نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٧

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 418

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 202852
تحميل: 7652


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202852 / تحميل: 7652
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 17

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تواتره عند المتقي

ومنهم: الشيخ علي المتقي في كتابٍ له في المتواترات قال في أوّله: « الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلّى الله عليه وسلّم وبعد: - فيقول الفقير إلى الله تعالى علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي: هذه الأحاديث متواترة نحو اثنين وثمانين حديثاً، التي جمعها العلامة السيوطي رحمة الله تعالى عليه وسمّاها قطف الأزهار المتناثرة. وذكر فيها رواتها من الصحابة عشرة فصاعداً، لكني حذفت الرواة وذكرت متن الأحاديث ليسهل حفظها وهي هذه « قال:

« من كنت مولاه فعلي مولاه -

أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى ».

تواتره عند محمد صدر العالم

وقال محمد صدر العالم: « أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص، وأحمد والبزار عن أبي سعيد الخدري، والطبراني عن أسماء بنت عميس وأم سلمة وحبشي بن جنادة، وابن عمر وابن عبّاس وجابر بن سمرة وعلي والبراء ابن عازب وزيد بن أرقم:

إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلّف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

وهذا الحديث متواتر عند السيوطيرحمه‌الله »(١) .

____________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

١٦١

تواتره عند ولي الله الدهلوي

وقال ولي الله الدهلوي في مآثر أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فمن المتواتر حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. روي ذلك عن: سعد بن أبي وقاص، وأسماء بنت عميس، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن عبّاس وغيرهم »(١) .

وقال أيضاً: « وشواهد هذا الحديث كثيرة وهي بالغة حدّ التواتر كما لا يخفى على متتبّعي الحديث »(٢) .

تواتره عند المولوي مبين

وقال المولوي محمد مبين في باب فضائل الإمامعليه‌السلام :

« وأكثر الأحاديث المذكورة في هذا الباب من المتواترات، كحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وحديث: أنا من علي وعلي مني، وأللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وحديث: لأعطين الرّاية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. وغيرها »(٣) .

____________________

(١). إزالة الخفا - مآثر علي بن أبي طالب، من المقصد الثاني.

(٢). قرّة العينين: ١٣٨.

(٣). وسيلة النجاة في مناقب السادات: ٧١، الباب الثاني من أبواب الكتاب.

١٦٢

دحض المكابرة

في صحّة الحديث أو تواتره

١٦٣

١٦٤

فهذا حديث المنزلة وصحّته وثبوته وشهرته بل تواتره عند أهل السنّة، حسب تصريحات كبار أساطينهم ومشاهير أئمتهم وعلمائهم

فالعجب كلّ العجب من جماعةٍ من متكلّميهم الأعلام يضطرّهم العجز عن الجواب عن الإستدلال به ويلجؤهم التعصّب للهوى إلى القدح في سنده أو المكابرة في تواتره

أبو الحسن الآمدي

فهذا أبو الحسن الآمدي يقول عنه: « غير صحيح ». والغريب جدّاً ذكر ابن حجر المكي هذا القول الشنيع في مقام الجواب عن الإستدلال فيقول:

« إنّ الحديث إن كان غير صحيح - كما يقول الآمدي - فظاهر »(١) .

ترجمة الآمدي

لكن هذا الرّجل مقدوح مجروح عند علماء أهل السنة، كالذهبي وابن حجر العسقلاني، ويكفي لسقوطه كونه تارك الصّلاة: قال الذهبي:

« سيف الآمدي المتكلّم صاحب التصانيف علي بن أبي علي، قد نفي من دمشق لسوء اعتقاده، وصحّ أنه كان يترك الصلاة، نسأل الله العافية. وكان من الأذكياء. مات سنة ٦٣١ »(٢) .

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٧٣.

(٢). ميزان الإعتدال ٢ / ٢٥٩ رقم ٣٦٤٧.

١٦٥

فأيّ وجهٍ يتصوّر لاعتماد ابن حجر المكي على قول مثل هذا الرجل الفاسد، إلاّ التعصّب للباطل؟!

لكن هذا القول السّاقط لا يختص بهذا المتكلّم الفاسد، فقد تفوّه به غيره من متكلّميهم:

عضد الدين الإيجي

قال عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي صاحب ( المواقف ) في الجواب عن الإستدلال به: « الجواب: منع صحّة الحديث »(١) .

شمس الدين الإصفهاني

وقال شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الإصفهاني بعد ذكر بعض الأدلة: « والجواب عن الثاني: إنه لا يصحّ الإستدلال به من جهة السند، ولو سلّم صحة سنده قطعاً، لكن لا نسلّم أنّ قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، كلّ منزلة كانت لهارون من موسى »(٢) .

وقال أيضاً: « إنّه لا يصح الإستدلال به من جهة السند كما تقدم في الخبر المتقدم. ولئن سلّم صحة سنده قطعاً، لكن لا نسلّم أن قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، يعمّ كلّ منزلة كانت لهارون من موسى »(٣) .

____________________

(١). المواقف في علم الكلام: ٤٠٦.

(٢). شرح الطوالع - مخطوط.

(٣). شرح التجريد - مخطوط.

١٦٦

التفتازاني

وقال سعد الدين التفتازاني: « والجواب: منع التواتر، بل هو خبر واحد في مقابلة الإجماع، ومنع عموم المنازل »(١) .

وقال أيضاً: « وردّ: بأنه لا تواتر، ولا حصر في علي، ولا عبرة بأخبار الآحاد في مقابلة الإجماع»(٢) .

القوشجي

وقال علاء الدين القوشجي: « وأجيب: بأنّه على تقدير صحّته، لا يدلّ على بقائه خليفةً بعد وفاته دلالةً قطعيّةً، مع وقوع الإجماع على خلافه »(٣) .

الشريف الجرجاني

وقال الشريف الجرجاني في شرح قول صاحب المواقف: « الجواب: منع صحة الحديث »: « كما منعه الآمدي. وعند المحدثين إنه صحيح وإن كان من قبيل الآحاد »(٤) .

إسحاق الهروي

وقال إسحاق الهروي سبط الميرزا مخدوم الشريفي في ( السهام الثاقبة ): « قلنا: التواتر ممنوع. وإنما هو خبر واحد في مقابلة الإجماع فلا يعتبر ».

____________________

(١). شرح المقاصد ٥ / ٢٧٥.

(٢). تهذيب الكلام في الجواب عن حديث المنزلة.

(٣). شرح التجريد: ٣٧٠.

(٤). شرح المواقف ٨ / ٢٦٢ - ٢٦٣.

١٦٧

عبد الكريم الصدّيقي

وقال عبد الكريم نظام الصدّيقي نسباً والحنفي مذهباً في ( إلجام الرافضة ): « والجواب: إنّ هذا الحديث كما قال الآمدي غير صحيح ».

حسام الدين السهارنفوري

وقال حسام الدين السهارنفوري: « هذا الخبر ممنوع الصحّة كما صرّح به الآمدي، وعلى تقدير صحّته كما هو مختار المحدثين، فهو خبر واحد لا متواتر، فلا يصلح للإحتجاج على الخلافة»(١) .

حاصل كلماتهم أمران:

وأنت إذا لاحظت كلمات هؤلاء رأيت الواحد منهم يتّبع الآخر ويقلّده فيما قال ولا يزيد عليه بشىء إنّ الغرض هو إبطال إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وردّ الإستدلال على إثباتها بأيّ طريقٍ كان

لقد لاحظت أنّ حاصل كلماتهم في مقام الجواب عن الإستدلال بهذا الحديث الشريف هو:

١ - المنع من صحّته

فالآمدي يقول: « هذا الحديث غير صحيح » ثم يأتي من بعده غيره ويأخذ منه هذا من أن غير يوضّح وجهه ويبيّن دليله

____________________

(١). مرافض الروافض - مخطوط.

١٦٨

الجواب عنه

لكن يكفي في الجواب عنه ما تقدّم سابقاً من أنّ هذا الحديث في أعلى درجات الصحّة عند القوم، فقد رووه بالأسانيد المعتبرة والطرق المتكثرة عن جمع غفير من الصّحابة، ثم نصّوا على صحّته وقالوا بتواتره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرجه الشيخان في صحيحيهما، وكذا غيرهما من أصحاب الصّحاح فإذا لم يكن هذا الحديث صحيحاً سنداً فأيّ حديث عندهم صحيح؟ وإذا أمكن القدح في سند هكذا صحيح فبأيّ شيء يمكنهم إثبات فضيلةٍ لمشايخهم أو معتَقدٍ من عقائدهم أو حكمٍ من الأحكام الشرعية؟

فإذا كان هذا حال أساطين أهل السنة في مقابلة الشيعة، فأيّ خيرٍ منهم يطلب، وأيّ إنصافٍ يرتجى في شيء من المباحث العلميّة؟

ومن هنا يعلم أنْ لا ملاك عند القوم ولا ضابطة يقفون عندها ولا قاعدة يلتزمون بها في البحث مع الشّيعة

لقد وصف ابن حجر المكّي الصحيحين بأنهما « أصحّ الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدّ به»(١) وكذا قال غيره كما لا يخفى على من راجع ( المنهاج في شرح المنهاج للنووي ) و ( شرح النخبة لابن حجر العسقلاني ) و ( قرة العينين للدهلوي ) وغيرها.

وزعموا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل كتاب البخاري كتابه، وأمر بدراسته، كما في ( مقدمة فتح الباري ).

ونقلوا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم بصحّة جميع أحاديث البخاري والإذن بروايتها عنه، وكذا صحيح مسلم كما في ( الدر الثمين في

____________________

(١). الصواعق المحرقة، الفصل الأوّل، في كيفيّة خلافة أبي بكر.

١٦٩

مبشّرات النبي الأمين ) لولي الله الدهلوي.

وذهبوا إلى القول بأنّ من يهوّن أمرهما فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين كما في ( حجّة الله البالغة ).

وتجرّأوا على ردّ فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام الواردة في أخبار الفريقين، بسبب المخالفة بينها وبين أحاديث الصحيحين، وتقديم أحاديثهما بدعوى قيام الإجماع على صحّتها دون غيرها كما في ( قرّة العينين )

وطعنوا على الشيعة عدم اعتمادهم على أحاديثهما كما في ( النواقض )

إلى غير ذلك ممّا قالوه في شأن الصحيحين

ومع كلّ هذا يقدحون في حديث المنزلة المخرّج فيهما!!

وعلى الجملة فإنّ ما سبق ذكره في سند حديث المنزلة، وما قالوه في صحّته وثبوته وتواتره لا سيّما كونه من أحاديث الصحيحين والصحاح الأخرى كافٍ لدحض القدح في سند هذا الحديث

٢ - نفي تواتره وأنّه خبر واحد

والأمر الثاني نفي تواتره وزعم كونه من الآحاد بعد الإعتراف بكونه صحيحاً عند أهل الحديث.

الجواب عنه

إنّ هذا كسابقه واضح السّقوط لما عرفت من أنه من حديث أكثر من عشرين نفساً من الصّحابة، وقد ادّعى ابن حجر التواتر فيما رواه ثمانية، وابن حزم فيما رواه أربعة منهم.

على أنّ جماعة من أكابرهم - وعلى رأسهم الحاكم النيسابوري - ينصّون على تواتره، والسّيوطي والمتقي يذكرانه فيما ألّفاه في الأحاديث المتواترة.

١٧٠

وجوه صحّة الإحتجاج به ولو كان واحداً

على أنّا لو سلّمنا عدم تواتره وكونه من أخبار الآحاد، فلنا وجوه عديدة على جواز الإستدلال والإحتجاج به على إمامة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام :

١ - تأيّده بأحاديث متواترة

إنّ حديث المنزلة - على فرض عدم تواتره - تؤيّده أحاديث متواترة قطعاً مثل حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه. ونحوه ممّا تواتر نقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبهم، في فضائل ومناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢ - تواتره عند الشيعة

إن كون هذا الحديث متواتراً عند الشيعة بلا ريب، وكونه منقولاً عند الأعلام والأساطين من أهل السنّة - وبطرقٍ كثيرة - يوجب القطع بصدوره، وما هذا شأنه لا عائبة في التمسّك به.

٣ - تمسّكهم بالآحاد في مختلف الأبحاث

إنّ الإحتجاج بالآحاد جائز عند أهل السنّة، وهذا ديدنهم ودأبهم في مختلف الأبحاث، فلو فرض كون حديث المنزلة من الآحاد فالتمسّك به جائز.

بل إنّ في كلمات بعضهم الحكم بكفر من أنكر الخبر

١٧١

الواحد والقياس وقال إنه ليس بحجة فإنه يصير كافراً. ولو قال: هذا الخبر غير صحيح وهذا القياس غير ثابت لا يصير كافراً ولكن يصير فاسقاً »(١) .

٤ - النقض بحديث: الأئمة من قريش

إن العمدة في الخلافة البكريّة وأصل دليلها عند أهل السنّة هو خبر واحد، أعني حديث « الأئمة من قريش » الذي رواه أبو بكر نفسه وتفرّد به حسبما صرّح به أئمّتهم(٢) فالإلتزام بعدم جواز الإستدلال بخبر الواحد في مسألة الخلافة يستلزم قلع أساس الخلافة البكريّة

* قال الفخر الرازي في المسألة الثامنة من الأصل العشرين، من كتابه ( نهاية العقول ) -: « قوله: الأنصار طلبوا الإمامة مع علمهم بقولهعليه‌السلام : الأئمة من قريش.

قلنا: هذا الحديث من باب الآحاد. ثم إنه ضعيف الدلالة على منع غير القرشي من الإمامة، لأنّ وجه التعلّق به إمّا من حيث أن تعليق الحكم بالإسم يقتضي نفيه عن غيره، أو لأن الألف واللام يقتضيان الإستغراق. والأول باطل، والثاني مختلف فيه. فكيف يساوي ذلك ما يدّعونه من النصّ المتواتر الذي لا يحتمل التأويل؟

وأيضاً: فلأن الحديث مع ضعفه في الأصل والدلالة لمـّا احتجّوا به على الأنصار تركوا طلب الإمامة، فكيف يعتقد بهم عدم قبول النصّ الجلي المتواتر؟ ».

____________________

(١). هداية السعداء - الجلوة الرابعة من الهداية السابعة - مخلوط.

(٢). ذكر علماء أهل السنّة تفرّد أبي بكر بحديثين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدهما: إنا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة. والآخر: الأئمة من قريش، وستعلم بذلك في النصوص الآتية.

١٧٢

فإذا جاز إحتجاج أبي بكر بحديثٍ واحد تفرّد به - مع ضعفه في الدلالة كما اعترف الرازي - جاز للشيعة الإحتجاج بحديث المنزلة على خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّه - حتّى لو كان غير متواتر عند أهل السنة - أقوى من الحديث المذكور سنداً ودلالةً بلا ريب.

ولو أمعنت النظر في عبارة الرازي المذكورة لرأيتها في قوّة ألف دليل على بطلان خلافة أبي بكر، لأن الدليل الذي احتجّ به أبو بكر على استحقاقه الخلافة دون الأنصار ضعيف في الأصل والدلالة، ومن المعلوم أن ما كان ضعيفاً في الدلالة لا يجوز الإحتجاج به قطعاً وإنْ كان قوياً في الأصل، فكيف لو كان ضعيفاً في الأصل كذلك؟

* وصاحب ( المرافض ) أيضاً يصرّح بكون خبر « الأئمة من قريش » خبر واحدٍ ولا يفيد إلّا الظن، وقد كان للأنصار مجال للبحث فيه.

* وكذا صاحب ( النواقض ) ينصّ على ذلك لكنه يعزو روايته إلى « رجل » وهذه عبارته - في الفصل الثالث من فصول الكتاب -:

« الدليل العاشر: إعلم أن أرباب السير وأصحاب الحديث نقلوا أنّ في يوم السقيفة لمـّا اختلفوا أولاً في أمر الخلافة، وكانت الأنصار يقولون: لا نرضى بخلافة المهاجرين علينا، بل منّا أمير ومنكم أمير، قام رجل وقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: الأئمة من قريش. فسكت الأنصار وبايعوا أبا بكر، لغاية إتّباعهم أقوال النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكمال تقواهم. ومع أن خلافة المهاجرين عليهم كانت عندهم مكروهة غاية الكراهة رضوا بمجرّد خبر واحدٍ وإنْ كان لهم مجال بحثٍ فيه ».

* ومن طرائف المقام اعتراف القوم بانحصار دليل خلافة أبي بكر بهذا الحديث الذي عرفت حاله أنظر إلى المولوي عبد العلي شارح ( مسلَّم

١٧٣

الثبوت ) يقول مازجاً بالمتن:

« ولنا ثانياً: إجماع الصّحابة على وجوب العمل بخبر العدل، وليس فيه استدلال بعمل البعض حتى يرد أنه ليس حجةً ما لم يكن إجماعاً، وفيهم أمير المؤمنين علي، وفي إفراده كرّم الله وجهه قطعٌ لما سوّلت به أنفس الروافض - خذلهم الله تعالى - بدليل ما تواتر عنهم، وفيه تنبيه لدفع أنّ الإجماع أحادي، فإثبات المطلوب به دور، - من الإحتجاج والعمل به، أي بخبر الواحد، لا إنه اتفق فتواهم بمضمون الخبر، وعلى هذا لا يرد أن العمل بدليلٍ آخر، غاية ما في الباب إنه وافق مضمون الخبر - في الوقائع التي لا تحصى - وهذا يفيد العلم بأن عملهم لكونه خبر عدلٍ في عملي - وبه اندفع أنّه يجوز أن يكون العمل ببعض الأخبار للإحتفاف بالقرائن ولا يثبت الكلّية - من غير نكير من واحد. وذلك يوجب العلم عادةً لأتّفاقهم، كالقولِ الصريح الموجب للعلم بهِ، كما في التجربيّات. وبه اندفع أن الإجماع سكوتي وهو لا يفيد العلم. ثم فصّل بعض الوقائع فقال:

فمن ذلك: عمل الكل من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، بخبر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه: الأئمة من قريش. ونحن معاشر الأنبياء لا نورّث. وقد تقدّم تخريجهما. والأنبياء يدفنون حيث يموتون. حين اختلفوا في دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. رواه ابن الجوزي، كذا نقل عن التقرير »(١) .

أقول:

فظهر أن حديث « الأئمة من قريش » من الأخبار الآحاد التي عمل بها أصحاب النبي واحتجّوابها، لا أنهم عملوا في المسألة بدليلٍ آخر، غاية ما في

____________________

(١). فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت ٢ / ١٣٢.

١٧٤

الباب أنه وافق مضمون الخبر.

فثبت إنحصار دليل صرف الخلافة عن الأنصار إلى أبي بكر بالحديث المذكور الذي عرفت حاله.

كما أن قول صاحب ( النواقض ): « رضوا بمجرّد خبر واحدٍ » نص في أن رضاهم كان بسبب هذا الخبر وحده لا لأمرٍ آخر ولعلّه لما ذكرنا استحيى الرجل من نسبة رواية الحديث إلى أبي بكر، فنسبها إلى « رجل »!!

ولعلّه من هنا ادّعى ابن روزبهان في كتابه ( الباطل ) أن أبا بكر لم يرو هذا الحديث أصلاً فقال: « فأمّا حديث الأئمة من قريش فلم يروه أبو بكر، بل رواه غيره من الصحابة، وهو كان لا يعتمد على خبر الواحد ».

لكنّها دعوى في غاية الغرابة، فإنّ علماء القوم ينسبون روايته والإحتجاج به إلى أبي بكر جازمين بذلك، في غير موضعٍ من بحوثهم كما لا يخفى على من يلاحظ ( شرح المختصر ) حيث جاء فيه: « وعمل الصحابة بخبر أبي بكر: الأئمة من قريش »(٢) و ( فواتح الرحموت - شرح مسلّم الثبوت ) وقد تقدّمت عبارته، و ( إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ) وغيرها من كتب القوم

لكن عبارة ابن روزبهان أيضاً ظاهرة في وهن هذا الحديث وسقوطه عن الصلاحيّة للإحتجاج به للخلافة فلا تغفل.

٥ - قطعيّة أحاديث الصّحيحين

إنّ حديث المنزلة - لكونه في الصحيحين - مقطوع الصدور لو فرض أنّه ليس على حدّ التواتر لأنّ أحاديث الصحيحين مقطوعة الصدور لدى: إبن الصلاح، وأبي إسحاق وأبي حامد الإسفرانيين، والقاضي أبي الطيّب، والشيخ

____________________

(١). شرح مختصر الأصول للعضدي ٢ / ٥٩.

١٧٥

أبي إسحاق الشيرازي، وأبي عبدالله الحميدي، وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق، والسرخسي الحنفي، والقاضي عبد الوهاب المالكي، وأبي يعلى وابن الزاغوني الحنبليين، وابن فورك، وأكثر أهل الكلام، وأهل الحديث قاطبةً، وهو مذهب السّلف عامة، ومحمد بن طاهر المقدسي - بل قال بذلك فيما كان على شرطهما أيضاً - والبلقيني، وابن تيمية، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وإبراهيم الكردي الكوراني، وأحمد النخلي، وعبد الحق الدهلوي، وولي الله الدهلوي

فهؤلاء كلّهم وغيرهم يقولون بأنّ حديث الصحيحين مقطوع بصحّته

وإليك بعض التصريحات الواردة عنهم في هذا الباب، نذكرها بإيجاز مقتصرين على محلّ الحاجة منها:

* قال السيوطي بشرح التقريب مازجاً به: « وإذا قالوا: صحيح متفق عليه، أو على صحته، فمرادهم إتفاق الشيخين لا إتفاق الاُمّة. قال ابن الصّلاح: لكنْ يلزم من إتفاقهما إتفاق الاُمة عليه، لتلقّيهم له بالقبول. وذكر الشيخ - يعني ابن الصلاح -: ( إنّ ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحّته، والعلم القطعي حاصل فيه ) قال: خلافاً لمن نفى ذلك

قال البلقيني: ما قاله النووي وابن عبد السلام ومن تبعهما ممنوع، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصّلاح عن جماعةٍ من الشافعية، كأبي إسحاق وأبي حامد الإسفرانيين، والقاضي أبي الطيّب، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وعن السرخسي والزاغوني من الحنابلة، وابن فورك، وأكثر أهل الكلام من الأشعريّة، وأهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة. بل بالغ ابن طاهر المقدسي في صفوة التصوف فألحق به ما كان على شرطهما وإنْ لم يخرجاه

١٧٦

وقال شيخ الإسلام: ما ذكره النووي في شرح مسلّم من جهة الأكثرين، أمّا المحقّقون فلا، وقد وافق ابن الصلاح أيضاً محققون

وقال ابن كثير: وأنا مع ابن الصّلاح فيما عوّل عليه وأرشد إليه.

قلت: وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه »(١) .

* قال محمد أكرم بن عبد الرحمن المكي في ( إمعان النظر في توضيح نخبة الفكر ): « وانتصر لابن الصّلاح: المصنّف، ومن قبله شيخه البلقيني تبعاً لابن تيمية ».

* وقال الزين العراقي في ( شرح الألفية ):

« حكم الصحيحين والتعليق:

ص:

وأقطع بصحةٍ لما قد أسند

كذا له وقيل ظناً ولَدا

محقّقيهم قد عزاه النووي

وفي الصحيح بعض شيء قد روي

مضعَّف ولهما بلا سند

أشياء فإن يجزم فصحيح أو ورد

ممرّضاً فلا ولكن يشعر

بصحّة الأصل له كيُذكر

ش: أي ما أسنده البخاري ومسلم، يريد ما روياه بإسنادهما المتّصل فهو مقطوع لصحته. كذا قال ابن الصلاح، قال: والعلم اليقيني النظري واقع به، خلافاً لمن نفى، وقد سبق إلى نحو ذلك: محمد بن طاهر المقدسي، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف.

قال النووي: وخالف إبن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر »(٢) .

____________________

(١). تدريب الراوي ١ / ١٣١ وإلى ١٣٤.

(٢). فتح المغيث في شرح ألفية الحديث ١ / ٥٨.

١٧٧

* وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( تحقيق البشارة إلى تعميم الإشارة ): « ثم المتواتر يفيد العلم اليقيني ضرورياً. وقد يفيد خبر الواحد أيضاً العلم اليقيني لكن نظرياً بالقرائن، على ما هو المختار. قال الشيخ الإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في شرح نخبة الفكر: والخبر المحتف بالقرائن أنواع، منها: المشهور إذا كانت له طرق متبائنة سالمةً من ضعف الرواة والعلل. ومنها: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما ما لم يبلغ حدّ التواتر، فإنه احتفّ بقرائن، منها جلالتهما في هذا الشأن وتقدّمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول وممّن صرّح من أئمة الاُصول بإفادة ما خرّجه الشيخان العلم اليقيني النظري: الاُستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، ومن أئمة الحديث: أبو عبدالله الحميدي وأبو الفضل بن طاهر ».

* وللشيخ محمد معين بن محمد أمين رسالة مفردة في إثبات قطعية صدور أحاديث الصحيحين، أدرجها في كتابه ( دراسات اللبيب ) وإليك جملاً من عباراته:

« إن أحاديث الجامع الصحيح للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وكتاب الصحيح للإمام أبي الحسين مسلم بن حجاج القشيري - رحمهما الله تعالى ونفعنا ببركاتهما - هي رأس مال من سلك الطريق إلى الله تعالى، بالأسوة الحسنة بخير الخلق قاطبة والمعجزة الباقية من رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، من حيث حفاظ أسانيدها على مرّ الدهور إلى زماننا هذا. فهي تلو القرآن في إعجازه الباقي ».

« قد فصّل وبيّن إمام وقته الحافظ جلال الدين السيوطي في هذا الكلام، من دلائل الطرفين والتأييد بأقوال المحققين لابن الصلاح ما فيه مغنىً للعاقل.

فقد تبّين أنه وافقه إجماع المحدثين بعد الموافقة مع علماء المذاهب

١٧٨

الأربعة جميعاً، ووافقه المتكلّمون من الأشاعرة ووافقه المتأخرون وهم النقّادون الممعنون النظر في دليل السابقين وهو المختار عند الإمام الحافظ السيوطي وهو مجدّد وقته ».

« تمسّك ابن الصّلاح بما صورة شكله: ما في الصحيحين مقطوع الصدور عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأن الامة اجتمعت على قبوله، وكلّما اجتمعت الامة على قبوله مقطوع، فما في الصحيحين مقطوع.

أمّا ثبوت الصغرى فبالتواتر عن الأسلاف إلى الأخلاف.

وأمّا الكبرى فبما يثبت قطعية الإجماع ولو على الظن، كما إذا حصل الإجماع في مسألة قياسية. فإن الإجماع هناك ظنون مجتمعة أورثت القطع بالمظنون، لعصمة الأمة، فكذا هنا أخبار الآحاد مظنونة في نفسها، فإذا حصل الإجماع عليها أورثت القطع.

وتمسّك النووي بما صورة شكله: ما في الصحيحين مظنون الصدور عن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم، لأنه من أحاديث الآحاد، وكلّما هو من أحاديث الآحاد مظنون، فهذا مظنون.

أمّا ثبوت الصغرى فظاهر، لندرة التواتر جدّاً.

وأمّا ثبوت الكبرى فمفروغ عنه في الفن.

فهذه صورة المعارضة بين التمسّكين، وهي ظاهر تحرير الكتاب، ولنبيّن الموازنة والمواجهة بينهما، بأن نأخذ دليل النووي في صورة المنع على دليل ابن الصلاح، ثم نحرّر مقدمة دليله الممنوعة، فإنْ تحصّن بالتحرير عن منعه فالحق معه، وإلّا فهو في ذمة المطالبة. وأنت تعرف أن المانع أجلد الخصمين وأوسعهما مجالاً، فنعط هذا المنصب لمن يخالف ما نعتقده من مذهب ابن الصلاح ومن معه، حتى يظهر الحق إن ظهر في غاية سطوعه ».

١٧٩

ثم شرع في تحقيق المسألة، وانتصر لابن الصّلاح، وإن شئت التفصيل فراجع رسالته التي أسماها: ( غاية الإيضاح في المحاكمة بين النووي وابن الصلاح ) المدرجة في كتابه ( دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب ).

* وهو مختار الشيخ إبراهيم بن حسن الكردي في رسالته ( إعمال الفكر والرّويات في شرح حديث إنما الأعمال بالنيّات ) وفي رسالته ( بلغة المسير إلى توحيد الله العليّ الكبير ). فإنّه ذكر مذهب ابن الصلاح وأيّده في أكثر من موضع، وذكر: « إنّ كلام الشّيخ ابن الصّلاحرحمه‌الله هذا كلام موجّه، محقق وإنْ ردّه الإمام النووي ».

* وقال ولي الله الدهلوي: « وأمّا الصحيحان فقد اتّفق المحدّثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وإنهما متواتران إلى مصنّفيهما، وأنّ كلّ من يهوّن أمرهما فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين »(١) .

* والأطرف من الكل: نقل الشيخ عبد المعطي - وهو من مشايخ القوم - عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشافهةً، تنصيصه على صحة جميع ما أخرجه البخاري!!! ذكر ذلك الشيخ أحمد النخلي المتوفى سنة ١١٣٠ وهو شيخ شيخ ولي الله الدهلوي، وقد وصفه ( الدهلوي ) في رسالته في ( أصول الحديث ) بأنه « أعلم أهل عصره ». وترجم له المرادي فوصفه بـ « الإمام العالم العلامة، المحدّث الفقيه الحبر الفهامة، المحقق المدقق النحرير »(٢) .

* نعم، ذكر النخلي هذا في رسالة ( أسانيده ) ما هذا نصّه:

« أخبرنا شيخنا جمال الدين القيرواني، عن شيخه الشيخ يحيى الخطّاب المالكي المكي قال: أخبرنا عمّي الشيخ بركات الخطابي، عن والده، عن جده

____________________

(١). حجّة الله البالغة: ١٣٩ باب طبقات كتب الحديث.

(٢). سلك الدرر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ١٧١.

١٨٠