تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510
المشاهدات: 387205
تحميل: 4520

توضيحات:

الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 387205 / تحميل: 4520
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 14

مؤلف:
ISBN: 964-319-435-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعلى هذا يتعلّق بما يكسبه من بعدُ ، أم به وبما في يده من الربح الحاصل ، أم بهما وبرأس المال؟ فيه وجوه ثلاثة أشبهها عندهم : الثالث(١) .

وعلى رأيٍ لبعض الشافعيّة : إذا كان مأذوناً له في الضمان ، تعلّق بكسبه ، وإلّا لم يتعلّق إلّا بالذمّة(٢) .

مسألة ٤٨٩ : إذا قال السيّد لعبده : اضمن واقضه ممّا تكتسبه ، صحّ ضمانه ، وتعلّق المال بكسبه.

وكذا لو قال للمأذون له في التجارة : اضمن واقض من المال الذي في يدك ، قضى منه. وكذا إن عيّن مالاً وأمره بالقضاء منه.

وحيث قلنا : يؤدّي ممّا في يده لو كان عليه ديون ، فإنّ المضمون له يشارك الغرماء ؛ لأنّه دَيْنٌ لزم بإذن المولى ، فأشبه سائر الديون ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّ الضمان لا يتعلّق بما في يده أصلاً ؛ لأنّه كالمرهون بحقوق الغرماء.

والثالث : أنّه يتعلّق بما فضل عن حقوقهم رعايةً للجانبين(٣) .

هذا إذا لم يحجر عليه الحاكم.

ويُحتمل عندي أنّ مال الضمان يُقدَّم على ديون الغرماء ؛ لأنّ مولاه عيّنه فيه.

أمّا لو حجر عليه الحاكم باستدعاء الغرماء ثمّ ضمن بإذن مولاه وجعل الضمان ممّا في يده ، لم يتعلّق الضمان بما في يده ؛ لتعلّق حقوق الغرماء به‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

٣٠١

بمقتضى حَجْر الحاكم عليه.

ولو عيّن السيّد مال الضمان من رقبته ، تعيّن ، كما لو ضمن الحُرّ على أن يؤدّي من مالٍ معيّن ، فإنّ مال الضمان يتعلّق بذلك المال المعيّن ، كذا هنا ؛ لأنّ الحقوق تتعلّق بأعيان الأموال كالرهن ، وأمّا تعلّق الضمان بعين ماله دون ذمّته فلا يصحّ ، وصحّ هذا في حقّ العبد ؛ لأنّ له ذمّةً.

ولو أذن للعبد في التجارة وفي الضمان ولم يعيّن المال من أين يؤدّى ، فقد قلنا : إنّ الأقوى تعلّقه بذمّة العبد. ويُحتمل بكسبه وبذمّة المولى.

وقال الشافعي : يتعلّق بما في يده من أموال التجارة ، فيقضيه منها على الوجه الذي يتعلّق بكسبه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه إنّما أذن له في الضمان بالإطلاق ، فهو ينصرف إلى ذمّته أو كسبه أو ذمّة مولاه.

مسألة ٤٩٠ : المدبَّر وأُمّ الولد والمكاتَب المشروط كالقِنّ في الضمان لا يصحّ إلّا بإذن سيّده‌ ؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ ، فأشبه نذر الصدقة ، أو نقول : يصحّ ويتبع به بعد العتق على الخلاف الذي سبق كما قلناه في العبد القِنّ.

ولو ضمن بإذن سيّده ، صحّ ، كما لو أذن للعبد ، ولأنّ الحقّ للمكاتب أو للسيّد لا يخرج عنهما ، وقد اتّفقا على الضمان ، فلا مانع.

ويُحتمل أن لا يصحّ ؛ لأنّ فيه تفويتَ الحُرّيّة.

والوجه عندي : الصحّة إن استعقب ضمانه الرجوع ، كما لو أذن له المضمون عنه في الضمان ، ويكون الضمان مصلحةً لا مفسدة فيه ، كما لو كان المضمون عنه معسراً ، فإنّه لا يصحّ ، وكما لو تبرّع ؛ لأنّ للسيّد منعه من‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٥٠.

٣٠٢

التصرّف بغير الاكتساب.

وأمّا المكاتب المطلق فليس للسيّد منعه من الضمان مطلقاً كيف شاء ؛ لانقطاع تصرّفات المولى عنه.

ولو كان بعض العبد حُرّاً وبعضه رقّاً ولا مهايأة بينه وبين السيّد ، لم يكن له الضمان إلّا بإذنه ؛ لتعلّق حقّ السيّد برقبته وتصرّفه.

وكذا لو كان بينهما مهايأة وضمن في أيّام السيّد.

ولو ضمن في أيّام نفسه ، فالأقرب : الجواز.

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يخرج ضمان الـمُعتَق بعضُه على الخلاف في الاكتسابات النادرة هل يدخل في المهايأة أم لا؟(١) .

وضمان المكاتب - عند الشافعيّة - بغير إذن السيّد كضمان القِنّ ، وبالإذن مبنيّ على الخلاف في تبرّعاته(٢) .

مسألة ٤٩١ : إذا أذن السيّد لعبده في الضمان ، صحّ ، وانتقل المال إلى ذمّة العبد أو ذمّة السيّد أو مال العبد الذي في يده لمولاه على الخلاف.

فإن أدّى مال الضمان حالة الرقّ ، فحقّ الرجوع للسيّد ؛ لأنّ الأداء من مال السيّد ، سواء كان من رقبة العبد أو ممّا في يده أو من كسبه.

وإن أدّاه بعد عتقه ، فحقّ الرجوع للعبد ؛ لأنّه أدّاه من ماله.

ولو قلنا : إنّه إذا ضمن بإذن سيّده ، تعلّق الضمان بذمّة السيّد أو بكسب العبد ، فالأقرب : أنّ حقّ الرجوع للسيّد أيضاً.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أدّى بعد العتق :

أصحّهما : أنّ حقّ الرجوع للعبد.

والثاني : أنّه للسيّد ؛ لأنّ مال الضمان كالمستثنى عن اكتسابه ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

٣٠٣

فلا يستحقّها بالعتق(١) .

ولو ضمن العبد لسيّده عن أجنبيّ ، لم يصح ؛ لأنّه يؤدّيه من كسبِه ، وكسبُه لسيّده ، فهو كما لو ضمن المستحقّ لنفسه.

ولو ضمن لأجنبيّ عن سيّده ، فإن لم يأذن السيّد ، فهو كما لو ضمن عن أجنبيّ. وإن ضمن بإذنه ، صحّ.

ثمّ إن أدّى قبل العتق ، فلا رجوع له. وإن أدّى بعده ، ففي رجوعه على السيّد احتمال.

وللشافعيّة فيه وجهان مبنيّان على الوجهين فيما لو آجر(٢) عبده مدّة ثمّ أعتقه في ابتدائها أو(٣) في أثنائها هل يرجع بأُجرة المثل لبقيّة المدّة أو لا؟(٤) .

مسألة ٤٩٢ : يصحّ ضمان المرأة ، ولا نعلم فيه خلافاً‌ ، كما يصحّ ضمان الرجل ؛ لأنّ الضمان عقد يقصد به المال ، فيصحّ من المرأة ، كالبيع. ولأنّها حُرّة عاقلة مالكة لأمرها نافذة التصرّف في مالها تصحّ منها الاستدانة وغيرها من التصرّفات ، فيصحّ منها الضمان ، كالرجل.

ولا فرق في صحّة ضمانها بين أن تكون خليّةً من بَعْل أو تكون ذات بعل.

ولا تحتاج إلى إذن الزوج ، كما في سائر تصرّفاتها ، وبه قال أكثر أهل العلم من العامّة والخاصّة.

وقال مالك : إنّه لا بدّ من إذن الزوج(٥) . وليس بمعتمد.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

(٢) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « آجره ».

(٣) كذا قوله : « في ابتدائها أو ». والجملة لم ترد في المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

(٥) الوجيز ١ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧.

٣٠٤

مسألة ٤٩٣ : المريض يصحّ ضمانه ، ولا نعلم فيه خلافاً‌ ، سواء كان مرض الموت أو لا ، لكن إن لم يكن مرض الموت وعُوفي من مرضه ، صحّ ضمانه مطلقاً.

وإن كان مرض الموت ، فإن تبرّع بالضمان ، نفذ من الثلث عند كلّ مَنْ أثبت تبرّعاته من الثلث. ومَنْ جَعَل منجّزاته من الأصل أمضاه هنا من الأصل.

وإن لم يتبرّع بالضمان ، بل ضمن بسؤال المضمون عنه ، كان حكمه حكم ما لو باع نسيئةً.

والوجه : أنّه إن علم تعذّر الرجوع لفقر المديون بحيث يعلم عدم وصول مالٍ إليه ، كان ماضياً من الثلث ، كما لو تبرّع ، وإلّا مضى من الأصل.

وأطلق بعض العامّة احتسابَ ضمان المريض من الثلث ؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ لا يلزمه ولم يأخذ عنه عوضاً ، فأشبه الهبة(١) .

ونمنع التبرّع في المتنازع.

النظر الثالث : في المضمون عنه.

مسألة ٤٩٤ : المضمون عنه هو المديون ، وهو الأصيل.

ولا يشترط رضاه في صحّة الضمان بالإجماع ، كما يجوز أداء الدَّيْن عن الغير بغير إذنه ، فالتزامه في الذمّة أولى بالجواز. ولأنّه يصحّ الضمان عن الميّت بالإجماع. ولما تقدّم(٢) من امتناع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصلاة على الميّت حتى ضمنه أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، ومعلومٌ أنّه لا يتصوّر الرضا من‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٧٩ - ٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٧ - ٧٨.

(٢) في ص ٢٨١ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

٣٠٥

الميّت.

مسألة ٤٩٥ : ولا يشترط حياة المضمون عنه ، بل يجوز الضمان عن الميّت‌ ، سواء خلّف الميّت وفاءً أو لا ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمّد(١) - لما تقدّم(٢) من أحاديث العامّة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام و [ أبي ] قتادة لمّا ضمنا الدَّيْن عن الميّت ، وما رواه الخاصّة أيضاً.

ولأنّ كلّ مَنْ يصحّ الضمان عنه إذا كان له ضامن صحّ وإن لم يكن له ضامن كما لو خلّف وفاءً أو كان حيّاً.

وقال أبو حنيفة والثوري : لا يصحّ الضمان عن الميّت إذا لم يخلّف وفاءً بمال أو ضمان ضامن ؛ لأنّ الموت مع عدم الوفاء يُسقط المطالبة بالحقّ والملازمة عليه ، فوجب أن يمنع صحّة الضمان ، كالإبراء(٣) .

وهو باطل ؛ لأنّ الإبراء إسقاط للحقّ ، ولهذا لا يصحّ بعده إبراء ، وهنا بخلافه.

وساعدنا أبو حنيفة فيما إذا ضمن عنه في حياته ثمّ مات معسراً أنّه‌

____________________

(١) الأُمّ ٣ : ٢٢٩ - ٢٣٠ ، و ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٤ ، المهذّب – للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، المحلّى ٨ : ١١٢ ، المغني ٥ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٣.

(٢) في ص ٢٨١ و ٢٨٢ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، الأُم ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٤ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، المحلّى ٨ : ١١٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٢ ، المغني ٥ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٣.

٣٠٦

لا يبطل الضمان(١) .

مسألة ٤٩٦ : ولا تشترط معرفة المضمون عنه ، فلو ضمن الضامن عمّن لا يعرفه ، صحّ ضمانه‌ ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي في أصحّ القولين(٢) - لما تقدّم(٣) من أنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة ضمنا عمّن لا يعرفانه. ولأنّ الواجب أداء الحقّ ، فلا حاجة إلى معرفة مَنْ يؤدّى عنه ؛ لأنّه لا معاملة بينهما في ذلك. ولأنّه لا يشترط رضاه فلا تشترط معرفته ، وبه قال أحمد(٤) أيضاً.

والثاني للشافعي : أنّه تشترط معرفته ليعرف حاله ، وأنّه هل يستحقّ اصطناع المعروف إليه أو لا؟(٥) .

وليس بشي‌ء.

إذا عرفت هذا ، فهل تشترط معرفة ما يميّزه عن غيره؟ الأقرب : العدم ، بل لو قال : ضمنت لك الدَّيْن الذي(٦) لك على مَنْ كان من الناس ، جاز على إشكالٍ.

نعم ، لا بدّ من معرفة المضمون عنه بوصفٍ يميّزه عند الضامن بما يمكن القصد معه إلى الضمان عنه لو لم يقصد الضمان عن أيّ مَنْ كان.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، وراجع : بدائع الصنائع ٦ : (٦)

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٣ ، المغني ٥ : ٧١ - ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٣) في ص ٢٨١ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

(٤) المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٦) في « ج ، ر » زيادة : « كان ».

٣٠٧

تذنيب : لو تبرّع الضامن بالضمان ورضي المضمون له بضمانه ، صحّ الضمان وانعقد وبرئت ذمّة المضمون عنه.

ولو أنكر المضمون عنه الضمانَ ، لم يبطل ضمانه ، وبه قال الشافعي(١) .

النظر الرابع : في المضمون له.

مسألة ٤٩٧ : المضمون له هو مستحقّ الدَّيْن.

وهل تشترط معرفته عند الضامن؟ إشكال ينشأ : من عدم التعرّض له والبحث عنه في ضمان(٢) عليّعليه‌السلام وأبي قتادة ، ولأنّ الواجب أداء الحقّ ، فلا حاجة إلى ما سوى ذلك. ومن أنّه لا بدّ وأن يعرفه الضامن ليأمن الغرر ، فإنّ الناس يتفاوتون في المعاملة والاقتضاء والاستيفاء تشديداً وتسهيلاً ، وتختلف الأغراض في ذلك ، فالضمان مع إهماله غرر وضرر من غير ضرورة.

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما : الثاني عندهم(٣) .

ولا بأس به ؛ لحصول المعاملة بين الضامن وبينه بالضمان ، فافتقر إلى معرفته للحاجة.

وقال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : لا تشترط معرفة الضامن المضمونَ له ولا المضمونَ عنه. واستدلّ بضمان عليّعليه‌السلام وأبي قتادة(٤) .

____________________

(١) لم نعثر على قوله بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) و ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، التنبيه : ١٠٦ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٣١٣ ، المسألة ١.

٣٠٨

مسألة ٤٩٨ : يشترط رضا المضمون له في صحّة الضمان‌ ، وهو قول أكثر علمائنا(١) - وبه قال أبو حنيفة ومحمّد والشافعي في أحد القولين(٢) - لأنّه إثبات مالٍ لآدميّ ، وتجدّد سلطنة وولاية لم تكن ، فلا يثبت إلّا برضاه أو مَنْ ينوب عنه ، كالبيع والشراء ، ويبعد أن يتملّك الإنسان بتمليك الغير شيئاً من غير رضاه.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا يشترط رضاه(٣) ، وهو قول الشيخ(٤) رحمه‌الله ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة ضمنا الدَّيْن عن الميّت(٥) والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسأل عن رضا المضمون له.

ثمّ قال الشيخرحمه‌الله : ولو قيل : إنّ من شرطه رضا المضمون له ، كان أولى ؛ بدلالة أنّه إثبات حقٍّ في الذمّة ، فلا بدّ من اعتبار رضاه ، كسائر الحقوق.

ثمّ قال : والأوّل أليق بمذهبنا ؛ لأنّ الثاني قياس(٦) .

إذا عرفت هذا ، فقد قال أبو يوسف بالقول الثاني للشافعي أيضاً ؛ لأنّ‌

____________________

(١) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٠ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٠٨ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٠١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٣١٣ ، المسألة ٢

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) و ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٦) الخلاف ٣ : ٣١٣ - ٣١٤ المسألة ٢

٣٠٩

الضمان محض التزامٍ ، وليس موضوعاً على قواعد المعاملات(١) .

تذنيب : أبو حنيفة وافقنا على اشتراط رضا المضمون له في الضمان‌ إلّا في مسألة واحدة استثناها ، وهي : أنّ المريض لو التمس من الورثة أن يضمنوا دَيْنه فأجابوا ، صحّ وإن لم يرض المضمون له(٢) .

مسألة ٤٩٩ : نحن وأبو حنيفة والشافعي - في أحد القولين – لـمّا اشترطنا في صحّة الضمان رضا المضمون له تفرّع عندنا فرع‌ ، وهو : أنّه هل يُشترط قبول(٣) المضمون له ، أو لا ، بل يكفي في صحّة الضمان الرضا؟ إشكال ينشأ : من أنّه تملّك في مقابلة تمليك الضامن ، فيعتبر فيه القبول ، كسائر التمليكات والتملّكات. ومن أصالة عدم الاشتراط ، مع قيام الفرق بينه وبين سائر التملّكات ؛ فإنّ الضمان لا يُثبت ملكَ شي‌ء جديد ، وإنّما يتوثّق به الدَّيْن الذي كان مملوكاً.

ويُنتقض بالرهن ؛ فإنّه لا يفيد إلّا التوثيق ، ويُعتبر فيه القبول.

وللشافعيّة قولان - كالاحتمالين - لكنّ الأصحّ عندهم : الثاني(٤) .

والأقرب عندي : الأوّل ؛ لأنّه عقد ، فلا بدّ من القبول.

قال بعض الشافعيّة : يقرب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم يُجدّد سلطنةً لم تكن ، فإن شرطنا القبول فليكن بينه وبين الضمان من التواصل ما بين الإيجاب والقبول في‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥.

(٣) أي القبول لفظاً.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٢٩.

٣١٠

سائر العقود. وإن لم نشترط ، فيجوز أن يتقدّم(١) (٢) .

وقد فرّع الجويني على عدم اشتراط رضا المضمون له ، فقال : إذا ضمن من غير رضاه ، نُظر إن ضمن بغير إذن المضمون عنه ، فالمضمون له بالخيار إن شاء طالَب الضامن ، وإن شاء تركه. وإن كان الضمان بإذنه ، فحيث قلنا : يرجع الضامن على المضمون عنه [ يُجبر ](٣) المضمون له على قبوله ؛ لأنّ ما يؤدّيه في حكم ملك المضمون عنه. وحيث قلنا : لا يرجع ، فهو كما لو قال لغيره : أدِّ دَيْني عنّي ، ولم يشترط الرجوع وقلنا : إنّه لا يرجع(٤) .

وهل يستحقّ المدين والحال هذه أن يمتنع من القبول؟ فيه وجهان بناءً على أنّ المؤدّى يقع فداءً أو موهوباً ممّن عليه الدَّيْن؟ إن قلنا بالثاني ، لم يكن له الامتناع ، وهو الأشهر عندهم(٥) .

وقد ظهر من هذا أنّ للشافعيّة في اشتراط معرفة المضمون له والمضمون عنه ثلاثة أقوال :

قال بعضهم : لا تشترط معرفتهما.

وقال آخَرون : تشترط معرفتهما.

وقال قوم : تشترط معرفة المضمون له دون المضمون عنه ؛ إذ لا معاملة معه(٦) .

____________________

(١) أي : يتقدّم الرضا على الضمان ، كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « روضة الطالبين ». وبدلها في « العزيز شرح الوجيز » : « يتخيّر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ - ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ - =

٣١١

وزاد الجويني قولاً رابعاً ، وهو : اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له(١) .

النظر الخامس : في الحقّ المضمون به.

مسألة ٥٠٠ : يشترط في الحقّ المضمون به أمران :

الأوّل : الماليّة ، فلا يصحّ ضمان ما ليس بمال. والضابط فيه أن يكون ممّا يصحّ تملّكه وبيعه ، وكما لا يصحّ بيع المحرَّمات والربويّات وغيرهما ممّا تقدّم ، كذا لا يصحّ ضمانها.

الثاني : الثبوت في الذمّة ، فلو ضمن دَيْناً لم يجب بَعْدُ وسيجب بقرضٍ أو بيعٍ أو شبههما ، لم يصح.

ولو قال لغيره : ما أعطيت فلاناً فهو علَيَّ ، لم يصح أيضاً عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد(٢) - لأنّ الضمان ضمّ ذمّةٍ إلى ذمّةٍ في التزام الدَّيْن ، فإذا لم يكن على المضمون عنه شي‌ء فلا ضمّ فيه ولا يكون ضماناً. ولأنّ الضمان شُرّع لوثيقة الحقّ ، فلا يسبق وجوب الحقّ كالشهادة.

وللشافعيّة هنا طريقان :

أحدهما : قال ابن سريج : المسألة على قولين :

القديم : أنّه يصحّ ضمان ما لم يثبت في الذمّة ولم يجب ؛ لأنّ الحاجة قد تمسّ إليه ، كما أنّه في القديم جوّز ضمان نفقة المستقبل. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك.

والجديد : المنع ، وبه قال أحمد.

____________________

= ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ - ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ - ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩.

٣١٢

والثاني : القطع بالمنع ، ويخالف ضمان النفقة ؛ لأنّ النفقة - على القديم - تجب بالعقد ، فضمانها ضمان ما وجب لا ما لا يجب(١) .

مسألة ٥٠١ : لو قال : ضمنت لك ما تبيعه من فلان ، فباع الشي‌ء بعد الشي‌ء ، لم يصح هذا الضمان عندنا‌ ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

وفي القديم : يصحّ ، ويكون ضامناً للكلّ ؛ لأنّ « ما » من أدوات الشرط فتقتضي التعميم(٣) .

ولو قال : إذا بعت من فلان فأنا ضامن ، فإنّه يضمن الأوّل لا غير ؛ لأنّ « إذا » ليست من أدوات الشرط.

وقال أبو حنيفة : إذا قال لغيره : إذا بعت فلاناً شيئاً فهو عَلَيَّ ، فباعه شيئاً ثمّ باعه شيئاً آخَر ، لزم الضامن المال الأوّل خاصّةً. ولو قال : ما بعته اليوم فهو علَيَّ ، لزمه ما يبيعه اليوم. ولو قال : مَنْ باع فلاناً اليوم فهو عَلَيَّ ، فباعه رجل ، لا يلزم الضامن(٤) .

مسألة ٥٠٢ : إذا شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدَّيْن ، فهنا - أي في صورة ضمان ما لم يجب - أولى.

وإن لم نشترط ، فللشافعيّة وجهان(٥) .

وكذا معرفة المضمون عنه.

وإذا ضمن ما لم يجب ، فلا يطالب الضامن ما لم يلزم الدَّيْن على الأصيل ، فيطالب حينئذٍ عند مَنْ جوّزه ، وأمّا عندنا فلا.

قال مجوّزوه : إذا ضمن ما لم يجب ثمّ رجع عن الضمان ، فإن كان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

٣١٣

بعد لزوم المال ، لم يكن له الرجوع.

وإن كان قبله ، فعن ابن سريج من الشافعيّة : أنّ له أن يرجع(١) .

وقال غيره من الشافعيّة : لا يرجع ؛ لأنّ وضع الضمان على اللزوم(٢) .

وعلى قولنا ببطلان ضمان ما لم يثبت لو قال : اقرض فلاناً كذا وعلَيَّ ضمانه ، فأقرضه ، قال بعض الشافعيّة : المذهب أنّه لا يجوز(٣) .

وقال ابن سريج : إنّه يجوز ؛ لأنّه ضمانٌ مقرون بالقبض(٤) .

مسألة ٥٠٣ : يصحّ ضمان النفقة الماضية للزوجة‌ ، سواء كانت نفقة الموسرين أو نفقة المعسرين ، وكذا ضمان الإدام ونفقة الخادم وسائر المؤن ؛ لأنّها تثبت في الذمّة واستقرّت بمضيّ الزمان.

وكذا يصحّ ضمان نفقة اليوم الحاضر ؛ لأنّها تجب بطلوع الفجر.

وأمّا النفقة المستقبلة - كنفقة الغد والشهر المستقبل والسنة المستقبلة - فإنّها غير واجبة في الذمّة ، فلا يصحّ ضمانها ؛ لأنّ النفقة عندنا إنّما تجب بالعقد والتمكين ، والتمكين في المستقبل لم يحصل ، فلم تجب النفقة إلّا مع حصوله ، فيكون ضمانها ضمان ما لم يجب ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : يصحّ(٥) .

وهو مبنيّ على أنّ النفقة تجب بالعقد خاصّةً ، والأوّل مبنيّ على أنّها تجب بالعقد والتمكين.

وقال الجويني : إن قلنا بالقديم ، صحّ الضمان. وإن قلنا بالثاني ، فالأصحّ : البطلان(٦) .

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨ - ٤٧٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

٣١٤

وفيه قولٌ آخَر مع تفريعنا على أنّ ضمان ما لم يجب باطل ؛ لأنّ سبب وجوب النفقة ناجز ، وهو النكاح(١) .

وفيه إشكال ؛ لأنّ سبب وجوب النفقة إمّا النكاح أو التمكين في النكاح ، فإن كان الأوّل ، فالنفقة واجبة ، فكيف قال : ولم تجب!؟ وإن كان الثاني ، فالسبب غير موجود.

مسألة ٥٠٤ : قد بيّنّا أنّ ضمان نفقة المدّة المستقبلة للزوجة باطل.

وعلى قول الشافعي بالجواز يُشترط أمران :

أحدهما : أن يقدّر المدّة ، فلو أطلق لم يصح فيما بعد الغد. وفي الغد وجهان أخذاً من الخلاف فيما إذا قال : آجرتك كلّ شهر بدرهم ، ولم يقدّر ، هل يصحّ في الشهر الأوّل؟ قولان.

الثاني : أن يكون المضمون نفقة المعسرين وإن كان المضمون عنه موسراً أو متوسّطاً ؛ لأنّه ربما يعسر ، فالزائد على نفقة المعسر غير ثابتٍ ؛ لأنّه يسقط بالعسر(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يجوز ضمان نفقة الموسرين والمتوسّطين ؛ لأنّ الظاهر استمرار حاله(٣) .

وأمّا نفقة القريب للمدّة المستقبلة فإنّها عندنا أولى بالبطلان ؛ لعدم وجوبها ، وبه قال الشافعي(٤) .

أمّا نفقة اليوم ، فالأقرب : جواز ضمانها ؛ لوجوبها بطلوع الفجر.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : أنّه لا يصحّ(٥) .

والفرق بينها وبين نفقة الزوجة : أنّ سبيل هذه النفقة سبيل البرّ والصلة ، لا سبيل الديون ، ولهذا تسقط بمضيّ الزمان وضيافة الغير ، ونفقة الزوجة نفقة معاوضة ، فسبيلها سبيل الديون.

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

٣١٥

مسألة ٥٠٥ : لا يشترط في المال اللزوم‌ ، بل مطلق الثبوت ، سواء كان مستقرّاً لازماً ، كثمن المبيع إذا كان في الذمّة ، أو متزلزلاً ، كضمان الثمن في مدّة الخيار ، فإنّه يصحّ ضمانه - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لأنّه ينتهي إلى اللزوم بنفسه ، فيحتاج فيه إلى التوثيق ، وأصل وضع البيع اللزوم.

والثاني : لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

ويُمنع اشتراط اللزوم.

وهذا الخلاف بين قولي الشافعي إنّما هو فيما إذا كان الخيار للمشتري أو لهما ، أمّا إذا كان الخيار مختصّاً بالبائع ، فإنّه يصحّ ضمانه بلا خلافٍ ؛ لأنّ الدَّيْن لازم في حقّ مَنْ هو عليه(٣) .

وهو ممنوع.

وقال الجويني : تصحيح الضمان في بيع الخيار مبنيّ على أنّ الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع ، أمّا إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بَعْدُ(٤) .

مسألة ٥٠٦ : الحقوق على أربعة أضرب :

[ الأوّل ] : حقٌّ لازم مستقرّ‌ ، كالثمن بعد قبض المبيع ، والأُجرة بعد انقضاء المدّة ، والمهر بعد الدخول ، وهذا يصحّ ضمانه إجماعاً.

الثاني : لازمٌ غير مستقرّ‌ ، كالثمن قبل القبض ، والمهر قبل الدخول ، والأُجرة قبل انقضاء المدّة ، فهذا يصحّ ضمانه أيضاً ؛ لأنّه لازمٌ في الحال وإن جاز أن يسقط ، كما يسقط المستقرّ بالقضاء والإبراء وبالردّ بالعيب وغير ذلك.

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣.

٣١٦

وكذا(١) السَّلَم يصحّ ضمانه عندنا وعند الشافعي(٢) ؛ لأنّه دَيْنٌ لازمٌ ، فصحّ ضمانه ، كالقرض.

وقال أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين : إنّه لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه يؤدّي إلى استيفاء الـمُسْلَم فيه من غير المُسْلَم إليه ، فلا يجوز ، كالحوالة به(٣) .

والفرق أنّه في الحوالة يطالب ببدل الحقّ ، وفي الضمان يطالب بنفس الحقّ.

الثالث : ما ليس بلازمٍ ولا يؤول إلى اللزوم‌ ، كالكتابة عند بعض(٤) علمائنا.

الرابع : ما ليس بلازمٍ ولكن يؤول إلى اللزوم‌ ، كمال الجعالة.

مسألة ٥٠٧ : الأقرب عندي : أنّه يصحّ ضمان مال الكتابة‌ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في وجهٍ(٥) ، وخرّجه ابن سريج على ضمان ما لم يجب ووُجد سبب وجوبه(٦) . وقال بعضهم : إنّه مأخوذ من تجويز ضمان الجُعْل في الجعالة على إحدى الروايتين(٧) - لأنّه دَيْنٌ على المكاتب ، فصحّ ضمانه ، كسائر الديون عليه وعلى غيره.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « كذلك ».

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٤ ، المغني ٤ : ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧٨.

(٣) المغني ٤ : ٣٧٧ ، و ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، و ٥ : ٨٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١.

(٤) الشيخ الطوسيرحمه‌الله في المبسوط ٢ : ٣٢٥.

(٥) المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

٣١٧

والمشهور من مذهب الشافعي - وإليه مالَ الشيخ(١) رحمه‌الله وأحمد في الرواية الأُخرى - : أنّه لا يصحّ ؛ لأنّ مال الكتابة ليس بلازمٍ ولا يؤول إلى اللزوم ، فإنّ للمكاتَب أن يُعجّز نفسه ويمتنع من أدائه ، فإذا لم يلزم(٢) الأصيل فالضمين أولى(٣) .

ويُمنع عدم لزومه وأنّ للمكاتب تعجيز نفسه ، بل يجب عليه القيام في المال ؛ لأنّه قد صار دَيْناً عليه.

تذنيب : لو ضمن إنسان عن المكاتَب غير نجوم الكتابة‌ ، فإن كان الدَّيْن لأجنبيّ ، صحّ الضمان ، وإذا أدّى الضامن ، رجع على المكاتَب إن كان قد ضمن بإذنه.

وإن ضمنه لسيّده ، جاز أيضاً.

والشافعي بناه على أنّ ذلك الدَّيْن هل يسقط بعجزه؟ وهو على وجهين ، إن قلنا : نعم ، لم يصح ، كضمان النجوم ، وإلّا جاز(٤) .

مسألة ٥٠٨ : [ في ضمان ](٥) ما ليس بلازمٍ في الحال وله مصير إلى اللزوم ، والأصل في وضعه الجواز ، كمال الجعالة.

فنقول : إن ضمن قبل الشروع في العمل ، لم يصح الضمان ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٣٦.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزمه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢ ، المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه كما استُظهر في هامش الطبعة الحجريّة ، ولم يرد في النسخ الخطّيّة.

٣١٨

ضمان ما لم يجب ؛ إذ العقد غير لازم ، والمال الثابت بالعقد غير ثابت في الذمّة فكيف يلزم فرعه!؟

وإن ضمن بعد فراغ العمل واستحقاقه للمال ، صحّ ضمانه قطعاً ؛ لأنّه ضمان ما قد ثبت وجوبه.

وإن ضمن بعد الشروع في العمل وقبل إتمامه ، فالأقرب : جواز الضمان ؛ لوجود سبب الوجوب ، ولانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ، كالثمن في مدّة الخيار ، وهو أحد قولي الشافعي.

وأصحّهما عنده : المنع ؛ لأنّ الموجِب للجُعْل هو العمل ؛ إذ به يتمّ الموجَب ، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(١) .

وقال بعض الشافعيّة : يمكن بناء الوجهين على الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل ، فنقول : إن لم نجوّز الرجوع ، فقد لزم الجُعْل من قِبَله. وإن جوّزناه ، لم يصح ضمانه(٢) .

وأمّا مال المسابقة والمناضلة فمبنيّ على أنّ عقدهما جعالة أو إجارة ، فإن كان إجارةً ، صحّ الضمان. وإن كان جعالةً ، فهو كضمان الجُعْل.

وقال الشيخ(٣) رحمه‌الله وأحمد : يصحّ ضمان مال الجعالة والمسابقة ؛ لأنّه يؤول إلى اللزوم. ولقوله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (٤) ولأنّه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل ، وإنّما الذي لا يلزم‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، و ٤ : ٤٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٠ ، و ٥ : ١٥٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المسألتان ٧ و ٨ من كتاب الضمان ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢٥.

(٤) يوسف : ٧٢.

٣١٩

العملُ ، والمال يلزم لوجوده ، والضمان للمال دون العمل(١) .

وكلامه يشعر بجواز الضمان قبل الشروع في العمل.

مسألة ٥٠٩ : يصحّ ضمان أرش الجناية ، عند علمائنا‌ ، سواء كان من النقدين أو من الإبل وغيرها(٢) من الحيوانات - وبه قال أحمد(٣) - لأنّه ثابت مستقرّ في الذمّة ، فصحّ ضمانه ، كغيره من الحقوق الثابتة في الذمم ، وكغير الحيوانات من الأموال.

وقال أصحاب الشافعي : إذا لم نجوّز ضمان المجهول ففي ضمان إبل الدية وجهان ، ويقال قولان :

أحدهما : لا يصحّ ؛ لأنّه مجهول الصفة واللون.

والثاني : أنّه صحيح(٤) .

ونمنع بطلان ضمان المجهول.

سلّمنا ، لكن نمنع الجهالة ؛ فإنّ الإبل الواجبة في الذمّة عن النفس والأعضاء والجراحات معلومة العدد والسنّ ، وجهالة اللون وغيره من الصفات الباقية لا تضرّ ؛ لأنّ الذي يلزمه أدنى لون أو صفة أو غالب إبل البلد ، فتحصل معلومة. ولأنّ جَهْلَ ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع وجوبه بالالتزام. ولأنّ الضمان تلو الإبراء ، والإبراء عنها صحيح فكذا الضمان.

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « أو من غيرهما » بدل « وغيرها ».

(٣) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٥.

٣٢٠