نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٧

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 418

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 202793
تحميل: 7652


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202793 / تحميل: 7652
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 17

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هل كانت الخلافة من منازل هارون؟

قال الدهلوي: لا نسلّم!

٣٨١

٣٨٢

الرد على دعوى التنافي بين الخلافة والنبوة

قوله:

الثاني: إنّا لا نسلّم أن من منازل هارون من موسى خلافته عنه بعد الموت، إذ لو بقي هارون بعد موسى لكان رسولاً مستقلاً في التبليغ ولم تنقطع عنه هذه المرتبة آناًمّا، وهي تنافي الخلافة، لأن الخلافة نيابة النبي، وأيّ مناسبة بين الأصالة والنيابة!

أقول:

وكما أوضحنا بطلان الوجه الأول، سنوضّح بطلان هذا الوجه، في الوجوه الآتية، ليقف الكل - لاسيّما أولياؤه وأتباعه - على حقيقة حال هذا الرّجل، من النواحي العلمية والنفسيّة، ومدى اطّلاعه على الحقائق الدينية والتزامه بما جاء في الكتاب والسنّة وكلمات المحققين، من محدّثين ومتكلمين ومفسّرين

فمن الوجوه على بطلان هذه المناقشة:

١ - استلزامها لغويّة حديث المنزلة

إن دعوى التنافي بين الخلافة والنبوة إبطال لما تقدّم منه من حمل حديث المنزلة على المنزلة المعهودة، لأنّ الحمل المذكور كان على أساس ثبوت الخلافة لهارون، وتشبيه الخلافة العلوية بالخلافة الهارونية، أما إذا أنكر أصل

٣٨٣

خلافة هارون عن موسى - بزعم التنافي بينها وبين رسالته لو بقي حيّاً من بعده - سقط الحمل المزعوم، وبسقوطه لا يبقى أيّ معنى لحديث المنزلة.

فهل يلتزم ( الدهلوي ) بلغويّة كلام النبي الذي( ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) ؟

٢ - إنها تكذيب صريح لصريح القرآن

إنّ خلافة هارون عن موسى ثابتة بالنص الصريح من كتاب الله سبحانه وتعالى، الكتاب الذي( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ )

قال الله عزوجل:( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (١) .

فموسى يستخلف هارون، و ( الدهلوي ) يقول: « لا نسلّم، لمنافاة الخلافة للنبوة »!!

٣ - إنّها باطلة بإجماع المفسّرين

ولو أنّ مشكّكاً سوّلت له نفسه تحريف هذا النصّ الصريح من القرآن الكريم على استخلاف هارون، بتأويل سخيفٍ وتوجيه غير وجيه، لكان مردوداً باتّفاق المفسّرين على الإستخلاف، وصراحة كلماتهم في ذلك بلا خلاف، وإليك نصوص عبارات بعضهم في تفسير الآية:

* أبو الليث السمرقندي: «( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ ) يعني: قال له قبل انطلاقه إلى الجبل:( اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) يعني: كن خليفتي على قومي( وَأَصْلَحَ ) يعني: مرهم بالصّلاح ويقال: وأصلح بينهم( وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ

____________________

(١). سورة الأعراف: ٧، الآية ١٤٢.

٣٨٤

الْمُفْسِدِينَ ) يعني: ولا تتّبع طريق العاصين ولا ترض به، واتّبع سبيل المطيعين »(١) .

* الثعلبي: «( وَقالَ مُوسى ) عند انطلاقه( لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي ) كن خليفتي.( فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) وأصلحهم بحملك إيّاهم على طاعة الله وعبادته »(٢) .

* البغوي: «( وَقالَ مُوسى ) عند انطلاقه إلى الجبل للمناجاة( لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي ) كن خليفتي( فِي قَوْمِي ) (٣) .

* الزمخشري: «( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ ) وهارون عطف بيان لأخيه. وقرىء بالضم على النداء:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) كن خليفتي فيهم( وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) وكن مصلحاً. أي وأصلح ما يحب أنْ يصلح من اُمور بني إسرائيل، ومن دعاك منهم إلى الفساد فلا تتّبعه ولا تطعه »(٤) .

* الرازي: « وأمّا قوله:( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ ) (٥) فقوله هارون عطف بيان لأخيه. وقرىء بالضم على النداء.( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) كن خليفتي فيهم( وَأَصْلِحْ ) وكن مصلحاً، أو وأصلح ما يجب أن يصلح من اُمور بني إسرائيل، ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتّبعه ولا تطعه.

فإن قيل: إن هارون كان شريك موسىعليه‌السلام في النبوة، فكيف جعلَهُ خليفةً لنفسه، فإن شريك الإنسان أعلى حالاً من خليفته، وردُّ الإنسان من المنصب الأعلى إلى الأدون يكون إهانة.

____________________

(١). تفسير أبي الليث السمرقندي ١ / ٥٦٧.

(٢). الكشف والبيان في تفسير القرآن = تفسير الثعلبي - مخطوط.

(٣). معالم التنزيل ٢ / ٥٣٥.

(٤). الكشاف ٢ / ١١١.

٣٨٥

قلنا: الأمر وإن كان كما ذكرتم إلّا أنه كان موسىعليه‌السلام هو الأصل في تلك النبوة »(١) .

* النيسابوري: « « اخلفني في قومي » كن خليفتي فيهم( وَأَصْلِحْ ) وكن مصلحاً أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بني اسرائيل. ومن دعاك إلى الإفساد فلا تتّبعه. وإنما جعل خليفةً مع أنّه شريكه في النبوة بدليل:( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) والشريك أعلى حالاً من الخليفة، لأنّ نبوة موسى كانت بالأصالة ونبوة هارون بتبعيتهُ، فكأنّه خليفته ووزيره »(٢) .

* البيضاوي: «( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) كن خليفتي فيهم( وَأَصْلِحْ ) ما يجب أنْ يصلح من أمورهم. أو كن مصلحاً( وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) ولا تتّبع من سلك الإفساد، ولا تطع من دعاك إليه »(٣) .

* النسفي: «( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ ) هو عطف بيان لأخيه( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) كن خليفتي فيهم( وَأَصْلِحْ ) ما يجب أنْ يصلح من أمور بني إسرائيل »(٤) .

* ابن كثير: « فلمـّا تمّ الميقات، وعزم موسى على الذهاب إلى الطّور، كما قال تعالى:( يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ) الآية. فحينئذٍ استخلف موسى على بنى اسرائيل أخاه هارون ووصّاه بالإصلاح وعدم الإفساد. وهذا تنبيه وتذكير، وإلّا فهارونعليه‌السلام نبيّ شريف كريم على الله، له وجاهة وجلالة. صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر

____________________

(١). تفسير الرازي ١٤ / ٢٢٧.

(٢). تفسير النيسابوري ٣ / ٣١٤.

(٣). تفيسر البيضاوي ١ / ٣٦٧.

(٤). تفسير النسفي ٢ / ١٢٧ ط هامش الخازن.

٣٨٦

أنبياء الله »(١) .

* أبو السعود: «( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ ) حين توجّه إلى المناجاة حسبما أمر به( اخْلُفْنِي ) أي كن خليفتي( فِي قَوْمِي ) وراقبهم فيما يأتون وما يذرون »(٢) .

* السيوطي: «( اخْلُفْنِي ) كن خليفتى( فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) أمرهم »(٣) .

* الشربيني: « أي: قال له عند ذهابه إلى الجبل للمناجاة%( اخْلُفْنِي ) أي: كن خليفتي( فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) أي ما يجب أن يصلح من أمورهم أو كن مصلحاً »(٤) .

٤ - إنّها مردودة بكلمات أرباب السّير والتواريخ

وكلمات أرباب السّير أيضاً تنادي ببطلان دعوى التنافي بين الخلافة والنبوّة، وإليك بعضها:

* الثعلبي: « قال أهل السّير وأصحاب التواريخ: لمـّا أهلك الله فرعون وقومه. قال موسى: إني ذاهب إلى الجبل لميقات ربّي، وآتيكم بكتابٍ فيه بيان ما تأتون وما تذرون، وواعدهم ثلاثين ليلة، واستخلف عليهم أخاه هارون »(١) .

* الكسائي: « فلمـّا عبر موسى البحر، سار في بني إسرائيل يريد الطّور، فإذا هم بقوم قد اتّخذوا أصناماً وهم عاكفون على عبادتها، فقال السفهاء منهم -

____________________

(١). تفسير ابن كثير ٢ / ٢٥٤.

(٢). تفسير أبي السعود ٣ / ٢٦٩.

(٣). تفسير الجلالين.

(٤). السراج المنير = تفسير الخطيب الشربيني ١ / ٥١١.

(٥). عرائس المجالس في قصص الانبياء: ٢٠٨.

٣٨٧

وكانوا قريبي العهد بعبادة الأصنام - يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون. فقال لهم: إنّ هؤلاء متبّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون. ثم قال: أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضّلكم على العالمين. فاستغفروا الله ممّا قلتم. فسار القوم وفي قلوبهم حبّ الأصنام، حتى قرب من الطّور، فاستخلف أخاه هارون على قومه »(١) .

* ابن الأثير: « فلمـّا أهلك الله فرعون وأنجى بني إسرائيل، قالوا: يا موسى ائتنا بالكتاب الذي وعدتنا، فسأل موسى ربّه ذلك، فأمره أنْ يصوم ثلاثين يوماً ويتطهّر ويطهّر ثيابه، ويأتي إلى الجبل جبل طور سيناء ليكلّمه ويعطيه الكتاب، فصام ثلاثين يوماً أوّلها أول ذي القعدة، وسار إلى الجبل، واستخلف أخاه هارون على بنى إسرائيل »(٢) .

* العيني: « النوع الحادي والثلاثون في قصة السّامري: قال تعالى:( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ ) الآية. قالوا: لمـّا ذهب موسىعليه‌السلام إلى الجبل لميقات ربّه استخلف على قومه أخاه هارونعليه‌السلام »(٣) .

٥ - إنّها منقوضة بتصريحات المتكلّمين

وعلماء الكلام أيضاً يصرّحون باستخلاف موسى هارون:

* الديار بكري: « وخلّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلّفه إلّا استثقالاً لَهُ وتخضيفاً منه، فلمـّا قالوا ذلك أخذ علي سلاحه ثم خرج، حتى أتى رسول الله

____________________

(١). قصص الانبياء - مخطوط.

(٢). الكامل في التاريخ ١ / ١٨٩.

(٣). عقد الجمان في تاريخ اهل الزمان، فصل قصة موسى، النوع الحادي والثلاثون.

٣٨٨

صلّى الله عليه وسلّم - وهو نازل بالجرف - فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون أنّك انما خلّفتني إلاّ أنك استثقلتني وتخفّفت منّي! فقال: كذبوا، ولكني خلّفتك لما تركت ورائي، فارجع وأخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى - يا علي - أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي، فرجع عليٌ إلى المدينة، ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسفره. كذا في الإكتفاء وشرح المواقف.

وقال الشيخ أبو إسحاق الفيروزاني في عقائده: أي حين توجّه إلى ميقات ربه استخلف هارون في قومه »(٢) .

* أبو شكور الكشي في ( التمهيد ): « وهارونعليه‌السلام كان خليفةَ موسى في حياته، ولم يكن بعد وفاته، لأنه مات قبل موسىعليه‌السلام ».

* الشريف الجرجاني: « الجواب: منع صحة الحديث. كما منعه الآمدي، وعند المحدثين: إنه صحيح، وإنْ كان من قبيل الآحاد، أو نقول - على تقدير صحته - لا عموم له في المنازل، بل المراد استخلافه على قومه، كما في قوله:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) (١) لاستخلافه على المدينة، أي المراد من الحديث: إنّ علياً خليفة منه على المدينة في غزوة تبوك، كما أنّ هارون خليفة لموسى في قومه حال غيبته »(٢) .

* شيخ الإسلام عبد الله اللاهوري المعروف بمخدوم الملك في ( عصمة الأنبياء ): « وما قيل من أنه - هارون - لم يجهد في رفض شملهم ولم يجاهدهم على عملهم، فهو مع الإنكار القلبي واللساني في حال شوكتهم وعدم سماعهم قوله، بل مع خوف قتلهم إيّاه وترقّبه فيهم حكم الله، ورجوع موسى عليه الصلاة والسلام مع استخلافه إيّاه عليهم، ووعده معه موعداً قريباً، وأمره بحسن

____________________

(١). تاريخ الخميس ٢ / ١٢٥.

(٢). شرح المواقف ٨ / ٣٦٢ - ٣٦٣.

٣٨٩

الإستخلاف فيهم، ليس بكبيرة ولا صغيرة، يصح التمسّك لهم بها ».

* ابن تيمية: « فبّين له النبي صلّى الله عليه وسلّم: إني إنّما استخلفتك لأمانتك عندي، وأنّ الإستخلاف ليس بنقص ولا غض، فإن موسى استخلف هارونعليه‌السلام على قومه، فكيف يكون نقصاً وموسى يفعله بهارون ».

قال: « فكان قول النبي صلّى الله عليه وسلّم تبييناً أن جنس الإستخلاف ليس نقصاً ولا غضّاً، إذ لو كان نقصاً أو غضّاً لما فعله موسى بهارون ».

قال: « ولم يكن هذا الإستخلاف كاستخلاف هارون، لأن العسكر كان مع هارون، وإنما ذهب موسى وحده ».

قال: « وكذلك هنا، إنما هو بمنزلة هارون فيما دلّ عليه السياق، وهو استخلافه في مغيبه، كما استخلف موسى هارون ».

قال: « بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف علي »(١) .

* الأعور الواسطي: « ولم يحصل من استخلاف هارون إلّا الفتنة العظيمة والفساد الكبير بعبادة بني إسرائيل العجل »(٢) .

* ابن روزبهان: « إن هارون لم يكن خليفةً بعد موسى، لأنه مات قبل موسىعليه‌السلام ، بل المراد استخلافه بالمدينة حين ذهابه إلى تبوك، كما استخلف موسى هارون عند ذهابه إلى الطور بقوله:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) (٣) .

* إسحاق الهروي في ( السهام الثاقبة ): « فقالعليه‌السلام - تسليةً لهرضي‌الله‌عنه -: أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي

____________________

(١). منهاج السنة ٧ / ٣٢٨ - ٣٣١.

(٢). رسالة الاعور - مخطوط.

(٣). ابطال الباطل - مخطوط. انظر: دلائل الصدق ٢ / ٣٨٩.

٣٩٠

بعدي. يعني: إن موسىعليه‌السلام لـمّا توجه إلى الطور جعل هارونعليه‌السلام خليفة على أهله وقومه، فكذلك أنا، لغاية الإعتماد عليك والوثوق بكَ، أجعلك خليفةً على المدينة وعلى أهل بيتى ».

* ابن حجر المكي: « بل المراد ما دلَّ عليه ظاهر الحديث: إنّ عليّاً خليفة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مدة غيبتهُ بتبوك، كما كان هارون خليفة عن موسى في قومه مدة غيبته للمناجاة ».

قال: « وقوله:( اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) لا عموم له حتى يقتضي الخلافة عنه في كلّ زمن حياته وزمن موته، بل المتبادر منه ما مرّ أنّه خليفة مدة غيبته فقط ».

قال: « فقال له: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. يعني: حيث استخلفه عند توجّهه إلى الطور، إذ قال له( اُخلفني في قومي وأصلح ) (١) .

٦ - إنّها ساقطة بتصريحات علماء الحديث

وهذه أيضاً عبارات شرّاح الحديث من أعلام المحدثين ومشاهير المحققين منهم:

* قال الخطابي - على ما في المفاتيح(٢) -: « ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المثل باستخلاف موسى هارونعليه‌السلام على بنى إسرائيل حين خرج، ولم يرد الخلافة بعد الموت، فإنّ المضروب به المثل، وهو هارونعليه‌السلام ، كان موته قبل وفاة موسىعليه‌السلام ، وإنما كان خليفة في حياته في وقتٍ خاص ».

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٧٤ - الشبهة الثانية عشرة.

(٢). المفاتيح في شرح المصابيح - مخطوط.

٣٩١

* قال النووي: « ويؤيّد هذا: إن هارون المشبّه به لم يكن خليفة بعد موسى، بل توفي في حياة موسى قبله بنحو أربعين سنة على ما هو المشهور عند أهل الأخبار والقصص. قالوا: وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربّه للمناجاة »(١) .

* قال القاضي عياض - على ما في المرقاة(٢) -: « وليس فيه دلالة على استخلافه على المدينة في غزوة تبوك، ويؤيد هذا إنّ هارون المشبّه به لم يكن خليفةً بعد موسى، لأنه توفي قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة، وإنّما استخلفه حين ذهب لميقات ربّه للمناجاة ».

* قال التوربشتي: « فقال: كذبوا، إنّما خلّفتك لما تركت ورائى، فارجع فاخلفنى في أهلي وأهلك، أما ترضى - يا علي - أنْ تكون منى بمنزلة هارون من موسى. يأوّل قول الله سبحانه:( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) »(٣) .

* قال محبّ الدين الطبري: « فالتنظير بينه وبين هارون إنما كان في استخلاف موسى له منضمّاً إلى الاخوة وشدّ الأزر والعضد به ».

قال: « وكان ذلك كلّه حال الحياة، مع قيام موسى فيما استخلفه فيه »(٤) .

قال: « فعلم قطعاً أن المراد به الإستخلاف حال الحياة، لمكان التشبيه، ولم يوجد إلّا في حال الحياة »(٥) .

____________________

(١). المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ٥ / ١٧٤.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٦٤.

(٣). شرح المصابيح - مخلوط.

(٤). الرياض النضرة ١ / ٢٢٤.

(٥). الرياض النضرة ١ / ٢٢٤.

٣٩٢

قال: « ومنزلة هارون من موسى في الإستخلاف لم تتحقّق إلّا في حال الحياة »(١) .

* قال الطيبي: « ولـمّا كان هارون المشبّه به إنما كان خليفةً في حياة موسى، دلّ ذلك على تخصيص خلافة علي النبي صلّى الله عليه وسلّم بحياته »(٢) .

* قال الكرماني: « ولم يرد به الخلافة بعد الموت، فإنّ المشبه به وهو هارون كانت وفاته قبل وفاة موسى -عليهما‌السلام -، وإنما كان خليفةً في حياته في وقتٍ خاص »(٣) .

* قال ابن حجر العسقلاني بشرح الحديث، بعد ذكر الإستدلال به على خلافة الأمير: « واُجيب: بأنّ هارون لم يكن خليفةَ موسى إلّا في حياته، لا بعد موته »(٤) .

* قال العلقمي: « ويؤيّد هذا أنّ هارون المشبَّه به لم يكن خليفةً بعد موسى، لانه توفي قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة، وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربّه »(٥) .

* قال القاري نقلاً عن القاضي عياض -: « ويؤيّد هذا أن هارون المشبّه به لم يكن خليفةً بعد موسى، لأنه توفي قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة، وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربّه للمناجاة »(٦) .

____________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٢٢٥.

(٢). شرح المصابيح - مخطوط.

(٣). الكواكب الدراري ١٣ / ٢٤٥.

(٤). فتح الباري ٧ / ٦٠ باختلاف.

(٥). الكوكب المنير - مخطوط.

(٦). المرقاة في شرح المشكاة.

٣٩٣

* قال الحلبي: « فقال: كذبوا، ولكنى خلّفتك لما تركت ورائى، فارجع فاخلفنى في أهلي وأهلك، أفلا ترضى - يا علي - أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي. أي: فإنّ موسىعليه‌السلام حين توجه إلى ميقات ربّه استخلف هارون -عليه‌السلام - في قومه. فرجع علي إلى المدينة »(١) .

هذا، وقد نصّ على استخلاف موسى هارون في حياته والد ( الدهلوي ) في غير موضع من كتابيه ( إزالة الخفا ) و ( قرّة العينين ).

وكذا الكابلي صاحب ( الصواقع ) الذي سرق ( الدهلوي ) مطالبه وانتحلها حيث قال: « ولأنّ الإستخلاف في مدة الغيبة لا يقتضي بقاء الخلافة بعد انقضائها، كما استخلف موسى هارون عند التوجه إلى الطور للمناجاة، ولم يكن خلافته له إلّافي مدة غيبته عن قومه ».

وفوق ذلك كلّه: فإنّ كلمات ( الدهلوي ) نفسه تنقض إنكاره استخلاف موسى هارون من وجوه، منها قوله في ردّ الإستدلال بالحديث: « وهنا قرينة وهي العهد: قوله: أتخلّفني في النساء والصبيان. أي: كما أن هارون كان خليفة موسى في وقت توجّهه إلى الطور، فإنّ الأمير يكون خليفة النبي في وقت توجّهه إلى غزوة تبوك ». ومنها: قوله: « ومعلوم أنّ هارون كان خليفة موسى في حياته عند غيبته ».

وأيضاً: فقد نصّ - في البحث عن المطعن الخامس من مطاعن أبي بكر - على كون هارون نبيّاً مستقلاً في حال حياة موسىعليه‌السلام ولا يخفي أن هذا الكلام يبطل أيضاً ما زعمه من منافاة الرسالة للخلافة فهذا تناقض آخر في كلامه، فليلاحظ.

____________________

(١). انسان العيون ٣ / ١٣١.

٣٩٤

خلافة يوشع عن موسى

ومما يزيد بطلان دعوى المنافاة بين الخلافة والرسالة وضوحاً: ما ثبت من أن يوشع بن نون كان خليفةً لموسى كهارون، مع أنّ يوشع من الأنبياء بلا كلام.

أمّا استخلافه، فقد نصّ عليه:

الكسائي في ( قصص الأنبياء )

والعاصمي في ( زين الفتى )

والتوربشتي في ( المعتمد في المعتقد )

والمحب الطبري في ( الرّياض النضرة ) وغيرهم

قال الطبري: « وإنما كان الخليفة بعده ( موسى ) يوشع بن نون »(١) .

وأمّا أنه كان نبياً، فقد نصّ عليه:

الثعلبي في ( العرائس )

وابن الأثير في ( الكامل )

والقرماني في ( أخبار الدول ).

قال ابن الأثير: « لما توفّى موسى بعث الله يوشع بن نون نبيّاً إلى بني إسرائيل »(٢) .

سقوط إنكار الرّازي خلافة هارون في نهايته

وبما ذكرنا من الوجوه من كتاب الله، وكلمات المفسرين، والمحدّثين،

____________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٢٢٥.

(٢). الكامل في التاريخ ١ / ٢٠٠.

٣٩٥

والكلاميّين، والمؤرخين يظهر سقوط مكابرة الرّازي في ( نهاية العقول ) ومن تبعه في هذا المقام وهذه عبارته:

« إنْ سلّمنا دلالة الحديث على العموم. ولكن لا نسلم أنّ من منازل هارون كونه قائماً مقام موسىعليه‌السلام لو عاش بعد وفاته.

قوله: إنه كان خليفةً له حال حياته، فوجب بقاء تلك الحالة بعد موته.

قلنا: لا نسلّم كونه خليفةً له.

أما قوله تعالى:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) قلنا: لِمَ لا يجوز أنْ يقال: إن ذلك كان على طريق الإستظهار، كما قال:( وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) . لأن هارون كان شريك موسى في النبوة، فلو لم يستخلفه موسى لكان هو لا محالة يقوم بأمر الاُمة، وهذا لا يكون استخلافاً على التحقيق، لأنّ قيامه بذلك إنما كان لكونه نبيّاً »(١) .

وأيضاً، فإنّ هذا الكلام أبطله الرازي نفسه في ( تفسيره ) حيث فسّر( اُخْلُفْنِي ) بـ « كن خليفتي ». وأبطل توهم منافاة النبوة للخلافة كذلك.

معنى خلافة هارون عند شراح الفصوص

وقال عبد الرحمن بن أحمد الجامي في إثبات خلافة هارونعليه‌السلام :

« فصّ، حكمة إمامية في كلمة هارونية: إعلم أن الإمامة المذكورة في هذا الموضع اسم من أسماء الخلافة، وهي تنقسم إلى إمامة بلا واسطة بينها وبين حضرة الاُلوهيّة، وإلى إمامة ثابتة بالواسطة. والتعبير عن الإمامة الخالية عن الواسطة، مثل قوله تعالى للخليلعليه‌السلام :( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) والإمامة التي بالواسطة مثل استخلاف موسى هارونعليه‌السلام على قومه،

____________________

(١). نهاية العقول - مخلوط.

٣٩٦

حين قال له( اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) .

إذا عرفت هذا فنقول: كل رسول بعث بالسيف فهو خليفة من خلفاء الحق، وإنه من اُولى العزم. ولا خلاف في أنّ موسى وهارونعليهما‌السلام بعثا بالسيف، فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة والخلافة، فهارون له الإمامة التي لا واسطة بينه وبين الحق فيها، وله الإمامة بالواسطة من جهة استخلاف أخيه إيّاه على قومه، فجمع بين قسمي الإمامة، فقويت نسبته إليها. فلذلك اُضيف حكمته إليها دون غيرها من الصفات.

واعلم أن هارون لموسىعليه‌السلام حين استخلفه على قومه وذهب لميقات ربّه، بمنزلة نوّاب محمد لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بعد انقضاءه عن النشأة العنصرية ذاهباً إلى ربّه »(١) .

وقد اشتمل هذا الكلام على وجوه لإثبات خلافة هارون، وعدم المنافاة بين الخلافة والنبوة، لا تخفى على الناظر الخبير.

ومثله كلام القيصري في ( شرحه على الفصوص ).

خلافة هارون في الرواية عن ابن عباس وغيره

هذا كلّه، مضافاً إلى ما رواه جمع من أئمّة الحديث عن ابن عباس:

قال السيوطي: « أخرج ابن أبى عمر العدني في مسنده، وعبد بن حميد، والنسائي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن سعيد بن جبير قال:

سألت ابن عباس عن قول الله تعالى:( وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) فسألته عن الفتون ما هو؟ فقال: استأنف النهار - يا ابن جبير - فإنّ لها حديثاً طويلاً، فلما أصبحت

____________________

(١). نقد النصوص في شرح الفصوص: ١٢٤.

٣٩٧

غدوت على ابن عباس لأتنجّز ما وعدني من حديث الفتون. فقال:

تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله عزّوجل وعد إبراهيمعليه‌السلام من أنْ يجعل في ذريّته أنبياء وملوكاً فلما جاوز البحر قال أصحاب موسى: إنا لمدركون، إنا نخاف أنْ لا يكون فرعون غرق، ولا نأمن هلاكه، فدعا ربّه، فأخرجه له ببدنه من البحر حتى استيقنوا، ثم مرّوا بعد ذلك على قومٍ يعكفون على أصنام لهم. قالوا: يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبرّ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون. قد رأيتم من العِبَر ما يكفيكم وسمعتم، بهِ فمضى حتّى أنزلهم منزلاً، ثم قال لهم: أطيعوا هارون، فإني قد استخلفته عليكم وإني ذاهب إلى ربي، وأجّلهم ثلاثين يوماً أنْ يرجع إليهم فيها »(١) .

وقال السيوطي: « أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله:( وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ ) خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون »(٢) .

ذكر طائفة ممّن أثبت خلافة هارون

وتلخّص: إن خلافة هارون عن موسى في حال حياته لا ينكرها إلّا معاند مغرور، فقد أثبتها الائمّة الأعلام من السّابقين واللّاحقين - مضافاً إلى الرازي في ( تفسيره ) - ومنهم:

محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني

وعبد بن حميد

____________________

(١). الدر المنثور ٥ / ٥٦٩ و ٥٧٦. والآية في سورة طه: ٤٠.

(٢). الدر المنثور ٣ / ٥٣٥. والآية في سورة الأعراف: ١٤٢.

٣٩٨

وأحمد بن شعيب النسائي

وأبو يعلى الموصلي

وأبو سليمان الخطابي

ومحمد بن جرير الطبري

وأبو بكر ابن المنذر النيسابوري

وابن أبي حاتم الرازي

وأبو الليث الفقيه السمرقندي

وأحمد بن مردويه الإصبهاني

وأبو إسحاق الثعلبي

وأبو الحسن الكسائي

وأبو شكور الكشي الحنفي

وأبو محمد الحسين بن مسعود البغوي

وجار الله الزمخشري

وأبو الفضل عياض اليحصبي

والتوربشتي شارح المصابيح

وعز الدين ابن الأثير الجزري

وأبو زكريا النووي

ونظام الدين الأعرج النيسابوري

والقاضي ناصر الدين البيضاوي

ومحب الدين الطبري المكي

وأبو البركات النسفي

وأحمد بن عبد الحليم بن تيميّة

٣٩٩

وحسن بن محمد الطيّبي

وشمس الدين الخلخالي

وداود بن محمود القيصري

وعماد الدين ابن كثير الدمشقي

ومحمد بن يوسف الكرماني

وشهاب الدين ابن حجر العسقلاني

وبدر الدين العيني

ويوسف بن مخزوم الأعور الواسطي

وفضل الله بن روزبهان

ومظهر الدين الزيداني

وعبد الرحمن بن أحمد الجامي

وجلال الدين السيوطي

وشمس الدين العلقمي

وحسين بن محمد الديار بكري

ومحمد بن أحمد الشربيني

وأحمد بن محمد بن حجر المكي

ونور الدين علي القاري

ومحمد طاهر الفتني

وأبو السعود العمادي

وشيخ الاسلام الأنصاري اللاهوري

ونور الدين الحلبي

وعبد الحق الدهلوي

٤٠٠