تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 432341 / تحميل: 5972
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وهذا الوجه(١) عند الشافعيّة أظهر حتى أنّ بعضهم قطع به(٢) .

تذنيب : إذا كان الضمان بحيث يقتضي الرجوع - كما إذا ضمن بسؤاله - فإنّه يرجع بالحيوان.

وللشافعيّة خلاف كما وقع في اقتراض الحيوان(٣) .

وهل يصحّ ضمان الدية على العاقلة قبل تمام السنة؟ الأقرب : جوازه ؛ لأنّ سبب الوجوب ثابت.

وقالت الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّها غير ثابتة بَعْدُ(٤) .

مسألة ٥١٠ : إذا ضمن عيناً لمالكها وهي في يد غيره‌ ، فإن كانت أمانةً لم يتعدّ فيها الأمين ، لم يصح الضمان ، كالوديعة والعارية غير المضمونة ومال الشركة والمضاربة والعين التي يدفعها إلى الصانع والمال في يد الوكيل والوصي والحاكم وأمينه إذا لم يقع منهم تعدٍّ أو تفريط ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّها غير مضمونة العين ولا مضمونة الردّ ، وإنّما الذي يجب على الأمين مجرّد التخلية ، وإذا لم تكن مضمونةً على ذي اليد فكذا على ضامنه.

ولو ضمنها إن تعدّى فيها ، لم يصح ؛ لأنّه ضمان ما لم يجب ولم يثبت في الذمّة ، فيكون باطلاً ، كما لو ضمن عنه ما يدفعه إليه غداً قرضاً.

وقال أحمد : يصحّ ضمانه ، فعلى هذا إن تلفت بغير تعدٍّ من القابض ولا تفريط ، لم يلزم الضامن شي‌ء ؛ لأنّه فرع المضمون عنه ، والمضمون عنه‌

____________________

(١) أي الوجه الثاني.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٥.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٨.

٣٢١

لا يلزمه شي‌ء. وإن تلفت بتعدٍّ أو تفريط ، يلزمه ضمانها ، ولزم الضامن ذلك ؛ لأنّها مضمونة على مَنْ هي في يده ، فلزم ضامنه ، كالمغصوب(١) .

وهذا في الحقيقة ضمان ما لم يجب ، وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ٥١١ : الأعيان المضمونة - كالمغصوب والمستعار مع التضمين أو كونه أحد النقدين والمستام والأمانات - إذا خان فيها أو تعدّى ، فله صورتان :

الأُولى : أن يضمن ردّ أعيانها‌. وهو جائز ؛ لأنّه ضمان مال مضمون على المضمون عنه ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) .

والمشهور عند الشافعيّة تخريجه على [ قولي ](٣) كفالة الأبدان(٤) .

ومنهم مَنْ قطع بالجواز مع إثبات الخلاف في كفالة الأبدان. والفرق : أنّ حضور الخصم ليس مقصوداً في نفسه ، وإنّما هو ذريعة إلى تحصيل المال ، فالتزام المقصود أولى بالصحّة من التزام الذريعة(٥) .

إذا ثبت هذا ، فإن ردّها الضامن أو الغاصب ، برئ من الضمان.

وإن تلفت وتعذّر الردّ ، فهل عليه قيمتها؟ فيه للشافعيّة وجهان ،

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١ ، المغني ٥ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧ ، حلية العلماء ٥ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قول ». والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٨.

٣٢٢

كالوجهين في وجوب الغُرْم على الكفيل إن [ مات المكفول ببدنه(١) .

فإن أوجبنا فيجب في المغصوب أقصى القِيَم أم قيمته يوم التلف ؛ لأنّ الكفيل ](٢) لم يكن متعدّياً؟ حكى الجويني فيه وجهين(٣) .

ولو ضمن تسليم المبيع وهو في يد البائع ، جرى الخلاف في الضمان ، فإن صحّحناه وتلف ، انفسخ البيع ، فإن لم يوفّر المشتري [ الثمن ](٤) لم يطالب الضامن بشي‌ء.

وإن كان قد وفّره ، عاد الوجهان في أنّ الضامن هل يغرم؟

فإن أغرمناه ، فيغرم الثمن أو أقلّ الأمرين من الثمن وقيمة المبيع؟

للشافعيّة وجهان ، أظهرهما عندهم : الأوّل(٥) .

الثانية : أن يضمن قيمتها لو تلفت.

والأقوى عندي : الصحّة ؛ لأنّ ذلك ثابت في ذمّة الغاصب ، فصحّ الضمان.

وقالت الشافعيّة : يبنى ذلك على أنّ المكفول ببدنه إذا مات هل يغرم الكفيل الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، صحّ ضمان القيمة لو تلفت العين ، وإلّا لم يصح ، وهو الأصحّ عندهم(٦) .

ولو تكفّل ببدن العبد الجاني جنايةً توجب المال ، فهو كما لو ضمن عيناً من الأعيان.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٦ - ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٨.

(٢) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز » و« روضة الطالبين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٨.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٨.

٣٢٣

وجزم بعض الشافعيّة بالمنع هنا. وفرّق بأنّ العين المضمونة مستحقّة ونفس العبد ليست مستحقّةً ، وإنّما المقصود تحصيل الأرش من بدله ، وبدله مجهول(١) .

ولو باع شيئاً بثوب أو دراهم معيّنة فضمن ضامن عهدة المبيع حتى إذا خرج مستحقّاً ردّ عليه الثمن وهو قائم في يد البائع ، فهذا من صور ضمان الأعيان ، فإن تلف في يد البائع فضمن قيمته ، فهو كما لو كان الثمن في الذمّة وضمن العهدة.

ولو رهن ثوباً من إنسان ولم يقبضه ، فضمن رجل تسليمه ، لم يصح ؛ لأنّه ضمان ما لم يجب.

إذا عرفت هذا ، فقد اختلف قول الشافعيّة في صحّة ضمان الأعيان المضمونة ، كالغصب وشبهه.

فقال بعضهم : يصحّ ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد على ما تقدّم(٢) ؛ لأنّها مضمونة على مَنْ هي في يده ، فهي كالديون الثابتة في الذمّة.

والثاني(٣) : لا يصحّ ضمانها ؛ لأنّها غير ثابتة في الذمّة ، وإنّما يصحّ ضمان ما كان ثابتاً في الذمّة ، ووصفنا إيّاها بأنّها مضمونة معناه أنّه يلزمه قيمتها بتلفها ، والقيمة مجهولة ، وضمان المجهولة لا يجوز(٤) .

مسألة ٥١٢ : للشيخرحمه‌الله قولان في ضمان المجهول.

قال في الخلاف : لا يصحّ(٥) ، وبه قال ابن أبي ليلى والثوري والليث‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٨.

(٢) في ص ٣٢١ ، المسألة ٥١١.

(٣) أي القول الثاني للشافعيّة.

(٤) المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧ ، وأيضاً راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٣٢١.

(٥) الخلاف ٣ : ٣١٩ ، المسألة ١٣.

٣٢٤

وأحمد(١) ؛ لأنّه إثبات مال في الذمّة بعقدٍ لآدمي ، فلم يصح في المجهول ، كالبيع وكما لو قال : ضمنت لك بعض مالك على فلان.

وقال في النهاية : لو قال : أنا أضمن لك ما يثبت لك عليه إن لم يأت به إلى وقت كذا ، ثمّ لم يُحضره ، وجب عليه ما قامت به البيّنة للمضمون عنه ، ولا يلزمه ما لم تقم به البيّنة ممّا يخرج به الحساب في دفتر أو كتاب ، وإنّما يلزمه ما قامت له به البيّنة ، أو يحلف خصمه عليه ، فإن حلف على ما يدّعيه واختار هو ذلك ، وجب عليه الخروج منه(٢) . وهذا يشعر بجواز ضمان المجهول ، وبه قال أبو حنيفة ومالك(٣) .

وعن أحمد روايتان(٤) .

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّه على قولين : القديم : أنّه يصحّ. والجديد : المنع.

والثاني : القطع بالمنع(٥) .

واحتجّ المجوّزون بقوله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٥٦ ، المغني ٥ : ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٠ ، وفي الأخيرين وكذا في الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١ صحّة ضمان المجهول ، على العكس ممّا نُسب إلى أحمد في المتن.

(٢) النهاية : ٣١٥ - ٣١٦.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١٧٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٦٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، المغني ٥ : ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٠.

(٤) لاحظ المصادر في الهامش (١)

(٥) الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، الوجيز ١ : ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣.

٣٢٥

زَعِيمٌ ) (١) وحِمْل البعير مجهول ، ويختلف باختلاف الأجناس.

ولعموم قولهعليه‌السلام : « الزعيم غارم »(٢) .

ولأنّه التزام حقٍّ في الذمّة عن معاوضة ، فصحّ مع الجهالة ، كالنذر والإقرار. ولأنّه يصحّ تعليقه بغرر وخطر ، وهو ضمان العهدة ، وكما إذا قال لغيره : ألق متاعك في البحر وعلَيَّ ضمانه ، أو قال : ادفع ثيابك إلى هذا [ الرفّاء ](٣) وعلَيَّ ضمانها ، فصحّ في المجهول ، كالعتق والطلاق(٤) .

تذنيب : إن قلنا بصحّة ضمان المجهول فإنّما يصحّ في صورة يمكن العلم فيها بعد ذلك‌ ، كما لو قال : أنا ضامن للدَّيْن الذي عليك ، أو أنا ضامن لثمن ما بعت من فلان ، وهو جاهل بالدَّيْن والثمن ؛ لأنّ معرفته ممكنة ، والخروج عن العهدة مقدور عليه ، أمّا لو لم يمكن الاستعلام ، فإنّ الضمان فيه لا يصحّ قولاً واحداً ، كما لو قال : ضمنت لك شيئاً ممّا لك على فلان.

مسألة ٥١٣ : الإبراء - عندنا - من المجهول يصحّ‌ ؛ لأنّه إسقاط عمّا في الذمّة ، بل هو أولى من ضمان المجهول ؛ لأنّ الضمان التزام ، والإبراء إسقاط.

والخلاف المذكور للشافعيّة في ضمان المجهول آتٍ لهم في الإبراء(٥) .

____________________

(١) يوسف : ٧٢.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٤ / ٢٤٠٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٧ / ٣٥٦٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٥ / ١٢٦٥ ، سنن الدارقطني ٤ : ٧٠ / ٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٢ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩٢.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) المغني ٥ : ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٠ - ٨١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٤.

٣٢٦

وذكروا للخلاف في الإبراء مأخذين :

أحدهما : الخلاف في صحّة شرط البراءة من العيوب ، فإنّ العيوب مجهولة الأنواع والأقدار.

والثاني : أنّ الإبراء محض إسقاطٍ ، كالإعتاق ، أو هو تمليك للمديون ما في ذمّته ، ثمّ إذا ملكه يسقط.

وفيه قولان إن قلنا : إنّه إسقاط ، صحّ الإبراء عن المجهول - كما ذهبنا نحن إليه - وبه قال أبو حنيفة ومالك. وإن قلنا : تمليك ، لم يصح ، وهو ظاهر مذهب الشافعي(١) .

وخرّجوا على هذا الأصل مسائل :

أ : لو عرف المبرى ء قدر الدَّيْن ولم يعرفه المبرأ عنه ، هل يصحّ أم لا؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الوكالة.

ب : لو كان له دَيْنٌ على اثنين ، فقال : أبرأت أحدكما ، إن قلنا : إنّه إسقاط ، صحّ ، وطُولب بالبيان. وإن قلنا : تمليك ، لم يصح ، كما لو كان في يد كلّ واحدٍ منهما ثوب ، فقال : ملّكت أحدكما الثوب الذي في يده.

ج : لو كان للأب دَيْنٌ على شخصٍ فأبرأه الولد وهو لا يعلم موت أبيه ، إن قلنا : إنّه إسقاط ، صحّ ، كما لو قال لعبد أبيه : أعتقتك ، وهو لا يعلم موت الأب. وإن قلنا : إنّه تمليك ، فهو كما لو باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ وهو ميّت‌

د : الإبراء إذا كان إسقاطاً ، لم يحتج إلى القبول ، وهو ظاهر مذهب الشافعي. وإن قلنا : إنّه تمليك ، لم يحتج إليه أيضاً ؛ لأنّه وإن كان تمليكاً‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ - ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٤.

٣٢٧

فالمقصود منه الإسقاط. فإن اعتبرنا القبول ، ارتدّ بالردّ. وإن لم نعتبره ، ففي ارتداده بالردّ وجهان للشافعيّة(١) .

وعندنا أنّه لا يرتدّ.

واحتجّ بعض الشافعيّة على أنّ الإبراء تمليك : بأنّه لو قال للمديون : ملّكتك ما في ذمّتك ، صحّ وبرئت ذمّته من غير نيّة وقرينة ، ولو لا أنّه تمليك لافتقر إلى نيّة أو قرينة ، كما إذا قال لعبده : ملّكتك رقبتك ، أو لزوجته : ملّكتكِ نفسكِ ، فإنّه يحتاج عندهم إلى النيّة(٢) .

ولا يتأتّى ذلك على مذهبنا ؛ لأنّ العتق والطلاق لا يقعان بالكناية ، وإنّ الإبراء عندنا إسقاط محض ، ولا يعتبر فيه رضا المبرى ، ولا أثر لردّه.

تذنيب : لو اغتاب شخصٌ غيرَه ثمّ جاء إليه فقال : إنّي اغتبتك فاجعلني في حلٍّ‌ ، ففَعَل وهو لا يدري بِمَ اغتابه ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يبرأ ؛ لأنّ هذا إسقاط محض ، فصار كما لو عرف أنّ عبداً قطع عضواً من عبده ولم يعرف عين العضو المقطوع فعفا عن القصاص ، يصحّ.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّ المقصود حصول رضاه ، والرضا بالمجهول لا يمكن ، بخلاف مسألة القصاص ؛ لأنّ العفو عن القصاص مبنيّ على التغليب والسراية ، وإسقاط المظالم غير مبنيّ عليه(٣) .

مسألة ٥١٤ : إذا منعنا من ضمان المجهول ، فلو قال : ضمنت ما لك على فلان من درهم إلى عشرة ، فالأقوى : الصحّة‌ ؛ لأنّ ضمان المجهول إذا أبطلناه فإنّما كان باطلاً ؛ لما فيه من الغرر ، ومع بيان الغاية ينتفي الغرر ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٧ - ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٤.

٣٢٨

فينتفي المقتضي للفساد ، فيبقى أصل الصحّة سليماً عن المبطل ، وحيث وطّن نفسه على تلك الغاية فأيّ غرر يبقى فيه؟ وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : لا يصحّ ؛ لما فيه من الجهالة(١) .

فإذا قلنا بالصحّة وكان له عليه عشرة أو أكثر ، فيلزمه العشرة ؛ إدخالاً للطرفين في الملتزم ، وهو المتعارف ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّه يلزمه ثمانية ؛ إخراجاً للطرفين.

والثالث : تسعة ؛ إدخالاً للطرف الأوّل ؛ لأنّه مبدأ الالتزام(٢) .

وما اخترناه أصحّهما عندهم(٣) .

أمّا لو قال : ضمنت لك ما بين درهم وعشرة ، فإن عرف أنّ دَيْنه لا ينقص عن عشرة ، صحّ ضمانه ، وكان ضامناً لثمانية.

وإن لم يعرف ، ففي صحّته في الثمانية للشافعيّة قولان(٤) .

ولو قال : ضمنت لك الدراهم التي لك على فلان ، وقلنا ببطلان ضمان المجهول وهو لا يعرف قدرها ، احتُمل صحّة ضمان ثلاثة ؛ لدخولها قطعاً في اللفظ على كلّ حال ، كما لو قال : آجرتك كلّ شهر بدرهم ، هل يصحّ في الشهر الأوّل؟ للشافعيّة وجهان(٥) .

وكلّ هذه المسائل آتية في الإبراء.

تذنيب : هل يجوز ضمان الزكاة عمّن هي عليه؟ الأقوى عندي : الجواز‌ ؛ لأنّها دَيْنٌ ثابت لله تعالى ، فجاز ضمانها.

والمضمون له هنا الحاكم أو المستحقّ؟ إشكال.

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٥.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٥.

٣٢٩

وللشافعيّة وجه يمنع الضمان ؛ لأنّها حقّ الله تعالى ، فأشبه الكفالة ببدن الشاهد لأداء الشهادة(١) .

وعلى ما اخترناه هل يعتبر الإذن عند الأداء؟ للشافعيّة وجهان أظهرهما : الاعتبار(٢) .

تذنيب : يجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمم ، كالأموال‌ ؛ لأنّها مستحقّة في ذمّة المضمون عنه معلومة ، فلا مانع من صحّة ضمانها كالأموال.

البحث الثالث : في ضمان العهدة.

مسألة ٥١٥ : مَنْ باع شيئاً فخرج المبيع مستحقّاً لغير البائع ، وجب على البائع ردّ الثمن ، ولا حاجة فيه إلى شرطٍ والتزام.

قال بعض(٣) العلماء : من الحماقة اشتراط ذلك في القبالات.

وإن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج مستحقّاً ، فهو ضمان العهدة ، ويُسمّى أيضاً ضمان الدرك.

وسُمّي ضمان العهدة ؛ لالتزام الضامن ما في عهدة البائع ردّه ، أو لما ذكره صاحب الصحاح ، فقال : يقال : في الأمر عُهدة بالضمّ ، أي : لم يُحكم بَعْدُ ، وفي عقله عُهدة ، أي ضعف(٤) ، فكأنّ الضامن ضمن ضعف العقد ، والتزم ما يحتاج إليه فيه من غُرْم ، أو أنّ الضامن التزم رجعة المشتري عليه‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٥.

(٣) هو القفّال من الشافعيّة ، كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥١ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

(٤) الصحاح ٢ : ٥١٥ « عهد ».

٣٣٠

عند الحاجة.

وأمّا الدرك فقال في الصحاح : الدرك : التبعة(١) .

وقيل : سُمّي ضمان الدرك ؛ لالتزامه الغرامة عند إدراك المستحقّ عين ماله(٢) .

وهذا الضمان عندنا صحيح إن كان البائع قد قبض الثمن ، وإن لم يكن قد قبض ، لم يصح.

وللشافعي في صحّة ضمان العهدة طريقان :

أظهرهما : أنّه على قولين :

أحدهما : أنّه لا يصحّ ؛ لأنّه ضمان ما لم يجب. ولأنّه لا يجوز الرهن به فكذا الضمين.

وأصحّهما - وهو قول الشافعي في كتاب الإقرار - أنّه صحيح - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد - لإطباق الناس عليه ، وإيداعه الصكوك في جميع الأعصار. ولأنّ الحاجة تمسّ إلى معاملة مَنْ لا يعرف من الغرماء ولا يوثق بيده وملكه ويخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق ، فيحتاج إلى التوثيق.

والثاني : القطع بالصحّة(٣) .

ونمنع كون ضمان العهدة ضمان ما لم يجب ؛ لأنّه إذا ظهر عدم‌

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٨٢ « درك ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٢٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٦٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٨٠ ، الذخيرة ٩ : ٢١٢ ، المغني ٥ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٤.

٣٣١

استحقاق البائع للعين ، ظهر استحقاق الثمن عليه ، وثبوته في ذمّته ، وأنّه يجب عليه ردّ الثمن إلى المشتري ، إلّا أنّا لم نكن نعرف ذلك لخفاء الاستحقاق عندنا.

ونمنع عدم جواز الرهن عليه وقد روى داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الكفيل والرهن في بيع النسيئة ، قال : « لا بأس »(١) .

سلّمنا ، لكنّ الفرق ظاهرٌ ؛ لأنّ تجويز الرهن يؤدّي إلى أن تبقى العين مرهونةً أبداً.

مسألة ٥١٦ : قد بيّنّا أنّ الضمان في عهدة الثمن ودركه إن كان بعد قبض البائع الثمنَ ، صحّ‌ ، وبه قال الشافعي في أصحّ القولين عنده(٢) .

وإن كان قبله ، فوجهان عنده :

أصحّهما : البطلان - كما قلناه نحن - لأنّ الضامن إنّما يضمن ما دخل في ضمان البائع ولزمه ردّه ، وقبل القبض لم يتحقّق ذلك.

والثاني : الجواز ؛ لأنّ الحاجة تمسّ إليه والضرورة تقود إليه ؛ إذ ربما لا يثق المشتري بتسليم الثمن إلّا بعد الاستيثاق(٣) .

واعلم أ نّ ضمان العهدة في المبيع يصحّ عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع ، أمّا ضمانه عن البائع للمشتري فهو أن يضمن عن البائع الثمن متى خرج المبيع مستحقّاً أو رُدّ بعيبٍ ، أو أرش العيب. وأمّا ضمانه عن المشتري للبائع فهو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه ، وإن‌

____________________

(١) الفقيه ٣ : ٥٥ / ١٨٨ ، التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٠.

٣٣٢

ظهر فيه عيب أو استحقّ ، رجع بذلك على الضامن ، فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثمن أو جزء منه عن أحدهما للآخَر.

وحقيقة العهدة الكتاب الذي يكتب فيه وثيقة البيع ، ويذكر فيه الثمن فغرمه عن الثمن الذي يضمنه.

مسألة ٥١٧ : وكما يصحّ ضمان العهدة للمشتري يصحّ ضمان نقصان الصنجة للبائع‌ ، فإذا جاء المشتري بصنجة ووزن بها الثمن ، فاتّهمه البائع فيها ، فضمن ضامنٌ النقصانَ إن كانت الصنجة ناقصةً ، صحّ الضمان ؛ لأنّه من ضمان العهدة.

وكذا لو ضمن رداءة الثمن إذا شكّ البائع في أنّ الثمن الذي دفعه المشتري إليه هل هو من الضرب الذي يستحقّه ، صحّ ، فإذا خرج ناقصاً ، طالَب البائعُ الضامنَ بالنقصان.

وكذا لو خرج رديئاً من غير الجنس الذي يستحقّه المشتري ، فردّه على البائع ، طالَب المشتري الضامنَ بالضرب المستحقّ له.

ولو اختلف المتبايعان في نقصان الصنجة ، فالقول قول البائع مع يمينه ؛ لأصالة عدم القبض ، فإذا حلف طالَب المشتري بالنقصان ، ولا يطالب الضامن ، على أقيس الوجهين للشافعيّة ؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته ، فلا يطالب إلّا إذا اعترف بالنقصان أو قامت عليه البيّنة(١) .

ولو اختلف البائع والضامن في نقصان الصنجة ، صُدّق الضامن - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّ الأصل براءة ذمّته ، بخلاف المشتري ، فإنّ ذمّته كانت مشغولةً بحقّ البائع ، فالأصل(٣) بقاء الشغل.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٠.

(٣) كذا ، والظاهر : « والأصل ».

٣٣٣

ويُحتمل تقديم قول البائع ؛ لاعتضاده بالأصل.

ولو باع وشرط كون المبيع من نوع كذا ، فخرج المبيع من نوع أردأ ، ثبت للمشتري الخيار والرجوع بالثمن ، فإذا ضمن ضامنٌ ، كان له الرجوع على الضامن أيضاً.

وفيه نظر عندي ؛ إذ الثمن هنا لم يكن واجباً على البائع ، وإنّما وجب بفسخ المشتري البيع.

ولو شرط كون المبيع كذا رطلاً ، فخرج دونه ، فإن قلنا ببطلان البيع - كما هو أحد قولي الشافعي(١) - كان للمشتري الرجوع على ضامن الصنجة عن البائع.

وإن قلنا بأنّ البيع صحيح وثبت للمشتري الخيار فإذا فسخ رجع على الضامن أيضاً.

وفيه النظر الذي قلناه.

مسألة ٥١٨ : لو ضمن رجل عهدة الثمن لو خرج مستحقّاً - كما قلناه في طرف المبيع - فإذا خرج الثمن مستحقّاً ، كان للبائع مطالبة الضامن‌ بالعين التي دفعها إلى المشتري إن كان ذلك بعد الدفع ، وفيما قبله قولان للشافعي تقدّما(٢) .

ولو ضمن عهدة الثمن لو خرج المبيع مستحقّاً ، فلا شكّ في صحّته كما سبق(٣) ، إلّا من بعض الشافعيّة(٤) ، وقد بيّنّا خطأهم فيه.

أمّا لو ضمن عهدة الثمن لو خرج المبيع معيباً وردّه أو بانَ فساد البيع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٢.

(٢) في ص ٣٣١ ، المسألة ٥١٦.

(٣) في ص ٣٣٠ ، ضمن المسألة ٥١٥.

(٤) راجع : الهامش (٣) من ص ٣٣٠.

٣٣٤

بسبب غير الاستحقاق ، كتخلّف شرطٍ معتبر في المبيع أو اقتران شرطٍ فاسد به ، فالأقوى عندي : عدم الجواز في الصورة التي خرج المبيع فيها معيباً ؛ لأنّ وجوب ردّ الثمن على البائع بسببٍ حادث ، وهو الفسخ ، والضمان سابق عليه ، فيكون ضمان ما لم يجب ، وهو أحد قولَي الشافعي(١) .

وأمّا إذا ظهر فساد البيع بسبب غير الاستحقاق من تخلّف شرطٍ معتبر أو اقتران شرطٍ فاسد به ، فالأقوى عندي : صحّة الضمان ؛ لأنّ الثمن يجب ردّه على البائع ، فأشبه ما لو بانَ الفساد بالاستحقاق ، وهو أحد قولَي الشافعي.

وفي الثاني : لا يصحّ الضمان ؛ لأنّ هذا الضمان إنّما جُوّز للحاجة ، وإنّما تظهر الحاجة في الاستحقاق ؛ لأنّ التحرّز عن ظهور الاستحقاق لا يمكن ، والتحرّز عن سائر أسباب الفساد ممكن ، بخلاف حالة ظهور الاستحقاق(٢) .

ونمنع إمكان التحرّز عن جميع أسباب الفساد.

فإن قلنا بالصحّة لو ضمن ذلك صريحاً ، قالت الشافعيّة : فيه وجهان في اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة(٣) .

مسألة ٥١٩ : ألفاظ ضمان العهدة أن يقول الضامن للمشتري : ضمنت لك عهدته ، أو ثمنه ، أو دركه ، أو خلّصتك منه.

ولو قال : ضمنت لك خلاص المبيع والعهدة ، لم يصح ضمان الخلاص ؛ لأنّه لا يقدر على ذلك متى خرج مستحقّاً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٢ - ١٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٠.

٣٣٥

وفي العهدة قولا تفريق الصفقة للشافعيّة(١) .

وقال أبو يوسف : العهدة كتاب الابتياع ، فإذا ضمن العهدة ، كان ضماناً للكتاب(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ العهدة صار في العرف عبارةً عن الدرك وضمان الثمن ، وإذا ثبت للاسم عرفٌ ، انصرف الإطلاق إليه.

ولو شرط في البيع كفيلاً بخلاص المبيع ، قال الشافعي : بطل ، بخلاف ما لو شرط كفيلاً بالثمن(٣) .

ويشترط أن يكون قدر الثمن معلوماً للضامن إن شرطنا العلم بالمال المضمون ، فإن لم يكن ، فهو كما لو لم يكن قدر الثمن معلوماً في المرابحة.

ويصحّ ضمان الـمُسْلَم فيه للمُسْلَم إليه لو خرج رأس المال مستحقّاً بعد تسليم الـمُسْلَم فيه ، وقبله للشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : أنّه لا يصحّ(٤) .

ولا يجوز ضمان رأس المال للمُسْلِم لو خرج الـمُسْلَم فيه مستحقّاً ؛ لأنّ الـمُسْلَم فيه في الذمّة ، والاستحقاق لا يتصوّر فيه ، وإنّما يتصوّر في المقبوض ، وحينئذٍ يطالب بمثله لا برأس المال.

مسألة ٥٢٠ : ضمان المال - عندنا - ناقل للمال من ذمّة المديون إلى ذمّة الضامن على ما يأتي.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٠.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٦٦ ، وانظر : المغني ٥ : ٧٧ ، والشرح الكبير ٥ : ٨٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

٣٣٦

وفي ضمان الأعيان المضمونة والعهدة إشكال أقربه عندي : جواز مطالبة كلٍّ من الضامن والمضمون عنه بالعين المغصوبة.

أمّا الضامن : فللضمان.

وأمّا المضمون عنه : فلوجود العين في يده أو تلفها فيه.

وفي العهدة إن شاء المشتري طالَب البائع ، وإن شاء طالَب الضامن ؛ لأنّ القصد هنا بالضمان التوثيق لا غير.

ولا فرق بين أن يخرج المبيع مغصوباً ، وبين أن يكون شقصاً قد ثبتت فيه الشفعة ببيعٍ سابق ، فأخذ الشفيع بذلك البيع.

ولو بانَ بطلان البيع بشرطٍ أو غيره ، ففي مطالبة الضامن للشافعيّة وجهان :

أحدهما : يُطالب ، كما لو خرج مستحقّاً ، وهو الذي قلنا نحن به.

والثاني : لا يُطالب ؛ للاستغناء عنه بإمكان حبس المبيع إلى استرداد الثمن ، لأنّ السابق إلى الفهم من ضمان العهدة هو الرجوع بسبب الاستحقاق(١) .

وليس بجيّد ، بل بسبب الاستحقاق والفساد.

ولو خرج المبيع معيباً فردّه المشتري ، ففي مطالبة الضامن بالثمن عندي إشكال.

وللشافعيّة وجهان ، قالوا : وأولى بأن لا يطالب فيه ؛ لأنّ الردّ هنا بسببٍ حادث ، وهو [ مختار ](٢) فيه ، فأشبه ما إذا(٣) فسخ بخيار شرط أو مجلس ، أو تقايلا(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٣ - ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في « ر ، ث » : « لو » بدل « إذا ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

٣٣٧

وهذا إذا كان العيب مقروناً بالعقد ، أمّا لو حدث في يد البائع بعد العقد ، قال بعض الشافعيّة : لا يطالب الضامن - وهو المعتمد عندي - لأنّ سبب ردّ الثمن لم يكن مقروناً بالعقد ولم يوجد من البائع تفريط فيه ، وفي العيب الموجود عند البيع سبب الردّ مقرون بالعقد ، والبائع مفرط بالإخفاء ، فأُلحق بالاستحقاق(١) .

ولو تلف المبيع قبل القبض بعد قبض الثمن وانفسخ العقد ، فهل يطالب الضامن بالثمن؟ إن قلنا : إنّ البيع ينفسخ من أصله ، فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق. وإن قلنا : ينفسخ من حينه ، فكالردّ بالعيب.

مسألة ٥٢١ : لو خرج بعض المبيع مستحقّاً ، كان البيع في الباقي صحيحاً ، وللمشتري فسخه على ما تقدّم‌(٢) .

وللشافعي في صحّة البيع في الباقي قولا تفريق الصفقة(٣) .

فعلى ما اخترناه وعلى قوله بالصحّة في تفريق الصفقة إذا أجاز المشتري بالحصّة من الثمن ، طالَب المشتري الضامنَ بحصّة المستحقّ من الثمن. وإن أجاز بجميع الثمن ، لم يكن له مطالبة الضامن بشي‌ء.

وللشافعيّة قولان في أنّه هل يجيز بجميع الثمن أو بالحصّة؟(٤) .

والحكم على ما قلناه.

وإن فسخ ، طالَب الضامن بحصّة المستحقّ من الثمن ، وأمّا حصّة الباقي من الثمن فإنّه يطالبه بها البائع.

وهل له مطالبة الضامن؟ أمّا عندنا فلا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

(٢) في ج ١٢ ، ص ٦ ، ضمن المسألة ٥٥٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

٣٣٨

وللشافعي قولان(١) ، كما لو فسخ بالعيب.

وعلى القول الثاني للشافعي في بطلان البيع مع تفريق الصفقة فله طريقان :

أحدهما : أنّه كما لو بانَ فساد العقد بشرطٍ ونحوه.

والثاني : القطع بتوجيه المطالبة ؛ لاستناد الفساد إلى الاستحقاق ، لأنّ فسخ العقد ثبت له بسبب الاستحقاق ، وما ثبت له بسبب الاستحقاق يرجع به على ضامن العهدة ، كما لو كان الكلّ مستحقّاً(٢) .

هذا إذا ضمن بالصيغة المذكورة أوّلاً ، أمّا إذا كان قد عيّن جهة الاستحقاق ، فقال : ضمنت لك الثمن متى خرج المبيع مستحقّاً ، لم يطالب بجهةٍ أُخرى.

وكذا لو عيّن جهةً أُخرى ، لا يطالب عند ظهور الاستحقاق.

مسألة ٥٢٢ : لو اشترى أرضاً وبنى فيها أو غرس ثمّ ظهر استحقاق الأرض ، وقَلَع المستحقّ البناء والغراس‌ ، فهل يجب على البائع أرش النقصان ، وهو ما بين قيمته قائماً ومقلوعاً؟ فيه خلاف يأتي ، والظاهر وجوبه ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : إن كان البائع حاضراً ، رجع المشتري بقيمة البناء والغراس عليه قائماً ، ثمّ المستحقّ إن شاء أعطى البائع قيمته مقلوعاً ، وإن شاء أمر بقلعه. وإن كان البائع غائباً ، قال المستحقّ للمشتري : إن شئت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١ - ٤٨٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

٣٣٩

أعطيتك قيمته مقلوعاً ، وإلّا فاقلعه ، فإن قَلَعه ، رجع المشتري بقيمته على البائع مقلوعاً ؛ لأنّه سلّمه إليه مقلوعاً(١) .

وإذا قلنا بوجوب الأرش على البائع ، فلو ضمنه [ ضامن ](٢) ، فإن كان قبل ظهور الاستحقاق ، لم يصح عند الشافعي ؛ لأنّه مجهول. ولأنّه ضمان ما ليس بواجب.

وإن كان بعد الاستحقاق وقبل القلع ، فكمثله(٣) .

وقال أبو حنيفة : يصحّ في الصورتين(٤) .

فإن ضمنه بعد القلع وكان قدره معلوماً ، صحّ ، وإلّا فقولان.

وإن ضمن ضامنٌ عهدة الأرض وأرش [ نقص ](٥) البناء والغراس في عقدٍ واحد ، قال الشافعي : لم يصح في الأرش ، وفي العهدة قولا تفريق الصفة(٦) .

ولو كان البيع بشرط أن يعطيه كفيلاً بهما ، فهو كما لو شرط في البيع رهناً فاسداً عند الشافعي(٧) .

وقال جماعة من الشافعيّة : إنّ ضمان نقصان البناء والغراس كما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ - ١٥٥.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

(٥) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣.

٣٤٠

لا يصحّ من غير البائع لا يصحّ من البائع(١) .

وهذا إن أُريد به أنّه لغو ، كما لو ضمن العهدة لوجوب الأرش عليه من غير التزامٍ ، فهو مستمرّ على ظاهر مذهب الشافعيّة(٢) ، وإلّا فهو ذهاب منهم إلى أنّه لا أرش عليه.

مسألة ٥٢٣ : استحقاق رجوع المشتري بالثمن إن كان بسببٍ حادث بعد العقد - كتلف المبيع في يد البائع أو بغَصْبٍ منه‌ ، أو تقايل المشتري - فإنّ المشتري يرجع هنا على البائع خاصّةً ؛ لأنّ هذا الاستحقاق لم يكن موجوداً حال العقد ، وإنّما ضمن في العقد الاستحقاق الموجود حال العقد.

ومَنْ جوّز ضمان ما لم يجب جَعَل للمشتري هنا الرجوعَ على الضامن.

وإن كان الاستحقاق للثمن بسببٍ كان موجوداً حال العقد ، فإن كان لا بتفريطٍ من البائع كالشفعة ، فإن أخذ الشقص من المشتري ، رجع المشتري عليه ، ولا يرجع على البائع ولا على الضامن ؛ لأنّ الشفعة مستحقّة على المشتري.

وإن كان بتفريطه ، فإن كان المشتري ردّ بعيبٍ كان موجوداً حال العقد ، رجع على البائع.

وفي رجوعه على الضامن إشكال.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

وإن كان فيه عيب وحدث فيه عند المشتري عيب ، فليس له ردّه ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

٣٤١

وله الرجوع بأرش العيب ، ويرجع به على البائع.

وفي رجوعه على الضامن الإشكال السابق.

والوجهان للشافعيّة(١) .

مسألة ٥٢٤ : لو ضمن البائع له ما يحدث المشتري في المبيع‌ من بناء أو غراس أو ما يلزمه من غرامة عن أُجرة ونفع ، فالأقرب : صحّة الضمان ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ؛ لأنّ ضمان ما لم يجب - عندهما - وضمان المجهول صحيحان(٢) .

وعندنا أنّ ضمان المجهول صحيح ، وضمان ما لم يجب باطل ، لكن نمنع هنا كون المضمون غيرَ واجب.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّه مجهول ولم يجب ، وكلاهما لا يصحّ ضمانه(٣) .

فعلى قوله إذا ضمن ذلك البائعُ في عقد البيع أو ضمنه غيره وشرط ذلك في العقد ، فسد به العقد عنده ، وكذا إن كان في زمن الخيار. وإن كان بعد لزوم العقد ، لم يصح ولم يؤثّر في العقد.

وإن ضمن ذلك مع العهدة ، فإن كان البائعَ ، لم يصح ضمان ما يحدث عنده ، والعهدة واجبة عليه بغير ضمان. وإن كان أجنبيّاً ، فسد ضمان ما يحدث عنده.

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٤٨١.

(٢) المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ٦٦.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٦٦ ، المغني ٥ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦.

٣٤٢

البحث الرابع : في أحكام الضمان.

وهي أربعة : مطالبة المستحقّ والضامن ، والرجوع ، وما يرجع به ، ففيها أربعة أنظار :

الأوّل : الضمان عندنا ناقلٌ للمال من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن‌ ، فللمضمون له مطالبة الضامن بالمال ، وليس له مطالبة المضمون عنه ، عند علمائنا أجمع - وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداوُد وأبو ثور(١) - لما رواه العامّة عن أبي سعيد الخدري أنّه كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جنازة ، فلمّا وُضعت قال : « هل على صاحبكم من دَيْن؟ » قالوا : نعم ، درهمان ، فقال : « صلّوا على صاحبكم » فقال عليّعليه‌السلام : « يا رسول الله صلِّ عليه وأنا لهما ضامن » فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى عليه ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فقال : « جزاك الله عن الإسلام خيراً ، وفكّ رهانك كما فككت رهان أخيك » فقلت : يا رسول الله هذا لعليّ خاصّةً ، أم للناس عامّة؟ قال : « للناس عامّة »(٢) فدلّ على أنّ المضمون عنه بري.

وعن جابر قال : توفّي صاحبٌ لنا فأتينا به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليصلّي عليه ، فخطا خطوة ثمّ قال : « أعليه دَيْنٌ؟ » قلنا : نعم ، ديناران ، فانصرف فتحمّلهما أبو قتادة ، فقال : الديناران عَلَيّ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وجب حقّ الغريم ، وبرئ الميّت منهما؟ » قال : نعم ، فصلّى عليه ، ثمّ قال بعد ذلك : « ما فعل الديناران؟ » قال : إنّما مات أمس ، قال : فعاد إليه من الغد فقال : قد‌

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠١ / ١٠١٢ ، المغني ٥ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٨.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ٧٨ - ٧٩ / ٢٩١ و ٢٩٢ ، المغني ٥ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧١.

٣٤٣

قضيتهما ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الآن برّدتَ جلده »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عطاء عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : جُعلت فداك إنّ علَيَّ دَيْناً إذا ذكرته فسد عَلَيَّ ما أنا فيه ، فقال : « سبحان الله أوَما بلغك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول في خطبته : مَنْ ترك ضياعاً فعلَيَّ ضياعه ، ومَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ دَيْنه ، ومَنْ ترك مالاً فلله(٢) ، فكفالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميّتاً ككفالته حيّاً ، وكفالته حيّاً ككفالته ميّتاً » فقال الرجل : نفّست عنّي جعلني الله فداك(٣) . فلولا براءة ذمّته من الدَّيْن ، لم يحصل له نفع بالضمان ولا تنفّس عنه كربه.

ولأنّه دَيْنٌ واحد فمحلّه واحد ، فإذا صار في ذمّة الضامن ، برئت ذمّة الأوّل ، كالمحال به ، وذلك لأنّ الواحد لا يحلّ في محلّين ، وثبوت دَيْنٍ آخَر في ذمّة الضامن يقتضي تعدّد الدَّيْنين.

وقال عامّة الفقهاء - كالثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي - : إنّ المضمون عنه لا يبرأ من المال ، وللمضمون له مطالبة مَنْ شاء من الضامن ومن المضمون عنه ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي قتادة حين قضى الدَّيْن عن الميّت : « الآن برّدتَ عليه جلده »(٤) .

وقولهعليه‌السلام : « نفس المؤمن معلّقة بدَيْنه حتى يقضى عنه »(٥)

____________________

(١) سنن الدار قطني ٣ : ٧٩ / ٢٩٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٤ و ٧٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٨ ، مسند الطيالسي : ٢٣٣ / ١٦٧٣ ، مسند أحمد ٤ : ٢٨٠ - ٢٨١ / ١٤١٢٧ ، وعن الأخير ابنا قدامة في المغني ٥ : ٨٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٧٢.

(٢) في المصدر : « فأكله » بدل « فللّه ».

(٣) التهذيب ٦ : ٢١١ / ٤٩٤.

(٤) تقدم تخريجه في الهامش (١)

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٦ / ٢٤١٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ١٠٧٨ و ١٠٧٩ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٩ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٢٦ - ٢٧.

٣٤٤

ولأنّ الضمان يفارق الحوالة باسمٍ ، فاختصّ عنها بحكمٍ يخالفها(١) .

وقوله لأبي قتادة إنّما كان لأنّه بالقضاء تحقّق فائدة الضمان ، وعُلم إبراء ذمّة الميّت ، وصحّ الحكم منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ببرد جلده ، والضمان عنه قضاء أيضاً. والفرق بالاسم لا يستلزم ما ذكروه ؛ لجواز اختصاص الضمان بأُمور لا تثبت في الحوالة.

مسألة ٥٢٥ : ليس للمضمون له مطالبة المضمون عنه ، بل يطالب الضامن خاصّةً عندنا.

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم : يرجع على مَنْ شاء من الضامن والمضمون عنه(٢) .

وقال مالك : إنّه لا يطالب الضامن ، إلّا إذا عجز عن تحصيله من الأصيل ؛ لغيبته أو إعساره ؛ لأنّ الضمان وثيقة ، فلا يستوفى الحقّ منها إلّا عند تعذّره ، كالرهن(٣) .

واحتجّ الشافعي : بأنّ الحقّ ثابت في ذمّة كلٍّ منهما ، فكان له مطالبته كالضامنين ، ولا يشبه الرهن ؛ لأنّه مال مَنْ عليه الحقّ ، وليس بذي ذمّةٍ‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٨١ - ٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٠ - ٧٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٢٩ ، المحلّى ٨ : ١١٣ ، مختصر المزني : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، الوسيط ٣ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، الوجيز ١ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٤ ، وراجع أيضاً المصادر في الهامش (١)

(٣) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٥٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، المغني ٥ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٧١.

٣٤٥

يطالب ، وإنّما يطالب مَنْ عليه الحقّ ، فيقضى منه أو من غيره(١) .

هذا إذا ضمن مطلقاً ، ولو ضمن بشرط براءة الأصيل ، ففي صحّته عند الشافعيّة وجهان :

أشبههما عندهم : المنع ؛ لأنّه قرن به شرطاً يخالف مقتضى الضمان.

والثاني : يصحّ ؛ لما روي أنّه لـمّا ضمن أبو قتادة الدينارين عن الميّت ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هُما عليك [ وجب ](٢) حقّ الغريم وبرئ الميّت؟ » فقال : نعم ، فصلّى عليه(٣) (٤) .

وهذا عندنا ساقط ؛ لأنّا نقول ببراءة الأصيل.

وإن لم يشترطه ، فلا فائدة لهذا الشرط عندنا. وأمّا عند الشافعي فوجهان كما قلنا.

فعلى تقدير الصحّة في صحّة الشرط وجهان عندهم يشبهان الخلاف في براءة المحيل إذا أحال على مَنْ لا دَيْن عليه وقلنا بصحّة هذه الحوالة(٥) .

وقد يعكس بعض الشافعيّة الترتيبَ فيقول : في صحّة الشرط وجهان ، إن فسد ، ففي فساد الضمان وجهان.

وإذا صحّحنا العقد والشرط ، برئ الأصيل ، وكان للضامن الرجوع عليه في الحال إن ضمن بإذنه ؛ لأنّه حصل له براءة ذمّته ، كما لو أدّى(٦) .

وعندنا ينبغي أن لا يكون ، بل يرجع عليه مع الأداء.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، المغني ٥ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٧١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه كما تقدّم.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٤٣ ، الهامش (١)

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ - ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

٣٤٦

مسألة ٥٢٦ : إذا أبرأ المالك للدَّيْن ذمّة الضامن ، برئ الأصيل عند علمائنا‌ ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقلٌ للدَّيْن من ذمّة الأصيل إلى ذمّة الضامن ، وليس للضامن أن يرجع على المضمون عنه إلّا بما أدّاه ، فإذا أُسقط الدَّيْن عنه لم يؤدّ شيئاً ، فلم يرجع بشي‌ء.

ولو تعدّد الضمناء على الترتيب بأن ضمن الدَّيْنَ ضامنٌ ثمّ ضمن الضامنَ ضامنٌ آخَر ، فإذا أبرأ الضامنَ الأخير ، برئ الأصيل ومَنْ تفرّع عليه عندنا ؛ لما تقدّم.

ولو أبرأ المستحقّ للدَّيْن ذمّة الأصيل ، لم يبرأ الضامن ؛ لأنّ الحقّ سقط عن ذمّة الأصيل بالنسبة إلى صاحب الدَّيْن ، فلا يصادف الإبراء استحقاقاً فلا يكون صحيحاً.

ولو أبرأ المستحقّ الضامنَ الأوسط ، لم يبرأ الأخير.

وقال العامّة : إذا أبرأ المستحقُّ الأصيلَ ، برئ الضمناء ؛ لسقوط الحقّ ، كما لو أدّى الأصيل الدَّيْنَ أو أحال مستحقَّ الدَّيْن على إنسان ، أو أحال المستحقّ غريمه عليه. وكذا يبرأ ببراءة ضامن الضامن(١) .

ولو أبرأ الضامنَ ، لم يبرأ الأصيل عندهم ؛ لأنّ إبراءه إسقاطٌ للوثيقة ، وذلك لا يقتضي سقوط أصل الدَّيْن كفكّ الرهن(٢) .

وهذا بناءً على بقاء الدَّيْن في ذمّة الأصيل ، وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ٥٢٧ : لو ضمن الدَّيْن المؤجَّل فمات الأصيل وحلّ عليه الدَّيْن ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، الوسيط ٣ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦ ، المغني ٥ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٣.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، الوسيط ٣ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٣٤٧

لم يحل على الضامن ؛ لأنّه حيّ يرتفق بالأجل ، قاله أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : يحلّ على الضامن أيضاً ؛ لأنّه فرع على الأصيل(٢) .

ويحجر الحاكم من تركة الأصيل بقدر الدَّيْن ، فإن تلف ، ضمن الوارث ، كما أنّ النماء له.

ولو أخّر المستحقّ المطالبةَ ، كان للضامن أن يطالبه بأخذ حقّه من تركة الأصيل ، ولا يجعل في يده ؛ لأنّه إنّما يستحقّ أن يأخذ ما أدّى ، وهو الآن لم يؤدّ شيئاً ، بل يجعل في يد أمين أو في يد الورثة مع التضمين إن رأى الحاكم ذلك صلاحاً ، أو يطالب المستحقّ بإبراء ذمّته ؛ لأنّه قد تهلك التركة ، فلا يجد مرجعاً إذا غرم.

وقال بعض الشافعيّة : ليس للضامن هذه المطالبة(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الميّت عليه دَيْنٌ قطعاً لم تبرأ ذمّته منه بالكلّيّة ، أقصى ما في الباب أنّ المال انتقل من ذمّته إلى ذمّة الضامن بالنسبة إلى المضمون له لا مطلقاً ، والديون على الميّت تحلّ قطعاً بلا خلاف ، وليس للمضمون له المطالبة بهذا الدَّيْن من التركة عندنا على ما تقدّم ، فيبقى المطالب الضامن خاصّةً ، لكنّ القبض على ما صوّرناه.

ولو مات الضامن ، حلّ عليه الدَّيْن فإن أخذ المستحقّ المالَ من تركة الضامن ، لم يكن لورثته الرجوعُ على المضمون عنه قبل حلول الأجل.

وقال زفر : إنّهم يرجعون عليه ؛ لأنّه هو أدخلهم في ذلك مع علمه أنّه يحلّ بموته(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ الدَّيْن مؤجَّل على المضمون عنه ، فلا تجوز مطالبته‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٥٨ ، المغني ٥ : ٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٤.

٣٤٨

به قبل الأجل ، ولم يدخله في الحال ، بل في المؤجَّل ، وحلوله بموته بسببٍ من جهته ، فهو كما لو قضى قبل الأجل.

وقال بعض الشافعيّة : لا يحلّ على الضامن ، كما لم يحل على الأصيل(١) .

النظر الثاني : في مطالبة الضامن.

مسألة ٥٢٨ : إذا ضمن الضامن دَيْناً على رجل من آخَر ، لم يثبت للضامن حقٌّ على الأصيل الذي هو المضمون عنه‌ إن كان قد تبرّع بالضمان ، وضمن بغير سؤالٍ من المضمون عنه ؛ لأنّه لم يدخله في الضمان.

وليس للضامن متبرّعاً مطالبة المضمون عنه بتخليصه من الضمان ، بل يؤدّي المال ، ولا يرجع به على أحد.

وإن لم يكن متبرّعاً بالضمان وضمن بسؤال المضمون عنه ، فهل يثبت للضامن حقٌّ عليه ويوجب علقةً بينهما؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يثبت ؛ لأنّه اشتغلت ذمّته بالحقّ كما ضمن ، فليثبت له عوضه على الأصيل.

والثاني : لا يثبت ؛ لأنّه لا يفوت عليه قبل الغُرْم شي‌ء ، فلا يثبت له شي‌ء إلّا بالغُرْم(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان المضمون له يطالب الضامن بأداء المال ، فهل للضامن مطالبة الأصيل بتخليصه؟ قال أكثر الشافعيّة : نعم ، كما أنّه يغرم إذا غرم(٣) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ - ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

٣٤٩

وقال القفّال : لا يملك مطالبته به(١) ، وهو الأقوى عندي ؛ إذ الضامن إنّما يرجع بما أدّى ، فقبل الأداء لا يستحقّ الرجوع ، فلا يستحقّ المطالبة.

وإن كان المضمون له لم يطالب الضامن ، فهل للضامن أن يطالب المضمون عنه بالتخليص؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ، كما لو استعار عيناً ليرهنها ورهنها ، فإنّ للمالك المطالبة بالفكّ. ولأنّ عليه ضرراً في بقائه ؛ لأنّه قد يتلف مال المضمون عنه فلا يمكنه الرجوع عليه.

وأصحّهما عندهم : أنّه ليس له المطالبة ؛ لأنّه لم يغرم شيئاً ، ولا توجّهت عليه مطالبةٌ ، والضمان تعلّق بذمّته ، وذلك لا يُبطل شيئاً من منافعه ، فإذا لم يطالَبْ لم يطالِبْ ، بخلاف الرهن ؛ فإنّ الرهن محبوس بالدَّيْن ، وفيه ضررٌ ظاهر(٢) .

ومعنى التخليص أن يؤدّي دَيْن المضمون له ليبرأ ببراءة الضامن.

قال ابن سريج : إذا قلنا : ليس له مطالبته بتخليصه ، فللضامن أن يقول للمضمون له : إمّا أن تطالبني بحقّك ، أو تبرئني(٣) .

مسألة ٥٢٩ : إذا ضمن بسؤاله ، كان له الرجوع إذا غرم ، وليس له الرجوع قبل الغرم.

وللشافعيّة في أنّه هل يُمكَّن الضامن من تغريم الأصيل قبل أن يغرم؟ وجهان ؛ بناءً على الأصل المذكور ، إن أثبتنا له حقّاً على الأصيل بمجرّد الضمان ، فله أخذه ، وإلّا فلا(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

٣٥٠

إذا ثبت هذا ، فإن أخذ الضامن من المضمون عنه عوضاً عمّا يقضي به دَيْن الأصيل قبل أن يغرم ، الأقرب : أنّه لا يملكه ؛ لجواز السقوط بالإبراء ، فيكون للأصيل.

وللشافعيّة وجهان ؛ بناءً على الأصل السابق(١) .

ولو دفعه الأصيل ابتداءً من غير جبر ومطالبة ، فإنّ الضامن لا يملكه كما قلناه أوّلاً ، فعليه ردّه ، وليس له التصرّف فيه.

ولو هلك عنده ، ضمن ، كالمقبوض بالشراء الفاسد ، على إشكالٍ ، وهو أحد قولَي الشافعي.

وفي الآخَر : يملكه ، فله التصرّف فيه ، كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجَّلة ، لكن لا يستقرّ ملكه إلّا بالغُرْم ، حتى لو أبرأه المستحقّ ، كان عليه ردّ ما أخذ ، كردّ الزكاة المعجَّلة إذا هلك المال قبل الحلول(٢) .

ولو دفعه إليه وقال : اقض به ما ضمنتَ عنّي ، فهو وكيل الأصيل ، والمال أمانة في يده.

مسألة ٥٣٠ : لا يجوز للضامن حَبْسُ الأصيل إذا(٣) حَبَس المضمونُ له الضامنَ ، وهو أصحّ قولَي الشافعي.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة - للضامن حبس المضمون عنه ؛ بناءً على إثبات العلاقة بين الضامن والأصيل(٤) .

وليس بجيّد.

ولو أبرأ الضامنُ الأصيلَ عمّا سيغرم ، لم يصح الإبراء ؛ لأنّه إبراء ممّا‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

(٣) في « ث » والطبعة الحجريّة : « لو » بدل « إذا ».

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

٣٥١

لم يجب وعمّا يتجدّد ، والإبراء إسقاطٌ يستلزم الثبوت قبل الإبراء.

وقال الشافعي : إن أثبتنا العلاقة بين الضامن والمضمون عنه في الحال ، صحّ الإبراء ، وإلّا خرج على الإبراء عمّا لم يجب ووُجد سبب وجوبه(١) .

ولو صالح الضامن الأصيل عن العشرة التي سيغرمها على خمسة ، لم يصح.

وقالت الشافعيّة : إن أثبتنا العلاقة في الحال ، صحّ الصلح كأنّه(٢) أخذ عوض بعض الحقّ وأبرأ عن الباقي ، وإلّا لم يصح(٣) .

ولو ضمن ضامن عن الأصيل للضامن بما ضمن ، احتُمل صحّة الضمان ؛ لأنّ حقّ الضامن وإن لم يكن ثابتاً إلّا أنّ سبب ثبوته موجود. وبطلانُه.

ولو رهن الأصيل عند الضامن شيئاً بما ضمن ، ففي الصحّة إشكال.

والمنع في هذه المسائل كلِّها عند الشافعيّة أصحُّ الوجهين(٤) .

ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الأصيل ضامناً ، ففي صحّة الشرط للشافعيّة الوجهان ، إن صحّ فإن أدّى الضامن وأعطاه ضامناً ، فذاك ، وإلّا فله فسخ الضمان. وإن فسد ، فسد به الضمان على أصحّ الوجهين(٥) .

النظر الثالث : في الرجوع.

مسألة ٥٣١ : مَنْ كان عليه دَيْنٌ فأدّاه غيره عنه تبرّعاً بغير إذنه‌ من غير‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

(٢) في « ث » : « لأنّه » بدل « كأنّه ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ - ١٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

٣٥٢

ضمان ، لم يكن له الرجوع به ؛ لأنّه متبرّع بفعله ، بخلاف ما لو أوجر طعامَه المضطرَّ ، فإنّه يرجع عليه وإن لم يأذن المضطرّ ؛ لأنّه ليس متبرّعاً بذلك ، بل يجب عليه إطعام المضطرّ استبقاءً لـمُهْجته ، ويخالف الهبة ؛ فإنّ في اقتضائها الثواب خلافاً يأتي ؛ لأنّ الهبة متعلّقة باختيار المتّهب ، ولا اختيار للمديون هنا ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال مالك : إنّه يثبت له الرجوع ، إلّا إذا أدّى العدوّ دَيْن العدوّ ، فإنّه يتّخذه ذريعةً إلى إيذائه بالمطالبة(٢) .

وإن أدّاه بإذن المديون ، فإن [ جرى بينهما ](٣) شرط الرجوع ، ثبت الرجوع.

وإن لم يَجْر شرط الرجوع بينهما ، ففي الرجوع إشكال ينشأ : من أنّه لم يوجد منه سوى الإذن في الأداء ، وذلك لا يستلزم الرجوع ؛ إذ ليس من ضرورة الأداء الرجوع ؛ لانتفاء الدلالات الثلاث في الأداء على الرجوع. ومن أنّ العادة قاضية في المعاملات بأنّ الرجوع تابع للإذن في الأداء ، والدافع جرى في ذلك على قانون العادات.

والثاني أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

قال بعض الشافعيّة : يقرب هذا الخلاف من الخلاف في أنّ الهبة‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨ ، منهاج الطالبين : ١٣٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٦١ / ١٩٧٩.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٥٥ و ٢١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٦١ / ١٩٧٩.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤.

٣٥٣

المطلقة هل تقتضي الثواب وترتيبه عليه؟ والحكم بالرجوع أولى من الحكم بالثواب ثَمَّ ؛ لأنّ الهبة مصرّحة بالتبرّع ، والأداء بخلافه. ولأنّ الواهب مبتدئ بالتبرّع ، والأداء هاهنا مسبوق بالاستدعاء الذي هو كالقرينة المشعرة بالرجوع(١) .

وأيضاً في الهبة قولٌ فارق بين أن يكون الواهب ممّن يطمع مثله في ثواب المتّهب ، أو لا يكون ، فخرج وجه ثالث للشافعيّة(٢) مثله هنا.

مسألة ٥٣٢ : إذا كان عليه دَيْنٌ فضمنه ضامنٌ عنه ويؤدّي المال عنه إلى المضمون له ، فأقسامه أربعة :

الأوّل : أن يضمن بإذن الأصيل ويؤدّي بإذنه.

الثاني : أن يضمن متبرّعاً من غير سؤالٍ ، ويؤدّي كذلك.

الثالث : أن يضمن متبرّعاً ، ويؤدّي بسؤالٍ.

الرابع : أن يضمن بسؤالٍ ، ويؤدّي متبرّعاً.

فالأوّل يرجع الضامن فيه على المضمون عنه ، سواء قال له المضمون عنه : اضمن عنّي ، أو أدِّ عنّي ، أو أطلق وقال : اضمن وأدِّ ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف(٣) - لأنّه صرف ماله إلى منفعته بأمره ، فأشبه ما لو قال : اعلف دابّتي ، فعلفها. ولأنّه ضمن بإذنه ودفع بإذنه ، فأشبه ما إذا كان مخالطاً له ، أو قال : اضمن عنّي.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : إنّما يرجع إذا قال : اضمن عنّي وأدِّ عنّي ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١ و ١٣٢ ، المغني ٥ : ٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

٣٥٤

ولو لم يقل : أدِّ عنّي ، لم يرجع ، إلّا أن يكون مخالطاً له يستقرض منه ويودع عنده ، أو يكون مخالطاً له بشركة أو زوجيّة أو نحوهما ؛ لأنّه إذا قال : اضمن عنّي وأدِّ عنّي ، كان قوله هذا إقراراً منه بالحقّ ، وإذا أطلق ذلك ، صار كأنّه قال : هب لهذا أو تطوّع عليه ، وإذا كان مخالطاً له ، رجع - استحساناً - لأنّه قد يأمر مخالطه بالنقد عنه(١) .

وليس بصحيح ؛ لأنّه إذا أمره بالضمان ، لا يكون إلّا لما هو عليه ؛ لأنّ أمره إنّما يكون بذلك ، وأمره بالنقد بعد ذلك ينصرف إلى ما ضمنه بدليل المخالطة له ، فيجب عليه أداء ما أدّى عنه ، كما لو صرّح به ، وليس هذا أمراً بالهبة.

هذا إذا عرف من الإطلاق إرادة الضمان عنه ، ولو لم يعرف ذلك ولا وُجد قرينة تدلّ عليه ، فالوجه : ما قاله أبو حنيفة ومحمّد.

مسألة ٥٣٣ : لا فرق في ثبوت الرجوع بين أن يشترط الرجوع أو لا يشترط‌ ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٢) .

وقال الجويني : يحتمل في القياس أن ينزّل الإذن في الضمان والأداء منزلة الإذن في الأداء من غير ضمان حتى نقول : إن شرط الرجوع ، ثبت له الرجوع ، وإلّا فلا ، كما في الإذن في الأداء من غير سبق ضمان ، وإن لم يشترط ، فعلى الخلاف(٣) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٥٣٤ : لو تبرّع بالضمان والأداء معاً‌ ، فإنّه لا يرجع الضامن على‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٦٢ - ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، المغني ٥ : ٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٨.

٣٥٥

المضمون عنه بما أدّاه ، عند علمائنا كافّة - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لحديث عليّعليه‌السلام وأبي قتادة(٢) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على الميّتين بعد ضمانهما ما عليهما ، ولو كان لهما الرجوع لما صلّى ؛ لبقاء الدَّيْن في ذمّتهما. ولأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الآن برّدت جلده عن النار »(٣) ولو بقي الدَّيْن لما حصل التبريد. ولأنّه لو بقي الدَّيْن لما قال لعليّعليه‌السلام : « جزاك الله عن الإسلام خيراً ، فكّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك »(٤) ولو لا براءة الذمّة لما حصل فكّ الرهان. ولأنّه تبرّع بذلك ، فلا يرجع عليه ، كما لو علف دوابّه وأطعم عبيده بغير إذنه.

وقال مالك وأحمد في الرواية الثانية : إنّه يرجع بما أدّى - وهو قول عبيد الله بن الحسن وإسحاق - لأنّه قضاء مبرئ من دَيْنٍ واجب ، فكان من ضمان مَنْ هو عليه ، كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه. ولأنّ الضمان بغير إذنه صحيح ، فإذا لزمه الدفع عنه ، رجع عليه ، كما لو كان بأمره(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٧ - ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠١ / ١٠١٣ ، الوسيط ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩١ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٦١ / ١٩٧٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٢ ، المغني ٥ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٩.

(٢) راجع المصادر في الهامش ( ٥ و ٦ ) من ص ٢٨١ ، والهامش (١) من ص ٢٨٢.

(٣) راجع المصادر في الهامش (١) من ص ٣٤٣.

(٤) راجع المصادر في الهامش (٥) من ص ٢٨١.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠١ / ١٠١٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٦٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٢ ، المغني ٥ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٩.

٣٥٦

والفرق بين الضامن والحاكم ظاهر ؛ لأنّ للحاكم الاستدانة عن الممتنع والدفع ، بخلاف الضامن. والفرق بين الأمر بالضمان والأداء وعدمه ظاهر ، فلا يصحّ القياس.

مسألة ٥٣٥ : لو ضمن متبرّعاً بغير سؤالٍ ، وأدّى المال بالسؤال ، لا يرجع هنا أيضاً‌ ، عند علمائنا - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الدَّيْن لزمه بتبرّعه ، فإنّ اللزوم باعتبار الضمان ولم يأذن فيه ، وأمره بالقضاء انصرف إلى ما وجب عليه بالضمان ، كما لو أمره بقضاء دَيْنه الذي وجب عليه بالأصالة ، وكما لو أذن غير المضمون عنه.

وللشافعي(٢) وجهٌ آخَر : أنّه يرجع عليه - وبه قال أحمد - لأنّه دفع بأمره ، فأشبه ما إذا ضمن بأمره وما إذا لم يكن ضامناً. ولأنّه أسقط الدَّيْن عن الأصيل بإذنه(٣) .

وليس بصحيح ؛ لأنّه لا يملك مطالبته بفكّه ، فلا يرجع عليه إذا فكّ نفسه. والفرق بين ما إذا ضمن بإذنه وبغير إذنه ظاهرٌ ، فلا يصحّ القياس.

والحكم في غير الضامن ممنوع على ما تقدّم. وإسقاط الدَّيْن مستند إلى الضمان الذي تبرّع به ، والإذن إنّما كان في إسقاط الدَّيْن عن الضامن ، لا عنه.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٩.

(٢) كذا ، والظاهر : « وللشافعيّة ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ - ٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٩.

٣٥٧

وبعض الشافعيّة رتَّب الوجهين على الوجهين فيما إذا أدّى دَيْن الغير بإذنه من غير ضمانٍ ومن غير شرط الرجوع.

قال : وهذه الصورة أولى بمنع الرجوع ؛ لأنّ الإذن في الأداء بعد اللزوم بالضمان في حكم اللغو.

وذكر احتمالين فيما إذا أذن في الأداء بشرط الرجوع والحالة هذه :

أحدهما : يرجع ، كما لو أذن في الأداء بهذا الشرط من غير ضمانٍ.

والثاني : أنّ الأداء مستحقّ بالضمان ، والمستحقّ بلا عوض لا يجوز أن يقابَل بعوضٍ ، كسائر الحقوق الواجبة(١) .

مسألة ٥٣٦ : لو ضمن بسؤالٍ وأدّى بغير سؤالٍ ولا إذن ، فإنّه يرجع الضامن عليه‌ ، عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد والشافعي في أحد الوجوه(٢) - لأنّ الضامن لم يتبرّع بالضمان ، بل نقل المال إلى ذمّته غيرَ متبرّعٍ ، بل بسؤال المضمون عنه ، والأصل في الباب الالتزام وقد صادفه الإذن فيكتفى به في الرجوع. ولأنّ إذنه في الضمان يتضمّن الإذن في الأداء ؛ لأنّ الضمان يوجب عليه الأداء ، فكان له الرجوع عليه ، كما لو أذن في الأداء.

والثاني للشافعي : لا يرجع ؛ لأنّ الغرم حصل بغير إذن الأصيل ، وربما لم يقصد إلّا التوثيق بالضمان. ولأنّه دفع بغير أمره ، فكان كما لو ضمن بغير أمره(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

٣٥٨

وقصد التوثيق يستلزم قصد الأداء عنه ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل. والقياس باطل ؛ للفرق ، وهو ما تقدّم من أنّ الأصل في الالتزام إنّما هو الضمان لا الأداء.

والثالث : إن أدّى من غير مطالبة أو عن مطالبةٍ لكن أمكنه مراجعة الأصيل واستئذانه فلم يفعل ، لم يثبت له الرجوع ؛ لأنّه لم يكن مضطرّاً إلى الأداء عنه ، فكان متبرّعاً به. وإن لم يتمكّن من مراجعته لغيبةٍ أو حبسٍ أو غير ذلك ، فله الرجوع(١) .

والحقّ ما تقدّم من وجوب المال بالضمان المأذون فيه ، وأنّه لا عبرة بالأداء.

وكذا لو وكّله في أن يشتري عبداً له بألف فاشتراه ، فإنّ الوكيل يطالب بالثمن ، فإن أدّى من ماله ، فإنّه يرجع عندنا إذا لم يكن البائع عالماً بالوكالة.

وللشافعيّة الوجوه الثلاثة فيه(٢) .

مسألة ٥٣٧ : لو أحال الضامن المضمون له بالدَّيْن - الذي ضمنه - على إنسان وقَبِل المحتال والمحال عليه الحوالةَ ، كان كالأداء‌ في صورة الرجوع له على المضمون عنه في كلّ موضعٍ ثبت له الرجوع فيه ، وعدمِه في موضع العدم.

ولو أحال ربّ المال غريماً له على الضامن بالمال الذي ضمنه له فقَبِل الضامن الحوالةَ عليه ، كان كالأداء أيضاً يرجع فيما يرجع في الأداء.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٩ ، المغني ٥ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٠ - ٣٦١ ، حلية العلماء ٥ : ٦٢ و ١٣٥.

٣٥٩

ولو تصالح المضمون له والضامن [ عن ](١) مال الضمان على عوضٍ ، كان كالأداء أيضاً.

ولو صار الدَّيْن ميراثاً للضامن ، كان كالأداء في ثبوت الرجوع وعدمه.

النظر الرابع : فيما به يرجع الضامن.

مسألة ٥٣٨ : إذا دفع الضامن المالَ إلى ربّه وكان قد ضمن بسؤال المضمون عنه وكان المدفوع من جنس الدَّيْن وعلى صفته ، رجع به.

وإن اختلف الجنس ، فالمأذون له في الضمان لو صالَح ربَّ الدَّيْن على غير جنسه ، رجع إجماعاً ؛ لأنّ الضمان سبب لإثبات الحقّ في ذمّته ثبوتَه في ذمّة الأصيل ، والمصالحة معاملة مبنيّة عليه.

ثمّ يُنظر إن كانت قيمة المصالَح عليه أكثر من قدر الدَّيْن ، لم يرجع بالزيادة ؛ لأنّه متطوّع بها.

وإن كانت أقلّ - كما لو صالح عن ألف على عبدٍ يساوي ستمائة - لم يرجع إلّا بستمائة لا غير - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لما رواه عمر ابن يزيد عن الصادقعليه‌السلام في رجل ضمّن على رجل ضماناً ثمّ صالح عليه ، قال : « ليس له إلّا الذي صالح عليه »(٣) .

وعن ابن بكير قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن رجل ضمن عن رجل ضماناً ثمّ صالح على بعض ما عليه ، قال : « ليس له عليه إلّا الذي صالح عليه »(٤) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « على ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٥٤ ، الوجيز ١ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٠.

(٤) التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٨٩.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510