تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400
المشاهدات: 113962
تحميل: 4843


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113962 / تحميل: 4843
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 13

مؤلف:
ISBN: 964-319-389-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الرواية الثانية - لما رواه أنس أنّ أبا طلحة سأل رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أيتامٍ ورثوا خمراً ، فقال له : « اهرقها » فقال : أنخلّلها؟ فقال : « لا »(١) وإذا ثبت أنّه محظور ، لم يكن سبباً في الإباحة ، كقتل الصيد في الحرم.

ولأنّه مائع لا يطهر بالكثرة ، فلم يطهر بالصنعة ، كاللبن النجس. ولأنّ ما يقع فيه ينجس ، فلا يمكن طهارة الخمر دونه ، والمطروح فيه لا يحصل فيه الاستحالة ، فهو باقٍ على نجاسته(٢) .

والسؤال وقع عن قضيّة خاصّة ، فجاز أن لا تتخلّل تلك الخمرة. ولا يلزم من تحريم السبب - لو سُلّم تحريمه هنا - تحريم المسبَّب ، فإنّ مَن اصطاد بآلة محرّمة فَعَل محظوراً وكان الصيد حلالاً به. وكذا لو طلّق في الحيض - عندهم - فَعَل سبباً محرّماً ، وحصلت به البينونة. ونظائره كثيرة لا تحصى. وقتل الصيد في الحرم بمنزلة خلق الصيد. والخمريّة المقتضية للتنجيس قد زالت ، فيزول معلولها ، وهو لا تنجيس ، بخلاف لا مقيس عليه. واستحالة الخمر مطهّرة له. والمطروح فيه كالآنية.

فروع :

أ - إذا كانت الخمر في ظرفٍ فَنَقلها من الظلّ إلى الشمس أو من‌ الشمس إلى الظلّ فتخلّلت ، طهرت عندنا.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما ؛ لأنّها لم يخالطها ما يمنعها الطهارة ،

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٣٢٦ / ٣٦٧٥ ، مسند أحمد ٣ : ٥٦٦ / ١١٧٧٩ ، بتفاوت يسير.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٥٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٤ و ٥٧٦ و ٥٧٨ - ٥٧٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢ ، حلية العلماء ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ - ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المغني ١٠ : ٣٣٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٩٠ ، التفريع ١ : ٤١١ ، الاستذكار ٢٤ : ٣١٣ / ٣٦٥١٦ و ٣٦٥١٧ ، و ٣١٥ / ٣٦٥٢٨.

١٤١

بخلاف المطروح فيها.

والثاني : أنّها لا تحلّ ؛ لأنّ ذلك فعْلٌ محظور(١) .

وهو ممنوع ، وينتقض بما إذا أمسكها حتى تخلّلت ، فإنّ إمساكها لا يجوز ، وإذا تخلّلت في يده حلّت.

ب - لو طرح فيها شيئاً نجساً غير الخمر فانقلبت خَلّاً أو عالجها الذمّي أو لمسها حال الخمريّة فانقلبت خَلّاً ، لم تطهر بالانقلاب ؛ لأنّ نجاسة المطروح لم تكن بسبب الخمر ولا بسبب ملاقاته إيّاها ، بل بنجاسةٍ لا تطهر بالانقلاب ، فلا يطهر ما طُرح فيه بالانقلاب. ولا فرق بين أن تكون نجاسته ذاتيّةً أو عرضيّة.

وربما خطر لبعض مَنْ(٢) لا مزيد تحصيلٍ له الطهارةُ ؛ لأنّ النجاسة الواحدة ، وحالة الخمريّة العينُ نجسة ، فإذا لاقتها نجاسة اُخرى ، لم يزد أثر التنجيس فيها ، فإذا انقلب خَلّاً ، طهرت مطلقاً.

وهو غلط ؛ لأنّ النجاسات متفاوتة في قبول التطهير وعدمه وفي سبب التطهير.

ج - حكى الجويني عن بعض الشافعيّة جوازَ تخليل المحترمة ؛ لأنّها غير مستحقّة للإراقة(٣) .

لكنّ المشهور عندهم عدم الفرق بين المحترمة وغيرها في تحريم التخليل(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١١٥ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ١٨٨ ، حلية العلماء ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

(٢) لم نتحقّقه.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢.

١٤٢

د - لا فرق بين الطرح بالقصد وبين أن يتّفق من غير قصد كطرح الريح في إباحته وطهارته مع الانقلاب.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : لا فرق بينهما في التحريم ، وعدم الطهارة.

والثاني : الفرق(١) .

والخلاف مبنيّ على أنّ المعنى تحريم التخليل أو نجاسته المطروح فيه. والأظهر عندهم : أنّه لا فرق(٢) .

هذا إذا كان المطرح في حالة التخمير ، أمّا إذا طرح في العصير بصلاً أو ملحاً واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه إذا تخلّل ، كان طاهراً ؛ لأنّ ما لاقاه إنّما لاقاه قبل التخمير ، فيطهر بطهارته كأجزاء الدَّنِّ.

والثاني : لا ؛ لأنّ المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمرّ نجاسته ، بخلاف أجزاء الدّنِّ ؛ للضرورة(٣) .

ه- لو طرح العصير على الخَلّ وكان العصير غالباً ينغمر الخلّ فيه عند الاشتداد ، طهر إذا انقلب خَلّاً ؛ لزوال المقتضي للنجاسة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه لا يطهر(٤) .

ولو كان الغالب الخَلّ وكان يمنع العصير من الاشتداد ، فلا بأس به ، وبه قال الشافعيّة(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢‌.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

١٤٣

مسألة ١٢٠ : قد بيّنّا أنّه يجوز إمساك الخمر المحترمة إلى أن تصير خَلّاً ، وهو قول الشافعيّة(١) . والتي لا تُحترم تجب إراقتها ، لكن لو لم يرقها حتى تخلّلت ، طهرت عندنا أيضاً - وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) - لأنّ النجاسة والتحريم إنّما ثبتا للشدّة وقد زالت.

وعن الجويني عن بعض الخلافيّين أنّه لا يجوز إمساك الخمر المحترمة ، بل يُضرب عن العصير إلى أن يصير خلاًّ ، فإن اتّفقت منّا اطّلاعة وهو خمر ، أرقناه(٣) .

وقال بعضهم : لو أمسك غير المحترمة حتى تخلّلت ، لم تحل ولم تطهر ؛ لأنّ إمساكها حرام ، فلا يستفاد به نعمة ، فإذا عادت الطهارة بالتخلّل ، تطهر أجزاء الظرف أيضاً ؛ للضرورة(٤) .

وقال بعضهم : إن كان الظرف بحيث لا يشرب شيئاً من الخمر كالقوارير طهر ، وإن كان ممّا يشرب ، لم يطهر(٥) .

وكما يطهر الملاقي بعد التخلّل يطهر ما فوقه الذي أصابته الخمر في حال الغليان.

واعلم أنّ بعض الشافعيّة تردّد في بيع الخمر المحترمة بناءً على‌ التردّد في طهارتها مع الانقلاب(٦) .

والحقّ عندنا : التحريم.

والعناقيد التي استحالت أجزاءٌ من حبّاتها خمراً يجوز بيعها ،

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ - ٣١٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

١٤٤

ولا يقصد(١) بيع الحبّات التي استحالت.

وللشافعيّة وجهان في جواز بيعها ، أعني بيع الحبّات التي استحالت اعتماداً على طهارة ظاهرها في الحال ، وتوقّع فائدتها في المآل(٢) .

وطردوا الوجهين في البيضة المستحيل باطنها دماً(٣) .

والحقّ عندنا المنع.

مسألة ١٢١ : لو رهنه عصيراً فصار خمراً قبل الإقبال ، بطل الرهن على ما بيّنّا ، وكان للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

وإن صار خمراً بعد القبض ، خرج من الرهن ، ولا خيار للمرتهن.

فإن اختلفا فقال المرتهن : قبضتُه وهو خمر ، وقال الراهن : بل قبضتَه وهو عصير ، وإنّما صار خمراً في يدك فالأقوى تقديم قول المرتهن - وبه قال الشيخ(٤) ، وأبو حنيفة ، وهو أحد قولي الشافعي(٥) لأنّ مَن في يده مالٌ لغيره فالقول قوله في صفته ، كالغاصب والمستعير وغيرهما. ولأنّ المرتهن ينكر أن يكون قد قبض رهناً ، والقول قوله مع عدم الرهن.

والقول الثاني للشافعي : إنّ القول قول الراهن ؛ لأنّهما اتّفقا على العقد والتسليم واختلفا في صفة المقبوض ، فكان القول قول الذي سلّم ، كالبائع والمشترى إذا اختلفا في العيب ويمكن حدوثه عند كلّ واحدٍ منهما ، فإنّ القول قول البائع(٦) .

____________________

(١) في « ج » : « ولا يجوز » بدل « لا يقصد ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٨.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٤ ، الخلاف ٣ : ٢٤٠ ، المسألة ٣٥.

(٥ و ٦ ) مختصر المزني : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.

١٤٥

فأمّا الغاصب والمستعير فإنّ القول قولهما فيما يغرمان ؛ لأنّ القول قول الغارم ، لأنّه مدّعى عليه ، وهنا المرتهن يثبت لنفسه خياراً في العقد بذلك ، فهو بمنزلة المشتري.

أمّا لو اختلفا في العقد فقال المرتهن : رهنتنيه خمراً وقبضتُه خمراً ، وقال الراهن : بل رهنتكه عصيراً وقبضتَه عصيراً ، قال بعض الشافعيّة : القول قول المرتهن في هذه قولاً واحداً ؛ لأنّه ينكر العقد.

وقال آخَرون منهم : فيها القولان ؛ لأنّه معترف بحصول عقدٍ وقبض ، وإنّما يدّعي صفةً في المعقود عليه ، والأصل عدمها(١) .

ولو صار العصير خمراً في يد الراهن قبل القبض ، بطل الرهن ، فإن عاد خَلّاً ، لم يعد ، ويخالف إذا كان بعد القبض ؛ لأنّ الرهن قد لزم وقد صار تابعاً للملك.

فأمّا إذا اشترى عصيراً فصار خمراً في يد البائع وعاد خَلّاً ، فسد العقد ، ولم يعد ملك المشتري لعوده خَلّاً.

والفرق بينه وبين الرهن أنّ الرهن عاد تبعاً لملك الراهن ، وها هنا يعود ملك البائع ؛ لعدم العقد، ولا يصحّ أن يتبعه ملك المشتري.

مسألة ١٢٢ : لو جنى العبد المرهون قبل القبض‌ وتعلَّق الأرشُ برقبته‌ وقلنا : رهن الجاني ابتداءً فاسد ، ففي بطلان الرهن للشافعيّة وجهان ؛ إلحاقاً للجناية بتخمير العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد ، وهذه الصورة أولى بأن لا يبطل الرهن فيها ؛ لدوام الملك

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.

١٤٦

في الجاني ، بخلاف الخمر(١) .

ولو أبق العبد المرهون قبل القبض ، قال الجويني : يلزم على سياق ما سبق تخريج وجهين فيه ؛ لانتهاء المرهون إلى حالة يمتنع ابتداء الرهن فيها(٢) .

الشرط الثالث : أن يكون المرهون ممّا يمكن إثبات يد المرتهن عليه ، فلو رهن عبداً مسلماً عند كافر أو رهن مصحفاً عنده ، فالأقرب : المنع ؛ لما فيه من تعظيم شأن الإسلام والكتاب العزيز ، ومن نفي السبيل على المؤمن ، فإنّ إثبات يد المرتهن سبيلٌ عليه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّه على القولين في بيعه منه إن صحّحنا البيع ، صحّ الرهن ، ويوضع على يد مسلمٍ؛ لأنّ إزالة الرهن لا يمكن إلّا بفسخه.

والثاني : القطع بجوازه ؛ لأنّه لا ملك للكافر فيه ولا انتفاع ، وإنّما هو مجرّد استيثاق ، بخلاف البيع ؛ لأنّ في التملّك نوعَ إذلال ، وهذا إنّما هو استيثاق به ، وإنّما الذلّ بكونه تحت يده ، فإذا أخرجناه من يده ، جاز(٣) .

ورهن السلاح من الحربي يترتّب على بيعه منه.

وفي رهن كتب أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والفقه الخلافُ بين الشافعيّة(٤) ، المتقدّم.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٧.

١٤٧

ويجوز أن يرهن عند الكافر ما سوى ذلك ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي(١) .

وهل يصحّ رهن المصحف عند المسلم؟ إن قلنا بجواز بيعه ، صحّ ، وإلّا فلا.

وعن أحمد روايتان ، إحداهما : الصحّة ، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٢) .

مسألة ١٢٣ : يجوز رهن الجواري والعبيد ؛ لأنّهم أموال يستوثق بهم الدَّيْن ، فجاز رهنهم كغيرهم.

ولا فرق بين الجارية الحسناء وغيرها ، وسواء كانت الجارية الحسناء مَحْرماً للمرتهن أو غير مَحْرم ، وسواء كان المرتهن عَدْلاً أو فاسقاً على كراهية فيه.

ولا فرق بين أن تكون الجارية صغيرةً لا تشتهي بَعْدُ ، أو كبيرةً تشتهي ؛ للأصل ، والعمومات.

وقال بعض الشافعيّة روايةً : إنّه لا يجوز رهن الجارية الحسناء إلّا أن تكون مَحْرماً للمرتهن(٣) .

والمذهب المشهور عندهم : الجواز مطلقاً(٤) .

ثمّ إن كانت صغيرةً لا تشتهي بَعْدُ ، فهي كالعبد يجوز رهنها وإن كانت كبيرةً تشتهي ، فإن رهنت من مَحْرم أو امرأة ، جاز. وإن رهنت من

____________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ٣٧.

(٢) المغني ٤ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٢ - ٤١٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٣.

١٤٨

رجلٍ بالغ أو أجنبيّ ، فإن كان ثقةً وعنده زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهنّ من المقاربة لها ، جاز أيضاً ، وإلّا وُضعت عند مَحْرمٍ لها أو امرأة ثقة أو عدْل بالصفة المذكورة في المرتهن.

ولو شرط وضعها عند غير مَنْ ذكرنا ، فهو شرط فاسد عندهم ؛ لما فيه من الخلوة بالأجنبيّة ، وخوف الفتنة(١) .

وألحق الجويني بالصغيرة [ الخسيسةَ ](٢) مع دمامة(٣) الصورة(٤) .

والفرق بيّنٌ بينهما عند الباقين(٥) .

ولو كان المرهون خنثى ، فهو كما لو كان جاريةً إلاّ أنّه لا يوضع عند المرأة.

الشرط الرابع : أن يكون المرهون ممّا يصحّ بيعه عند حلول الدَّين ؛ لأنّ الغاية التي وضعها الشارع في الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة ، فلا بُدَّ وأن يكون قابلاً للبيع ليصرف ثمنه في دَيْن المرتهن ، فكلّ ما لا يصحّ بيعه لا يجوز رهنه ، فلا يجوز رهن الحُرّ واُمّ الولد‌ والمكاتَب والوقف وغير ذلك ممّا يمتنع شرعاً بيعه.

مسألة ١٢٤ : لعلمائنا قولان في جواز التفرقة بين الاُمّ وولدها الصغير

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة : « الصغيرة الجثّة ». وفي « ث ، ج » : و ظاهر « ر » « الحسنة ». وفي « روضة الطالبين » : كما أثبتناه. وفي « العزيز شرح الوجيز » : « الحسنة الخسيسة ». وفي الطبعة الحجريّة منه - فتح العزيز ١٠ : ٦ - : « الحسنة » فقط. والظاهر ما أثبتناه. وفي العين - للخليل - ٤ : ١٣٥ « خس » وامرأة مستخسّة ، أي : قبيحة الوجه محقورة ، اشتُقّت من الخسيس ، أي القليل.

(٣) الدمامة : القِصَر والقبح. لسان العرب ١٢ : ٢٠٨ « دمم ».

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤.

١٤٩

بالبيع وشبهه ، فَمَنعه البعض وكرهه آخَرون ، وقد تقدّم(١) القولان.

والشافعيّة وإن حرّموا التفريق ففي إفساد البيع عندهم قولان(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز عندنا وعندهم(٣) رهن الجارية دون الولد الصغير ؛ لأنّ الرهن لا يزيل الملك ، فيحصل بذلك تفرقة بينهما ، وإنّما هي ملكٌ للراهن له الانتفاع بها وتسليم ولدها إليه. ولأنّ الجارية المرهونة لو ولدت في يد المرتهن ، كان ولدها غير مرهون وهي مرهونة ، فكذا في الابتداء.

قال الشافعي : إنّ ذلك ليس تفرقةً بين الاُمّ وولدها(٤) .

واختلف في معناه.

فقال بعضهم : إنّ الرهن لا يوجب تفرقةً ؛ لأنّ الملك فيهما باقٍ للراهن والمنافع له ، فيمكن أن يأمرها بتعهّد الولد وحضانته ، وإذا كان كذلك ، وجب تصحيح الرهن ، ثمّ ما يتّفق من بيعٍ وتفريقٍ فهو من ضرورة إلجاء الراهن إليه.

وقال بعضهم : معناه أنّه لا تفرقة في الحال ، وإنّما التفرقة تقع عند‌ البيع ، وحينئذٍ يحترز منها بأن يبيعهما معاً.

والقائل الأوّل لا يبالي بإفراد أحدهما بالبيع إذا وقعت الحاجة إلى

____________________

(١) في ج ١٠ ، ص ٣٣١ - ٣٣٥ ، المسألة ١٥٠ والفرع « ه‍ـ » منها.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٠ و ٣٦١ ، الوجيز ١ : ١٣٩ و ١٦٠ ، الوسيط ٣ : ٦١، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ و ٤٤٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٩ ، و ١٤ : ٢٤٤ - ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٣ و ٢٨٥.

(٣) مختصر المزني : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ ٣١٦ ، الوجيز ١ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥.

١٥٠

البيع. والأصحّ عندهم : الثاني(١) .

إذا ثبت هذا ، فإذا حلّ الحقّ وأراد بيع الجارية ، فإن كان قد تمّ للولد سبع سنين فما زاد ، جاز بيعها دونه إجماعاً ؛ لأنّ بلوغ هذا السنّ يجوز معه التفريق.

وإن كان له أقلّ من ذلك ، فالأقرب : بيعهما معاً وهو أحد قولي الشافعيّة -(٢) لأنّ الجمع بينهما في العقد ممكن ، بخلاف ما إذا ولدت من الراهن ، فإنّها تباع منفردةً عن الولد ؛ لأنّ الولد حُرٌّ لا يمكن بيعه. فإذا بِيعا معاً بِيعا صفقةً واحدة ؛ لئلّا يقع التفريق ؛ للنهي عنه ، ويتعلّق حقّ المرتهن من الثمن بقدر قيمة الجارية ، فيقال : كم قيمة هذه الجارية ذات الولد دون ولدها؟ فيقال : مائة ، ويقال : كم قيمة الولد؟ فيقال : خمسون ، فتكون حصّة الجارية ثلثي الثمن المسمّى في العقد.

قال بعض الشافعيّة : ينبغي أن نُقدّم على كيفيّة توزيع الثمن مسألةً هي أنّه إذا رهن أرضاً بيضاء ثمّ نبت فيها نخل ، فلها حالتان :

إحداهما : أن يرهن الأرض ثمّ يدفن فيها النوى أو يحمل السيل أو الطير النوى إليها فتنبت ، فهي للراهن ، ولا يُجبر في الحال على قلعها ؛ لإمكان أن يؤدّي الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فإذا دعت الحاجة إلى بيع الأرض ، نُظر فإن قام ثمن الأرض - لو بِيعت وحدها - بالدَّيْن ، بِيعت وحدها ولم‌ يقلع النخل ، وكذا لو لم يف به ، إلّا أنّ قيمة الأرض وفيها الأشجار كقيمتها بيضاء.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥.

(٢) اُنظر : حلية العلماء ٤ : ١٢٢ - ١٢٣ ، والمغني ١٠ : ٤٦٠ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٠٩.

١٥١

وإن لم يف به ونقصت قيمتها بالأشجار ، فللمرتهن قلعها لتباع الأرض بيضاء ، إلّا أن يأذن الراهن في بيعها مع الأرض ، فيُباعان ويُوزّع الثمن عليهما.

هذا إذا لم يكن الراهن محجوراً عليه بالإفلاس ، فإن كان كذلك ، فلا قلع بحالٍ ؛ لتعلّق حقّ الغرماء بها ، بل يُباعان ويُوزّع الثمن عليهما ، فما يقابل الأرض يختصّ به المرتهن ، وما يقابل الأشجار يُقسّم بين الغرماء. فإن انتقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار ، حُسب النقصان على الغرماء ؛ لأنّ حقّ المرتهن في أرضٍ فارغة ، وإنّما مُنع من القلع لرعاية جانبهم ، فلا يهمل جانبه بالكلّيّة.

الحالة الثانية : أن تكون النوى مدفونةً في الأرض يوم الرهن ثمّ نبتت ، فإن كان المرتهن جاهلاً بالحال ، فله الخيار في فسخ البيع الذي شُرط فيه هذا الرهن ، فإنّ استحقاق بقاء الأشجار في الأرض عيب فيها يوجب الخيار ، فإن فسخ فلا بحث ، وإن لم يفسخ ، فهو بمنزلة العالم ، فلا خيار له.

وإذا بِيعت الأرض مع النخل ، وُزّع الثمن عليهما.

والمعتبر في الحالة الاُولى قيمة أرضٍ فارغة ، وفي الثانية قيمة أرضٍ مشغولة ؛ لأنّها كانت كذلك يوم الرهن.

وفي كيفيّة اعتبار قيمة الأشجار وجهان نقلهما الجويني في الحالتين :

أظهرهما : أنّ الأرض تُقوّم وحدها ، فإذا قيل : قيمتها مائة ، قُوّمت مع الأشجار ، فإذا قيل : مائة وعشرون ، فالزيادة بسبب الأشجار عشرون هي‌ سدس المائة والعشرين ، فيراعى في ثمنها نسبة الأسداس.

والثاني : أنّه كما قُوّمت الأرض وحدها تُقوّم الأشجار وحدها ثانياً ،

١٥٢

فإذا قيل : قيمتها خمسون ، عرفنا أنّ النسبة بالأثلاث.

وفي المثال المذكور لإيضاح الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصةً بسبب الاجتماع ؛ لأنّا فرضنا قيمتها وحدها مائةً ، وقيمة الأشجار وحدها ثابتةً خمسون(١) ، وقيمة المجموع مائة وعشرون.

إذا عرفت هذا ، فلنعد إلى مسألة الاُمّ والولد ، فإذا بِيعا معاً وأردنا التوزيع ، قال الجويني : فيه طريقان :

أحدهما : أنّ التوزيع عليهما كالتوزيع على الأرض والأشجار ، فتُعتبر فيه قيمة الاُمّ وحدها. وفي الولد الوجهان.

والثاني : أنّ الاُمّ لا تُقوَّم وحدها ، بل تُقوَّم مع الولد خاصّةً ؛ لأنّها رهنت وهي ذات ولد ، والأرض بالا أشجار(٢) وكذا أورده أكثر الشافعيّة.

أمّا لو رهنها حائلاً ثمّ حملت بالولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو زنا وبِيعا معاً ، فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها ، فتُقوَّم خاليةً من ولد ، ويُقوَّم الولد ، ويُنظر حصّتها من الثمن ، فيكون للراهن(٣) .

والفرق بين المسألتين أنّ في الاُولى رضي بكونها اُمّ ولد فقُوّمت اُمّ ولد ، وفي الثانية لم يرض بكونها اُمّ ولد.

فإن قيل : هذا الولد حدث في يد المرتهن ، وإذا كان ذلك حادثاً في‌ يده ، كان بمنزلة ما رضي به ، كما لو حدث فيه نقص وعيب.

قلنا : إنّ ذلك لا يجري مجرى النقص الحادث لتلف جزء من

____________________

(١) في « ث ، ج ، ر » : « ثمانية وخمسون ». وفي الطبعة الحجرية بدون الواو ، بدل « ثابتةً خمسون ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) في « ث ، ر » الطبعة الحجريّة « بالأشجار » بدل « بلا أشجار ». وكلاهما ساقط في « ج ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤: ٤٤٣ - ٤٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥ - ٢٨٦.

١٥٣

الرهن ؛ لأنّ التالف مضمون عليه بسقوط حقّ الوثيقة ، وفي مسألتنا الرهن بحاله ، وهذه الزيادة للراهن يقتضي وجوده نقصان قيمة الاُمّ لبيعه معها ، فإذا لم يرض به لم يلزمه حكمه.

مسألة ١٢٥ : إذا رهن شيئاً رطباً يسرع إليه الفساد ، نُظر فإن كان يمكن استصلاحه وتجفيفه كالرطب والعنب ، صحّ رهنه ، ويجب على الراهن تجفيفه واستصلاحه ؛ لأنّ ذلك من مؤونة حفظه وتبقيته ، فكانت عليه ، كنفقة الحيوان المرهون.

فإن كان ممّا لا يمكن استصلاحه كالثمرة التي لا تجفّف والبقول والطبائخ والريحان وما أشبه ذلك ، نُظر فإن كان الدَّيْن حالّاً أو يحلّ قبل فساده ، صحّ رهنه ؛ لأنّ المقصود منه يمكن حصوله.

ثمّ إن بِيع في الدَّيْن أو قُضي الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فذاك ، وإلّا بِيع وجُعل الثمن رهناً لئلّا يضيع ، ولا تفوت الوثيقة.

فلو تركه المرتهن حتى فسد ، ضمن إن أمكن رَفْعُ أمره إلى الحاكم ولم يفعل.

ولو تعذّر الحاكم ، فإن نهاه الراهن عن البيع ، لم يضمن ، وإلّا احتمل الضمان.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان الراهن أذن له في بيعه ، ضمن ، وإلّا لم يضمن(١) .

وإن كان الرهن على دَيْنٍ مؤجَّلاً ، فأحواله ثلاثة :

أ : أن يعلم حلول الأجل قبل فساده ، فهو بحكم الرهن على الدَّيْن

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٧.

١٥٤

الحالّ.

ب : أن يعلم عكسه ، فإن شرط في الرهن بيعه عند الإشراف على الفساد وجَعْل ثمنه رهناً ، صحّ ، ولزم الوفاء بالشرط.

وإن شرط أن لا يُباع بحال قبل حلول الأجل ، فهو فاسد ويُفسد الرهن ؛ لمناقضته مقصود الاستيثاق.

وإن أطلق العقد ولم يشترط البيع ولا عدمه ، فالأقرب : الجواز ، ويُجبر على بيعه ؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك ؛ لأنّ المالك للشي‌ء لا يعرضه للتلف والهلاك ، بل يبيعه ، فيحمل مطلق العقد عليه، كما على الاستصلاح ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والقول الثاني : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الإجبار على البيع إجبار على إزالة ملكه وبيع الرهن قبل حلول الأجل ، وذلك لا يقتضيه عقد الرهن ، فلم يجب وإذا ثبت أنّ البيع لا يُجبر عليه ، فالمرهون لا يمكن(١) استيفاء الحقّ منه ، فلم يصح عقد الرهن ، كما لو رهن عبداً علّق عتقه بشرطٍ يُوجد قبل المحلّ(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ في ترك بيعه إضراراً مّا بالمالك والمرتهن معاً ، وفي بيعه إحسان إليهما ؛ لاشتماله على مصلحتهما ، فوجب البيع حفظاً للحقّين.

وما اخترناه أوّلاً هو الصحيح - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٣) - كما لو

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة :: « لا يملك » بدل « لا يمكن ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٧ - ٢٨٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦.

١٥٥

شرط ، فإنّ الظاهر أنّه لا يقصد فساد ماله ، فصار كالمأذون فيه.

ج : أن لا يُعلم واحد من الأمرين وكانا محتملين ، ففي جواز الرهن المطلق قولان مرتَّبان على القولين في القسم الثاني. والصحّة هنا أظهر.

تذنيب : لو رهن ما لا يسرع إليه الفساد فطرأ ما عرّضه للفساد قبل حلول الأجل ، كما لو ابتلّت الحنطة وتعذّر التجفيف ، لم ينفسخ الرهن بحالٍ وإن منع الصحّةَ في الابتداء على قولٍ للشافعيّة(١) ، كما أنّ إباق العبد يمنع صحّة العقد ، وإذا طرأ لم يوجب الانفساخ.

ولو طرأ ذلك قبل قبض الرهن ، ففي الانفساخ للشافعيّة وجهان(٢) ، كما في عروض الجنون والموت. وإذا لم ينفسخ يُباع ويُجعل الثمن رهناً مكانه.

مسألة ١٢٦ : المرتدّ إمّا أن يكون عن فطرة أو لا عن فطرة ، والأوّل يجب قتله في الحال ، ولا تُقبل توبته ، عند علمائنا. والثاني تُقبل توبته ، ولا يجب قتله في الحال إلّا بعد الامتناع من التوبة عند الاستتابة.

إذا عرفت هذا ، فلو ارتدّ العبد ، فالأقرب : أنّ الردّة إن كانت عن فطرةٍ ، لم يصح رهنه ؛ لأنّه في كلّ آن يجب إعدامه شرعاً ، ويتعيّن إتلافه ، فانتفت غاية الرهن فيه ، وهي التوثيق. وإن لم يكن عن فطرة ، صحّ رهنه ؛ لأنّ الردّة لا تزيل الملك.

والعامّة أطلقوا وقالوا : يصحّ رهن المرتدّ ، كما يصحّ بيعه(٣) ؛ لبقاء‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٢ ، الوجيز ١ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦ ، الوسيط ٣ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٨.

١٥٦

الملك مع الردّة ، وإنّما يعرّضه للإتلاف ، فهو بمنزلة المريض المدنف.

وإذا ثبت هذا ، فإذا رهنه فإن كان المرتهن عالماً بالردّة ، لم يكن له ردّه ، ولا يثبت له خيار في البيع الذي شرط رهنه فيه.

ثمّ يُنظر فإن عاد إلى الإسلام وتاب ، فقد زال العيب. وإن قُتل بالردّة في يد المرتهن ، لم يثبت للمرتهن خيار فسخ البيع المشروط رهنه فيه ؛ لأنّ القتل حصل في يده بسبب الردّة وقد رضي بها، فهو بمنزلة أن يرهنه مريضاً فيُعلمه بمرضه ثمّ يموت منه في يده.

لا يقال : الفرق ظاهر ؛ فإنّ المريض تلف بتزايد المرض في يد المرتهن.

لأنّا نقول : والمرتدّ قُتل بإقامته على الردّة في يد المرتهن ، ولأنّه وإن قُتل بما كان في يد البائع إلّا أنّه لا يصحّ الرضا به ، وهذا مذهب الشافعي(١) .

وقيل : إنّه كالمستحقّ(٢) ، فعلى هذا يثبت الخيار في البيع.

فأمّا إذا لم يعلم المرتهن حال الرهن بردّته ثمّ علم بعد ذلك قبل أن يُقتل ، فله الخيار في البيع المشروط رهنه فيه ، فإن قُتل قبل القبض ، فله فسخ البيع ، وإن قُتل بعده ، كان الحكم فيه كما لو رهنه وهو عالم بردّته.

وأمّا إن قُتل قبل أن يعلم بردّته ، قال أبو إسحاق من الشافعيّة : إنّه بمنزلة المستحقّ ، ويثبت الخيار للمرتهن(٣) .

____________________

(١) الاُمّ ٣ : ١٥١.

(٢) اُنظر : الحاوي الكبير ٦ : ٨٢.

(٣) اُنظر : الحاوي الكبير ٦ : ٨٣.

١٥٧

وقال آخَرون : إنّه بمنزلة العيب ، ولا يثبت للمشتري الخيار في الرهن(١) .

والشافعي قال هنا : إنّه بمنزلة المستحقّ(٢) ، فجَعَله مع العلم بمنزلة العيب ، ومع عدم العلم بمنزلة الاستحقاق ؛ لأنّه هلك بسببٍ كان موجوداً حال العقد ولم يرض به ، ولا يلزم المريض ؛ لأنّه تلف بسببٍ حادث.

قال أصحابه : إن قلنا بقوله وقول أبي إسحاق ، ثبت للمرتهن الخيارُ في البيع. وإن قلنا بقول الآخَرين ، فلا يثبت له الخيار ولا المطالبة بالأرش إن يكون رهناً.

ويفارق البيع حيث قلنا على هذا الوجه : إنّه يرجح بأرش العيب ؛ لأنّ الرهن لا يلزم إلّا فيما حصل فيه القبض ، بخلاف البيع ، فما لم يسلمه إليه من صفات الرهن لا يمكنه المطالبة به ، ولا يثبت له الخيار لفقده ؛ لأنّه قد تلف الرهن في يده وتعذّر عليه ردّه ، والرهن مضمون على المرتهن بحقّ الوثيقة(٣) .

وقال الشافعي في الاُمّ : ولو أنّه(٤) دلّس فيه بعيب وقبضه فمات في يده موتاً قبل أن يختار فسخ البيع ، لم يكن له خيار الفسخ لما فات من الرهن(٥) .

مسألة ١٢٧ : يصحّ رهن العبد الجاني ، سواء كانت الجناية عمداً أو

____________________

(١) اُنظر : الحاوي الكبير ٦ : ٨٣.

(٢) الاُم ٣ : ١٥١.

(٣) لم نعثر على نصّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « وبه قال الشافعي في الاُم. ولأنّه ». وفي «ث ، ج ، ر » : « وبه قال الشافعي في الاُم. ولو أنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) الام ٣ : ١٥١.

١٥٨

خطأً.

والشافعيّة رتّبوا حكم رهنه على بيعه ، فإن قالوا بأنّه لا يصحّ بيعه ، فرهنه أولى. وإن صحّ ، ففي رهنه قولان. وفرّقوا بينهما بأنّ الجناية العارضة في دوام الرهن تقتضي تقديم حقّ المجنيّ عليه ، فإذا وُجدت أوّلاً ، منعت‌ من ثبوت حقّ المرتهن(١) .

وللشافعيّة ثلاث طرق :

أحدها : إن كان القتل خطأً ، لم يصح قولاً واحداً. وإن كان عمداً ، فعلى القولين.

والثاني : أنّه إن كان عامداً ، صحّ قولاً واحداً. وإن كان خطأً ، فعلى قولين.

والثالث : أنّه على قولين ، عمداً كان أو خطأً. وقد مضى توجيه ذلك في البيع. فإذا قلنا : إنّه يصحّ الرهن ، فالحكم فيه كما ذكرنا في المرتدّ سواء(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن لم يصحّ الرهن ففداه السيّد أو أسقط المجنيّ عليه حقَّه ، فلا بدّ من استئناف رهن.

وإن صحّحناه ، قال بعضهم : إنّه يكون مختاراً للفداء ، كما سبق في البيع(٣) .

وقال بعضهم : لا يلزمه الفداء ، بخلاف ما في البيع والعتق ؛ لأنّ محل الجناية باقٍ هنا ، والجناية لا تنافي الرهن ، ألا ترى أنّه لو جنى وهو مرهون

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٤٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٤ و ٣١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٧.

١٥٩

تتعلّق الجناية به ، ولا يبطل الرهن(١) .

وإن صحّحنا الرهن والواجب القصاص ومنعناه والواجب المال فرهن والواجب القصاص ثمّ عفا المستحقّ على مال ، فيبطل الرهن من أصله أو‌هو كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يُبَع في الجناية؟ فيه للشافعيّة وجهان(٢) .

وإذا قيل به(٣) ، فلو كان قد حفر بئراً في محلّ عدوان فتردّى فيها بعد ما رهن إنسان ، ففي تبيّن الفساد وجهان. الفرق أنّه في الصورة الاُولى رهن وهو جانٍ ، وهنا بخلافه(٤) .

تذنيب : لو رهن عبداً سارقاً أو زانياً ، صحّ الرهن ، ويكون ذلك بمنزلة العيب على ما بيّنّاه.

وإن كان قد قَتل في قطع الطريق ، فإن كان قبل قدرة الإمام عليه ، صحّ على أحد القولين ؛ لأنّه تصحّ منه التوبة. وإن كان بعد القدرة ، لم يصح ؛ لأنّ قتله متحتّم.

تذنيبٌ آخَر (٥) : قد بيّنّا أنّ للشافعيّة ثلاث طرق في رهن الجاني ، وأنّ منهم مَنْ يقول في ذلك قولان ، فإذا قلنا فيها قولان ، فرّعنا عليه إذا قلنا : يصحّ الرهن ، كانت الجناية مقدّمةً عليه ، فإن بِيع فيها جميعه ، بطل الرهن. وإن بِيع بعضه ، وبقي الباقي رهناً.

لا يقال : إذا صحّحتم الرهن فألا ألزمتموه الفداء كما إذا أعتقه وصحّحتم عتقه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٧.

(٢ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٠.

(٣) الضمير في « به » راجع إلى الوجه الأوّل ، وهو بطلان الرهن من أصله.

(٥) كلمة « تذنيب » لم ترد في « ث ، ج ، ر».

١٦٠