تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 435945 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لكن يبعد أن يفوز بها وهي [ حادثة ](١) في ملك غيره ، ثمّ لا يحتسبها من المبيع ، فإذا فاز بها فليقدّر كأنّها وُجدت يوم البيع(٢) .

ولنذكر مثالاً في اختلاف قيمة الأشجار والثمار.

فنقول : كانت قيمة الشجرة يوم البيع عشرةً ، وقيمة الثمرة خمسةً ، فلو لم تختلف القيمة ، لأخذ الشجرة بثلثي الثمن(٣) .

ولو زادت قيمة الثمرة فكانت عشرةً يوم البيع ، فكما لو كانت القيمة بحالها على أشهر الوجهين. وعلى الآخَر : يُضارب بنصف الثمن. ولو نقصت فكانت يوم القبض درهمين ونصفاً ، يُضارب بخُمْس الثمن.

ولو زادت قيمة الشجرة أو نقصت ، فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها. وعلى الأوّل كذلك إن نقصت. وإن زادت وكانت خمسة عشر ، ضارَب بربع الثمن.

تذنيبان :

أ : إذا اعتبرنا في الثمار أقلّ القيمتين ، فلو كانتا متساويتين لكن وقع بينهما نقصان‌ ، نُظر إن كان بمجرّد انخفاض السوق ، فلا عبرة به. وإن كان لعيبٍ طرأ وزال ، فكذلك على الظاهر ، كما أنّه يسقط بزواله حقّ الردّ. وإن لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق ، اعتبرت قيمته يوم العيب ، دون البيع والقبض ؛ لأنّ النقصان الحاصل من ضمان البائع‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « جارية ». والمثبت من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣.

(٣) في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٩٩ زيادة : « وضارب للثمرة بالثلث ».

١٤١

والارتفاع بعده في ملك المشتري لا يصلح جابراً له.

ب : إن اعتبرنا في الأشجار أكثر القيمتين ، فلو كانت قيمة الشجرة يوم العقد مائةً وخمسين‌ ، ويوم الرجوع إلى البائع مائتين ، فالوجه القطع باعتبار المائتين. ولو كانت قيمتها مائتين يوم العقد ويوم القبض ، ويوم الرجوع مائةً ، اعتبر يوم الرجوع ، فإنّ ما طرأ من زيادة وزال ليس ثابتاً يوم العقد حتى نقول : إنّه وقت المقابلة ، ولا يوم أخذ البائع [ حتى ](١) يحسب [ عليه ](٢) .

ولقائلٍ أن يقول : هذا إن استقام في طرف الزيادة ، تخريجاً على ما سبق أنّ ما فاز به البائع من الزيادة الحادثة(٣) عند المشتري يُقدَّر كالموجود عند البيع ، فلا يستقيم في طرف النقصان ؛ لأنّ النقصان الحاصل في يد المشتري كعيبٍ حدث في المبيع.

وإذا رجع البائع على العين المبيعة ، لزمه القناعة بها ، ولا يطالب المشتري للعيب بشي‌ء.

مسألة ٣٦٨ : قد ذكرنا أوّلاً أنّ الزيادة إمّا أن تكون حاصلةً لا من خارجٍ‌ ، وقد ذكرنا أقسامه وأحكام تلك الأقسام ، وإمّا أن تكون من خارجٍ. وأقسامها ثلاثة :

أ : أن تكون عيناً محضة.

ب : أن تكون صفةً محضة.

ج : ما يتركّب منهما.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عليك ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في « ج » : « الحاصلة » بدل « الحادثة ».

١٤٢

أمّا الأوّل فله ضربان :

أ : أن تكون قابلةً للتميّز عن المبيع.

ب : أن لا تكون قابلةً للتميّز.

فالأوّل كما إذا اشترى أرضاً فغرس فيها أو بنى ثمّ أفلس قبل إيفاء الثمن وأراد البائع الرجوعَ في أرضه ، فإن اتّفق الغرماء والمفلس على القلع وتفريغ الأرض وتسليمها بيضاء ، رجع فيها ؛ لأنّ ذلك الحقّ لهم لا يخرج من بينهم ، فإذا فعلوا ، فللبائع الرجوع في أرضه ؛ لأنّه وجد متاعه بعينه.

وهل يرجع قبل القلع أو بعده؟

قال بعض الحنابلة : لا يستحقّه حتى يوجد القلع ؛ لأنّ قبل القلع لم يدرك متاعه إلّا مشغولاً بملك المشتري(١) .

وقال الشافعي : يرجع قبله وهُمْ يشتغلون بالقلع ، وهو قول أكثر الحنابلة(٢) .

وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء ليتملّكها مع الأرض.

وإذا قلعوا الغراس والبناء ، وجب تسوية الحُفَر من مال المفلس.

وإن حدث في الأرض نقصٌ بالقلع ، وجب أرش النقص في ماله.

ويضارب به أو يقدَّم؟ قال بعض الشافعيّة : يقدَّم على سائر الديون ؛ لأنّه لتخليص ماله وإصلاحه ، فكان عليه ، كما لو دخل فصيلٌ دارَ إنسانٍ فكبر فلم يمكنه إخراجه إلّا بهدم بابها ، فإنّ الباب يُهدم ليخرج ، ويضمن صاحبه ما نقص ، بخلاف ما لو وجد البائع عين ماله ناقصةً فرجع فيها ، فإنّه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٠ ، المغني ٤ : ٥١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٩.

١٤٣

لا يرجع في النقص ؛ لأنّ النقص كان في ملك المفلس ، وهنا النقص حدث بعد رجوعه في العين ، فلهذا ضمنوه ، ويضرب بالنقص مع الغرماء(١) .

وإن قلنا : ليس له الرجوع قبل القلع ، لم يلزمهم تسوية الحُفَر ولا أرش النقص ؛ لأنّهم فعلوا ذلك في أرض المفلس قبل رجوع البائع فيها ، فلم يضمنوا النقص ، كما لو [ قلعه ](٢) المفلس قبل فلسه.

ولو اختلفوا ، فقال المفلس : يقلع ، وقال الغرماء : نأخذ القيمة من البائع ليتملّكه ، أو بالعكس ، أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء ، أُجيب مَن المصلحةُ في قوله.

ولو امتنع الغرماء والمفلس معاً من القلع ، لم يُجبروا عليه ؛ لأنّه حين البناء والغرس لم يكن متعدّياً بهما ، بل فَعَل ذلك بحقٍّ ، ومفهوم قولهعليه‌السلام : « ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ »(٣) أنّه إذا لم يكن ظالماً ، فله حقٌّ.

وحينئذٍ يُنظر إن رجع على أن يتملّك البناء والغراس مع الأرض بقيمتها ، أو يقلع ويغرم أرش النقص ، فله ذلك ؛ لأنّ الضرر يندفع من الجانبين بكلّ واحدٍ من الطريقين ، والاختيار فيهما إليه.

وليس للمفلس ولا للغرماء الامتناع من القبول ؛ لأنّ مال المفلس معرَّض(٤) للبيع ، فلا يختلف غرضهم بين أن يتملّكه البائع أو يشتريه‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٠ ، ولاحِظ : المغني ٤ : ٥١٣ - ٥١٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٢٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قطعه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٤٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١٧٨ / ٣٠٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٦٢ / ١٣٧٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ٣٦ / ١٤٤ ، الموطّأ ٢ : ٧٤٣ / ٢٦ ، مسند أحمد ٦ : ٤٤٦ - ٤٤٧ / ٢٢٢٧٢.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « متعرض ». والظاهر ما أثبتناه.

١٤٤

أجنبيّ ، ويخالف هذا ما إذا زرع المشتري الأرض وأفلس(١) ورجع البائع في الأرض حيث لا يتمكّن من تملّك الزرع بالقيمة ولا من القلع وغرامة الأرش ؛ لأنّ للزرع أمداً منتظَراً يسهل احتماله ، والغراس والبناء للتأبيد ، قال كلَّ ذلك الشافعي(٢) .

وقال أحمد : إذا بذل البائع قيمة الغرس والبناء ليكون له ذلك ، أو قال : أنا أقلع وأغرم الأرش ، فإن قلنا : له الرجوع قبل القلع ، فله ذلك ؛ لأنّ البناء و(٣) الغراس حصل في ملكه لغيره بحقٍّ ، فكان له أخذه بقيمته ، أو قلعه وضمان نقصه ، كالشفيعِ إذا أخذ الأرض وفيها غراس وبناء للمشتري ، والمعيرِ إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير. وإن قلنا : ليس له الرجوعُ قبل القلع ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّ المفلس بنى وغرس في ملكه ، فلم يُجبر على بيعه لهذا البائع ولا على قلعه ، كما لو لم يرجع في الأرض(٤) .

وليس عندي بعيداً من الصواب أن يقال : ليس للبائع إجبار المفلس والغرماء على القلع ودفع الأرش ، ولا على دفع قيمة البناء والغرس ، بل إمّا أن يختار العين أو يمضي البيع ، فإن اختار العين وفسخ البيع ، لم يكن له القلع ولا دفع القيمة ، بل يرجع والأرض مشغولة بهذا البناء والغراس ، فتكون قد تعيّبت بالشغل بهما مؤبّداً ، فإن انهدم البناء أو قلع الغرس أو مات ، سقط حقّ المفلس ، وليس لصاحب الأرض الرجوعُ بالأُجرة مدّة مقامها(٥) فيها ؛ لأنّه إنّما يرجع في المعيب ثمّ يباع البناء أو الغراس على‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤ - ٥٥.

(٣) الظاهر : « أو » بدل « و».

(٤) المغني ٤ : ٥١٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٠.

(٥) في « ث » : « بقائها ». والظاهر : « مقامهما » أو « بقائهما ».

١٤٥

صاحب الأرض أو غيره(١) مستحقَّين للبقاء.

ولأحمد قولٌ آخَر : إنّه يسقط حقّ بائع الأرض من الرجوع فيها ؛ لأنّه لم يُدرك البائع متاعَه على وجهٍ يمكنه أخذه منفرداً عن غيره فلم يكن له أخذه ، كالحجر والبناء والمسامير في الباب ، وكما لو كانت العين مشغولةً بالرهن - وهو قول بعض الشافعيّة - ولأنّ في ذلك ضرراً على المشتري والغرماء ، فإنّه لا يكون له طريق يسلكون منه إلى البناء والغراس ، ولا يزال الضرر بمثله. ولأنّه لا يحصل بالرجوع هنا انقطاع النزاع والخصومة ، بخلاف ما إذا وجدها مفرّغةً(٢) .

مسألة ٣٦٩ : لو أراد البائع الرجوعَ في الأرض وحدها وإبقاءَ الغراس والبناء للمفلس والغرماء ، أُجيب إلى ذلك‌ ، بل هو الوجه عندنا لو أراد الرجوع في العين على ما تقدّم.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّه يجاب إلى ذلك ، كقولنا.

والثاني : أنّه ليس له الرجوعُ في الأرض خاصّةً ، وإبقاء البناء والغراس للمفلس.

ولأصحابه طريقان :

أحدهما : أنّ في المسألة قولين :

أحدهما - وهو اختيار المزني - : له [ أن ](٣) يرجع كذلك ، كما لو صبغ الثوبَ المشتري ثمّ [ أفلس ](٤) ، رجع(٥) البائع في الثوب ، ويكون المفلس‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « أو على غيره ».

(٢) المغني ٤ : ٥١٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق ، وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ورجع ». والمثبت هو الصحيح.

١٤٦

شريكاً معه بالصبغ.

وأصحّهما عنده : المنع ؛ لما فيه من الضرر ، فإنّ الغراس بلا أرض والبناء بلا مقرّ ولا ممرّ ناقص القيمة ، والرجوع إنّما يثبت لدفع الضرر ، فلا يدفع بضرر ، بخلاف الصبغ ، فإنّ الصبغ كالصفة التابعة للثوب.

والثاني : تنزيل النصّين على حالين ، وله طريقان :

أحدهما : قال بعض الشافعيّة : إنّه حيث قال : « يرجع » أراد ما إذا كانت الأرض كثيرة القيمة ، والبناء والغراس مستحقرين بالإضافة إليها ، وحيث قال : « لا يرجع » أراد ما إذا كانت الأرض مستحقرةً بالإضافة إليهما. والمعنى في الطريقين اتّباع الأقلّ للأكثر.

ومنهم مَنْ قال : حيث قال : « يرجع » أراد ما إذا رجع في البياض المتخلّل بين الأبنية والأشجار ، وضارَب للباقي بقسطه من الثمن ، [ يُمكّن ](١) منه ؛ لأنّه ترك بعض حقّه في العين.

فإذا فرّعنا على طريقة القولين ، فإن قلنا : ليس له الرجوعُ في الأرض وإبقاء البناء(٢) والغراس للمفلس ، فللبائع ترك الرجوع ، ويُضارب مع الغرماء بالثمن ، أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما وغرامة أرش النقصان ، فإن مكّنّاه منه فوافق البائع الغرماء وباع الأرض معهم حين باعوا البناء والغراس ، فذلك.

وإن أبى فهل يُجبر؟ فيه للشافعيّة قولان :

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يتمكّن ». والظاهر ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) فيما عدا « ث » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العين » بدل « البناء ».

١٤٧

أحدهما : يُجبر ، كما في مسألة الصبغ.

وأصحّهما عندهم : لا يُجبر ؛ لأنّ إفراد البناء والغراس بالبيع ممكن ، بخلاف الصبغ.

فإذا لم يوافقهم فباعوا البناء والغراس ، بقي للبائع ولاية التملّك بالقيمة والقلع مع غرامة الأرش ، وللمشتري الخيار في المبيع إن كان جاهلاً بحال ما اشتراه(١) .

واعلم أنّ الجويني نقل أربعة أقوال في هذه المسألة.

أ : أن يقال : إنّ البائع فاقد عين ماله ، ولا رجوع بحال ؛ لأنّ الرجوع في الأرض ينقص قيمة البناء والغراس.

ب : أنّ الأرض والبناء أو الغراس يُباعان معاً ، دفعاً للخُسْران عن المفلس ، كما في الثوب المصبوغ.

ج : أنّه يرجع في الأرض ، ويتخيّر بين أُمور ثلاثة : إمّا تملّك البناء والغراس بالقيمة ، وإمّا قلعهما مع غرامة أرش النقصان ، وإمّا إبقاؤهما بأُجرة المثل تؤخذ من مالكهما(٢) .

فإذا عيّن واحدةً من هذه الخصال الثلاث فاختار المفلس والغرماء غيرها أو امتنعوا من الكلّ ، فللشافعيّة وجهان في أنّه يرجع إلى الأرض ويقلع مجّاناً ، أو يُجبرون على ما عيّنه(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٠ - ٤٠١.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مالكها ». والصحيح ما أثبتناه ، كما في المصدر أيضاً.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عيّنوا » بدل « عيّنه ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر أيضاً.

١٤٨

د : أنّه إن كانت قيمة البناء أكثر ، فالبائع فاقد عينٍ. وإن كانت قيمة الأرض أكثر ، فواجدٌ(١) .

مسألة ٣٧٠ : لو اشترى من رجل أرضاً فارغة واشترى من آخَر غرساً وغرسه في تلك الأرض ثمّ أفلس ، كان لصاحب الأرض الرجوعُ فيها ، ولصاحب الغراس الرجوعُ فيه.

ثمّ يُنظر فإن أراد صاحب الغراس قلعه ، كان له ذلك ، وعليه تسويةُ الحُفَر ؛ لأنّه لتخليص ماله ، وأرشُ نقص الأرض إن حصل نقصٌ.

فإن أراد صاحب الأرض أن يعطيه قيمته إن لم يختر صاحبه قلعه ، قال الشافعي : يكون له مطلقاً(٢) .

والأقوى عندي : أنّه يكون له ذلك إن رضي صاحب الغرس ، وإلّا فلا.

وإن أراد صاحب الأرض قلعه ويضمن ما نقص ، كان له.

وإن أراد قلعه بغير ضمانٍ ، فالأقرب : أنّه ليس له ذلك ؛ لأنّ غرسه ثابت في الأرض بحقٍّ ، فلا يكون له قلعه مجّاناً.

ولو كان الغراس من المفلس ، لم يُجبر على قلعه من غير ضمانٍ ، وهو أحد وجهي الشافعي.

والثاني : أنّه يجاب إلى ذلك ؛ لأنّه إنّما اشترى منه الغراس مقلوعاً ، فكان عليه أن يأخذه كذلك ، وليس له تبقيته في ملك غيره ، ويفارق المفلس ؛ لأنّه غرسه في ملكه فيثبت حقّه في ذلك(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٥ - ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠١.

(٢) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٢٩٣.

(٣) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٢٩٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٠١.

١٤٩

ويُحتمل عندي وجهٌ آخَر ، وهو : أن يقال : صاحب الغراس(١) لا يستحقّ الإبقاء في الأرض ، وصاحب الأرض لا يستحقّ القلع مجّاناً ؛ لأنّه أثبت بحقٍّ ، فيُقوَّم الغراس مقلوعاً وثابتاً ، ويأخذ المفلس التفاوت بينهما ؛ لأنّه مستحقّ له.

مسألة ٣٧١ : قد ذكرنا حكم الزيادة من خارجٍ ، القابلة للتميّز ، وبقي ما لا يقبله‌ ، كمزج ذوات الأمثال بعضها ببعضٍ ، مثل أن يشتري صاعاً من حنطةٍ أو شعير أو دخن أو غير ذلك من الحبوب ويمزجه بصاعٍ له ، أو يشتري مكيلةً من زيتٍ أو سمن أو شيرج أو غير ذلك من الأدهان ثمّ يمزجه بمكيلة ، وكذا جميع ذوات الأمثال إذا امتزجت بحيث لا يمكن تخليص بعضها من بعضٍ ، فأقسامه ثلاثة :

أ : أن يكون الممتزجان متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخَر ، لم يسقط حقّه من العين - وبه قال الشافعي ومالك(٢) - ويكون له المطالبة بالقسمة ؛ لأنّ عين ماله موجودة فيه ، ويمكنه التوصّل إلى حقّه بالقسمة ؛ لأنّ الزيت كلّه سواء ، فيأخذ حقّه بالكيل أو الوزن.

وقال أحمد : يسقط حقّه من العين ؛ لأنّه لم يجد عين ماله ، فلم يكن له الرجوعُ ، كما لو تلفت. ولأنّ ما يأخذه من غير ماله ممتزجاً بعين ماله(٣)

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « الغرس ».

(٢) الأُم ٣ : ٢٠٣ ، مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٣ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، الوسيط ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩ ، التفريع ٢ : ٢٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ما يأخذه من عين ماله ممتزجاً بغير ماله ». والمثبت هو الصحيح.

١٥٠

إنّما يأخذه عوضاً عن ماله ، فلم يختصّ به دون(١) الغرماء ، كما لو تلف ماله(٢) .

ويُمنع عدم وجدانه لعين ماله ، بل وجدها ممتزجةً بغيرها.

والفرق بينه وبين التلف ظاهرٌ ؛ لأنّه نقيضه.

وما يأخذه من غير(٣) ماله وإن كان عوضاً عن ماله إلّا أنّه يُدخل بواسطته في حقّ المفلس مالاً ، فكان مقدَّماً به على باقي الغرماء.

وإن لم تجز القسمة وطالب(٤) بالبيع ، فالأقرب أنّه يجاب إلى ذلك ؛ لأنّ بالقسمة لا يصل إلى عين ماله ، وربما كان له غرض في أن لا يأخذ من زيت المشتري شيئاً ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه لا يجاب إليه ؛ لأنّه يصل إلى جميع حقّه بالقسمة ، فهو كجماعةٍ ورثوا زيتاً لا يكون لبعضهم أن يطالب بعضاً بالبيع(٥) .

والفرق أنّ الورّاث ملكوا الزيت ممزوجاً ، والمفلس كان قد ملك متميّزاً عن ملك البائع ، وكذا البائع ملك متميّزاً عن ملك المفلس ، فافترقا.

ب : أن يمزجه المشتري بأردأ منه‌. وللبائع هنا أيضاً الخيار بين الفسخ(٦) فيرجع في عينه بالكيل أو الوزن - وبه قال الشافعي ومالك(٧) - لما‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إذن » بدل « دون ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩ - ٥٢٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عين » بدل « غير ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فطالب ».

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٣ - ٥١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٦ - ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

(٦) كذا قوله : « بين الفسخ ». ولعلّها : « في الفسخ ».

(٧) الأُم ٣ : ٢٠٣ ، مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٠ ، المهذّب =

١٥١

تقدّم في المساوي ، فإذا رضي بالأردأ ، كان أولى.

وقال أحمد : يسقط حقّه من العين بمجرّد المزج ، سواء بالأجود أو الأردأ أو المساوي(١) .

وقد تقدّم بطلانه ؛ لأنّ عين ماله موجودة من طريق الحكم ، فكان له الرجوعُ ، كما لو وجد عين ماله منفردة [ و ] لأنّه ليس فيها أكثر من اختلاطها ، وهو لا يُخرج الحقيقة عن حقيقتها ، فأشبهت صبغ الثوب وبلّ السويق بالزيت.

وفي كيفيّة أخذ حقّه للشافعي طريقان :

أحدهما - وهو الأصحّ عنده وعندي - : أنّه يقسّم بالمكيال أو الوزن ، فإن تساويا قدراً ، أخذ النصف. وإن تفاوتا ، أخذ المقدار(٢) الذي له ، وإن شاء ضارَب مع الغرماء.

والثاني : أنّ المكيلين يباعان معاً ويُقسّم الثمن بينهما على قدر القيمتين ؛ لأنّه إن أخذ مكيله من الممتزج ، نقص حقّه ، ولا يجب عليه المسامحة ، وإن أخذ أكثر من مكيله ، لزم الربا ، فعلى هذا لو كان المبيع يساوي درهمين ، والممتزج به يساوي درهماً ، قسّم الثمن بينهما أثلاثاً(٣) .

وهو خطأ ؛ لأنّ هذا نقصان حصل في المبيع ، فأشبه تعيّب العبد‌

____________________

= - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٤ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، الوسيط ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

(١) المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مقدار » بدل « المقدار ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠١ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

١٥٢

والثوب.

ج : أن يمتزج(١) بالأجود‌ ، فالأصحّ أنّه يسقط حقّه من العين ، وليس له إلّا المضاربة بالثمن - قال الشافعي : بهذا أقول ، وهو أصحّ الوجهين(٢) - لأنّ عين زيته تالفة من طريق المشاهدة والحكم.

أمّا من طريق المشاهدة والحقيقة : فللاختلاط.

وأمّا من طريق الحكم : فلأنّه لا يمكنه الرجوع إلى عينه بالقسمة وأخذ المكيل من الممتزج ؛ لما فيه من الإضرار بصاحب الأجود ، ولا المطالبة بقيمته ، بخلاف المساوي ، فإنّه يمكنه المطالبة بقسمته فيه ، وبخلاف الثوب المصبوغ ، فإن عينه موجودة محسوسة ، وكذا السويق ، فإنّ عينه لم تفقد وهي مشاهدة.

وقال المزني : له الفسخ ، والرجوع إلى حقّه من المخلوط ، كالخلط بالمثل والأردأ ، وكما لو صبغ الثوب ولتَّ السويق(٣) ، لا ينقطع(٤) حقّ الرجوع ، فكذا هنا(٥) .

والفرق أنّ الزيت إذا اختلط ، لم يمكن الإشارة إلى شي‌ء من‌

____________________

(١) فيما عدا « ث » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يمزج ».

(٢) الأُم ٣ : ٢٠٣ ، مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٥ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

(٣) لتّ السويق : أي بلّه بالماء أو بغيره. لسان العرب ٢ : ٨٢ و ٨٣ « لتت ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا يقطع ». والظاهر ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٥) مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧.

١٥٣

المخلوط بأنّه المبيع ، فكأنّه هلك ، بخلاف الثوب والسويق.

ومن هذا الفرق خرّج بعضهم في المزج بالمثل والأردأ قولاً آخَر : إنّه ينقطع به حقّ الرجوع ، وأيّد ذلك بأنّ الحنطة المبيعة لو انثالت عليها أُخرى قبل القبض ، ينفسخ المبيع على قولٍ ؛ تنزيلاً له منزلة التلف(١) .

والمعتمد عندنا وعندهم(٢) أنّ الخلط بالمثل والأردأ لا يمنع الرجوع ، على ما سبق. ويفارق اختلاط المبيع قبل القبض ؛ لأنّ الملك غير مستقرّ ، فلا يبعد تأثّره بما لا يتأثّر الملك المستقرّ.

وعلى قول المزني بالرجوع في صورة المزج بالأجود ، فيه قولان للشافعي في كيفيّة الرجوع :

أصحّهما عندهم : أنّه يكون شريكاً مع المفلس بقدر قيمة مكيله ، فيباع المكيلتان ، ويقسّم بينهما على قدر القيمتين ، كما في صبغ الثوب.

والثاني : أنّ نفس المكيلتين يقسّم بينهما باعتبار القيمة ، فإذا كانت المكيلة المبيعة تساوي درهماً والمخلوطة درهمين ، أخذ من المكيلتين ثلثي مكيلة(٣) .

وقد خرّج بعضهم هذا الخلافَ على أنّ القسمة بيع أو إفراز حقٍّ؟ إن قلنا : إنّها بيع ، لم يقسّم عين الزيت ؛ لما في القسمة من مقابلة مكيلة بثلثي مكيلة. وإن قلنا بالثاني ، فيجوز ، وكأنّه أخذ بعض حقّه وترك البعض(٤) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٨ ، الوسيط ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٥ ، الوسيط ٤ : ٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٧ - ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٨.

١٥٤

وقال بعضهم : إنّ هذا ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك إن كان بيعاً ، كان رباً ، وإن أخذ ثلثه وأبرأه عمّا بقي من مكيلة زيته ، لم تكن البراءة واجبةً عليه ، فيكون له أن لا يفعل ، ويطالب بالباقي ، ولا يجوز ذلك ؛ لأنّه يأخذ حينئذٍ أكثر ممّا لَه ، فلم يبق إلّا البيع لهما(١) .

تذنيبان :

أ : إذا قلنا : الخلط يُلحق المبيعَ بالمفقود‌ - كما هو قول بعض الشافعيّة ، وقول أحمد(٢) - لو كان أحد الخليطين كثيراً والآخَر قليلاً ولا تظهر به زيادة في الحسّ ، ويقع مثله بين المثلين ، فإن كان الكثير للبائع ، فهو واجد عين ماله. وإن كان الكثير للمشتري ، فهو فاقد.

وقال بعض الشافعيّة : الحكم الأوّل قطعيّ ، والثاني ظاهر(٣) .

ب : لو كان المخلوط من غير جنس المبيع كالزيت والشيرج ، فهو فاقد عين ماله‌ ، وليس له الفسخ حينئذٍ ، ويكون بمثابة ما لو تلف المبيع ، فيُضارب بالثمن.

قال الجويني : وفيه احتمال ، سيّما على قوله ببيع المخلوط وقسمة الثمن(٤) .

مسألة ٣٧٢ : قد ذكرنا من أقسام النوع الثاني من الزيادات قسماً واحداً‌ ، وهو أن تكون الزيادة عيناً محضة ، وبقي قسمان : ما يكون صفةً محضة ، وما يتركّب منهما ، فنبدأ بالصفة المحضة.

____________________

(١) راجع المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢.

١٥٥

فنقول : إذا اشترى عيناً وعمل فيها ما يزيد في صفتها - مثل أن يشتري حنطة فيطحنها أو يزرعها ، أو دقيقاً فيخبزه ، أو ثوباً فيقصره ، أو يخيطه قميصاً بخيوط من الثوب ، أو غزلاً فينسجه ، أو خشباً فينشره ألواحاً ، أو ألواحاً فينجرها باباً ، وبالجملة أن يعمل شيئاً يزيل اسمه - فإنّه لا يسقط حقّ الرجوع بذلك عندنا إذا أفلس - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ العين لم تخرج عن حقيقتها بتوارد هذه الصفات عليها ، فكان واجداً عين ماله ، فله الرجوع فيها.

وقال أحمد : يسقط حقّ البائع من الرجوع ؛ لأنّه لم يجد عين ماله بعينه ، فلم يكن له الرجوعُ ، كما لو أتلفه. ولأنّه غيّر اسمه وصفته ، فلم يكن له الرجوع ، كما لو كان نوىً فنبت شجراً(٢) .

وليس بصحيح ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ العين لم تخرج عن حقيقتها ، وإلّا لكان الغاصب يملك المغصوب إذا فَعَل به هذه الصفات ، وكان ينتقل حقّ المغصوب منه إلى المثل أو القيمة ، وليس كذلك. وتغيير الوصف لا ينافي بقاء العين ، ويخالف النوى ؛ لأنّ الحقيقة قد زالت ووُجدت أُخرى.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إن لم تزد قيمة المبيع بهذه الصفات ، لم يكن للمفلس شركة فيه ، بل يأخذه البائع موصوفاً بهذه الصفة ، سواء غرم عليها المفلس شيئاً أو لا.

وإن نقصت قيمته ، فلا شي‌ء للبائع معه.

____________________

(١) الأُم ٣ : ٣٠٣ ، مختصر المزني : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التنبيه : ١٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٢) المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢ - ٥١٣.

١٥٦

وإن زادت ، صار المفلس شريكاً فيها ، كما في زيادات الأعيان.

قال الشافعي : وبه أقول - وهو أصحّ القولين - لأنّها زيادة حصلت بفعلٍ متقوّم محترم ، فوجب أن لا تضيع عليه ، كما لو صبغ الثوب. ولأنّ الطحن والقصارة أُجريت مجرى الأعيان ، ولهذا كان للطحّان أن يمسك الدقيق على الأُجرة ، وكذا القصّار(١) .

والقول الثاني للشافعي - وبه قال المزني - : إنّ الزيادة في هذه الأعمال تجري مجرى الآثار ، ولا شركة للمفلس فيها ؛ لأنّها صفات تابعة ، وليس للمفلس فيها عين مال ، بل أثر صنعة ، فهي كسمن الدابّة بالعلف وكِبَر الوَديّ بالسقي والتعهّد ، وكتعلّم الغلام صنعةً ، وكما لو اشترى لوزاً فقشره أو غنماً فرعاها. ولأنّ القصارة تزيل الوسخ وتكشف عمّا فيه من البياض ، فلا تقتضي الشركة ، كما لو كان المبيع لوزاً فكسره وكشف اللُّبّ وزادت به القيمة. ويدلّ عليه أنّ الغاصب لو قصر الثوب أو طحن الحنطة لم يستحق شيئاً(٢) .

والفرق ظاهرٌ بين المتنازع وسمن الدابّة بالعلف وكِبَر الوَديّ بالسقي ؛ لأنّ القصّار إذا قصر الثوب ، صار الثوب مقصوراً بالضرورة ، وأمّا السقي والعلف فقد يوجدان كثيراً من غير سمن ولا كِبَر ؛ لأنّ الأثر فيه غير منسوبٍ إلى فعله ، بل هو محض صنع الله تعالى ، ولهذا لا يجوز الاستئجار على‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٣ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٩ ، الوجيز ١ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

١٥٧

تسمين الدابّة و [ تكبير ](١) الوَديّ ، ويجوز الاستئجار على القصارة.

ويخالف المشتري الغاصب ؛ فإنّ الغاصب مُعْتدٍ بفعله ، فلم يثبت له فيها حقّ ، بخلاف مسألتنا.

لا يقال : أليس لو صبغ الغاصب الثوبَ ، كان شريكاً فيه مع تعدّيه؟

لأنّا نقول : الصبغ عين ماله ، وله قلعه ، فإذا تعذّر ذلك ، كان شريكاً ، بخلاف المتنازع ، إلّا أنّ هذا الفرق يمنع اعتبار مسألتنا أيضاً بالصبغ.

مسألة ٣٧٣ : لو اشترى دقيقاً فخبزه ، أو لحماً فشواه ، أو شاةً فذبحها ، أو أرضاً فضرب من ترابها لِبْناً ، أو عرصةً وآلات البناء فبناها فيها(٢) داراً ثمّ أفلس ، كان شريكاً بهذه الأفعال.

وللشافعي قولان(٣) .

أمّا لو علّم العبدَ القرآنَ أو الصنعةَ أو الكتابةَ أو الشعرَ المباح ، أو راضَ الدابّةَ ، فكذلك عندنا ؛ لأنّ هذه الأفعال تصحّ المعاوضة عليها ، فكانت زيادةً.

وقد اختلفت الشافعيّة :

فقال أبو إسحاق : إنّ هذه لا تلحق بما تقدّم ، ولا تجري مجرى الأعيان قطعاً ؛ لأنّه ليس بيد المعلّم والرائض إلّا التعليم ، وقد يجتهد فيه فلا يحصل الغرض ، فكان كالسمن ونحوه(٤) .

والأصحّ عندهم - وبه قال ابن سريج - : أنّها من صور القولين ؛ لأنّها‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كبر ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) كذا ، والظاهر : « فبنى فيها ».

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٦ و ٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣.

١٥٨

أعمال يجوز الاستئجار عليها ، ومقابلتها بالعوض(١) .

وضبط صور القولين أن يصنع المفلس بالمبيع ما يجوز الاستئجار عليه ، فيظهر به أثر فيه.

وإنّما اعتبرنا ظهور الأثر فيه ؛ لأنّ حفظ الدابّة وسياستها عمل يجوز الاستئجار عليه ، ولا تثبت به الشركة ؛ لأنّه لا يظهر بسببه أثر على الدابّة.

ثمّ الأثر قد يكون صفةً محسوسة كالطحن والقصارة ، وقد يكون من قبيل الأخلاق كالتعليم والرياضة.

فعلى أحد قولي الشافعي يأخذ البائع العينَ زائدةً بهذا الوصف ، ويفوز بالزيادة مجّاناً.

وعلى ما أختاره - وهو القول الثاني له - تُباع العين ، ويكون للمفلس من الثمن بنسبة ما زاد في قيمته.

فلو كانت قيمة الثوب خاماً خمسةً ، ومقصوراً ستّةً ، كان للمفلس سدس الثمن ، فلو ارتفعت القيمة بالسوق أو انخفضت ، فالزيادة أو النقصان بينهما على النسبة.

ولو ارتفعت قيمة الثوب خاصّةً بأن صار مثل ذلك الثوب خاماً يساوي ستّةً ، ويسوي مقصوراً سبعةً ، فليس للمفلس إلّا سُبْع الثمن ؛ لأنّه قيمة صنعته ، والزيادة حصلت في الثوب للبائع ليس للمفلس فيها شي‌ء ؛ لأنّها زيادة سوقيّة.

ولو انعكس الفرض ، فزادت قيمة الصنع خاصّةً بأن كان مثل هذا الثوب يسوي مقصوراً سبعةً ، ويساوي خاماً خمسةً ، فالزيادة للمفلس خاصّةً ، فيكون له سُبْعا الثمن. وعلى هذا القياس.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣.

١٥٩

وهل للبائع إمساك المبيع ببذل قيمة ما فَعَله المفلس ومنعه من بيعه؟ الأقرب : ذلك ؛ لوجوب البيع على كلّ تقدير ، واعتبار الأصل بالبقاء أولى ؛ إذ لا يجب بذل عينه للبيع ، وبه قال بعض الشافعيّة ؛ قياساً على أنّه يبذل قيمة الغراس والبناء(١) .

ومَنَع بعضُهم منه ؛ لأنّ الصنعة لا تُقابل بعوض(٢) .

ونحن لـمّا منعنا - فيما تقدّم - وجوبَ بذل البناء والغراس بدفع القيمة ، وأوجبنا هنا دفع الصنعة ، قلنا ذلك ؛ للفرق بين الأعيان التي تُعدّ أُصولاً ، وبين الصفات التابعة.

تذنيبان :

أ : إذا استأجره للقصارة أو الطحن فعمل الأجير عمله ، كان له حبس الثوب والدقيق لاستيفاء الأُجرة‌ إن جعلنا القصارة والطحن كالأعيان ، كما يحبس البائع المبيع لقبض الثمن. وإن جعلنا القصارة وشبهها من الآثار ، فلا.

ب : إذا تمّم القصّار والطحّان العملَ وتلف الثوب والطحين في يده‌ ، إن قلنا : إنّ فعله آثار لا تجري مجرى الأعيان ، استحقّ الأُجرة كأنّه وقع مسلّماً بالفراغ. وإن قلنا : إنّه أعيان ، لم يستحق ؛ حيث تلف قبل التسليم ، كما يسقط الثمن بتلف المبيع قبل تسليمه.

مسألة ٣٧٤ : قد ذكرنا حكم الزيادة إذا كانت صفةً محضة ، وبقي ما إذا كانت الزيادة عيناً من وجهٍ وصفةً من وجهٍ.

فنقول : إذا اشترى ثوباً فصبغه ، أو سويقاً ولتَّه بزيتٍ وأشباه ذلك ثمّ‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٣.

١٦٠

الاشعري. ثم انصرف فقال: ردوا على! ردوا على! فجاء فقال: يا أبا موسى! ما ردّك؟ كنّا في شغل، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الاستيذان ثلاثاً فان اذن والا فارجع، قال: لتأتينى على هذا ببينة والا فعلت وفعلت!، فذهب أبو موسى. قال عمر: ان وجد بيّنة تجدوه عند المنبر عشية وان لم يجد بيّنة فلم تجدوه، فلما ان جاء بالعشي وجدوه قال: يا أبا موسى ما تقول؟ أقد وجدت؟ قال: نعم! أبي بن كعب، قال: عدل، قال: يا ابا الطفيل! ما يقول هذا؟ قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك يا ابن الخطاب، فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال سبحان الله! انما سمعت شيئاً. فأحببت أن أتثبت! ».

و قال أبوجعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتاب ( مشكل الآثار ): « حدثنا يونس بن عبد الاعلى. ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو ابن الحارث عن بكير بن الاشجّ أن بسر بن سعيد حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: كنا في مجلس عند أبي بن كعب فجاء ابو موسى الاشعري مغضباً حتى وقف فقال: أنشدكم الله! هل سمع منكم أحد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الاستيذان ثلاث فان أذن لك فادخل وإلا فارجع؟ فقال أبي: وما ذاك؟ فقال: استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئته أمس فسلمت ثلاثاً ثم انصرفت، فقال: قد سمعنا ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك؟ قال: استأذنت كما سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: فقال: والله لأضربن بطنك وظهرك أو لتأتينّي بمن يشهد لك على هذا! فقال أبيّ بن كعب: فو الله لا يقوم معك أحد الا أحدثنا سنّا الذي بجنبك، قم يا أبا سعيد! فقمت حتى أتيت عمر فقلت: قد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول هذا ».

وقال: « حدثنا ابراهيم بن مرزوق حدثنا أبو عاصم عن ابن جريح عن عطاء عن عبيد بن عمير أن أبا موسى استأذن على عمرو كان مشغولا في

١٦١

بعض الامر فلما فرغ قال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس، قالوا: رجع، قال: ردوه! فجاء فقال: كنا نؤمر بمثل هذا في الاستيذان ثلاثاً، قال: لتأتينى على هذا ببينة أو لافعلن، فجاء الى مجلس الأنصار فأخبرهم فقالوا: لا يقوم معك الا أصغرنا فقام أبو سعيد الخدري، فجاء فقال: نعم! فقال عمر: خفى على هذا من أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشغلني التسويف بالأسواق، قال ابراهيم: وجدت على ظهر كتابي: وشغلني شغلي بالأسواق ».

و قال: « حدثنا فهد بن سليمان ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ثنا عبد السلام ابن حرب عن طلحة بن يحيى القرشي عن ابى بردة عن أبي موسى قال: جئت باب عمررضي‌الله‌عنه فقلت: السلام عليكم، يدخل عبد الله بن قيس؟ فلم يؤذن، فرجعت فأنتبه عمر فقال: علي بأبي موسى فأتيت قال: أنى ذهبت؟ فقلت استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ليستأذن الرجل المسلم على أخيه ثلاثاً، فان أذن له، والا رجع فقال: لتجيئني على ما قلت بشاهد أو لينالنك مني عقوبة، قال: فخرجت فلقيت أبي ابن كعب فأخبرته فقال: نعم! فجاء فأخبره، فقال له عمر: يا أبا الطفيل! سمعت ما قال أبو موسى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: نعم! وأعوذ بالله عز وجل أن تكون عذاباً على أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: وأعوذ بالله من ذلك».

و قال البغوي في ( معالم التنزيل ): « أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا: أبو الحسن على بن محمد بن عبد الله بن بشران، أن اسمعيل بن محمد الصفار، أنا أحمد بن منصور الرمادي، أنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن سعيد الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري: قال: سلم عبد الله بن قيس على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع، فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال: اني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إذا سلم أحدكم ثلاثاً فلم يجب فليرجع، قال: لتأتين على ما تقول ببينة والا لأفعلن بك كذا وكذا، غير أنه قد أوعده، قال: فجاء أبو موسى ممتقعاً لونه

١٦٢

وأنا في حلقة جالس فقلنا: ما شأنك؟ فقال: سلمت على عمر، فأخبرنا خبره، فهل سمع منكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا كلنا قد سمعه. قال: فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره بذلك ».

وقال برهان الدين عبيد الله بن محمد الفرغاني العبري في ( شرح منهاج البيضاوي ):

« قال أبوعلي في بيان اشتراط العدد: ان الصحابة طلبوا العدد فان أبابكر (رض) لم يقبل خبر مغيرة بن شعبة في الجدة حتى رواه محمد بن مسلمة الانصاري، ولم يعمل عمر (رض) بخبر أبي موسى الاشعري في الاستيذان حتى رواه أبوسعيد الخدري، ورد أبوبكر وعمر خبر عثمان في رد الحكم بن العاص. وأمثال ( ذلك. صح. ظ ) كثيرة، وطلب العدد منهم في الروايات الكثيرة دليل اشتراطه. قلنا في الجواب عنه انهم انما طلبوا العدد عند التهمة لا مطلقاً، ونحن انما ندعى أن خبر العدل الواحد حيث لا تهمة في روايته مقبول، فلا يرد ما ذكرتم من الصور نقضاً ».

وقال ابن حجر العسقلاني في ( فتح الباري ): « واحتج من رد الخبر الواحد: بتوقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبول خبر ذي اليدين، ولا حجة فيه لأنه عارض علمه وكل خبر واحد إذا عارض العلم لم يقبل، وبتوقف أبي بكر وعمر في حديثي المغيرة في الجدة وفي ميراث الجنين حتى شهد بهما محمد ابن مسلمة، وبوقف عمر في خبر أبي موسى في الاستيذان حتى شهد له أبو سعيد، وبتوقف عائشة في خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء الحي، وأجيب بأن ذلك انما وقع منهم اما عند الارتياب كما في قصة أبي موسى فانه أورد الخبر عند انكار عمر عليه رجوعه بعد الثلاث وتوعده، فأراد عمر الاستثبات خشية أن يكون دفع بذلك عن نفسه، وقد أو ضحت ذلك بدلائله في كتاب الاستيذان، واما عند معارضة الدليل القطعي كما في انكار عائشة حيث استدلت بقوله تعالى:( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) .

١٦٣

نهى عمر أباموسى وأباهريرة عن الحديث

بل ان أبا موسى كان متهماً في حديثه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً، لا في حديث الاستيذان فحسب، ولذا نهاه وابا هريرة عمر بن الخطاب عن الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نص عليه الغزالي حيث قال:

« ثم اعلم أن المخالف في المسأله له شبهتان: الشبهة الاولى قولهم: لا مستند في اثبات خبر الواحد الا الاجماع، فكيف يدعى ذلك؟ وما من أحد من الصحابة الا وقد رد الخبر الواحد، فمن ذلك توقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قبول خبر ذي اليدين حيث سلم عن اثنتين حتى سأل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وشهدا بذلك وصدقاه، ثم قبل وسجد للسهو، ومن ذلك رد أبي بكررضي‌الله‌عنه خبر المغيرة بن شعبة من ميراث الجد [ ة ] حتى أخبره معه محمد بن مسلمة، ومن ذلك: رد أبي بكر وعمر خبر عثمان رضي الله عنهم فيما رواه من استئذانه الرسول في الحكم بن أبي العاص وطالباه بمن يشهد معه بذلك. ومن ذلك: ما اشتهر من رد عمررضي‌الله‌عنه خبر أبي موسى الاشعري في الاستيذان حتى شهد له أبو سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه ومن ذلك: رد عليرضي‌الله‌عنه خبر أبي سنان الأشجعي في قصة بروع بنت واشق وقد ظهر منه أنه كان يحلف على الحديث، ومن ذلك: رد عائشة رضي الله عنها خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه، وظهر من عمر نهيه لابي موسى وأبي هريرة عن الحديث عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وأمثال ذلك مما يكثر، وأكثر هذه الاخبار تدل على مذهب من يشترط عدداً في الراوي، لا على مذهب من يشترط التواتر فإنهم لم يجتمعوا فينتظروا التواتر »(١) .

__________________

(١). المستصفى في علم الاصول ٢ / ١٣٥.

١٦٤

٢ - في سنده ابوبردة وهو فاسق

وفي رجال حديث مسلم « أبوبردة بن أبي موسى » وهو ممن عرف واشتهر بالجرائم الموبقة، فقد كان له يد في قتل الصحابي العظيم « حجر بن عدي » وأصحابه إذ شهد عليهم زوراً.

قال الطبري: « ثم بعث زياد الى أصحاب حجر، حتى جمع منهم اثنى عشر رجلا في السجن، ثم انه دعا رءوس الارباع فقال: اشهدوا على حجر بما رأيتم منه، وكان رؤوس الارباع يومئذ عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان، وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة على ربع ربيعة وكندة، وأبو بردة بن أبي موسى على مذحج وأسد، فشهد هؤلاء الأربعة أن حجرا جمع اليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا الى حرب أمير المؤمنين، وزعم أن هذا الأمر لا يصلح الا في آل أبي طالب ووثب بالمصر، وأخرج عامل أمير المؤمنين وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه، وان هؤلاء النفر الذين معه هم رؤوس أصحابه وعلى مثل رأيه وأمره »(١) .

وهذا نص شهادة أبي بردة: « بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه أبوبردة بن أبي موسى لله رب العالمين: شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا الى الحرب الفتنة، وجمع اليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء.

فقال زياد: على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، أنا [ أما ] والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق، فشهد رؤوس الارباع على مثل شهادته وكانوا أربعة، ثم ان زياداً دعا الناس فقال: اشهدوا على مثل شهادة رؤوس الارباع »(٢) .

__________________

(١). تاريخ الطبري ٤ / ١٩٩.

(٢). تاريخ الطبري ٤ / ٢٠٠.

١٦٥

ابو بردة من المنحرفين عن امير المؤمنين

وذكره ابن أبي الحديد في المنحرفين عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: « ومن المبغضين القالين: أبوبردة بن أبي موسى الاشعري، يرث البغض [ البغضة ] له لا عن كلالة، [ و ] روى عبد الرحمن بن جندب قال: قال أبو بردة لزياد: اشهد ان حجر بن عدي قد كفر بالله كفرة صلعاء [ أصلع ]. قال عبد الرحمن: انما عنى بذلك نسبة الكفر الى علي بن أبي طالبعليه‌السلام لأنه كان أصلع.

قال: وقد روى عبد الرحمن المسعودي عن ابن عياش المنتوف قال: رأيت ابا بردة قال لابي الغادية الجهني قاتل عمار بن ياسر: أأنت قتلت عمار ابن ياسر؟ قال: نعم، قال: فناولني يدك، فقبلها وقال: لا تمسك النار أبداً!!

وروى أبو نعيم عن هشام بن المغيرة عن الغضبان بن يزيد قال: رأيت ابا بردة قال لابي الغادية قاتل عمار: مرحباً بأخي ههنا ههنا، فأجلسه الى جانبه »(١) .

دلالة حديث مسلم

وأما دلالة فان حديث مسلم هذا لا يفيد مطلوبهم - وهو جواز الاقتداء بالصحابة - لان معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون » هو: ان الاصحاب لا يبقون بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما كانوا عليه في عهده، فتقع بينهم الفتن والحروب، وتختلف آراؤهم وأهواؤهم وقلوبهم، ويتشاجرون فيما بينهم، مما يؤدي الى ارتداد بعض العرب فهذا معنى الحديث وهو يفيد الذم:

قال النووي بشرحه: « و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أمنة لاصحابي فاذا

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ٤ / ٩٩.

١٦٦

ذهبت اتى اصحابي ما يوعدون، أي: من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الاعراب واختلاف القلوب، ونحو ذلك مما انذر به صريحاً، وقد وقع كل ذلك »(١) .

وقال الطيبي: « والاشارة في الجملة الى مجيء الشر عند ذهاب اهل الخير فانه لما كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرهم كان يبين ما يختلفون فيه، فلما توفيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حالت الآراء واختلفت الأهواء»(٢) .

وقال القاري: « فاذا ذهبت أنا اتى أصحابي ما يوعدون. أي من الفتن والمخالفات والمحن»(٣) .

هذا واذا دل هذا الحديث على ما سمعت فلا مجال لان يذكر بصدد تأييد حديث النجوم، وأن يعد من فضائل الصحابة.

التحريف في حديث النجوم

وبعد، فقد ظهر لدى التحقيق أن لأصحاب الخدع والضلال وأولى الأيدي الاثيمة تحريفاً عظيماً في هذا الحديث، وذلك لان أصله هكذا: « وأهل بيتي أمان لامتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون » فجعل « أصحابي » في مكان « أهل بيتي » وهذا نص الحديث: « حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحسن القاضي بهمدان من أصل كتابه، ثنا محمد ابن المغيرة اليشكري، ثنا القاسم بن الحكيم [ الحكم ] العرني ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، حدثني محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال: ما تنظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة، فقال: انكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثم قال: أما

__________________

(١). المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ٩ / ٤٢٤.

(٢). الكاشف - مخطوط.

(٣). المرقاة ٥ / ٥١٩.

١٦٧

انها صلاة لم يصلها احد ممن قبلكم من الأمم، ثم رفع رأسه الى السماء فقال: النجوم أمان لأهل السماء فان طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي فإذا قبضت أتى أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لامتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون »(١) .

فليلاحظ ممن هذا التحريف؟ أمن أبي موسى؟ من ولده أبي بردة؟ من غيرهما من المحرفين المنحرفين؟

سيأتي إن شاء الله تعالى ان اهل البيتعليهم‌السلام هم كالنجوم في هداية الامة، وهم الذين يمتنع الاختلاف والهلاك باتباعهم كل ذلك من أحاديث عديدة بطرق وسياقات متكاثرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي كل ذلك ما يرغم آناف أولي البغي والعناد، ويوضح للسالكين محجة الصواب والرشاد.

حديث النجوم باطل

وحديث النجوم باطل من جهة متنه ودلالته كذلك ولنوضح ذلك في وجوه:

١ - مخالفته للاجماع والضرورة

ان حديث النجوم يدل على صلاح جميع اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهذا باطل بالإجماع.

ويدل على أنهم جميعاً هادون للامة. وهذا باطل أيضاً، لان طائفة كبيرة منهم أضلت كثيراً من الناس.

ويدل على أهلية جميع الصحابة لاقتداء الامة بهم، وهذا ايضاً ظاهر البطلان إذ لا يصلح كثير منهم - بل أكثرهم - لذلك.

__________________

(١). المستدرك ٣ / ٤٥٧.

١٦٨

واذا ثبت بطلان ذلك كله ثبت بطلان الحديث من أصله.

٢ - اقتراف بعض الصحابة للكبائر

لقد اقترف جماعة كبيرة من الصحابة كبائر الذنوب، مثل الزنا وقتل النفس المحترمة وشهادة الزور ونحو ذلك مما هو مشهور ومعروف لمن نظر في أحوالهم، فهل يعقل أن يجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل واحد منهم قائداً للامة وهادياً للملة؟

٣ - مخالفته للكتاب

لقد وردت آيات في كتاب الله عز وجل صريحة في سوء حال جم غفير من الصحابة، ولا سيما الايات في سورة الانفال، وسورة البراءة، وسورة الأحزاب، وسورة الجمعة، وسورة المنافقين.

أفيصح ان ينصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع الصحابة قادة للامة والحال هذه؟

٤ - مخالفته للاحاديث الاخرى

لقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث كثيرة تفيد ذم الصحابة والحط من شأنهم تجدها في الصحاح والمسانيد المعتبرة، ومنها:

حديث الحوض.

وحديث الارتداد.

و حديث: لا ترجعوا بعدي كفاراً.

و حديث: الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل.

و حديث: لا ادري ما تحدثون بعدي.

و حديث: اتباع سنن اليهود والنصارى.

وحديث: التنافس.

١٦٩

و حديث: ان من اصحابي من لا يراني بعدي ولا أراه.

و حديث: ان في اصحابي منافقين.

و حديث: قد كثرت علي الكذابة.

الى غير ذلك من الاحاديث التي وردت في ذم الصحابة مجتمعين وفرادى. وقد جاوزت حد الحصر، ويكفيك منها ما ذكر في كتاب ( تشييد المطاعن ).

وهذه الاحاديث تعارض حديث النجوم - ان صح - فلا يجوز العمل به.

٥ - نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاقتداء بهم

لقد جاء في كتب القوم أحاديث تدل بصراحة على منع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاقتداء بالصحابة، وفيها « ان من اقتداهم في النار ».

قال العاصمي: « وقالعليه‌السلام إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، يعني عن الوقيعة فيهم، عن ذكر زلاتهم وما كان منهم في مقاماتهم، وأي عبد من عباد الله لم يزل ولو بطرفة!!. فليحذر العاقل في هذا الموضوع عن الوقيعة فيهم وذكر زلاتهم ومساويهم.

و أخبرني جدي احمد بن المهاجررحمه‌الله قال اخبر أبوعلى الهروي قال أخبرنا المأمون قال أخبرنا عطية عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب قال قال رسول الله صلّى الله عليه: يكون من أصحابي احداث بعدي، يعني الفتنة التي كانت بينهم، فيغفرها الله لهم لسابقتهم، ان اقتدى بهم قوم من بعدهم كبهم الله في نار جهنم.

قال ابن لهيعة: هذا رأيي منذ سمعت هذا الحديث »(١) .

و قال المتقي: « تكون بين أصحابي فتنة يغفر الله لهم لسابقتهم، ان

__________________

(١). زين الفتى في تفسير سورة هل أتى - مخطوط.

١٧٠

اقتدى بهم قوم من بعدهم كبهم الله تعالى في نار جهنم. نعيم عن [ ابن ] يزيد ابن أبي حبيب، مرسلا »(١) .

٦ - اعترافهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم

ان في كتب أهل السنة أحاديث كثيرة فيها اعتراف الصحابة أنفسهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم، ويكفي من أقوال أبي بكر بن أبي قحافة:

قوله: ان لي شيطاناً يعتريني.

- لست بخير من أحدكم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني.

- أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.

- أفتظنون أنى أعمل بسنة رسول الله، اذاً لا أقوم بها؟.

ومن أقوال عمر بن الخطاب:

قوله: يا حذيفة بالله أنا من المنافقين.

- لولا علي لهلك عمر ( في قضايا كثيرة ).

- لولاك لافتضحنا ( قاله لعليعليه‌السلام ).

- امرأة خاصمت عمر فخصمته ( في مسألة المهر ).

- امرأة أصابت ورجل أخطأ.

- ألا تعجبون من امام أخطأ ومن امرأة أصابت؟ ناضلت امامكم فنضلته.

- تسمعوننى أقول مثل هذا فلا تنكرونه، حتى تردّ علي امرأة ليست من أعلم النساء؟

- كل أحد أفقه مني.

- كل أحد أفقه من عمر.

__________________

(١). كنز العمال ٢٢ / ١٧٤.

١٧١

- كل أحد أعلم من عمر.

- كل أحد أعلم وأفقه من عمر.

- كل أحد أعلم منك حتى النساء.

- كل أحد افقه من عمر حتى النساء.

- كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال.

- كل الناس أعلم من عمر حتى العجائز.

وهذه كلها موجودة في كتب أهل السنة كما لا يخفى على من راجع ( تشييد المطاعن ) وغيره.

فهل يصح تشبيه هكذا أناس بالنجوم؟!

١٧٢

تفنيد كلام الدّهلوى

في حاشية التّحفة

١٧٣

١٧٤

ومن الغريب قول ( الدهلوي ) في حاشية ( التحفة ) في هذا المقام:

فان قلت: اجتهاد بعض الصحابة خطأ بيقين، فكيف وعد الهداية في اتباعهم جميعاً؟.

قلنا: محل اتباعهم ما كان غير منصوص في الكتاب والسنة، ولا شبهة ان تيقن الخطأ انما يكون في المنصوصات، وهي ليست محلا لاتباعهم.

والحاصل: ان اتباعهم دليل الهداية ما لم يظهر خطؤهم بمقتضى الكتاب والسنة، فلا إشكال. شرح الارشاد.

أقول: وهذا الكلام مردود بوجوه:

١ - المخطىء لا يكون هاديا ً

من كان اجتهاده خاطئاً بيقين لا يجوز ان يكون هادياً.

٢ - الخطأ في غير المنصوصات أكثر

اذا كان بعضهم يخطأ في اجتهاده فيخالف منصوصات الكتاب، فانه

١٧٥

يكون خطؤه في غير المنصوصات أكبر وأكثر.

٣ - لا يجوز متابعة المخطىء مع وجود المعصوم

انه لا ريب في عصمة أئمة اهل البيتعليهم‌السلام عن الخطأ، لدلالة آية التطهير وحديث الثقلين وغيرهما من الآيات والروايات على ذلك - ومع وجود هؤلاء لا يعقل ان يجعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخاطئين بمنزلة النجوم

على ان في اصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تتلو مرتبتهم مرتبة الأئمةعليهم‌السلام . امثال أبي ذر وسلمان والمقداد وعمار رضي الله عنهم أجمعين فترك هؤلاء واتباع الخاطئين ظلم عظيم. تعالى الله عن ذلك ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ - الاختلاف بين الاصحاب في الاحكام

انه لا شك في وقوع الاختلاف بين الصحابة في الاحكام الشرعية - المنصوصة منها وغيرها - وهو موضوع كتاب ( الانصاف في بيان سبب الاختلاف لشاه ولى الله والد الدهلوي ) وجعل هؤلاء قادة للامة وتشبيههم بالنجوم من حيث الهداية قبيح في الغاية، يجل عنه كل عاقل فضلا عن خاتم النبيين واشرف الخلائق أجمعينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ - تخطئة الاصحاب بعضهم لبعض

لقد كان باب التخطئة مفتوحاً لدى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قد تجاوزت تخطئة بعضهم البعض حد الاعتدال وبلغت التكذيب والتجهيل التكفير، وتلك قضاياهم مدونة في كتب أهل السنة وأسفارهم، فكيف يصدق عاقل ان يكونوا جميعاً - والحالة هذه - أئمة في الدين وقادة المسلمين؟!

١٧٦

٦ - استعمالهم القياس

لقد كان في الاصحاب من يستعمل القياس ويتبع في ذلك سبيل أول من قاس ومن كان مخطئاً بيقين في المنصوصات ومستعملا للقياس في غيرها لا يستحق ان يكون نجم هداية.

٧ - جهلهم بالاحكام

لقد كان في الاصحاب - ومنهم المشايخ الثلاثة - من يرجع في الحوادث الواقعة الى غيره ملتمساً الحكم الشرعي فيها، بل كان فيهم من يعترف بأن « كل الناس أفقه منه حتى المخدرات في الحجال ».

ومن المستحيل ان ينصب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هؤلاء الجهال مراجع للامة في الاحكام وغيرها

بل كان فيهم من يحكم - لفرط جهله - احكاماً مختلفة متناقضة في الواقعة الواحدة

بل كان فيهم من لم يعرف معنى « الكلالة » رغم وجودها في القرآن الكريم وتفسير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها، وقد روي عن أبي بكر انه قال: « انى قد رأيت في الكلالة رأياً، فان كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له وان يكن خطأ فمني والشيطان، والله بريء منه »(١) .

وقد روي في هذا المقام عن عمر بن الخطاب عجائب، رواها الطبري في تفسيره، وقد ذكرت بالتفصيل في ( تشييد المطاعن ).

والأعجب أنه كان الخليفة متى قرأ قوله تعالى:( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) قال: « اللهم من تبينت له الكلالة فلم تتبين لي ».

ولقد كان يقول « ما اراني أعلمها أبداً، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال » يشير الى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحفصة: « ما أرى أباك يعلمها

__________________

(١). راجع تفسير الطبري ٤ / ٢٨٣ - ٢٨٤.

١٧٧

أبداً ».

بل روي عنه أنه كان يقول « ثلاث لان يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهن لنا أحبّ الىّ من الدنيا وما فيها: الخلافة والكلالة والربا ».

٨ - اقدام بعضهم على معاملة محرمة

لقد أقدم بعض كبار الصحابة في بعض معاملاته على أمر محرّم باطل، سبب بطلان حجّه وجهاده مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على حدّ تعبير عائشة بنت أبي بكر.

وقد روى هذا الاثر كبار المحدثين في كتب المحدثين، وأئمة الفقه في كتبهم ومشاهير العلماء في التفسير وعلم الاصول في مؤلفاتهم، وإليك نصوص عبارات طائفة من هؤلاء الاعلام:

قال عبد الرحمن بن القاسم المالكي في كتاب ( المدوّنة الكبرى ): « وأخبرني ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أم يونس أن عائشة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم الانصاري: يا أم المؤمنين! أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم! قالت: فاني بعته عبداً الى العطاء بثمان مائة، فاحتاج الى ثمنه فاشتريته منه قبل الأجل بستمائة. فقالت بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب. قالت: فقلت: أفرأيت ان تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: فنعم! من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».

وقال عبد الرزاق بن همام الصنعاني في ( المصنف ) « أخبرنا معمر والثوري عن أبي اسحق السبيعي، عن امرأة دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين! كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتب عليه ثمان مائة فقالت عائشة: بئس ما اشتريت وما بئس ما اشترى! أخبري زيد بن

١٧٨

أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت ان أخذت رأس مالي ورددت اليه الفضل! فقالت: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».

وقال أحمد بن حنبل الشيباني في ( مسنده ) « حدّثنا محمد بن جعفر: حدّثنا شعبة، عن أبي اسحاق، عن امرأة ( امرأته. ظ ) أنها دخلت على عائشة - هي وأم ولد زيد بن أرقم - فقالت أم ولد زيد بن أرقم لعائشة: اني بعت من زيد غلاماً بثمان مائة درهم نسية واشتريت بستمائة نقداً، فقالت عائشة: أبلغي زيداً أنك قد أبطلت جهادك مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا أن تتوب! بئس ما اشتريت وبئس ما شريت! ».

وقال أبو بكر أحمد بن محمد المعروف بالجصاص الرازي الحنفي في كتاب ( أحكام القرآن ) في شرح أحكام آية الربا: « ومن الربا المراد من الاية شرى ما يباع بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن. والدليل على أن ذلك رباً حديث يونس ابن اسحاق ( أبى اسحق. ظ ) عن أبيه عن أبي العالية قال ( العالية، قالت. ظ ) كنت عند عائشة فقالت لها امرأة: اني بعت زيد بن أرقم جارية لي الى عطائه بثمان مائة درهم وأنه أراد أن يبيعها فاشتريتها منه بستمائة، فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت أبلغى زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب! فقالت: يا أم المؤمنين! أرأيت ان لم آخذ الا رأس مالي فقالت:( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) ، فدلّت تلاوتها لاية الربا عند قولها « أرأيت ان لم آخذ الا رأس مالي » أن ذلك كان عندها من الربا، وهذه التسمية طريقها التوقيف ».

وقال أبوزيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي في كتاب ( تأسيس النظر ) في مسائل مبحث تقديم قول الصحابي على القياس: « ومنها اذا اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن لا يجوز، أخذنا بحديث عائشة رضي الله عنها وحديث زيد بن أرقم فحكمنا بفساد البيع وتركنا القياس،

١٧٩

وعند الامام أبي عبد الله الشافعي: البيع جائز، وأخذ فيه بالقياس ».

وقال شمس الائمة أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي في كتاب ( المبسوط ): « واذا باع رجل شيئاً بنقد أو بنسية فلم يستوف ثمنه حتى اشتراه بمثل ذلك الثمن أو أكثر منه جاز، وان اشتراه بأقل من ذلك الثمن لم يجز ذلك في قول علمائنارحمهم‌الله استحساناً، وفي القياس يجوز ذلك وهو قول الشافعي، لان ملك المشتري قد تأكد في المبيع بالقبض فيصح بيعه بعد ذلك بأي مقدار من الثمن باعه، كما لو باعه من غير البائع، ألا ترى أنه لو وهبه من البائع جاز ذلك، فكذلك اذا باعه منه بثمن يسير، ولأنه لو باعه من انسان آخر ثم باعه ذلك الرجل من البائع الاول بأقل من الثمن الاول جاز، فكذلك اذا باعه المشتري منه.

الا أنّا استحسنا لحديث عائشة، رضي الله عنها، فان امرأة دخلت عليها وقالت: اني بعت من زيد بن أرقم جارية لي بثمان مائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها منه بستمائة درهم قبل محل الاجل. فقالت عايشة رضي الله عنها: بئسما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم شريت وبئس أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب فأتاها زيد بن أرقم معتذراً، فتلت قوله تعالى:( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) .

فهذا دليل على أن فساد هذا العقد كان معروفاً بينهم، وأنها سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لان أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي، وقد جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد، فعرفنا من ذلك كالمسموع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتذار زيدرضي‌الله‌عنه اليها دليل على ذلك لانّ في المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضاً، وما كان يعتذر أحدهم الى صاحبه فيها ».

وقال ملك العلماء علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني الحنفي في كتاب ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ) في مسألة « شراء ما باع بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن »: « ولنا ما روي أن امرأة جاءت الى سيدتنا عائشة

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510