نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 398

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 398 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 222895 / تحميل: 8093
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليرضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

سألت [ الله ] - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك أُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، [ معك ] لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق [ به ] الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنّك أخي في الدّنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة. وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١) .

أقول:

وإنّ هذا الحديث الشريف يهتك أستار التضليل والتخديع، ويكشف أسرار التزويق والتلميع، فهو من خير الأدلّة على بطلان تأويل حديث الولاية، وحمله على معنىً غير معنى ( المتصرّف في الأمر )، وسقوطه من أصله وقمعه من جذوره

إنّ هذا الحديث يدل دلالةً وأضحةً على أنّ المراد من جملة ( ولي المؤمنين بعدي ) معنىً جليل ومقام عظيم، لأنّ المنازل التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلّم له قبل هذه الجملة يستوجب كلّ واحدةٍ منها على اليقين أفضليتهعليه‌السلام من جميع الخلائق من الأوّلين والآخرين، لأنّ مفادها مساواتهعليه‌السلام للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم - الذي لا شك في أفضليّته من الخلائق أجمعين - في مراتبه ومنازله كلّها.

__________________

(١). التدوين بذكر أهل العلم بقزوين ٢ / ١٢٦.

٣٠١

فكما أنّ تلك المنازل والمراتب للنبي صلّى الله عليه وسلّم جعلته خير الخلائق وأشرف المرسلين كذلك يكون عليعليه‌السلام - المساوي له فيها - أفضل الخلائق أجمعين من الأنبياء والمرسلين وسائر الناس، فلذا قال بعد أن ذكرها: « وأعطاني أنّك وليُّ المؤمنين بعدي » ليشير إلى أن تلك المنازل توجب أنْ يكون هو ( المتصرّف ) في أُمور المؤمنين بعده صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ليس إلّا ( الإمامة والخلاقة ).

ترجمة الرّافعي

ولا بأس بذكر ترجمة الرافعي الرّاوي لهذا الحديث عن بعض المصادر المعتبرة:

١ - الذهبي: الامام الرافعي أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم بن الفضل القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير، إليه انتهت معرفة المذهب ودقائقه، وكان مع براعته في العلم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكراماتٍ ونسكٍ وتواضع. توفي في حدود آخر السنة.رحمه‌الله »(١) .

٢ - ابن الوردي: « وفيها مات إمام الدين عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم الرافعي القزويني، مصنّف الشّرح الكبير والصّغير على الوجيز والمحرر، ومصنّف التذنيب على الشرحين. وكان مع براعته في العلوم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكرامات. وعلى شرحه الكبير اليوم إعتماد المفتين والحكّام في الدنيا »(٢) .

__________________

(١). العبر ٣ / ١٩٠ حوا دث ٦٢٣

(٢). تتمة المختصر في أخبار البشر - حوادث ٦٢٣.

٣٠٢

٣ - اليافعي: « وفيها توفي الإمام الكبير العلّامة البارع الشهير، الجامع بين العلوم والأعمال الصالحات، والزهد والعبادات، والتّصانيف المفيدات النفيسات، أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير المشتمل على معرفة المذهب ودقائقه الغامضات، الجامع الفائق على التصانيف السابقات واللّاحقات. ومن كراماته: أنّه أضاءت له شجرة في بيته لـمّا انطفى السراج الذي يستضيء به عند كتبه بعض مصنفاته »(١) .

٤ - الأسنوي: « أبو القاسم إمام الدين عبدالكريم بن محمّد القزويني، صاحب الشرح الوجيز الذي لم يصنّف في المذهب مثله. تفقّه على والده وعلى غيره.

وكان إماماً في الفقه والتفسير والحديث والاُصول وغيرها، طاهر اللّسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الإحتراز في المنقولات، ولا يطلق نقلاً عن أحدٍ غالباً إلّا إذا رآه في كلامه، وإنْ لم يقف عليه فيه عبّر بقوله: وعن فلانٍ كذا، شديد الإحتراز أيضاً في مراتب الترجيح »(٢) .

وتوجد ترجمته أيضاً في:

سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٢٥٢

فوات الوفيات ٢ / ٧

طبقات الشافعية للسبكي ٨ / ٢٨١

تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٦٤

__________________

(١). مرآة الجنان ٤ / ٥٦.

(٢). طبقات الشافعية: ١ / ٢٨١.

٣٠٣

النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦

شذرات الذهب ٥ / ١٠٨

(١٦)

« الأولياء » في تفسير أهل البيت بمعنى « الأئمّة »

جاء ذلك في خطبةٍ للإمام الحسن السّبطعليه‌السلام ، رواها الأئمة الطاهرون من أهل البيت، وأوردها العلّامة القندوزي، قال:

« وفي التفسير المنسوب إلى الأئمّة من أهل البيت الطيّبين - رضي الله عنهم - عن جعفر الصادق، عن أبيه، عن جدّه: إن الحسن ابن أمير المؤمنين علي - سلام الله عليهم - خطب على المنبر وقال:

إنّ الله عزّ وجلّ - بمنّه ورحمته – لـمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليه، بل رحمةً منه، لا إله إلّا هو، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية لنا أهل البيت، وجعلها لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وأوصياؤه لكنتم حيارى، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخلون داراً إلّامن بابها؟

فلمّا منَّ الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم - صلّى الله عليه وسلّم - قال:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ

٣٠٤

دِيناً ) . ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً، وأمركم بأدائها إليهم، ليحلّ ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرّفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب.

ثم قال الله عزّ وجلّ:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) واعلموا أنّ من يبخل المودّة فإنّما يبخل عن نفسه، إنّ الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه.

فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتّقين، ولا عدون إلّا على الظالمين.

سمعت جدّي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: خلقت أنا من نور الله وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّيهم من نورهم، وسائر الناس في النار »(١) .

أقول:

ولا ريب في أنّ مرادهعليه‌السلام من « إقامة الأولياء بعد النبي » هو: نصب الأئمة، ويؤكّده استشهاده بالآية المباركة( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) النازلة في يوم غدير خم.

فإذن: المراد من « الولي » هو « الإمام ».

فكذلك: المراد من « الولي » في حديثنا هو « الإمام ».

__________________

(١). ينابيع المودة ٣ / ٣٦٥ الطبعة المحققة.

٣٠٥

لأنّ: الحديث يفسّر بعضه بعضاً، كما نصّ عليه العلماء كالحافظ في ( شرح البخاري ) وغيره من الأعلام.

(١٧)

إختصاص لفظ « الولي » ومقام « الولاية » بنوّاب نبيّنا وهم « اثنا عشر »

وهذا ما نصَّ عليه شيخ الشيوخ سعدالدين الحموي، أورده الشيخ عزيز ابن محمّد النسفي(١) في كتابه، وحكاه الشيخ القندوزي، وهذا معرّبه:

إنّه لم يكن قبل نبيّنا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - في الأديان السابقة عنوان « الولي » وإنّما كان عنوان « النبي »، وكان يسمّون المقرّبين إلى الله الوارثين لصاحب الشريعة بـ « الأنبياء » فلمـّا نزل الدين الجديد والشريعة الجديدة على محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - من عند الله عزّ وجلّ، وجد في هذا الدين اسم « الولي »، إذ اختار اثني عشر رجلاً من أهل بيت محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وجعلهم الوارثين له، المقرّبين إلى نفسه، واختصهم بولايته، فهم النوّاب - من عند الله - لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، الوارثون له، وهؤلاء الاثنا عشر هم الذين ورد فيهم الحديث: العلماء ورثة الأنبياء، والحديث: علماء اُمتي كأنبياء بني إسرائيل.

وإنّ آخر الأولياء - وهو آخر النوّاب - هو الولي والنائب الثاني عشر، وهو خاتم الأولياء، واسمه: المهدي، صاحب الزمان.

__________________

(١). عزيز الدين محمّد النّسفي، من أعلام الصّوفية، له في ذلك مصنّفات، توفي سنة ٦٨٦. هدية العارفين ١ / ٥٨٠.

٣٠٦

قال الشيخ: والأولياء في العالم لا يزيدون على اثني عشر، وأمّا الثلاثمائة والخمسون، الذين هم رجال الغيب، فلا يسمّون بالأولياء، وإنّما هم الأبدال »(١) .

فهذا رأي شيخ شيوخ القوم، الذي نقله النّسفي وهو من كبارهم، فدونكها من حجة حاسمة لشكوك أرباب الغواية، مبيّنة لكون « الولي » دليلاً على « الإمامة » في حديث الولاية!

(١٨)

تبادر « المتصرّف في الأمر » من « الولي » عند الإطلاق

فإنّ المنسبق إلى الأذهان من لفظ « الولي » عند الإطلاق هو معنى « المتصرّف في الأمر » فكيف لو ضمّ إليه كلمة « بعدي »؟

فلو غض النظر عن جميع الأدلة السابقة لكفى هذا التبادر وجهاً تامّاً للإستدلال، ودليلاً قاطعاً للشبهة.

وإنّ لنا على هذا الذي ذكرناه شواهد في كلمات كبار العلماء المعتمدين، ومن ذلك ما جاء في ( الروضة النديّة ) بعد حديث الثقلين المشتمل لفظه على حديث الغدير:

« وتكلّم الفقيه حميد(٢) على معانيه وأطال، ولننقل بعض ذلك:

__________________

(١). ينابيع المودّة: ٤٧٥.

(٢). حميد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبدالواحد المحلّي، النهمي، الوادعي، الهمداني. متكلّم، من شيوخ الزيدية، من تصانيفه: العمدة، في مجلدين، العقد الفريد.=

٣٠٧

قال -رحمه‌الله - منها: فضل العترةعليهم‌السلام ، ووجوب رعاية حقّهم، حيث جعلهم أحد الثقلين اللّذين يسأل عنهما، وأخبر بأنّه سأل لهم اللطيف الخبير وقال: فأعطاني، يعني: استجاب لدعاه فيهم.

... ومنها قوله: - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فهذا وليّه. الولي: المالك المتصرف، بالسبق إلى الفهم، وإنْ استعمل في غيره، ولهذا قال: السلطان وليّ من لا وليّ له. يريد: ملك التصرف في عقد النكاح، يعني: إنّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة ».

(١٩)

وجوب حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة

عند الشافعي وجماعة

فلقد ذهب الشافعي(١) وأبو بكر الباقلاني(٢) وجماعة من أعلام الاُصوليين عند القوم إلى: وجوب حمل اللفظ المشترك عند فقد المخصّص على جميع معانيه، فلو فرضنا عدم الدليل على ما نذهب إليه في المراد من حديث الولاية، لكفى هذا المبنى الاُصولي في الاستدلال بالحديث على إمامة أمير

__________________

= الحسام الوسيط، عقيدة الآل. الحدائق الوردية. وفاته سنة: ٦٥٢. معجم المؤلفين ١ / ٦٥٨.

(١). محمد بن إدريس، إمام الشّافعيّة، توفي سنة ٢٠٤، من مصادر ترجمته: حليةالأولياء ٩ / ٦٣، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٤٤، وفيات الأعيان ٤ / ١٦٣، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥، صفة الصفوة ٢ / ٩٥.

(٢). محمّد بن الطيّب، المتكلّم الكبير، الاُصولي الشهير المتوفى سنة ٤٠٣. من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد ٥ / ٣٧٩، وفيات الأعيان ٤ / ٢٦٩، سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٩٠.

٣٠٨

المؤمنينعليه‌السلام ، إذ لا ريب في أنّ من جملة المعاني هو: المتصرّف في الأمر، فيثبت له هذا المعنى، وسائر معاني لفظ « الولي » له، ولا ضير فيه.

وأمّا أن ما ذكر هو مذهب الشّافعي والباقلاني وأتباعهما، فصريح الكتب الاُصولية، قال العبري(١) في ( شرح المنهاج ).

« نقل عن الشافعي -رضي‌الله‌عنه - والقاضي أبي بكر -رحمه‌الله - وجوب حمل المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة معه تدل على تعيين المراد منه، لأنّ حمله على جميع معانيه غير ممنوع لما ذكرناه، فيجب أن يحمل، إذ لو لم حمل عليه فإمّا أنْ لا يحمل على شيء من معانيه، وذلك إهمال اللّفظ بالكليّة، وهو ظاهر البطلان، أو يحمل على بعض معانيه دون بعض، وذلك ترجيح بلا مرجّح، لاستواء الوضع بالنسبة إليها وعدم القرينة المعيّنة للبعض، وهو أيضاً محال »(٢) .

وقال الفخر الرازي في كتاب ( مناقب الشافعي ):

« المسألة الرابعة: عابوا عليه قوله: اللفظ المشترك محمول على جميع معانيه عند عدم المخصّص. قالوا: والدليل على أنّه غير جائز: إنّ الواضع وضعه لأحد المعنيين فقط، فاستعماله فيها معاً يكون مخالفةً للّغة.

وأقول: إن كثيراً من الاُصوليّين المحققين وافقوه عليه، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبدالجبّار بن أحمد. ووجه قوله فيه ظاهر وهو: إنّه لـمّا

__________________

(١). عبدالله بن محمّد العبري الفرغاني المتوفى سنة ٧٤٣، فقيه، اُصولي، متكلّم. البدر الطالع ١ / ٤١١، الدرر الكامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢). شرح المنهاج في الاصول - مخطوط.

٣٠٩

تعذّر التعطيل والترجيح لم يبق إلّا الجمع. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر التعطيل، لأنّه تعالى إنّما ذكره للبيان والفائدة، والقول بالتعطيل إخراج له عن كونه بياناً وفائدة. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر الترجيح، لأنّه يقتضي ترجيح الممكن من غير مرجّح وهو محال. ولـمّا بطل القسمان لم يبق إلّا الجمع، وهذا وجه قوي حسن في المسألة وإنْ كنا لا نقول به ».

وقال محمد الأمير في ( الروضة الندية ) بعد الكلام المنقول عنه سابقاً، نقلاً عن الفقيه الحميد:

« ثم لو سلّمنا احتمال « الولي » لغير ما ذكرنا على حدّه، فهو كذلك يجب حمله على الجميع، بناءً على أنَّ كلّ لفظةٍ احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنّه يجب حملها على الجميع، إذ لم يدل دليل على التخصيص ».

(٢٠)

ابن حجر: « من كنت وليّه » أي: المتصرّف في الأُمور

وهذا نصّ كلامه:

« على أنّ كون « المولى » بمعنى « الإمام » لم يعهد لغةً ولا شرعاً، أمّا الثاني فواضح، وأمّا الأوّل: فلأنَّ أحداً من أئمة العربيّة لم يذكر أن « مفعلاً » يأتي بمعنى « أفعل ». وقوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: مقرّكم أو ناصرتكم مبالغةٌ في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضاً: فالإستعمال يمنع من أنّ « مفعلاً » بمعنى « أفعل » إذْ يقال: هو أولى من كذا، دون: مولى من كذا. وأولى الرجلين، دون: مولاهما.

٣١٠

وحينئذٍ، فإنّما جعلنا من معانيه: المتصرف في الامور، نظراً للرواية الآتية: من كنت وليّه »(١) .

أقول:

فابن حجر يرى أنّ لفظ « الولي » في الحديث: « من كنت وليّه فعلي وليّه » بمعنى « المتصرّف في الاُمور »، وعليه يكون المراد منه في الحديث « وليّكم بعدي » هو « المتصرف في الاُمور » كذلك، حتى لا يلزم الافتراق واختلال الاتّساق المستبشع في المذاق، الذي لا يلتزمه إلّامن ليس له من الفهم والحدس الصائب خلاق.

ولا يخفى أنّ هذا كافٍ في الإستدلال به على المطلوب.

(٢١)

حديث بريدة بلفظ : « من كنت وليّه فعلي وليّه »

وفي بعض طرق حديث بريدة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « من كنت وليّه فعلي وليّه »، وأخرجه غير واحدٍ من الأئمة الأعلام:

* أخرج أحمد: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

__________________

(١). الصواعق المحرقة: ٦٥.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٦١.

٣١١

* وأخرج: « حدّثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، قال: لـمّا قدمنا قال: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري قال: فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - قال: فإذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد احمرّ وجهه قال: وهو يقول: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

وأخرج: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، إنّه مرّ على مجلسٍ وهم يتناولون من علي، فوقف فقال: إنّه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - جعلت اُحدّثه بما كان، ثم قلت: إنَّ علياً أخذ جاريةً من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

* وأخرج النَسائي: « أخبرنا أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفي قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، واستعمل علينا علياً، فلمـّا رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم، فإمّا شكوته أنا وإمّا شكاه غيري، فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - فإذا وجه رسول الله - صلّى الله

__________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٥٠.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٥٨.

٣١٢

عليه وسلّم - قد احمرّ فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

* وأخرج: « أخبرنا محمّد بن المثنّى قال حدثنا يحيى بن حماد قال أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترفا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال:

إنّ الله مولاي، فأنا ولي كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.

فقلت لزيد: سمعته من رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -؟

قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه باُذنه »(٢) .

* وأخرج الحاكم: « حدّثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي - ببغداد - ثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمّد الرقاشي، حدّثنا يحيى بن حماد.

وحدّثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز، قالا: ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يحيى بن حماد.

وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى - ثنا صالح بن محمّد الحافظ البغدادي، ثنا خلف بن سالم المخرّمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن

__________________

(١). الخصائص: ٧٠.

(٢). الخصائص: ٦٩.

٣١٣

زيد بن أرقم قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحاتٍ فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض؛ ثمّ قال:

الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمنٍ، ثم أخذ بيد علي فقال:

من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه.

وذكر الحديث بطوله.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بطوله.

شاهده حديث سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل أيضاً، صحيح على شرطهما »(١) .

* وروى ابن كثير عن سنن النسائي عن محمّد بن المثّنى بإسناده فيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه »(٢) .

* ورواه المتّقي الهندي عن ابن جرير الطبري وفيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه، اللّهم والِ من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

* وقال العزيزي - شارح الجامع الصغير -: « من كنت وليّه فعلي وليّه،

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩.

(٢). البداية والنهاية ٣ / ٢٠٩.

(٣). كنز العمال ١٣ / ١٠٤ رقم ٣٦٣٤٠.

٣١٤

يدفع عنه ما يكرهه. حم ن ك عن بريدة، وإسناده حسن »(١) .

* وقال محمد صدر العالم الهندي: « أخرج ابن أبي شيبة، والنسائي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، والضياء، عن بريدة. والطبراني عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

أقول:

لا ريب في أنّ المراد من « الولي » في « فعلي وليّه » هو نفس المراد منه في « من كنت وليّه »، ولا ريب في أنّه بمعنى « المتصرّف في الاُمور ». قال العزيزي:

« أنا وليُّ المؤمنين. أي: متولّي أُمورهم. وكان - صلّى الله عليه وسلّم يباح له أنْ يزوّج ما شاء من النّساء ممّن يشاء من غيره ومن نفسه، وإنْ لم يأذن كلّ من الولي والمرأة، وأنْ يتولّى الطرفين بلا أذن. حم م ن »(٣) .

ترجمة العزيزي

والعزيزي - شارح الجامع الصغير - إمامٌ عالم محدِّث جليل حافظ، قال العلّامة المحبّي بترجمته: « علي العزيزي البولاقي الشافعي، كان إماماً فقيهاً محدّثاً حافظاً، متقناً ذكيّاً، سريع الحفظ بعيد النسيان، مواظباً على النظر

__________________

(١). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٢ / ١٨٤.

(٢). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

(٣). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢١٢.

٣١٥

والتحصيل، كثير التلاوة سريعها، متوادداً متواضعاً، كثير الاشتغال بالعلم ومحبّاً لأهله، خصوصاً أهل الحديث، حسن الخلق والمحاضرة، مشاراً إليه في العلم، شارك النور الشبراملسي في كثيرٍ من شيوخه، وأخذ عنه واستفاد منه، وكان يلازمه في دروسه الأصليّة والفرعيّة، وفنون العربية، وله مؤلفات كثيرة، نقله فيها يزيد على تصرّفه، منها: شرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلَّدات، وحاشية على شرح التحرير للقاضي زكريّا، وحاشية على شرح الغاية لابن القاسم في نحو سبعين كرّاسة، واُخرى على شرحها للخطيب.

وكانت وفاته ببولاق في سنة ١٠١٧٠ وبها دفن »(١) .

(٢٢)

الحديث بلفظ: « الله وليّي وأنا وليُّ المؤمنين ومن كنت وليّه فهذا وليّه »

وقد أخرجه النسائي من طريق الحسين بن حريث ...: « إنّ الله وليّي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره »(٢) .

ولا ريب أنّ الله هو « الولي » أي « متولّي أُمور الخلق »، فهذا المعنى هو المراد من ولاية النبي، فكذا ولاية علي

وأمّا أنّ المراد من ولاية الله ما ذكرناه فهو صريحهم في كتب التفسير وغيرها:

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٣ / ٢٠١.

(٢). الخصائص ١٠١.

٣١٦

قال النيسابوري بتفسير آية الكرسي:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: متولّي أُمورهم وكافل مصالحهم، فعيل بمعنى فاعل »(١) .

وقال القاري في ( الحرز الثمين - شرح الحصن الحصين ) بشرح الدعاء: « اللّهم إني أعوذ بك من العجز والكسل اللّهم آت نفسي تقواها أنت وليّها » قال:

« أي المتصرّف فيها ومصلحها ومربّيها، ومولاها، أي: ناصرها وعاصمها. وقال الحفني: عطف تفسيري ».

(٢٣)

قوله لبريدة: « لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي »

فإنّه لـمّا شكى عليّاً عليه الصّلاة والسّلام نهاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وزبره بشدّة، وكذا فعل مع وهب بن حمزة لمـّا انتقصه، وقال: لا تقل هذا

وقد جاء هذا اللفظ في رواية:

سليمان بن أحمد الطبراني.

ومحمّد بن إسحاق بن يحيى بن مندة الأصبهاني.

وأحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني.

وأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني.

وعلي بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير.

__________________

(١). تفسير النيسابوري ٣ / ٢٢ هامش الطبر ي

٣١٧

ونور الدين الهيثمي.

وجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي.

وعلي بن حسام الدين المتّقي الهندي.

و إبراهيم بن عبدالله الوصّابي اليمني.

رواية الطبراني:

في ( مجمع الزوائد ): « وعن وهب بن حمزة قال: صحبت عليّاً إلى مكة، فرأيت منه بعض ما أكره. فقلت: لئن رجعت لأشكونّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما قدمت لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رأيت من علي كذا وكذا، فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي.

رواه الطبراني »(١) .

وفي ( كنز العمّال ): « لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي يعني: عليّاً. طب عن وهب بن حمزة »(٢) .

وفي ( الإكتفاء ): « عن وهب بن حمزة قال: قدم بريدة من اليمن - وكان خرج مع علي بن أي طالب، فرأى منه جفوةً - فأخذ يذكر عليّاً وينتقص من حقّه، فبلغ ذلك رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال له: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي. يعني عليّاً. أخرجه الطّبراني في الكبير »(٣) .

__________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩.

(٢). كنز العمال ١١ / ٦١٢ رقم ٣٢٩٦١.

(٣). الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

٣١٨

رواية ابن مندة وأبي نعيم:

في ( اُسد الغابة ) قال: « وهب بن حمزة، يعدّ في أهل الكوفة، روى حديثه: يوسف بن صُهيب، عن رُكين، عن وهب بن حمزة قال: صحبت عليّاً -رضي‌الله‌عنه - من المدينة إلى مكّة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لئن رجعت إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لأشكونّه إليه، فلمـّا قدمت لقيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقلت: رأيت من علي كذا وكذا. فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بعدي. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم »(١) .

رواية ابن مردويه:

في كتاب ( الطرائف ): « وفي كتاب المناقب، تأليف أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه - وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيتعليهم‌السلام - هذا الحديث من عدّة طرق. وفي رواية بريدة بزيادة وهي: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبريدة:

أيه عنك يا بريدة، فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنّك لتقع في رجل إنّه أولى الناس بكم بعدي »(٢) .

__________________

(١). أُسد الغابة ٤ / ٦٨١.

(٢). الطرائف في معرفة الطوائف: ٦٦.

٣١٩

تراجم الرواة

ورواة هذا الحديث من أكابر الحفّاظ الأعلام.

أما الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم وابن الأثير، فقد سبقت تراجمهم.

بقي أن نترجم لابن مندة:

قال الذهبي: « ابن مندة. الإمام الحافظ الجوّال، محدّث العصر، أبو عبدالله محمّد ابن الشيخ أبي يعقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبدالله محمّد بن أبي زكريا يحيى بن مندة

ولد أبو عبدالله سنة ٣١٠ وقيل في التي تليها.

سمع أباه، وعم أبيه عبدالرحمن بن يحيى، وأبا علي الحسن بن أبي هريرة، وطائفة باصبهان، ومحمّد بن الحسين القطّان

وعدّه شيوخه الذين سمع وأخذ عنهم ألف وسبعمائة شيخ وما بلغنا أنّ أحداً من هذه الاُمّة سمع ما سمع، ولا جمع ما جمع، وكان ختام الرحّالين وفرد المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصّدق.

حدّث عنه

قال الباطرقاني: نا أبو عبدالله إمام الأئمة في الحديث لقّاه الله روضوانه.

قال شيخنا أبو علي الحافظ: بنو مندة أعلام الحفّاظ في الدنيا قديماً وحديثاً، ألا ترون إلى قريحة أبي عبدالله؟!

وقيل: إنّ أبا نعيم ذكر له ابن مندة فقال: كان جبلاً من الجبال »(١) .

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٣١ - ١٠٣٣.

٣٢٠

أقول:

فهذا هو الحديث، وهؤلاء المخرجون له

فمن المناسب الآن أنْ نعرف معنى أولوية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالناس في القرآن الكريم والسنّة النبويّة، على ضوء كلمات كبار المحدّثين والمفسّرين الذين عليهم المعوَّل عندهم في فهم معاني الآيات والروايات، ليظهر معنى كون عليعليه‌السلام أولى الناس بعده صلّى الله عليه وسلّم، فلا يبقى مجال لمكابرة معاند أو تشكيك مشكّك.

فاستمع لما يلي:

٣٢١

معنى أولويّة النبيّ بالمؤمنين

كتاباً وسنّةً

إنّ قولهعليه‌السلام : « أولى الناس بكم بعدي » معناه: الأولى بالتصرّف في أُموركم، قطعاً، لأنّ الكلمة هذه مقتبسة من قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (١) ، ومن المقطوع به أن المراد من هذه الآية المباركة أولويّة النبيّ بالتصرّف في أُمور المسلمين وهذا ما يصرّح به وينص عليه أئمة التفسير:

كلمات المفسّرين في معنى( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ )

* قال الواحدي: « قوله:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أي: إذا حكم عليهم بشيء نفذ حكمه ووجبت طاعته عليهم. قال ابن عباس: إذا دعاهم النبيّ إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعة النبيّ أولى بهم من طاعة أنفسهم »(٢) .

* وقال البغوي: « قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) يعني: من بعضهم ببعض، في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطاء: يعني: إذا دعاهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعتهم أنفسهم إلى

__________________

(١). التفسير الوسيط ٣ / ٤٥٩.

٣٢٢

شيء كانت طاعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أولى بهم من طاعتهم أنفسهم. قال ابن زيد:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فيما قضى قضى فيهم، كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه

أخبرنا عبدالواحد المليحي عن أبي هريرة: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ما من مؤمنٍ إلّاوأنا أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا إنْ شئتم:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه »(١) .

* وقال البيضاوي: «( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) في الاُمور كلّها، فإنّه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلّا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها »(٢) .

أقول:

واعلم أنّ هؤلاء الثلاثة - الواحدي والبغوي والبيضاوي - الذين استندنا إلى كلماتهم في الردّ على هفوات ( الدهلوي )، قد نص والده في كتاب ( إزالة الخفاء ) على أنّهم كبار المفسرين، الذين فسّروا القرآن العظيم، وشرحوا غرائبه، وبيّنوا معانيه، وذكروا أسباب نزول آياته، وأنّ هؤلاء قد حازوا قصب السبق على أقرانهم، وأصبحوا القدوة للمسلمين، وما زالت كلمات الثناء عليهم

__________________

(١). معالم التنزيل ٤ / ٤٣٣.

(٢). تفسير البيضاوي: ٥٥٢.

٣٢٣

متواترة إلى يوم الدين.

فبكلمات هؤلاء الذين وصفهم شاه ولي الله الدهلوي بهذه الألقاب فنّدنا - ولله الحمد - مزاعم ( الدهلوي ) ورددنا أبا طيلة.

* الزمخشري:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) في كلّ شيء من اُمور الدين والدنيا و( مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ولهذا أطلق ولم يقيد، فيجب عليهم أنْ يكون أحبّ إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقّه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأنْ يبذلوها دونه ويجعلونها فداءه إذا أعضل خطب ووقاءه إذا لفحت حرب، وأن لا يتّبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم، ولا ما تصرفهم عنه، ويتّبعوا كلّما دعاهم إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصرفهم عنه »(١) .

* وقال أبو العبّاس الخويي(٢) ما حاصله: إن قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) يفيد أولوية النبي بالتصرف، فلو تعلّقت إرادته حرمة شيء على الامة ومنعها منه نفذت إرادته وكانت الحكمة على طبقها وهذا عين الأولويّة بالتصرّف(٣) .

* وقال النسفي:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أي: أحق بهم في كلّ شيء من اُمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوا نفسه دونه ويجعلوها فدائه. أو: هو أولى بهم، أي: أرأف بهم وأعطف

__________________

(١). الكشاف ٣ / ٢٥١.

(٢). أحمد بن الخليل المتوفى سنة ٦٣٧ أو ٦٩٣، فقيه، اُصولي، مفسّر، متكلّم، أديب. له مصنفات. السبكي ٥ / ٨، مرآة الجنان ٤ / ٢٢٢ وغيرهما.

٣٢٤

عليهم وأنفع لهم »(١) .

* وقال النيسابوري:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) والمعقول فيه أنّه رأس الناس ورئيسهم، فدفع حاجته والاعتناء بشأنه أهم ويعلم من إطلاق الآية أنّه أولى بهم من أنفسهم في كلّ شيء من اُمور الدنيا والدين »(٢) .

* وقال جلال الدين المحلّي:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فيما دعاهم إليه ودعتهم أنفسهم إلى خلافه ».

* وقال الخطيب الشربيني بمثل ما تقدّم، وأورد حديث أبي هريرة الآتي أيضاً، ممّا يظهر منه دلالته على الأولوية وإلّا لَما أورده، ثم إنّه علّل أولويّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتصرّف بقوله: « وإنّما كان صلّى الله عليه وسلّم أولى بهم من أنفسهم لأنّه لا يدعوهم إلّا إلى العقل والحكمة »(٣) .

أقول:

هذا، وإنّ ما جاء في كلام بعض المفسّرين للآية بعد التفسير للأولويّة بـ « الأولويّة بالتصرّف في الاُمور » من احتمال إرادة أنّه: « أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم » لا يضر، لأنّ المعنى الأول مذكور بصيغة الجزم وهذا بعنوان الإحتمال. ولأنّ جواب السؤال المقدّر في بيان النيسابوري إنّما يتعلّق بالمعنى الأوّل. ولأنّ المعنى الأول معلّل بإطلاق الآية بخلاف الثاني.

__________________

(١). تفسير النسفي - عل ى هامش الخازن ٣ / ٤٥١.

(٢). تفسير النيسابوري - على هامش الطبري ١٢ / ٨٤.

(٣). السراج المنير في تفسير القرآن ٣ / ٢٢١.

٣٢٥

هذا كلّه مضافاً إلى أنّ أكثرهم لم يذكروا إلّا المعنى الأوّل.

كما أنّ ظاهر كلام السراج المنير - كالنيسابوري والخوئي - أنّ فرض نزول الآية بشأن قصّة التبنّي لا ينافي حملها على الأولويّة بالتصرّف، بل هي على هذا التقدير جواب للسؤال المقدّر، ومناسبتها مع تلك القصّة ظاهرة.

كلمات علماء الحديث

في معنى قوله: « أنا أولى بالمؤمنين » ونحوه

فإنّ نفس المعنى الذي ذكره المفسّرون بشرح قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وهو: « الأولويّة بالتصرّف » قاله علماء الفقه والحديث بشرح الحديث عن أبي هريرة قال صلّى الله عليه وسلّم: « أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب الله عزّ وجلّ، فأيّكم ما ترك ديناً أو ضيعةً فادعوني فأنا وليّه، وأيّكم ما ترك مالاً فليورث عصبته من كان ».

* فقال أبو زرعة أحمد بن عبدالرحيم العراقي(١) بشرحه باللفظ المذكور:

« فيه فوائد: الأولى: أخرجه مسلم من هذا الوجه، عن محمّد بن رافع عن عبدالرزّاق.

وأخرجه الأئمة الستّة خلا أبا داود من طريق الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كان يؤتى بالرجل

__________________

(١). المتوفى سنة ٨٢٦. حافظ، محدّث، فقيه، اُصولي، مفسّر. الضوء اللامع ١ / ٣٣٦، حسن المحاضرة ١ / ٣٦٣، طبقات المفسرين ١ / ٥٠.

٣٢٦

المتوفى، عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه فضلاً؟ فإنْ حدث أنّه ترك لدينه وفاءً وإلّا قال للمسلمين: صلّوا على صاحبكم، فلمـّا فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفّي من المؤمنين فترك ديناً فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته. هذا لفظ البخاري وقال الباقون: قضاءً بدل فضلاً، وكذا هو عند بعض رواة البخاري.

وأخرجه الشيخان وأبو داود من رواية أبي حازم، عن أبي هريرة، بلفظ: من ترك مالاً فلورثته ومن ترك كلأً فإلينا، وفي لفظ مسلم: وليته.

وأخرج البخاري ومسلم والنسائي من رواية أبي صالح، عن أبي هريرة بلفظ: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وترك مالاً فماله لمواليه العصبة، ومن ترك كلأً أو ضياعاً فأنا وليّه

وأخرجه البخاري من رواية عبدالرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة بلفظ: ما من مؤمن إلاّوأنا أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا ما شئتم( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه.

وأخرجه مسلم من رواية أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة بلفظ: والذي نفس محمّد بيده، إنْ على الأرض من مؤمن إلّا وأنا أولى الناس به، فأيّكم ما ترك ديناً أو ضياعاً فأنا مولاه، وأيّكم ما ترك مالاً فإلى العصبة من كان.

٣٢٧

الثانية:

قوله: أنا أولى الناس بالمؤمنين.

إنّما قيّد ذلك بالناس، لأنّ الله تعالى أولى بهم منه.

وقوله: في كتاب الله عزّ وجلّ.

إشارة إلى قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وقد صرّح بذلك في رواية البخاري، من طريق عبدالرحمن بن أبي عمرة، كما تقدم.

فإن قلت: الذي في الآية الكريمة أنه أولى بهم من أنفسهم، ودلّ الحديث على أنّه أولى بهم من سائر الناس، ففيه زيادة.

قلت: إذا كان أولى به من أنفسهم، فهو أولى بهم من بقيّة الناس من طريق الأولى، لأنّ الإنسان أولى بنفسه من غيره، فاذا تقدّم النبي صلّى الله عليه وسلّم على النفس، فتقدّمه في ذلك على الغير من طريق الأولى.

وحكى ابن عطيّة في تفسيره عن بعض العلماء العارفين أنه قال: هو أولى بهم من أنفسهم، لأنّ أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة. قال ابن عطيّة: ويؤيّد هذا قوله عليه الصّلاة والسلام: أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها تقحّم الفراش.

الثالثة:

يترتب على كونه عليه الصلاة والسلام أولى بهم من أنفسهم: أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وإن شق ذلك عليهم، وأنْ يحبّوه أكثر من محبّتهم لأنفسهم، ومن هنا قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا يؤمن أحدكم

٣٢٨

حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. وفي روايةٍ اُخرى: من أهله وماله والناس أجمعين، وهو في الصحيحين من حديث أنس.

ولـمّا قال له عمر -رضي‌الله‌عنه - لأنت أحب إليّ من كلّ شيء إلّا نفسي.

قال له: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك.

فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الآن يا عمر.

رواه البخاري في صحيحه.

قال الخطّابي: لم يرد به حبّ الطبع، بل أراد حبّ الإختيار، لأنّ حبّ الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه. قال: فمعناه: لا تصدق في حبّي حتى تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك وإنْ كان فيه هلاكك.

الرابعة:

إستنبط أصحابنا الشافعيّة من هذه الآية الكريمة: أن له عليه الصلاة والسلام أنْ يأخذ الطّعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج عليه الصلاة والسلام إليهما، وعلى صاحبهما البذل، ويفدي مهجته بمهجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه لو قصده عليه الصلاة والسلام ظالم لزم من حضره أنْ يبذل نفسه دونه. وهو استنباط واضح.

ولم يذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم عند نزول هذه الآية ماله في ذلك من الحظ، وإنّما ذكر ما هو عليه فقال: وأيّكم ما ترك ديناً أو ضياعاً فادعوني فأنا

٣٢٩

وليّه، وترك حظّه فقال: وأيّكم ما ترك مالاً فليورّث عصبته من كان »(١) .

* وقال البدر العيني(٢) بشرح قوله: « وأنا أولى به في الدنيا والآخرة »:

يعني: أحق وأولى بالمؤمنين في كلّ شيء من اُمور الدنيا والآخرة من أنفسهم، ولهذا أطلق ولم يعيّن، فيجب عليهم امتثال أوامره واجتناب نواهيه »(٣) .

فمن هذا الكلام يظهر أن الآية المباركة( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) دالة على أولويّته صلّى الله عليه وسلّم بالمؤمنين من أنفسهم في جميع شؤونهم، وأنّ عليهم الإمتثال المطلق فما زعمه ( الدهلوي ) من عدم العلاقة بين الآية والأولوية بالتصرف بمثابة الردّ الصريح على الله والرسول.

* وقال الشهاب القسطلاني(٤) بتفسير الآية المباركة من كتاب التفسير:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) في الاُمور كلّها( مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) من بعضٍ ببعض، في نفوذ حكمه ووجوب طاعته عليهم.

وقال ابن عباس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى بهم من طاعة أنفسهم.

__________________

(١). شرح الأحكام، كتاب الفرائض، الحديث: ١.

(٢). محمود بن أحمد المتوفى سنة ٨٥٥، فقيه، محدّث، مؤرّخ، أديب. الضوء اللامع ١٠ / ١٣١، حسن المحاضرة ١ / ٢٧٠، شذرات الذهب ٧ / ٢٨٧.

(٣). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ١٢ / ٢٣٥.

(٤). أحمد بن محمّد المصري، المتوفى سنة ٩٢٣، فقيه، محدّث، مجوّد، مؤرّخ. الضوء اللامع ٢ / ١٠٣، البدر الطالع ١ / ١٠٢، شذرات الذهب ٨ / ١٢١.

٣٣٠

وإنّما كان ذلك لأنّه لا يأمرهم ولا يرضى إلّابما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس.

وقوله:( النَّبِيُّ ) ثابت في رواية أبي ذر فقط، وبه قال: حدّثني - بالإفراد - إبراهيم بن المنذر القرشي الحزامي قال: حدّثنا محمّد بن فليح - بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة مصغراً - قال: حدّثنا أبي فليح بن سليمان الخزاعي، عن هلال بن علي العامري المدني - وقد ينسب إلى جدّه اُسامة - عن عبدالرحمن بن أبي عمرة - بفتح العين وسكون الميم - الأنصاري النجاري - بالجيم، قيل: ولد في عهده صلّى الله عليه وسلّم. وقال ابن أبي حاتم: ليس له صحبة - عن أبي هريرة -رضي‌الله‌عنه - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:

ما من مؤمن إلّا وأنا أولى الناس به، أي: أحقّهم به في كلّ شيء من اُمور الدنيا والآخرة - وسقط لأبي ذر لفظ الناس - اقرأوا إن شئتم قوله عزّ وجلّ:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .

اُستنبط من الآية أنه: لو قصدهعليه‌السلام ظالم وجب على الحاضر من المؤمنين أنْ يبذل نفسه دونه»(١) .

أقول:

وهذه العبارة ظاهرة في صحّة تفسير الآية بالأولوية بالتصرف مطلقاً من وجوه:

منها: قوله بتفسير الآية: « في الاُمور كلّها »، حيث أتى بالجمع المحلّى

__________________

(١). إرشاد السّاري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٢٩٢.

٣٣١

باللام الدال على العموم ثم أكّده بكلمة « كلّها ».

ومنها: قوله: « في نفوذ حكه ووجوب طاعته » فإنّه ظاهر في الإطلاق ودال على الأولويّة التامّة.

ومنها: ما نقله عن ابن عباس وعطا، فإنّه صريح في دلالة الآية على ما ذكرنا، والمنكر مكابر.

ومنها: قول القسطلاني بعد ذلك معلّلاً كلام ابن عباس وعطا

ومنها: تفسيره الحديث بقوله: أيْ أحقّهم في كلّ شيء من اُمور الدنيا والآخرة.

* وقال القسطلاني بشرح الحديث في كتاب الإستقراض:

« عن أبي هريرة -رضي‌الله‌عنه -: إنّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ما من مؤمن إلّا وأنا - بالواو، ولأبي الوقت: إلّا أنا - أولى - أحق - الناس به - في كلّ شيء من اُمور الدنيا والآخرة - إقرأوا إنْ شئتم قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .

قال بعض الكبراء: إنّما كان عليه الصّلاة والسّلام أولى بهم من أنفسهم، لأنّ أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة. قال ابن عطيّة: ويؤيّده قوله عليه الصلاة والسلام: أنا آخذكم بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها.

ويترتب على كونه أولى بهم من أنفسهم: أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وإنْ شقّ ذلك عليهم، وأن يحبّوه أكثر من محبّتهم لأنفسهم، ومن ثمّ قال عليه الصّلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وولده. الحديث.

٣٣٢

واستنبط بعضهم من الآية: أن له عليه الصلاة والسلام أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج عليه الصّلاة والسلام إليهما، وعلى صاحبهما البذل، ويفدي بمهجته نبيّه صلوات الله وسلامه عليه، وأنه لو قصده عليه الصلاة والسلام ظالم وجب على من حضره أنْ يبذل نفسه دونه.

ولم يذكر عليه الصّلاة والسّلام - عند نزول هذه الآية - ماله في ذلك من الحظ، وإنّما ذكر ما هو عليه فقال: فأيّما مؤمنٍ مات وترك مالاً - أي حقّاً، وذكر المال خرج مخرج الغالب، فإنّ الحقوق تورث كالمال - فليرثه عصبته من كانوا - عبّر بمن الموصولة ليعمّ أنواع العصبة. والذي عليه أكثر الفرضيّين أنهم ثلاثة أقسام: عصبة بنفسه، وهو ممن له ولاء، وكلّ ذكر نسيب يدلي إلى الميت بلا واسطة أو بتوسط محض الذكور، وعصبة بغيره، وهو كلّ ذات نصف معها ذكر يعصبها، وعصبة مع غيره، وهو اُختٌ فأكثر لغير اُم معها بنت أو بنت ابن فأكثر - ومن ترك ديناً أو ضياعاً - بفتح الضاد المعجمة، مصدر اُطلق على الاسم الفاعل للمبالغة، كالعدل والصوم، وجوّز ابن الأثير الكسر على أنها جمع ضائع كجياع في جمع جائع، وأنكره الخطّابي، أي: من ترك عيالاً محتاجين - فليأتني فأنا مولاه - أي: وليّه، أتولّى اُموره، فإن ترك ديناً وفيته عنه، أو عيالاً فأنا كافلهم، وإليَّ ملجؤهم ومأواهم »(١) .

* وقال القسطلاني بشرح الحديث في كتاب الفرائض:

« حدّثنا عبدان - هو: عبدالله بن عثمان بن جبلّة المروزي - قال: أخبرنا عن أبي هريرة -رضي‌الله‌عنه - عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - إنّه

__________________

(١). إرشاد السّاري في شرح صحيح البخاري ٤ / ٢٢١.

٣٣٣

قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أي: أحق بهم في كلّ شيء من امور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها »(١) .

* وقال المنّاوي: « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم - في كلّ شيء، لأنّي الخليفة الأكبر الممّد لكلّ موجود، فحكمي عليهم أنفذ من حكمهم على أنفسهم. وذا قاله لـمّا نزلت الآية - فمن توفّي - بالبناء للمجهول أو مات - من المؤمنين فترك عَليه - ديناً - بفتح الدال - فعليّ - قضاؤه ممّا يفي الله به من غنيمةٍ وصدقة، وذا ناسخ لتركه الصلاة على من مات وعليه دين - ومن ترك مالاً - يعني حقّاً فذكر المال غالبي - فهو لورثته. وفي رواية البخاري: فليرثه عصبته من كانوا. فردّ على الورثة المنافع وتحمل المضار والتبعات. حم ق ن ة. عن أبي هريرة »(٢) .

* وقال العزيزي: « أنا أولى بكلّ مؤمنٍ من نفسه - كما قال الله تعالى( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) . قال البيضاوي: أي في الاُمور كلّها، فإنّه لا يأمرهم ولا يرضى عنهم إلّا بما فيه صلاحهم، بخلاف النفس، فيجب أنْ يكون أحبّ إليهم من أنفسهم. فمن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم: أنّه كان إذا احتاج إلى طعامٍ أو غيره وجب على صاحبه المحتاج إليه بذله له صلّى الله عليه وسلّم، وجاز له صلّى الله عليه وسلّم أخذه، وهذا وإنْ كان جائزاً، لم يقع - من ترك مالاً فلأهله - أي: لورثته - ومن ترك ديناً أو ضياعاً - بفتح الضاد المعجمة، أي: عيالاً وأطفالاً ذوي ضياع، فأوقع المصدر موقع الاسم - فإليّ و عليّ- أي -

__________________

(١). إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ٩ / ٤٢٦.

(٢). التيسير في شرح الجامع الصغير ١ / ١٨٤.

٣٣٤

فأمر كفاية عياله إليَّ، وفاء دينه عليّ. وقد كان صلّى الله عليه وسلّم لا يصلّي على من مات وعليه دين ولم يخلّف له وفاءً، لئلّا يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء، فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، ثم نسخ بما ذكر وصار واجباً عليه، صلّى الله عليه وسلّم.

واختلف أصحابنا هل هو من الخصائص أم لا؟ فقال بعضهم: كان من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم، ولا يلزم الإمام أنْ يقضيه من بيت المال. وقال بعضهم: ليس من خصائصه، بل يلزم كلّ إمام أنْ يقضي من بيت المال دين من مات وعليه دين إذا لم يخلّف وفاءً وكان في بيت المال سعة ولم يكن هناك أهم منه. واعتمد الرملي الأوّل وفاقاً لابن الحري.

وأنا ولي المؤمنين. أي: متولّي اَمورهم. فكان صلّى الله عليه وسلّم يباح له أنْ يزوّج ما شاء من النساء ممّن يشاء من غيره ومن نفسه، وإنْ لم يأذن كلّ من الولي والمرأة، وأنْ يتولّى الطرفين بلا إذن.

حم ق ن ة »(١) .

* وأورد السيوطي الأحاديث الدالّة على أولويته بالتصرف بذيل الآية المباركة قال: « قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) :

أخرج البخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه: عن أبي هريرة -رضي‌الله‌عنه - عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ما من مؤمنٍ إلّا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، إقرؤا إنْ شئتم( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) . فأيّما مؤمنٍ ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فإنْ ترك ديناً أو

__________________

(١). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢١٤.

٣٣٥

ضياعاً فليأتني فأنا مولاه.

وأخرج الطيالسي، وابن مردويه: عن أبي هريرة قال: كان المؤمن إذا توفّي في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاُتي به النبي سأل: هل عليه دين؟ فإنْ قالوا: نعم، قال: هل ترك وفاءً لدينه؟ فإنْ قالوا: نعم، صلّى عليه، وإنْ قالوا: لا قال: صلّوا على صاحبكم. فلمـّا فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك ديناً فإليَّ ومن ترك مالاً فللوارث.

وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن مردويه: عن جابر -رضي‌الله‌عنه - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يقول: أنا أولى بكلّ مؤمنٍ من نفسه، فأيّما رجل مات وترك ديناً فإليَّ، ومن ترك مالاً فهو لورثته.

وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي: عن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة، فلمـّا قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرت علياً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تغيّر وقال: يا بريدة، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

ومن هنا يظهر لك: إنّ جملة « ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم » في حديث: « من كنت مولاه فعلي مولاه » هي بالمعنى المراد من قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وإلّا لما أورد السيوطي هذا الحديث في هذا المقام.

وعلى الجملة، فإنّ الآية المباركة بمعنى « الأولوية بالتصرف » في كتب

__________________

(١). الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٦ / ٥٦٦ - ٥٦٧.

٣٣٦

الفقه والحديث والتفسير، فكيف ينفي ( الدهلوي ) ذلك ويقول أنْ لا مناسبة بين هذا المعنى والآية المباركة؟!

وليت ( الدهلوي ) تبع في المقام شيخه الكابلي، الذي لم يمنع من حمل « ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم » على: الأولوية بالتصرف:

* قال الكابلي في ( الصواقع ) في الجواب عن حديث الغدير:

إنّ المراد بالمولى: المحبّ والصديق. وأما فاتحته فلا تدل على أنَّ المراد به الإمام، لأنّه إنّما صدّره بها ليكون ما يلقى إلى السامعين أثبت في قلوبهم »(١) .

بل تظهر غرابة إنكار ( الدهلوي ) ذلك من كلام ابن تيمية الشهير بشدّة التعصّب ضد أهل البيت:

* قال ابن تيمية: « والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: من كنت وإليه فعلي وإليه وإنّما اللفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل، فإنّ الولاية تثبت من الطرفين، فإنّ المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم، وأمّا كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلاّمن طرفه صلّى الله عليه وسلّم، وكونه أولى بكلّ مؤمنٍ من نفسه من خصائص نبوّته. ولو قدّر أنّه نصّ على خليفةٍ بعده لم يكن ذلك موجباً أنْ يكون أولى بكلّ مؤمنٍ من نفسه، كما أنّه لا تكون أزواجه امّهاتهم، ولو اريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه، وهذا لم يقله ولم ينقله أحد، ومعناه باطل »(٢) .

فإنّ هذا الكلام واضح الدلالة على كون أولويته صلّى الله عليه وسلّم

__________________

(١). الصواقع الموبقة - مخطوط.

(٢). منهاج السنّة ٧ / ٣٢٤ الطبعة الحديثة.

٣٣٧

- المستفادة من الآية الكريمة - من الخصائص النبويّة، إذ لو كان المراد من « الأولويّة » هو « الأحبيّة » لَما كانت من الخصائص، لأنّهم يثبتون « الأحبيّة » للخلفاء فمن دونهم ولو بالترتيب.

إذن، ليست « الأولويّة » بمعنى « الأحبيّة » بل هي عند ابن تيمية مقام عظيم ومنزلة رفيعة يختصّ بها النبيّ الكريم، والسّبب في ذلك ظاهرٌ للمتأمّل، إذْ الأولويّة بالمؤمنين من أنفسهم تقتضي العصمة، فلا تنال غير المعصوم، فلهذا كانت مختصة بالنبي عند ابن تيميّة.

إلّا أنّ العصمة لـمّا ثبتت للأئمّة الأطهار بالأدلّة من الكتاب والسنّة - كما فصّل في كتب أصحابنا - فهذه المرتبة ثابتة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل إنّ كلام ابن تيميّة - في الحقيقة - دليل عصمة الإمامعليه‌السلام ، لِما تقدّم ويأتي من الوجوه الدالّة على أولويّته من كلّ مؤمنٍ بنفسه، فتثبت عصمته كذلك بلا ريب.

* وقال الشيخ عبدالحق الدهلوي(١) في ( اللمعات في شرح المشكاة ):

« قوله: فقال بعد أنْ جمع الصحابة: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وفي بعض الروايات: كرّره للمسلمين، وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف، يريد به قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أي: في الاُمور كلّها، فإنّه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلّا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أنْ يكون أحبّ إليهم من أنفسهم،

__________________

(١). المتوفى سنة ١٠٥٢، محدّث الهند الكبير، صاحب المؤلّفات النافعة كالشرح على مشكاة المصابيح، ترجمته في: أبجد العلوم، سبحة المرجان، نزهة الخواطر، وغيرها.

٣٣٨

وأمره أنفذ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها. روي: أنّه صلّى الله عليه وسلّم أراد غزوة تبوك، فأمر الناس بالخروج، فقال ناس: نستأذن آباءنا واُمّهاتنا. فنزلت. وقرئ: وهو أب لهم، أي: في الدين، فإنّ كلّ نبي أبٌ لُامّته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبديّة، ولذلك صار المؤمنون إخوة. كذا في تفسير البيضاوي.

وقوله: إني أولى بكلّ مؤمنٍ من نفسه، تأكيد وتقرير، يفيد كونه أولى بكل واحدٍ من المؤمنين، كما أنّ الأوّل يفيد بالنسبة إليهم جميعاً ».

أقول:

وتلخص على ضوء الكلمات المذكورة بشرح الكتاب والسنّة: أنّ المراد من الحديث: « هو أولى الناس بكم بعدي » أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم في جميع اُمور الدنيا والدين بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه يجب عليهم أنْ يكون أحبّ إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها، كما هو الحال بالنسبة إلى أوامر النبي صلّى الله عليه وسلّم ونواهيه، فهذا هو مقتضى التأمّل في الآية المباركة والحديث الصحيح من طرقهم، ثم التأمّل في لفظ حديث الولاية.

ثمّ إنّ الوجه في الأولويّة هو أنّ النبي أو الوصي، لا يأمر الناس ولا يرضى منهم إلاّبما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف أنفسهم

٣٣٩

(٢٤)

فهم بريدة الإمامة من كلام النبي فلذا تخلَّف عن بيعة أبي بكر

ولقد فهم بريدة من قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: « لا تقع في رجلٍ إنه لأولى الناس بكم بعدي » أن الإمام من بعده هو عليعليه‌السلام ، فلذا كان بريدة من المتخلّفين عن بيعة أبي بكر:

قال في ( روضة الصّفا ) ما حاصله معرّباً: « وذكر صاحب الغنية عن بعضهم أنه كان بيد بريدة بن الحصيب الأسلمي راية، فدخل المدينة ونصبها على باب علي، فلمـّا علم عمر بن الخطاب بذلك خاطبه بقوله: قد بايع الناس كلّهم أبا بكر فلم تخالف؟ فقال بريدة: إنّا لا نبايع إلّا صاحب هذا البيت، فاجتمع الأصحاب عنده وسألوه عمّا يدعوه إلى أنْ يقول مثل هذه الأقوال، فذكر لهم قصّة ارسال النبي إيّاه وخالد بن الوليد مع علي بن أبي طالب في سرية إلى اليمن، قال: فوالله لم يكن شيء في هذا السفر أبغض إليّ من قرب علي، ولا شيء أحبّ إليَّ من فراقه، فلمـّا قدمنا على رسول الله قال: كيف وجدتم صاحبكم؟ فشكوته لما كنت أجده عليه في قلبي، فتغيّر وجه رسول الله وقال: يا بريدة لا تقع في رجلٍ إنّه لأولى الناس بكم بعدي ».

وقد عرفت في قسم السّند صدور حديث الولاية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جواب بريدة لمـّا شكى عليّاًعليه‌السلام .

فهذا الحديث دليل قطعي - عند بريدة أيضاً - على إمامة عليعليه‌السلام .

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398