تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء5%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132811 / تحميل: 5473
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

والثاني : أنّه لا يبطل بموت المرتهن ، ويبطل بموت الراهن.

ولأصحابه طُرق :

أحدها : أنّ في موتهما قولين نقلاً وتخريجاً :

أحدهما : أنّه يبطل بموت كلّ واحدٍ منهما ؛ لأنّه عقد جائز ، والعقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين.

وثانيهما : لا يبطل ؛ لأنّ مصيره إلى اللزوم.

والثاني تقرير القولين ، وفرّقوا بأنّ المرهون بعد موت الراهن ملك الورثة ومتعلّق حقّ الغرماء إن كان له غريمٌ آخَر ، وفي استيفاء الرهن(١) إضرار بهم ، وفي صورة موت المرتهن يبقى الدَّيْن كما كان ، وإنّما ينقل الاستحقاق فيه إلى الورثة ، وهُم يحتاجون إلى الوثيقة مورّثهم.

والثالث : القطع بعدم البطلان ، سواي مات الراهن أو المرتهن.

وإذا أثبتنا الرهن ، قام ورثة الراهن مقامه في الإقباض ، وورثة المرتهن مقامه في القبض(٢) .

ثمّ اختلف أصحابه في موضع القولين.

فقال بعضهم : موضعهما رهن التبرّع ، فأمّا الرهن المشروط في البيع فإنّه لا يبطل بالموت قطعاً؛ لتأكّده بالشرط ، واقترانه بالبيع اللازم ، فلا يبعد أن يكتسب منه صفة اللزوم.

وقال بعضهم : بل القولان جاريان في النوعين(٣) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الراهن » بدل « الرهن ». والصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

٢٠١

مسألة ١٤٧ : لو جُنّ أحد المتعاقدين أو أُغمي عليه قبل القبض ، فإن لم نجعل القبض شرطاً ، فالرهن لازم بمجرّد العقد. وإن جعلناه شرطاً ، لم يبطل الرهن ؛ لأنّه عقد يؤول إلى اللزوم ، فلم يبطل بجنون أحد المتعاقدين ، كالبيع الذي فيه الخيار ، ويقوم وليّ المجنون مقامه.

فإن كان المجنون الراهنَ وكان الحظّ في التقبيض بأن يكون شرطاً في بيعٍ يتضرّر بفسخه أو غير ذلك من المصالح ، أقبضه. وإن كان الحظّ في تركه ، لم يجز له تقبيضه.

وإن كان المجنون المرتهنَ ، قال بعض العامّة : قبضه وليّه(١) إن اختار الراهن ، وإن امتنع ، لم يُجبر ، فإذا مات ، قام وارثه مقامه في القبض(٢) .

وقالت الشافعيّة : إنّه مرتَّب على الموت ، فإن قلنا : لا يؤثّر الموت ، فالجنون أولى. وإن قلنا : يؤثّر(٣) ، ففي الجنون وجهان(٤) .

فإن قلنا : لا يبطل الرهن ، فإن جُنّ المرتهن ، قبض الرهن مَنْ نصبه‌ الحاكم قيّماً في ماله ، فإن لم يقبض الراهن وكان الرهن مشروطاً في بيع ، فعل ما فيه الحظّ من الفسخ والإجازة.

وإن جُنّ الراهن فإن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ وخاف القيّم فسخ البيع لو لم يسلّمه والحظّ في الإمضاء ، سلّمه. وإن لم يخف أو كان الحظّ في الفسخ ، لم يسلّمه.

وكذا لو كان الرهن رهنَ تبرّعٍ.

____________________

(١) في النسخ الخطيّة و الحجريّة: « إليه » بدل « وليّه ». وذلك خطأ ، والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٨.

(٣) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « مؤثّر ». والأنسب ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

٢٠٢

وينبغي أن يُحمل على ما إذا لم تكن ضرورة ولا غبطة ؛ لأنّه يجوز أن يرهن مال المجنون ابتداءً فالاستدامة أولى.

ولو حُجر على الراهن بفلسٍ قبل التسليم ، لم يكن له تسليمه ؛ لما فيه من تخصيص المرتهن بثمنه ، وليس له تخصيص بعض غرمائه.

وإن حُجر عليه لسفهٍ ، فحكمه حكم ما لو زال عقله بجنون.

وإن اُغمي عليه ، لم يكن للمرتهن قبض الرهن ، وليس لأحدٍ تقبيضه ؛ لأنّ المغمى عليه لا ولاية لأحدٍ عليه.

فإن اُغمي على المرتهن ، لم يكن لأحدٍ أن يقوم مقامه في قبض الرهن أيضاً.

وإن خرس وكانت له كتابة مفهومة أو إشارة مفهومة ، فكالصحيح إن أذن في القبض ، جاز ، وإلّا فلا. وإن لم تكن له إشارة مفهومة ولا كتابة ، لم يجز القبض.

وإن كان أحد هؤلاء قد أذن في القبض أوّلاً ، لم يعتدّ به ؛ لأنّ إذنهم يبطل بما عرض لهم.

مسألة ١٤٨ : ليس للمرتهن قبض الرهن إلّا بإذن الراهن ؛ لأنّه لا يلزمه تقبيضه ، فاعتُبر إذنه في قبضه ، كالواهب.

أمّا في الرهن المتبرّع به : فظاهر.

وأمّا فيما وقع شرطاً في عقدٍ لازم كالبيع وشبهه : فكذلك لا يجب عليه الإقباض ، سواء شرط الإقباض في العقد أو لم يشرط ، بل يتخيّر المرتهن في إجازة العقد المشروط به ، وفسخه ، وليس له إلزام الراهن بالإقباض ، فإن تعدّى المرتهن فقبضه بغير إذنٍ ، لم يثبت حكمه ، وكان بمنزلة مَنْ لم يقبض.

٢٠٣

ولو صدر من الراهن ما يدلّ على الإذن في القبض ، كان بمنزلة الإذن ، وقام مقامه ، مثل أن يرسل العبد إلى مرتهنه ، وردّ ما أخذه من المرتهن إلى يده ، ونحو ذلك ؛ لأنّه دليل على الإذن ، فاكتفي به ، كما لو دعا غيره إلى طعامٍ وقدّمه بين يديه ، فإنّ ذلك يجري مجرى الإذن في تناوله ، كذا هنا.

مسألة ١٤٩ : لو رهن عصيراً وأقبضه فانقلب في يد المرتهن خمراً ، لم نقل : إنّها مرهونة.

واختلفت عبارة الشافعيّة.

فقال بعضهم : يُتوقّف إن عاد خَلّاً ، بانَ أنّ الرهن لم يبطل ، وإلّا ظهر بطلانه(١) .

وقال أكثرهم : يبطل الرهن ؛ لخروج الرهن عن كونه مالاً ، ولا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ؛ لحدوثه في يده(٢) .

ثمّ إن عاد خَلّاً ، يعود الرهن ، كما يعود الملك - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - لأنّه لا يراد ببطلان الرهن اضمحلال أثره بالكلّيّة ، بل ارتفاع‌ حكمه ما دامت الخمريّة.

والثاني : أنّه لا يعود الرهن إلّا بعقدٍ جديد ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

والوجه : الأوّل ؛ لأنّ الرهن تابع للملك ، والملك قد عاد إلى الراهن.

ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها ، لم يطهر ،

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠.

٢٠٤

ولم يدخل في ملك الراهن ولا المرتهن عندنا.

وللشافعي(١) وجهان :

أحدهما : عون الرهن ، كانقلاب الخمر خَلّاً.

وأظهرهما عندهم : عدم العود ؛ لأنّ ماليّته مستندة إلى الصنعة والمعالجة ، وليس العائد ذلك الملك(٢) .

ولو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض ، ففي بطلانَ الرهن البطلان الكلّي للشافعي(٣) وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن وجوازه.

والثاني : لا ، كما لو تخمّر بعد القبض.

وعلى الوجهين لو كان الرهن شرطاً في بيعٍ ، ثبت للمرتهن الخيار ؛ لأنّ الخَلّ أنقص من العصير ، ولا يصحّ الإقباض في حال الشدّة.

فإن فَعَل وعاد(٤) خَلّاً ، فعلى الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ ، وعلى الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ(٥) .

ولو انقلب المبيع خمراً قبل القبض ، فالكلام في انقطاع البيع وعوده‌ إذا عاد خَلّاً كما تقدّم في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة ١٥٠ : لو جنى العبد المرهون قبل القبض وتعلّق الأرش برقبته

____________________

(١ و ٣ ) كذا ، والظاهر : « للشافعيّة ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ١١١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فعاد » بدل « وعاد ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢ - ٣١٣.

٢٠٥

وقلنا : رهن الجاني ابتداءً فاسد ، ففي بطلان الرهن للشافعيّة وجهان ، إلحاقاً للجناية يتخمّر(١) العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد. وهذه الصورة أولى بأن لا يبطل الرهن فيها ؛ لدوام الملك في الجاني ، بخلاف الخمر(٢) .

ولو أبق العبد المرهون قبل القبض ، فللشافعيّة وجهان ؛ لانتهاء المرهون إلى حالة تمنع ابتداءً الرهن فيها(٣) .

مسألة ١٥١ : الخمر قسمان :

خمر محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلّاً ، وإنّما هي محترمة ؛ لأنّ اتّخاذ الخَلّ جائز إجماعاً ، ولا ينقلب العصير إلى الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة ، فلو لم تُحترم واُريقت في تلك الحالة لتعذّر اتّخاذ الخَلّ.

والثاني : خمر غير محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ تخليل الخمر بالأجسام الطاهرة جائز ، كطرح العصير أو الخَلّ أو الخبز أو غيرها - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ المقتضي للتخليل - وهو زوال الخمريّة - موجود ، والمانع - وهو طرح شي‌ء فيها - لا يصلح للمانعيّة ، وإلّا لما طهرت ألبتّة ؛ لأنّ الآنية تنجس بملاقاتها ، فلو

____________________

(١) في « ث ، ج » و « العزيز شرح الوجيز » : « بتخمير ».

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢٤ : ٢٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١١٣ - ١١٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١١٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٤ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٣٣٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١.

٢٠٦

انفعلت الخمر بنجاستها(١) لم تطهر ، وهو باطل بالإجماع.

وقال الشافعي : إنّ تخليل الخمر بطرح العصير أو الخَلّ أو الخبز الحارّ أو غيرها حرام ، والخَلّ الحاصل نجس - وبه قال أحمد ، وعن مالك روايتان كالمذهبين - لأنّ أنساً قال : سُئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتُتّخذ الخمر خَلّاً؟ قال : « لا »(٢) (٣) .

وهو - بعد التسليم لا يدلّ على المطلوب ؛ لإمكان إرادة الكراهة ، أو أن يُستعمل الخمر عوض الخَلّ.

وجوّز بعضُ الشافعيّة تخليلَ المحترمة ؛ لأنّها غير مستحقّة للإراقة(٤) .

ثمّ اختلفوا في الفرق بين الطرح بالقصد وبغير قصدٍ ، كطرح الريح ، بناءً على أنّ المعنى تحريم التخليل أو نجاسة المطروح فيه؟(٥) .

ولو طرح في العصير بصلاً أو ملحاً واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد ، فلهُمْ وجهان :

أحدهما : إذا تخلّل ، كان طاهراً ؛ لأنّ الملاقي إنّما لاقاه قبل التخمير ، فطهر بطهارته ، كأجزاء الدِّنّ.

والثاني : لا ؛ لأنّ المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمرّ نجاسته ،

____________________

(١) في « ر » والطبعة الحجريّة : « بنجاسته ». وفي « ث ، ج » : « بنجاسة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٥٧٣ / ١٩٨٣ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢٦٥ / ٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المغني ١٠ : ٣٣٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٤٠ ، التفريع ١ : ٤١٠ - ٤١١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٩٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

٢٠٧

بخلاف أجزاء الدِّنّ ، للضرورة(١)

ولو طرح العصير على الخَلّ وكان العصير غالباً ينغمر الخمر فيه عند الاشتداد ، فهل يطهر إذا انقلب خَلّاً؟ فيه هذا الوجهان(٢) .

ولو كان الغالب الخَلّ وكان يمنع العصير من الاشتداد ، فلا بأس.

وأمّا [ إمساك ](٣) الخمر المحترمة إلى أن تصير خَلّاً جائز ، والتي لا تُحترم تجب إراقتها ، لكن لو لم يرقها حتى تخلّلت ، فهي طاهرات(٤) أيضاً ؛ لأنّ النجاسة والتحريم إنّما ثبتا للشدّة وقد زالت.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز إمساك الخمر المحترمة ، بل يضرب عن العصير إلى أن يصير خَلّاً ، فإن اتّفقت منّا اطّلاعة وهو خمر ، أرقناه(٥) .

وقال بعضهم : لو أمسك التي لا تُحترم حتى تخلّلت ، لم تحلّ ولم تطهر ؛ لأنّ إمساكها حرام ، فلا يستفاد به نعمة(٦) .

ومتى عادت الطهارة بالتخليل ، طهرت أجزاء الظرف.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان الظرف لا يتشرّب شيئاً من الخمر كالقوارير ، طهر ، وإن كان ممّا يتشرّب ، لم يطهر(٧) .

ويطهر أيضاً ما فوقه الذي أصابته الخمر في حالة الغليان.

ولو كان ينقلها من الظلّ إلى الشمس أو بفتح رأسها ليصيبها الهواء

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « طاهر ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

٢٠٨

استعجالاً للحموضة ، فوجهان :

أحدهما : لا تطهر ، كما لو طرح فيها شيئاً.

وأصحّهما : الطهارة عندهم ؛ لزوال الشدّة(١) .

وتردّد بعضُ الشافعيّة في بيع الخمر المحترمة ؛ بناءً على تردّدهم في طهارتها(٢) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١١٥ ، الوسيط ٣ : ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

٢٠٩

الفصل الثالث : في منع المتراهنين من التصرّفات‌

مسألة ١٥٢ : الرهن وثيقة لدَيْن المرتهن إمّا في عينه أو بدله ، ولا تحصل الوثيقة إلّا بالحجر على الراهن وقطع سلطنةٍ كان له ليتحرّك إلى الأداء ، وبتجديد سلطنةٍ للمرتهن لم تكن ، ليتوصّل بها إلى الاستيفاء.

وهذه الوثيقة ليست دائمةً ، بل لها غاية تنتهي عندها على ما يأتي.

إذا ثبت هذا ، فالرهن يمنع الراهن لا المرتهن من التصرّفات على ما يأتي تفصيله في نظرين :

الأوّل : في منع الراهن.

ويُمنع الراهن من كلّ تصرّف يزيل الملك إلى الغير ، كالبيع والهبة ونحوهما ، وإلّا فاتت الوثيقة.

ويُمنع أيضاً ممّا يزاحم المرتهن في مقصود الرهن ، وهو الرهن من غيره ، ومن كلّ تصرّف ينقص المرهون ويقلّل الرغبة فيه ، كالتزويج - وبه قال الشافعي ومالك(١) - لأنّ الرغبة في الجارية الخليّة فوق الرغبة في المزوّجة ، فالتزويج يوجب نقص ثمنها ، ويشغل بعض منافعها ، فإنّه يعطّل منافع بُضعها ، ويمنع مشتريها من وطئها ، ويُعرّضها بوطئها للحمل ، ويُمكّن زوجها من الاستمتاع بها ليلاً ، ويمنعها عن الخدمة بتربية ولدها ،

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٥.

٢١٠

فتقلّ الرغبة فيها.

وقال الشيخرحمه‌الله : إذا زوّج الراهن عبده المرهون أو جاريته المرهونة ، كان تزويجه صحيحاً - وبه قال أبو حنيفة - لعموم قوله تعالى :( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (١) (٢) .

ولأنّ محلّ النكاح غير محلّ الرهن ، ولهذا صحّ رهن الأمة المزوّجة(٣) .

والعامّ مخصوص بما دلّ [ على ](٤) منع الراهن والمرتهن من التصرّف في الرهن.

ويُمنع تغاير المحلّين ؛ فإنّ البيع يتناول جملتها ، ولهذا يستبيح المشتري نكاحها ، وإنّما صحّ رهن المزوّجة ؛ لبقاء معظم المنفعة فيها ، وبقائها محلّاً للبيع ، كما يصحّ رهن المستأجرة.

إذا عرفت هذا ، فقال أبو حنيفة : يصحّ الرهن ، وللمرتهن منع الزوج من وطئها ، ومهرها رهنٌ معها(٥) .

ولا بأس بقوله في المنع من الوطئ على تقدير صحّة العقد.

مسألة ١٥٣ : قال الشيخرحمه‌الله : لا يجوز للراهن أن يكري داره المرهونة أو يُسكنها غيره ، إلّا بإذن المرتهن ، فإن أكراها وحصلت اُجرتها ، كانت له.

وقال الشافعي : له أن يؤجرها ويُسكنها غيره.

____________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٥٣ ، المسألة ٦٠.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ١٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٤ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٥.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ١٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٥.

٢١١

وهل له أن يسكنها بنفسه؟ لهم فيه وجهان(١) .

وفصَّل أصحابه ، فقالوا : إن كان الدَّيْن حالّاً أو كان مؤجَّلاً لكنّه يحلّ قبل انقضاء مدّة الإجارة ، ففي روايةٍ بناء صحّة الإجارة على القولين في جواز بيع المستأجر ، إن جوّزناه ، صحّت الإجارة ، وإلّا فلا ، والمشهور : بطلانها قطعاً.

أمّا إذا لم نجوّز بيع المستأجر : فظاهر.

وأمّا إذا جوّزناه : فلأنّ الإجارة تبقى وإن صحّ البيع ، وذلك ممّا يقلّل الرغبة(٢) .

وقال بعضهم : يبطل قدر الأجل ، وفي الزائد عليه قولا تفريق الصفقة(٣) .

وإن كان الأجل يحلّ مع انقضاء مدّة الإجارة أو بعدها ، صحّت الإجارة.

ثمّ لو اتّفق حلول الدَّيْن قبل انقضائها بموت الراهن ، فوجهان :

أحدهما : أنّه تنفسخ الإجارة رعايةً لحقّ المرتهن ، فإنّه أسبق ، ويُضارب المستأجر بالاُجرة المدفوعة مع الغرماء.

والثاني : أنّ المرتهن يصبر إلى انقضاء مدّة الإجارة ، كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدّة لتستوفي المعتدّة حقّ السكنى ؛ جمعاً بين الحقّين ، وعلى هذا يُضارِب المرتهن بدَيْنه مع الغرماء في الحال.

وإذا انقضت المدّة وبِيع المرهون ، قضي باقي دَيْنه ، فإن فضل منه‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٥٢ ، المسألة ٥٩ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤٣٩ ، والمغني ٤ : ٤٧٢ - ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٣١.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

٢١٢

شي‌ء ، فهو للغرماء(١) .

هذا كلّه فيما إذا آجر المرهون من غير المرتهن ، أمّا إذا آجره منه ، فيجوز(٢) ، ولا يبطل الرهن ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما ، وقد اتّفقا على ذلك ، فجاز ، كما اتّفقا على إيجاز الغير.

وكذا لو كان مستأجراً [ من ](٣) المرتهن ثمّ ارتهنه ، وبه قال الشافعي(٤) ، ولا نعلم فيه خلافاً.

فلو كانت الإجارة قبل تسليم الرهن ثمّ سلّمه عنهما جميعاً ، جاز. ولو سلّم عن الرهن ، وقع عنهما جميعاً ؛ لأنّ القبض في الإجارة مستحقّ. ولو سلّم عن الإجارة ، لم يحصل قبض الرهن.

وقال أبو حنيفة : الرهن والإجارة لا يجتمعان ، والمتأخّر منهما يرفع المتقدّم ويُبطله(٥) .

والشافعي جوّز ذلك ؛ لأنّ الإعارة من المرتهن لا تُبطل الرهن ، فكذا الإجارة(٦) .

واعلم أنّ للشافعي قولين :

الجديد : أنّ السبيعَ من الراهن ، وغيرَه من التصرّفات باطلة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٤ ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « يجوز ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ث » و الطبعة الحجريّة : « مع ». وفي « ج ، ر » : « على ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ١٦٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٤٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

٢١٣

والقديم : يجوز وقف العقود بكون هذه التصرّفات موقوفةً على الانفكاك وعدمه(١) .

مسألة ١٥٤ : لا يصحّ من الراهن إعتاق العبد المرهون ؛ لأنّه إتلاف للوثيقة ، وإبطالٌ لحقّ المرتهن منها.

وللشافعي - في القديم - : الجزم بعدم النفوذ إن كان الراهن معسراً. وإن كان موسراً ، فقولان. وفي الجديد : الجزم بنفوذه إن كان موسراً. وإن كان معسراً ، فقولان. فيحصل له أقوال ثلاثة.

أ : أنّه لا ينفذ بحال وهو الذي ذهبنا إليه لأنّ الرهن عقد لازم حجر به الراهن على نفسه ، فلا يتمكّن من إبطاله مع بقاء الدَّيْن.

ب : أنّه ينفذ ؛ لأنّه إعتاقٌ صادفَ الملك ، فأشبه إعتاق المستأجر والزوجة ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، إلّا أنّ أبا حنيفة يقول : يستسعى العبد في قيمته إن كان الراهن معسراً.

ج - وهو الأصحّ عندهم ، وبه قال مالك - : أنّه إن كان موسراً ، نفذ ، وإلّا فلا ، تشبيهاً لسريان العتق إلى حقّ المرتهن بسريانه من نصيب أحد الشريكين إلى الآخَر ، والمعنى فيه أنّ [ حقّ ](٢) الوثيقة لا يتعطّل ، ولا يتأخّر إذا كان موسراً(٣) .

فإن قلنا : إنّه لا ينفذ ، فالرهن بحاله ، فلو انفكّ بإبراءٍ أو بغيره ، فللشافعي قولان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

(٢) أضفناه من المصادر عدا « روضة الطالبين » و « حلية العلماء ».

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥ - ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٧ ، المغني ٤ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣٣ - ٤٣٤.

٢١٤

أظهرهما عندهم : أنّه لا يُحكم بنفوذه أيضاً ؛ لأنّه لا يملك إعتاقه ، فأشبه ما إذا أعتق المحجور عليه للسفه ثمّ زال الحجر.

والثاني : يُحكم ؛ لأنّ المانع من النفوذ في الحال حقّ المرتهن وقد زال.

والخلاف فيه كالخلاف فيما إذا أعتق المحجور عليه بالفلس عبداً ثمّ انفكّ الحجر عنه ولم يتّفق بيع ذلك العبد ، هل يُعتق؟ وإن بِيع في الدَّيْن ثمّ ملكه ولو يوماً ما ، لم يُحكم بالعتق.

ومنهم مَنْ طرد الخلاف المذكور في الصورة الاُولى(١) .

وعن مالك أنّه يُحكم بنفوذ العتق في الصورتين(٢) .

وإن قلنا : ينفذ العتق مطلقاً ، فعلى الراهن قيمته باعتبار يوم الإعتاق.

ثمّ إن كان موسراً ، اُخذت منه في الحال ، وجُعلت رهناً مكانه. وإن كان معسراً ، اُنظر إلى اليسار ، فإذا أيسر ، اُخذت منه ، وجُعلت رهناً إن لم يحلّ الحقُّ بَعْدُ(٣) ، وإن حلّ ، طُولب به ، ولا معنى للرهن(٤) .

ويحتمل أن يقال : كما أنّ ابتداء الرهن قد يكون بالحالّ وقد يكون بالمؤجَّل ، فكذا قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهناً وإن حلّ الحقّ إلى يتيسّر استيفاؤه.

وبتقدير صحّة التفصيل الذي ذكروه وجب أن يجري مثله في القيمة التي تؤخذ من الموسر.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٧.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٦.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بعده ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) ورد التفصيل المذكور في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣١٧.

٢١٥

ومهما بذله القيمة على قصد الغرم ، صارت رهناً ، ولا حاجة إلى عقدٍ مستأنف ، والاعتبار(١) بقصد المؤدّي.

وإذا كان المعتق موسراً ، فعلى القول الثاني أو الثالث في وقت نفوذ العتق عندهم طريقان :

أحدهما : أنّه على الأقوال في وقت نفوذ العتق في نصيب الشريك إذا أعتق الشريك نصيبه ، ففي قولٍ يتعجّل. وفي قولٍ يتأخّر إلى أن يغرم القيمة. وفي قولٍ يتوقّف ، فإذا غرم ، تبيّنّا صحّة العتق.

وأظهرهما : القطع بنفوذه في الحال ، والفرق أنّ يسري إلى ملك الغير ، ولا بدّ من تقدير انتقاله إلى المعتق ، فجاز أن نقول : إنّما ينتقل إذا استقرّ ملك [ الشريك ](٢) ويده على العوض ، وإعتاق الراهن يصادف ملكه(٣) .

أمّا لو علّق الراهن عتق المرهون ، فعندنا : أنّه يبطل ؛ لأنّه لا يصحّ تعليق العتق على شرط.

وأمّا مَنْ جوّزه - كالشافعي - فقال : يُنظر إن علّق عتق المرهون بفكاك الرهن نفذ عند الانفكاك ؛ لأنّ مجرّد التعليق لا يضرّ المرتهن ، وحين ينزل العتق لا يبقى له حقّ.

وإن علّق بصفة اُخرى ، فإن وُجدت قبل فكاك الرهن ، ففيه الأقوال‌ المذكورة في التنجيز. وإن(٤) وُجدت بعده ، فوجهان :

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ولا اعتبار » بدل « والاعتبار ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « المشتري ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٧ - ٣١٨.

(٤) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه من المصدر.

٢١٦

أصحّهما عدهم : النفوذ ؛ لأنّه لا يبطل حقّ المرتهن.

والثاني : عدمه إبطالاً للتعليق مطلقاً ، كالتنجيز في قولٍ(١) .

والخلاف هنا يُشبه خلافَهم فيما لو قال العبد لزوجته : إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق ثلاثاً ، ثمّ عُتق ثمّ فعلته ، هل تقع الطلقة الثالثة؟ لكنّ الخلاف جارٍ وإن علّق بالعتق ، فقال : إن عُتقت فأنتِ طالق ثلاثاً. ولا خلاف في تعليق العتق بالفكاك أنّه ينفذ عند الفكاك(٢) .

فرّقوا بأنّ الطلقة الثالثة ليست مملوكةً للعبد ، ومحلّ العتق مملوك للراهن ، وإنّما منع لحقّ المرتهن(٣) .

وفيه نظر ؛ فإنّ العتق غير مملوك للراهن ، كما أنّ الطلقة الثالثة غير مملوكة للعبد ، ومحلّ الطلاق مملوك للعبد كما أنّ محلّ العتق مملوك للراهن ، فلا فرق.

ولو رهن نصف عبده ثمّ أعتق نصفه ، فإن أضاف العتق إلى النصف المرهون ، ففيه الخلاف. وإن أضافه إلى الطلق أو أطلق ، عُتق الطلق.

وهل يسرى إلى المرهون؟ إن جوّزنا عتق المرهون ، فنعم ، وإلّا فوجهان عند الشافعيّة(٤) .

والذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسري - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة -(٥) لأنّ أقصى ما في الباب تنزيل المرهون منزلة ملك الغير ، وهو يسري إليه ، فحينئذٍ هل يفرّق بين الموسر والمعسر؟ قولان للشافعيّة ، أحدهما : نعم. والثاني : لا ؛ لأنّه ملكه(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٨.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٧.

(٤-٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٨.

٢١٧

ولو وقف المرهون ، لم يصح عندنا ؛ لما فيه من إفساد حقّ الغير.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّه كالعتق ؛ لما فيه من القربة والتعليق الذي لا يقبل النقض.

وأظهرهما عندهم : القطع بالمنع ، بخلاف العتق ، فإنّه أقوى بالسراية وغيرها(١) .

ولهم طريقة ثالثة : إن قلنا : الوقف لا يحتاج إلى القبول ، فهو كالعتق. وإن قلنا : يحتاج إليه ، فيقطع بالمنع(٢) .

مسألة ١٥٥ : ليس للراهن وطؤ أمته المرهونة إلّا بإذن المرتهن ، سواء كانت بكراً وثيّباً ، وسواء كانت من أهل الإحبال أو لا ؛ لأنّ الوطء ربما أحبلها فتنقص قيمتها ، وربما ماتت في الولادة.

وقال الشافعي : إن كانت الجارية بكراً ، لم يكن للراهن وطؤها بحال ؛ لأنّ الافتضاض ينقض قيمتها.

وإن كانت ثيّباً ، فكذلك [ إن كانت ](٣) في سنّ مَنْ تحبل ؛ لأنّها ربما حبلت فتفوت الوثيقة أو تتعرّض للهلاك في الطلق ونقصان الولادة ، وليس له أن يقول : أطأُ فأعزل ؛ لأنّ الماء قد يسبق.

وإن كانت في سنّ مَنْ لا تحبل لصغرٍ أو يأسٍ ، فوجهان ‌:

أحدهما : له أن يطأها ، كسائر الانتفاعات التي لا تضرّ بالمرتهن.

وقال الأكثر : يُمنع من وطئها أيضاً احتياطاً لحسم الباب ؛ إذ العلوق ليس له وقت معلوم ، وهذا كما أنّ العدّة تجب على الصغيرة والكبيرة

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٨.

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

٢١٨

والآيسة وإن كان القصد الأصلي استبراء الرحم(١) .

ويجري الوجهان فيما إذا كانت حاملاً من الزنا ؛ لأنّه لا يخاف من وطئها الحبلُ.

نعم ، غشيان مثل هذه المرأة مكروه على الإطلاق(٢) .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ للمرتهن منع الراهن من وطئ أمته المرهونة ، ولأنّ سائر مَنْ يحرم وطؤها لا فرق بين الآيسة والصغيرة ونحوهما ، كالمعتدّة والمستبرأة والأجنبيّة(٣) .

مسألة ١٥٦ : لو خالف الراهن ما قلناه ووطئ ، لم يكن زانياً ؛ لأنّه وطئ في ملكٍ ، فلا حدّ عليه ؛ لأنّ التحريم عارض ، كما عرض في الـمُحْرمة والصائمة ، ولا مهر عليه ؛ لأنّ المرتهن لا حقّ له في منفعتها ، ووطؤها لا ينقض قيمتها ، فأشبه ما لو استخدمها ، بخلاف ما لو وطئ المكاتبة حيث يغرم المهر ؛ لأنّ المكاتبة قد استقلّت واضطرب الملك فيها أو زال ، ولهذا لو وطئها أجنبيّ ، كان المهر لها ، ولو وطئ المرهونة أجنبيّ ، كان المهر للوليّ.

ولو تلف جزء منها أو بُضْعها مثل أن افتضّ البكر أو أفضاها ، فعليه قيمة ما أتلف ، فإن شاء جَعَله رهناً معها ، وإن شاء جَعَله قضاءً من الحقّ إن‌ لم يكن حلّ إذا رضي المرتهن ، وإن كان حلّ ، جَعَله قضاءً إن كان من جنس الحقّ لا غير ، فإنّه لا فائدة في جَعْله رهناً. ولا فرق بين الكبيرة والصغيرة فيما ذكرناه ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٨ - ٣١٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٩.

(٣) المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٦.

٢١٩

فإن أولدها ، فالولد حُرٌّ لاحِقٌ به ، ولا قيمة عليه ؛ لأنّ المرتهن لا حقّ له في ولد المرهونة بحال.

وهل تصير اُمّ ولدٍ للراهن؟ مذهبنا : أنّها تصير اُمَّ ولدٍ له ، ولا يبطل الرهن. ثمّ إن كان الواطئ موسراً ، لزمه قيمة الرهن من غيرها ؛ لحرمة ولدها يكون رهناً مكانها ، وإن كان معسراً ، كان الدَّيْن باقياً ، وجاز بيعها فيه.

وللشافعي أقوال ثلاثة :

أحدهما : أنّها تصير اُمّ ولدٍ ، وتعتق ، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً ، ولكنّه يجب على الموسر قيمتها تكون رهناً مكانها ؛ لأنّ الاستيلاد أولى بالنفوذ من الإعتاق ؛ لأنّه فعل ، والأفعال أقوى وأشدّ نفوذاً ، ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه ، ولا ينفذ إعتاقهما ، وينفذ استيلاد المريض من رأس المال وإعتاقه من الثلث.

الثاني : القطع بعدم نفوذ الاستيلاد ، ولا تخرج من الرهن ، وتباع في دَيْن المرتهن ، سواء كان موسراً أو معسراً.

والثالث : الفرق بين الموسر والمعسر ، فإن كان موسراً ، صارت اُمَّ ولدٍ له ، وإن أعتقها ، عُتقت ، ووجب عليه قيمتها تكون رهناً مكانها. وإن كان معسراً ، لم تخرج من الرهن ، وبِيعت في حقّ المرتهن.

فقد حصل ثلاثة طرق : أظهرها عندهم : طرد الخلاف في الاستيلاد ، كما في الإعتاق. والثاني : القطع بنفوذ الاستيلاد. والثالث : القطع بعدمه(١) .

وقال أبو حنيفة : تصير أُمَّ ولدٍ ، وتُعتق ، سواء كان موسراً أو معسراً ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٩.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400