نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٧

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار14%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 418

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216847 / تحميل: 8723
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بشرط مقابلة كلّ صاع منها بدرهم والجمع بين هذين الأمرين عند الزيادة والنقصان محال.

والثاني : يصحّ ؛ لإشارته إلى الصبرة ، ويلغى الوصف ، فإن خرج ناقصاً ، فللمشتري الخيار. فإن أجاز فبجميع الثمن ؛ لمقابلة الصبرة به ، أو [ بالقسط ](١) ؛ لمقابلة كلّ صاع بدرهم؟ وجهان.

وإن خرج زائداً ، ففي مستحقّ الزيادة وجهان :

أظهرهما : أنّها للمشتري ؛ لأنّ جملة الصبرة مبيعة منه ، فلا خيار له.

وفي خيار البائع وجهان ، أصحّهما : العدم ؛ لأنّه رضي ببيع جميعها.

والثاني : أنّ الزيادة للبائع ، فلا خيار له. وفي المشتري وجهان ، أصحّهما : ثبوت الخيار ، إذ لم يسلم له جميع الصبرة(٢) .

ه- لو قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة سواء بسواء ، فإن علما القدر منهما ، صحّ ، وإلّا بطل ، خلافاً للجمهور.

و - إنّما يصحّ بيع الصبرة إذا تساوت أجزاؤها ، فإن اختلفت - كصبرة ممتزجة من جيّدٍ وردي‌ء - لم يصحّ إلّا بعد المشاهدة للجميع. ولو باعه نصفها أو ثلثها ، فكذلك. وبه قال بعض الحنابلة(٣) . وبعضهم سوّغه ؛ لأنّه اشترى جزءاً مشاعاً ، فاستحقّ من جيّدها ورديئها(٤) .

ز - لو اشترى الصبرة جزافاً ، قال مالك : يجوز له بيعها قبل نقلها ؛

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : بالبسط. ما أثبتناه من المصادر.

(٢) المجموع ٩ : ٣١٣ - ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٥ - ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٤) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

٨١

لأنّه مبيع متعيّن لا يحتاج إلى حقّ يوفّيه ، فأشبه الثوب الحاضر. وهو رواية عن أحمد(١) .

وله اُخرى : المنع ، لقول ابن عمر : كُنّا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ننقله من مكانه(٢) (٣) .

ح - مَنَع المجوّزون الغشَّ بأن يجعلها على دكّة أو حجر ينقصها أو يجعل الردي‌ء أو المبلول في باطنها ؛ لأنّهعليه‌السلام مرَّ على صُبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعُه بللاً ، فقال : « يا صاحب الطعام ما هذا؟ » فقال : أصابته السماء يا رسول الله ، قال : « أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ » ثمّ قال : « من غشّنا فليس منّا »(٤) .

فإن وجده كذلك ، فللشافعيّة(٥) طريقان :

أحدهما : أنّ فيها قولَيْ بيع الغائب ؛ لأنّ ارتفاع الأرض وانخفاضها يمنع تخمين القدر ، وإذا لم يُفد العيان إحاطة ، فكان كعدم العيان في احتمال الغرر.

والثاني : القطع بالبطلان ؛ لأنّا إذا صحّحنا بيع الغائب أثبتنا خيار الرؤية ، والرؤية حاصلة هنا ، فيبعد إثبات الخيار معها ، ولا سبيل إلى نفيه ؛ للجهالة.

واعترض بأنّ الصفة والقدر مجهولان في بيع الغائب ، ومع ذلك ففيه‌

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ ، المغني ٤ : ٢٤٦.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣١٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٧.

(٤) المغني ٤ : ٢٤٦ ، وانظر : صحيح مسلم ١ : ٩٩ / ١٠٢ ، وسنن الترمذي ٣ : ٦٠٦ / ١٣١٥.

(٥) في « ق ، ك » للشافعيّة.

٨٢

قولان ، فكيف يقطع بالبطلان هنا مع علم بعض الصفات بالرؤية!؟

وإذا ثبت الخيار - وهو قول أحمد(١) - فوقت الخيار معرفة مقدار الصبرة أو تخمينه برؤية ما تحتها.

وفيه طريق ثالث للشافعي : القطع بالصحّة ؛ اعتماداً على المعاينة ، وجهالة القدر معها غير ضائرة(٢) .

وأثبت أحمد الخيارَ بين الفسخ وأخذ تفاوت ما بينهما ؛ لأنّه عيب(٣) .

ولو كان تحتها حفرة أو كان باطنها أجود ، فلا خيار للمشتري ، بل للبائع إن لم يعلم ، وإلّا فلا.

ولو ظهر تحتها دكّة ، ففي بطلان البيع للشافعي وجهان :

البطلان ؛ لأنّه ظهر أنّ العيان لم يُفد علماً.

والأظهر : الصحّة ، وللمشتري الخيار ؛ تنزيلاً لما ظهر منزلة العيب والتدليس(٤) .

ط - لو علم قدر الشي‌ء ، لم يجز بيعه صبرة ، عندنا ، وهو ظاهرٌ - وبه قال أحمد(٥) - لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ عرف مبلغ شي‌ء فلا يبعه جزافاً حتى يبينه »(٦) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، المجموع ٩ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤ - ٣٥.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٦.

(٤) المجموع ٩ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٤٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٠.

٨٣

وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد وعكرمة ومالك وإسحاق وطاوس(١) .

وعن أحمد أنّه مكروه غير محرَّم(٢) .

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا بأس بذلك ؛ لأنّه إذا جاز مع جهلهما ، فمع علم أحدهما أولى(٣) .

ي - لو باع ما علم كيله صبرة ، قال أبو حنيفة والشافعي : يصحّ - وهو ظاهر قول أحمد - لأنّه لا تغرير فيه ، فأشبه مالو علما كيله أو جهلاه(٤) .

وقال مالك : إنّه تدليس إن علم به المشتري ، فلا خيار له ؛ لأنّه دخل على بصيرة ، وإن جهل مع علم البائع ، تخيّر في الفسخ ؛ لأنّه غشّ(٥) . وهو قول بعض الحنابلة(٦) .

وعند بعضهم أنّه فاسد(٧) ، وهو مذهبنا ؛ لما تقدّم.

يأ - لو أخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل ، صحّ عندنا ، فإن قبضه واكتاله ، تمّ البيع ، وإن قبضه بغير كيلٍ ، فإن زاد ، ردّ الزيادة ، وإن نقص ، رجع بالناقص. وإن تلف ، فالقول قول المشتري في قدره مع يمينه ، سواء قلّ النقص أو كثر.

والأقوى : أنّ للمشتري التصرّف فيه قبل كيله - خلافاً لأحمد(٨) - لأنّه سلّطه عليه.

احتجّ بأنّ للبائع فيه علقةً ، فإنّه لو زاد ، كانت له. قال : فلو تصرّف فيما يتحقّق أنّه حقّه أو أقلّ بالكيل ، فوجهان ، أحدهما : الصحّة ؛ لأنّه تصرّف في حقّه بعد قبضه. والمنع ؛ لانّه لا يجوز التصرّف في الجميع فلم يجز في البعض(٩) .

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٤ - ٩) المغني ٤ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١.

٨٤

يب - لو كال طعاماً وآخر ينظر إليه ، فهل لمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيلٍ؟ أمّا عندنا فنعم - وهو إحدى روايتي أحمد(١) - لانتفاء الجهالة.

وكذا لو كاله البائع للمشتري ثمّ اشتراه منه أو اشتريا طعاماً فاكتالاه ثمّ باع أحدهما حصّته قبل التفرّق.

واُخرى عنه بالمنع(٢) .

مسألة ٤٧ : لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة ، صحّ‌ - كالثوب والدار والغنم - بالإجماع. وكذا لو باع جزءاً منه مشاعاً ، كنصفه أو ثُلثه ، أو جزءاً معيّناً ، كهذا البيت ، وهذا الرأس من القطيع.

أمّا لو باع ذراعاً منها أو عشرةً من غير تعيين ، فإن لم يقصد الإشاعة ، بطل إجماعاً. وإن قصد الإشاعة ، فإن لم يعلما عدد الذُّرْعان ، بطل البيع إجماعاً ؛ لأنّ الجملة غير معلومة ، وأجزاء الأرض مختلفة ، فلا يمكن أن تكون معيّنةً ولا مشاعة.

وإن علم الذُّرْاعان ، للشيخ قولان :

البطلان(٣) - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ الذراع عبارة عن بقعة بعينها ، وموضعها مجهول.

والصحّة(٥) - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - إذ لا فرق بين عُشْر الأرض وبين ذراع من عشرة على قصد الإشاعة.

وهو عندي أقرب. وليس الذراع بقعةً معيّنة ، بل هو مكيال.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٣ ، الخلاف ٣ : ١٦٤ ، المسألة ٢٦٤.

(٦) راجع المصادر في الهامش (٤).

٨٥

فروع :

أ - لو اتّفقا على أنّهما أرادا قدراً منها غير مشاع ، لم يصحّ البيع ؛ لاتّفاقهما على بطلانه. ولو اختلفا فقال المشتري : أردت الإشاعة فالبيع صحيح ، وقال البائع : بل أردت معيّناً ، فالأقرب تقديم قول المشتري ؛ عملاً بأصالة الصحّة وأصالة عدم التعيين.

ب - لو قال : بعتك من هذه الدار من هاهنا إلى هاهنا ، جاز ؛ لأنّه معلوم.

ج - لو قال : بعتك من هاهنا عشرة أذرع في جميع العرض إلى حيث ينتهي الذرع طولاً ، فالأقرب عندي : البطلان ؛ لاختلاف الذرع(١) ، والجهل بالموضع الذي ينتهي إليه.

وللشيخ قول بالجواز(٢) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

د - لو قال : بعتك نصيبي من هذه الدار ، ولا يعلم قدره ، أو : نصيباً أو سهماً أو جزءاً أو حظّاً أو قليلاً أو كثيراً ، لم يصحّ ، وإن علما نصيبه ، صحّ.

ه - لو قال : بعتك نصف داري ممّا يلي دارك ، قال الشافعي وأحمد : لا يصحّ ؛ لجهله بالمنتهى(٤) . وفيه قوّة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : الذراع.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٤ ، الخلاف ٣ : ١٦٤ ، المسألة ٢٦٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٦ - ٣١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١ ، وفيها قول أحمد فقط.

٨٦

و - لو قال : بعتك عبداً من عبدين أو أكثر ، أو : شاةً من شاتين أو أكثر ، لم يصحّ على الأشهر - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - للجهالة ، وبالقياس على الزائد على الثلاثة ، أو في غير العبيد ، كالثياب والدوابّ ، أو لم يجعل له الاختيارِ أو زاده على الثلاث ، أو على النكاح ، فإنّه لو قال : أنكحتك إحدى ابنتي ، بطل إجماعاً.

وفي روايةٍ لنا : يجوز(٢) ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في القديم في عبدٍ من عبدين أو من ثلاثة بشرط الخيار. ولأنّ الشرع أثبت التخيير مدّة ثلاثة أيّام بين العوضين ليختار هذا بالفسخ أو هذا بالإمضاء فجاز أن يثبت له الخيار بين عبدين ، وكما تتقدّر نهاية الاختيار بثلاثة تتقدّر نهاية ما يتخيّر فيه من الأعيان بثلاثة لا أزيد ؛ لدعاء الحاجة إليه ، وفي الأكثر يكثر الغرر ، والحاجة لا تنفي الغرر(٣) .

ويندفع بالتعيين. وما ذكروه من التخيير ضعيف.

ولو قال : بعتك شاةً من هذا القطيع ، بطل.

والأقرب : أنّه لو قصد الإشاعة في عبدٍ من عبدين أو في عشرة ، وفي شاةٍ من شاتين أو عشرة ، بطل ، بخلاف قصد الإشاعة في الذراع من الأرض.

ز - حكم الثوب حكم الأرض. ولو قال : بعتك من هاهنا إلى هاهنا ، صحّ إن كان ممّا لا ينقصه القطع ، وإن كان ممّا ينقصه القطع وشرطه ، جاز ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٦ - ٢٨٧ و ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٨٤ ، المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٠.

(٢) اُنظر : الكافي ٥ : ٢١٧ ، ١ ، والفقيه ٣ : ٨٨ / ٣٣٠ ، والتهذيب ٧ : ٧٢ / ٣٠٨.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٨٧ و ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١ - ٤٢ ، المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٨٧

وإلّا فالأقوى عندي : الجواز أيضاً ؛ لأنّه سلّطه على قطعه ببيعه إيّاه.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ، كما لو اشترى نصفاً معيّناً من الحيوان(١) .

وليس بجيّد ؛ لامتناع التسليم هنا ، بخلاف التسليم في الثوب ، فإنّ النقص لا يمنع التسليم إذا رضيه.

وكذا البحث لو باعه ذراعاً من اُسطوانة من خشب ، والخلاف بين الشافعيّة فيه كما تقدّم. قالوا : ولو كانت الاُسطوانة من آجُرٍّ ، جاز. قالوا : بشرط أن يكون انتهاء الذراع إلى انتهاء الآجُرّة ، فلا يلحق الضرر بذلك(٢) .

ح - الاستثناء كالمبيع يجب أن يكون معلوماً ، فلو استثنى جزءاً مجهولاً ، بطل ، كقوله : بعتك هؤلاء العبيد إلّا واحداً ، ولم يعيّنه ، سواء اتّفقت القِيَم أو لا. ولا فرق بين أن يقول : على أن تختار مَنْ شئت منهم أو لا ، ولا إذا قال ذلك بين أن يقدّر زمان الاختيار أو لا يقدّره.

ولو باع جملة الشي‌ء واستثنى جزءاً شائعاً ، كنصفٍ أو ثُلْثٍ ، جاز.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة إلّا صاعاً ، فإن كانت معلومة الصيعان ، صحّ ، وإلّا فلا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) - لأنّهعليه‌السلام نهى عن الثُّنْيا(٤) في البيع(٥) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٧.

(٢) المجموع ٩ : ٣١٧ - ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٤) هي أن يستثنى في عقد البيع شيء مجهول. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٢٢٤ « ثنا ».

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١١٧٥ / ٨٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٥ / ١٢٩٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، مسند أحمد ٤ : ٣٢٦ / ١٤٤٢٧.

٨٨

وقال مالك : يصحّ وإن كانت مجهولة الصيعان(١) . وهو القياس الذي يقتضيه جواز بيع الصبرة مع الجهالة ؛ إذ لا فرق بين بيعها بأسرها وبين استثناء صاعٍ معلوم منها.

أمّا نحن فلمـّا أبطلنا بيعها مع الجهل ، بطل مع الاستثناء المعلوم.

ط - لو باعه صاعاً من هذه الصبرة وهُما يعلمان العدد ، صحّ.

وهل ينزّل على الإشاعة بحيث لو تلف بعض الصبرة تلف بقسطه من المبيع ، أو لا ، بل المبيع صاع من الجملة غير مشاع ؛ لعدم اختلاف المقصود باختلاف أعيان الصيعان ، فيبقى المبيع ما بقي صاع؟ فيه احتمال.

وأظهرهما عند الشافعيّة : الأوّل(٢) .

ولو لم يعلما العدد ، فإن نزّلناه على الإشاعة ، فالأقرب : البطلان ، وهو قول بعض الشافعيّة(٣) .

وإن قلنا : المبيع صاع غير مشاع ، جاز - وهو أظهر وجهي الشافعي(٤) - فالمبيع أيّ صاع كان حتى لو تلفت الصبرة سوى صاعٍ ، تعيّن ، وللبائع أن يسلّم صاعاً من أسفلها وإن لم يكن مرئيّاً ؛ لعدم التفاوت.

وقال القفّال من الشافعيّة : يبطل ؛ لأنّه غير معيّن ولا موصوف ، فصار كما لو فرّقها وباعه واحداً منها(٥) .

ي - لو كان له عبد واحد فحضر في جماعة عبيد ، فقال سيّده : بعتك‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، وانظر بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٢.

(٢ و ٣ ) المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣ و ٤٤ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩.

٨٩

عبدي من هؤلاء ، والمشتري يراهم ، بطل ؛ للجهالة ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والآخر : يكون كبيع الغائب(١) .

يأ - يجب في المستثنى إمكان انفراده للبائع ، فلو باع أمةً واستثنى وطئها مدّةً ، لم يصحّ. ولو استثنى الكافر خدمة العبد - الذي بِيع عليه لإسلامه - مدّةً ، فالأقرب : الجواز ما لم تُثبت الخدمة عليه سلطنة ، كالمتعلّقة بالعين.

مسألة ٤٨ : إبهام السلوك كإبهام المبيع‌ ، فلو باعه أرضاً محفوفة بملكه من جميع الجهات وشرط السلوك من جانبٍ ولم يعيّن ، بطل البيع ؛ لتفاوت الغرض باختلاف الجهات ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو عيّن السلوكَ من جانبٍ ، صحّ إجماعاً ، وكذا لو قال : بعتكها بحقوقها ، ويثبت للمشتري حقّ السلوك من جميع الجوانب.

ولو أطلق ولم يعيّن جانباً ، فوجهان ، أظهرهما : ثبوت السلوك من الجميع ؛ لتوقّف الانتفاع عليه. وعدمه ؛ لسكوته عنه. وحينئذٍ هل هو بمنزلة نفي السلوك؟ احتمال.

وللشافعيّة كالوجهين(٣) .

ولو شرط نفي الممرّ ، فالوجه : الصحّة ؛ لإمكان الانتفاع بالإيجار وتوقّع تحصيل المسلك.

ويحتمل - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) - البطلان ؛ لتعذّر الانتفاع في الحال.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

٩٠

ولو كانت الأرض المبيعة الملاصقةَ للشارع ، فليس للمشتري السلوك في ملك البائع ، فإنّ العادة في مثلها الدخول من الشارع. وإن كانت ملاصقةً للمشتري(١) ، فليس له السلوك في ملك البائع ، بل يدخل في ملكه السابق إن جرى البيع مطلقاً. ولو قال : بحقوقها ، فله السلوك في ملك البائع. وهذا كلّه كقول الشافعيّة(٢) .

ولو باع داراً واستثنى لنفسه بيتاً ، فله الممرّ. وإن نفى الممرّ ، فإن أمكن اتّخاذ ممرّ آخر ، صحّ ، وإن لم يمكن ، فالأقرب الصحّة.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

مسألة ٤٩ : لو باع الدهن بظرفه وقد شاهده أو وصف له وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ‌ إذا عرف المقدار ، عندنا ، ومطلقاً عند مجوّزي بيع الجزاف(٤) . وكذا كلّ ما تتساوى أجزاؤه ، كالعسل والدبس والخلّ.

ولو باعه كلّ رطلٍ بدرهم ، فإن عرف الأرطال ، صحّ ، وإلّا فلا ، وحكمه حكم الصبرة. ولو باعه مع الظرف بعشرة ، صحّ ؛ لأنّه باع عينين يجوز العقد على كلّ واحد منهما منفرداً فجاز مجتمعاً.

فأمّا إن باع السمن مع الظرف كلّ رطل بدرهمٍ وعرفا قدر المجموع ، صحّ وإن جهلا تفصيله.

ومَنَع منه بعضُ الشافعيّة وبعض الحنابلة ؛ لأنّ وزن الظرف يزيد وينقص ولا يعلم كم بدرهمٍ منهما ، فيدخل على غرر(٥) .

____________________

(١) أي : لملك المشتري.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٤) المغني ٤ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٩ ، المغني ٤ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

٩١

والباقون جوّزوه - كما اخترناه - لصحّة بيع كلٍّ منهما منفرداً ، فصحّ مجتمعاً. ولأنّه رضي أن يشتري الظرف كلّ رطل منه بدرهم ويشتري السمن كذلك(١) .

ولا يضرّ اختلاف القيمة فيهما ، كما لو اشترى ثوباً مختلفاً أو أرضاً كلّ ذراع بدرهم ، فإنّ القيمة مختلفة ، ويكون ثمن كلّ ذراع درهماً ، ولا يحتاج أن يجعل بعض الذراع الجيّد وبعض الردي‌ء بدرهم.

وإن باعه كلّ رطل بدرهمٍ على أن يزن الظرف معه فيحسب عليه بوزنه ولا يكون مبيعاً وهُما يعلمان زنة كلّ واحد منهما ، صحّ ؛ لأنّه إذا علم أنّ الدهن عشرة والظرف رطلان ، كان معناه بعتك عشرة أرطال باثني عشر درهماً. ولو لم يعلما زنتهما ولا زنة أحدهما ، بطل ؛ لأدائه إلى جهالة الثمن في الحال في الجملة والتفصيل ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

مسألة ٥٠ : يجوز بيع النحل إذا شاهدها وكانت محبوسةً بحيث لا يمكنها الامتناع‌ - وبه قال الشافعي ومحمّد بن الحسن وأحمد(٣) - لأنّها معلومة يقدر على تسليمها ، فصحّ بيعها كغيرها.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز بيعها منفردةً ؛ لأنّه لا ينتفع بعينه ، فأشبه الحشرات(٤) .

والجواب : المنع من عدم الانتفاع ؛ لأنّها يخرج من بطونها شراب فيه‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١١٠ ، المغني ٤ : ٢٥١ و ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٢) المجموع ٩ : ٣٢٠ ، المغني ٤ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، المجموع ٩ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ١١٢ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

٩٢

منافع للناس ، فصارت كبهيمة الأنعام.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يجوز بيعها في كواراتها(١) - وبه قال بعض الحنابلة(٢) - لجهالتها.

وقال بعضهم : يجوز(٣) .

والضابط : العلم ، فإن تمكّن منه بأن يفتح رأس البيت ويشاهدها ويعرف كثرتها من قلّتها ، جاز ، وإلّا فلا.

مسألة ٥١ : ويجوز بيع دود القزّ - وبه قال الشافعي وأحمد‌(٤) - لأنّه حيوان طاهر معلوم يجوز اقتناؤه لتملّك ما يخرج منه ، فأشبه البهائم.

وقال أبو حنيفة في رواية عنه : إنّه لا يجوز بيعه. وفي رواية اُخرى : إن كان معه قزّ ، جاز بيعه ، وإلّا فلا ؛ لأنّه لا ينتفع بعينه ، فأشبه الحشرات(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ النفع بها ظاهر ، وهو ما يخرج منها ، كالبهائم التي لا ينتفع بها بشي‌ء غير النتاج ، بخلاف الحشرات التي لا نفع فيها البتة ، فإنّ هذه يخرج منها الحرير ، وهو أفخر الملابس.

وكذا يجوز بيع بزره.

ومَنَعه بعض الحنابلة(٦) . وهو خطأ ؛ لما مرّ.

____________________

(١) الكِوارة : شي‌ء يتّخذ للنحل من القُضْبان ، وهو ضيق الرأس. لسان العرب ٥ : ١٥٦ « كور ».

(٢ و ٣ ) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٢٧ و ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٤.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٢٧ و ٢٥٣ ، المحلّى ٩ : ٣١ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٦) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

٩٣

مسألة ٥٢ : المسك طاهر يجوز بيعه في الجملة‌ ، وبه قال عامّة الفقهاء(١) .

وحكي عن بعض الناس : المنع من بيعه ؛ لأنّه نجس ، لقولهعليه‌السلام : « ما اُبين من حيّ فهو ميّت »(٢) والميتة نجسة(٣) .

وقد قيل : إنّه دم(٤) .

وهو خطأ ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للأنصاريّة التي سألته عن غسل الحيض : « خُذي فِرصةً(٥) من مسك فتطهّري بها »(٦) .

ولا دلالة في الخبر ؛ لأنّ الغزال يلقيه كما يلقي الولدَ ، ويلقي الطير البيضَ. والدم المحرَّم هو المسفوح ، فإنّ الكبد حلال وهو دم ، وقد روي جواز بيعه عن الصادقعليه‌السلام (٧) .

إذا ثبت هذا ، فقد جوّز الشيخُ بيعَ المسك في فأرة وإن لم يفتق ، وفتقه أحوط(٨) ، وبه قال بعض الشافعيّة ؛ لأنّ بقاءه في فأرةٍ مصلحة له ، فإنّه يحفظ رطوبته وذكاء رائحته ، فأشبه ما مأكوله في جوفه(٩) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٠٦ وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ١١١ / ٢٨٥٨ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٣٤ نحوه.

(٣ و ٤ ) حلية العلماء ٤ : ١٠٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ ، وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧.

(٥) الفِرْصة : قطعة من صوف أو قطن أو خرقة. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٤٣١ « فرص ».

(٦) صحيح البخاري ١ : ٨٥ - ٨٦ ، سنن النسائي ١ : ١٣٥ - ١٣٦ ، سنن البيهقي ١ : ١٨٣ ، معرفة السنن والآثار ١ : ٤٨٨ - ٤٨٩ / ١٤٦١ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣١٧.

(٧) اُنظر : الفقيه ٣ : ١٤٣ / ٦٢٨ ، والتهذيب ٧ : ١٣٩ / ٦١٥.

(٨) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٨ ، الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٨.

(٩) المجموع ٩ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

٩٤

ومَنَع أكثر أصحاب الشافعي وأصحاب أحمد ؛ لبقائه خارج وعائه من غير ضرورة ، وتبقى رائحته [ فلم يجز ](١) بيعه مستوراً ؛ لجهالة صفته ، كالدرّ في الصدف(٢) .

والوجه : الصحّة ؛ لأنّ صفة المسك معلومة ، فيشتريه بشرط الصحّة ، كالمذوق قبل ذوقه.

مسألة ٥٣ : لا يجوز بيع البيض في بطن الدجاجة ولا النوى في التمر‌ - وهو وفاق - للجهالة.

ولو باع لؤلؤةً في صدفٍ ، لم يجز أيضاً ؛ للجهالة ، وبه قال محمّد(٣) .

وقال أبو يوسف : يجوز ، وله الخيار إذا رآه ؛ لأنّه كالحقّة(٤) .

ونحن نمنع من حكم الأصل ؛ لعدم ضبط اللؤلؤ.

مسألة ٥٤ : قد بيّنّا أنّ جهالة الاستثناء تُبطل البيع‌ ، وكذا المنفصل المعلوم إذا جُهلت نسبته إلى المستثنى منه ، فلو باعه بعشرة إلّا ثوباً وعيّنه ، لم يصحّ. وكذا لو باعه بثوب إلّا درهماً مع جهل النسبة.

ولو استثنى جزءاً معلوماً مشاعاً ، كثُلْثٍ أو ربع من الصبرة أو الحائط ، أو جزءين وأزيد ، كتُسْعين أو ثلاثة أثمان ، صحّ البيع ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لانتفاء الجهالة.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : فلم يقع. وما أثبتناه - كما هو الصحيح - من المغني والشرح الكبير.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ - ٣٣٥ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

(٣ و ٤) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥.

٩٥

وقال أبو بكر وابن أبي موسى : لا يجوز(١) . وليس بمعتمد.

وكذا يجوز أن يستثني المشاع من الحيوان ، كثُلْثه أو ربعه ؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع.

وقال بعض الحنابلة : لا يجوز ؛ قياساً على استثناء الشحم(٢) .

وهو خطأ ؛ لجهالة الشحم.

ولو قال : بعتك قفيزاً من هذه الصبرة إلّا مكّوكاً(٣) ، صحّ.

فروع :

أ - لو باع قطيعاً واستثنى شاةً معيّنة ، صحّ البيع ، وإن لم تكن معيّنةً ، بطل - وهو قول أكثر العلماء(٤) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الثُّنْيا إلّا أن تعلم(٥) . ونهى عن الغرر(٦) . ولأنّه مبيع مجهول فلم يصحّ ، كما لو قال : إلّا شاة مطلقة.

وقال مالك : يصحّ أن يبيع مائة شاة إلّا شاة يختارها ، أو يبيع ثمرة حائطه ويستثني ثمرة نخلاتٍ يعدّها(٧) .

ب - لو قال : بعتك هذا بأربعة دراهم إلّا بقدر درهم ، أو : إلّا ما يخصّ درهماً ، صحّ ؛ لأنّ قدره معلوم من المبيع وهو الربع ، فكأنّه قال : بعتك ثلاثة أرباعه بأربعة. ولو قال : إلّا ما يساوي درهماً ، صحّ مع العلم‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥.

(٣) المكّوك : ميكال معروف لأهل العراق. لسان العرب ١٠ : ٤٩١ « مكك ».

(٤) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٢ / ٣٤٠٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٥ / ١٢٩٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٤٨ ، الهامش (٢).

(٧) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٩٦

لا مع الجهالة ؛ إذ ما يساوي الدرهم قد يكون الربع وقد يكون أكثر وأقلّ.

ج - لو باعه سمسما واستثنى الكسب(١) ، لم يجز ، لأنّه قد باعه الشيرج بالحقيقة ، وهو غير معلوم. وكذا لو استثنى الشيرج. وكذا لو باعه قطناً واستثنى الحبّ أو بالعكس ، وبه قال الشافعي(٢) .

مسألة ٥٥ : لو باعه حيواناً مأكولاً واستثنى رأسه وجلده ، فالأقوى بطلان البيع - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(٣) - لأنّه لم يجز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه ، كالحمل ، ولأنّه مجهول.

وفي قولٍ لنا : الشركة بقيمة ثُنْياه(٤) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « اختصم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيراً واستثنى البيّعُ الرأسَ والجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال للمشتري : هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد »(٥) .

وقال مالك : يكون له ما استثناه ، ويصحّ البيع في السفر دون الحضر ؛ لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط. فجوّز له شراء اللحم دونها(٦) .

وليس بجيّد ؛ لتساوي السفر والحضر في الحكم.

وقال أحمد : يصحّ الاستثناء مطلقاً ؛ لأنّ المستثنى والمستثنى منه معلومان ، فصحّ ، كما لو استثنى نخلةً معيّنة(٧) .

____________________

(١) الكُسْب : عصارة الدهن. لسان العرب ١ : ٧١٧ « كسب ».

(٢) المجموع ٩ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٤) من القائلين بذلك : المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٥٧.

(٥) الكافي ٥ : ٣٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٨١ / ٣٥٠.

(٦) المدونّة الكبرى ٤ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٧) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

٩٧

وليس بجيّد ؛ للعلم هنا.

فروع :

أ - لو باع الرأس والجلد أو شارك فيهما ، فالوجه عندي : البطلان ؛ للجهالة وتعذّر التسليم.

وفي قولٍ لنا : إنّه يكون للشريك بقدر نصيبه(١) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رجلٍ شهد بعيراً مريضاً وهو يباع ، فاشتراه رجل بعشرة دراهم وأشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضي أنّ البعير بري‌ء فبلغ ثمانية دنانير ، قال : فقال : « لصاحب الدرهمين خُمس ما بلغ ، فإن قال : أريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد اُعطي حقّه إذا اُعطي الخُمس »(٢) .

ب - لو امتنع المشتري من ذبحها ، قال أحمد : لم يجبر عليه ، ويلزمه قيمة ذلك ؛ لما روي عن عليّعليه‌السلام أنّه قضى في رجلٍ اشترى ناقةً وشرط ثُنْياها ، فقال : « اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثُنْياها من ثمنها »(٣) .

وقد بيّنّا أنّ الأقوى بطلان البيع.

ج - لو استثنى شحم الحيوان ، لم يصحّ البيع - وبه قال أحمد(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الثُّنْيا إلّا أن تعلم(٥) . ولأنّه لا يصحّ إفراده بالبيع ؛

____________________

(١) قال به المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٥٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٩/ ٣٤١ ، وبتفاوت في الكافي ٥ : ٢٩٣ / ٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١ - ٢٢.

(٤) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٩٥ ، الهامش (٥).

٩٨

لجهالته.

مسألة ٥٦ : لو استثنى الحملَ ، صحّ عندنا - وبه قال الحسن والنخعي‌ وإسحاق وأبو ثور وأحمد في روايةٍ(١) - لأنّ نافعاً(٢) روى عن ابن عمر أنّه باع جاريةً واستثنى ما في بطنها(٣) .

ولأنّه يصحّ استثناؤه في العتق فصحّ في البيع.

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في اُخرى ، والثوري : لا يصحّ ، لأنّه مجهول لا يصحّ إفراده بالبيع ، فلا يصحّ استثناؤه. ولأنّهعليه‌السلام نهى عن الثّنيا إلّا أن تعلم(٤) (٥) .

ونحن نقول بالموجب ، فإنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، والبيع إنّما تناول الاُمّ دون الحمل ، وإطلاق الاستثناء عليه مجاز ، بل نقول نحن : إنّه لو باع الامّ ولم يستثن الحمل ، لم يدخل في البيع ، وكان للبائع ، والاستثناء هنا مؤكّد لا مخرج.

تذنيب : لو باع أمةً حاملاً بحُرٍّ ، جاز البيع عندنا ؛ للأصل‌ ، خلافاً للشافعي ؛ لأنّ الحمل لا يدخل في البيع ، فصار كأنّه مستثنى ، فلا يصحّ بيعها(٦) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ - ٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « نافع » غير منصوب.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٩٥ ، الهامش (٥).

(٥) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ - ٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٦) المجموع ٩ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧.

٩٩

ونمنع بطلان الاستثناء.

مسألة ٥٧ : لا يكفي في العلم مشاهدة وجه الدابّة‌ ، بل لابُدّ من النظر إلى مؤخّرها - وبه قال أبو يوسف(١) - لأنّ المؤخّر موضع مقصود منها ، فيشترط رؤيته.

وقال محمّد بن الحسن : لا يشترط ؛ لأنّ الأصل في الحيوان الوجه ، فتكفي رؤيته ، كالعبد والأمة(٢) .

ونحن نمنع المقيس عليه ، ونوجب المشاهدة لجميع الأجزاء الظاهرة في المبيع كلّه ، سواء كان حيواناً أو غيره ، أو نثبت خيار الرؤية لو ظهر البعض على الخلاف.

ولو اشترى دارا فرأى خارجها ، لم يصحّ ، إلّا إذا وصف الباقي وصفاً يرفع الجهالة ، ويثبت خيار الرؤية ، وبه قال زفر(٣) .

وقال أبو حنيفة وصاحباه : إذا رأى خارجها ، كان رؤية لها(٤) . وليس بجيّد.

مسألة ٥٨ : وكما أنّ الجهالة في الموضعين مبطلة فكذا في صفاتهما ولواحق المبيع‌ ، فلو شرطا شرطاً مجهولاً ، بطل البيع. ولو شرطا تأجيل الثمن ، وجب أن يكون معلوماً ، فلو أجّله إلى الحصاد ونحوه ، بطل البيع ؛ للجهالة.

فإن أسقط الأجل ، لم ينقلب جائزاً عندنا - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّه‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٣.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٣.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٤.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٢٧.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

« قوله: نحو قام رجال كانوا فى دارك إلا زيداً منهم. قال الكمال: هذا المثال وإنْ تمشى فيه ما ادّعاه من العموم فيما تخصّص به، فلا يخصّ المثال من كون الدار حاصرة لهم، ولا يتمشّى فيما مثّل به ابن مالك من قوله: جاءنى رجال صالحون إلّا زيداً. واعترضه شيخ الإسلام حيث قال: قد يوجّه عمومه فيما تخصّص به بوجوب دخول المستثنى فى المستثنى منه لولا الإستثناء، لتكون الدار حاصرةً للجميع. ويردّ بمنع وجوب ذلك، وأن الدار حاصرة للجميع، لجواز أنْ لا يكون زيد منهم، ولهذا احتيج إلى ذكر منهم، مع أنّ فى عموم ذلك نظراً، إذ معيار العموم صحة الإستثناء لا ذكره، وهذا لا يعرف إلّا بذكره.

وأمّا ما اختاره ابن مالك من جواز الإستثناء من النكرة فى الإثبات نحو: جاءنى قوم صالحون إلّا زيداً، فهو مخالف لقول الجمهور، إذْ الإستثناء إخراج ما لولاه لوجب دخوله فى المستثنى منه، وذلك منتف فى المثال. نعم إنْ زيد عليه منهم كان موافقاً لهم. لكن فيه ما مر آنفاً.

وقوله: وإنّ الدار حاصرة للجميع. قد يقال: ولو سلّم أنها حاصرة للجميع، فكونها كذلك لا يقتضى العموم فيما تخصّص به، لصدق اللفظ بجماعة ممّن كانوا فى الدار، ولا يتبادر من اللفظ جميع من كانوا فى الدار.

ويجاب بأنْ الإستثناء دليل العموم فيما تخصّص به وإلاّ لم يحتج إليه، والظاهر من الإستثناء هو الإحتياج إليه.

وقوله: ولهذا احتيج إلى ذكر منهم. يخالفه قول الشهاب.

قوله: منهم. حال من زيد. يعنى: لا يستثنى زيد - مثلاً - فى هذا التركيب، إلّا إذا كان من جملة الرجال المحدث عنهم، فلا يلزم ذكر لفظة منهم فى التركيب حين الإخبار.

٣٠١

وقوله فى توجيه نظره: إذ معيار العموم صحة الإستثناء لا ذكره.

قد يقال: من لازم ذكره على وجه صحيح صحته، ولا شك فى صحّة هذا التركيب مع صحة هذا الإستثناء.

وقوله: وأما ما اختاره ابن مالك الخ. فيندفع به إيراد الكمال هذا المثال على الشارح، فيقال كلامه مبنى على مذهب الجمهور.

واعلم أنّ ما تقدّم عن التلويح قد يدل على العموم فيما مثّل به ابن مالك أيضاً ».

أقول:

وعلى الجملة، فإنّ كلمات القوم صريحة فى أنّ المراد من صحّة الإستثناء من لفظٍ صحة وقوع الإستثناء بعده، لا ذكره بعده بالفعل، فكل لفظٍ صحّ ذلك فيه كان دالّاً على العموم وإنْ لم يوجد الإستثناء، فليس وجود الإستثناء منه شرطاً فى دلالته على العموم، بل يكفى مجرَّد صحة الإستثناء منه.

ومن الواضح جداً: إن لفظ المنزلة المضاف إلى العلم يصحّ الإستثناء منه قطعاً، لجواز أن تقول: زيد بمنزلة عمرو إلّا فى النسب، أو إلّافى العلم، أو إلّافى المال ونحو ذلك ولفظ « المنزلة » الوارد فى هذا الحديث - بالخصوص - يصحّ منه الإستثناء المتّصل، كما لو كان لفظ الحديث: أنت منّى بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة، فإنّه استعمال صحيح ومتين قطعاً ولقد ورد هذا الحديث باللّفظ المذكور فى رواياتٍ عديدة كما تقدم ويأتى إن شاء الله.

وإذا صحّ الإستثناء من لفظ المنزلة المضاف إلى العلم، ظهر كون لفظ المنزلة المضاف إلى العلم من ألفاظ العموم

وعلى ما ذكرنا، يكون مجرَّد: « أنت منى بمنزلة هارون من موسى » دالّاً

٣٠٢

بوضوح على عموم المنازل، وإنْ فرض عدم مجرد الإستثناء فيه.

فثبت - والحمد لله - أن ما ذكره ( الدهلوي ) تبعاً لأئمّته - أعنى التفتازانى، والقوشجى، والكابلى - فى هذا الإستثناء، أعنى: « إلّا أنّه لا نبي بعدي ». وزعمهم أنّه إستثناء غير متصل بل منقطع، مندفع حتى بعد تسليم الإنقطاع، لكفاية صحة الإستثناء فى دلالة لفظ المنزلة على العموم، ولا حاجة إلى إثبات الإستثناء المتّصل.

٣٠٣

الردّ على دعوى أنّ الإستثناء في هذا الحديث منقطع

قوله:

والإستثناء هنا منقطع بالضرورة لفظاً ومعنىً.

أقول:

أولاً: إنّ ( الدهلوي ) يدّعى أنّ الإستثناء في هذا الحديث منقطع، وهو بعدُ لم يثبت انقطاع الإستخلاف!! وهذا إنْ دلّ على شيءٍ، فإنّما يدلّ على تشتّت باله واختلال أحواله!!

بين هذه الدعوى ومعيار العموم

وثانياً: قد عرفت أنّ صحّة الإستثناء معيار العموم، وأنّ ( الدهلوي ) يعترف بهذه القاعدة، فكان على ( الدهلوي ) أن يتكلَّم في صحة الإستثناء المتّصل، لا أنْ يكتفي بإنكار وجود الإستثناء المتّصل، إذ عدم كون الإستثناء الموجود متّصلاً - لو فرض فرضاً باطلاً - لا يضرّ المستدل ولا ينفع المجيب، لأنّ الكلام إنما هو فى صحة الإستثناء، و ( الدهلوي ) عاجز عن التكلّم في هذه النّاحية بشيء

والعجب من صلافة هذا الرّجل، كيف يدّعى في الباب الحادي عشر من كتابه وجود الأوهام في دلائل علمائنا الكرام، وهو يرتكب هذه الأوهام الطريفة والأغلاط اللطيفة، في فهم القواعد المشهورة والقوانين المعروفة التى ليس فيها أي إعضالٍ وإشكال؟!

والأعجب منه، إنّه ينسب - في الباب المذكور - إلى علماء الشيعة الوقوع في وهمِ أخذِ ما بالقوة مكان ما بالفعل، ويمثّل لذلك بحديث المنزلة، مع أنّه

٣٠٤

بنفسه قد أخذ هنا ما بالفعل مكان ما بالقوة، حيث جعل وجود الإستثناء - وهو بالفعل - مكان صحة الإستثناء وهو بالقوة. وأما نسبة ما ذكر إلى علماء الإمامية، فسيأتى دفعها فيما بعد بوجوه.

قوله:

أمّا لفظاً، فلأنّ: « إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » جملة خبريّة، فلا يمكن استثناؤها من منازل هارون، وتكون هذه الجملة بعد تأويلها إلى المفرد بدخول « إنّ » فى حكم إلاّعدم النبوة، ومعلوم أنّ عدم النبوة لم يكن من منازل هارون حتى يصح استثناؤه.

الأصل في هذه الدعوى هو التفتازانى

أقول:

ولا يخفى أن الأصل في دعوى انقطاع الإستثناء في الحديث - على ما يظهر من التتبّع - هو سعد الدين التفتازاني، فإنه قال:

« وليس الإستثناء المذكور إخراجاً لبعض أفراد المنزلة، بمنزلة قولك: إلّا النبوّة، بل منقطع بمعنى لكن، على ما لا يخفى على أهل العربية، فلا يدل على العموم. كيف؟ ومن منازله الأخوّة في النسب ولم تثبت لعلي، اللهمّ إلّا أن يقال إنها بمنزلة المستثنى، لظهور انتفائها »(١) .

وتبعه القوشجي حيث قال:

« وليس الإستثناء المذكور إخراجهاً لبقض أفراد المنزلة، بمنزلة قولك إلّا النبوة، بل هو منقطع بمعنى لكن، فلا يدل على العموم، كيف ومن منازلة الأخوة

____________________

(١). شرح المقاصد ٥ / ٢٧٥.

٣٠٥

فى النسب ولم يثبت لعلي، اللهمّ إلّا أنْ يقال إنها بمنزلة المستثنى، لظهور انتفائها »(١) .

ومنهما أخذ الكابلي، لكنّه أسقط من الكلام قولهما: « إلّا أنْ يقال » وهذه عبارته: « والإستثناء ليس إخراجاً لبعض أفراد المنزلة، بل منقطع بمنزلة غير، وهو غير عزيز في الكتاب والسنة، ولا يدل على العموم، فإنَّ من منازل هارون من موسى الاُخوة فى النسب، ولم يثبت ذلك لعلي»(٢) .

وقلّدهم ( الدّهلوي ) ولكنه لو كان له أقل خبرة بالقواعد العلمية، وأقل ممارسة للكتب الفقهية والأصولية، لما وقع في هذا الوهم الذي وقع فيه غيره

لا يجوز الحمل على الإنقطاع إلّاعند تعذّر الإتّصال

وذلك، لأنّ ممّا تقرر عند المحققين وتسالموا عليه، عدم جواز حمل الإستثناء على الإنقطاع إلا عند تعذّر الإتصال، وإليك نصوص بعض عباراتهم في ذلك:

قال ابن الحاجب: « الإستثناء في المنقطع قيل: حقيقة، وقيل: مجاز، وعلى الحقيقة قيل: متواطىء، وقيل: مشترك. ولابدَّ لصحته من مخالفة في نفي الحكم أو في المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه، مثل: ما زاد إلّا ما نقص. ولأن المتّصل أظهر، لم يحمله علماء الأمصار على المنقطع إلّا عند تعذّره، ومن ثمَّ قالوا فى: له عندي مائة درهم إلّاثوباً، وشبهه: إلّاقيمة ثوب »(١) .

وقال عضد الدين الإيجي بشرحه: « واعلم أنّ الحق أن المتصل أظهر، فلا

____________________

(١). شرح التجريد: ٣٧٠.

(٢). الصواقع الموبقة - مخطوط.

(٣). المختصر في علم الاصول ٢ / ١٣٢.

٣٠٦

يكون مشتركاً، ولا للمشترك، بل حقيقة فيه ومجازاً في المنقطع، فلذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلّاعند تعذّر المتّصل، حتى عدلوا للحمل على المتّصل عن الظاهر وخالفوه، ومن ثمَّ قالوا في قوله: له عندي مائة درهم إلّاثوباً، وله عليَّ إبل إلّا شاة معناه: إلّا قيمة ثوب أو قيمة شاة، فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متّصلاً، ولو كان في المنقطع ظاهراً لم يرتكبوا مخالفة ظاهرٍ حذراً عنه ».

وقال البهاري: « أداة الإستثناء مجاز في المنقطع، وقيل حقيقة، فقيل: مشترك، وقيل: متواطىء، أي وضعت لمعنى فيها وضعاً واحداً. لنا: إن المتّصل أظهر، فلا يتبادر من نحو: جاء القوم إلّا إرادة إخراج البعض، فلا يكون مشتركاً ولا للمشترك، ومن ثمّة لم يحمله علماء الأمصار عليه ما أمكن المتّصل ولو بتأويل، فحملوا: له عليَّ ألف إلّاكرّاً على قيمته »(١) .

وقال عبد العزيز البخاري: « وقال [ الشافعي ] في رجل قال: لفلان عليَّ ألف درهم إلّا ثوباً: إن الإستثناء صحيح، ويسقط من الألف قدر قيمة الثوب، لأنّ معناه إلّاثوباً فإنّه ليس عليَّ من الألف، لأنه ليس بياناً إلّاهكذا.

ثم الدليل المعارض - وهو الإستثناء - واجب العمل بقدر الإمكان، إذ لو لم يعمل به صار لغواً، والأصل في كلام العاقل أنْ لا يكون كذلك، فإن كان المستثنى من جنس المستثنى منه يمكن إثبات المعارضة في عين المستثنى، والإمكان ههنا في أن يجعل نفياً لقدر قيمة الثوب لا لعينه، فيجب العمل به كما قال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - في قول الرجل: لفلان عليَّ ألف إلّا كراً حنطةً: إنه يصرف إلى قيمة الكر، تصحيحاً للإستثناء بقدر الإمكان. قال: ولو كان الكلام عبارةً عمّا وراء المستثنى كما قلتم ينبغي أنْ يلزمه الألف كاملاً، لأن

____________________

(١). مسلّم الثبوت ١ / ٣١٦ هامش المستصفى.

٣٠٧

مع وجوب الألف عليه نحن نعلم أنه لا كرّ عليه، فكيف يجعل هذا عبارةً عمّا وراء المستثنى، والكلام لم يتناول المستثنى أصلاً، فظهر أن الطريق فيه ما قلنا ».

ثم قال البخاري في الجواب عن استدلال الشافعي نقلاً عن أصحابه:

« وكذا صحة الإستثناء في قوله: عليَّ ألف إلّا ثوباً. ليست مبنيّةً على أنّ الإستثناء معارضة أيضاً، بل هي مبنيّة على أنّ الإستثناء المتصل حقيقة، والإستثناء المنقطع مجاز، فمهما أمكن حمل الإستثناء على الحقيقة وجب حمله عليها، إذ الأصل في الكلام هو الحقيقة، ومعلوم أنّه لابدّ في الإستثناء المتّصل من المجانسة، فوجب صرف الإستثناء إلى القيمة ليثبت المجانَسة ويتحقّق الإستخراج كما هو حقيقة، ألا ترى أنّه لا يمكن جعله معارضة إلاّ بهذا الطريق، إذ لا بدّ من اتحاد المحلّ أيضاً. وإذا وجب ردّ الثوب إلى القيمة تصحيحاً للإستثناء لا ضرورة إلى جعله معارضة، بل يجعل عبارة عما وراء المستثنى »(١) .

وقال البخاري أيضاً: « قوله: وقوله تعالى:( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) (٢) إستثناء منقطع. ذهب بعض مشايخنا منهم القاضي الإمام أبو زيد إلى أنّ هذا إستثناء منقطع، وتقريره من وجهين وذهب أكثرهم إلى أنّه إستثناء متصل، لأنّ الحمل على الحقيقة واجب مهما أمكن، فجعلوه استثناء حال بدلالة الثنيّا، فإنها تقتضى المجانسة، وحملوا الصدر على عموم الأحوال، أي: أضمروا فيه الأحوال فقالوا: التقدير أولئك هم الفاسقون في جميع الأحوال، أي حال المشافهة والغيبة، وحضور القاضي وحضور الناس وغيبتهم، وحال الثبات والإصرار على القذف وحال الرجوع والتوبة ».

____________________

(١). كشف الأسرار في شرح البزدوي ٣ / ٢٥٠ - ٢٥١.

٣٠٨

قال: « قوله: وكذلك قوله تعالى:( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) أي: ومثل قوله تعالى:( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) قوله عزوجل:( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) ، فإنّه استثناء حال أيضاً، إذ لا يمكن استخراج العفو الذي هو حالهنَّ عن نصف المفروض حقيقة، لعدم المجانسة، فيحمل الصدر على عموم الأحوال، أي: لهنَّ نصف ما فرضتم، أو عليكم نصف ما فرضتم في جميع الأحوال، أي: في حال الطلب والسكوت، وحال الكبر والصغر، والجنون والإفاقة، إلّا في حالة العفو، إذا كانت العافية من أهله، بأنْ كانت عاقلة بالغةً، فكان تكلّماً بالباقي نظراً إلى عموم الأحوال ».

قال: « قوله: وكذلك. أي ومثل قوله تعالى:( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) قوله عليه الصلاة والسلام: إلّاسواء بسواء. فإنه استثناء حال أيضاً، لانّ حمل الكلام على الحقيقة واجب ما أمكن، ولا يمكن استخراج المساواة من الطعام، فيحمل الصدر على عموم الأحوال، فصار كأنّه قيل: لا تبيعوا الطعام بالطعام في جميع الأحوال من المفاضلة والمجازفة والمساواة إلّا في حالة المساواة، ولا يتحقق هذه الأحوال إلّا في الكثير

فإنْ قيل: لا نسلّم أنّ هذا إستثناء متصل، بل هو إستثناء منقطع، لاستحالة استخراج المساواة التي هي معنىً من العين، فيكون معناه: لكن إنْ جعلتموها سواء فبيعوا أحدهما بالآخر، فيبقى الصدر متناولاً للقليل والكثير. وقولكم: العمل بالحقيقة أولى، مسلّم، ولكن إذا لم يتضمّن بالعمل بها مجازاً آخر وقد تضمّن ههنا، لأنّه لا يمكن حمله على الحقيقة إلّابإضمار الأحوال في صدر الكلام، والإضمار من أبواب المجاز

قلنا: حمل الكلام على الحقيقة واجب، فلا يجوز حمله على المنقطع الذي هو مجاز من غير ضرورة. وقولهم: حمله على الحقيقة يتضمّن مجازاً آخر. قلنا: قد قام الدليل على هذا المجاز وهو الإضمار، فوجب العمل به. فأما

٣٠٩

المجاز الذي ذكرتم فلم يقم عليه دليل، فترجّحت الحقيقة عليه

فثبت أن حمله على المتّصل مع الإضمار أولى من حمله على المنقطع »(١) .

رجوع « إلّا أنّه لا نبي بعدي » إلى الإتصال بوجهين:

إذا عرفت أنّ الأصل في الإستثناء هو الإتصال وهو الحقيقة فيه، وأنّه لا يجوز حمله على الإنقطاع إلّا عند تعذّر الإتصال، فاعلم أنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث: « إلّا أنّه لا نبي بعدي» يرجع إلى الإستثناء المتصل بوجهين:

١ - الأصل فيه: إلّا النبوّة لأنّه لا نبيّ بعدي

الأول: أنْ نقول إنّ الأصل في الحديث: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوة لأنه لا نبي بعدي » فحذف لفظ « النبوّة » الذي هو المستثنى في الحقيقة وقامت العلّة مقام المعلول كما حذف لفظ « القيمة » في الأمثلة المتقدمة في كلمات الائمة، وأقيم لفظ « ثوباً » أو « شاةً» أو « كراً » مقامه.

والوجه في حذف لفظ « النبوة » هو: إيثار الإيجاز، ولا يخفى حسن الإيجاز على العارف بأساليب الكلام والماهر في علم المعانى:

قال السكّاكي: « والعلم في الإيجاز قوله علت كلمته:( فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) (١) وإصابته المحزّ بفضله على ما كان عند أوجز كلام في هذا المعنى، وذلك قولهم: القتل أنفى للقتل. ومن الإيجاز قوله تعالى( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) ذهاباً إلى أنّ المعنى: هدى للضالّين الصائرين إلى التقوى بعد الضلال، لما أنّ

____________________

(١). كشف الاسرار في شرح أصول البزدوي ٣ / ٢٦٢ - ٢٦٥.

٣١٠

الهدى أيْ الهداية إنما تكون للضالّ لا للمهتدي. ووجه حسنه قصد المجاز المستفيض نوعه، وهو وصف الشيء بما يؤول إليه، والتوصّل به إلى تصدير أولى الزهراوين بذكر أولياء الله. وقوله:( فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ ) أظهر من أن يخفى حاله في الوجازة، نظراً إلى ما ناب عنه. وكذا قوله:( وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) .

وانظر إلى الفاء التي تسمى فاء فصيحة في قوله:( فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ ) ( فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ ) كيف أفادت: فامتثلتم فتاب عليكم. وفي قوله:( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ ) مفيدة: فضرب فانفجرت. وتأمّل قوله:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) أليس يفيد فضربوه فحيي فقلنا كذلك يحيى الله الموتى!

وقدّر صاحب الكشّافرحمه‌الله قوله:( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ ) نظراً إلى الواو في « وقالا »: ولقد آتينا داود وسليمان علماً فعملا به وعلّماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله. ويحتمل عندي: أنه أخبر تعالى عمّا صنع بهما وأخبر عمّا قالا، كأنه قال: نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد، تفويضاً استفادة ترتب الحمد على إيتاء العلم إلى فهم السامع، مثله في قم يدعوك بدل قم فإنه يدعوك. وإنه فن من البلاغة لطيف المسلك.

ومن أمثلة الإختصار: قوله:( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (١) بطيّ أبحت لكم الغنائم لدلالة فاء التسبيب في « فكلوا ». وقوله:( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ) (٢) بطيّ إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم أنتم فعدّوا عن الإفتخار لدلالة الفاء في فلم. وكذا قوله:( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ ) (٣) إذ المعنى: إذا كان ذلك فما هي إلّازجرة واحدة. وكذا قوله:( فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ ) تقديره: إنْ

٣١١

أرادوا وليّاً بحق فالله هو الولي بالحق لا وليّ سواه. وكذا قوله:( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) أصله: فإنْ لم يتأتَّ أنْ تخلصوا العبادة لي في أرض فإيّاي في غيرها اعبدوا فاعبدون، أي فاخلصوها في غيرها، فحذف الشرط وعوّض عنه تقديم المفعول، مع إرادة الإختصاص بالتقديم. وقوله:( كَلّا فَاذْهَبا بِآياتِنا ) أي: ارتدعا عن خوف قتلهم، فاذهبا أي: فاذهب أنت وأخوك بدلالة كلّا على المطويّ. وقوله:( إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) أصله: إذ يلقون أقلامهم ينظرون، ليعلموا أيّهم يكفل مريم لدلالة أيّهم على ذاك بوساطة علم النحو. وقوله:( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ ) المراد: ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ما فعل. وكذا قوله:( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) أصل الكلام: ولنجعله آيةً فعلنا ما فعلنا. وكذا قوله:( لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) أي لأجل الإدخال في الرحمة كان الكف ومنع التعذيب. وقوله:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) إذا لم يفسّر الحمل بمنع الأمانة والغدر، وأريد التفسير الثاني وهو تحمل التكليف كان أصل الكلام: وحملها الإنسان ثم خان به منبّهاً عليه بقوله( إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الذي هو توبيخ للإنسان على ما هو عليه من الظلم والجهل في الغالب. وقوله:( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) تتمّته ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذفت لدلالة:( فإن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ) »(١) .

أقول:

فالعجب من التفتازاني الإمام في علمي الأصول والبلاغة كيف يغضي

____________________

(١). مفتاح العلوم: ٢٧٧ - ٢٧٩.

٣١٢

طرفه عن قاعدة وجوب حمل الإستثناء على حقيقته وهو الإتصال، وعدم جواز حمله على المنقطع الذي هو مجاز؟ وعمّا تقرّر لدى علماء الأمصار من إرجاع الإستثناء إلى المتصل ولو بارتكاب الإضمار وصرف الكلام عن ظاهره؟ مع أنّ هذه القاعدة التي مشى عليها كافة العلماء مذكورة في ( المختصر ) و ( شرح العضدي )، وأنّ التفتازاني نفسه شرحها وأوضحها في ( شرحه على شرح العضدي )!! حيث قال ما نصّه:

« قوله: واعلم أنّ الحق إشارة إلى الدليل على كونه مجازاً في المنقطع، وذلك لأنّ المتّصل هو المتبادر إلى الفهم، فلا يكون الإستثناء يعني صيغته مشتركاً لفظاً ولا موضوعاً للقدر المشترك بين المتّصل والمنقطع، إذْ ليس أحد معاني المشترك أو أفراد المتواطي أولى بالظهور والمتبادر عند قطع النظر عن عارض شهرة أو كثرة ملاحظة أو نحو ذلك »(١) .

فالتفتازاني يوافق العضدي في أن الإستثناء حقيقة في المتّصل، وأنّ المتصل مقدم على المنقطع، وأنه يجب حمل الإستثناء على المتّصل ولو بارتكاب الإضمار والصرف عن الظّاهر

مضافاً إلى أنّه يمدح كتاب المختصر وشرح العضدي ويصفهما بالأوصاف الجليلة ففي ( كشف الظنون ): « وشرح العلامة سعد الدين التفتازاني المتوفى سنة ٧٩١ أوّله: الحمد لله الذي وفقنا للوصول إلى منتهى اصول الشريعة. الخ. قال: إنّ المختصر يجري من كتب الاُصول مجرى الغرة من الكميه الدرة من الحصى والواسطة من العقد. الخ. وكذلك شرح العلّامة المحقق عضد الدين، يجري من الشروح مجرى العذب الفرات من البحر الاجاج بين عين الحياة، لم ير مثله في زبر الأوّلين، ولم يسمع

____________________

(١). شرح مختصر الاصول ٢ / ١٣٢. الهامش.

٣١٣

بما يوازيه أو يدانيه »(١) .

وأيضاً، فقد نصَّ التفتازاني في ( شرح التنقيح ) على أنّ الإستثناء حقيقة في المتّصل ومجاز في المنقطع وهذه عبارته: « قوله: مسألة المستثنى إنْ كان بعض المستثنى منه فالإستثناء متّصل وإلّا فمنقطع. ولفظ الإستثناء والمستثنى حقيقة عرفية في القسمين على سبيل الإشتراك. وأمّا صيغة الإستثناء فحقيقة في المتّصل ومجاز في المنقطع، لأنها موضوعة للإخراج ولا إخراج في المنقطع، وكلام المصنفرحمه‌الله محمول على أنّ الإستثناء أي الصيغة التي يطلق عليها هذا اللفظ مجاز في المنقطع، فإنّ لفظ الإستثناء يطلق على فعل المتكلّم وعلى المستثنى وعلى نفس الصيغة »(٢) .

فلماذا ينكرون ما يقرّرونه إذا احتجّ به الإماميّة؟!

٢ - إنّ « إلّا أنّه لا نبي بعدي » محمول على « إلّا النبوّة »

الثانى: أنْ نقول: إنّ « إلّا أنّه لا نبي بعدي » محمول على « إلّا النبوة » بقاعدة الحمل على المعنى، والوجه في كون الجملة بمعنى « إلّا النبوة » أنّه متى كانت النبوة مطلقاً منتفية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنبوّة أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً بعده منتفية، فيكون « إلّا النبوة » لازم « إلّا أنّه لا نبي بعدي » فكان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إلّا أنّه لا نبي بعدي » من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللّازم

وأما القاعدة المذكورة فمن القواعد المعروفة المشهورة كذلك:

قال السيوطى: « الحمل على المعنى: قال في الخصائص: إعلم أن هذا

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٨٥٣.

(٢). التلويح في كشف حقائق التنقيح، خاتمة الركن الثاني من القسم الأول باب البيان.

٣١٤

الشرح غور من العربية بعيد، ومذهب نازح فسيح، وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصوّر معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظٍ قد يكون عليه الأول، أصلاً كان ذلك اللفظ أو فرعاً وغير ذلك.

فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص.( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد بالرحمة هنا المطر.

ومن تأنيث المذكّر قراءة من قرأ: تلتقطه بعض السيارة. وقولهم: ذهبت بعض أصابعه. انّث ذلك لما كان بعض السيارة سيارة في المعنى، وبعض الأصابع إصبعاً

ومن باب الواحد والجماعة قولهم: هو أحسن الصبيان وأجمله. أفرد الضمير لأنَّ هذا موضع يكثر فيه الواحد، كقولك: هو أحسن فتىً في الناس وقال تعالى:( وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ) (٤) فحمل على المعنى. وقال تعالى:( مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (٥) فأفرد على لفظ مَن ثم جمع من بعد.

والحمل على المعنى واسع في هذه اللغة جدّاً. منه قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ) (٦) ثم قال:( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ) (١) قيل فيه: إنه محمول على المعنى، حتى كأنه قال: أرأيت كالذي حاجَّ إبراهيم، أو كالذي مرَّ على قرية، فجاء بالثاني على أن الأول قد سبق كذلك وكذا قوله: علّفتها تبناً وماءً بارداً. أي: وسقيتها ماءً

ومنه باب واسع لطيف ظريف وهو: اتصال الفعل بحرف ليس ممّا يتعدّى به، لأنه في معنى فعلٍ يتعدّى به، كقوله تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى

٣١٥

نِسائِكُمْ ) لما كان في معنى الإفضاء عدّاه بإلى. ومثله قول الفرزدق: قد قتل الله زياداً عني. لأنه في معنى صَرَفه.

وقال الزمخشري: من المحمول على المعنى قولهم: حسبك يَتَمُ الناسُ. ولذا جُزم به كما يجزم بالأمر، لأنه بمعنى اكفف. وقولهم: اتّقى الله امرؤٌ فعل خيراً يُثَب عليه، لأنه بمعنى ليتق الله امرؤٌ وليفعل خيراً.

وقال أبو علي الفارسي في التذكرة: إذا كانوا قد حملوا الكلام في النفي على المعنى دون اللفظ حيث لو حمل على اللفظ لم يؤد إلى اختلالٍ معنىً ولا فساد فيه، وذلك نحو قولهم: شر أهرّ ذا ناب، وشيء جاء بك، وقوله: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي. وقولهم: قلّ أحد إلاّيقول ذاك. وقولهم: نشدتك الله إلّا فعلتَ. وكل هذا محمول على المعنى، ولو حمل على اللفظ لم يؤد إلى فساد والتباس، فأنْ يحمل على المعنى حيث يؤدي إلى الإلتباس يكون واجباً، فمن ثمَّ نفى سيبويه قوله: مررت بزيد وعمرو، إذا مرّ بهما مرورين، ما مررت بزيد ولا بعمرو فنفى على المعنى دون اللّفظ. وكذلك قوله: ضربت زيداً أو عمراً ما ضربت واحداً منهما، لأنه لو قال: ما ضربت زيداً أو عمراً أمكن أنْ يظن أنّ المعنى ما ضربتهما.

ولما كان قوله: ما مررت بزيد وعمرو لو نفي على اللفظ لا يمكن أن يكون مروراً واحداً، فنفاه بتكرير الفعل ليتخلّص من هذا المعنى، كذلك جمع قوله مررت بزيد أو عمرو ما مررت بواحدٍ منهما، ليتخلّص من المعنى الذي ذكرنا »(١) .

قال السّيوطى: « وقال ابن هشام في المغني: قد يعطى الشيء حكم ما أشبهه في معناه أو في لفظه أو فيهما »(٢) .

____________________

(١). الأشباه والنظائر للسيوطي ٢ / ١١٤ - ١١٥.

(٢). الأشباه والنظائر ٢ / ١٨٣.

٣١٦

وقال نجم الأئمة رضي الدين الإسترابادي: « وقد يجري لفظة أبى وما تصرّف منها مجرى النفي. قال تعالى:( فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً ) ( وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) والمفرغ لا يجري في الموجب إلّاناراً. فعلى هذا يجوز نحو: أبى القوم أنْ يأتوني إلّازيد. إذ حيث يجوز المفرغ يجوز الإبدال، وتأويل النفي في غير الألفاظ المذكورة نادر كما جاء في الشواذ: فشربوا منه إلّاقليل، أي لم يطيعوه إلّا قليل »(١) .

وقال في:

« اُنيخت فألقت بلدةً فوق بلدة

قليل بها الأصوات إلّا بغامها »

« يجوز في البيت أنْ يكون الإستثناء وما بعدها بدلاً من الأصوات، لأنّ في قليل معنى النفي كما ذكرنا »(٢) .

لا يصح الإستثناء المنقطع في الحديث لعدم شرطه

وبعد ملاحظة هذه التصريحات وأمثالها، لا يستبعد العاقل الفاضل جواز حمل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إلاّ أنّه لا نبي بعدي » على « إلاّ النبوة » لأن تلك العبارات صريحة في أنّ الحمل على المعنى من الأساليب اللطيفة الشائعة في كلام العرب.

وبغض النّظر عن ذلك، فإنّه لا يخفى على مهرة كلام العرب وحذاق فنون العربية عدم جواز الإستثناء المنقطع في هذا المقام أصلاً إذ بناءً عليه يكون « إلّا أنّه لا نبي بعدي » بمعنى « إلّا عدم النبوة » فيكون تقدير الحديث « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّاعدم النبوة » ومن المعلوم أنْ لا مخالفة لعدم النبوة

____________________

(١). شرح الكافية في النحو ١ / ٢٣٢.

(٢). شرح الكافية في النحو ١ / ٢٤٧.

٣١٧

مع الحكم السابق أصلاً، فلا يكون الإستثناء منقطعاً حينئذٍ، لما تقرّر عند أئمة العربية والاصول من اشتراط وجود مخالفةٍ بوجهٍ من الوجوه في صحّة الإستثناء المنقطع ...:

قال ابن الحاجب: « ولا بدّ لصحته من مخالفة في نفي الحكم أو المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه ».

وقال العضد الإيجي: « واعلم أنّه لا بدّ لصحة الإستثناء المنقطع من مخالفةٍ بوجهٍ من الوجوه، وقد يكون بأنْ ينفى من المستثنى الحكم الذي يثبت للمستثنى منه نحو جاءني القوم إلّاحماراً، فقد نفينا المجيء عن الحمار بعد ما أثبتناه للقوم، وقد يكون بأنْ يكون المستثنى نفسه حكماً آخر مخالفاً للمستثنى منه بوجه، مثل: ما زاد إلّا ما نقص، فإن النقصان حكم مخالف للزيادة. وكذا: ما نفع إلّاما ضرّ. ولا يقال: ما جاءني زيد إلّا أنَّ الجوهر الفرد حق. إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين. وبالجملة: فإنه مقدر بـ « لكن » فكما تجب فيه مخالفة إمّا تحقيقاً مثل: ما ضربني زيد لكن ضربني عمرو، وإمّا تقديراً مثل: ما ضربني لكن أكرمني، فكذا هنا »(١) .

إذن، يكون حال: « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا عدم النبوة » حال: « ما جاءني زيد إلّا أن الجوهر الفرد حق » في عدم الصحة، لعدم مخالفة بوجه من الوجوه بين « عدم النبوة » وبين « ثبوت منزلة هارون لأمير المؤمنينعليهما‌السلام » على تقدير عدم عموم المنزلة

فثبت أنّ حمل « إنّه لا نبي بعدي » في الكلام النبوي على عدم النبوّة، واستثنائه من « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » يخرجه عن الرزانة والمتانة، والعياذ بالله من ذلك

____________________

(١). شرح المختصر للعضدي ٢/١٣٢.

٣١٨

فالعجب من التفتازاني دعواه الإنقطاع في الإستثناء في الحديث الشريف، مع وقوفه على ما ذكره العضدي في اعتبار الشرط المذكور في الإنقطاع، وموافقته له في شرحه لكلماته، كما كان منه في مسألة لزوم حمل الإستثناء على الإتصال ولو بالتزام الحذف، حيث وافق العضدي في هذه المسألة، ثم خالف ذلك في شرح المقاصد، في معنى الحديث الشريف!!

وإذا كان هذا حال التفتازاني - وهو من أعلام محققي القوم في العربية والأصول - فما ظنّك بمثل الكابلي و ( الدهلوى )؟!

ولا يخفى أنّ القطب الشيرازي أيضاً ينصّ على اعتبار الشرط المذكور في الإستثناء المنقطع، ويصرّح بأنّ عليه اتّفاق الكلّ، وهذه عبارته:

« وإذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ الكلّ اتفقوا على أنّه لابد لصحته [ أي لصحّة الإستثناء المنقطع ] من مقاربة المتّصل في مخالفته، إمّا في نفي الحكم مثل: ما جاءني زيد إلّاعمرو، أو في كون المستثنى حكماً آخر له مخالفة بوجهٍ مّا مع المستثنى منه مثل: ما زاد إلّاما نقص، وما نفع إلّاما ضرّ، مثله في « لكن » لأنها لا تقدَّر بها. وإلى هذا الإتفاق استروح من ذهب إلى أنه مجاز في المنقطع وقال: لو لم يكن مجازاً فيه لم يشترط مقاربته للحقيقة »(١) .

وإلى هنا ظهر: أنّ حمل الإستثناء « إلّا أنّه لا نبي بعدي » على الإستثناء المنقطع، وزعم أن المراد منه استثناء « عدم النبوة » لا استثناء النبوّة مخالف للإجماع واتفاق العلماء فما ذكره التفتازاني والقوشجي والكابلي و ( الدهلوي ) باطل مردود

____________________

(١). شرح مختصر ابن الحاجب - مسائل الإستثناء.

٣١٩

الحديث بلفظ « إلّا النبوّة »

فالحمد لله الذي وفّقنا لبيان بطلان دعواهم على أساس القواعد المقرّرة في الكتب العلميّة، وعلى لسان كبار أئمتهم في الاُصول وعلوم العربيّة وظهر أن الإستثناء في الحديث الشريف متّصل، وأنّه لا بدّ من أن يكون متّصلاً، وأنّه لا يصحّ حمله على الإنقطاع، لوجوب حمل الإستثناء دائماً على الإتصال ما أمكن، ولعدم وجود شرط الإستثناء المنقطع في هذا الحديث

فإن كان هناك ريب ممّا ذكرنا في قلوب أهل الزّيغ، فإنّا نثبت اتصال هذا الإستثناء من كلام الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ليتّضح أنّ حمل « إلّا أنّه لا نبي بعدي » على « عدم النبوة » دون « إلّا النبوة » ردّ صريح على من لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلّاوحي يوحى!! فإليك ذلك:

قال ابن كثير: « قال أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، ثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها: أن عليّاً خرج إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى جاء ثنيّة الوداع وعلي يبكي يقول: تخلّفني مع الخوالف؟! فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوة.

إسناده صحيح ولم يخرجوه »(١) .

وقال سبط ابن الجوزي: « وقد أخرج الإمام أحمد هذا الحديث في كتاب الفضائل الذي صنّفه لأمير المؤمنين:

أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود البزار، قال: أنبأ أبو الفضل محمد ابن ناصر السّلمي، أنبأ أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أنبأ أبو

____________________

(١). البداية والنهاية ٧ / ٣٤١.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418