نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٧

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار14%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 418

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226350 / تحميل: 9309
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

سند حديث مدينة العلم

٦١

٦٢

(١)

رواية الامام الرضا عليه‌السلام

لقد روى سيدنا الامام الرضاعليه‌السلام حديث مدينة العلم في ( الصحيفة ) المباركة عن آبائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين وهذا نصها:

« وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن قاتل الحسين في تابوت من نار، وعليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شدّ يداه ورجلاه بسلاسل من النار حتى يقع في قعر جهنم، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله لهم الجلود، لا يفتّر عنهم ساعة، ويسقون من حميم جهنم، فالويل من عذاب الله عز وجلّ.

وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب.

وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش نعم الأب أبوك ابراهيم ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب ».

٦٣

صحيفة الرضا من الأصول المعتبرة

و ( صحيفة الرضاعليه‌السلام ) من الكتب المعروفة المعتمدة والأصول المشهورة المعتبرة، لدى العلماء الأعلام من أهل السنة، فقد قال أبو شجاع شيرويه ابن شهردار الديلمي ما نصه: « أما بعد فإني رأيت أهل زماننا هذا خاصة أهل بلدنا أعرضوا عن الحديث وأسانيده، وجهلوا معرفة الصحيح والسقيم، وتركوا الكتب التي صنفها أئمة الدين قديماً وحديثاً، والمسانيد التي جمعوها في الفرائض والسنن، والحلال والحرام، والآداب والوصايا، والأمثال والمواعظ، وفضائل الأعمال، واشتغلوا بالقصص والأحاديث المحذوفة أسانيدها، التي لم يعرفها نقله الحديث، ولم تقرأ على احد من أصحاب الحديث، وطلبوا الموضوعات التي وضعها القصاص لينالوا بها للقطعيات في المجالس على الطرق، ثبت في كتابي هذا اثني عشر ألف حديث ونيفاً من الأحاديث الصغار على سبيل الاختصار، من الصحاح والغرائب والأفراد والصحف المروية عن النبي لعلي بن موسى الرضا وعمر بن شعيب »(١) .

وقال جار لله الزمخشري: « كان يقول يحيى بن الحسين الحسيني في إسناد صحيفة الرضا: لو قرئ هذا الإِسناد على أذن مجنون لأفاق »(٢) .

وقال السمعاني: « الرّضوي بفتح الراء والضاد وفي آخرها الواو، هذه النسبة إلى الرضا وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي الحسن المعروف بالرضا المدفون بطوس، يروي صحيفة عن آبائه، وجماعة من أولاده نسبوا إليه يقال لكلّ واحد منهم الرضوي »(٣) .

وقال سبط ابن الجوزي بترجمة الامامعليه‌السلام : « وذكر عبد الله بن أحمد

____________________

(١). مسند الفردوس - خطبة الكتاب - مخطوط.

(٢). ربيع الأبرار ٣ / ٢٧٨.

(٣). الأنساب - الرضوي.

٦٤

المقدسي في كتاب أنساب القرشيين نسخة يرويها علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إسناد لو قرئ على مجنون برئ »(١) .

وقال المزي « روى عنه ابنه محمد، وعثمان بن المثاور، والنحوي علي بن علي الدعبلي، وأيوب بن منصور النيسابوري، وأبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، والمأمون بن الرشيد، وعلي بن مهدي بن صدقة له عنه نسخة، وأبو أحمد داود بن سليمان بن سيف الغازي القزويني له عنه نسخة، وأحمد بن عامر ابن سليمان الطائي له عنه نسخة كبيرة »(٢) .

وقد عدّها المحبّ الطبري من مآخذ كتابه معبراً عنها بـ ( مسند الرضا )، ونقل عنها في مواضع منه، منها: قوله في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام « ذكر أنه أول من يقرع باب الجنة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، إنك أول من يقرع باب الجنة فيدخله بغير حساب بعدي. خرّجه الامام علي بن موسى الرضا في مسنده »(٣) .

ومنها قوله « ذكر إخبار جبرئيل عن الله تعالى أن علياً من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسى: عن أسماء بنت عميس قالت: هبط جبرئيلعليه‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك. خرّجه الإِمام علي بن موسى الرضا »(٤) .

ومنها قوله « عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنك سيّد

____________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٣٥٢.

(٢). تهذيب الكمال ٢١ / ١٤٨.

(٣). الرياض النضرة في مناقب العشرة ٢ / ٢١١.

(٤). المصدر نفسه ٢ / ٢١٦

٦٥

المسلمين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين. خرّجه علي بن موسى الرضا »(١) .

كما نقل عنها المحب الطبري في كتابه الآخر ( ذخائر العقبى ) جملةً من فضائل أهل البيتعليهم‌السلام (٢) .

وروى عن الصحيفة إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني في مواضع من كتابه ( الاكتفاء في فضائل الأربعة الخلفاء ) في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام معبّراً عنها بـ ( مسند الرضا ) كذلك، فليراجع.

وقال ابن باكثير المكي: « وعن سيدنا علي كرّم الله وجهه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما أسري بي إلى السماء، أخذ جبرئيل بيدي وأقعدني على درنوك من درانيك الجنة وناولني سفرجلة، فكنت أقلّبها إذْ انفلقت وخرجت منها حوراء لم أر أحسن منها، فقالت: السلام عليك يا محمد، فقلت: وعليك السلام من أنت؟ قالت: أنا الراضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أصناف: أعلاي من عنبر، ووسطي من كافور، وأسفلي من مسك، عجنني بماء الحيوان ثم قال لي: كوني فكنت، خلقني لأخيك وابن عمك علي بن أبي طالب. أخرجه الامام علي بن موسى الرضا »(٣) .

بل عدّها محمد عابد السندي في الكتب المعتبرة التي يرويها بأسانيده الصحيحة حيث قال في ( حصر الشارد ) « وأما الأربعون من نسخة علي بن موسى الرضا عن آبائه فأرويها بالسند المتقدّم إلى الحافظ ابن حجر، عن أحمد بن أبي المقدسي، عن سليمان بن حمزة، أنا محمود بن إبراهيم، أنا الحسن بن محمد بن عباس الراسمي، أنا أبوبكر أحمد بن علي بن خلف، أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب، أنا أبوبكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة، أنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ».

____________________

(١). الرياض النضرة ٢ / ٢٣٤.

(٢). ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، أنظر: ٢٦، ٣٢، ٣٩، ٤٤، ٤٧، ٤٨

(٣). وسيلة المآل في مناقب الآل - مخطوط.

٦٦

ترجمة السندي

والسندي من أعلام علماء القوم، وقد ترجم الصديق حسن القنوجي للشيخ محمد عابد السندي في ( أبجد العلوم ) وأثنى عليه قائلاً: « الشيخ محمد عابد السندي ابن أحمد علي بن يعقوب، الحافظ، من بني أبي أيوب الأنصاري، ولد ببلدة سيون وهي على شاطئ النهر شمالي حيدرآباد السند مما يلي بلدة بويك، هاجر جدّه الملقب بشيخ الإسلام إلى أرض العرب، وكان من أهل العلم والصلاح.

وأقام الشيخ محمد عابد بزبيد دارة علم باليمن معروفة، واستفاد من علمائها واقتبس من أشعة عظمائها، حتى عدّ من أهلها، ودخل صنعاء اليمن يتطبب لامامهم وتزوج ابنة وزيره، وذهب مرة سفيراً من إمام صنعاء إلى مصر، وكان شديد التحنن إلى ربوع طابة، وعاود مرة أرض قومه فدخل نواري بلدة بأرض السند مما يلي بندر كراجي وأقام بها ليالي معدودات، ثم عاد إلى المدينة الطيبة، وولي رئاسة علمائها من قبل والي مصر، وخلّف من مصنفاته كتبا مبسوطة ومختصرة وكان ذا عصبية للمذهب الحنفي »

من رواة الصحيفة

لقد ظهر من عبارة السندي أن جماعة من حفاظ أهل السنة - أمثال ابن حجر العسقلاني - يروون صحيفة الامام الرضاعليه‌السلام .

ويوجد ( في المكتبة الناصرية ) نسختان من الصحيفة يروى إحداهما: أبو الفتح عبيد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري النيشابوري الشافعي، المترجم في ( طبقات الشافعية للسبكي ٧ / ٢٠٧ ) والأخرى يرويها: صدر الدين أبو المجامع إبراهيم بن محمد الحموئي الجويني المتوفى سنة ٧٢٢، والمترجم في ( تذكرة الحفاظ ٤ / ٢٩٨ ) و ( مرآة الجنان - حوادث ٧٢٢ ) و ( العبر حوادث ٧٩٥ ) و ( الدرر

٦٧

الكامنة ١ / ٦٧ ) وغيرها.

هذا، وسيعلم في محلّه إخراج العاصمي وابن النجار حديث مدينة العلم من حديث سيدنا الامام الرضاعليه‌السلام بعين لفظ ( الصحيفة ).

ولا ريب أن رواية هذا الامام المعصومعليه‌السلام كافية لمن رام الحق، ولا يجحدها إلّا من أضمر البغض والعداء.

(٢)

رواية الامام الرضا عليه‌السلام بلفظ آخر

وروى الامامعليه‌السلام حديث مدينة العلم، عن آبائه الكرام عن جدّه رسول الله صلّى الله عليه وعليهم أجمعين بلفظ آخر، فقد قال ابن المغازلي ما نصه: « أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحويرحمه‌الله تعالى فيما أذن لي في روايته عنه: أن أبا طاهر إبراهيم بن عمر بن يحيى يحدّثهم قال: نا محمد بن المطلب، نا أحمد بن محمد بن عيسى - سنة عشر وثلاثمائة - نا محمد بن عبد الله بن عمر بن مسلم اللاحقي الصفار بالبصرة - سنة أربع وأربعين ومائتين - نا أبو الحسن علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من [ قبل ] الباب »(١) .

شأن هذا الاسناد

وهذا إسناد يمتنع الوصول إلى كنه عظمته وجلالته، إنه إسناد التمس كبار

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٥.

٦٨

الأئمة والحفاظ أن يحدّثهم الامام الرضاعليه‌السلام بحديث به. وقال أحمد بن حنبل: لو قرئ هذا الإِسناد على مجنون لبرء من جنونه فقد ذكر أبو سعيد منصور ابن الحسين الآبي الوزير ما نصه: « حدّث أبو الصّلت قال: كنت مع علي بن موسى - وقد دخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء - فغدا إلى طلبه علماء البلد: أحمد بن حرب، وياسين بن النضر، ويحيى بن يحيى، وعدة من أهل العلم. فتعلّقوا بلجامه في المربعة فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك. قال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر، قال حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي، قال حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين، قال حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي، قال سمعت أبي سيد العرب علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الايمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

قال قال أحمد بن حنبل: لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرء من جنونه.

وروي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم مثل ذلك يحكيه عن أبيه وأنه قرأه على مصروع فأفاق »(١) .

وقال ابن الصباغ « وروى المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمد بن أبي سعيد بن عبد الكريم الوزان - في محرم سنة ست وتسعين وخمسمائة - قال: أورد صاحب صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه: أن علي بن موسى الرضا لمـّا دخل إلى نيسابور في السفرة التي خص فيها بفضيلة الشهادة، كان في قبة مستورة بالسقلاط على بغلة شهباء، وقد شق سوق نيسابور، فعرض له الامامان الحافظان للأحاديث النبوية، والمثابران على السنّة المحمدية: أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي، ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم والحديث وأهل الرواية والدراية فقالا له: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة، بحق آبائك الطاهرين

____________________

(١). نثر الدر ١ / ٣٦٢.

٦٩

وأسلافك الأكرمين إلّا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدّك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذكرك به، فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلة عن القبة، وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة، فكانت له ذؤابتان مدليتان على عاتقه، والناس كلهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه، وهم ما بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبّل لحافر بغلته، وعلا الضجيج، فصاحت الأئمة والفقهاء والعلماء: معاشر الناس اسمعوا وعوا وانصتوا لسماع ما ينفعكم ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم، وكان المستملي أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي.

قال علي بن موسى الرضا: حدثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه الحسين الشهيد بكربلا، عن أبيه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه أنّه قال: حدّثني جبرئيل قال سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول: كلمة لا إله إلّا الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي.

ثم أرخى الستر على القبة وسار، فعدّ أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا.

قال الاستاذ أبو القاسم القشيري: إتصل هذا الحديث ببعض أمراء السامانية فكتبه بالذهب، وأوصى أنْ يدفن معه في قبره، فرأى في النوم بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتلفظي بلا إله إلّا الله وتصديقي بأن محمداً رسول الله »(١) .

وفي ( جواهر العقدين ) عن الجمال الزرندي في كتابه معراج الوصول: « وزاد - عقب قوله وتصديقي بأن محمداً رسول الله - وكتابتي هذا الحديث بالذهب تعظيماً له واحتراماً »(٢) .

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة ٢٤١.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٧٠

وإنْ شئت المزيد من مراجع القضية فراجع ( المقاصد الحسنة ) و ( مفتاح النجا ) و ( الحق المبين ) و ( فصل الخطاب ). وممن رواها أيضاً سبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ٣٥٢ ) وابن حجر المكي في ( الصواعق ١٢٢ ).

وقد أضاف بعضهم في الرواية: « فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها » قال خواجه بارسا « قيل: من شروطها الاقرار له بأنه إمام مفترض الطاعة ».

الامام الرضاعليه‌السلام معصوم من الخطأ

وبالرغم من ثبوت عصمة الإِمام الرضاعليه‌السلام بالأدلة العامة والخاصة غير الخاضة للحصر والإحصاء، فإنا نذكر هنا دليلين من الأدلة الخاصة به من كتب أهل السنة بالمناسبة:

١ - ما رواه خواجه بارسا في ( فصل الخطاب ) وعبد الحق الدهلوي في ( رسالة مناقب الأئمة ) ومحمد مبين اللكهنوي في ( وسيلة النجاة ) والجامي في ( شواهد النبوة ) ورشيد الدين الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) وولي الله اللكهنوي في ( مرآة المؤمنين ) عن موسى الكاظمعليه‌السلام أنه قال « رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام - وأمير المؤمنينرضي‌الله‌عنه معه - فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي ابنك ينظر بنور الله عز وجل وينطق بحكمة، يصيب ولا يخطى، ويعلم ولا يجهل، قد ملئ حكماً وعلماً ».

٢ - ما رواه الجامي في ( شواهد النبوة ) والشيخ عبد الحق الدهلوي في ( رسالة مناقب الأئمة ) وخواجه بارسا في ( فصل الخطاب ) والمولوي محمد مبين في ( وسيلة النجاة ) والمولوي ولي الله في ( مرآة المؤمنين ) أنه « قيل لأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما: إن أباك سمّاه المأمون الرضا ورضيه لولاية عهده، فقال: بل الله سبحانه سمّاه الرضا، لأنه كان رضا الله عز وجل في سمائه ورضا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أرضه، وخص من بين آبائه الماضين بذلك، لأنه رضي به

٧١

المخالفون كما رضي به الموافقون، وكان أبوه موسى الكاظمرضي‌الله‌عنه يقول: أدعوا لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال يا أبا الحسن ».

وغير خفي أن رواية هذا الامام المعصوم هذا الحديث بهذا السند عن جدّه الأعظم عليه وآله السلام كاف للإذعان بأنه حديث قطعي، لا يشوبه ريب ولا يعتريه شك، والحمد لله رب العالمين.

(٣)

رواية عبد الرزاق الصّنعاني

قال الحاكم بعد أن أخرج الحديث من حديث ابن عباس وصححه ما نصه:

« ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري بإسناد صحيح: حدثني أبوبكر محمد بن علي الفقيه الامام الشاشي القفال ببخارى - وأنا سألته - حدثني النعمان بن هارون البلدي ببلد من أصل كتابه، ثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، ثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

كما سيعلم روايته من ( المناقب لابن المغازلي ) و ( تاريخ دمشق ) و ( تاريخ بغداد ) و ( كفاية الطالب ).

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٧.

٧٢

رجال الحديث

ولنذكر بعض كلماتهم في توثيق رجال هذا السند، تأكيداً لتصحيح الحاكم إيّاه فنقول:

أمّا سفيان الثوري

فهو من رجال الصحاح الستة، وقد وثّقه ابن حبان(١) ، ترجم له:

١ - السمعاني بقوله: « وأما نسب ثور ابن عبد مناة فالإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد وكان من سادات أهل زمانه فقهاً وورعاً وحفظاً وإتقاناً، شمائله في الصلاح والورع أشهر من أن يحتاج إلى الإِغراق في ذكرها »(٢) .

٢ - ابن الأثير: « إمام المسلمين وحجة الله على خلقه، يفوت فضائله الإحصاء وتعجز العادين، جمع في زمنه بين الفقه والاجتهاد فيه والحديث والزهد والعبادة والورع والثقة، وإليه المنتهى في علم الحديث وغيره من العلوم، أجمع الناس على دينه وزهده وورعه وثقته، ولم يختلفوا في ذلك، وهو أحد الأئمة المجتهدين وأحد أقطاب الاسلام وأركان الدين »(٣) .

٣ - الذهبي « أحد الأعلام علماً وزهداً »(٤) .

٤ - ابن حجر: « قال شعبة وابن عيينة وأبو عاصم وابن معين وغير واحد من العلماء: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان، فقال له رجل: يا أبا عبد الله رأيت سعيد ابن جبير وغيره وتقول هذا؟ قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان.

____________________

(١). الثقات ٦ / ٤٠١.

(٢). الانساب - الثوري.

(٣). جامع الاُصول لابن الأثير - مخطوط.

(٤). الكاشف ١ / ٣٧٨.

٧٣

وقال وكيع عن شعبة: سفيان أحفظ مني. وقال ابن مهدي كان وهب يقدّم سفيان في الحفظ على مالك. وقال يحيى القطان: ليس أحد أحب إليّ من شعبة ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان. وقال الدوري: رأيت يحيى بن معين لا يقدّم على سفيان في زمانه أحداً في الفقه والحديث والزهد وكل شيء. وقال الآجري عن أبي داود: ليس يختلف سفيان وشعبة في شيء إلّا يظفر سفيان. وقال أبو داود: بلغني عن ابن معين قال: ما خالف أحد سفيان في شيء إلّا كان القول قول سفيان. وقال العجلي: أحسن أسناد الكوفة سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وقال المروزي عن أحمد: لا يتقدّم في قلبي أحد سفيان. وقال عبد الله بن داود: ما رأيت أفقه من سفيان. وقال أبو قطن: قال لي شعبة إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم.

قال الخطيب: كان إماماً من أئمة المسلمين وعلماً من أعلام الدين، مجمعاً على أمانته بحيث يستغني عن تزكيته، مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد. وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً وكان عابداً ثبتاً. وقال النسائي: هو أجلّ من أن يقال فيه ثقة، وهو أحد الأئمة الذين أرجوا أن يكون ممن جعله الله للمتقين إماماً. وقال ابن أبي حاتم: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان. وقال زائدة: كان أعلم الناس في أنفسنا. وقال ابن حبان: كان من سادات الناس فقهاً وورعاً وإتقاناً »(١) .

وأما عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري

فقد ترجم له

١ - ابن حبان قائلاً: « عبد الله بن عثمان بن خثيم المكي، يروي عن سعيد ابن جبير، روى عنه ابن جريج، روى عنه أهل الحجاز. مات سنة ١٣٢ »(٢) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٤ / ١١٣.

(٢). الثقات ٥ / ٣٤.

٧٤

٢ - السمعاني: « وابو عثمان عبد الله بن عثمان بن خثيم من القارة، يروي عن أبي الطفيل، عداده في أهل مكة، روى عنه معمر، مات سنة ١٤٤، وقد قيل سنة ١٣٥ »(١) .

٣ - ابن حجر: « قال ابن أبي مريم عن ابن معين: ثقة حجة. وقال العجلي: ثقة. وقال أبو حاتم: ما به بأس صالح الحديث. وقال النسائي: ثقة. وقال مرة ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث حسنة »(٢) .

وأما عبد الرحمن بن بهمان المدني

الذي عبّر عنه الحاكم في المستدرك بـ « عبد الرحمن بن عثمان التيمي » فقد.

ترجم له

١ - ابن حبان في ( الثقات ) .

٢ - الذهبي وقال: « وثق »(٣) .

٣ - ابن حجر ووثقه(٤) .

وروى عبد الرزاق بن همام حديث مدينة العلم بسند آخر، فقد جاء في ( المناقب ) ما نصه: « أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت القرشي، نا علي بن محمد المصري، نا محمد بن عيسى بن شيبة البزار، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدّب، نا عبد الرزاق، أنا معمر عن عبد الله

____________________

(١). الأنساب - القاري.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ٣١٤.

(٣). الكاشف ٢ / ١٥٨.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٤٧٤، تهذيب التهذيب ٦ / ١٤٩.

٧٥

ابن عثمان عن عبد الرحمن قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية - وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب - هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. ثم مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

رجال السند

ورجال هذا الحديث ثقات. فأما معمر فقد أخرج له أصحاب الصحاح الستة وترجم له بكل ثناء وتعظيم في ( الثقات ) و ( تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٠٧ ) و ( تذكرة الحفاظ ١ / ١٩٠ ) و ( تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٤٣ ) و ( العبر ١ / ٢٢٠ ) و ( الكاشف ٢ / ٢٦٦ ) و ( مرآة الجنان ١ / ٣٢٣ ) و ( طبقات الحفاظ ٨٢ ) وغيرها.

وأما عبد الله بن عثمان، وعبد الرحمن بن بهمان، فقد مرّ طرف من كلمات الثناء عليهما.

وأما عبد الرزاق بن همام

نفسه، فقد ترجمنا له بالتفصيل في مجلّد ( حديث التشبيه ) عن طائفة من معاجم التراجم المعتبرة(٢) .

(٤)

تصحيح يحيى بن معين

على صحة حديث مدينة العلم، قال المزيّ والعسقلاني بترجمة أبي الصلت

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٤.

(٢). أنظر: الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، الأنساب: الصنعاني، دول الاسلام: حوادث ٢١١، مرآة الجنان حوادث: ٢١١، تذكرة الحفاظ ١ / ٣٣٤

٧٦

عبد السلام بن صالح الهروي: « قال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري: حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه.

عبد الرحمن الأنباري: حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه.

قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: صحيح.

قال أبوبكر ابن ثابت الحافظ: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه »(١) .

وقال السيوطي: « روى الخطيب في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح »(٢) .

وقال المناوي: « ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المذكور من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس. ثم قال: قال القاسم سألت ابن معين عنه فقال: هو صحيح. قال الخطيب: قلت: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ رواه غير واحد عنه »(٣) .

وقال الشوكاني في مقام الجواب عن القدح فيه: « وأجيب عن ذلك بأن محمد بن جعفر البغدادي الفيدي قد وثّقه يحيى بن معين، وأن أبا الصلت الهروي قد وثقه ابن معين والحاكم، وقد سئل يحيى عن هذا الحديث فقال: صحيح »(٤) .

____________________

(١). تهذيب الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، تهذيب التهذيب ٦ / ٣١٩.

(٢). جمع الجوامع ١ / ٣٨٣.

(٣). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ / ٤٧.

(٤). الفوائد المجموعة للقاضي الشوكاني ٣٤٩.

٧٧

وقال الأمير: « وروى الخطيب في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح »(١) .

هذا، وأما دعوى أنه أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية فعارية عن الدليل، ومن هنا نقل السيوطي والشوكاني وغيرهما تصحيحه إياه مطلقاً، ولو سلّم فإن أبا معاوية والأعمش ومجاهد ثقات، فالحديث صحيح بلا كلام، وسيأتي لذلك مزيد تأييد وتحقيق من كلام الحافظ العلائي والعلامة الفيروزآبادي، كما ستعلم عند نقض كلمات ( الدهلوي ) إثبات يحيى بن معين لهذا الحديث مرة بعد أخرى فانتظر.

ترجمته

١ - ابن جزلة: « كان إماماً حافظاً متقناً قال علي بن المديني: إنتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير وقتادة، وعلم الكوفة إلى إسحاق والأعمش، وانتهى علم الحجاز إلى ابن شهاب وعمرو بن دينار، وصار علم هؤلاء الستة بالبصرة إلى سعيد بن أبي عروبة وشعبة ومعمر وحماد بن سلمة وأبي عوانة، ومن أهل الكوفة إلى سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، ومن أهل الحجاز إلى مالك بن أنس، ومن أهل الشام إلى الأوزاعي، فانتهى علم هؤلاء إلى محمد بن إسحاق وهشيم ويحيى بن سعيد وابن أبي زائدة ووكيع وابن المبارك - وهو أوسع هؤلاء علماً - وابن مهدي وابن آدم، وصار علم هؤلاء جميعاً إلى يحيى بن معين.

وقال أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث.

وقال ابن الرومي: ما سمعت أحداً قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى بن معين، وغيره كان يتحامل بالقول »(٢) .

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

(٢). مختار مختصر تاريخ بغداد - مخطوط.

٧٨

٢ - السمعاني: « كان إماماً ربّانياً عالماً حافظاً ثبتاً متقناً مرجوعاً إليه في الجرح والتعديل إنتهى علم العلماء إليه حتى قال أحمد بن حنبل: هاهنا رجل خلقه الله لهذا الشأن وأظهر كذب الكذابين - يعني يحيى بن معين - وقال علي بن المديني: لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. قال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذّاب »(١) .

٣ - النووي: « هو إمام أهل الحديث في زمنه والمعوّل عليه فيه أجمعوا على إمامته وتوثيقه وحفظه وجلالته وتقدّمه في هذا الشأن واضطلاعه منه وأحواله وفضائلهرضي‌الله‌عنه غير منحصرة »(٢) .

٤ - ابن خلكان: « الحافظ المشهور، كان إماماً عالماً حافظاً متقناً وهو صاحب الجرح والتعديل، روى عنه كبار الأئمة منهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأبو داود السجستاني، وغيرهم من الحفاظ، وكان بينه وبين الامام أحمد بن حنبلرضي‌الله‌عنه من الصحبة والألفة والاشتراك في الاشتغال بعلوم الحديث ما هو مشهور، لا حاجة إلى الاطالة فيه »(٣) .

٥ - أبو الفداء الأيوبي: « كان إماماً حافظاً »(٤) .

٦ - الذهبي: « يحيى بن معين هو الامام الحافظ الجهبذ شيخ المحدثين قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي عن يحيى فقال: إمام. وقال النسائي: أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث، ثقة مأمون. »(٥) .

____________________

(١). الانساب - المري.

(٢). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١٥٦.

(٣). وفيات الأعيان ٦ / ١٣٩.

(٤). المختصر في أحوال البشر ٢ / ٣٧.

(٥). سير أعلام النبلاء ١١ / ٧١.

٧٩

٧ - الذهبي: « يحيى بن معين الامام الفرد سيد الحفّاظ قال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. قال أحمد بن حنبل: يحيى بن معين أعلمنا بالرجال.

قلت: يحيى أشهر من أن نطول الشرح بمناقبه. قال خنيس بن مبشر أحد الثقات: رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال أعطاني وحباني وزوّجني ثلاث مائة حوراء، ومهّد لي بين الناس. توفي في ذي القعدة غريباً بمدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة ٢٣٣ »(١) .

٨ - الذهبي أيضاً: « الامام أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي الحافظ، أحد الأعلام وحجة الإسلام حديثه في الكتب الستة »(٢) .

٩ - الذهبي أيضاً: « إمام المحدثين، فضائله كثيرة، مولده سنة ١٥٨، ومات طالب الحج بالمدينة في ذي القعدة ٢٣٣، وحمل على أعواد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٣) .

١٠ - اليافعي بنحو ما تقدم(٤) .

١١ - القنوجي في ( التاج المكلل: ١٤١ ).

(٥)

رواية سويد بن سعيد الحدثاني

من مشايخ مسلم وابن ماجة. قال ابن كثير - بعد أن روى حديث أنا دار

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٤٢٩.

(٢). العبر في خبر من غبر ١ / ٤١٥.

(٣). الكاشف ٢ / ٣٥٨.

(٤). مرآة الجنان ٢ / ١٠٨.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

« قوله: نحو قام رجال كانوا فى دارك إلا زيداً منهم. قال الكمال: هذا المثال وإنْ تمشى فيه ما ادّعاه من العموم فيما تخصّص به، فلا يخصّ المثال من كون الدار حاصرة لهم، ولا يتمشّى فيما مثّل به ابن مالك من قوله: جاءنى رجال صالحون إلّا زيداً. واعترضه شيخ الإسلام حيث قال: قد يوجّه عمومه فيما تخصّص به بوجوب دخول المستثنى فى المستثنى منه لولا الإستثناء، لتكون الدار حاصرةً للجميع. ويردّ بمنع وجوب ذلك، وأن الدار حاصرة للجميع، لجواز أنْ لا يكون زيد منهم، ولهذا احتيج إلى ذكر منهم، مع أنّ فى عموم ذلك نظراً، إذ معيار العموم صحة الإستثناء لا ذكره، وهذا لا يعرف إلّا بذكره.

وأمّا ما اختاره ابن مالك من جواز الإستثناء من النكرة فى الإثبات نحو: جاءنى قوم صالحون إلّا زيداً، فهو مخالف لقول الجمهور، إذْ الإستثناء إخراج ما لولاه لوجب دخوله فى المستثنى منه، وذلك منتف فى المثال. نعم إنْ زيد عليه منهم كان موافقاً لهم. لكن فيه ما مر آنفاً.

وقوله: وإنّ الدار حاصرة للجميع. قد يقال: ولو سلّم أنها حاصرة للجميع، فكونها كذلك لا يقتضى العموم فيما تخصّص به، لصدق اللفظ بجماعة ممّن كانوا فى الدار، ولا يتبادر من اللفظ جميع من كانوا فى الدار.

ويجاب بأنْ الإستثناء دليل العموم فيما تخصّص به وإلاّ لم يحتج إليه، والظاهر من الإستثناء هو الإحتياج إليه.

وقوله: ولهذا احتيج إلى ذكر منهم. يخالفه قول الشهاب.

قوله: منهم. حال من زيد. يعنى: لا يستثنى زيد - مثلاً - فى هذا التركيب، إلّا إذا كان من جملة الرجال المحدث عنهم، فلا يلزم ذكر لفظة منهم فى التركيب حين الإخبار.

٣٠١

وقوله فى توجيه نظره: إذ معيار العموم صحة الإستثناء لا ذكره.

قد يقال: من لازم ذكره على وجه صحيح صحته، ولا شك فى صحّة هذا التركيب مع صحة هذا الإستثناء.

وقوله: وأما ما اختاره ابن مالك الخ. فيندفع به إيراد الكمال هذا المثال على الشارح، فيقال كلامه مبنى على مذهب الجمهور.

واعلم أنّ ما تقدّم عن التلويح قد يدل على العموم فيما مثّل به ابن مالك أيضاً ».

أقول:

وعلى الجملة، فإنّ كلمات القوم صريحة فى أنّ المراد من صحّة الإستثناء من لفظٍ صحة وقوع الإستثناء بعده، لا ذكره بعده بالفعل، فكل لفظٍ صحّ ذلك فيه كان دالّاً على العموم وإنْ لم يوجد الإستثناء، فليس وجود الإستثناء منه شرطاً فى دلالته على العموم، بل يكفى مجرَّد صحة الإستثناء منه.

ومن الواضح جداً: إن لفظ المنزلة المضاف إلى العلم يصحّ الإستثناء منه قطعاً، لجواز أن تقول: زيد بمنزلة عمرو إلّا فى النسب، أو إلّافى العلم، أو إلّافى المال ونحو ذلك ولفظ « المنزلة » الوارد فى هذا الحديث - بالخصوص - يصحّ منه الإستثناء المتّصل، كما لو كان لفظ الحديث: أنت منّى بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة، فإنّه استعمال صحيح ومتين قطعاً ولقد ورد هذا الحديث باللّفظ المذكور فى رواياتٍ عديدة كما تقدم ويأتى إن شاء الله.

وإذا صحّ الإستثناء من لفظ المنزلة المضاف إلى العلم، ظهر كون لفظ المنزلة المضاف إلى العلم من ألفاظ العموم

وعلى ما ذكرنا، يكون مجرَّد: « أنت منى بمنزلة هارون من موسى » دالّاً

٣٠٢

بوضوح على عموم المنازل، وإنْ فرض عدم مجرد الإستثناء فيه.

فثبت - والحمد لله - أن ما ذكره ( الدهلوي ) تبعاً لأئمّته - أعنى التفتازانى، والقوشجى، والكابلى - فى هذا الإستثناء، أعنى: « إلّا أنّه لا نبي بعدي ». وزعمهم أنّه إستثناء غير متصل بل منقطع، مندفع حتى بعد تسليم الإنقطاع، لكفاية صحة الإستثناء فى دلالة لفظ المنزلة على العموم، ولا حاجة إلى إثبات الإستثناء المتّصل.

٣٠٣

الردّ على دعوى أنّ الإستثناء في هذا الحديث منقطع

قوله:

والإستثناء هنا منقطع بالضرورة لفظاً ومعنىً.

أقول:

أولاً: إنّ ( الدهلوي ) يدّعى أنّ الإستثناء في هذا الحديث منقطع، وهو بعدُ لم يثبت انقطاع الإستخلاف!! وهذا إنْ دلّ على شيءٍ، فإنّما يدلّ على تشتّت باله واختلال أحواله!!

بين هذه الدعوى ومعيار العموم

وثانياً: قد عرفت أنّ صحّة الإستثناء معيار العموم، وأنّ ( الدهلوي ) يعترف بهذه القاعدة، فكان على ( الدهلوي ) أن يتكلَّم في صحة الإستثناء المتّصل، لا أنْ يكتفي بإنكار وجود الإستثناء المتّصل، إذ عدم كون الإستثناء الموجود متّصلاً - لو فرض فرضاً باطلاً - لا يضرّ المستدل ولا ينفع المجيب، لأنّ الكلام إنما هو فى صحة الإستثناء، و ( الدهلوي ) عاجز عن التكلّم في هذه النّاحية بشيء

والعجب من صلافة هذا الرّجل، كيف يدّعى في الباب الحادي عشر من كتابه وجود الأوهام في دلائل علمائنا الكرام، وهو يرتكب هذه الأوهام الطريفة والأغلاط اللطيفة، في فهم القواعد المشهورة والقوانين المعروفة التى ليس فيها أي إعضالٍ وإشكال؟!

والأعجب منه، إنّه ينسب - في الباب المذكور - إلى علماء الشيعة الوقوع في وهمِ أخذِ ما بالقوة مكان ما بالفعل، ويمثّل لذلك بحديث المنزلة، مع أنّه

٣٠٤

بنفسه قد أخذ هنا ما بالفعل مكان ما بالقوة، حيث جعل وجود الإستثناء - وهو بالفعل - مكان صحة الإستثناء وهو بالقوة. وأما نسبة ما ذكر إلى علماء الإمامية، فسيأتى دفعها فيما بعد بوجوه.

قوله:

أمّا لفظاً، فلأنّ: « إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » جملة خبريّة، فلا يمكن استثناؤها من منازل هارون، وتكون هذه الجملة بعد تأويلها إلى المفرد بدخول « إنّ » فى حكم إلاّعدم النبوة، ومعلوم أنّ عدم النبوة لم يكن من منازل هارون حتى يصح استثناؤه.

الأصل في هذه الدعوى هو التفتازانى

أقول:

ولا يخفى أن الأصل في دعوى انقطاع الإستثناء في الحديث - على ما يظهر من التتبّع - هو سعد الدين التفتازاني، فإنه قال:

« وليس الإستثناء المذكور إخراجاً لبعض أفراد المنزلة، بمنزلة قولك: إلّا النبوّة، بل منقطع بمعنى لكن، على ما لا يخفى على أهل العربية، فلا يدل على العموم. كيف؟ ومن منازله الأخوّة في النسب ولم تثبت لعلي، اللهمّ إلّا أن يقال إنها بمنزلة المستثنى، لظهور انتفائها »(١) .

وتبعه القوشجي حيث قال:

« وليس الإستثناء المذكور إخراجهاً لبقض أفراد المنزلة، بمنزلة قولك إلّا النبوة، بل هو منقطع بمعنى لكن، فلا يدل على العموم، كيف ومن منازلة الأخوة

____________________

(١). شرح المقاصد ٥ / ٢٧٥.

٣٠٥

فى النسب ولم يثبت لعلي، اللهمّ إلّا أنْ يقال إنها بمنزلة المستثنى، لظهور انتفائها »(١) .

ومنهما أخذ الكابلي، لكنّه أسقط من الكلام قولهما: « إلّا أنْ يقال » وهذه عبارته: « والإستثناء ليس إخراجاً لبعض أفراد المنزلة، بل منقطع بمنزلة غير، وهو غير عزيز في الكتاب والسنة، ولا يدل على العموم، فإنَّ من منازل هارون من موسى الاُخوة فى النسب، ولم يثبت ذلك لعلي»(٢) .

وقلّدهم ( الدّهلوي ) ولكنه لو كان له أقل خبرة بالقواعد العلمية، وأقل ممارسة للكتب الفقهية والأصولية، لما وقع في هذا الوهم الذي وقع فيه غيره

لا يجوز الحمل على الإنقطاع إلّاعند تعذّر الإتّصال

وذلك، لأنّ ممّا تقرر عند المحققين وتسالموا عليه، عدم جواز حمل الإستثناء على الإنقطاع إلا عند تعذّر الإتصال، وإليك نصوص بعض عباراتهم في ذلك:

قال ابن الحاجب: « الإستثناء في المنقطع قيل: حقيقة، وقيل: مجاز، وعلى الحقيقة قيل: متواطىء، وقيل: مشترك. ولابدَّ لصحته من مخالفة في نفي الحكم أو في المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه، مثل: ما زاد إلّا ما نقص. ولأن المتّصل أظهر، لم يحمله علماء الأمصار على المنقطع إلّا عند تعذّره، ومن ثمَّ قالوا فى: له عندي مائة درهم إلّاثوباً، وشبهه: إلّاقيمة ثوب »(١) .

وقال عضد الدين الإيجي بشرحه: « واعلم أنّ الحق أن المتصل أظهر، فلا

____________________

(١). شرح التجريد: ٣٧٠.

(٢). الصواقع الموبقة - مخطوط.

(٣). المختصر في علم الاصول ٢ / ١٣٢.

٣٠٦

يكون مشتركاً، ولا للمشترك، بل حقيقة فيه ومجازاً في المنقطع، فلذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلّاعند تعذّر المتّصل، حتى عدلوا للحمل على المتّصل عن الظاهر وخالفوه، ومن ثمَّ قالوا في قوله: له عندي مائة درهم إلّاثوباً، وله عليَّ إبل إلّا شاة معناه: إلّا قيمة ثوب أو قيمة شاة، فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متّصلاً، ولو كان في المنقطع ظاهراً لم يرتكبوا مخالفة ظاهرٍ حذراً عنه ».

وقال البهاري: « أداة الإستثناء مجاز في المنقطع، وقيل حقيقة، فقيل: مشترك، وقيل: متواطىء، أي وضعت لمعنى فيها وضعاً واحداً. لنا: إن المتّصل أظهر، فلا يتبادر من نحو: جاء القوم إلّا إرادة إخراج البعض، فلا يكون مشتركاً ولا للمشترك، ومن ثمّة لم يحمله علماء الأمصار عليه ما أمكن المتّصل ولو بتأويل، فحملوا: له عليَّ ألف إلّاكرّاً على قيمته »(١) .

وقال عبد العزيز البخاري: « وقال [ الشافعي ] في رجل قال: لفلان عليَّ ألف درهم إلّا ثوباً: إن الإستثناء صحيح، ويسقط من الألف قدر قيمة الثوب، لأنّ معناه إلّاثوباً فإنّه ليس عليَّ من الألف، لأنه ليس بياناً إلّاهكذا.

ثم الدليل المعارض - وهو الإستثناء - واجب العمل بقدر الإمكان، إذ لو لم يعمل به صار لغواً، والأصل في كلام العاقل أنْ لا يكون كذلك، فإن كان المستثنى من جنس المستثنى منه يمكن إثبات المعارضة في عين المستثنى، والإمكان ههنا في أن يجعل نفياً لقدر قيمة الثوب لا لعينه، فيجب العمل به كما قال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - في قول الرجل: لفلان عليَّ ألف إلّا كراً حنطةً: إنه يصرف إلى قيمة الكر، تصحيحاً للإستثناء بقدر الإمكان. قال: ولو كان الكلام عبارةً عمّا وراء المستثنى كما قلتم ينبغي أنْ يلزمه الألف كاملاً، لأن

____________________

(١). مسلّم الثبوت ١ / ٣١٦ هامش المستصفى.

٣٠٧

مع وجوب الألف عليه نحن نعلم أنه لا كرّ عليه، فكيف يجعل هذا عبارةً عمّا وراء المستثنى، والكلام لم يتناول المستثنى أصلاً، فظهر أن الطريق فيه ما قلنا ».

ثم قال البخاري في الجواب عن استدلال الشافعي نقلاً عن أصحابه:

« وكذا صحة الإستثناء في قوله: عليَّ ألف إلّا ثوباً. ليست مبنيّةً على أنّ الإستثناء معارضة أيضاً، بل هي مبنيّة على أنّ الإستثناء المتصل حقيقة، والإستثناء المنقطع مجاز، فمهما أمكن حمل الإستثناء على الحقيقة وجب حمله عليها، إذ الأصل في الكلام هو الحقيقة، ومعلوم أنّه لابدّ في الإستثناء المتّصل من المجانسة، فوجب صرف الإستثناء إلى القيمة ليثبت المجانَسة ويتحقّق الإستخراج كما هو حقيقة، ألا ترى أنّه لا يمكن جعله معارضة إلاّ بهذا الطريق، إذ لا بدّ من اتحاد المحلّ أيضاً. وإذا وجب ردّ الثوب إلى القيمة تصحيحاً للإستثناء لا ضرورة إلى جعله معارضة، بل يجعل عبارة عما وراء المستثنى »(١) .

وقال البخاري أيضاً: « قوله: وقوله تعالى:( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) (٢) إستثناء منقطع. ذهب بعض مشايخنا منهم القاضي الإمام أبو زيد إلى أنّ هذا إستثناء منقطع، وتقريره من وجهين وذهب أكثرهم إلى أنّه إستثناء متصل، لأنّ الحمل على الحقيقة واجب مهما أمكن، فجعلوه استثناء حال بدلالة الثنيّا، فإنها تقتضى المجانسة، وحملوا الصدر على عموم الأحوال، أي: أضمروا فيه الأحوال فقالوا: التقدير أولئك هم الفاسقون في جميع الأحوال، أي حال المشافهة والغيبة، وحضور القاضي وحضور الناس وغيبتهم، وحال الثبات والإصرار على القذف وحال الرجوع والتوبة ».

____________________

(١). كشف الأسرار في شرح البزدوي ٣ / ٢٥٠ - ٢٥١.

٣٠٨

قال: « قوله: وكذلك قوله تعالى:( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) أي: ومثل قوله تعالى:( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) قوله عزوجل:( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) ، فإنّه استثناء حال أيضاً، إذ لا يمكن استخراج العفو الذي هو حالهنَّ عن نصف المفروض حقيقة، لعدم المجانسة، فيحمل الصدر على عموم الأحوال، أي: لهنَّ نصف ما فرضتم، أو عليكم نصف ما فرضتم في جميع الأحوال، أي: في حال الطلب والسكوت، وحال الكبر والصغر، والجنون والإفاقة، إلّا في حالة العفو، إذا كانت العافية من أهله، بأنْ كانت عاقلة بالغةً، فكان تكلّماً بالباقي نظراً إلى عموم الأحوال ».

قال: « قوله: وكذلك. أي ومثل قوله تعالى:( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) قوله عليه الصلاة والسلام: إلّاسواء بسواء. فإنه استثناء حال أيضاً، لانّ حمل الكلام على الحقيقة واجب ما أمكن، ولا يمكن استخراج المساواة من الطعام، فيحمل الصدر على عموم الأحوال، فصار كأنّه قيل: لا تبيعوا الطعام بالطعام في جميع الأحوال من المفاضلة والمجازفة والمساواة إلّا في حالة المساواة، ولا يتحقق هذه الأحوال إلّا في الكثير

فإنْ قيل: لا نسلّم أنّ هذا إستثناء متصل، بل هو إستثناء منقطع، لاستحالة استخراج المساواة التي هي معنىً من العين، فيكون معناه: لكن إنْ جعلتموها سواء فبيعوا أحدهما بالآخر، فيبقى الصدر متناولاً للقليل والكثير. وقولكم: العمل بالحقيقة أولى، مسلّم، ولكن إذا لم يتضمّن بالعمل بها مجازاً آخر وقد تضمّن ههنا، لأنّه لا يمكن حمله على الحقيقة إلّابإضمار الأحوال في صدر الكلام، والإضمار من أبواب المجاز

قلنا: حمل الكلام على الحقيقة واجب، فلا يجوز حمله على المنقطع الذي هو مجاز من غير ضرورة. وقولهم: حمله على الحقيقة يتضمّن مجازاً آخر. قلنا: قد قام الدليل على هذا المجاز وهو الإضمار، فوجب العمل به. فأما

٣٠٩

المجاز الذي ذكرتم فلم يقم عليه دليل، فترجّحت الحقيقة عليه

فثبت أن حمله على المتّصل مع الإضمار أولى من حمله على المنقطع »(١) .

رجوع « إلّا أنّه لا نبي بعدي » إلى الإتصال بوجهين:

إذا عرفت أنّ الأصل في الإستثناء هو الإتصال وهو الحقيقة فيه، وأنّه لا يجوز حمله على الإنقطاع إلّا عند تعذّر الإتصال، فاعلم أنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث: « إلّا أنّه لا نبي بعدي» يرجع إلى الإستثناء المتصل بوجهين:

١ - الأصل فيه: إلّا النبوّة لأنّه لا نبيّ بعدي

الأول: أنْ نقول إنّ الأصل في الحديث: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوة لأنه لا نبي بعدي » فحذف لفظ « النبوّة » الذي هو المستثنى في الحقيقة وقامت العلّة مقام المعلول كما حذف لفظ « القيمة » في الأمثلة المتقدمة في كلمات الائمة، وأقيم لفظ « ثوباً » أو « شاةً» أو « كراً » مقامه.

والوجه في حذف لفظ « النبوة » هو: إيثار الإيجاز، ولا يخفى حسن الإيجاز على العارف بأساليب الكلام والماهر في علم المعانى:

قال السكّاكي: « والعلم في الإيجاز قوله علت كلمته:( فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) (١) وإصابته المحزّ بفضله على ما كان عند أوجز كلام في هذا المعنى، وذلك قولهم: القتل أنفى للقتل. ومن الإيجاز قوله تعالى( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) ذهاباً إلى أنّ المعنى: هدى للضالّين الصائرين إلى التقوى بعد الضلال، لما أنّ

____________________

(١). كشف الاسرار في شرح أصول البزدوي ٣ / ٢٦٢ - ٢٦٥.

٣١٠

الهدى أيْ الهداية إنما تكون للضالّ لا للمهتدي. ووجه حسنه قصد المجاز المستفيض نوعه، وهو وصف الشيء بما يؤول إليه، والتوصّل به إلى تصدير أولى الزهراوين بذكر أولياء الله. وقوله:( فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ ) أظهر من أن يخفى حاله في الوجازة، نظراً إلى ما ناب عنه. وكذا قوله:( وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) .

وانظر إلى الفاء التي تسمى فاء فصيحة في قوله:( فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ ) ( فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ ) كيف أفادت: فامتثلتم فتاب عليكم. وفي قوله:( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ ) مفيدة: فضرب فانفجرت. وتأمّل قوله:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) أليس يفيد فضربوه فحيي فقلنا كذلك يحيى الله الموتى!

وقدّر صاحب الكشّافرحمه‌الله قوله:( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ ) نظراً إلى الواو في « وقالا »: ولقد آتينا داود وسليمان علماً فعملا به وعلّماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله. ويحتمل عندي: أنه أخبر تعالى عمّا صنع بهما وأخبر عمّا قالا، كأنه قال: نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد، تفويضاً استفادة ترتب الحمد على إيتاء العلم إلى فهم السامع، مثله في قم يدعوك بدل قم فإنه يدعوك. وإنه فن من البلاغة لطيف المسلك.

ومن أمثلة الإختصار: قوله:( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (١) بطيّ أبحت لكم الغنائم لدلالة فاء التسبيب في « فكلوا ». وقوله:( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ) (٢) بطيّ إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم أنتم فعدّوا عن الإفتخار لدلالة الفاء في فلم. وكذا قوله:( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ ) (٣) إذ المعنى: إذا كان ذلك فما هي إلّازجرة واحدة. وكذا قوله:( فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ ) تقديره: إنْ

٣١١

أرادوا وليّاً بحق فالله هو الولي بالحق لا وليّ سواه. وكذا قوله:( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) أصله: فإنْ لم يتأتَّ أنْ تخلصوا العبادة لي في أرض فإيّاي في غيرها اعبدوا فاعبدون، أي فاخلصوها في غيرها، فحذف الشرط وعوّض عنه تقديم المفعول، مع إرادة الإختصاص بالتقديم. وقوله:( كَلّا فَاذْهَبا بِآياتِنا ) أي: ارتدعا عن خوف قتلهم، فاذهبا أي: فاذهب أنت وأخوك بدلالة كلّا على المطويّ. وقوله:( إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) أصله: إذ يلقون أقلامهم ينظرون، ليعلموا أيّهم يكفل مريم لدلالة أيّهم على ذاك بوساطة علم النحو. وقوله:( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ ) المراد: ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ما فعل. وكذا قوله:( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) أصل الكلام: ولنجعله آيةً فعلنا ما فعلنا. وكذا قوله:( لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) أي لأجل الإدخال في الرحمة كان الكف ومنع التعذيب. وقوله:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) إذا لم يفسّر الحمل بمنع الأمانة والغدر، وأريد التفسير الثاني وهو تحمل التكليف كان أصل الكلام: وحملها الإنسان ثم خان به منبّهاً عليه بقوله( إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الذي هو توبيخ للإنسان على ما هو عليه من الظلم والجهل في الغالب. وقوله:( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) تتمّته ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذفت لدلالة:( فإن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ) »(١) .

أقول:

فالعجب من التفتازاني الإمام في علمي الأصول والبلاغة كيف يغضي

____________________

(١). مفتاح العلوم: ٢٧٧ - ٢٧٩.

٣١٢

طرفه عن قاعدة وجوب حمل الإستثناء على حقيقته وهو الإتصال، وعدم جواز حمله على المنقطع الذي هو مجاز؟ وعمّا تقرّر لدى علماء الأمصار من إرجاع الإستثناء إلى المتصل ولو بارتكاب الإضمار وصرف الكلام عن ظاهره؟ مع أنّ هذه القاعدة التي مشى عليها كافة العلماء مذكورة في ( المختصر ) و ( شرح العضدي )، وأنّ التفتازاني نفسه شرحها وأوضحها في ( شرحه على شرح العضدي )!! حيث قال ما نصّه:

« قوله: واعلم أنّ الحق إشارة إلى الدليل على كونه مجازاً في المنقطع، وذلك لأنّ المتّصل هو المتبادر إلى الفهم، فلا يكون الإستثناء يعني صيغته مشتركاً لفظاً ولا موضوعاً للقدر المشترك بين المتّصل والمنقطع، إذْ ليس أحد معاني المشترك أو أفراد المتواطي أولى بالظهور والمتبادر عند قطع النظر عن عارض شهرة أو كثرة ملاحظة أو نحو ذلك »(١) .

فالتفتازاني يوافق العضدي في أن الإستثناء حقيقة في المتّصل، وأنّ المتصل مقدم على المنقطع، وأنه يجب حمل الإستثناء على المتّصل ولو بارتكاب الإضمار والصرف عن الظّاهر

مضافاً إلى أنّه يمدح كتاب المختصر وشرح العضدي ويصفهما بالأوصاف الجليلة ففي ( كشف الظنون ): « وشرح العلامة سعد الدين التفتازاني المتوفى سنة ٧٩١ أوّله: الحمد لله الذي وفقنا للوصول إلى منتهى اصول الشريعة. الخ. قال: إنّ المختصر يجري من كتب الاُصول مجرى الغرة من الكميه الدرة من الحصى والواسطة من العقد. الخ. وكذلك شرح العلّامة المحقق عضد الدين، يجري من الشروح مجرى العذب الفرات من البحر الاجاج بين عين الحياة، لم ير مثله في زبر الأوّلين، ولم يسمع

____________________

(١). شرح مختصر الاصول ٢ / ١٣٢. الهامش.

٣١٣

بما يوازيه أو يدانيه »(١) .

وأيضاً، فقد نصَّ التفتازاني في ( شرح التنقيح ) على أنّ الإستثناء حقيقة في المتّصل ومجاز في المنقطع وهذه عبارته: « قوله: مسألة المستثنى إنْ كان بعض المستثنى منه فالإستثناء متّصل وإلّا فمنقطع. ولفظ الإستثناء والمستثنى حقيقة عرفية في القسمين على سبيل الإشتراك. وأمّا صيغة الإستثناء فحقيقة في المتّصل ومجاز في المنقطع، لأنها موضوعة للإخراج ولا إخراج في المنقطع، وكلام المصنفرحمه‌الله محمول على أنّ الإستثناء أي الصيغة التي يطلق عليها هذا اللفظ مجاز في المنقطع، فإنّ لفظ الإستثناء يطلق على فعل المتكلّم وعلى المستثنى وعلى نفس الصيغة »(٢) .

فلماذا ينكرون ما يقرّرونه إذا احتجّ به الإماميّة؟!

٢ - إنّ « إلّا أنّه لا نبي بعدي » محمول على « إلّا النبوّة »

الثانى: أنْ نقول: إنّ « إلّا أنّه لا نبي بعدي » محمول على « إلّا النبوة » بقاعدة الحمل على المعنى، والوجه في كون الجملة بمعنى « إلّا النبوة » أنّه متى كانت النبوة مطلقاً منتفية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنبوّة أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً بعده منتفية، فيكون « إلّا النبوة » لازم « إلّا أنّه لا نبي بعدي » فكان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إلّا أنّه لا نبي بعدي » من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللّازم

وأما القاعدة المذكورة فمن القواعد المعروفة المشهورة كذلك:

قال السيوطى: « الحمل على المعنى: قال في الخصائص: إعلم أن هذا

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٨٥٣.

(٢). التلويح في كشف حقائق التنقيح، خاتمة الركن الثاني من القسم الأول باب البيان.

٣١٤

الشرح غور من العربية بعيد، ومذهب نازح فسيح، وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصوّر معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظٍ قد يكون عليه الأول، أصلاً كان ذلك اللفظ أو فرعاً وغير ذلك.

فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص.( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد بالرحمة هنا المطر.

ومن تأنيث المذكّر قراءة من قرأ: تلتقطه بعض السيارة. وقولهم: ذهبت بعض أصابعه. انّث ذلك لما كان بعض السيارة سيارة في المعنى، وبعض الأصابع إصبعاً

ومن باب الواحد والجماعة قولهم: هو أحسن الصبيان وأجمله. أفرد الضمير لأنَّ هذا موضع يكثر فيه الواحد، كقولك: هو أحسن فتىً في الناس وقال تعالى:( وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ) (٤) فحمل على المعنى. وقال تعالى:( مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (٥) فأفرد على لفظ مَن ثم جمع من بعد.

والحمل على المعنى واسع في هذه اللغة جدّاً. منه قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ) (٦) ثم قال:( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ) (١) قيل فيه: إنه محمول على المعنى، حتى كأنه قال: أرأيت كالذي حاجَّ إبراهيم، أو كالذي مرَّ على قرية، فجاء بالثاني على أن الأول قد سبق كذلك وكذا قوله: علّفتها تبناً وماءً بارداً. أي: وسقيتها ماءً

ومنه باب واسع لطيف ظريف وهو: اتصال الفعل بحرف ليس ممّا يتعدّى به، لأنه في معنى فعلٍ يتعدّى به، كقوله تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى

٣١٥

نِسائِكُمْ ) لما كان في معنى الإفضاء عدّاه بإلى. ومثله قول الفرزدق: قد قتل الله زياداً عني. لأنه في معنى صَرَفه.

وقال الزمخشري: من المحمول على المعنى قولهم: حسبك يَتَمُ الناسُ. ولذا جُزم به كما يجزم بالأمر، لأنه بمعنى اكفف. وقولهم: اتّقى الله امرؤٌ فعل خيراً يُثَب عليه، لأنه بمعنى ليتق الله امرؤٌ وليفعل خيراً.

وقال أبو علي الفارسي في التذكرة: إذا كانوا قد حملوا الكلام في النفي على المعنى دون اللفظ حيث لو حمل على اللفظ لم يؤد إلى اختلالٍ معنىً ولا فساد فيه، وذلك نحو قولهم: شر أهرّ ذا ناب، وشيء جاء بك، وقوله: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي. وقولهم: قلّ أحد إلاّيقول ذاك. وقولهم: نشدتك الله إلّا فعلتَ. وكل هذا محمول على المعنى، ولو حمل على اللفظ لم يؤد إلى فساد والتباس، فأنْ يحمل على المعنى حيث يؤدي إلى الإلتباس يكون واجباً، فمن ثمَّ نفى سيبويه قوله: مررت بزيد وعمرو، إذا مرّ بهما مرورين، ما مررت بزيد ولا بعمرو فنفى على المعنى دون اللّفظ. وكذلك قوله: ضربت زيداً أو عمراً ما ضربت واحداً منهما، لأنه لو قال: ما ضربت زيداً أو عمراً أمكن أنْ يظن أنّ المعنى ما ضربتهما.

ولما كان قوله: ما مررت بزيد وعمرو لو نفي على اللفظ لا يمكن أن يكون مروراً واحداً، فنفاه بتكرير الفعل ليتخلّص من هذا المعنى، كذلك جمع قوله مررت بزيد أو عمرو ما مررت بواحدٍ منهما، ليتخلّص من المعنى الذي ذكرنا »(١) .

قال السّيوطى: « وقال ابن هشام في المغني: قد يعطى الشيء حكم ما أشبهه في معناه أو في لفظه أو فيهما »(٢) .

____________________

(١). الأشباه والنظائر للسيوطي ٢ / ١١٤ - ١١٥.

(٢). الأشباه والنظائر ٢ / ١٨٣.

٣١٦

وقال نجم الأئمة رضي الدين الإسترابادي: « وقد يجري لفظة أبى وما تصرّف منها مجرى النفي. قال تعالى:( فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً ) ( وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) والمفرغ لا يجري في الموجب إلّاناراً. فعلى هذا يجوز نحو: أبى القوم أنْ يأتوني إلّازيد. إذ حيث يجوز المفرغ يجوز الإبدال، وتأويل النفي في غير الألفاظ المذكورة نادر كما جاء في الشواذ: فشربوا منه إلّاقليل، أي لم يطيعوه إلّا قليل »(١) .

وقال في:

« اُنيخت فألقت بلدةً فوق بلدة

قليل بها الأصوات إلّا بغامها »

« يجوز في البيت أنْ يكون الإستثناء وما بعدها بدلاً من الأصوات، لأنّ في قليل معنى النفي كما ذكرنا »(٢) .

لا يصح الإستثناء المنقطع في الحديث لعدم شرطه

وبعد ملاحظة هذه التصريحات وأمثالها، لا يستبعد العاقل الفاضل جواز حمل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إلاّ أنّه لا نبي بعدي » على « إلاّ النبوة » لأن تلك العبارات صريحة في أنّ الحمل على المعنى من الأساليب اللطيفة الشائعة في كلام العرب.

وبغض النّظر عن ذلك، فإنّه لا يخفى على مهرة كلام العرب وحذاق فنون العربية عدم جواز الإستثناء المنقطع في هذا المقام أصلاً إذ بناءً عليه يكون « إلّا أنّه لا نبي بعدي » بمعنى « إلّا عدم النبوة » فيكون تقدير الحديث « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّاعدم النبوة » ومن المعلوم أنْ لا مخالفة لعدم النبوة

____________________

(١). شرح الكافية في النحو ١ / ٢٣٢.

(٢). شرح الكافية في النحو ١ / ٢٤٧.

٣١٧

مع الحكم السابق أصلاً، فلا يكون الإستثناء منقطعاً حينئذٍ، لما تقرّر عند أئمة العربية والاصول من اشتراط وجود مخالفةٍ بوجهٍ من الوجوه في صحّة الإستثناء المنقطع ...:

قال ابن الحاجب: « ولا بدّ لصحته من مخالفة في نفي الحكم أو المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه ».

وقال العضد الإيجي: « واعلم أنّه لا بدّ لصحة الإستثناء المنقطع من مخالفةٍ بوجهٍ من الوجوه، وقد يكون بأنْ ينفى من المستثنى الحكم الذي يثبت للمستثنى منه نحو جاءني القوم إلّاحماراً، فقد نفينا المجيء عن الحمار بعد ما أثبتناه للقوم، وقد يكون بأنْ يكون المستثنى نفسه حكماً آخر مخالفاً للمستثنى منه بوجه، مثل: ما زاد إلّا ما نقص، فإن النقصان حكم مخالف للزيادة. وكذا: ما نفع إلّاما ضرّ. ولا يقال: ما جاءني زيد إلّا أنَّ الجوهر الفرد حق. إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين. وبالجملة: فإنه مقدر بـ « لكن » فكما تجب فيه مخالفة إمّا تحقيقاً مثل: ما ضربني زيد لكن ضربني عمرو، وإمّا تقديراً مثل: ما ضربني لكن أكرمني، فكذا هنا »(١) .

إذن، يكون حال: « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا عدم النبوة » حال: « ما جاءني زيد إلّا أن الجوهر الفرد حق » في عدم الصحة، لعدم مخالفة بوجه من الوجوه بين « عدم النبوة » وبين « ثبوت منزلة هارون لأمير المؤمنينعليهما‌السلام » على تقدير عدم عموم المنزلة

فثبت أنّ حمل « إنّه لا نبي بعدي » في الكلام النبوي على عدم النبوّة، واستثنائه من « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » يخرجه عن الرزانة والمتانة، والعياذ بالله من ذلك

____________________

(١). شرح المختصر للعضدي ٢/١٣٢.

٣١٨

فالعجب من التفتازاني دعواه الإنقطاع في الإستثناء في الحديث الشريف، مع وقوفه على ما ذكره العضدي في اعتبار الشرط المذكور في الإنقطاع، وموافقته له في شرحه لكلماته، كما كان منه في مسألة لزوم حمل الإستثناء على الإتصال ولو بالتزام الحذف، حيث وافق العضدي في هذه المسألة، ثم خالف ذلك في شرح المقاصد، في معنى الحديث الشريف!!

وإذا كان هذا حال التفتازاني - وهو من أعلام محققي القوم في العربية والأصول - فما ظنّك بمثل الكابلي و ( الدهلوى )؟!

ولا يخفى أنّ القطب الشيرازي أيضاً ينصّ على اعتبار الشرط المذكور في الإستثناء المنقطع، ويصرّح بأنّ عليه اتّفاق الكلّ، وهذه عبارته:

« وإذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ الكلّ اتفقوا على أنّه لابد لصحته [ أي لصحّة الإستثناء المنقطع ] من مقاربة المتّصل في مخالفته، إمّا في نفي الحكم مثل: ما جاءني زيد إلّاعمرو، أو في كون المستثنى حكماً آخر له مخالفة بوجهٍ مّا مع المستثنى منه مثل: ما زاد إلّاما نقص، وما نفع إلّاما ضرّ، مثله في « لكن » لأنها لا تقدَّر بها. وإلى هذا الإتفاق استروح من ذهب إلى أنه مجاز في المنقطع وقال: لو لم يكن مجازاً فيه لم يشترط مقاربته للحقيقة »(١) .

وإلى هنا ظهر: أنّ حمل الإستثناء « إلّا أنّه لا نبي بعدي » على الإستثناء المنقطع، وزعم أن المراد منه استثناء « عدم النبوة » لا استثناء النبوّة مخالف للإجماع واتفاق العلماء فما ذكره التفتازاني والقوشجي والكابلي و ( الدهلوي ) باطل مردود

____________________

(١). شرح مختصر ابن الحاجب - مسائل الإستثناء.

٣١٩

الحديث بلفظ « إلّا النبوّة »

فالحمد لله الذي وفّقنا لبيان بطلان دعواهم على أساس القواعد المقرّرة في الكتب العلميّة، وعلى لسان كبار أئمتهم في الاُصول وعلوم العربيّة وظهر أن الإستثناء في الحديث الشريف متّصل، وأنّه لا بدّ من أن يكون متّصلاً، وأنّه لا يصحّ حمله على الإنقطاع، لوجوب حمل الإستثناء دائماً على الإتصال ما أمكن، ولعدم وجود شرط الإستثناء المنقطع في هذا الحديث

فإن كان هناك ريب ممّا ذكرنا في قلوب أهل الزّيغ، فإنّا نثبت اتصال هذا الإستثناء من كلام الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ليتّضح أنّ حمل « إلّا أنّه لا نبي بعدي » على « عدم النبوة » دون « إلّا النبوة » ردّ صريح على من لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلّاوحي يوحى!! فإليك ذلك:

قال ابن كثير: « قال أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، ثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها: أن عليّاً خرج إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى جاء ثنيّة الوداع وعلي يبكي يقول: تخلّفني مع الخوالف؟! فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوة.

إسناده صحيح ولم يخرجوه »(١) .

وقال سبط ابن الجوزي: « وقد أخرج الإمام أحمد هذا الحديث في كتاب الفضائل الذي صنّفه لأمير المؤمنين:

أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود البزار، قال: أنبأ أبو الفضل محمد ابن ناصر السّلمي، أنبأ أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أنبأ أبو

____________________

(١). البداية والنهاية ٧ / ٣٤١.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418