تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 435971 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ولأنّه لم يغرم سواها.

وبه قال أحمد(١) .

والثاني : أنّه يرجع بالألف ؛ لأنّه قد حصّل براءة ذمّته بما فَعَل ، ومسامحة ربّ الدَّيْن جرت معه(٢) .

ولو باع العبد بألف وتقاصّا ، احتُمل الرجوع بالألف ؛ لأنّه ثبت في ذمّته ألف ، وقيمةِ العبد ؛ لأنّ الضمان وُضع للارتفاق.

والشافعيّة على الأوّل خاصّة(٣) .

مسألة ٥٣٩ : لا فرق بين أن يدفع الأقلّ أو الأكثر في القدر أو الوصف فيما ذكرنا‌ ، فلو ضمن ألفاً مكسّرة ودفع ألفاً صحيحة ، لم يكن له الرجوع إلّا بالمكسّرة ؛ لأنّه تبرّع بالزيادة ، فلا يرجع بها.

ولو انعكس الفرض ، فضمن ألفاً صحيحة وأدّى ألفاً مكسّرة ، لم يكن له الرجوع بالصحيحة إلّا بالمكسّرة ؛ لأنّه إنّما يرجع بما غرم وبالأقلّ من المغروم والمال.

وللشافعيّة فيما إذا أدّى الضامن [ غير ](٤) الأجود قولان :

أحدهما : أنّ فيه الخلاف المذكور في اختلاف الجنس.

والثاني : القطع بأنّه يرجع بما أدّى(٥) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٨٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٢.

(٢) نفس المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء ما في المصدر له ، حيث إنّ القولين للشافعيّة في الأداء من غير الأجود.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

٣٦١

والفرق أنّ غير الجنس يقع عوضاً ، والمكسّرة لا تقع عوضاً عن الصحاح ، ولا يبقى إلّا رعاية حكم الإيفاء والاستيفاء.

مسألة ٥٤٠ : لو ضمن ألفاً ودفع إليه عبداً قيمته ستمائة ، فقال للمضمون له : بعتُ منك هذا العبد بما ضمنته لك عن فلان ، ففي صحّة البيع وجهان للشافعيّة‌(١) . فإن صحّحنا البيع ، رجع بالأقلّ - عندنا - من المال المضمون ومن قيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : يرجع بما ضمنه(٢) .

ولو لم يضمن ، بل أذن له المديون في الأداء بشرط الرجوع لو صالَح ربّ الدَّيْن على غير جنسه ، فهل له الرجوع أو لا؟ للشافعيّة ثلاثة أوجُه :

أصحّها عندهم : أنّ له الرجوعَ ؛ لأنّ مقصوده أن يبرئ ذمَّتَه وقد فَعَل.

وثانيها : ليس له الرجوع ؛ لأنّه إنّما أذن في الأداء دون المصالحة.

وثالثها : الفرق بين أن يقول : أدِّ ما علَيَّ من الدنانير - مثلاً - فلا يرجع ، وبين أن يقتصر على قوله : أدِّ دَيْني ، أو ما علَيَّ ، فيرجع ، ويرجع بما سبق في الضامن(٣) .

مسألة ٥٤١ : لو ضمن عشرة وأدّى خمسة وأبرأه ربُّ المال عن الباقي ، لم يرجع الضامن إلّا بالخمسة التي غرمها‌ ، وتسقط الخمسة الأُخرى عن الأصيل عندنا ؛ لأنّ إبراء الضامن يستلزم إبراء المضمون عنه ، خلافاً للجمهور ؛ فإنّهم قالوا : تبقى الخمسة في ذمّة الأصيل يطالب بها المضمون له ؛ لأنّ إبراء الضامن لا يوجب براءة الأصيل(٤) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١.

٣٦٢

ولو صالحه من العشرة على خمسة ، لم يرجع إلّا بالخمسة أيضاً ، لكن يبرأ الضامن والأصيل عن الباقي وإن كان صلح الحطيطة إبراءً في الحقيقة عند الشافعيّة ؛ لأنّ لفظ الصلح يشعر برضا المستحقّ بالقليل عن الكثير ، بخلاف ما إذا صرّح بلفظ الإبراء عندهم(١) .

واعترض بعض الشافعيّة : بأنّ [ لفظ ](٢) الصلح يتضمّن الرضا بالقليل ممّن يجري الصلح معه ، أم على الإطلاق؟ الأوّل مسلَّم ، والثاني ممنوع ، ولم يتّضح لهم الجواب(٣) .

ولو أدّى الضامن جميع الدَّيْن ولم يُبرئه المضمون له من شي‌ء منه ، لكن وهبه الدَّيْن بعد دفعه(٤) إليه ، فالأقرب : أنّ له الرجوع.

وفيه للشافعيّة وجهان مبنيّان على القولين [ فيما لو وهبت المرأة ](٥) الصداق من الزوج ثمّ طلّقها قبل الدخول(٦) . وسيأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ٥٤٢ : لو ضمن ذمّيٌّ لذمّيٍّ دَيْناً عن مسلمٍ ثمّ تصالحا على خمر ، فهل يبرأ المسلم أم لا؟ يحتمل البراءة‌ ؛ لأنّ المصالحة بين الذمّيّين ، وأن لا يبرأ ، كما لو دفع الخمر بنفسه.

وفيه للشافعيّة وجهان ، فإن قالوا بالأوّل ، ففي رجوع الضامن على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧.

(٤) في « ث ، ج ، ر » : « الدفع » بدل « دفعه ».

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كما لو وهب ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ - ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٢.

٣٦٣

المسلم وجهان ، إن اعتبروا بما أدّى ، لم يرجع بشي‌ء ، وإن اعتبروا بما أسقط ، يرجع بالدَّيْن(١) .

والوجه عندي : أنّ المضمون عنه يؤدّي أقلّ الأمرين من قيمة الخمر عند مستحلّيه ، ومن الدَّيْن الذي ضمنه.

مسألة ٥٤٣ : لو ضمن الضامنَ ضامنٌ آخَر ، انتقل المال من ذمّة الضامن الأوّل إلى ذمّة الثاني‌ ، وسقطت مطالبة المضمون له عن الأصيل والضامن الأوّل عند علمائنا وجماعةٍ تقدّم(٢) ذكرهم.

وقال أكثر العامّة : لا ينتقل ، بل تبقى الذمم الثلاث مشتركة ، ويصحّ الضمان ؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّة الضامن ، كما هو ثابت في ذمّة الأصيل ، فإذا جاز أن يضمن عن الأصيل جاز أن يضمن عن الضامن(٣) .

لا يقال : الضمان وثيقة على الحقّ ، فلا يجوز أن يكون له وثيقة ، كما لا يجوز أن يأخذ رهناً بالرهن.

لأنّا نقول : الفرق : أنّ الضمان حقٌّ ثابت في الذمّة ، والرهن حقٌّ متعلّق بالعين ، والرهن لا يصحّ بحقٍّ متعلّقٍ بالعين ، فافترقا.

فإن أدّى الثاني ، فرجوعه على الضامن الأوّل كرجوع الضامن الأوّل على الأصيل ، فيراعى الإذن وعدمه.

وإذا لم يكن له الرجوع على الأوّل ، لم يثبت بأدائه الرجوع للأوّل على الأصيل ؛ لأنّ الضامن إنّما يرجع بما أدّى وغرم ، والضامن الأوّل لم يغرم شيئاً ، فلا يكون له مطالبته بشي‌ء.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١.

(٢) في ص ٣٤٢ ، النظر الأوّل من البحث الرابع : في أحكام الضمان.

(٣) المغني ٥ : ٨٣ - ٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٢ ، وراجع الهامش (٢) من ص ٣٤٤.

٣٦٤

ولو ثبت له الرجوع على الأوّل فرجع عليه ، كان للأوّل الرجوع على الأصيل إذا وجد شرط الرجوع.

ولو أراد الثاني أن يرجع على الأصيل ويترك الأوّل ، فإن كان الأصيل قد قال له : اضمن عن ضامني ، ففي رجوعه عليه للشافعيّة وجهان(١) ، كما لو قال الإنسان : أدِّ دَيْني ، فأدّى ، وليس هذا كقول القائل لغيره : اقض دَيْن فلان ، ففَعَل ، حيث لا يرجع على الآمر ؛ لأنّ الحقّ لم يتعلّق بذمّته.

وإن لم يقل له : اضمن عن ضامني ، فإن كان الحال بحيث لا يقتضي رجوع الأوّل على الأصيل ، لم يرجع الثاني عليه.

وإن كان يقتضيه ، فكذلك على أصحّ الوجهين عندهم ؛ لأنّه لم يضمن عن الأصيل(٢) .

والوجه عندي : أنّه ليس للثاني أن يرجع على الأصيل على كلّ تقدير ، إلّا أن يقول : اضمن عن ضامني ولك الرجوع علَيَّ.

ولو ضمن الثاني عن الأصيل أيضاً ، لم يصح الضمان عندنا إن ضمن للمضمون له ؛ إذ لا مطالبة للمضمون له ، فيكون في الحقيقة ضمان ما لم يجب ، ولا يتحقّق سبب الوجوب. وإن ضمن للضامن ، فالأقوى : الجواز ؛ لوجود سبب الوجوب.

وعند أكثر العامّة يصحّ ضمان الثاني عن الأصيل ؛ لشغل ذمّته وذمّة الضامن الأوّل معاً ، فتتشارك الذمم الثلاث في الشغل ، فحينئذٍ لا يرجع أحد الضامنين على الآخَر ، وإنّما يرجع المؤدّي على الأصيل(٣) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٦٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١ ، المغني ٥ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٣.

٣٦٥

ولو ضمن عن الأوّل والأصيل جميعاً ، لم يصح ضمانه عن الأصيل عندنا.

وعندهم يصحّ ، فإن أدّى ، كان له أن يرجع على أيّهما شاء ، وأن يرجع بالبعض على هذا وبالبعض على ذاك. ثمّ للأوّل الرجوع على الأصيل بما غرم إذا وجد شرط الرجوع(١) .

مسألة ٥٤٤ : لو كان لرجلٍ على اثنين عشرةٌ على كلّ واحدٍ منهما خمسةٌ فضمن كلّ واحدٍ منهما صاحبَه‌ ، فإن أجاز المضمون له الضمانَ ، لم يُفد الضمان شيئاً عندنا في باب المطالبة ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل ، فإذا ضمن كلّ واحدٍ منهما الآخَر ، فقد انتقل ما على كلّ واحدٍ منهما إلى الآخَر وكانا في الدَّيْن كما كانا قبل الضمان ، إلّا أنّه يستفاد بالضمان صيرورة المال الأصلي في ذمّة كلّ واحدٍ منهما منتقلاً إلى ذمّة الآخَر.

ولا نقول : إنّه يبطل الضمان من أصله ؛ لأنّه قد يستفاد منه فائدة ، وهي : لو أدّى أحد الضامنين عن مال الضمان بعضَه ثمّ أبرأه صاحب الدَّيْن من الباقي ، لم يكن له الرجوع على المضمون عنه إلّا بما أدّاه.

وإن لم يأذن لهما المضمون له بالضمان فضمنا ، فإن رضي بضمان أحدهما خاصّةً ، كان الدَّيْنان معاً عليه ، ولم يبق له مطالبة الآخَر ، لكنّ الضامن يرجع على الآخَر إن ضمن بإذنه ، وإلّا فلا.

وعند أكثر العامّة يصحّ ضمان كلٍّ منهما عن صاحبه ، ويبقى كلّ الدَّيْن مشتركاً في ذمّتهما معاً على ما هو أصلهم ، فلربّ المال - عندهم - أن يطالبهما معاً ومَنْ شاء منهما بالعشرة ، فإن أدّى أحدهما جميعَ العشرة ، برئا‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١ - ٥٠٢.

٣٦٦

معاً ، وللمؤدّي الرجوع بخمسة إن وجد شرط الرجوع. وإن أدّى كلّ واحدٍ منهما خمسةً عمّا عليه ، فلا رجوع ، فإن أدّاها عن الآخَر ، فلكلّ واحدٍ الرجوعُ على الآخَر. ويجي‌ء خلاف التقاصّ.

وإن أدّى أحدهما خمسةً ولم يؤدّ الآخَر شيئاً ، فإن أدّاها عن نفسه ، برئ المؤدّي عمّا كان عليه وصاحبُه عن ضمانه ، وبقي على صاحبه ما كان عليه ، والمؤدّي ضامن له.

وإن أدّاها عن صاحبه ، رجع عليه بالمغروم ، وبقي عليه ما كان عليه(١) ، وصاحبه ضامن له.

وإن أدّاها عنهما ، فلكلٍّ نصفُ حكمه(٢) .

وإن أدّى ولم يقصد شيئاً ، فوجهان عندهم(٣) : التقسيط عليهما ؛ لأنّه لو عيّنه عن كلّ واحدٍ منهما ، وَقَع ، فإذا أطلق اقتضى أن يكون بينهما ؛ لاستوائهما فيه. وأن يقال : اصرفه إلى ما شئت ، كما لو أعتق عبده عن كفّارته وكان عليه كفّارتان ، كان له تعيين العتق عن أيّهما شاء. وكذا في زكاة المالَيْن.

ومن فوائده أن يكون بنصيب أحدهما رهنٌ ، فإذا قلنا : له صرفه إلى ما شاء ، فصَرَفه إلى نصيبه ، انفكّ الرهن ، وإلّا فلا.

ولو اختلفا فقال المؤدّي : أدّيتُ عمّا علَيَّ ، فقال ربّ المال : بل أدّيتَ عن صاحبك ، فالقول قول المؤدّي مع يمينه ، وإنّما أحلفناه ؛ لأنّه قد‌

____________________

(١) كلمة « عليه » لم ترد في « ر ، ث ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٢ - ٥٠٣.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٣.

٣٦٧

يتعلّق بهذا فوائد ، وإن كان قد يستحقّ المطالبة بالكلّ ؛ لأنّه قد يكون ثمناً ، فإذا أفلس ، رجع في المبيع ، ويسقط أيضاً عن صاحبه ، فإذا حلف ، برئ عمّا كان عليه ، ولربّ المال مطالبته بخمسة ؛ لأنّه إن كان صادقاً ، فالأصل باقٍ عليه. وإن كان كاذباً ، فالضمان باقٍ.

وقال بعض الشافعيّة : لا مطالبة له ؛ لأنّه إمّا أن يطالب عن جهة الأصالة وقد حكم الشرع بتصديق المؤدّي في البراءة عنها ، أو عن جهة الضمان وقد اعترف ربّ المال بأنّه أدّى عنها.

هذا حكم الأداء ، أمّا لو أبرأ ربّ الدَّيْن أحدهما عن جميع العشرة ، برئ أصلاً وضماناً عندهم ، وبرئ الآخَر عن الضمان دون الأصيل عندهم ؛ لأنّ الدَّيْن عندهم لا يسقط عن المضمون عنه بسقوطه عن الضامن.

وعندنا يسقط.

ولو أبرأ أحدهما عن خمسة ، فإن أبرأه عن الأصيل ، برئ عنه وبرئ صاحبه عن ضمانه ، وبقي عليه ضمان ما على صاحبه. وإن أبرأه عن الضمان ، برئ عنه ، وبقي عليه الأصلُ ، وبقي على صاحبه الأصلُ والضمان.

وإن أبرأه من الخمسة عن الجهتين(١) جميعاً ، سقط عنه نصف الأصل ونصف الضمان ، وعن صاحبه نصفُ الضمان ، ويبقى عليه الأصلُ ونصفُ الضمان فيطالبه بسبعة ونصف ، ويطالب المبرأ عنه بخمسة.

وإن لم يَنْوِ عند الإبراء شيئاً ، فيُحمل على النصف ، أو يُخيّر ليصرف إلى ما شاء؟ فيه الوجهان.

ولو قال المبرئ : أبرأت عن الضمان ، وقال المبرأ عنه : بل عن الأصل ، فالقول قول المبرئ(٢) .

____________________

(١) أي : جهتا الأصالة والضمان.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٣.

٣٦٨

هذا كلّه على مذهب الشافعي ، وقد بيّنّا مذهبنا في صدر المسألة.

مسألة ٥٤٥ : لو كان على زيد عشرة فضمنها اثنان كلّ واحدٍ منهما خمسة ، وضمن أحدهما عن الآخَر وبالعكس ، فقد بيّنّا أنّه بمنزلة عدم الضمان‌ إذا أجاز المضمون له ضمانهما معاً.

وعند أكثر العامّة يصحّ ضمانهما معاً ، فلربّ المال - عندهم - مطالبة كلّ واحدٍ منهما بالعشرة نصفها عن الأصيل ونصفها عن الضامن الآخَر ، فإن أدّى أحدهما جميعَ العشرة ، رجع بالنصف على الأصيل وبالنصف على صاحبه.

وهل له الرجوع بالكلّ على الأصيل إذا كان لصاحبه الرجوعُ عليه إن غرم؟ فيه الوجهان عندهم.

وإن لم يؤدّ إلّا خمسة ، فإن أدّاها عن الأصيل أو عن صاحبه أو عنهما ، ثبت له الرجوع بخمسة(١) .

مسألة ٥٤٦ : لو باع شيئاً وضمن ضامنٌ الثمنَ فهلك المبيع قبل القبض‌ ، أو وجد به عيباً فردّه ، أو ضمن الصداق فارتدّت المرأة قبل الدخول ، أو فسخت بعيبٍ ، فإن كان ذلك قبل أن يؤدّي الضامن ، برئ الضامن والأصيل.

وإن كان بعده فإن كان بحيث يثبت له الرجوع ، رجع بالمغروم على الأصيل ، ورجع الأصيل على ربّ المال بما أخذ إن كان هالكاً ، وإن كان باقياً ، ردّ عينه.

وهل له إمساكه وردّ بدله؟ فيه خلاف مأخوذ ممّا إذا ردّ المبيع بعيبٍ‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٢.

٣٦٩

وعين الثمن عند البائع ، فأراد إمساكه وردّ مثله.

والأصحّ : المنع ، وبه قال الشافعي(١) .

ولو كان الذي دفعه الضامن أجود أو أزيد ، فالأقرب : أنّه ليس للأصيل أخذُ الزيادة.

وإنّما يغرم ربّ المال للأصيل دون الضامن ؛ لأنّ في ضمن الأداء عنه إقراضه وتمليكه إيّاه.

وإن كان بحيث لا يثبت له الرجوع ، فلا شي‌ء للضامن على الأصيل ، وعلى المضمون له ردّ ما أخَذَه.

وعلى مَنْ يردّ؟ فيه احتمال أن يردّه على الضامن ، أو على الأصيل. وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في المتبرّع بالصداق إذا طلّق الزوج قبل الدخول.

مسألة ٥٤٧ : لو كان لرجلٍ على آخَر دَيْنٌ فادّعى صاحبُ الدَّيْن على آخَر بأنّه ضمنه له على المديون‌ ، فأنكر الضامن الضمانَ ، سقط حقّ ربّ المال عن الأصيل عندنا ؛ لانتقال المال عن ذمّته إلى ذمّة الضامن ، خلافاً لأكثر العامّة(٢) .

ثمّ مدّعي الضمان إن لم تكن له بيّنة فأحلف الضامن على أنّه لم يضمن ، سقط ما لَه ، أمّا عن الضامن : فلبراءته باليمين ، وأمّا عن الأصيل : فلاعترافه ببراءة ذمّته بالضمان.

وإن كان له بيّنة فأقامها على الضامن بالضمان ، ثبت له عليه المطالبة ، فإذا رجع عليه بالمال ، رجع الضامن على الأصيل وإن كان قد كذّب المدّعي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٢.

(٢) راجع الهامش (٢) من ص ٣٤٤.

٣٧٠

للضمان ؛ لأنّ البيّنة أبطلت حكم إنكاره ، فكأنّه لم ينكره.

وهذا كما لو اشترى عيناً فادّعى آخَر أنّها ملكه وأنّ بائعها غصبها منه ، فقال المشتري في جوابه : إنّها ملك بائعي وليس لك فيها حقٌّ ، وإنّها اليوم ملكي ، فأقام المدّعي البيّنة ، فإنّ المشتري يرجع على البائع وإن أقرّ له بالملك.

وكذا لو باع عيناً على رجل وادّعى على آخَر أنّه ضمن الثمن عن المشتري وأقام على ذلك بيّنةً وأخذ الثمن من الضامن ، يرجع الضامن على الأصيل.

واعترض بعض الشافعيّة : بأنّ البيّنة إنّما تُقام عند الإنكار ، وإذا أنكر كان مكذّباً للبيّنة زاعماً أنّ صاحب المال ظالم فيما أخذ منه ، فكيف يرجع على الأصيل بما ظلمه به والمظلوم إنّما يرجع على ظالمه!؟(١) .

والجواب : نمنع أنّ البيّنة إنّما تُقام عند الإنكار ، بل يجوز أن يُقرّ الضامن وتقام البيّنة للإثبات على الأصيل.

سلّمنا أنّه لم يُقرّ ، لكنّ البيّنة لا تستدعي الإنكار بخصوصه ، بل يكفي الإنكار وما يقوم مقامه كالسكوت ، فربما كان ساكتاً.

سلّمنا استدعاءها الإنكار ، لكنّها لا تستدعي الإنكار منه بخصوصه ، بل يكفي صدور الإنكار من وكيله في الخصومات ، فلعلّ البيّنة أُقيمت في وجه وكيله المنكر.

سلّمنا أنّه أنكر ، لكنّه ربما أنكر الضمان وسلّم البيع ، وهذا الإنكار لو مَنَع لكان مانعاً للرجوع بجهة غرامة المضمون.

وجائزٌ أن يكون هذا الرجوع باعتبار أنّ المدّعي ظَلَمه بأخذ ما على الأصيل منه ، وللظالم مثل المأخوذ على الغائب ، فيأخذ حقّه ممّا عنده.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠.

٣٧١

أمّا لو وجد منه التكذيب القاطع لكلّ الاحتمالات ، فأصحّ وجهي الشافعيّة أنّه يمنع من الرجوع(١) .

وقيل : لا يمنع(٢) على ما اخترناه أوّلاً.

البحث الخامس : في اللواحق.

مسألة ٥٤٨ : كلّ موضعٍ قلنا فيه بأنّ المأذون له في الأداء أو الضامن يرجع على الآذن والمضمون عنه بما غرم‌ فإنّما هو مفروض فيما إذا أشهد المؤدّي أو الضامن على الأداء شهادةً يثبت بها الحكم ، سواء أشهد رجلين أو رجلاً وامرأتين.

ولو أشهد واحداً اعتماداً على أن يحلف معه ، فالوجه : الاكتفاء ؛ لأنّ الشاهد مع اليمين حجّة في نظر الشرع ، كافية لإثبات الأداء ، عند أكثر العلماء(٣) ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه لا يكفي ؛ لأنّهما قد يترافعان إلى حنفيٍّ لا يقضي بالشاهد واليمين ، فكان ذلك ضرباً من التقصير(٤) .

وإنّما تنفع الشهادة ما إذا أشهد عَدْلين أو عَدْلاً وامرأتين ثقتين أو عَدْلاً واحداً على الخلاف.

ولو أشهد فاسقين مشهورين بالفسق ، لم يكف ، وكان مقصّراً.

ولو أشهد مستورين فبانا فاسقين ، فالأقرب : الاكتفاء ؛ إذ يمتنع الاطّلاع على البواطن ، فكان معذوراً ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠.

(٣) المغني ١٢ : ١١ ، الشرح الكبير ١٢ : ٩٤.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٠ ، الوسيط ٣ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠ - ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

٣٧٢

وفي الثاني : لا يكفي ، ويكون بمنزلة مَنْ لم يُشهد ؛ لأنّ الحقّ لا يثبت بشهادتهما(١) .

وهو غلط ، كما لو فسقا بعد الإشهاد والأداء.

ولا تكفي شهادة مَنْ يُعرف ظعنه(٢) عن قريبٍ ؛ لأنّه لا يفضي إلى المقصود.

أمّا إذا أدّى من غير إشهادٍ ، فإن كان الأداء في غيبة الأصيل ، فهو مقصّر بترك الإشهاد ؛ إذ كان من حقّه الاحتياط وتمهيد طريق الإثبات. وإن كان بحضوره ، فلا تقصير.

مسألة ٥٤٩ : لو جحد ربّ الدَّيْن أداء الضامن إليه ، وادّعاه الضامن ، ولا بيّنة ، فإن كذّب الأصيل الضامنَ في الدفع ، لم يرجع عليه‌ ، فإذا حلف ربّ الدَّيْن ، أخذ من الضامن ثانياً ، ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أدّاه ثانياً ، إلّا أن يكون الذي أدّاه أوّلاً أقلَّ مقداراً أو أقلَّ صفةً وادّعى رضاه به ، فإنّه يرجع بما أدّاه أوّلاً.

وإن صدّقه الأصيل ، فالأقوى : رجوع الضامن عليه بما أدّاه أوّلاً إن ساوى الحقّ أو قصر عنه ، لا بما يؤدّيه ثانياً بحلف المضمون له ، ويؤدّي الضامن إلى المضمون له ثانياً لحلفه.

وللشافعيّة فيه وجهان ، هذا أحدهما.

والثاني : أنّه ليس له الرجوع بما أدّاه أوّلاً وصدّقه عليه ؛ لأنّه لم يؤدّ بحيث ينتفع به الأصيل ، فإنّ ربّ المال منكر ، والمطالبة بحالها(٣) .

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٢) ظعن : سار. الصحاح ٦ : ٢١٥٩ « ظعن ». والمراد هنا السفر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

٣٧٣

ولا بأس به عندي.

فعلى هذا القول لو كذّبه الأصيل هل يحلف؟ قال بعض الشافعيّة : يبنى على أنّه لو صدّقه هل يرجع عليه؟ إن قلنا : نعم ، حلّفه على نفي العلم بالأداء. وإن قلنا : لا يرجع ، يبنى على أنّ النكولَ وردَّ اليمين كالإقرار ، أو كالبيّنة؟ إن قلنا بالأوّل ، لم يحلّفه ؛ لأنّ غايته أن ينكل فيحلف الضامن ، فيكون كما لو صدّقه ، وذلك لا يفيد الرجوع. وإن قلنا بالثاني ، حلّفه طمعاً في أن ينكل فيحلف(١) ، فيكون كما لو أقام البيّنة(٢) .

ولو كذّبه الأصيل وصدّقه ربّ المال ، فالأقوى : أنّه يرجع على الأصيل ؛ لسقوط المطالبة بإقراره ، وإقراره أقوى من البيّنة مع إنكاره ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة.

والثاني : أنّه لا يرجع ، ولا ينهض قول ربّ المال حجّةً على الأصيل(٣) .

ولو أدّى في حضور الأصيل ، قال بعض الشافعيّة : إنّه لا يرجع(٤) ، كما لو ترك الإشهاد في غيبته(٥) .

وظاهر مذهب الشافعي : أنّه يرجع(٦) ؛ لأنّه حال الغيبة مستبدّ بالأمر ، فعليه الاحتياط والتوثيق بالإشهاد ، وإذا كان الأصيل حاضراً ، فهو أولى بالاحتياط ، والتقصير بترك الإشهاد في حضوره مستند إليه(٧) .

مسألة ٥٥٠ : إذا توافق الأصيل والضامن على أنّ الضامن أشهد بالأداء‌

____________________

(١) في « ج ، ر » والمصدر : « ويحلف ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إنّه يرجع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه لا يرجع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

٣٧٤

ولكن مات الشهود أو غابوا ، ثبت له الرجوع على الأصيل ؛ لاعترافه بأنّ الضامن أتى بما عليه من الإشهاد والتوثيق ، والموت والغيبة ليسا إليه ، وهو قول الشافعي(١) .

ونَقَل الجويني وجهاً بعيداً : أنّه لا يرجع ؛ إذ لم ينتفع بأدائه ، فإنّ القولَ قولُ ربّ المال في نفي الاستيفاء(٢) .

ولو ادّعى الضامنُ الإشهادَ ، وأنكر الأصيلُ الإشهادَ ، فالقولُ قولُ الأصيل مع اليمين ؛ لأصالة عدم الإشهاد ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ القولَ قولُ الضامن ؛ لأنّ الأصل عدم التقصير. ولأنّه قد يكون صادقاً ، وعلى تقدير الصدق يكون منعه من الرجوع إضراراً ، فليصدَّق ؛ للضرورة ، كما يصدَّق الصبي في دعوى البلوغ ؛ إذ لا يُعرف إلاّ من جهته(٣) .

ولو قال : أشهدت فلاناً وفلاناً ، وكذّباه ، فهو كما لو لم يُشهد.

ولو قالا : لا ندري وربما نسيناه ، احتُمل تصديقه وتكذيبه.

ولو أقام بيّنةً على الشاهدين بأنّهما أقرّا بالشهادة ، فالأقوى : السماع.

وإذا لم يُقم بيّنةً على الأداء وحلف ربّ المال ، بقيت مطالبته بحالها ، فإن أخذ المال من الأصيل ، فذاك. وإن أخذه من الضامن مرّةً أُخرى ، لم يرجع بهما ؛ لأنّه مظلوم بإحداهما ، فلا يرجع إلّا على مَنْ ظَلَمه.

وفي قدر رجوعه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه لا يرجع بشي‌ء ، أمّا بالأوّل(٤) : فلأنّه قصّر عند أدائه بترك الإشهاد. وأمّا بالثاني(٥) : فلاعترافه بأنّه مظلوم به.

والأظهر عندهم : أنّه يرجع ؛ لأنّه غرم لإبراء ذمّته(٦) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ - ١٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٤ و ٥) أي : المبلغ الأوّل المبلغ الثاني.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٥.

٣٧٥

وعلى هذا [ هل ](١) يرجع بالأوّل ؛ لأنّه المبرئ للذمّة ، أو بالثاني ؛ لأنّه المسقط للمطالبة؟ فيه لهم وجهان(٢) .

مسألة ٥٥١ : إذا ضمن المريض في مرض موته ، فإن كان على وجهٍ يثبت له الرجوع ووجد الضامن مالاً يرجع فيه ، فالضمان صحيح‌ ، يُخرج من صلب المال ؛ لأنّه عقد شرعيّ ناقل للمال ولم يوجد تبرّعٌ من المريض ، فكان ماضياً من الأصل.

وإن كان الضمان متبرَّعاً به غير متضمّن للرجوع ، أو كان بالسؤال وله الرجوع ، لكن لم يجد مالاً يرجع فيه ، بأن يموت الأصيل معسراً ، فهذا الضمان من الثلث ؛ لأنّه تبرّعٌ محضٌ ، فلا ينفذ في أكثر من الثلث. فإذا ضمن المريض تسعين درهماً عن رجلٍ بأمره ، ولا مال للمريض سوى التسعين ومات الأصيل ولم يترك إلاّ نصف التسعين ومات الضامن ، دَخَلها الدور.

وتقريره أن نقول : إذا وفت التركة بثلثي الدَّيْن ، فلا دَوْر ؛ لأنّ صاحب الحقّ إن أخذ الحقَّ من تركة الضامن ، رجع ورثته بثلثي الدَّيْن في تركة الأصيل. وإن أخذ تركة الأصيل وبقي شي‌ء ، أخذه من تركة الضامن ، ويقع تبرّعاً ؛ لأنّ ورثة الضامن لا يجدون مرجعاً.

وإن لم تف التركة بالثلثين - كما في هذه الصورة - فقد ثبت الدَّوْر.

وتحقيقه أن نقول : صاحب الحقّ بالخيار إن شاء أخذ تركة الأصيل بتمامها ، وحينئذٍ فلا دَوْر أيضاً ، وله مطالبة ورثة الضامن بثلاثين درهماً ، ويقع تبرّعاً ؛ إذ لم يبق للأصيل تركة حتى يُفرض فيها رجوعٌ.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٥.

٣٧٦

فإن أراد الأخذ من تركة الضامن ، لزم الدَّوْر ؛ لأنّ ما يغرمه ورثة الضامن يرجع إليهم بعضُه من جهة أنّه يصير المغروم دَيْناً لهم على الأصيل يتضاربون به مع صاحب الحقّ في تركته ، ويلزم من رجوع بعضه زيادة التركة ، ومن زيادة التركة زيادة المغروم ، ومن زيادة المغروم زيادة الراجع.

وطريق معرفته أن يقال : يأخذ صاحب الحقّ من ورثة الضامن شيئاً ، ويرجع إليهم مثل نصفه ؛ لأنّ تركة الأصيل نصف تركة الضامن ، فيبقى عندهم تسعون إلّا نصف شي‌ء ، وهي تعدل مِثْلَي ما تلف بالضمان ، والتالف نصف شي‌ء ، فمِثْلاه شي‌ءٌ ، فإذَنْ تسعون إلّا نصف شي‌ء يعدل شيئاً ، فإذا جبرنا وقابلنا ، عدلت تسعون شيئاً ونصف شي‌ء ، فيكون الشي‌ء ستّين ، فبانَ لنا أنّ المأخوذ ستّون ، وحينئذٍ تكون الستّون دَيْناً لهم على الأصيل ، وقد بقي لصاحب الحقّ ثلاثون ، فيضاربون في تركته بسهمين وسهمٍ ، وتركته خمسة وأربعون يأخذ منها الورثة ثلاثين ، وصاحب الحقّ خمسةَ عشر ، ويعطّل باقي دَيْنه ، وهو خمسة عشر ، فيكون الحاصل للورثة ستّين ، ثلاثون بقيت عندهم ، وثلاثون أخذوها من تركة الأصيل ، وذلك مِثْلا ما تلف ووقع تبرّعاً ، وهو ثلاثون.

ولو كانت المسألة بحالها لكن تركة الأصيل ثلاثون ، قلنا : يأخذ صاحب الحقّ شيئاً ، ويرجع إلى ورثة الضامن مثل ثلثه ؛ لأنّ تركة الأصيل ثلث تركة الضامن ، فيبقى عندهم تسعون ناقصةً ثلثَي شي‌ء تعدل مثْلَي المتلف بالضمان ، وهو ثلثا شي‌ء ، فمِثْلاه شي‌ء وثلث ، فإذَنْ تسعون إلاّ ثلثَي شي‌ء تعدل شيئاً وثلثاً ، فيُجبر ويُقابل ، عدلت تسعون شيئين ، فالشي‌ء خمسة وأربعون ، وذلك ما أخذه صاحب الحقّ ، وصار دَيْناً لورثة الضامن على الأصيل ، وبقي لصاحب الحقّ عليه خمسة وأربعون أيضاً ، فيتضاربون‌

٣٧٧

في تركته بسهمٍ وسهمٍ ، فيجعل بينهما نصفين.

ولو كانت تركة الأصيل ستّين ، فلا دَوْر ، بل لصاحب الحقّ أخذ تركة الضامن كلّها بحقّ الرجوع ، ويقع الباقي تبرّعاً.

ولو كانت المسألة بحالها وكان قد ضمن عن الضامن ضامنٌ ثانٍ ومات الضامن الثاني ولم يترك إلّا تسعين درهماً أيضاً ، كان لصاحب الحقّ أن يطالب ورثة أيّهما شاء.

فإن طالَب به ورثة الضامن الأوّل ، قال بعض الشافعيّين : كان كالمسألة الأُولى يأخذ ستّين ، ومن ورثة مَنْ كان عليه أصل المال خمسةَ عشر ، ويرجع ورثة الضامن على ورثة الذي كان عليه الحقُّ بثلاثين(١) .

وإن طالَب ورثة الضامن الثاني ، أخذ منهم سبعين درهماً ، ومن ورثة مَنْ كان عليه الأصلُ خمسةَ عشر ، ويرجع ورثة الضامن الثاني على الضامن الأوّل بأربعين درهماً ، ويرجع الضامن الأوّل في مال مَنْ عليه أصلُ الحقّ بثلاثين.

وإنّما كانت هذه المسألة كالأُولى فيما إذا طالَب ورثة الضامن الأوّل ؛ لأنّه لا يأخذ منهم إلّا ستّين ، ويأخذ من تركة الأصيل خمسةَ عشر ، كما في الصورة السابقة ، لكن لا يتلف من ماله شي‌ء هنا ، بل يطالب بالباقي - وهو خمسة عشر - ورثة الضامن.

وأمّا إذا طالَب ورثة الضامن الثاني ، فقد غلّطه جماعة الشافعيّة في قوله من جهة أنّه أتلف من مال الثاني ثلاثين ؛ لأنّه أخذ منهم سبعين ، وأثبت لهم الرجوع بأربعين ، وكان الباقي عندهم عشرين ، فالمجموع ستّون ، ولم يتلف من مال الأوّل إلّا عشرة ؛ لأنّه أخذ منهم أربعين ، وأثبت لهم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٣.

٣٧٨

الرجوع بثلاثين ، ومعلومٌ أنّ الضامن الثاني إنّما ضمن تسعين عمّن يملك تسعين ، والأوّل ضمن تسعين عمّن يملك خمسةً وأربعين ، فكيف يؤخذ من الثاني أكثر ممّا يؤخذ من الأوّل!؟(١) .

واختلفت الشافعيّة في الجواب.

فقال الأُستاذ أبو إسحاق(٢) : يأخذ صاحب الحقّ من ورثة الضامن خمسةً وسبعين ، ويرجعون بمثلها على ورثة الأوّل ، ويرجع [ ورثة ](٣) الأوّل على ورثة الأصيل بتركته ، وهي خمسة وأربعون ، فيكون جملة ما معهم ستّين : خمسة عشر من الأصل ، والباقي من العوض ، وذلك مِثْلا الثلاثين التالفة عليهم ، ولم يثبت لصاحب الحقّ مطالبة ورثة الثاني بكمال الدَّيْن(٤) .

وقال الأكثر : له مطالبة ورثة الثاني بجميع الدَّيْن ، ثمّ هُمْ يرجعون على ورثة الأوّل بخمسة وسبعين ، ويتلف عليهم خمسة عشر ؛ للضرورة ، ويرجع ورثة الأوّل على ورثة الأصيل بتركته ، كما ذكره الأُستاذ(٥) .

قال الجويني : كأنّ الأُستاذ اعتقد أنّ ضمان الأوّل لم يصح إلاّ في قدرٍ لو رجع معه في تركة الأصيل لما زاد التالف من تركته على ثلثها ، وإذا لم يصح ضمانه فيما زاد ، لم يصح ضمان الثاني عنه ، وإلّا دارَ(٦) .

قالوا : إنّما لا يؤخذ أكثر من الثلث لحقّ الورثة ، لكنّه صحيح في الجميع متعلّق بالذمّة ، فيكون ضمان الثاني عنه فيما زاد كالضمان عن المعسر(٧) ‌.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٤.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر : « أبو منصور ».

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤ - ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٤.

٣٧٩

ويجب أن يكون هذا الخلاف جارياً في مطالبتهم بتتمّة التسعين إذا طالب أوّلاً ورثة الضامن الأوّل وإن [ لم ](١) يُذكر ثَمَّ. وإن أخذ المستحقّ أوّلاً بتركة الأصيل ، برئ الضامنان عن نصف الدَّيْن.

ثمّ المستحقّ - على جواب الأكثرين - إن شاء أخذ من ورثة الأوّل ثلاثين ، ومن ورثة الثاني خمسةَ عشر ، وإن شاء أخذ الكلَّ من ورثة الثاني وهُمْ يرجعون على ورثة الأوّل بثلاثين ، فيصل إلى تمام حقّه بالطريقين.

وعلى جواب الأُستاذ ليس له من الباقي إلّا ثلاثون ، إن شاء أخذها من ورثة الأوّل ولا رجوع ، وإن شاء أخذها من ورثة الثاني ، وهُمْ يرجعون بها على ورثة الأوّل(٢) .

مسألة ٥٥٢ : يجوز ترامي الضمان لا إلى غايةٍ معيّنة.

وهل يجوز دَوْرُه بأن يضمن ضامن رجلاً على دَيْنٍ ثمّ يضمن الرجل المضمون الضامنَ على ذلك الدَّيْن بعينه؟ مَنَع منه الشافعيّة ؛ لأنّ الضامن فرع المضمون عنه ، فلا يجوز أن يكون أصلَه(٣) .

وفيه عندي نظر.

أمّا لو ضمن غيرَ ذلك الدَّيْن ، فإنّه يجوز قطعاً ؛ لأنّ الأصل في شي‌ءٍ قد يكون فرعاً لفرعه في شي‌ءٍ آخَر.

وكذا لو تبرّع الضامن بالضمان ، فإنّ الحقّ يثبت في ذمّته ، وتبرأ ذمّة المضمون عنه عندنا ، فيجوز حينئذٍ للمضمون عنه أن يضمن الضامنَ.

فلو كان له على اثنين عشرةٌ على كلّ واحدٍ منهم خمسةٌ ، فضمن كلّ واحدٍ صاحبَه فضمن ثالثٌ عن أحدهما العشرةَ وقضاها ، سقط الحقّ‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٤.

(٣) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٤.

٣٨٠

- عندنا وعند الشافعيّة(١) - عن الجميع بالأداء ، ورجع على الذي ضمن عنه بخمسة ؛ لأنّها هي التي تثبت في ذمّته ، ولم يرجع على الآخَر بشي‌ء ؛ لأنّه لم يضمن عنه ، وإنّما قضى الدَّيْن عنه تبرّعاً.

وعند الشافعيّة يكون له الرجوع على الذي ضمن عنه بالعشرة ، ولا يرجع على الآخَر بشي‌ء ؛ لأنّه لم يضمن عنه ، وإذا رجع على الذي ضمن عنه ، رجع على الآخَر بنصفها ؛ لأنّه ضمنها عنه وقضاها(٢) .

ولو كان المضمون عنه دفع مال الضمان إلى الضامن بإذنه وقال له : اقض هذا المال للمضمون له عنّي ، فقضاه ، كان أمانةً في يده ؛ لأنّه نائب عنه في دفعه إلى صاحب الدَّيْن ، فإن(٣) تلف قبل الدفع بغير تفريطٍ منه ، لم يضمنه.

وإن دفعه إليه عن الذي ضمنه وقال له : خُذْ هذا عوضاً عمّا ضمنته ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يصحّ ويملكه ؛ لأنّ رجوعه عليه يتعلّق بسبب الضمان والغرم ، فإذا وجد أحد السببين ، جاز أن يدفعه ، كالزكاة.

والثاني : لا يصحّ ولا يملكه ؛ لأنّه يدفعه عوضاً عمّا يغرم ، ولم يغرم بَعْدُ ، فلا تصحّ المعاوضة على ما لم يجب له(٤) .

ويمكن أن يقال : هذا لا يجي‌ء على مذهب الشافعيّة ؛ لأنّ لصاحب الحقّ أن يطالب مَنْ عليه الدَّيْن بذلك ، فكيف تصحّ المعاوضة عنه مع‌

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر ، وراجع : المغني والشرح الكبير ٥ : ٨٩ - ٩٠.

(٣) في « ج » : « وإن ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

٣٨١

توجّه المطالبة به!؟ فإن قلنا : إنّه يملك ، صحّ له التصرّف فيه ، وإلّا فلا ، ويكون مضموناً عليه ؛ لأنّه قبضه على وجه المعاوضة.

مسألة ٥٥٣ : لو ادّعى على رجلٍ حاضرٍ أنّه باع منه ومن الغائب شيئاً بألفٍ وكلٌّ منهما ضامن لصاحبه‌ ، فإن أقرّ الحاضر ، لم يلزمه عندنا إلّا النصف الذي ضمنه ، بناءً على أصلنا من انتقال المال إلى ذمّة الضامن ، وعند الشافعيّة من اشتراك الذمّتين في المال(١) : يؤدّي الحاضر الألف ، فإذا قدم الغائب وصدّقه ، رجع عليه. وإن أنكره وحلف ، لم يكن له الرجوع عليه(٢) .

وأمّا إن أنكر الحاضر الضمانَ ، فإن لم يكن للمدّعي بيّنةٌ ، قُدّم قول المنكر مع يمينه. فإذا(٣) حلف ، سقطت الدعوى عنه.

فإذا قدم الغائب فإن أنكر(٤) ، حلف وبرئ ، وإن اعترف ، لزمه خمسمائة التي ادّعاها عليه ، ويسقط(٥) عنه الباقي ؛ لأنّ المضمون عنه سقطت عنه بيمينه ، قاله بعض الشافعيّة(٦) .

وقال بعضهم : إنّه غير صحيح ؛ لأنّ اليمين لم تبرئه من الحقّ ، وإنّما أسقطت عنه في الظاهر ، فإذا أقرّ به الضامن ، لزمه ، ولهذا لو أقام البيّنة عليه بعد يمينه ، لزمه ولزم الضامن ، فإذَنْ الحقُّ لم يسقط عنه ولا عن الضامن(٧) .

وأمّا إذا أقام على الحاضر البيّنة ، وجب عليه الألف عندهم ، فإذا قدم‌

____________________

(١) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٤٤.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٣ - ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٣ - ٥٠٤.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « وإذا ».

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فأنكر » بدل « فإن أنكر ».

(٥) في « ر » والطبعة الحجريّة : « سقط ».

(٦ و ٧) حلية العلماء ٥ : ٨٧.

٣٨٢

الغائب ، لم يكن للحاضر الرجوعُ على الغائب ؛ لأنّه منكرٌ لما شهدت به البيّنة ، مكذّبٌ لها ، مدّعٍ أنّ ما أخذه ظلم ، فلم يرجع(١) .

ونقل المزني أنّه يرجع بالنصف على الغائب(٢) .

وتأوّله الشافعيّة بأُمور ، أحدها : أنّه يجوز أن تُسمع البيّنة مع إقراره ؛ لأنّه يثبت بذلك الحقُّ على الغائب ، فتُسمع عليهما ، أو يكون أنكر شراءه ولم ينكر شراء شريكه والضمان عنه ، بل سكت(٣) .

مسألة ٥٥٤ : لو شرط في الضمان الأداء من مالٍ بعينه ، صحّ الضمان والشرط معاً‌ ؛ لتفاوت الأغراض في أعيان الأموال ، فلو تلف المال قبل الأداء بغير تفريط الضامن ، فالأقرب : فساد الضمان ؛ لفوات شرطه ، فيرجع صاحب المال على الأصيل.

وهل يتعلّق الضمان بالمال المشروط تعلُّقُه به تعلُّقَ الدَّيْن بالرهن أو الأرش بالجاني؟ الأقرب : الأوّل ، فيرجع على الضامن لو تلف.

وعلى الثاني يرجع على المضمون عنه.

وكذا لو ضمن مطلقاً ومات معسراً على إشكالٍ.

ولو بِيع متعلَّق الضمان بأقلّ من قيمته ؛ لعدم الراغب ، رجع الضامن بتمام القيمة ؛ لأنّه يرجع بما أدّى.

ويُحتمل بالثمن خاصّةً ؛ لأنّه الذي قضاه.

ولو لم يساو المال قدر الدَّيْن ، فالأقرب : الرجوع على الضامن ، ويرجع على المضمون عنه.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٨٨.

(٢) مختصر المزني : ١٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ٨٨.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٨٨.

٣٨٣

وقد بيّنّا أنّ ضمان المجهول صحيح ، فلو ضمن عنه ما في ذمّته ، صحّ ، ولزمه ما تقوم به البيّنة على ثبوته وقت الضمان ، لا ما يتجدّد ، ولا ما يوجد في دفتر وكتاب ، ولا ما يُقرّ به المضمون عنه أو يحلف عليه المالك بردّ اليمين من المديون.

ولو ضمن ما تقوم به البيّنة ، لم يصح ؛ لعدم العلم بثبوته حينئذٍ.

مسألة ٥٥٥ : لو ضمن الدَّيْنَ اثنان على التعاقب مع صاحب الحقّ عن المديون ، طُولب الضامن الأوّل ، وبطل الثاني‌ ؛ لأنّ الحقّ انتقل من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، فالضامن الثاني لم يصادف ضمانه حقّاً على المضمون عنه للمضمون له.

ولو قال الضامن الثاني : ضمنت لك هذا الدَّيْن على مَنْ كان ، فإن قلنا : يصحّ الضمان عن المجهول ، صحّ هذا الضمان ، وكان ضامناً عن الضامن السابق ، وإلّا بطل.

ولو ضمن الثاني من وكيل صاحب الحقّ ، بطل الثاني.

ولو اتّفق ضمان الأوّل مع صاحب الحقّ وضمان الثاني مع وكيله في الزمان الواحد ، بطل الضمانان معاً ؛ لعدم أولويّة أحدهما بالصحّة والآخَر بالبطلان.

مسألة ٥٥٦ : لو شرط الضمان في مالٍ بعينه ثمّ أفلس وحجر عليه الحاكم ، كان حقّ الضمان في العين التي تعلّق الضمان بها - كالرهن - مقدّماً على حقّ الغرماء‌ ، فإن فضل شي‌ء من حقّ الضمان ، تعلّق حقّ الغرماء بالفاضل ، وإلّا فلا.

٣٨٤

ولو ضمن كلٌّ من المديونين ما على صاحبه ، تعاكست الأصالة والفرعيّة فيهما إن أجازهما المضمون له على ما بيّنّاه ، وتتساقطان إذا أدّى كلّ واحدٍ منهما مالَ الضمان عن صاحبه ، فلو شرط أحدهما كونَ الضمان من مالٍ بعينه وحُجر عليه بفلسٍ قبل الأداء ، رجع على الموسر بما أدّى ، ويضرب الموسر مع الغرماء.

ولو أجاز ضمانَ أحدهما خاصّةً ، رجع عليه بالجميع ، ويرجع المؤدّي على الآخَر بنصيبه ، فإن دفع النصف ، انصرف إلى ما قصده ، ويُصدَّق باليمين ، وينصرف الإبراء إلى ما قصده المبرئ ، فإن أطلق فالتقسيط.

ولو ادّعى الأصيل قصده ، ففي توجّه اليمين عليه أو على الضامن إشكال ينشأ : من عدم توجّه اليمين لحقّ الغير ، ومن خفاء القصد.

ولو تبرّع بالضمان ثمّ سأل ثالثاً الضمانَ عنه فضمن ، رجع عليه ، دون الأصيل وإن أذن له الأصيل في الضمان والأداء.

مسألة ٥٥٧ : لو دفع الأصيل الدَّيْنَ إلى المستحقّ أو إلى الضامن ، فقد برئ ، سواء أذن له الضامن في الدفع أو لا.

ولو ضمن فأنكر الأصيل الإذنَ في الضمان ، قُدّم قوله مع اليمين ، وعلى الضامن البيّنة بالإذن ؛ لأصالة عدمه.

وكذا لو أنكر الأصيل الدَّيْنَ الذي ضمنه عنه الضامن ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ولو أنكر الضامن الضمانَ فاستوفى المستحقّ بالبيّنة ، لم يرجع على‌

٣٨٥

الأصيل إن أنكر الدَّيْنَ أيضاً أو الإذنَ ، وإلّا رجع اقتصاصاً ، إلّا أن ينكر الأصيل الإذنَ ولا بيّنة.

ولو أنكر المستحقّ دفع الضامن بسؤالٍ ، قُدّم إنكاره.

فإن شهد الأصيل ولا تهمة ، قُبلت ، ومع التهمة يغرم ثانياً ، ويرجع على الأصيل بالأوّل مع مساواته الحقّ أو قصوره.

ولو لم يشهد ، رجع بالأقلّ من الثاني والأوّل والحقّ.

مسألة ٥٥٨ : كما ينبغي التنزّه عن الدَّيْن ينبغي التنزّه عن الضمان مع الإعسار ؛ لما فيه من التغرير بمال الغير.

وقد روى أبو الحسن الخزّاز عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول لأبي العباس الفضل : « ما مَنَعك من الحجّ؟ » قال : كفالة تكفّلت بها ، قال : « ما لك والكفالات؟ أما علمت أنّ الكفالة هي التي أهلكت القرون الأُولى؟ »(١) .

وعن داوُد الرقّي عن الصادقعليه‌السلام قال : « مكتوب في التوراة : كفالة ندامة غرامة »(٢) .

وقد روى الحسن(٣) بن خالد عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : قلت له : جُعلت فداك ، قول الناس : الضامن غارم ، قال : فقال : « ليس على الضامن غُرْمٌ ، الغُرْم على مَنْ أكل المال »(٤) . والمراد منه أنّ الضمان يستقرّ على الأصيل.

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٢.

(٣) في المصدر : « الحسين ».

(٤) الكافي ٥ : ١٠٤ - ١٠٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٥.

٣٨٦

٣٨٧

الفصل الثاني : في الكفالة‌

وفيه مباحث :

الأوّل : العقد.

مسألة ٥٥٩ : الكفالة عقد شُرّع للتعهّد بالنفس ، ويشابه الضمان ، فإنّ الشي‌ء المضمون قد يكون حقّاً على الشخص ، وقد يكون نفسَ الشخص.

وهي عقد صحيح عند عامّة أهل العلم ، وبه قال الثوري ومالك والليث وأبو حنيفة وأحمد والشافعي(١) ، ولا نعرف فيه مخالفاً ، إلّا ما نُقل عن الشافعي من قوله في كتاب الدعاوي : إنّ الكفالة بالبدن ضعيفة(٢) .

وقال في اختلاف العراقيّين وفي الإقرار وفي المواهب وفي كتاب اللعان : إنّ الكفالة بالبدن جائزة(٣) .

واختلف أصحابه.

فقال بعضهم : إنّ الكفالة صحيحة قولاً واحداً ، وأراد بقوله : « إنّها‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٥ ، المعونة ٢ : ١٢٣٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥٣ / ١٩٧٥ ، النتف ٢ : ٧٥٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوجيز ١ : ١٨٤ ، الوسيط ٣ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) الأُم ٣ : ٢٣١ ، و ٦ : ٢٢٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨.

(٣) الأُم ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩.

٣٨٨

ضعيفة » أي ضعيفة في القياس وإن كانت ثابتةً بالإجماع والأثر.

ومنهم مَنْ قال : إنّ فيها قولين :

أحدهما : أنّها صحيحة ، وهو قول عامّة العلماء.

والثاني : أنّها غير صحيحة ؛ لأنّها كفالة بعين فلم تصح ، كالكفالة بالزوجة وبدن الشاهدَيْن(١) .

والحقّ : الأوّل ؛ لقوله تعالى :( قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ ) (٢) فطلب يعقوبعليه‌السلام من بنيه كفيلاً ببدن يوسفعليه‌السلام ، وقالوا ليوسفعليه‌السلام :( إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ ) (٣) وذلك كفالة بالبدن.

وما رواه العامّة من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الزعيم غارم »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أُتي برجل كفل برجلٍ بعينه فأخذ الكفيل ، فقال : احبسوه حتى يأتي بصاحبه »(٥) .

ولإطباق الناس عليه في جميع الأعصار في كلّ الأصقاع ، ولو لم تكن صحيحةً امتنع إطباق الخلق الكثير عليه. ولأنّ الحاجة تدعو إليه ، وتشتدّ الضرورة إليه ، فلو لم يكن سائغاً لزم الحرج والضرورة. ولأنّ ما وجب تسليمه بعقدٍ وجب تسليمه بعقد الكفالة ، كالمال ووجوب تسليم البدن‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨.

(٢) يوسف : ٦٦.

(٣) يوسف : ٧٨.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٤ / ٢٤٠٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٧ / ٣٥٦٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٥ / ١٢٦٥ ، سنن الدار قطني ٤ : ٧٠ / ٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٢ ، سنن سعيد ابن منصور ١ : ١٢٥ - ١٢٦ / ٤٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩٢ ، و ٣٩٧ / ٢٢٠٠١.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٦ ، وفيه : « بالمكفول » بدل « الكفيل ».

٣٨٩

يكون بعقد النكاح والإجارة.

مسألة ٥٦٠ : ويصحّ عقد الكفالة حالّةً ومؤجَّلةً عند أكثر علمائنا‌(١) - وبه قال الشافعي(٢) - للأصل الدالّ على الجواز.

وقال الشيخرحمه‌الله : لا يصحّ ضمان مال ولا نفس إلّا بأجلٍ معلوم(٣) .

وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإذا أطلق عقد الكفالة أو شرط الحلول ، كانت حالّةً ؛ لأنّ كلّ عقدٍ دَخَله الحلول إذا أطلق اقتضى الحلول ، كالثمن.

وإذا ذكر أجلاً ، وجب تعيينه ، فإن أبهم ، كان العقد باطلاً عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لما فيه من الغرر بجهالة الأجل. ولأنّه ليس له وقت يستحقّ مطالبته فيه.

وكذا الضمان.

فإن جَعَله إلى الحصاد والجذاذ والقطاع(٥) ، لم يصح عندنا ، وهو أحد قولَي الحنابلة(٦) .

والأولى عندهم : صحّته ؛ لأنّه تبرّع من غير عوضٍ جعل له أجلاً لا يمنع من حصول المقصود فيه ، فصحّ(٧) .

وعن أحمد رواية : أنّه إذا قيّد الكفالة بساعةٍ ، صحّ ، ولزمه. وتوقّف‌

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ٣٣٧ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٧٧ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ١١٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠.

(٣) النهاية : ٣١٥.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، الوسيط ٣ : ٢٤٤ ، الوجيز ١ : ١٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٧٢ و ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٥) في « ث » : « القطاف » بدل « القطاع ».

(٦ و ٧) المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

٣٩٠

لو عيّن الوقت المتّسع(١) .

ولأنّه شرط فيها شرطاً فاسداً فلم يصح مطلقها ؛ لعدم الرضا به ، ولا مقيّدها بهذا الشرط ؛ لفساده.

وللشافعي وجهٌ آخَر : أنّها تصحّ كالعاريّة بأجلٍ مجهول(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ العاريّة لا تلزم ، ولهذا لو قال له : أعرتك أحد هذين الثوبين ، جاز ، وكان له الانتفاع بأحدهما ، ولو قال : كفلت لك بأحد هذين ، لم يصح ، كذا هنا.

مسألة ٥٦١ : عقد الكفالة يصحّ دخول الخيار فيه‌ ، فإن شرط الخيار فيها مدّة معيّنة ، صحّ ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٣) .

وقولِه تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) أمر بالوفاء بالعقد ، وإنّما وقع العقد على هذا الشرط ، وليس منافياً لمقتضاه ، كما لا ينافي غيره من العقود.

وقال الشافعي : إذا شرط في الكفالة الخيار ، بطل العقد ؛ لأنّه عقد لا يجوز فيه شرط الخيار ، فإذا شرطه بطل ، كالسَّلَم والصرف(٥) .

والمقدّمة الأُولى ممنوعة ، والحكم في المقيس عليه ممنوع.

وقال أبو حنيفة : إذا شرط الخيار في الكفالة ، صحّ العقد ، وبطل الشرط ؛ لأنّ الضمان يتعلّق بغرر وخطر ، فلم يفسد بالشرط الفاسد ،

____________________

(١) المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٢ و ٧٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) المائدة : ١.

(٥) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

٣٩١

كالنكاح(١) .

مسألة ٥٦٢ : لا بدَّ في العقد من صيغةٍ دالّةٍ على الإيجاب والقبول ، فيقول الكفيل : كفلت لك بدنَ فلان ، أو : أنا كفيل بإحضاره ، أو : كفيل به ، أو بنفسه ، أو ببدنه ، أو بوجهه ، أو برأسه ؛ لأنّ كلّ ذلك يُعبَّر به عن الجملة.

ولو كفل رأسه أو كبده أو عضواً لا تبقى الحياة بدونه ، أو بجزء شائع فيه ، كثلثه أو ربعه ، قال بعض علمائنا : لا يصحّ ؛ إذ لا يمكن إحضار ما شرط مجرّداً ، ولا يسري العقد إلى الجملة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : تصحّ الكفالة ؛ لأنّه لا يمكن إحضار ذلك المكفول إلّا بإحضار كلّه(٣) . وهو الوجه عندي.

ولو تكفّل بعضو تبقى الحياة بعد زواله ، كيده ورِجْله وإصبعه وغيرها ، للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الصحّة ؛ لأنّه لا يمكنه إحضار هذه الأعضاء على صفتها إلّا بإحضار البدن كلّه ، فأشبه الكفالة بالوجه والقلب. ولأنّه حكم تعلّق بالجملة ، فيثبت حكمه إذا أُضيف إلى البعض ، كالعتق.

والثاني : لا تصحّ ؛ لأنّه لا يمكن(٤) إحضاره بدون الجملة مع بقائها(٥) .

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧.

(٢) راجع : شرائع الإسلام ٢ : ١١٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٤) في المغني والشرح الكبير : « يمكن » بدون « لا » النافية.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، =

٣٩٢

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ الكفالة في جميع ذلك كلّه ، سواء بقيت الحياة بدونه أو لا ، وسواء كان جزءاً مشاعاً أو لا ؛ لأنّ ما لا يسري إذا خصّ به عضواً لم يصح ، كالبيع والإعارة والوصيّة والإجارة(١) .

البحث الثاني : في الكفيل والمكفول والمكفول له.

مسألة ٥٦٣ : يُشترط في الكفيل البلوغُ والعقلُ والحُرّيّةُ وجوازُ التصرّف‌ ، فلا تصحّ كفالة الصبي ولا المجنون ولا العبد ولا مَنْ لا يجوز تصرّفه ، كالسكران والغافل والنائم والساهي والمحجور عليه للسفه والفلس ؛ لأنّ الكفالة تستلزم غرم المال مع عدم الإحضار ، وهؤلاء كلّهم ممنوعون من التصرّف في أموالهم.

ولا يُشترط ذلك في المكفول ولا في المكفول له ، فإنّه تجوز الكفالة للصبي والمجنون وغيرهما إذا قَبِل الوليّ.

مسألة ٥٦٤ : يُشترط رضا الكفيل ، فلا تصحّ كفالة المكره على الكفالة‌ ؛ لأنّه لا يصحّ أن يلزمه الحقّ ابتداءً إلّا برضاه. ولا نعلم فيه خلافاً.

وكذا يُعتبر رضا المكفول له ؛ لأنّه صاحب الحقّ ، فلا يجوز إلزامه شيئاً بغير رضاه ، وكما يُعتبر رضا المرتهن في الارتهان ، كذا المكفول له يُعتبر رضاه في الكفالة.

وقال أحمد : لا يُعتبر رضاه ؛ لأنّها(٢) التزام حقٍّ له من غير عوض ،

____________________

= التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥ ، المغني ٥ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٠ - ١٠١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ». وما أثبتناه كما في المصدر.

٣٩٣

فلم يُعتبر رضاه فيها(١) .

وليس بصحيح.

أمّا المكفول به فلا يُعتبر رضاه ، بل تصحّ الكفالة وإن كره المكفول به ، عند علمائنا - وبه قال ابن سريج من الشافعيّة(٢) - لأنّها وثيقة على الحقّ ، فصحّت بغير أمر مَنْ عليه ، كالضمان.

وقال عامّة الشافعيّة - وهو منقول عن الشافعي - : إنّه يُعتبر رضا المكفول(٣) به ؛ لأنّه إذا لم يأذن المكفول به في الكفالة لم يلزمه الحضور معه ، فلم يتمكّن من إحضاره ، فلم تصحّ(٤) كفالته ؛ لأنّها كفالة بغير المقدور عليه ، بخلاف الضمان ؛ لأنّه يمكنه الدفع من ماله ، ولا يمكنه أن ينوب عنه في الحضور(٥) .

ونمنع عدم لزوم الحضور.

وخلاف الشافعيّة هنا مبنيّ على أنّ الكفيل هل يغرم عند العجز؟ إن قلنا : لا يغرم ، لم تصح الكفالة ؛ لأنّه إذا تبرّع لم يتمكّن من إحضاره ؛ إذ لا تلزمه الإجابة ، فلا تفضي الكفالة إلى مقصودٍ. وإن قلنا : نعم ، يغرم عند العجز(٦) .

فعلى قولنا إذا تكفّل به بغير أمره فطالَبه المكفول له بإحضاره ، وجب‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ٧٣.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المضمون » بدل « المكفول ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « فلا تصحّ ».

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١ ، المغني ٥ : ١٠٣ - ١٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥.

٣٩٤

عليه إحضاره ، ووجب على المكفول به الحضورُ ، لا من جهة الكفالة ، ولكن لأنّ المكفول له أمره بإحضاره ، فهو بمنزلة وكيله في مطالبته بحضوره.

ولو لم يقل المكفول له : أحضره ، ولكن قال : أُخرج إليَّ من كفالتك ، أو : أُخرج عن حقّي ، فهل يجب على المكفول به الحضور؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّ ذلك يتضمّن الإذن له في إحضاره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة على قول ابن سريج.

والثاني : لا يلزمه ؛ لأنّه طالَبه بما عليه من الإحضار ، فعلى هذا له حبسه ، ولا يلزم المكفول به الحضور(١) .

وهو باطل ؛ لأنّه يحبس على ما لا يقدر عليه.

مسألة ٥٦٥ : يُشترط في المكفول به التعيينُ ، فلو قال : كفلت أحد هذين ، أو كفلت زيداً أو عمرواً ، لم يصح ؛ لأنّه لم يلتزم بإحضار أحدهما بعينه.

وكذا لو قال : كفلت لك ببدن زيد على أنّي إن جئت به وإلّا فأنا كفيل بعمرو ، لم يصح ؛ لأنّه لم يلتزم إحضار أحدهما بعينه. ولأنّه علّق الكفالة في عمرو بشرطٍ ، والكفالة لا تتعلّق بالشرط ، فلو قال : إن جئت فأنا كفيل به ، لم يصح. وكذا لو قال : إن جاء زيد فأنا كفيل به ، أو : إن طلعت الشمس ، وبذلك كلّه قال الشافعي(٢) .

ولو قال : أنا أُحضره ، أو أُؤدّي ما عليه ، لم يكن كفالةً.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ - ١٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨١ و ١٩٠ و ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ و ١٦٧ و ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧ و ٤٩٣ و ٤٩٦.

٣٩٥

مسألة ٥٦٦ : كلّ مَنْ عليه حقٌّ ماليٌّ صحّت الكفالة ببدنه‌ ، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال ؛ لأنّ الكفالة إنّما هي بالبدن لا بذلك المال ، والبدن معلوم ، فلا تبطل الكفالة لاحتمال عارضٍ. ولأنّا قد بيّنّا أنّ ضمان المجهول صحيح ، وهو التزام المال ابتداءً ، فالكفالة التي لا تتعلّق بالمال ابتداءً أولى ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا تصحّ كفالة مَنْ عليه حقٌّ مجهول ؛ لأنّه قد يتعذّر إحضار المكفول به ، فيلزمه الدَّيْن ، ولا يمكن طلبه منه ؛ لجهله. ولأنّهم قالوا ذلك بناءً على أنّه لو مات ، غرم الكفيل ما عليه(٢) .

وهذا عندنا غير صحيح.

مسألة ٥٦٧ : يُشترط أن يكون ذلك المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه‌ ، فلو تكفّل ببدن مَنْ لا دَيْن عليه أو مَنْ جعل جعالة قبل الفعل والشروع فيه ، لم يصح.

ولو تكفّل ببدن المكاتب للنجوم التي عليه ، صحّ عندنا ؛ لأنّ مال الكتابة عندنا ثابت في ذمّة المكاتب على ما سلف(٣) .

وللشيخ قولٌ بعدم الثبوت ؛ لأنّ له أن يُعجّز نفسه(٤) ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ - ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٣) في ص ٣١٦ ، المسألة ٥٠٧.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٩٧ و ٣٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

٣٩٦

فعلى هذا لا تصحّ كفالة بدن المكاتب للنجوم التي عليه ؛ لأنّه لو ضمن النجوم لم يصح ، فالكفالة بالبدن للنجوم أولى أن لا تصحّ. ولأنّ الحضور لا يجب على المكاتب ، فلا تجوز الكفالة به ، كدَيْن الكتابة.

مسألة ٥٦٨ : إذا كان عليه عقوبة ، فإن كانت من حقوق الله تعالى - كحدّ الزنا والسرقة والشرب - لم تصح الكفالة ببدنه عليها‌ عند علمائنا - وهو المشهور من مذهب الشافعي(١) - لأنّ الكفالة للتوثيق ، وحقوق الله تعالى مبنيّة على الإسقاط ، وينبغي السعي في دفعها ما أمكن ، ولهذا لـمّا أقرّ ماعز بالزنا عرض له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرجوع والإنكار ، فقال له : « لعلّك قبّلتها ، لعلّك لامَسْتَها » وأعرض بوجههصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه(٢) .

وطرّد القاضي ابن سلمة وابن خيران من الشافعيّة القولين فيه(٣) .

والخلاف في هذا الباب شبيه الخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي.

وأمّا إن كانت العقوبة من حقوق الآدميّين - كالقصاص وحدّ القذف - فالأقرب عندي : ثبوتها في القصاص ، أمّا الحدّ فلا تصحّ الكفالة به ؛ لما رواه العامّة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ( عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه )(٤) قال : « لا كفالة في حدٍّ »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الصدوقرحمه‌الله عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ،

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٧ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٢١ / ١٣١ و ١٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٣٩٤ / ٢١٣٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٣٣٨ / ١١٩٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ج ، ر » : « أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٥) الكامل - لابن عدي - ٥ : ١٦٨١ ، تاريخ بغداد ٣ : ٣٩١.

٣٩٧

قال : قضى أنّه لا كفالة في حدٍّ(١) .

وهذا القول بعدم صحّة الكفالة في الحدّ قولُ أكثر العلماء ، وبه قال شريح والحسن البصري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد(٢) .

واختلف قول الشافعي فيه.

فقال في باب اللعان : إنّه لا يكفل رجل في حدٍّ ولا لعان(٣) .

ونقل المزني عنه أنّه قال : تجوز الكفالة بمن(٤) عليه حقّ أو حدّ(٥) .

واختلف أصحابه في ذلك على طُرق أظهرها عندهم - ويُحكى عن ابن سريج - أنّه على قولين :

أحدهما : الجواز ؛ لأنّه حقٌّ لازم لآدميٍّ ، فصحّت الكفالة به ، كسائر حقوق الآدميّين. ولأنّ الحضور مستحقٌّ عليه ، فجاز التزام إحضاره.

والثاني : المنع ؛ لأنّ العقوبات مبنيّة على الدفع ، ولهذا قالعليه‌السلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات »(٦) فينبغي إبطال الذرائع المؤدّية إلى توسيعها وتحصيلها. ولأنّه حقٌّ لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذّر إحضار المكفول به ، فلم تصح الكفالة بمن(٧) هو عليه ، كحدّ الزنا(٨) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ٥٤ / ١٨٤.

(٢) المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

(٣) الأُم ٥ : ٢٩٧ ، مختصر المزني : ٢١٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لمن » بدل « بمن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٠.

(٦) تاريخ بغداد ٩ : ٣٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٣ : ٣٤٧.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ممّن » بدل « بمن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

٣٩٨

وأبو حامد من الشافعيّة بنى القولين على أنّه إذا مات المكفول ببدنه هل يغرم الكفيل ما عليه من الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الكفالة ؛ لأنّه لا يمكن مؤاخذته بما عليه. وإن قلنا : لا ، صحّت ، كما لو تكفّل ببدن مَنْ عليه مالٌ(١) .

وقضيّة هذا البناء أن يكون قول التصحيح أظهر.

وهو اختيار القفّال(٢) .

وادّعى الروياني أنّ المذهب المنعُ(٣) .

الطريق الثاني للشافعيّة : القطع بالجواز ، وحَمْلُ ما ذكره في اللعان على الكفالة بنفس الحدّ(٤) .

الطريق الثالث : القطع بالمنع ؛ لأنّه لا تجوز الكفالة بما عليه ، فلا تجوز ببدنه(٥) .

والضابط في ذلك أن نقول : حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه ، فكلّ مَنْ يلزمه حضور مجلس الحكم عند [ الاستدعاء ](٦) أو يستحقّ إحضاره تجوز الكفالة ببدنه.

مسألة ٥٦٩ : لو ادّعى شخصٌ زوجيّةَ امرأةٍ ، صحّت الكفالة ببدنها ؛ لوجوب الحضور عليها إلى مجلس الحكم. وكذلك الكفالة بها [ لمن ](٧) ثبتت زوجيّته.

وقال بعض الشافعيّة : الظاهر أنّ حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن‌

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الاستعداء ». والظاهر ما أثبتناه.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثمّ ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٩٩

مَنْ عليه القصاص ؛ لأنّ المستحقّ عليها لا يقبل النيابة(١) .

ولو تكفّل ببدن عبدٍ آبقٍ لمالكه ، صحّ ، ويلزمه السعي في ردّه.

ويتأتّى فيه ما قيل في الزوجة.

ومَنْ في يده مالٌ مضمون - كالغصب والمستام والعارية بشرط الضمان - تصحّ كفالتُه وضمانُ عين المغصوب والمستام ليردّها على مالكها ، فإن ردَّ ، برئ من الضمان. وإن تلفت ، ففي إلزامه بالقيمة وجهان ، الأقرب : العدم.

وتصحّ كفالة المستودع والأمين ؛ لوجوب ردّ الوديعة عليه.

والميّت قد يستحقّ إحضاره ليقيم الشهود الشهادة على صورته إذا تحمّلوها كذلك من غير معرفة النسب ولا الاسم ، فتصحّ الكفالة على إحضار بدنه.

وأيضاً الصبي والمجنون قد يستحقّ إحضارهما لإقامة الشهادة على صورتهما في الإتلاف وغيره ، فتجوز الكفالة ببدنهما.

ثمّ إن كفل بإذن وليّهما ، فله مطالبة وليّهما بإحضارهما عند الحاجة.

وإن كفل بغير إذنه ، فهو كالكفالة ببدن العاقل بغير إذنه ، وقد بيّنّا(٢) جوازه عندنا.

وللشافعي قولان(٣) .

قال(٤) الجويني : لو كفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة ، فالكفالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) في ص ٣٩٣ ، ضمن المسألة ٥٦٤.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧ ، وراجع الهامش ( ٢ و ٥ ) من ص ٣٩٣.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « وقال ».

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510