإليَّ.

٢٨٢

وقد قال فيه يوم بني النّضير: علي إمام البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله.

وقد قال فيه: علي وليكم بعدي. وأكّد القول عليَّ وعليك وعلى جميع المسلمين.

وقال: إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي.

وقد قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها »(١) .

أقول:

فأنت ترى عمرو بن العاص يقول بعد حديث الولاية: « وذلك عليَّ وعليك وعلى جميع المسلمين » ولا يخفى أنّه لا يريد إلّا « الإمارة » و« الحكومة » لأنّ « الولاية » متى تعدّت بـ « علي » اختصّت « بالإمارة » وإنْ شئت فراجع « الولي » في كتب اللّغة، ففي ( الصّحاح ) مثلاً: « الوليْ: القرب والدّنو وتقول: فلان ولي ووُلّي عليه، كما يقال: ساس وسيس عليه ».

ثمّ إنّ كلام عمرو بن العاص يفيد ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام من وجوه:

فإنّه إذا ثبتت ولايته على عمرو ثبتت على غيره من أفراد الاُمة لعدم الفصل، وكذا إذا ثبتت على معاوية، ثم قوله: « وعلى جميع المسلمين » نص صريح. والحمد لله على وضوح الحق.

__________________

(١). مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي: ١٢٩ - ١٣٠.

٢٨٣

(٩)

الاستدلال بما نسبوه إلى الحسن المثنّى وارتضوه

ونسبوا إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام كلاماً في الردّ على استدلال الشيعة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فنقلوه في كتبهم معجبين به مستندين إليه، غافلين عن أنّه نص في دلالة حديث الولاية على الإمامة والخلافة، دلالةً تامّةً واضحة!

وممّن أورد كلام الحسن المثنى واستحسنه وارتضاه هو: محبّ الدين أو العباس الطبري المكي(١) ، وهذه عبارته:

« لقد أحسن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب حيث قال لبعض الرافضة:

لو كان الأمر كما تقولون إنّ الله جلّ وعلا ورسوله صلّى الله عليه وسلّم اختار علياً لهذا الأمر والقيام إلى الناس بعده، فإنّ علياً أعظم الناس خطيئةً وجرماً، إذ ترك أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس.

فقال له الرّافضي: ألم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟

فقال: أما والله، لو يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس، لأفصح به كما أفصح بالصّلاة والزكاة والصوم والحج

__________________

(١). توجد ترجمته في: شذرات الهذب ٥ / ٤٢٥ وغيره، في وفيات سنة ٦٩٤، وقد وصفوه بألقاب ضخمة وأوصاف فخمة.

٢٨٤

والصيا م، ولقال: أيّها الناس ان هذا لولي بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا.

أخرجه ابن السّمان في الموافقة »(١) .

أقول:

فظهر من هذا الكلام أن قوله صلّى الله عليه وسلّم « إنّه الولي بعدي » إفصاح بالإمامة والخلافة والسلطنة وأنه متى قال رسول الله في حق علي كذلك فقد أفصح عن إمامته بعده بلا فصل كما أفصح بالصّلاة والزكاة والحج والصّيام.

فكان ما نسبوه إلى الحسن المثّى - ونقلوه وارتضوه - دليلاً للحق وهادماً لما أسّسوه وهم لا يشعرون!

ولو أنّ أحداً كابر فقال بأنّ الإفصاح بها يكون بضميمة الجملة التالية وهي: « فاسمعوا له وأطيعوا » وإلّا فالجملة الاُولى: « إنّه الولي بعدي » وحدها ليست نصّاً في الإمامة والخلافة.

لقلنا في جوابه: بأنّ الأمر ليس كذلك، إذ من الواضح لدى أهل اللسان أنّ قوله: « فاسمعوا له وأطيعوا » تفريع على « إنّه الولي بعدي » والجملة الاولى هي الأصل، فالدالّ على الإمامة الصّريح فيه هو قوله « إنّه الوليّ بعدي » والجملة الاولى هي الأصل، فالدالّ على الإمامة الصّريح فيه هو قوله « إنّه الوليّ بعدي » وإلّا لم يكن وافياً بالغرض بل كان لغواً، لأنّ الحسن المثنّى في مقام ذكر الكلام الصريح في

__________________

(١). الرياض النضرة في فضائل العشر ١ / ٧٠ وابن السّمان هو: أبو سعيد إسماعيل بن علي ابن زنجويه الرازي، المتوفى سنة ٤٤٥، له كتاب ( الموافقة بين أهل البيت والصحابة ) توجد ترجمته في: تذكرة الحفاظ ٣ / ١١٢١، النجوم الزاهرة ٥ / ٥١، البداية والنهاية ١٢ / ٦٥، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٥، طبقات المفسرين ١ / ١٠٩، مرآة الجنان ٣ / ٦٢ وغيرها.

٢٨٥

الإمامة النصّ في الخلافة، فكيف لا يدل على هذا المعنى أصل الكلام ويكون الدليل عليه فرعه؟

على أنّه لو كان المفيد للمطلب هو الجملة الثّانية لكفاه ضمّها إلى « من كنت مولاه فعليّ مولاه »، ولم يكن لعدوله عن ذلك إلى « إنّه الولي بعدي » وجه، فلمـّا لم يقل: « لو يعني بها رسول الله الأمر والسلطان لأفصح بها كما أفصح بالصّلاة والزكاة والحج والصيام، ولقال: أيها الناس إنّه مولى من كنت مولاه فاسمعوا له وأطيعوا » ورأى ضرورة تغيير اللفظ إلى « إنّه الولي بعدي» علم أنّ الغرض الأصلي غير متعلّق بجملة « فاسمعوا له وأطيعوا » بل يريد بيان لفظٍ يكون دالاً بنفسه بالصرّاحة التامّة على الخلافة والإمامة.

هذا كلّه، مضافاً إلى إيجاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إطاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام في غير واحدٍ من الأحاديث المعتبرة، كالحديث الذي أخرجه الحاكم بسنده عن أبي ذر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: « من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني » قال: « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجها »(١) .

بل إنّ الأمر بإطاعته بنفس لفظ « فاسمعوا وأطيعوا » وارد في كتب أهل السنّة في قصة يوم الدار وبشأن نزول قوله تعالى:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) . ومن رواته: إبن إسحاق، والطبري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه،

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١.

٢٨٦

وأبو نعيم، والبيهقي، والبغوي، والسّيوطي، والمتقي الهندي(١) .

ثمّ إنّ الذي يقلع أساس الشّبهة هو: أنّ جماعةً من أكابر القوم كالفخر الرازي في ( نهاية العقول ) وغيره، ينكرون دلالة الأمر بالطاعة على الإمامة والخلافة، وقد تبعهم في هذه الدعوى ( الدهلوي ) كما يظهر من الرجوع إلى كلامه في جواب حديث الثقلين فليس لأحدٍ من المتعصّبين أن يعود فيدّعي دلالة الجملة على الإمامة.

فارتج من كل وجهٍ بحمد الله المتعال باب القيل والقال، وضاقت الأرض بما رحبت على أصحاب الجدال، وكفى الله المؤمنين القتال.

(١٠)

الإستدلال بكلامٍ للإمام الحسن السبط عليه‌السلام

وفي خطةٍ لسيّدنا الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« وقال له جدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - حين قضى بينه وبين أخيه جعفر ومولاه زيد بن حارثة في ابنة عمّه حمزة -: أمّا أنت يا علي فمنّي وأنا منك، وأنت وليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنة بعدي. فلم يزل أبي يقي جدي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، وفي كلّ موطن يقدّمه جدي صلّى الله عليه وسلّم، ولكلّ شدةٍ يرسله ثقةً منه وطمأنينةً إليه »(٢) .

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٢٩، ١٣١، ١٤٩، ١٧٤

(٢). ينابيع المودّة ١ / ٤٢.

٢٨٧

ومن الواضح أنّ تقديم النبي صلّى الله عليه وسلّم أمير المؤمنينعليه‌السلام في كل موطنٍ وإرساله إيّاه لكلّ شدة، ثقة منه وطمأنينة إليه، دليل مبين وبرهان جلي على أفضلية الإمام من كلّ من عداه والإمام الحسنعليه‌السلام فرّع في كلامه هذا المقام الجليل على ما نقله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من قوله: « أما أنت يا علي فمنّي وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

ومنه يظهر أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم إنّما قال له: « أنت وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي » تعييناً له وليّاً للأمر من بعده، أي: إنّ كونه وليّ كلّ مؤمنٍ من بعدهِ هو العلّة لتفويض الاُمور العظيمة إليه، وتقديمه في الشدائد الجسيمة.

وبهذا البيان لا تبقى شبهة في كون الولاية في الحديث بمعنى الأولويّة في التصّرف، وهي الإمامة الكبرى والولاية العظمى.

(١١)

حديث المناشدة في مسجد المدينة

وبالإسناد عن سليم بن قيس الهلالي قال:

« رأيت علياً في مسجد المدينة في خلافة عثمان وان جماعة المهاجرين والأنصار يتذاكرون فضائلهم وعلي ساكت. فقالوا: يا أبا الحسن، تكلّم. فقال: يا معشر قريش والأنصار، أسألكم: بمن أعطاكم الله هذا الفضل أبأنفسكم أو بغيركم؟

قالوا: أعطانا الله ومنَّ علينا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم.

٢٨٨

قال: ألستم تعلمون أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: إني وأهل بيتي كنّا نوراً نسعى بين يدي الله تعالى، قبل أنْ يخلق الله عزّ وجلّ آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلمـّا خلق الله آدمعليه‌السلام وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثمّ حمله في السفينة في صلب نوحعليه‌السلام ، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيمعليه‌السلام . ثم لم يزل الله ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة من الآباء والاُمّهات، لم يكن واحد منّا على سفاح قط؟

فقال أهل السابقة وأهل بدر وأُحد: نعم. قد سمعناه.

ثمّ قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عزّ وجلّ فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آيةٍ، ولم يسبقني أحد من الاُمة في الإسلام؟

قالوا: نعم.

قال: فأنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) . سئل عنها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: أنزلها الله عزّ وجلّ في الأنبياء وأوصيانهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعلي وصيي أفضل الأوصياء؟

قالوا: نعم.

قال: أنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وحيث نزلت:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وحيث نزلت:( وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) . وأمر الله عزّ وجلّ نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسّر لهم من الولاية كما فسّر لهم من

٢٨٩

صلاتهم وزكاتهم وحجّهم، فنصبني للنّاس بغدير خم، فقال: أيها الناس، إنّ الله جلّ جلاله أرسلني برسالةٍ ضاق بها صدري، وظننت أنّ الناس مكذّبي، فأوعدني ربي. ثم قال: أتعلمون أنّ الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال آخذاً بيدي: من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.

فقام سلمان وقال: يا رسول الله، ولاء علي ماذا؟

قال: ولاؤه كولائي، من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه.

فنزلت:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) .

فقال صلّى الله عليه وسلّم: الله أكبر بإكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء ربّي برسالتي وولاية علي بعدي.

قالوا: يا رسول الله، هذه الآيات في علي خاصة؟

قال: بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة.

قال: بيّنهم لنا.

قال: علي أخي ووارثي ووصيي ووليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. ثم ابني الحسن ثم الحسين ثم التسعة من ولد الحسين، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتى يردوا عليّ الحوض.

قال بعضهم: قد سمعنا ذلك وشهدنا. وقال بعضهم: قد حفظنا جلّ ما قلت ولم نحفظ كلّه، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.

ثم قال: أتعلمون أنّ الله أنزل:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

__________________

(١). المائدة: ٢.

٢٩٠

الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً، ثمّ ألقى علينا كساءً وقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي، لحمهم لحمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً. فقالت أمّ سلمة: وأنا يا رسول الله؟! فقال: أنتِ إلى خير.

قالوا: نشهد، إنّ اُم سلمة حدثتنا بذلك.

ثم قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٢) . فقال سلمان: يا رسول الله هذه عامة أم خاصة؟ قال: أما المأمورون فعامّة المؤمنين. وأما الصادقون فخاصة، أخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة.

قالوا: نعم.

فقال: أنشدكم الله أتعلمون أني قلت لرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في غزوة تبوك -: خلّفتني على النساء والصبيان. فقال: إنّ المدينة لا تصلح إلّابي أو بك. وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي؟

قالوا: نعم.

قال: أنشدكم الله أتعلمون أنّ الله أنزل في سورة الحج:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) إلى آخر السورة. فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملّة إبراهيم؟ فقال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلاً. قال سلمان: بيّنهم لنا يا رسول الله. قال: أنا وأخي وأحد عشر من ولدي؟

٢٩١

قالوا: نعم.

قال: أُنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال في خطبته في مواضع متعددة، وفي آخر خطبةٍ لم يخطب بعدها: أيّها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا، فإنّ اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليَّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض؟

فقال كلّهم: نشهد أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال ذلك »(١) .

أقول:

قد اقترن حديث الولاية في هذا الحديث بثلاثة ألفاظ صريحة في الإمامة صراحة تامة وهي: « أخي » و« وارثي » و« وصيّي »

فيكون هذا الحديث - كغيره من الأحاديث المستشهد بها في هذه المناشدة - دليلاً تاماً على الإمامة والخلافة بلا فصل.

كلام القندوزي في صدر كتابه

هذا، ومن كلام الشيخ سليمان القدوزي في صدر كتابه ( ينابيع المودّة ) يظهر اعتبار رواياته والكتب التي نقلها عنها، ومن جملتها كتاب ( فرائد السمطين ) للحمويني. ولننقل عين عبارته:

« أما بعد: فإنّ الله تبارك وتعالى قال في كتابه لحبيبه:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ

__________________

(١). ينابيع المودّة ١ / ٣٤١ عن فرائد السمطين ١ / ٣١٢ للشيخ الجويني الحمويني، من مشايخ الحافظ الذهبي، كما في ( تذكرة الحفاظ ) و ( المعجم المختص ).

٢٩٢

عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) وقال جلّ جلاله وتعالت آلاؤه:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) أوجب الله مودة نبيّه وأهل بيت نبيّه - صلّى الله عليه وسلّم - على جميع المسلمين، وأنه تعالى أراد تطهيرهم عن الرجس تطهيراً كاملاً، لأنه ابتدأ بكلمة إنّما التي هي مفيدة لانحصار إرادته تعالى على تطهيرهم، وأكّد بالمفعول المطلق.

ولمـّا كانت مودّتهم على طريق التحقيق والبصيرة موقوفةً على معرفة فضائلهم ومناقبهم، وهي موقوفة على مطالعة كتب التفاسير والأحاديث التي هي المعتمد بين أهل السنّة والجماعة، وهي الكتب الصّحاح الستة من: البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وأبي داود. باتّفاق المحدثين المتأخرين. وأمّا السادس من الصحاح فابن ماجة أو الدارمي أو الموطأ بالاختلاف.

فجمع مناقب أهل البيت كثير من المحدّثين وألّفوها كتباً مفردة، منهم: أحمد ابن حنبل، والنسائي - وسمّياه: المناقب - ومنهم أبو نعيم الحافظ الاصفهاني، وسمّاه بـ ( نزول القرآن في مناقب أهل البيت. ومنهم الشيخ محمّد بن إبراهيم الجويني الحمويني الشافعي الخراساني وسمّاه: فرائد السمطين في فضائل المرتضى والزهراى والسبطين، ومنهم علي بن عمر الدارقطني سمّاه: مسند فاطمة. ومنهم أبو المؤيد الموفق بن أحمد أخطب خطباء خوارزم الحنفي سمّاه: فضائل أهل البيت. ومنهم علي بن محمّد الخطيب الفقيه الشافعي المعروف بابن المغازلي سمّاه: المناقب.رحمهم‌الله .

٢٩٣

وهؤلاء أخذوا الأحاديث عن مشايخهم بالسّياحة والأسفار، والجد والجهد في طلب الحديث من أهل القرى والأمصار. فكتبوا في كتبهم إسناد الحديث إلى الصحابي السامع الراوي بقولهم: حدّثنا وأخبرنا

فالمؤلّف الفقير إلى الله المنّان: سليمان بن إبراهيم المعروف بخواه كلان ابن محمّد معروف المشتهر ببابا خواجه بن إبراهيم بن محمّد معروف، ابن الشيخ السيد ترسون الباقي الحسيني البلخي القندوزي - غفر الله لي ولهم ولآبائهم واُمّهاتهم ولمن ولدا بلطفه ومنّه - ألّف هذا الكتاب آخذاً من كتب هؤلاء المذكورين ».

(١٢)

حديث الولاية وأحاديث اُخرى في سياق واحد

قال أبو المؤيد الموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي(١) :

« أنبأني مهذّب الأئمة أبو المظفر عبدالملك بن علي بن محمّد الهمداني - إجازة -: أخبرني محمّد بن الحسين بن علي البزّاز، أخبرني أبو منصور محمّد بن محمّد بن عبدالعزيز: أخبرني هلال بن محمّد بن جعفر قال: حدثنا أبو بكر محمّد بن عمرو الحافظ: حدّثني أبو الحسن علي بن موسى الخزار من كتابه قال: حدّثنا الحسن بن علي الهاشمي قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان

__________________

(١). توجد ترجمته في: الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية ٢ / ١٨٨، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ٧ / ٣١٠، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢ / ٣٠٨، المختصر المحتاج إليه: ٣٦٠ وغيرها.

٢٩٤

قال: حدثني أبو مريم، عن ثور بن أبي فاختة، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال قال أبي:

دفع النبي - صلّى الله عليه وسلّم - الرّاية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ففتح الله على يده.

وأوقفه يوم غدير خم، فأعلم الناس أنّه مولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة.

وقال صلّى الله عليه وسلّم: أنت منّي وأنا منك.

وقال له: تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل.

وقال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

وقال له: أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربك.

وقال له: أنت العروة الوثقى.

وقال له: أنت تبيّن ما اشتبه عليهم بعدي.

وقال له: أنت إمام كلّ مؤمنٍ ومؤمنة ووليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنة بعدي.

وقال له: أنت الّذي أنزل الله فيك:( وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) .

وقال له: أنت الآخذ بسنّتي والذابّ عن ملّتي.

وقال له: أنا أوّل من تنشق الأرض عنه وأنت معي.

وقال له: أنا عند الحوض وأنت معي.

وقال له: أنا أول من يدخل الجنّة وأنت معي تدخلها الحسن والحسين وفاطمة.

وقال له: إنّ الله أمرني بأن أقوم بفضلك، فقمت به في الناس وبلّغتهم ما

٢٩٥

أمرني الله بتبليغه.

وقال له: إتّق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلّا بعد موتي، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللّاعنون »(١) .

وقال القندوزي الحنفي: « أخرج موفق بن أحمد أخطب خطباء خوارزم بسنده عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: دفع النبي »(٢) .

أقول:

فقد ذكر أبو ليلى الأنصاري - بعد خبر فتح خيبر وبيان حديث غدير خم وحديث المنزلة، الدالّين على إمامة أمير المؤمنين ووجوب إطاعته وثبوت أفضليّته - حديث: « أنت إمام كلّ مؤمنٍ ومؤنة ووليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنة بعدي ». ثم ذكر أحاديث أُخرى كلّ واحدٍ منها بوحده دليل على الإمامة والوصاية والافضلية.

وحينئذٍ، لا مجال لصرف لفظ ( الولي ) عن معنى ( متولّى الأمر )، بل كما أنّ لفظ ( الإمام ) يدل بالصراحة التامة على المطلوب - وهو إمامة عليعليه‌السلام - كذلك لفظ ( الولي ) المقترن بلفظ ( الإمام ) يكون دالاً على ( الأولى بالتصرّف ).

__________________

(١). مناقب أمير المؤمنين: ٦١.

(٢). ينابيع المودّة: ٣ / ٢٧٨.

٢٩٦

(١٣)

حديث: أنت إمام كلّ مؤمنٍ ومؤمنة بعدي

وفي الحديث أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال لعليعليه‌السلام : أنت إمام كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ بعدي ».

ومن رواته: نور الدين جعفر المشهور بـ « مير ملّا » البدخشي، خليفة السيد علي الهمداني، فإنّه أرسله إرسال المسلّم في كلامٍ له في كتابه ( خلاصة المناقب ) حول الحبّ والبغض المجازيين، فقال:

« إنّ الإيمان يورث الولاية. قال الله تعالى:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) وأمير المؤمنين إمام أهل الولاية. قال صلّى الله عليه وسلّم لعلي: أنت إمام كلّ مؤمنٍ ومؤمنة بعدي.

ولذا، فإنّ أهل الولاية يحبّون أمير المؤمنين لكونهم مؤمنين، وأهل النفاق لا يحبّونه لأنهم لا إيمان لهم ».

وإذا كان أمير المؤمنينعليه‌السلام إمام كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ بنصّ هذا الحديث الشّريف، فولاية كلّ مؤمنٍ ومؤمنة الثابتة له بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحديث الولاية هي بمعنى الإمامة، لأن الحديث يفسّر بعضه بعضاً.

ترجمة أمير ملّا البدخشي

ونور الدين جعفر البدخشي من أجلّاء العلماء ومشاهير العرفاء، ويكفي في فضله وعظمته أنه خليفة السيد الهمداني وقد ترجم له وذكر طرفاً من فضائله صاحب كتاب ( جامع السلاسل ) فراجعه.

٢٩٧

(١٤)

قول النبيّ يوم الانذار في علي: « وليّكم بعدي »

وروى الشيخ علي المتّقي:

« عن علي قال: لمـّا نزلت هذه الآية:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) دعا بني عبدالمطلب، وصنع لهم طعاماً ليس بالكثير، فقال صلّى الله عليه وسلّم: كلوا بسم الله من جوانبها، فإنّ البركة تنزل من ذروتها، ووضع يده أوّلهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم دعا بقدحٍ فشرب أوّلهم ثم سقاهم، فشربوا حتى رووا. فقال أبو لهب: لقد سحركم. وقال صلّى الله عليه وسلّم: يا بني عبدالمطلب إنّي جئتكم بما لم يجيء به أحد قط. أدعوكم إلى شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، وإلى الله وإلى كتابه. فنفروا وتفرّقوا.

ثم دعاهم الثانية على مثلها. فقال أبو لهب كما قال المرة الاُولى.

فدعاهم ففعلوا مثل ذلك.

ثمّ قال لهم - ومدّ يده - من يبايعني على أنْ يكون أخي وصاحبي ووليّكم بعدي؟

فمددت [ يدي ] وقلت: أنا اُبايعك - وأنا يومئذٍ أصغر القوم، عظيم البطن - فبايعني على ذلك.

قال: وذلك الطعام أنا صنعته.

ابن مردويه »(١) .

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٤٩ رقم ٣٦٤٦٥.

٢٩٨

ورواه محمد محبوب عالم في ( تفسيره ) بتفسير آية الانذار عن ( منتخب كنز العمّال ) عن ابن مردويه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كذلك.

أقول:

ولا ريب في أنّ المراد من لفظ ( الولي ) في هذا الحديث هو ( المتصرف في الأمر )، لأنّ الوارد في الطرق الاُخرى لهذا الحديث لفظ « وصيّي وخليفتي عليكم فاسمعوا له وأطيعوا »، ولأنّ المخاطبين بهذا الكلام لم يفهموا منه إلّا ( ولاية الأمر ) بمعنى ( المتصرّف فيه ) و ( الواجب إطاعته والانقياد له ).

وإذا كان هذا معنى الحديث الوارد يوم الانذار، كان نفس هذا المعنى هو المراد من لفظ ( الولي ) في حديث بريدة وعمران بن الحصين وابن عباس وغيرهم.

(١٥)

قول النبيّ في حديثٍ لعلي: « إنّك وليّ المؤمنين بعدي »

وروى الشيخ علي المتقي أيضاً: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام:

« سألت الله - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً: سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي، فأبى عليَّ وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشقُّ عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد وأنت تحمله بين يديَّ تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني فيك أنّك وليّ المؤمنين بعدي.

٢٩٩

الخطيب والرافعي، عن علي »(١) .

ورواه عنهما كذلك كلّ من:

البدخشاني في ( مفتاح النجا ).

ومحمّد صدر العالم في ( معارج العلى ).

وحسن زمان التركماني في ( القول المستحسن )، ونصّ على صحّة إسناده.

وهذا هو الحديث بسنده عند الرافعي بترجمة « إبراهيم بن محمّد الشهرزوري حيث قال:

« إبراهيم بن محمّد بن عبيد بن جهينة، أبو إسحاق الشهرزوري. ذكر الخليل الحافظ: إنّه كان يدخل قزوين مرابطاً، وأنّه سمع بالشام ومصر والعراق، وروى بقزوين الكتاب الكبير للشافعي، سمعه منه: أبو الحسين القطّان، وأبو داود سليمان بن يزيد. قال: وأدركت من أصحابه: علي بن أحمد بن صالح، ومحمّد بن الحسين بن فتح كيسكين.

وروى أبو إسحاق عن: هارون بن إسحاق الهمداني، وعن عبيدالله بن سعيد بن كثير بن عفير، والربيع بن سليمان. وسمع بقزوين: أبا حامد أحمد بن محمّد بن زكريا النيسابوري.

وحدّث بقزوين سنة ٢٩٨، فقال:

ثنا عبيدالله بن سعيد بن كثير بن عفير، ثنا إبراهيم بن رشيد أبو إسحاق الهاشمي الخراساني، حدّثني يحيى بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علي بن

__________________

(١). كنز العمّال ١١ / ٦٢٥ رقم ٣٣٠٤٧.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398