تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 417647 / تحميل: 5437
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

كافية لوجوب قبول حديث الولاية المخرج في المسند، ووافية بالردّ على من طعن فيه

وقال ابن الجوزي في ( كتاب الموضوعات ): « فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإِسلام: كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، ونحوها، فانظر فيه، فإن كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب أمره، وإن ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال إسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين، فإنّك تعرف وجه القدح فيه »(١). .

وفي هذه العبارة عدّ المسند من دواوين الإسلام، وذكره في عداد الموطأ والصحيحين وغيرها من الكتب غير المحتاج إلى نظر والتأمّل في أسانيد أخبارها

اعتماد أبناء روزبهان وتيمية وحجر على ابن الجوزي

فهذا حكم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ولكم اعتمد أمثال أبناء تيميّة وروزبهان وحجر على أحكام ابن الجوزي في كتابه المذكور، خاصّةً في باب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البيت وكذلك صاحب الصواقع و ( الدهلوي ) وأتباعهما ولنذكر نبذة من موارد اعتماد القوم على آراء ابن الجوزي:

قال أبو المؤيد الخوارزمي في أوائل كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ): « والدليل على ما ذكرنا أن التعديل متى ترجّح على الجرح يجعل الجرح كأن لم يكن، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق ».

__________________

(١). الموضوعات ١ / ٩٩.

١٠١

وقال ابن الوزير الصنعاني - في الاُمور الدالة على عدم جواز تكفير أحمد بسبب الإِعتقاد بالتشبيه -: « ومنها - إنّه قد ثبت بالتواتر أنّ الحافظ ابن الجوزي من أئمّة الحنابلة وليس في ذلك نزاع، ولا شك أن تصانيفه في المواعظ وتواليفه في الرقائق مدرس فضلائهم وتحفة علمائهم، فبها يتواعظون ويخطبون، وعليها في جميع أحوالهم يعتمدون، وقد ذكر ابن الجوزي في كتبه هذه ما يقتضي نزاهتهم عن هذه العقيدة، وأنا أورد من كلامه في ذلك »(١). .

وقال ابن حجر المكي - بعد حديث أنا مدينة العلم -: « وقد اضطرب الناس في هذا الحديث، فجماعة منهم ابن الجوزي والنووي وناهيك بهما معرفةً بالحديث وطرقه »(٢). .

وقال ( الدهلوي ) في جواب حديث أنا مدينة العلم: « وذكره ابن الجوزي في الموضوعات».

وقال ابن روزبهان - في بحث حديث النور -: « ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات »(٣). .

وقال ابن تيمية في حديث: « أنت أخي ووصيي »: « قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الموضوعات »(٤). .

ثناء ابن خلكان على ابن الجوزي

وأثنى ابن خلكان على ابن الجوزي وبالغ في إطرائه حيث ترجمه، وهذه خلاصتها:

__________________

(١). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٢). الصواعق المحرقة: ١٨٩.

(٣). إبطال الباطل - مخطوط.

(٤). منهاج السنّة ٤ / ٩٥.

١٠٢

« أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي الفقيه الحنبلي، الواعظ الملقب جمال الدين، الحافظ، كان علّامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنف في فنون عديدة منها فكتبه أكثر من أن تعد، وكتب بخطّه شيئاً كثيراً وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة ٥٩٧ ببغداد، ودفن بباب حرب »(١). .

ثناء الذهبي على ابن الجوزي

وكذلك الذهبي حيث قال:

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق المفسّر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم حدّث عنه: ابنه الصاحب محيي الدين، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي، والحافظ عبد الغني، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل والتقي البلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وخلق سواهم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنف هذا الرجل حصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط »(٢). .

ثناء السيوطي على ابن الجوزي

والسيوطي أيضاً أثنى عليه كذلك، قال:

__________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ١٤٠.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٤٢.

١٠٣

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق، جمال الدين أبو الفرج صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنّف، وحصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط. قيل: إنّه حضره في بعض المجالس مائة ألف، وحضره ملوك ووزراء وخلفاء، وقال: كتبت بإصبعي ألف مجلّد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفاً »(١). .

كلام ابن الوزير في مدح المسند

وقال محمّد بن إبراهيم الصّنعاني المعروف بابن الوزير - بعد ذكر عبارة ابن دحية حول استشهاد الإِمام الحسين بن عليعليهما‌السلام -: « وفيما ذكره ابن دحية اُوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السنّة فيما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التشيع ليزيد وتصويب قتله الحسين. كيف؟ وهذه رواياتهم مفصحة بضد ذلك كما بيّناه، في مسند أحمد، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وأمثالها.

وهذه الكتب هي مفزعهم وإلى ما فيها مرجعهم، وهي التي يخضعون لنصوصها ويقصرون التعظيم عليها بخصوصها »(٢). .

وعليه، فمسند أحمد مفزع المحدّثين وإليه مرجعهم وهم خاضعون لنصوصه والأحاديث المروية فيه فويل ( للدهلوي ) المقلّد ( للكابلي ) التابع ( لابن تيمية ) هؤلاء الذين أبطلوا حديث الولاية المخرّج في ( المسند ) و ( جامع الترمذي ) وأمثالهما فإنّهم خرجوا عن طريقة المحدّثين،

__________________

(١). طبقات الحفّاظ: ٤٨٠.

(٢). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

١٠٤

وشقّوا عصا المجمعين، وخالفوا سنّة رسول ربّ العالمين.

كلام أبي مهدي المغربي في مدح المسند

وقال أبو مهدي عيسى بن محمّد المغربي - وهو أحد المشايخ السبعة الذين يفتخر شاه ولي الله الدهلوي باتّصال أسناده إليهم - في مدح كتاب ( المسند ) ما نصّه:

« وألّف مسنده، وهو أصل من اُصول هذه الاُمة، جمع فيه ما لم يتّفق لغيره وله التصانيف الفائقة، فمنها المسند، وهو ثلاثون ألفاً وبزيادة ابنه عبد الله أربعون ألف حديث وقال فيه - وقد جمع أولاده وقرأه عليهم -: هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فارجعوا إليه، فإنْ وجدتموه فيه وإلّا ليس بحجة »(١). .

كلام عبد الحق الدهلوي في مدح المسند

وقال الشيخ عبد الحقّ الدّهلوي في وصف المسند:

« ومسند الإِمام أحمد معروف بين الناس، جمع فيه أكثر من ثلاثين ألف حديث، وكان كتابه في زمانه أعلى وأرفع وأجمع الكتب »(٢). .

__________________

(١). مقاليد الأسانيد - ترجمة أحمد بن حنبل

(٢). رجال المشكاة - ترجمة أحمد بن حنبل

١٠٥

كلام ولي الله الدهلوي في مدح المسند

وقال عبد الرحيم الدهلوي والد ( الدهلوي ): « الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها، كان مصنّفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث، لم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، فتلقاها من بعدهم بالقبول واعتنى بها المحدّثون والفقهاء طبقة بعد طبقةً، واشتهرت فيما بين الناس وتعلّق بها القوم شرحا لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباطا لفقهها، وعلى تلك الأحاديث بناء عامّة العلوم، كسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي. وهذه الكتب مع الطبقة الاُولى اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصّحاح، وابن الأثير في جامع الأصول.

وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإن الإِمام أحمد جعله أصلاً يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه »(١). .

كلام ( الدهلوي ) في مدح المسند

و ( الدهلوي ) نفسه مدح المسند كذلك، ونقل حكاية جمع أحمد أولاده وقراءته عليهم المسند وما قال لهم في وصفه(٢). .

__________________

(١). حجّة الله البالغة - طبقات كتب الحديث.

(٢). بستان المحدّثين - ترجمة أحمد

١٠٦

(٤)

رواية الترمذي

وأخرج الترمذي حديث الولاية في صحيحه قائلاً:

« حدّثنا قتيبة بن سعيد، نا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلّموا على النبيّ، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ثم قام الثاني، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إن علياً منّي وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمنٍ من بعدي.

هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث جعفر بن سليمان »(١). .

__________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٢.

١٠٧

وثاقة رجال الإِسناد

ورجال هذا السند كلّهم ثقات بلا كلام:

١ - الترمذي

أما الترمذي نفسه، فغني عن التعريف، وإنْ شئت الوقوف على طرفٍ من كلماتهم في مدحه والثناء عليه وتوثيقه والإِستناد إليه، فراجع الكتب الرجاليّة وغيرها، مثل:

١ - سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٠.

٢ - تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٣٣.

٣ - الوافي بالوفيات ٤ / ٢٩٤.

٤ - تهذيب التهذيب ٩ / ٣٨٧.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ٦٦.

٦ - العبر ٢ / ٦٢.

٧ - النجوم الزاهرة ٣ / ٨٨.

٨ - طبقات الحفّاظ: ٢٧٨.

٩ - وفيات الأعيان ٤ / ٢٧٨.

١٠ - شذرات الذهب ٢ / ١٧٤.

١١ - مرآة الجنان ٢ / ١٩٣.

١٢ - الكامل في التاريخ ٧ / ١٥٢.

١٣ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ٥٩.

١٤ - اللباب في الأنساب ١ / ١٧٤.

١٠٨

٢ - قتيبة بن سعيد

وأما قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، فهو محدّث جليل القدر، روى عنه الشيخان وغيرهما:

السمعاني: « قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله البغلاني، المحدّث المشهور في الشرق والغرب، له رحلة إلى: العراق، والحجاز، والشام، وديار مصر، وعمّر العمر الطويل حتى كتب عنه البطون، ورحل إليه أئمة الدنيا من الأمصار.

سمع مالك بن أنس، والليث، وأقرانهما.

روى عنه الأئمّة الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو عيسى، وأبو عبد الرحمن، ومن لا يحصى كثرة »(١). .

الذهبي: « قال أبو بكر الأثرم: وسمعته - يعني أحمد بن حنبل - ذكر قتيبة فأثنى عليه وقال: هو آخر من سمع من ابن لهيعة. وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة. زاد النسائي: صدوق. وقال أبو داود: قدم قتيبة بغداد سنة ١٦ فجاء، أحمد ويحيى، وقال ابن خراش: صدوق وقال عبد الله بن محمّد بن سيّار الفرهاني: قتيبة صدوق ليس أحد من الكبار إلّا وقد حمل عنه بالعراق »(٢). .

٣ - جعفر بن سليمان

٤ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - البغلاني ٢ / ٢٥٧.

(٢). تذهيب تهذيب الكمال - مخطوط

١٠٩

٥ - مطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفتهم سابقاً فلا نكرّر

(٥)

رواية النسائي

ورواه أبو عبد الرحمن النسائي بإسناده قائلاً:

« ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا جعفر - يعني ابن سليمان - عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ».

« ثنا واصل بن عبد الأعلى، عن ابن فضيل، عن الأجلح، عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن مع خالد ابن الوليد وبعث علياً على آخر، وقال: إن التقيتما فعليّ على الناس، وإن تفرّقتما فكل واحدٍ منكما على جنده، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، وظفر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - وأمرني أن أنال منه. قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي، فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجلٍ وألزمتني بطاعته فبلّغت ما اُرسلت به. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لي:

لا تقعنَّ يا بريدة في علي، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي »(١). .

وثاقة رجال السند

هذا، وقد روى النسائي في هذا الحديث بطريقين، أوّلهما هو عين سند

__________________

(١). خصائص علي بن أبي طالب: ٧٥.

١١٠

الترمذي المتقدّم الذي عرفت وثاقة رجاله فلا حاجة إلى الإِعادة.

ترجمة النسائي

والنسائي نفسه، وإنْ كان غنياً عن التّعريف، لإِجماع القوم على توثيقه والثناء عليه وعلى كتبه وعلومه حتى أنّ الدار قطني قدّمه على جميع محدّثي زمانه كما في ( تذكرة الحفّاظ )، وقال الذهبي ووالد السبكي: بأنّه أحفظ من مسلم بن الحجاج كما في ( مقاليد الأسانيد ) ولكن لا بأس بإيراد بعض الكلمات في حقّه عن كتاب تذكرة الحفّاظ للذهبي باختصار:

« النسائي، الحافظ الإِمام، شيخ الإِسلام، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب برع في هذا الشأن وتفرّد بالمعرفة والإِتقان وعلوّ الإِسناد قال حافظ خراسان أبو علي النيسابوري: ثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي. قال أحمد بن نصر أبو طالب الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ قال الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. وقال محمّد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار قال الدار قطني: كان أبو بكر الشافعي كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النسائي وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله وكانت وفاته في شعبان سنة ٣٠٣. وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال. قال أبو سعيد بن يونس في تاريخه: كان النسائي إماماً حافظاً ثبتاً »(١). .

وإنْ شئت المزيد فراجع:

وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٨.

١١١

الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

مرآة الجنان ٢ / ٢٤٠.

طبقات الشّافعية للسبكي ٣ / ١٤.

طبقات الحفّاظ: ٣٠٣.

وغيرها من كتب التاريخ والرجال

اعتبار كتاب الخصائص

وكتاب ( خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ) للنسائي من أنفس الكتب وأجلّها وأشهرها ألّفه النسائي لمـّا دخل دمشق ووجد المنحرف بها عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيراً

وقد اعتمد علماء أهل السنّة على هذا الكتاب ونقلوا عنه، كما أنّ غير واحدٍ منهم ذكروه في بحوثهم مستشهدين به على ولاء أهل السنّة لأهل البيتعليهم‌السلام كما أنّا قد بيّنا في بعض المجلّدات السّابقة - وعلى ضوء كلمات القوم - أن ( خصائص أمير المؤمنين ) للحافظ النسائي إنّما هو قطعة من ( سننه ) الكبير، فتكون الأحاديث الواردة فيه من أحد ( الصحّاح الستّة ) عندهم.

١١٢

(٦)

رواية الحسن بن سفيان النسوي

ورواه الحسن بن سفيان النسوي البالوزي، كما جاء في كتاب الوصابي اليمني حيث روى:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والحسن بن سفيان في فوائده، وأبو نعيم في فضائل الصحابة »(١). .

ترجمة الحسن بن سفيان

والحسن بن سفيان من أكابر المحدّثين الثقات كما يظهر من ترجمته:

١ - السمعاني: « البالوزي - بفتح الباء الموحّدة بعدها الألف واللّام والواو وفي آخرها الزاء - هذه النسبة إلى بالوز، وهي قرية من قرى نسا على ثلاث أو أربع فراسخ منها.

خرجت إليها لزيارة قبر أبي العباس الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء الشيباني البالوزي النسوي من قرية بالوز.

كان محدّث خراسان في عصره، وكان مقدّماً في الفقه والعلم والأدب، وله الرحلة إلى: العراق، والشام، ومصر، والكوفة وصنّف: المسند

__________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب - مخطوط.

١١٣

الكبير، والجامع، والمعجم. وهو الرّاوية بخراسان لمصنفات الأئمة وكانت إليه الرحلة بخراسان من أقطار الأرض. سمع منه: أبو حاتم محمّد بن حبان البستي، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ، وإمام الأئمة أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة ومات في سنة ٣٠٣ وقبره بقرية بالوز مشهور يزار، زرته »(١). .

٢ - الذهبي: « الحسن بن سفيان بن عامر، الحافظ الإِمام، شيخ خراسان قال الحاكم: كان محدّث خراسان في عصره، متقدّماً في التثبّت والكثرة والفهم والفقه والأدب. وقال ابن حبان: كان الحسن ممّن رحل وصنّف وحدّث على تيقّظ، مع صحة الديانة والصلابة في السنّة. وقال أبو بكر أحمد ابن الرازي الحافظ: ليس للحسن في الدنيا نظير »(٢). .

وكذلك ترجم له السبكي وابن قاضي شهبة في ( طبقاتهما ) والسيوطي في ( طبقات الحفّاظ ) حيث ذكروا كلمة الحاكم وغيره في مدحه، ووصفوه بالحفظ والأمامة والتثبّت، وكذلك تجد ترجمته في غيرها من الكتب.

(٧)

رواية أبي يعلى الموصلي

ورواه أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي حيث قال:

« حدّثنا عبيد الله، ثنا جعفر بن سليمان، نا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -

__________________

(١). الأنساب - البالوزي ٢ / ٥٨.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٣.

١١٤

سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، قال: فمضى على السرية. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ أو من غزوةٍ أتوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قبل أنْ يأتوا منازلهم، فأخبروه بمسيرهم. قال: فأصاب علي جاريةً، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إذا قدموا على رسول الله ليخبروا به. قال: فقدمت السرية على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فأخبروه بمسيرهم، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، أصاب علي جاريةً. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

قال: ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله، صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا.

قال: فأقبل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - مغضباً والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ علي منّي فأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

وثاقة رجال الإسناد

ولا يخفى وثاقة رجال هذا السند:

١ - عبيد الله القواريري

أمّا عبيد الله، فهو عبيد الله بن عمر القواريري:

__________________

(١). مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ رقم ٣٥٥.

١١٥

السمعاني: « كان ثقةً صدوقاً، مكثراً من الحديث روى عنه: أبو قدامة السرخسي، ومحمّد بن إسحاق الصنعاني، وأبو داود السجستاني، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو القاسم البغوي، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم.

وكان أحمد بن سيّار المروزي يقول: لم أر في جميع من رأيت مثل مسدّد بالبصرة، والقواريري ببغداد، وصدقة بمرو. وثّقه يحيى بن معين وغيره. وقال أبو علي جزرة الحافظ: القواريري. أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة، وما رأيت أحدا أعلم بحديث البصرة منه.

وتوفي في ذي الحجة سنة ٢٣٥ »(١). .

الذهبي: « خ م د س - عبيد الله بن عمر القواريري، أبو سعيد البصري الحافظ. حدّث بمائة ألف حديث. سمع: حماد بن زيد، وأبا عوانة، وخلقا. وعنه: خ م د، والفريابي، والبغوي، وخلق. وكان يذكر مع مسدّد والزهراني. مات في ذي الحجة ٢٣٥ »(٢). .

ابن حجر: « وعنه: البخاري ومسلم وأبو داود قال ابن معين والعجلي والنسائي: ثقة. وقال صالح جزرة: ثقة صدوق قال: وهو أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. وقال أبو حاتم: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. وقال مسلمة بن قاسم: ثقة. وفي الزهرة: روى عنه البخاري خمسة، ومسلم أربعين »(٣). .

٢ - جعفر بن سليمان

٣ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - القواريري

(٢). الكاشف ٢ / ٢٠٣ وانظر العبر ودول الإسلام حوادث سنة ٢٣٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦ وانظر تقريب التهذيب أيضاً ١ / ٥٣٧.

١١٦

٤ - المطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفت وثاقتهم وشيئاً من مناقبهم فيما سبق.

ترجمة أبي يعلى

ولنذكر طرفاً من كلماتهم في الثناء على أبي يعلى الموصلي:

١ - ابن حبّان: « أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي أبو يعلى، من أهل الموصل، من المتقنين في الروايات والمواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعات. مات سنة ٣٠٧ »(١). .

٢ - الذهبي: « أبو يعلى الموصلي، الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة قال يزيد بن محمّد الأزدي: كان أبو يعلى من أهل الصّدق والأمانة والدين والعلم ووثقه ابن حبان ووصفه بالإِتقان والدين ثم قال: وبينه وبين النبيّ ثلاثة أنفس. وقال الحاكم: كنت أرى أبا علي الحافظ معجبا بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه حتى كان لا يخفى عليه منه إلّا اليسير. قال الحاكم: هو ثقة مأمون »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « كان ثقة صالحاً متقناً يحفظ حديثه. توفي وله ٩٧ سنة »(٣). .

٤ - الصفدي: « الحافظ صاحب المسند، سمع جماعةً كباراً، وله تصانيف في الزهد وغيره. غلّقت له الأسواق يوم جنازته. وكانت وفاته سنة ٣٠٧ وكنيته أبو يعلى »(٤). .

__________________

(١). الثقات ٨ / ٥٥.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٣). العبر حوادث ٣٠٧.

(٤). الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

١١٧

وكذلك تجد ترجمته في المصادر الاُخرى، وقد وصفوه جميعاً: بالحافظ الثبت الثقة محدّث الجزيرة صاحب المسند

(٨)

رواية ابن جرير الطبري وتصحيحه

رواه محمد بن جرير الطبري في ( تهذيب الآثار ). فقد ذكر المتّقي ما نصه:

« عن عمران بن حصين: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليها علياً، فغنموا، فصنع علي شيئاً أنكروه. وفي لفظ: فأخذ علي من الغنيمة جاريةً، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفرٍ بدءوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم. فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر أن علياً قد أخذ من الغنيمة جارية؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع. فأقبل إليه رسول الله يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي! علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

ش. وابن جرير وصحّحه »(١). .

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٤٢ رقم ٣٦٤٤٤.

١١٨

ترجمة الطبري

ولابن جرير الطبري في كتب القوم تراجم مفصّلة، نلخص بعضها فيما يلي:

١ - ياقوت الحموي: « قال أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد الطبري: كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه، لجمعه من علوم الإِسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحدٍ من هذه الاُمة، ولا ظهر من كتب المصنّفين وانتشر من كتب المؤلّفين ما انتشر له.

وكان راجحاً في علوم القرآن، والقراءات، وعلم التاريخ من الرسل والخلفاء والملوك، واختلاف الفقهاء، مع الرواية لذلك على ما في كتابه:

البسيط، والتهذيب، وأحكام القراءات، من غير تعويل على المناولات والإجازات ولا على ما قيل في الأقوال، بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة.

وقد بان فضله في علم اللغة والنحو على ما ذكره في كتاب التفسير وكتاب التهذيب مخبراً عن حاله فيه.

وقد كان له قدم في علم الجدل، يدل على ذلك مناقضاته في كتبه على المعارضين لمعاني ما أتى به.

وكان فيه من الزهد والورع والخشوع والأمانة، وتصفية الأعمال وصدق النية وحقائق الأفعال ما دل عليه كتابه في آداب النفوس ».

« كان أبو جعفر يذهب في جلّ مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف وطريق أهل العلم المتمسكين بالسّنن، شديداً على مخالفيهم، ماضياً على منهاجهم، لا تأخذه في ذلك ولا في شيء لومة لائم ».

« كان أبو جعفر يذهب في الإِمامة إلى إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وما عليه أصحاب الحديث في التفضيل، وكان يكفّر من خالفه في كلّ مذهب

١١٩

إذا كانت أدلّة العقول تدفع كالقول في القدر، وقول من كفّر أصحاب رسول الله من الروافض والخوارج، ولا يقبل أخبارهم ولا شهاداتهم، وذكر ذلك في كتابه في الشهادات، وفي الرسالة، وفي أول ذيل المذيّل »(١). .

٢ - السمعاني: « وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدُ من أهل عصره، وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم قال أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمّد بن جرير وتوفي سنة ٣١٠ »(٢). .

٣ - النووي: « هو الإِمام البارع في أنواع العلوم، وهو في طبقة الترمذي والنسائي. قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: إستوطن الطبري بغداد فأقام بها حتى توفي، وكان أحد الأئمة والعلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه »(٣). .

٤ - الذهبي: « الإِمام العلم الفرد الحافظ أبو جعفر الطبري، أحد الأعلام وصاحب التصانيف قال أبو بكر الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة وقال أبو حامد الإسفرائيني: لو سافر رجل إلى الصّين في تحصيل تفسير ابن جرير لم يكن كثيراً قال الفرغاني: بثّ مذهب الشافعي ببغداد سنتين واقتدى به، ثمّ اتّسع علمه وأدّاه اجتهاده إلى ما اختاره في كتبه. وقد عرض عليه القضاء فأبى. قال محمّد بن علي بن سهل الإِمام: سمعت ابن جرير قال: من

__________________

(١). معجم الأدباء ٥ / ٢٥٤ - ٢٦٨.

(٢). الأنساب - الطّبري ٨ / ٢٠٥ - ٢٠٧.

(٣). تهذيب الأسماء واللّغات ١ / ٧٨.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ولو فكّ الحجر عنه قبل تكفيره بالصوم في اليمين ، وحلف النذر ، والظهار والإفطار وغير ذلك ، لزمه العتق إن قدر عليه ؛ لأنّه الآن متمكّن.

ولو فكّ بعد صومه للكفّارة ، لم يلزمه شي‌ء.

* * *

٢٤١

الفصل الرابع : في المتولّي لمال الطفل والمجنون والسفيه‌

مسألة ٤٣٩ : قد بيّنّا أنّه ليس للصغير التصرّف في شي‌ء مّا من الأشياء قبل بلوغه خمس عشرة سنة في الذكر وتسع سنين في الأُنثى‌ ، سواء كان مميّزاً أو لا ، مُدركاً لما يضرّه وينفعه أو لا ، حافظاً لماله أو لا.

وقد روي أنّه « إذا بلغ الطفل عشر سنين بصيراً جازت وصيّته بالمعروف وصدقته وأُقيمت عليه الحدود التامّة »(١) وفي روايةٍ أُخرى : « إذا بلغ خمسة أشبار »(٢) .

والمعتمد ما تقدّم.

ولو أذن له الوليّ ، لم يصح ، إلّا في صورة الاختبار إن قلنا بأنّه قبل البلوغ على ما تقدّم(٣) .

ولو قلنا بالرواية ، نفذ تصرّفه في الوصيّة بالمعروف والصدقة ، وقُبِل إقراره بهما ؛ لأنّ مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به.

وهل يصحّ بيع المميّز وشراؤه بإذن الوليّ؟ الوجه عندي : أنّه لا يصحّ ولا ينفذ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال الشافعي(٤) - لقوله تعالى :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٥) وإنّما يُعرف زوال السفه بالبلوغ‌

____________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨ ( باب وصيّة الغلام والجارية ) ح ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٨.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٧ / ١٠٨٥.

(٣) في ص ٢٢٥ ، المسألة ٤٢١.

(٤) المغني ٤ ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٨ ، الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩ ، المجموع ٩ : ١٥٥ - ١٥٦ و ١٥٨.

(٥) النساء : ٥

٢٤٢

والرشد. ولأنّه غير مكلّف فأشبه غير المميّز. ولأنّ العقل لا يمكن الوقوف عليه على الحدّ الذي يصلح به التصرّف والذي لا يصلح ؛ لخفائه وتزايده إلى وقت البلوغ على التدريج ، والمراتب خفيّة في الغاية ، فجَعَل الشارع له ضابطاً ، وهو البلوغ ، فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنّة.

وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأُخرى : يجوز بيع المميّز وشراؤه وتصرّفه بإذن الوليّ ؛ لقوله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى )(١) أي اختبروهم ليُعلم رشدهم ، وإنّما يتحقّق اختبارهم بتفويض التصرّف إليهم من البيع والشراء وغيرهما ليُعلم هل بلغ حدّ الرشد أم لا؟ ولأنّه عاقل مميّز محجور عليه ، فصحّ تصرّفه بإذن الوليّ ، بخلاف غير المميّز ، فإنّه لا يصلح تحصيل المصلحة بتصرّفه ؛ لعدم تميزه وعدم معرفته ، ولا حاجة إلى اختباره ؛ لأنّه قد عُلم حاله(٢) .

وقد بيّنّا الخلاف في أنّ الاختبار هل هو قبل البلوغ أو بعده؟ فإن قلنا : إنّه بعد البلوغ ، فلا بحث. وإن قلنا : إنّه قبله ، قلنا : المراد المساومة والمماكسة ، فإذا وقف الحال على شي‌ء ، باع الوليّ وباشر العقد بيعاً وشراءً دون الصبي ، وبهذا يحصل الاختبار ، والعقل غير معلوم السمة له ، وإنّما يُعلم بما ضبطه الشارع علامةً عليه ، وهو البلوغ ، كالمشقّة المنوطة بالمسافة.

تذنيب : قال أبو حنيفة : لو تصرّف الصبي المميّز بالبيع والشراء وشبههما ، صحّ تصرّفه‌ ، ويكون موقوفاً على إجازة الوليّ ، وأمّا غير المميّز فلا يصحّ تصرّفه ، سواء أذن الوليّ أو لا ؛ لسلب أهليّته عن مباشرة‌

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

٢٤٣

التصرّفات(١) .

ولا فرق بين الشي‌ء اليسير والكثير في المنع من تصرّف غير المميّز.

وقال أحمد : يصحّ تصرّف غير المميّز في الشي‌ء اليسير ؛ لأنّ أبا الدرداء اشترى عصفوراً من صبي وأرسله(٢) .

وفعله ليس حجّةً ، وجاز أن يكون قد عرف أنّه ليس ملكاً للصبي فاستنقذه منه.

مسألة ٤٤٠ : يثبت الرشد عند الحاكم بشهادة رجلين عَدْلين في الرجال ، وفي النساء أيضاً‌ ؛ لأنّ شهادة الاثنين مناط الأحكام.

ويثبت في النساء بشهادة أربع أيضاً ؛ لأنّه ممّا تطّلع عليه النساء ولا يطّلع عليه الرجال غالباً ، فلو اقتصرنا في ثبوت رشدهنّ على شهادة الرجال ، لزم الحرج والضيق ، وهو منفيّ بالإجماع.

وكذا يثبت بشهادة رجل وامرأتين وبشهادة أربع خناثى ؛ لجواز أن يكون نساءً.

ولا يثبت بتصديق الغريم ، سواء كان ممّن يؤخذ منه الحقّ أو يدفع إليه ؛ لما فيه من التهمة.

مسألة ٤٤١ : الولاية في مال المجنون والطفل للأب والجدّ له وإن علا ، ولا ولاية للأُمّ إجماعاً ، إلّا من بعض الشافعيّة(٣) ، بل إذا فُقد الأب والجدّ وإن علا ، كانت الولاية لوصيّ أحدهما إن وُجد ، فإن لم يوجد ، كانت الولاية للحاكم يتولّاها بنفسه أو يولّيها أميناً.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

(٢) المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٥ ، الوجيز ١ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢.

٢٤٤

ولا ولاية لجدّ الأُمّ ، كما لا ولاية للأُمّ ، ولا لغير الأب والجدّ له من الأعمام والأخوال و(١) غيرهما من الأنساب ، قربوا أم بعدوا.

وقد روي أنّ للأُمّ ولايةَ الإحرام بالصبي(٢) .

والمعتمد ما قلناه.

وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة : إنّ للأُمّ ولايةَ المال بعد الأب والجدّ ، وتُقدّم على وصيّهما ؛ لزيادة شفقتها(٣) .

وهو خارق للإجماع.

مسألة ٤٤٢ : الولاية في مال السفيه للحاكم‌ ، سواء تجدّد السفه عليه بعد بلوغه أو بلغ سفيهاً ؛ لأنّ الحجر يفتقر إلى حكم الحاكم ، وزواله أيضاً يفتقر إليه ، فكان النظر في ماله إليه ، ولا ولاية للأب ولا للجدّ ولا لوصيّهما على السفيه.

وقال أحمد : إن بلغ الصبي سفيهاً ، كانت الولاية للأب أو الجدّ له أو الوصيّ لهما مع عدمهما ، وإلّا فالحاكم(٤) .

ولا بأس به.

إذا عرفت هذا ، فإن كان الأبُ للصبي والجدُّ موجودين ، اشتركا في الولاية ، وكان حكم الجدّ أولى لو عارضه حكم الأب.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « أو » بدل « و».

(٢) راجع التهذيب ٥ : ٦ - ٧ / ١٦ ، والاستبصار ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ / ٤٧٨ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٧٤ / ١٣٣٦ ، وسنن أبي داوُد ٢ : ١٤٢ - ١٤٣ / ١٧٣٦ ، وسنن النسائي ٥ : ١٢٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٥٥.

(٣) راجع المصادر في الهامش (٣) من ص ٢٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٥٧٠ - ٥٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٢ - ٥٦٣.

٢٤٥

الفصل الخامس : في كيفيّة التصرّف‌

مسألة ٤٤٣ : الضابط في تصرّف المتولّي لأموال اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة‌ ، وكون التصرّف على وجه النظر والمصلحة ، فللوليّ أن يتّجر بمال اليتيم ، ويضارب به ويدفعه إلى مَنْ يضارب له به ، ويجعل له نصيباً من الربح ، ويستحبّ له ذلك ، سواء كان الوليّ أباً أو جدّاً له أو وصيّاً أو حاكماً أو أمينَ حاكمٍ ، وبه قال عليّعليه‌السلام وعمر وعائشة والضحّاك(١) .

ولا نعلم فيه خلافاً إلّا ما روي عن الحسن البصري كراهة ذلك ؛ لأنّ خزنه أحفظ وأبعد له من التلف(٢) .

والأصحّ ما ذكرناه ؛ لما رواه العامّة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ ولي يتيماً له مالٌ فليتّجر له ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أسباط بن سالم أنّه قال للصادقعليه‌السلام : كان لي أخ هلك فأوصى إلى أخ أكبر منّي وأدخلني معه في الوصيّة وترك ابناً صغيراً وله مال أفيضرب به للابن فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له ماله؟ فقال : « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به ، وإن لم يكن له مال فلا يعرّض لمال اليتيم »(٤) .

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٩ - ١١٠ / ١ ، المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤ - ٥٦٥.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٧.

٢٤٦

ولأنّ ذلك أنفع لليتيم وأكثر حظّاً له ، لأنّه ينفق من ربحه ، ويستدرك من فائدته ما [ يقلّه ](١) الإنفاق ، كما يفعله البالغون في أموالهم وأموال مَنْ يعزّ عليهم من أولادهم.

مسألة ٤٤٤ : وإذا اتّجر لهم ينبغي أن يتّجر في المواضع الآمنة ، ولا يدفعه إلّا لأمين ، ولا يغرّر بماله.

وقد روي أنّ عائشة أبضعت مال محمّد بن أبي بكر في البحر(٢) .

ويُحتمل أن يكون في موضعٍ مأمون قريب من الساحل ، أو أنّها ضمنته إن هلك غرمته هي ، أو أنّها أخطأت في ذلك فليس فعلها حجّةً.

إذا عرفت هذا ، فإنّ للوصيّ أن يتّجر بنفسه ، ويجعل الربح بينه وبين اليتيم على جاري العادة ؛ لأنّه جاز أن يدفعه كذلك إلى غيره فجاز أن يأخذ ذلك لنفسه.

وقال بعض العامّة : لا يجوز أن يعمل به بنفسه ؛ لأنّ الربح نماء مال اليتيم ، فلا يستحقّه غيره إلّا بعقدٍ ، فلا يجوز أن يعقد الوليّ المضاربة مع نفسه(٣) .

وهو ممنوع ؛ لجواز أن يتولّى طرفي العقد.

وإذا دفعه إلى غيره ، كان للعامل ما جَعَله له الوليّ ووافقه عليه ؛ لأنّ الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته ، وهذا فيه مصلحته ، فصار تصرّفه فيه كتصرّف المالك في ماله.

مسألة ٤٤٥ : ويشترط في التاجر بمال اليتيم أن يكون وليّاً‌ وأن يكون‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يعلمه » وفي « ث » : « يعد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٥.

٢٤٧

مليّاً ، فإن انتفى أحد الوصفين ، لم يجز له التجارة في ماله ، فإن اتّجر ، كان الضمان عليه ، والربح لليتيم ؛ لما رواه ربعي بن عبد الله عن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده مال اليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال ، فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم وهو ضامن »(١) .

وفي الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام في مال اليتيم قال : « العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال » وقال : « إن أعطب أدّاه »(٢) .

مسألة ٤٤٦ : ويجوز لوليّ اليتيم إبضاع ماله ، وهو دفعه إلى مَنْ يتّجر به ، والربح كلّه لليتيم‌ ؛ لأنّ ذلك أنفع من المضاربة ، لأنّه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلى مَنْ يدفع جميع ربحه إلى اليتيم أولى.

ويستحبّ أن يشتري له العقار ؛ لأنّه مصلحة له ، لأنّه يحصل منه الفضل ، ولا يفتقر إلى كثير مئونة ، وسلامته متيقّنة ، والأصل باقٍ مع الاستنماء ، والغرر فيه أقلّ من التجارة ، بل هو أولى منها ؛ لما في التجارة من الأخطار وانحطاط الأسعار ، فإن لم يكن في شرائه مصلحة إمّا لفضل الخراج وجور السلطان أو إشراف الموضع على البوار ، لم يجز.

ويجوز أن يبني عقاره ويستجدّه إذا استهدم من الدور والمساكن ؛ لأنّه في معنى الشراء ، إلاّ أن يكون الشراء أنفع ، فيصرف المال إليه ، ويقدّمه على البناء ، فإن فضل شي‌ء ، صرفه في البناء.

وإذا أراد البناء ، بنى بما فيه الحظّ لليتيم ، ويبنيه بالآجر والطين ، وإن اقتضت المصلحة البناء باللِّبن ، فَعَل ، وإلّا فلا ؛ لأنّه إذا هدم لا مرجوع له.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ٩٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٦.

٢٤٨

وبالجملة ، يفعل الأصلح.

وقال الشافعي : يبني بالآجر والطين لا غير ؛ لأنّه إذا بنى باللِّبن خاصّةً ، لم يكن له مرجوع ، وإذا بناه بالآجر والجصّ ، لم يتخلّص منه إلّا بكسره(١) .

وما قلناه أولى ؛ لأنّه إذا كان الحظّ في البناء بغير الآجر ، فتركه تضييع حظّه وماله ، ولا يجوز تضييع الحظّ العاجل وتحمّل الضرر المتيقّن لتوهّم مصلحة بقاء الآجر عند هدم البناء ، وربما لا يقع ذلك في حياته ولا يحتاج إليه ، مع أنّ كثيراً من البلاد لا يوجد فيها الآجر ، وكثيراً من البلدان لم تجر عادتهم بالبناء بالآجر ، فلو كُلّفوا البناء به لاحتاجوا إلى غرامة كثيرة لا يحصل منها طائل ، فالأولى البناء في كلّ بلدٍ على عادته.

مسألة ٤٤٧ : لا يجوز بيع عقار الصبي لغير حاجة‌ ؛ لأنّا نأمر الوليّ بالشراء له لما فيه من الحظّ والمصلحة ، فيكون بيعه تفويتاً للحظّ ، فإن احتُيج إلى بيعه ، جاز ، وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وإسحاق وأحمد(٢) .

وقال بعض العامّة : لا يجوز إلّا في موضعين :

أ : أن يكون به ضرورة إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دَيْن أو ما لا بدّ له منه ، ولا تندفع حاجته إلّا بالبيع ، أو قصرت غلّته عن الوفاء بنفقته وما يحتاج إليه.

ب : أن يكون في بيعه غبطة بأن يدفع فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

(٢) المهذب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩.

٢٤٩

ويرغب إليه شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن ، أو يخاف عليه الخراب والهلاك بغرقٍ أو حرقٍ أو نحوه ، أو يكون ثقيل الخراج ومنزل الوُلاة ونحوه ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أحمد : كلّ موضعٍ يكون البيع أنفع ويكون نظراً لهم ، جاز ، ولا يختصّ بما تقدّم ، وكذا لو كانت الدار سيّئة الجيران ويتضرّر الصبي بالمقام فيها ، جاز بيعها وشراء عوضها ، والجزئيّات غير محصورة ، فالضابط اعتبار الغبطة ، وقد يكون الغبطة له في ترك البيع وإن أعطاه الباذل ضِعْفَي ثمنه إذا لم يكن به حاجة إلى الثمن أو لا يمكن صَرف ثمنه في مثله ويخاف ضياعه ، فقد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « مَنْ باع داراً أو عقاراً ولم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه »(٢) (٣) .

مسألة ٤٤٨ : يجوز للوليّ عن الطفل أو(٤) المجنون بيع عقاره وغيره في موضع الجواز بالنقد والنسيئة‌ وبالعرض بحسب ما تقتضيه المصلحة.

وإذا باع نسيئةً زاد على ثمنه نقداً ، وأشهد عليه ، وارتهن به رهناً وافياً ، فإن لم يفعل ، ضمن ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٥) .

ونقل الجويني وجهين في صحّة البيع إذا لم يرتهن وكان المشتري مليّاً ، وقال : الأصحّ : الصحّة ، ولا يكون ضامناً ؛ اعتماداً على ذمّة المليّ(٦) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه في معرض الإتلاف ، بخلاف الإقراض ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ - ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ - ٤٢٣.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٢ / ٢٤٩٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٤ ، مسند أحمد ٥ : ٣٩٧ / ١٨٢٦٤ بتفاوت يسير.

(٣) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٣.

٢٥٠

يجوز عند خوف الإتلاف.

ولا يحتاج الأب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئةً أن يرتهن له من نفسه ، بل يؤتمن في حقّ ولده.

وكذا البحث لو اشترى له سَلَماً مع الغبطة بذلك.

مسألة ٤٤٩ : إذا باع الأب أو الجدّ عقار الصبي أو المجنون وذكر أنّه للحاجة ، ورفع الأمر إلى الحاكم ، جاز له أن يسجّل على البيع ، ولم يكلّفهما إثبات الحاجة أو الغبطة ؛ لأنّهما غير متّهمين في حقّ ولدهما.

ولو باع الوصيّ أو أمين الحاكم ، لم يسجّل الحاكم ، إلّا إذا قامت البيّنة على الحاجة أو الغبطة ، فإذا بلغ الصبي وادّعى على الأب أو الجدّ بيع ماله من غير مصلحةٍ ، كان القولُ قولَ الأب أو الجدّ مع اليمين ، وعليه البيّنة ؛ لأنّه يدّعي عليهما خلافَ الظاهر ؛ إذ الظاهر من حالهما الشفقة وعدم البيع إلّا للحاجة.

ولو ادّعاه على الوصيّ أو الأمين ، فالقول قوله في العقار ، وعليهما البيّنة ؛ لأنّهما مدّعيان ، فكان عليهما البيّنة.

وفي غير العقار الأولى ذلك أيضاً ؛ لهذا الدليل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الآخَر : أنّه يُقبل قولهما مع اليمين ، والفرق عسر الإشهاد في كلّ قليل وكثير يبيعه(١) .

ومن الشافعيّة مَنْ أطلق وجهين من غير فرقٍ بين الأولياء ، سواء كانوا آباءً أو أجداداً أو غرباء ، ولا بين العقار وغيره(٢) .

ودعوى الصبي والمجنون على المشتري من الوليّ كدعواهما على‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٣.

٢٥١

الوليّ.

مسألة ٤٥٠ : وهل للوصيّ والأمين بيع مال الطفل والمجنون من نفسه وبيع مال نفسه منه؟ مَنَع منه جماعة من علمائنا(١) والشافعي(٢) أيضاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يشتري الوصيّ من مال اليتيم »(٣) .

والأقرب عندي : الجواز ، والتهمة منتفية مع الوثوق بالعدالة. ولأنّ التقدير أنّه بالغ في النصيحة ، ولا استبعاد في كونه موجباً قابلاً ، كما في الأب والجدّ.

إذا عرفت هذا ، فهل للأب والجدّ للأب ذلك؟ الأولى ذلك - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ شفقتهما عليه توجب المناصحة له.

وكذا يبيع الأب أو الجدّ عن أحد الصغيرين ويشتري للآخَر.

وهل يشترط العقد ، فيقول : « بعت كذا عن فلان ، اشتريت كذا من فلان »؟ الأقرب : ذلك ، كما لو باع من غيره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يكتفي بأحدهما ، ويقام مقامهما ، كما أُقيم الشخص الواحد مقام اثنين ، سواء كان بائعاً عن أحد الصغيرين ومشترياً عن الآخَر ، أو كان مشترياً لنفسه وبائعاً عن الصغير ، أو بالعكس(٥) .

وإذا اشترى الوليّ للطفل فليشتر من ثقة أمين يؤمن من جحوده في الثاني وحيلته في إفساد البيع بأن يكون قد أقرّ لغيره قبل البيع وما أشبه‌

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٤٦ ، المسألة ٩ ، والمبسوط ٢ : ٣٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

(٣) أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٥ : ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

٢٥٢

ذلك ، وحذراً من خروج الملك مستحقّاً.

ولا يجوز لوليّ الطفل أن يبيع إلّا بثمن المثل. وقد تفرض المصلحة في البيع بدون ثمن المثل في بعض جزئيّات الصور ، فليجز حينئذٍ.

مسألة ٤٥١ : وأمّا قرض مال الطفل والمجنون فإنّه غير جائز‌ إلاّ مع الضرورة ؛ لما فيه من التغرير والتعريض للإتلاف ، بل إن أمكن الوليّ التجارة به أو شراء عقارٍ له فيه الحظّ ، لم يقرضه ؛ لما فيه من تفويت الحظّ على اليتيم.

وإن لم يمكن ذلك - بأن خاف من إبقائه في يده [ من تلفٍ ](١) أو نهب أو سرقةٍ أو حرقٍ أو غير ذلك من الأسباب المتلفة أو الـمُنقصة للماليّة ، وكذا إذا أراد الوليّ السفر وخاف من استصحابه معه أو إبقائه في البلد - جاز له إقراضه من ثقة ملي‌ء. وإن تمكّن من الارتهان عليه ، وجب ، فإن لم يتّفق الرهن ووجد كفيلاً ، طالَب بالكفيل.

ولو تمكّن من الارتهان عليه فطلب الكفيل وترك الارتهان ، فقد فرّط.

ولو استقرض الوليّ مع الولاية والملاءة ، جاز ؛ نظراً لمصلحة الطفل ، فقد روى العامّة أنّ عمر استقرض مال اليتيم(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو الربيع عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن رجل ولي [ مال ] يتيم فاستقرض منه شيئاً ، فقال : « إنّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك »(٣) .

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) المغني ٤ : ٣١٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٥٣

ولأنّه وليّ له التصرّف في ماله بما يتعلّق به مصلحة اليتيم ، فجاز له إقراضه للمصلحة.

وإذا كان للصبي مالٌ في بلدٍ فأراد الوليّ نَقْلَه عن ذلك البلد إلى آخَر ، كان له إقراضه من ثقة ملي‌ء ، ويقصد بذلك حفظه من السارق وقاطع الطريق ، أو الغرق ، أو غير ذلك.

وكذا لو خاف على مال اليتيم التلف ، كما إذا كان له غلّة من حنطة وشبهها وخاف عليها تطرّق الفساد إليها ، أقرضها من الثقة الملي‌ء خوفاً من تسويسها وتغيّرها ؛ لأنّه يشتمل على نفع اليتيم ، فجاز ، كالتجارة.

ولو لم يكن لليتيم فيه حظّ ، وإنّما قصد إرفاق المقترض وقضاء حاجته ، لم يجز إقراضه ، كما لم يجز هبته.

ولو أراد الوليّ السفر ، لم يسافر به ، وأقرضه من ملي‌ء مأمون ، وهو أولى من الإيداع ؛ لأنّ الوديعة لا تُضمن.

ولو لم يوجد المقترض بهذه الصفة ، أودعه من ثقة أمين ، فهو أولى من السفر به ؛ لأنّه موضع الحاجة والضرورة.

ولو أودعه من الثقة مع وجود المقترض الملي‌ء المأمون ، لم يكن مفرّطاً ، ولا ضمان عليه ، فإنّه قد يكون الإيداع أنفع له من القرض ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يجوز إيداعه مع إمكان الإقراض ، فإن فَعَل ضمن(١) .

وكلّ موضعٍ جاز له أن يقرضه فيه فإنّه يشترط أن يكون المقترض‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

٢٥٤

مليّاً أميناً ، ليأمن جحوده وتعذّر الإيفاء.

فإن تمكّن من الارتهان ، ارتهن ، وإن تعذّر ، جاز من غير رهن ؛ لأنّ الظاهر ممّن يستقرض من أجل حظّ اليتيم أنّه لا يبذل رهناً ، فاشتراط الرهن تفويت لهذا الحظّ.

ويشترط فيمن يُودع عنده الأمانة وفي المقترض الأمانةُ واليسار معاً ، فإن أودع أو أقرض من غير الثقة ، ضمن.

مسألة ٤٥٢ : لو أخذ إنسان من وليّ اليتيم مالاً وتصرّف في بعضه بغير إذنه ثمّ أيسر بعد ذلك ، كان عليه ردّ المال إلى الوليّ‌ أو إلى الطفل إن كان قد بلغ رشيداً.

ويجوز إذا دفعه إلى الطفل أن لا يشعر بالحال وأن يدفعه إليه موهماً له أنّه على وجه الصلة ؛ لأنّ الغرض والمقصود بالذات إيصال الحقّ إلى مستحقّه ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتامٍ فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها ولا يُعلم الذي كان عنده المال للأيتام أنّه أخذ من أموالهم شيئاً ثمّ تيسّر بعد ذلك ، أيّ ذلك خير له؟ أيعطيه الذي كان في يده ، أم يدفعه إلى اليتيم وقد بلغ؟ وهل يجزئه أن يدفعه إلى صاحبه على وجه الصلة ولا يُعلمه أنّه أخذ له مالاً؟ فقال : « يجزئه أيّ ذلك فَعَل إذا أوصله إلى صاحبه ، فإنّ هذا من السرائر إذا كان من نيّته إن شاء ردّه إلى اليتيم إن كان قد بلغ على أيّ وجه شاء وإن لم يُعلمه أنّه كان قبض له شيئاً ، وإن شاء ردّه إلى الذي كان في يده » وقال : « إذا كان صاحب المال غائباً‌

٢٥٥

فليدفعه إلى الذي كان المال في يده »(١) .

مسألة ٤٥٣ : ومَنْ كان عنده مالٌ لأيتامٍ فهلك الأيتام قبل دفع المال إليهم فيصالحه وارثهم على البعض ، حلّ له ذلك‌ ، وبرئت ذمّته من جميع المال مع إعلام الوارث ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج وداوُد بن فرقد جميعاً عن الصادقعليه‌السلام ، قالا : سألناه عن الرجل يكون عنده المال لأيتامٍ فلا يعطيهم حتى يهلكوا فيأتيه وارثهم ووكيلهم فيصالحه على أن يأخذ بعضاً ويدع بعضاً ويبرئه ممّا كان له أيبرأ منه؟ قال : « نعم »(٢) .

مسألة ٤٥٤ : يجب على الوليّ الإنفاقُ على مَنْ يليه بالمعروف ، ولا يجوز له التقتير عليه في الغاية ولا الإسراف في النفقة ، بل يكون في ذلك مقتصداً.

ويجرى الطفل على عادته وقواعد أمثاله من نظرائه ، فإن كان من أهل الاحتشام ، أطعمه وكساه ما يليق بأمثاله من المطعوم والملبوس ، وكذا إن كان من أهل الفاقة والضرورة ، أنفق عليه نفقة أمثاله.

فإذا ادّعى الوليّ الإنفاقَ بالمعروف على الصبي أو على عقاره أو ماله أو دوابّه إن كان ذا دوابّ ، فإن كان أباً أو جدّاً ، كان القول قولَهما فيه ، إلّا أن يقيم الصبي البيّنةَ بخلافه.

فإنّ ادّعى الصبي بعد بلوغه خلافَ ذلك ، كان القول قولَ الأب أو الجدّ للأب مع يمينه ، إلّا أن يكون مع الابن بيّنةٌ.

وإن كان وصيّاً أو أميناً ، قُبل قوله فيه مع اليمين ، ولا يُكلَّفان البيّنة‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٢ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٥٩.

٢٥٦

أيضاً - وهو أصحّ قولي الشافعيّة(١) - لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك.

وفي الآخَر : لا يُقبل إلّا بالبيّنة ، كالبيع ، لا يُقبل قولهما إلّا ببيّنة(٢) .

والفرق : عدم تعذّر إقامة البيّنة على البيع ؛ لأنّ الظاهر من حال العَدْل الصدقُ ، وهو أمين عليه ، فكان القول قولَه مع اليمين.

ولو ادّعى خلاف ما تقتضيه العادة ، فهو زيادة على المعروف ، ويكون ضامناً.

وكذا لو ادّعى تلف شي‌ء من ماله في يده بغير تفريطٍ ، أو أنّ ظالماً قهره عليه وأخذه منه ، قُدّم قوله باليمين ؛ لأنّه أمين.

أمّا لو ادّعى الإنفاق عليه منذ ثلاث سنين ، فقال الصبي : ما مات أبي إلّا منذ سنتين ، قُدّم قول الصبي مع اليمين ؛ لأنّ الأصل حياة أبيه ، واختلافهما في أمرٍ ليس الوصيّ أميناً فيه ، فكان القولُ قولَ مَنْ يوافق قوله الأصل مع اليمين.

مسألة ٤٥٥ : لـمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )(٣) تجنّب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أموالَ اليتامى وأفردوها عنهم ، فنزل قوله تعالى :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) (٤) أي : ضيّق عليكم وشدّد ، فخالطوهم في مأكولهم ومشروبهم(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٧ - ٥٢٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٧.

(٣) النساء : ١٠.

(٤) البقرة : ٢٢٠.

(٥) تفسير الطبري ( جامع البيان ) ٢ : ٢١٧ ، تفسير السمرقندي ( بحر العلوم ) ١ : =

٢٥٧

وينبغي للوليّ النظرُ في حال اليتيم ، فإن كانت الخلطة له أصلح - مثل أن يكون إذا خلط دقيقه بدقيقه وخَبَزه دفعة واحدة ، كان أرفق باليتيم في المؤونة(١) وألين في الخبز وما أشبه ذلك - جاز له ، بل كان أولى نظراً لليتيم ، كما قال تعالى :( يَسْألُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ ) (٢) الآية. وإن كان الإفراد أرفق له وأصلح ، أفرده.

وسأل [ سماعة ](٣) الصادقَعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) قال : « يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم فيخالطهم ويأكلون جميعاً ، ولا يرزأ من أموالهم شيئاً ، إنّما هي النار »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي أن يتغابن مع الأيتام ، فيحسب لكلّ واحدٍ من عياله وأتباعه أكثر من أكل اليتيم وإن ساوى الواحد منهم ؛ تحفّظاً لمال اليتيم ، وتحرّزاً من تلف بعضه.

ولو تعدّد اليتامى واختلفوا كِبَراً وصِغَراً ، حسب على الكبير بقسطه وعلى الصغير بقسطه لئلّا يضيع مال الصغير بقسطه على نفقة الكبير ؛ لما رواه أبو الصباح الكناني عن الصادقعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ :( وَمَنْ كانَ‌

____________________

= ٢٠٤ ، زاد المسير : ١ :٢٤٣ - ٢٤٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١١٤ - ١١٥ / ٢٨٧١ ، سنن النسائي ٦ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٢٧٨ - ٢٧٩.

(١) في الطبعة الحجريّة : « المؤن ».

(٢) البقرة : ٢٢٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عثمان بن عيسى ». وهو - في المصدر - مذكور قبل « سماعة ».

(٤) الكافي ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٩ بتفاوت.

٢٥٨

فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) قال : « ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلاً فلا يأكل منه شيئاً » قال : قلت : أرأيت قول الله عزّ وجلّ : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ )(٢) ؟ قال : « تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم ، وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ثمّ تنفقه » قلت : أرأيت إن كانوا يتامى صغاراً وكباراً وبعضهم أعلى [ كسوةً ](٣) من بعض وبعضهم آكل من بعض ومالهم جميعاً؟ فقال : « أمّا الكسوة فعلى كلّ إنسان ثمن كسوته ، وأمّا الطعام فاجعله(٤) جميعاً ، فإنّ الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير »(٥) .

مسألة ٤٥٦ : إذا بلغ الصبي رشيداً ، زالت ولاية الوصيّ وغيره عنه ، سواء كان حاضراً أو غائباً ، فلا يجوز له بيع مال الغائب بعد بلوغه ورشده ، فإن باع كان باطلاً ، وبه قال الشافعي(٦) .

ولا فرق بين أن يكون مال الغائب مشتركاً مع صبيٍّ آخَر له عليه ولاية أو لا ، ولا بين أن يكون الصغار محتاجين(٧) إلى بيع المشترك مع الغائب أو لا ، ولا بين أن يكون المتاع ممّا يقبل القسمة أو لا ؛ لأنّ البلوغ والرشد أزالا عنه الولاية ، فلا ينفذ تصرّف غيره في ماله إلّا بإذنه ، وبيع الوصي مال‌

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) البقرة : ٢٢٠.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) في المصدر : « فاجعلوه ».

(٥) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٢.

(٦) المغني ٤ : ٣٢١.

(٧) في « ث ، ر » : « يحتاجون ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « محتاجون ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٥٩

الغائب الرشيد تصرّفٌ في مال غيره بغير وكالة ولا ولاية ، فلم يصح ، كبيع ماله المنفرد أو ما لا تضرّ قسمته.

وقال أحمد : يجوز للوصي البيع على الغائب البالغ إذا كان من طريق النظر(١) .

وقال أصحابه : يجوز للوصي البيع على الصغار والكبار إذا كانت حقوقهم مشتركةً في عقار في قسمته إضرار وبالصغار حاجة إلى البيع إمّا لقضاء دَيْنٍ أو لمئونةٍ لهم(٢) .

وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى : يجوز البيع على الصغار والكبار فيما لا بدّ منه(٣) .

وكأنّهما أرادا هذه الصورة ؛ لأنّ في ترك القسمة نظراً للصغار واحتياطاً للميّت في قضاء دَيْنه.

والحقّ ما قلناه ؛ فإنّ ما ذكروه لا أصل له يقاس عليه ، ولا له شهادة شرعٍ بالاعتبار. ولأنّ مصلحة الصغار يعارضها أنّ فيه ضرراً على الكبار ببيع مالهم بغير إذنهم. ولأنّه لا يجوز بيع غير العقار فلم يجز له بيع العقار ، كالأجنبيّ.

مسألة ٤٥٧ : قال بعض(٤) علمائنا : ليس لوليّ الصبي استيفاء القصاص المستحقّ له‌ ؛ لأنّه ربما يرغب في العفو ، وليس له العفو ؛ لأنّه ربما يختار الاستيفاء تشفّياً.

والوجه عندي : أنّ له الاستيفاء مع المصلحة ؛ لأنّ ولايته عامّة ،

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٣٢٠.

(٣) المغني ٤ : ٣٢٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٦٣٤.

(٤) الشيخ الطوسي في المبسوط ٧ : ٥٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510