تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 431004 / تحميل: 5947
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وروى أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني(١). في كتاب ( الأحداث ) قال: كتب معاوية نسخةً واحدةً إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أنْ برئت الذمة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته.

فقامت الخطباء في كلّ كورةٍ وعلى كل منبرٍ يلعنون علياً ويبرؤن منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي، فاستعمل عليها زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة، وكان يتّبع الشيعة - وهو بهم عارف لأنّه كان منهم أيّام علي - فقتلهم تحت كلّ حجرٍ ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق أنْ لا يجيزوا لأحدٍ من شيعة علي وأهل بيته شهادة.

وكتب إليهم أنْ اُنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل بيته، والذي يروون فضائله ومناقبه، فاُدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا إليَّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لِما كان يبعثه إليه معاوية من الصِّلات والكساء والجبّات والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ

__________________

(١). قال الذهبي بترجمته: « المدائني، العلّامة الحافظ الصادق أبو الحسن علي بن محمّد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني الأخباري، نزل بغداد، وصنّف التصانيف، وكان عجباً في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب، مصدَّقاً فيما ينقله، عالي الإِسناد وكان عالماً بالفتوح والمغازي والشعر صدوقاً في ذلك » توفي سنة ٢٢٤، ٢٢٥.

سير أعلام النبلاء ١٠ / ٤٠٠.

ترجمته في: في: تاريخ بغداد ١٢ / ٥٤، مرآة الجنان ٢ / ٨٣، معجم الاُدباء ١٤ / ١٢٤، الكامل في التاريخ ٦ / ٥١٦ وغيرها.

٤١

أحد بخبرٍ مزوّر من الناس إلّا صار عاملاً من عمّال معاوية، ولا يروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه، وقرّبه، وشفّعه، فلبثوا بذلك حيناً.

ثم كتب إلى عمّاله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا النّاس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا يتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي ترابٍ إلّا وأتوني بمناقضٍ له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليَّ وأقرّ لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب ولشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.

فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشاروا بذكر ذلك على المنابر، واُلقي إلى معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتى علّموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ثمّ كتب إلى عمّاله نسخةً واحدةً إلى جميع البلدان: اُنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته، فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفّع ذلك بنسخةٍ اُخرى: من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره.

فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيّما بالكوفة، حتى أنّ الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّث حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليتمكّن عليه.

فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة. وكان أعظم الناس في ذلك بليّةً القرّاء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويتقرّبوا بمجالستهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الدّيانين الذين لا يستحلّون الكذب،

٤٢

فقبلوها ورووها وهم يظنّون أنها حق، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها.

فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلّا خائف على دمه أو طريد في الأرض.

ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين، وولي عبد الملك بن مروان، فاشتدّ على الشيعة، وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرّب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه، وموالاة من يدعي من الناس أنّهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرّواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي ومن عيبه والطعن فيه والشنآن له.

حتّى أن إنساناً وقف للحجاج - ويقال إنّه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب - فصاح به: أيّها الأمير: إن أهلي عقّوني فسمّوني علياً وإنّي فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج. فتضاحك له الحجاج وقال: للطف ما توسّلت به قد وليّناك موضع كذا.

وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه - وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم - في ( تاريخه )(١) ما يناسب هذا الخبر وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني اُميّة، تقرباً إليهم بما يظنّون أنهم يرغمون به أنف بني هاشم.

قال المؤلف - عفا الله عنه - ولم يزل الأمر على ذلك سائر خلافة بني اُميّة - لعنهم الله - حتى جاءت الخلافة العباسية، فكانت أدهى وأمرّ وأضرى وأضرّ،

__________________

(١). ترجم له الذهبي وقال: « نفطويه الإِمام الحافظ النحوي العلّامة الأخباري أبو عبد الله إبراهيم بن محمّد بن عرفة بن سليمان، العتكي الازدي الواسطي، المشهور بنفطويه، صاحب التصانيف وكان ذا سنّةٍ ودين وفتوّة ومروّة، وحسن خلق، وكيس، مات سنة ٣٢٣ » سير أعلام النبلاء ١٥ / ٧٥. وتوجد ترجمته أيضاً في: تاريخ بغداد ٦ / ١٥٩، وفيات الأعيان ١ / ٤٧، المنتظم ٦ / ٢٧٧، الوافي بالوفيات ٦ / ١٣٠، معجم الأدباء ١ / ٢٥٤، وغيرها.

٤٣

وما لقيه أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم من دولتهم أعظم ممّا مضوا به في الخلافة الاُموية كما قيل:

والله ما فعلت اُميّة فيهم

معشار ما فعلت بنو العباس

ثمّ شبّ الزمان وهرم، والشأن مضطرب والشنآن مضطرم، والدهر لا يزداد إلّا عبوساً، والأيام لا تبدي لأهل الحق إلّا بؤساً، ولا معقل للشيعة من هذه الخطّة الشنيعة في أكثر الأعصار ومعظم الأمصار إلّا الإِنزواء في زوايا التقيّة، والإِنطواء على الصبر بهذه البلية »(١). .

أقول:

وإذا علمت حال هؤلاء الأسلاف المنهمكين في الأسفاف، فليكن غير خافٍ على سريرتك النقيّة عن الإِعتساف، المتحلّية بالإِنصاف أنّ ( الدهلوي ) النحرير، الذي هو عند السنّية صدرهم الكبير وملاذهم الشهير، قد جنح تقليداً للكابلي بجوامع قلبه إلى هؤلاء الجماهير الكارعين من المشارع الردغة، والناهلين من الموارد الكدرة، الذين زرعوا الفجور وسقوه الغرور، وحصدوا الثبور ورفعوا الدور، وبنوا القصور وأحكموا الزّور وأبرموا الختور، ولم يرضوا في البغض والمشاحنة بالقصور، وأتوا من غرائب الاُمور بما يبقى سوء ذكره على كرّ الدهور ومرّ العصور.

فحذا ( الدهلوي ) حذوهم وحسا حسوهم ونحا نحوهم واستحسن نحوهم، وشرب روي شربهم وانضوى إلى سربهم وانحاز إلى حزبهم، وآثر ضغنهم وكبرهم واختار حقدهم ونكرهم واستطاب عجرهم وبجرهم، وأشاع هفواتهم ونفّق تلميعاتهم وزوّق تسويلاتهم، وأحكم مرائرهم وسرَّ سرائرهم وأطاب ضمائرهم، وفوّق سهامهم وبرى أقلامهم، وشحذ حرابهم ودرس كتابهم

__________________

(١). الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ٥ - ٨.

٤٤

ونصر أحزابهم، وأسس بنيانهم ولاط جدرانهم، واقتفى شنيع آثارهم وخاض هائل غمارهم وجاس خلال ديارهم، وسار بسيرهم وشبع من ميرهم وسكن في ديرهم وضار بضيرهم.

لم يعض على النقد والسبر بضرس قاطع، ولم يستضيء من الإِدراك والتأمّل بمنارٍ ساطع، ولا استعان من الإِصابة والتدرّب بوجه شافع، ولا استظهر من الإِنصاف والتمييز بمنجد نافع، ولا استذرى من المواعظ والزواجر والرقائق القوارع إلى ناجه ناجع، رقص بإنكار الواضحات رقص الجمل، وليس له في التحقيق والتنقيد ناقة ولا جمل.

إذا هتف به داعي الحق جعل في اُذنه وقراً، وإذا أهاب به منادي الصّدق أبدى عجرفةً وغدراً ومكراً، يسلك في هدم قواعد الدين فنوناً، ويبالغ في طمس معاهد اليقين مجوناً.

إخترع للرد والإِبطال والإِخمال لفضائل الآل - عليهم سلام الملك المتعال - طرائق قددا، وابتعد لإِطفاء نور الحق أعاليل بأضاليل بغياً وحسداً، إذا سمع فضيلةً حقّانيّة وروايةً نوارنية يدور عينه كأنه من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة، ينفخ أوداجه وترتعد فرائصه ويزيد غيظه ويكبر حنقه، ويبدي فظائع شبهاتٍ وهواجس، لا يزعه من الإِقتحام في الزلل وازع ولا يردعه عن المكابرة من الحياء رادع.

قد أقحم أتباعه في طخيةٍ عمياء، وركب بهم متن عشواء، وزرع في قلوبهم صنوف الإِحن والبغضاء، وأورثهم أقسام الترات والوغر والشحناء، وشحن صدورهم غيظاً وحنقاً، وسقى أجوافهم آجناً رَنَقا، وقرّر لهم في التلميع قواعد وقوانين، وأحدث من الخدع حيلاً وأفانين.

ومن عجائب التهافت والتنافر، وغرائب التناقض والتناكر: أن ( الدهلوي ) الماهر، وكذا الكابلي الفاخر، ومن ماثلهما من أسلافهما الأكابر، مع هذا الجد والجهد والكدح والإِنهماك، والغرام والوله والشغف والإِرتباك في إرادة إطفاء

٤٥

أنوار الفضائل الباهرة، وردّ المناقب الفاخرة للعترة الطاهرة يباهون بدعوى التمسّك والولاء، ويبدون من غاية البهت والمراء، أنّهم المخصوصون بنشر الفضائل وإيثار الإِقتداء واختيار الإِقتفاء!

فقل لي من المحب الموالي؟ ومن المتوغر القالي؟ ومن المقبل الواد؟ ومن المعرض الصاد؟ ومن المتّبع الصافي؟ ومن المنحرف الجافي؟ ومن المقتفي لآثار الأطهار والمؤمن بفضائل هؤلاء الأخيار؟ ومن الصادف على الإِتّباع الوالج في زرافة الهمج الرعاع؟

وقد بلغ التعصّب ( بالدهلوي ) المرتاب إلى حدٍّ يتجاوز عن القياس والحساب، حتى أنه ربما ينكر ما هو حجة على النصّاب، بل ينكر ما أثبته شيخه ووالده الجلي النصاب، بل ربما أنكر ما أثبته بنفسه بلا اختفاء واحتجاب.

ومع هذا التباين والتخالف والتهافت والتناقض، والتشاحن والتضاغن والتعالل والتمارض، ومع هذا القصور في الباع وفقد العثور والاطّلاع، يشنّع على أسلافنا بلسانه السّليطة مكثراً للبذاء والمصاغ، مولعاً بالهراء والقذاع، دأبه جحد الواضحات، وسنّته ردّ اللائحات، يروّح بكذبه وافتعاله أرواح مسيلمة وسجاح، ويرفع في إبطال الحق أنكر عقيرة وأوحش صياح.

وأعجب من ذلك أنه مع هذا التهالك والإِستهتار بالإِبطال والتكذيب والإِنكار، لفضائل أهل البيت الأطهار، صلوات وسلامه عليهم ما اختلف الليل والنهار، ألقى شراشره على تصديق المفتعلات والإِيمان بالموضوعات المخترعات في حقّ خلفائه الكبار، مع أنها ممّا شهد بكذبها شيوخه وأساطينه الأحبار.

فلا أدري بأيّ وجهٍ يلقى هذا المدّعي للولاء يوم القيامة أهل البيت العظماء، عليهم آلاف التحيّة والثناء، وما ذا يقول لهم إذا سألوه عمّا حداه على تكذيب فضائلهم الثابتة الصحيحة التي رواها الثقات الكبراء وأثبتها حذّاق

٤٦

العلماء.

وهذا أوان الشروع في نقض ما لفقه هذا الرجل بالتفصيل، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل:

٤٧

٤٨

سند

حديث الولاية

٤٩

٥٠

قوله:

« وهو حديث باطل ».

أقول:

إن حكم ( الدهلوي ) ببطلان هذا الحديث من بدائع التفوّهات وفظائع التقوّلات، فهو يكشف عن دفائن الضغائن والأحقاد، ويهتك الأستار عن أصناف العناد واللّداد لأنّ جمعاً غفيراً من كبار الأئمة البارعين والمحدّثين المنقّدين ومشاهير الأساطين تشرّفوا بروايته، وزيّنوا أسفارهم بتصحيحه وإثباته، وهذه أسماء جماعةٍ منهم:

أسماء جماعة من رواة الحديث

١ - سليمان بن داود الطّيالسي (٢٠٤).

٢ - أبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة (٢٣٩).

٣ - إمام الحنابلة أحمد بن حنبل (٢٤١).

٤ - أبو عيسى محمّد بن عيسى الترمذي (٢٧٩).

٥ - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (٣٠٣).

٦ - حسن بن سفيان النسوي (٣٠٣).

٥١

٧ - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي (٣٠٧).

٨ - أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (٣١٠).

٩ - خثيمة بن سليمان الأطرابلسي (٣٤٤).

١٠ - أبو حاتم محمّد بن حِبان البستي (٣٥٤).

١١ - سليمان بن أحمد الطبراني (٣٦٠).

١٢ - أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (٤٠٥).

١٣ - أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني (٤١٠).

١٤ - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (٤٣٠).

١٥ - أبو القاسم حسين بن محمّد الشهير بالرّاغب الأصفهاني ( أوائل المائة الخامسة ).

١٦ - أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (٤٦٣).

١٧ - أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البر القرطبي (٤٦٣).

١٨ - مسعود بن ناصر السجستاني (٤٧٧).

١٩ - أبو الحسن علي بن محمّد ابن المغازلي (٤٨٣).

٢٠ - أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي (٥٠٩).

٢١ - محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي.

٢٢ - أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي (٥٥٨).

٢٣ - أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكي الخوارزمي (٥٦٨).

٢٤ - أبو القاسم علي بن الحسن ابن عساكر الدمشقي (٥٧١).

٢٥ - أبو حامد محمود بن محمّد الصّالحاني.

٢٦ - أبو السّعادات المبارك بن محمّد ابن الأثير الجزري (٦٠٦).

٢٧ - عبد الكريم بن محمّد القزويني الرّافعي (٦٢٤).

٢٨ - عز الدين أبو الحسن علي بن محمّد ابن الأثير الجزري (٦٣٠).

٢٩ - أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي المعروف بابن سبع (٦٣٤).

٥٢

٣٠ - ضياء الدين أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد المقدسي (٦٤٣).

٣١ - أبو سالم محمّد بن طلحة القرشي (٦٥٢).

٣٢ - أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي (٦٥٨).

٣٣ - محبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري المكّي (٦٩٦).

٣٤ - إبراهيم بن محمّد الجويني (٧٢٤).

٣٥ - شمس الدّين محمّد بن أحمد الذهبي (٧٤٨).

٣٦ - محمّد بن يوسف الزّرَندي ( بضع وخمسين وسبعمائة ).

٣٧ - محمّد بن مسعود الكازروني.

٣٨ - علي بن شهاب الدّين الهمداني (٧٨٦).

٣٩ - السيد شهاب الدّين أحمد.

٤٠ - شهاب الدين أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني.

٤١ - حسين بن معين الدين الميبدي (٨٧٠).

٤٢ - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السّيوطي (٩١١).

٤٣ - شهاب الدين أحمد بن محمّد القسطلاني (٩٢٣).

٤٤ - الحاج عبد الوهاب بن محمّد البخاري (٩٣٢).

٤٥ - محمّد بن يوسف الشامي.

٤٦ - شهاب الدين أحمد بن محمّد ابن حجر المكّي (٩٧٣).

٤٧ - علي بن حسام الدين المتّقي (٩٧٥).

٤٨ - ميرزا مخدوم بن عبد الباقي (٩٩٥).

٤٩ - إبراهيم بن عبد الله اليمني.

٥٠ - أحمد بن محمّد بن أحمد الحافي الحسيني.

٥١ - جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي.

٥٢ - علي بن سلطان الهروي القاري (١٠١٤).

٥٣ - عبد الرؤف بن تاج العارفين المنّاوي (١٠٣١).

٥٣

٥٤ - محمود بن محمّد الشّيخاني القادري.

٥٥ - أحمد بن الفضل بن باكثير المكّي (١١٤٧).

٥٦ - ميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشاني.

٥٧ - محمّد صدر العالم.

٥٨ - ولي الله أحمد بن عبد الرحيم والد ( الدهلوي ) (١١٧٦).

٥٩ - محمّد بن إسماعيل الأمير اليماني الصنعاني (١١٨٢).

٦٠ - محمّد بن علي الصبان.

٦١ - أحمد بن عبد القادر العجيلي.

٦٢ - سناء الله پاني پتي.

٦٣ - المولوي مبين بن محبّ الله السهالي (١٢٢٥).

٦٤ - المولوي محمّد سالم بن محمّد سلام الدهلوي.

٦٥ - المولوي وليّ الله بن حبيب السهالي.

وسيمرّ بك - إنْ شاء الله تعالى - عن كثب بلا حيلولة ترقّب وانتظار، عبارات هؤلاء الأجلّة الكبار:

٥٤

(١)

رواية أبي داود الطيالسي

لقد أخرج أبو داود الطّيالسي هذا الحديث الشريف عن ابن عباس بإسناد صحيح فقد جاء في ( مسنده ) ما هذا نصّه:

« حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: إن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال لعلي: أنت ولي كلّ مؤمنٍ من بعدي »(١). .

ولنترجم الطيالسي وهو شيخ أحمد ومن رجال الصحّاح الستّة، ثم نذكر صحّة هذا السند:

ترجمة أبي داود الطيالسي

١ - الذهبي: « الإِمام أبو داود الطيالسي - واسمه سليمان بن داود - البصري الحافظ صاحب المسند، وكان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث. قال الفلاس: ما رأيت أحفظ منه. وقال عبد الرحمن بن مهدي: هو أصدق الناس. قال: كتبت عن ألف شيخ منهم ابن عون »(٢) .

٢ - الذهبي أيضاً: « الإِمام الحافظ الكبير عنه: أحمد، وبندار، والفلّاس وخلائق. قال الفلّاس: ما رأيت أحفظ منه. وقال رفيقه ابن مهدي: هو أصدق الناس. وقال عامر بن إبراهيم: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن

__________________

(١). مسند الطّيالسي: ٣٦٠ رقم: ٢٧٥٢.

(٢). العبر حوادث ٢٠٤.

٥٥

ألف شيخ. وقال وكيع: ما بقي أحد أحفظ لحديثٍ طويلٍ من أبي داود. فبلغه ذلك فقال: ولا قصير. وقال ابن المديني: ما رأيت أحفظ منه. وقال عمر شبّة: كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديث. مات سنة ٢٠٤ وكان من أبناء الثمانينرحمه‌الله تعالى »(١). .

٣ - اليافعي: « الإِمام أبو داود الطيالسي سليمان بن داود البصري الحافظ صاحب المسند »(٢) .

٤ - وقال ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ) بترجمته: « قال يحيى بن معين وابن المديني والفلّاس ووكيع وغيرهم من علماء الرجال بعدالته، ووثّقوه التوثيق البالغ. والحق أنّه كان كذلك ».

فمن العجيب حكمه ببطلان حديثٍ يرويه هذا العدل الثقة المجمع عليه.

تنصيص ابن عبد البرّ على صحة هذا السند

وأمّا صحّة سند رواية أبي داود الطّيالسي فقد نصّ عليها الحافظ ابن عبد البرّ، فإنّه قال:

« روى أبو داود الطيالسي: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: أنت ولي كلّ مؤمن من بعدي.

وبه عن ابن عباس إنّه قال: أوّل من صلّى مع النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - بعد خديجة علي بن أبي طالب عمّنا. حدّثنا عبد الوارث بن سفيان،

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٥٢.

(٢). مرآة الجنان. حوادث ٢٠٤.

٥٦

حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدّثنا الحسن بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: كان علي أوّل من آمن بالله من الناس بعد خديجة.

قال أبو عمر: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحدٍ، لصحته وثقة نقلته »(١). .

فثبت - والحمد لله - أنّ سند هذا الحديث صحيح ولا مطعن فيه من جهةٍ من جهاته لأحدٍ. وقد أكّد ذلك بقوله: « لصحّته » و « ثقة نقلته ».

ومن هذه العبارة يظهر قيام الإِجماع على وثاقة رجال هذا السّند، فيكون الحديث الشريف برواية الطيالسي مجمعاً على صحّته.

فأين هذا ممّا زعمه ( الدهلوي )؟!.

ترجمة ابن عبد البرّ

ولنذكر طرفاً من فضائل الحافظ ابن عبد البرّ لتعرف قيمة كلمته هذه:

١ - السمعاني: « أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البرّ النمري الأندلسي القرطبي الحافظ. كان إماماً فاضلاً كبيراً جليل القدر، صنّف التّصانيف »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ بن عاصم النمري القرطبي. إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلّق بهما قال القاضي أبو علي ابن سكرة: سمعت القاضي أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البرّ في الحديث. قال الباجي أيضاً: أبو عمر أحفظ أهل المغرب. قال أبو محمّد ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه! وكان موفّقاً في التأليف معاناً عليه ونفع

__________________

(١). الإستيعاب ٣ / ٢٨.

(٢). الأنساب ١٠ / ٩٨.

٥٧

الله به وقد تقدم في ترجمة الخطيب أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الحافظ أنّه كان حافظ المشرق وابن عبد البر حافظ المغرب، وماتا في سنةٍ واحدة، وهما إمامان في هذا الفن »(١) .

٣ - الذهبي: « ابن عبد البرّ الإِمام شيخ الإِسلام حافظ المغرب ساد أهل الزمان في الحفظ والإِتقان وبرع براعةً فاق بها من تقدّمه من رجال الأندلس وكان ديّناً صيّناً ثقةً حجة صاحب سنّة واتّباع قال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر عالم بالقراءات والخلاف، وبعلوم الحديث والرجال، قديم السّماع »(٢) .

٤ - الذهبي أيضاً: « ابن عبد البرّ، الإِمام العلّامة حافظ المغرب شيخ الإِسلام أدرك الكبار وطال عمره، وعلا سنده وتكاثر عليه الطلبة، وجمع وصنّف ووثّق وضعّف، وسارت بتصانيفه الركبان، وخَضَع لعلمه علماء الزمان ممّن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنّفاته بان له منزلته من سعة العلم وقوة الفهم وسيلان الذهن. قال أبو القاسم ابن بشكوال: ابن عبد البرّ إمام عصره وواحد دهره » وذكر كلمات آخرين في حقه(٣). .

٥ - الذهبي أيضاً: « أحد الأعلام وصاحب التصانيف، ليس لأهل المغرب أحفظ منه، مع الثقة والدّين والنزاهة، والتّبحر في الفقه والعربية والأخبار »(٤) .

٦ - أبو الفداء: « كان إمام وقته في الحديث »(٥) .

٧ - اليافعي: « أحد الأعلام وصاحب التصانيف، وعمره خمس وتسعون

__________________

(١). وفيات الأعيان ٧ / ٧١.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١٢٨ - ١١٣٠.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٥٣ - ١٥٧.

(٤). العبر - حوادث ٤٦٣.

(٥). المختصر في أخبار البشر. حوادث ٤٦٣.

٥٨

سنة وخمسة أيام، قيل: وليس لأهل المغرب أحفظ منه مع الثقة والدين والنّزاهة والتبحّر »(١). .

٨ - ابن الشحنة: « الإِمام يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ، صاحب التصانيف المشهورة منها الإِستيعاب »(٢) .

٩ - السيوطي: « ابن عبد البر الحافظ الإِمام حافظ المغرب ساد أهل الزمان في الحفظ والإِتقان » ثم ذكر بعض الكلمات في الثناء عليه(٣). .

١٠ - ( الدهلوي ) نفسه في ( بستان المحدّثين ) فأثنى عليه الثناء البالغ وقدّمه على الخطيب والبيهقي وابن حزم

تنصيص المزي على صحة هذه السند

والحافظ أبو الحجاج المزي ممّن رأى صحة هذه السند، فقد ذكر بترجمة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : « وروى - يعني ابن عبد البر - بإسناده عن أبي عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: كان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة. وقال: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحدٍ لصحته وثقة نَقَلتِه »(٤) .

ترجمة الحافظ المزي

والمزي أيضاً من كبار الأئمة النّقاد في الحديث والرجال كما في تراجمه:

__________________

(١). مرآة الجنان. حوادث ٤٦٣.

(٢). روضة المناظر. حوادث ٤٦٣.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٤٣١.

(٤). تهذيب الكمال - ترجمة أمير المؤمنين ٢٠ / ٤٨١.

٥٩

١ - الذهبي: « المزّي، شيخنا العالم الحبر، الحافظ الأوحد، محدّث الشام، جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي الكلبي الدمشقي الشافعي، ولد بظاهر حلب سنة ٦٥٤ ونشأ بالمزة وحفظ القرآن، وتفقّه قليلاً ثم أقبل على هذا الشأن وأمّا معرفة الرجال فهو حامل لوائها والقائم بأعبائها، لم تر العيون مثله، عمل كتاب تهذيب الكمال في مائتي جزء وكان ثقة حجة، كثير العلم، حسن الأخلاق، كثير السكوت قليل الكلام جدّاً، صادق اللّهجة »(١). .

٢ - الذهبي أيضاً: « شيخنا الإِمام العلّامة الحافظ الناقد المحقق المفيد محدّث الشام كان عارفاً بالنحو والتصريف، بصيراً باللّغة، له مشاركة في الفقه والاُصول، ويخوض في حقائق المعقول، ويروي الحديث كما في النفس متناً وإسناداً، وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم، ومن رأى تهذيب الكمال علم محلّه من الحفظ، فما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه أعني في معناه، وكان ينطوي على دينٍ وصفاء باطن وتواضع، وفراغ عن الرياسة، وقناعةٍ وحسن سمت وقلّة كلامٍ وكثرة احتمال، وكل أحدٍ محتاج إلى تهذيب الكمال توفي ثاني عشر صفر سنة ٧٤٢ »(٢) .

٣ - الذهبي أيضاً: « الإِمام الأوحد، العالم الحجة المأمون، شرف المحدّثين عمدة النقّاد، شيخنا وكاشف معضلاتنا برع في فنون الحديث ومعانيه ولغاته وفقهه وعلله وصحيحه وسقيمه ورجاله، فلم ير مثله في معناه ولا رأى هو مثل نفسه، مع الإِتقان والحفظ وحسن الخطّ والديانة وحسن الأخلاق والسّمت والحسن، والهدي الصالح، والتصوّن والخير، والإِقتصاد في المعيشة واللباس، والملازمة والاشتغال والسماع، مع العقل التام والرزانة

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٩٨ - ١٤٩٩.

(٢). المعجم المختص: ٢٩٩.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فُلّس ، فإن لم تزد القيمة بالصبغ والزيت أو نقصت ، كان للبائع الرجوعُ في عين ماله ، ولا شي‌ء للمفلس فيه ، وجرى الصبغ هنا مجرى الصفة إذا لم تزد بها قيمة الثوب ، فإنّ الثوب مع الصفة يكون للبائع. وكذا الصبغ هنا.

وإن زادت القيمة ، فإمّا أن تزيد بقدر قيمة الصبغ أو أقلّ أو أكثر.

فالأوّل كما لو كان الثوب يساوي أربعةً ، وكان الصبغ يساوي درهمين وبِيع مصبوغاً بستّة ، فللبائع فسخ البيع في الثوب ، ويكون شريكاً في الصبغ للمفلس ، ويكون الثمن بينهما أثلاثاً.

وقال أحمد : إذا صبغ الثوب أو طحن الحنطة أو نسج الغزل أو قطع الثوب قميصاً ، سقط حقّه من الرجوع(١) .

وفي تقدير تنزيل الشركة للشافعيّة احتمالان :

أحدهما : أن يقال : كلّ الثوب للبائع ، وكلّ الصبغ للمفلس ، كما لو غرس الأرض.

والثاني : أن يقال : بل يشتركان فيهما جميعاً بالأثلاث ؛ لتعذّر التميّز ، كما في خلط الزيت بمثله(٢) .

والوجه عندي : الأوّل.

ولو كانت الزيادة أقلّ من قيمة الصبغ ، كما لو كانت قيمته مصبوغاً خمسةً ، فالنقصان على الصبغ ؛ لأنّه تتفرّق أجزاؤه في الثوب وتهلك في الثوب(٣) والثوب قائم بحاله ، فإذا بِيع ، قُسّم الثمن بينهما أخماساً : أربعة‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٤.

(٣) « في الثوب » لم ترد في « ج ».

١٦١

للبائع ، وواحد للمفلس.

وإن كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ ، كما لو بلغ مصبوغاً ثمانيةً ، فالزائد على القيمتين إنّما زاد بصنعة الصبغ ، فإن قلنا : إنّ الصنعة - كالقصارة ونحوها من الأعمال - أعيان ، فالزائد(١) على الصبغ للمفلس ، فيكون لصاحب الثوب أربعة ، وللمفلس أربعة.

وإن قلنا : إنّها آثار وقلنا : إنّ الآثار تتبع العين للبائع وليس للمفلس منها(٢) شي‌ء ، كان للبائع قيمة الثوب وأُجرة الصبغ ، وذلك ستّة دراهم هي ثلاثة أرباع الثمن ، وللمفلس قيمة صبغه لا غير ، وهو درهمان ربع الثمن ، قاله بعض الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم : نقص الزيادة على الثوب والصبغ حتى يجعل الثمن بينهما أثلاثاً ، فيكون ثلثاه للبائع ، والثلث للمفلس ؛ لأنّ الصنعة اتّصلت بالثوب والصبغ جميعاً(٤) .

والوجه عندي : أنّ الزيادة بأجمعها للمفلس ؛ لأنّها عوض الصبغ والصنعة معاً ، وهُما له لا شي‌ء للبائع فيها.

ولو ارتفعت القيمة بعد الصبغ فبلغت ستّة عشر ، أو وُجد زبون(٥) اشتراه بهذا المبلغ ، ففي كيفيّة القسمة عند الشافعيّة الوجوهُ الثلاثة(٦) ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « فالزيادة ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عنها ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٤.

(٥) زبنتُ الشي‌ء زَبْناً : إذا دفعتُه ، وقيل للمشتري : « زبون » لأنّه يدفع غيره عن أخذ المبيع. وهي كلمة مولّدة ليست من كلام أهل البادية. المصباح المنير : ٢٥١ « زبن ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٤.

١٦٢

والربح على كلّ حال يُقسّم بحسب قيمة الأصل.

فإذا عُرفت قيمة القدر الذي يستحقّه المفلس من الثمن ، فإن شاء البائع تسليمه ليخلص له الثوب مصبوغاً ، فله ذلك.

ومَنَع منه بعضُ الشافعيّة(١) .

ولو فرضنا أنّ المرتفع قيمة الصبغ خاصّةً ، كانت الزيادة بأسرها للمفلس ؛ لأنّ قيمة الثوب لم تزد ، فلا يأخذ البائع منها شيئاً.

مسألة ٣٧٥ : لو اشترى ثوباً من زيد وصبغاً منه أيضاً ثمّ صبغه وفُلّس بعد ذلك ، فللبائع فسخ البيع‌ والرجوع [ فيهما ](٢) معاً ، إلّا أن تكون قيمة الصبغ والثوب معاً بعد الصبغ كقيمة الثوب [ وحده ](٣) قبل الصبغ أو دونها ، فيكون فاقداً للصبغ.

ويُحتمل عندي أنّه يخيّر بين أخذه مصبوغاً ، ولا يرجع بقيمة الصبغ ، وبين الضرب بالثمنين معاً مع الغرماء.

ولو زادت القيمة بأن كانت قيمة الثوب أربعةً وقيمة الصبغ درهمين وقيمة الثوب مصبوغاً ثمانيةً ، فعلى ما تقدّم من الخلاف في أنّ الصناعات هل هي آثار أو أعيان؟ إن قلنا : آثار ، أخذها ، ولا شركة للمفلس. وإن قلنا :

أعيان ، فالمفلس شريك بالربع.

وقد بيّنّا أنّه لا يرجع هنا عندنا للزيادة بالصنعة ، إلّا في الثوب خاصّةً ، فيكون الصبغ والزيادة بأجمعهما للمفلس.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إليهما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وحدها ». والظاهر ما أثبتناه.

١٦٣

مسألة ٣٧٦ : لو اشترى الثوبَ من واحدٍ بأربعة هي قيمته والصبغَ من آخَر بدرهمين هُما قيمته‌ ، وصَبَغه به ثمّ أفلس ، فأراد البائعان الرجوعَ في العينين ، فإن كان الثوب مصبوغاً لا يساوي أكثر من أربعة وكان خاماً يساوي أربعةً أيضاً ، فصاحب الصبغ فاقدٌ ماله ، وصاحب الثوب واجدٌ ماله بكماله إن لم ينقص عن أربعة ، وناقصاً إن نقص. وإن كان خاماً يساوي ثلاثةً ، ومصبوغاً يساوي أربعةً ، كان لصاحب الثوب ثلاثةٌ ، ولصاحب الصبغ درهمٌ واحد.

والشافعيّة لم يفصّلوا بين الصورتين ، بل حكموا حكماً مطلقاً أنّ الثوب إذا كان مصبوغاً يساوي أربعةً لا غير ، فهي لصاحب الثوب ، وصاحبُ الصبغ فاقدٌ. وإن كان الثوب مصبوغاً يساوي أكثر من أربعة ، فصاحب الصبغ أيضاً واجدٌ لماله بكماله إن بلغت الزيادة درهمين ، وناقصاً إن لم تبلغ(١) .

وإن كانت القيمة بعد الصبغ ثمانيةً ، فإن قلنا : الأعمال آثار ، فالشركة بين البائعين ، كما قلنا في البائع والمفلس إذا صبغه بصبغ نفسه ، تفريعاً على هذا القول. وإن قلنا : أعيان ، فنصف الثمن لبائع الثوب ، وربعه لبائع الصبغ ، والربع للمفلس.

مسألة ٣٧٧ : لو اشترى صبغاً فصبغ به ثوباً له ثمّ أفلس‌ ، أو اشترى زيتاً فلتَّ به سويقاً ثمّ أفلس ، فالأولى أنّ لبائع الصبغ والزيت الرجوعَ في عين مالَيْهما - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّهما وجدا عين أموالهما ممتزجين ، فكانا واجدَيْن.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٥.

١٦٤

وقال أحمد : إنّ بائع الصبغ والزيت يضربان بالثمن مع الغرماء ؛ لأنّه لم يجد عين ماله ، فلم يكن له الرجوعُ ، كما لو تلف(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشافعي قال : بائع الصبغ إنّما يرجع في عين الصبغ لو زادت قيمة الثوب مصبوغاً على ما كانت قبل الصبغ ، وإلّا فهو فاقد - وقد بيّنّا ما عندنا فيه - وإذا رجع ، فالشركة بينهما على ما تقدّم(٢) .

واعلم أنّ هذه الأحكام المذكورة في القسمين مفروضة فيما إذا باشر المفلس القصارةَ والصبغَ وما في معناهما بنفسه ، أو استأجر لهما أجيراً ووفّاه الأُجرة قبل التفليس ، فأمّا إذا حصّلهما بأُجرة ولم يوفّه ، فسيأتي.

تذنيب : لو صبغ المشتري الثوب وفُلّس ورجع البائع في عين الثوب وأراد قلع الصبغ عند الإمكان‌ وأن يغرم للمفلس أرش النقصان ، ففي إجابته إلى ذلك إشكال ينشأ : من أنّه إتلاف مال ، فلا يجاب إليه ، ومن مشابهته للبناء والغراس ، وهو قول الشافعي(٣) .

مسألة ٣٧٨ : لو اشترى ثوباً واستأجر قصّاراً يقصره ولم يدفع إليه أُجرته وفُلّس ، فللأجير المضاربة بالأُجرة مع الغرماء.

وقال الشافعي : إن قلنا : القصارة أثر ، فليس للأجير إلّا المضاربة بالأُجرة ، وللبائع الرجوعُ في الثوب المقصور ، ولا شي‌ء عليه لما زاد(٤) .

وليس بجيّد.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ عليه أُجرة القصّار ، وكأنّه استأجره(٥) .

وغلّطه باقي الشافعيّة في ذلك(٦) .

وإن قلنا : إنّها عين ، فإن لم تزد قيمته مقصوراً على ما كان قبل‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٠٣ - ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢١ - ٥٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٥.

(٣ - ٦) العزيز شرح الوجيزة ٥ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٥.

١٦٥

القصارة ، فهو فاقد عين ماله. وإن زادت ، فلكلّ واحدٍ من البائع والأجير الرجوعُ إلى عين ماله ، فإن كانت قيمة الثوب عشرةً ، والأُجرة درهماً ، والثوب المقصور يساوي خمسة عشر ، بِيع بخمسة عشر ، وصُرف منها عشرة إلى البائع ، ودرهمٌ إلى الأجير ، والباقي للغرماء.

ولو كانت الأُجرة خمسة دراهم ، والثوب بعد القصارة يساوي أحد عشر ، فإن فسخ الأجير الإجارة ، فعشرةٌ للبائع ، ودرهمٌ للأجير ، ويضارب مع الغرماء بأربعة. وإن لم يفسخ ، فعشرةٌ للبائع ، ودرهمٌ للمفلس ، ويضارب مع الغرماء بخمسة(١) .

لا يقال : إذا جعلنا القصارة عيناً وزادت بفعله خمسة ، وجب أن يكون الكلّ له ، كما لو زاد المبيع زيادة متّصلة ، فإن كانت أُجرته خمسةً ولم يحصل بفعله إلّا درهمٌ ، وجب أن لا يكون له إلاّ ذلك ؛ لأنّ مَنْ وجد عين ماله ناقصةً ليس له إلاّ القناعة بها ، والمضاربة مع الغرماء.

لأنّا نقول : معلومٌ أنّ القصارة صفة تابعة للثوب ، ولا نعني بقولنا : « القصارة عين » أنّها في الحقيقة تُفرد بالبيع والأخذ والردّ ، كما يُفعل بسائر الأعيان ، ولو كان كذلك ، لجعلنا الغاصب شريكاً للمالك إذا غصب الثوب وقصره ، وليس كذلك إجماعاً ، بخلاف ما إذا صبغه الغاصب ، فإنّه يكون شريكاً بالصبغ ؛ وإنّما المراد أنّها مشبّهة بالأعيان من بعض الوجوه ؛ لأنّ الزيادة الحاصلة بها متقوّمة مقابلة بالعوض ، فكما لا تضيع الأعيان على المفلس لا تضيع الأعمال عليه.

وأمّا بالإضافة إلى الأجير فليست القصارة موردَ الإجارة حتى يرجع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٥ - ٤٠٦.

١٦٦

إليها ، بل مورد الإجارة فعله المحصّل للقصارة ، وذلك الفعل يستحيل الرجوع إليه ، فيجعل الحاصل بفعله - لاختصاصه به - متعلّق حقّه ، كالمرهون في حقّ المرتهن.

[ أو ](١) نقول : هي مملوكة للمفلس مرهونة بحقّ الأجير ، ومعلومٌ أنّ الرهن إذا زادت قيمته على الدَّيْن لا يأخذ المرتهن منه إلّا قدر الدَّيْن ، وإذا نقصت ، لا يتأدّى به جميع الدَّيْن(٢) .

ولو قال الغرماء للقصّار : خُذْ أُجرتك ودَعْنا نكن شركاء صاحب الثوب ، هل يُجبر عليه؟

قال بعض الشافعيّة : يُجبر(٣) . وهو موافق أنّ القصارة مرهونة بحقّه ؛ إذ ليس للمرتهن التمسّك بعين المرهون إذا أُدّي حقّه.

وقال بعضهم : لا يُجبر ؛ قياساً على البائع إذا قدّمه الغرماء بالثمن(٤) .

وهذا القائل كأنّه يُعطي القصارة حكمَ الأعيان من كلّ وجهٍ.

ولو كانت قيمة الثوب عشرةً فاستأجر صبّاغاً فصبغه بصبغٍ قيمته درهمٌ وصارت قيمته مصبوغاً خمسةَ عشر ، فالأربعة الزائدة على القيمتين إن حصلت بصفة الصبغ فهي للمفلس.

وقال الشافعي : هذه الزيادة حصلت بصفة الصبغ ، فيعود فيها القولان في أنّها أثر أو عين؟ فإذا رجع كلّ واحدٍ من الصبّاغ والبائع إلى ماله ، بِيع بخمسة عشر ، وقُسّمت على أحد عشر ، إن جعلناها أثراً ، فللبائع(٥) عشرة ،

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٤.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « للبائع ». والظاهر ما أثبتناه.

١٦٧

وللصبّاغ واحد ؛ لأنّ الزيادة تابعة لمالَيْهما. وإن جعلناها عيناً ، فعشرة منها للبائع ودرهمٌ للصبّاغ ، وأربعة للمفلس يأخذها الغرماء(١) .

ولو بِيع بثلاثين ؛ لارتفاع السوق ، أو للظفر براغب ، قال بعض الشافعيّة : للبائع عشرون ، وللصبّاغ درهمان وللمفلس ثمانية(٢) .

وقال بعضهم : يُقسّم الجميع على أحد عشر ، عشرة للبائع ، وواحد للصبّاغ ، ولا شي‌ء للمشتري(٣) .

فالأوّل بنا ء على أنّها عين ، والثاني على أنّها أثر.

وكذا لو اشترى ثوباً قيمته عشرة واستأجر على قصارته بدرهم وصارت قيمته مقصوراً خمسةَ عشر ثمّ بِيع بثلاثين ، قال بعض الشافعيّة - بناءً على قول العين - : إنّه يتضاعف حقّ كلٍّ منهم ، كما في الصبغ(٤) .

وقال الجويني : ينبغي أن يكون للبائع عشرون ، وللمفلس تسعة ، وللقصّار درهم كما كان ، ولا يضعف حقّه ؛ لأنّ القصارة غير مستحقّة للقصّار ، وإنّما هي مرهونة عنده بحقّه(٥) .

مسألة ٣٧٩ : لو أخفى المديون بعضَ ماله وقصر الظاهر عن الديون فحجر الحاكم عليه‌ ورجع أصحاب الأعيان إليها وقسّم الحاكم الباقي بين الغرماء ثمّ ظهر فعله لم ينقص شي‌ء من ذلك ، فإنّ للقاضي أن يبيع أموال الممتنع المماطل ، وصَرْف الثمن في ديونه.

والرجوع إلى عين المال بامتناع المشتري [ من ](٦) أداء الثمن مختلف‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٤ - ٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٦.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٦.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

١٦٨

فيه ، فإذا اتّصل به حكم الحاكم ، نفذ(١) ، قاله بعض الشافعيّة(٢) .

وتوقّف فيه بعضٌ ؛ لأنّ القاضي ربما لا يعتقد جواز الرجوع بالامتناع ، فكيف يجعل حكمه بناءً على ظنّ آخَر حكماً بالرجوع بالامتناع؟!(٣)

وكلّ مَنْ له الفسخ بالإفلاس لو ترك الفسخ على مال ، لم يثبت المال.

وهل يبطل حقّه من الفسخ إن كان جاهلاً بجوازه ، الأقرب : عدم البطلان.

وللشافعي فيه قولان كما في الردّ بالعيب(٤) .

البحث الخامس : في اللواحق.

مسألة ٣٨٠ : الأقرب عندي أنّ العين لو زادت قيمتها لزيادة السعر ، لم يكن للبائع الرجوعُ فيها‌ ؛ لأنّ الأصل عدم الجواز ، تُرك في محلّ النصّ ، وهو وجدان العين بعينها مع مساواة القيمة الثمن أو نقصها عنه ؛ للإجماع من مجوّزيه ، فبقي الباقي على الأصل ؛ لما في مخالفته من الضرر الحاصل للمفلس والغرماء ، فيكون منفيّاً.

وكذا لو اشترى سلعة بدون ثمن المثل ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لما فيه من الإضرار به بترك المسامحة التي فَعَلها البائع معه أوّلاً.

ولو نقصت قيمتها ؛ لنقص السوق ، لم يُمنع من أخذ عينه.

مسألة ٣٨١ : لو أقرّ الغرماء بأنّ المفلس أعتق عبداً قبل فلسه‌ ، فأنكر‌

____________________

(١) في النسخ الخطيّة والحجريّة بدل « نفذ » : « فقد ». وذلك تصحيف.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠٧.

١٦٩

المفلس ذلك ، فإن شهد منهم عَدْلان ، قُبِل ، وإلّا لم يُقبل قولهم. فإن دفع العبد إليهم ، وجب عليهم قبوله ، أو إبراء ذمّته من قدر ثمنه ، فإذا قبضوه ، عُتق عليهم.

ولو أقرّوا بأنّه أعتق عبده بعد فلسه ، فإن منعنا من عتق المفلس ، فلا أثر لإقرارهم.

وإن جوّزناه ، فهو كإقرارهم بعتقه قبل فلسه ، فإن حكم الحاكم بصحّته أو فساده ، نفذ حكمه على كلّ حال ؛ لأنّه فعلٌ مجتهد فيه ، فيلزم ما حكم به الحاكم ، ولا يجوز نقضه ولا تغييره.

ولو أقرّ المفلس بعتق بعض عبده ، فإن سوّغنا عتق المفلس ، صحّ إقراره به ، وعُتق ؛ لأنّ مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به ، لأنّ الإقرار بالعتق يحصل به العتق ، فكأنّه أعتقه في الحال.

وإن قلنا : لا يصحّ عتقه ، لم يُقبل إقراره ، وكان على الغرماء اليمين أنّهم لا يعلمون عتقه.

وكلّ موضعٍ قلنا : على الغرماء اليمين ، فإنّها على جميعهم ، فإن حلفوا ، أخذوا. وإن نكلوا ، قضي للمدّعي مع اليمين. وإن حلف بعضٌ دون بعضٍ ، أخذ الحالف نصيبه ، وحكم الناكل ما تقدّم.

ولو أقرّ المفلس أنّه أعتق عبده منذ شهر ، وكان بيد العبد كسبٌ اكتسبه بعد ذلك ؛ فأنكر الغرماء ، فإن قلنا : لا يُقبل إقراره ، حلف الغرماء على نفي العلم ، وأخذوا العبد والكسب.

وإن قلنا : يُقبل إقراره مطلقاً ، قُبِل في العتق والكسب ، ولم يكن للغرماء عليه ولا على كسبه سبيل.

وإن قلنا : يُقبل في العتق خاصّةً وأنّه يُقبل عتقه ، قُبِل في العتق ؛

١٧٠

لصحّته منه ، ولبنائه على التغليب والسراية ، ولا يُقبل في المال ؛ لعدم ذلك فيه ، ولأنّا نزّلنا إقراره بالعتق منزلة إعتاقه في الحال ، فلا تثبت له الحُرّيّة فيما مضى ، فيكون كسبه لسيّده ، كما لو أقرّ بعبدٍ ثمّ أقرّ له بعين في يده.

مسألة ٣٨٢ : إذا قبض البائع الثمن وأفلس المشتري ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، كان له الردُّ بالعيب ، والرجوع في العين.

ويُحتمل أن يضرب مع الغرماء بالثمن ؛ لأنّ استحقاقه للعين متأخّر عن الحجر ؛ لأنّه إنّما يستحقّ العين بالرجوع والردّ ، لا بمجرّد العيب.

ولو قبض البائع بعض الثمن والسلعة قائمة وفلّس المشتري ، لم يسقط حقّه من الرجوع ، بل يرجع في قدر ما بقي من الثمن ؛ لأنّه سبب تُرجع به العينُ كلّها إلى العاقد ، فجاز أن يرجع به بعضها ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : إذا قبض من الثمن شيئاً ، سقط حقّه من الرجوع ، وضاربَ بالباقي مع الغرماء - وبه قال أحمد وإسحاق - لما رواه أبو هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أيّما رجل باع سلعته فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قد قبض من ثمنها شيئاً فهي له ، وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أُسوة الغرماء »(١) .

ولأنّ [ في ](٢) الرجوع في قسط ما بقي تبعّضَ الصفقة على المشتري وإضراراً به(٣) ، وليس ذلك للبائع.

لا يقال : لا ضرر على المفلس في ذلك ؛ لأنّ ماله يباع ولا يبقى له ،

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٥٩ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٩ - ٣٠ / ١٠٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجرية : « ببعض إضرار به ». والصحيح ما أثبتناه.

١٧١

فيزول عنه الضرر.

لأنّا نقول : لا يندفع الضرر بالبيع ، فإنّ قيمته تنقص بالتشقيص ، ولا يرغب فيه مشقّصاً إلّا البعضُ ، فيتضرّر المفلس والغرماء بنقص القيمة. ولأنّه سبب يفسخ به البيع ، فلم يجز تشقيصه ، كالردّ بالعيب والخيار. ولا فرق بين كون المبيع عيناً واحدة أو عينين(١) .

وقال مالك : هو مخيّر إن شاء ردّ ما قبضه ، ورجع في جميع العين. وإن شاء حاصّ الغرماء ، ولم يرجع(٢) .

ولا بأس بقول أحمد عندي ؛ لما فيه من التضرّر بالتشقيص.

مسألة ٣٨٣ : لو باعه سلعةً فرهنها المشتري قبل إيفاء الثمن ثمّ أفلس المشتري ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين‌ ؛ لسبق حقّ المرتهن إجماعاً ، وقد سلف(٣) .

فإن كان دَيْن المرتهن دون قيمة الرهن فبِيع كلُّه فقضي منه دَيْن المرتهن ، كان الباقي للغرماء.

وإن بِيع بعضه ، فهل يختصّ البائع بالباقي بقسطه من الثمن؟ الأقوى عندي ذلك - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه عين ماله لم يتعلّق به حقّ غيره.

وقال أحمد : لا يختصّ به البائع ؛ لأنّه لم يجد متاعه بعينه ، فلم يكن له أخذه ، كما لو كان(٥) الدَّيْن مستغرقاً(٦) .‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢ ، المغني ٤ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٩ - ٥١٠.

(٢) بداية المجتهد ٢ : ٢٨٨ ، المغني ٤ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٠.

(٣) في ص ١٠٧ ، المسألة ٣٤٩.

(٤ و ٦) المغني ٤ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٤.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لو لم يكن » بدل « لو كان ». والصحيح ما أثبتناه كما في المغني.

١٧٢

وهو غلط ؛ فإنّ بعض حقّه يكون حقّاً له.

والأصل فيه أنّ تلف بعض العين لا يُسقط حقّ الرجوع عندنا - خلافاً له(١) - فكذا ذهاب بعضها بالبيع.

ولو رهن بعض العين ، كان له الرجوع في الباقي بالقسط.

ومَنَع منه أحمد ؛ لما فيه من التشقيص ، وهو يقتضي الضرر(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ التشقيص حصل من المفلس برهن البعض ، لا من البائع.

أمّا لو باع عينين فرهن إحداهما(٣) ، فإنّه يرجع في العين الأُخرى عندنا وعند أحمد في إحدى الروايتين ، ولا يرجع في الأُخرى(٤) .

ولو فكّ الرهن أو أُبرئ المفلس من دَيْنه ، فللبائع الرجوعُ ؛ لأنّه أدرك متاعه بعينه عند المشتري.

ولا فرق بين أن يفلس المشتري بعد فكّ الرهن أو قبله.

تذنيب : لو رهنه المشتري عند البائع على الثمن ثمّ أفلس المشتري ، تخيّر البائع بين فسخ البيع للإفلاس‌ ، فيأخذ العين ، وبين إمضاء البيع ، فيقدّم(٥) حقّه ، فإن فضل عن الثمن شي‌ء ، كان للغرماء.

وإن كان رهناً عنده على دَين غير الثمن ، تخيّر في فسخ البيع والرهن ، فيأخذ عين ماله ويضرب بالدَّيْن مع باقي الغرماء ، وبين إمضاء‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥١٩ - ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٤.

(٢) المغني ٤ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أحدهما ». والصحيح ما أُثبت.

(٤) المغني ٤ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٤.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « فقدّم ».

١٧٣

البيع والاختصاص في العين المرهونة بقدر الدَّيْن ، ثمّ يشارك الغرماء في الفاضل من العين ، ويضارب بالثمن.

وهل له فسخ البيع فيما قابَل الزائد عن الرهن بقدره من الثمن؟ الأقرب ذلك.

مسألة ٣٨٤ : لو باع عبداً فأفلس المشتري بعد تعلّق أرش الجناية برقبته ، فللبائع الرجوع‌ ؛ لأنّه حقّ لا يمنع تصرّف المشتري فيه ، فلم يمنع الرجوع ، كالدَّيْن في ذمّته ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

والثانية : أنّه ليس للبائع الرجوعُ ؛ لأنّ تعلّق الرهن يمنع الرجوع ، وأرش الجناية مقدّم على حقّ المرتهن ، فهو أولى أن يمنع(١) .

والفرق بينه وبين الرهن ظاهر ؛ فإنّ الرهن يمنع تصرّف المشتري فيه.

فعلى قوله بعدم الرجوع فحكمه حكم الرهن. وعلى قولنا بالرجوع تخيّر إن شاء رجع فيه ناقصاً بأرش الجناية ، وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء.

وإن أُبرئ الغريم من الجناية ، فللبائع الرجوعُ فيه عندنا وعنده(٢) ؛ لأنّه قد وجد عين ماله خالياً من تعلّق حقّ غيره به.

مسألة ٣٨٥ : لو كان المبيع شقصاً مشفوعاً ، فالشفيع أحقّ من البائع إذا أفلس المشتري‌ ؛ لأنّ حقّه أسبق ؛ لأنّ حقّ البائع يثبت بالحجر ، وحقّ الشفيع بالبيع ، والثاني أسبق. ولأنّ حقّه آكد ؛ لأنّه يأخذ الشقص من المشتري وممّن نقله إليه ، وحقّ البائع إنّما يتعلّق بالعين ما دامت في يد‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٥.

١٧٤

المشتري ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ البائع أحقّ ؛ للخبر. ولأنّه إذا رجع فيه ، عاد الشقص إليه ، فزال الضرر عن الشفيع ؛ لأنّه عاد كما كان قبل البيع ، ولم تتجدّد شركة غيره(١) .

وهذان الوجهان للحنابلة(٢) أيضاً.

وللشافعيّة وجهٌ ثالث : أنّ الثمن يؤخذ من الشفيع ، فيختصّ به البائع ؛ جمعاً بين الحقّين ، فإنّ غرض الشفيع [ في ](٣) عين الشقص المشفوع ، وغرض البائع في ثمنه ، ويحصل الغرضان بما قلناه(٤) .

ويشكل بأنّ حقّ البائع إنّما يثبت في العين ، فإذا صار الأمر إلى وجوب الثمن ، تعلّق بذمّته ، فساوى الغرماء فيه.

وللحنابلة وجهٌ ثالث غير ما ذكروه من الوجهين ، وهو أنّ الشفيع إن كان قد طالَب بالشفعة ، فهو أحقّ ؛ لأنّ حقّه آكد وقد تأكّد بالمطالبة. وإن لم يكن طالَب بها ، فالبائع أولى(٥) .

مسألة ٣٨٦ : لو باع صيداً فأفلس المشتري وكان البائع حلالاً في الحرم والصيد في الحلّ ، فللبائع الرجوعُ فيه‌ ؛ لأنّ الحرم إنّما يُحرّم الصيد الذي فيه ، وهذا ليس من صيده فلا يُحرّمه.

ولو أفلس الـمُحْرم وفي ملكه صيد وكان البائع حلالاً ، كان له أخذه ؛

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٩ ، المغني ٤ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٥.

(٢) المغني ٤ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٤.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني والشرح الكبير لأجل السياق.

(٤) نفس المصادر في الهامش (١)

(٥) المغني ٤ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٤ - ٥١٥.

١٧٥

لانتفاء المانع عن البائع.

مسألة ٣٨٧ : لو اشترى طعاماً نسيئةً ونظر إليه وقلّبه وقال : أقبضه غداً ، فمات البائع وعليه دَيْنٌ ، فالطعام للمشتري‌ ، ويتبعه الغرماء بالثمن وإن كان رخيصاً - وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق(١) - لأنّ الملك يثبت للمشتري فيه بالشراء ، وقد زال ملك البائع عنه ، فلم يشارك الغرماء المشتري فيه ، كما لو قبضه.

مسألة ٣٨٨ : رجوع البائع في المبيع فسخٌ للبيع لا يفتقر إلى شروط البيع‌ ، فيجوز الرجوع مع عدم المعرفة بالمبيع ومع عدم القدرة عليه ومع اشتباهه بغيره ، فلو كان المبيع غائباً وأفلس المشتري ، كان للبائع فسخ البيع ، ويملك المبيع ، سواء مضت مدّة يتغيّر فيها المبيع قطعاً أو لا.

ثمّ إن وجده البائع على حاله لم يتلف منه شي‌ء ، صحّ رجوعه.

وإن تلف منه شي‌ء ، فكذلك عندنا ، وعند أحمد يبطل رجوعه ؛ لفوات شرط الرجوع عنده(٢) .

ولو رجع في العبد بعد إباقه وفي الجمل بعد شروده ، صحّ ، وصار ذلك له ، فإن قدر عليه ، أخذه ، وإن تلف ، كان من ماله.

ولو ظهر أنّه كان تالفاً حال الاسترجاع ، بطل الرجوع ، وكان له أن يضرب مع الغرماء في الموجود من ماله.

ولو رجع في المبيع واشتبه بغيره ، فقال البائع : هذا هو المبيع ، وقال المفلس : بل هذا ، فالقول قول المفلس ؛ لأنّه منكر لاستحقاق ما ادّعاه البائع ، والأصل معه ، والغرماء كالمفلس.

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٤.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٨ و ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١ و ٥١٢.

١٧٦

مسألة ٣٨٩ : لو كان عليه ديون حالّة ومؤجَّلة ، فقد قلنا : إنّ المؤجَّلة لا تحلّ بالحجر عليه‌ ، فإذا كانت أمواله تقصر عن الحالّة فطلبوا القسمة ، قُسّم ماله عليها خاصّةً ، فإن تأخّرت القسمة حتى حلّت المؤجَّلة ، شارك الغرماء ، كما لو تجدّد على المفلس دَيْنٌ بجنايةٍ.

ولو حلّ الدَّيْن بعد قسمة بعض المال ، شاركهم في الباقي ، وضرب بجميع ماله ، وضرب باقي الغرماء ببقيّة ديونهم. ولو مات وعليه دَيْنٌ مؤجَّل ، حلّ أجل الدَّيْن عليه. وسيأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ٣٩٠ : قد ذكرنا أنّ المفلس محجور عليه في التصرّفات الماليّة ، فلو أعتق بعض عبده ، لم ينفذ عتقه - وبه قال مالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّه تبرّع ، وهو ممنوع منه بحقّ الغرماء ، فلم ينفذ عتقه ، كالمريض المستغرق دَيْنُه مالَه. ولأنّه محجور عليه ، فلم ينفذ عتقه ، كالسفيه.

وقال أبو يوسف وأحمد - في الرواية الأُخرى - وإسحاق : إنّه ينفذ عتقه ؛ لأنّه مالك رشيد ، فينفذ ، كما قبل الحجر ، بخلاف سائر التصرّفات ؛ لأنّ للعتق تغليباً وسرايةً(٢) .

والفرق بين ما بعد الحجر وقبله ظاهر ؛ لتعلّق حقّ الغرماء في الثاني ، دون الأوّل ، وتعلّق حقّ الغير يمنع من نفوذ العتق ، كالرهن ، والسراية من شرطها الإيسار حتى يؤخذ منه قيمة نصيب شريكه ولا يتضرّر ، ولو كان معسراً ، لم ينفذ عتقه ، إلّا في ملكه ؛ صيانةً لحقّ الغير وحفظاً له عن الضياع ، فكذا هنا.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٥٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٢.

١٧٧

مسألة ٣٩١ : لو جنى المفلس بعد الحجر جنايةً أوجبت مالاً ، شارك المجنيّ عليه الغرماء‌ ؛ لأنّ حقّ المجنيّ عليه ثبت(١) بغير اختياره.

ولو كانت الجناية موجبةً للقصاص فعفا صاحبها عنها إلى مالٍ ، أو صالحه المفلس على مالٍ ، قال أحمد : شارك الغرماء ؛ لأنّ سببه يثبت بغير اختياره ، فأشبه ما لو أوجبت المال(٢) .

ويحتمل عندي أنّه لا يشارك ؛ لأنّ الجناية موجَبُها القصاص ، وإنّما يثبت المال صلحاً ، وهو متأخّر عن الحجر ، فلا يشارك الغرماء ، كما لو استدان بعد الحجر.

لا يقال : لِمَ لا قُدّم حقّ المجنيّ عليه على سائر الغرماء ، كما لو جنى عبد المفلس ، فإنّ حقّ المجنيّ عليه مقدّم هنا؟

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ فإنّ المجنيّ عليه في صورة العبد تعلّق حقّه بعين العبد ، وهنا تعلّق حقّه بالذمّة ، فكان كغيره من الغرماء.

مسألة ٣٩٢ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز أن يباع على المفلس مسكنه ولا خادمه إن كان من أهله‌ ، سواء كان المسكن والخادم - اللّذان لا يستغنى عنهما - عين مال بعض الغرماء أو كان جميع أمواله أعيان أموالٍ أفلس بأثمانها ، ووجدها أصحابها ، أو لا.

وقال أحمد : إن كان المسكن والخادم عين مال بعض الغرماء ، كان له أخذهما ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه عند رجل بعينه قد أفلس فهو أحقّ به »(٣) .

____________________

(١) في « ث » والطبعة الحجريّة : « يثبت ».

(٢) المغني ٤ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٢ - ٥٠٣.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٩٢ ، الهامش (١)

١٧٨

ولأنّ حقّه تعلّق بالعين ، فكان أقوى سبباً من المفلس. ولأنّ منعهم من أخذ أعيان أموالهم يفتح باب الحيل بأن يشتري مَنْ لا مال له في ذمّته ثياباً يلبسها وداراً يسكنها وخادماً يخدمه وفرساً يركبها وطعاماً له ولعياله ويمتنع على أربابها أخذها ؛ لتعلّق حاجته بها ، فتضيع أموالهم ، ويستغني هو [ بها ](١) (٢) .

والحديث ليس على إطلاقه ؛ لأنّه مشروط - إجماعاً - بشرائط مذكورة ، فخرج عن الاحتجاج به في صورة النزاع ؛ لأنّ شرط الأخذ عندنا أن لا يكون ممّا يحتاج إليه المفلس في ضروريّات معاشه ، ولعموم الأخبار الدالّة على المنع من بيع المسكن ، وقد ذكرنا بعضها في باب الدَّيْن(٣) ، وحقّ المفلس تعلّق أيضاً بالعين حيث لا سواها ، والتفريط في الحِيَل المذكورة من البائع ، لا من المفلس.

ولو كان للمفلس صنعة تكفيه لمؤونته وما يجب عليه لعياله ، أو كان يقدر على تكسّب ذلك ، لم يُترك له شي‌ء. وإن لم يكن له شي‌ء من ذلك ، تُرك له قوت يوم القسمة وما قبله من يوم الحجر ، ولا يُترك له أزيد من ذلك ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

وفي الثانية : يُترك له ما يقوم به معاشه(٤) .

وليس بجيّد.

إذا عرفت هذا ، فينبغي أن يُترك له النفقة إلى يوم القسمة ويوم‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) المغني ٤ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٧.

(٣) راجع ج ١٣ ، ص ١٤ ، المسألة ١١ ، وص ١٦ ، المسألة ١٣.

(٤) المغني ٤ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٩.

١٧٩

القسمة أيضاً ، ويجعل ذلك ممّا لا يتعلّق به حقّ بعضهم ؛ لأنّ مَنْ تعلّق حقّه بالعين أقوى سبباً من غيره.

ولو تعلّقت حقوق الجميع بالأعيان ، قُسّط بينهم بالنسبة.

مسألة ٣٩٣ : لا يجب على المفلس التكسّب ، وقد تقدّم‌(١) ، فلا يُجبر على قبول هديّة ولا صدقة ولا وصيّة ولا قرض ، ولا تُجبر المرأة على أخذ مهرها من الزوج ؛ لما في ذلك من المنّة والتضرّر لو قهرت الزوج على أخذ المهر إن خافت من ذلك ، وإلاّ أُخذ منه ، ولا تُجبر على النكاح لتأخذ مهرها ؛ لما في النكاح من وجوب حقوقٍ عليها.

مسألة ٣٩٤ : لو اشترى حَبّاً فزرعه واشترى ماءً فسقاه فنبت ثمّ أفلس‌ فإنّهما(٢) يضربان بثمن الحَبّ والماء مع الغرماء ، ولا يرجعان في الزرع ؛ لأنّ عين مالهما غير موجودة فيه ، كما لو اشترى طعاماً فأطعمه عبده حتى كبر ، فإنّه لا حقّ له في العين ، ولأنّ نصيب الماء منه غير معلومٍ لأحدٍ من الناس.

وكذا لو اشترى بيضةً وتركها تحت دجاجة حتى صارت فرخاً ثمّ أعسر ، لم يرجع بائع البيضة في الفرخ ؛ لأنّ عينها غير موجودة.

وللشافعي وجهان(٣) .

مسألة ٣٩٥ : إذا باع أمين الحاكم عيناً للمفلس ، فتلف الثمن في يده‌

____________________

(١) في ص ٦٠ ، المسألة ٣٠٩.

(٢) أي : بائعا الحَبّ والماء.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٢ و ٢٨٣ ، الوسيط ٤ : ٢٧ - ٢٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ - ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510