تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 435944 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قضيت حاجتك يا روح الله فقام فغسل أقدامهم فقالوا كنا نحن أحق بهذا يا روح الله فقال إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكيما

________________________________________________________

خاصتي من أصحابي وناصري، ومنه الحواريون: أصحاب عيسىعليه‌السلام أي خلصائه وأنصاره وأصله من التحوير: التبييض، قيل: إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها، قال الأزهري: الحواريون خلصان الأنبياء، وتأويله: الّذين أخلصوا ونقوا من كلّ عيب.

قولهعليه‌السلام قضيت: على بناء المجهول رعاية للأدب وقيل: يحتمل الدعاء، ثمّ اعلم أنهعليه‌السلام أدى في فعله ذلك أقصى مراتب التواضع، حيث أراد غسل الأقدام أو تقبيلها على اختلاف النسخ، ثمّ جعل ذلك مطلوباً له وسماه حاجة، ثمّ استأذن فيهعليه‌السلام ثمّ صنع مثل ذلك بتلامذته وتابعيه، ثمّ قال: إنه أحق بذلك، وقد ذكر لفعله غايتين متعدية ولازمة، ومثل لأحدهما تمثيلا جميلا حيث شبه المتواضع بالسهل والمتكبر بالجبل، وبين فضل السهل على الجبل وكونه أكثر منفعة.

قولهعليه‌السلام إن أحق الناس لأنّه أعرف بحسنها وثمرتها، والعمل بالمكارم أوجب على العالم، وقيل: ذلك لشدة استعداده للفيضان من المبدأ ولفضله وشرفه وعزه بالعلم، فبتواضعه وتذلله بالخدمة يفاض عليه ما يليق به، ويتزين عزه وشرفه بالتواضع، ولا يلحقه ذل بذلك، بخلاف الجاهل فإنه لقلة استعداده إنما يفاض عليه ما يليق به، ولذلة ومنقصته بالجهل يكون مناسباً للخدمة، فلا يكون في خدمته تواضعا، فلا يزداد به إلا ذلا وقيل: لأنّ نسبة العالم إلى الناس كنسبة الراعي إلى القطيع، وكما أن الراعي حقيق بخدمة الغنم، وأكمل الرعاة من هو أكثر خدمة لها، كذلك العالم حقيق بخدمة الناس، بأن يصلح أمور معادهم ومعاشهم بتعليمهم وإرشادهم إلى الحقّ فأكمل العلماء أشفقهم بالناس، وكمال الشفقة يفضيه إلى الخدمة العرفية أيضا، فهو أحق الناس بالخدمة، أو لأنّه لما كان العالم يقتدي به الناس في أفعاله الحسنة فكلما فعله يصير عادة مستمرة متبعة بخلاف غيره، و

١٢١

تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ثمّ قال عيسىعليه‌السلام بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل.

٧ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد عمن ذكره، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول يا طالب العلم إن للعالم ثلاث علامات العلم والحلم والصمت وللمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه بالمعصية ويظلم من دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة.

________________________________________________________

الخدمة من الأفعال الحسنة فهو أولى وأحق بها من الجاهل، ليتبعه الناس ويؤيده قولهعليه‌السلام لكيما تتواضعوا بعدي، وذلك لا ينافي كونه أحق بالمخدومية من جهة أخرى، أو يقال: يجب للعالم زرع بذر الحكمة في قلوب الناس وإرشادهم وهدايتهم إلى الحق، وذلك لا يؤثر حق التأثير غالباً في قلوبهم القاسية، لغلبة قوتي الشهوية والغضبية، فينبغي له أولا أن يرقق قلوبهم بالتواضع والخدمة والملاطفة، ثمّ يرشدهم إلى الحقّ وهذا مجرب.

الحديث السابع مرسل.

قولهعليه‌السلام إن للعالم: المراد بالعالم العالم العامل الكامل الّذي استقر العلم في قلبه، ومن جملة علاماته العلم الظاهر والعمل به، والمراد بالمتكلف من يدعي مثل هذا العلم تكلفا، وليس به متصفا، والمراد بمن فوقه كلّ من هو فوقه شرعا، ويجب عليه إطاعته كالواجب تعالى والأنبياء والأئمّة والعلماء والأب والمالك وغيرهم، والمراد بالمعصية إمّا معصية الله تعالى أو معصية من فوقه، والأخير أظهر وإن كان الأول أفيد.

قولهعليه‌السلام بالغلبة أي بأن يغلب ويستولي عليه أو بسبب غلبته عليه، وهذا يشمل ما إذا كان المعلم أقوى في المناظرة من المتعلم، فلا يقبل منه الحقّ لاستيلائه عليه في قوة المناظرة، وما إذا كانت غلبته عليه للعزة الدنيوية، والمظاهرة المعاونة أي يعاونهم بالفتاوى الفاسدة، والتوجيهات لأعمالهم الباطلة.

١٢٢

باب حق العالم

١ - علي بن محمّد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن محمّد بن خالد، عن سليمان بن جعفر الجعفري عمن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعاً وخصه بالتحية دونهم واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه ولا تغمز بعينك ولا تشر بيدك ولا تكثر من القول قال فلان وقال فلان خلافا لقوله

________________________________________________________

باب حق العالم

الحديث الأول مرسل.

قولهعليه‌السلام وأن لا تكثر عليه السؤال: قال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون المراد بالإكثار عليه، الإكثار المتضمن للضرر بأن يكثر لينفد ما عنده ليظهر خطاءه أو عجزه، ويحتمل أن يكون المراد بالإكثار الزيادة على القدر الّذي يعمل به، أو يحفظه ويضبطه، ويحتمل أن يكون الظرف متعلّقاً بالسؤال، ويكون المراد بالسؤال عليه الإيراد والرد عليه أو لا يراد بعلى مفادها، ويراد به السؤال منه كما في احتمال الثاني « انتهى ».

قولهعليه‌السلام ولا تأخذ بثوبه: كأنه كناية عن الإلحاح في الطلب ويحتمل أن يكون المراد عدم النظر إلى ثوبه ولباسه في إكرامه كما قيل، ولا يخفى بعده.

قولهعليه‌السلام واجلس بين يديه: أي حيث تواجهه ولا يحتاج في الخطاب والمواجهة إلى انحراف، والمراد بالجلوس خلفه ما يكون بخلاف ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بالجلوس بين يديه ما يقابل الجلوس خلفه، فيشمل اليمين واليسار، ويحتمل أن يكون المراد بكل منهما معناه الحقيقي، ولا يكون اليمين واليسار داخلين في المأمور به ولا في المنهي عنه.

قولهعليه‌السلام ولا تغمز: الغمز بالعين الإشارة بها، ولعل في حذف المفعول إشارة

١٢٣

ولا تضجر بطول صحبته فإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتّى يسقط عليك منها شيء والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله.

باب فقد العلماء

١ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه.

٢ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء

________________________________________________________

إلى أن الغمز إلى المعلم وإلى غيره مناف لحقه، وأمّا الإشارة باليد فتحتمل التعميم للعلة المذكورة، والتخصيص بالمعلم بأن يبسط يده إليه عند مناظرته كما هو المتعارف، أو يشير إليه بيده إذا تكلم مع غيره لتعيينه، وكل ذلك من سوء الأدب.

قولهعليه‌السلام من الصائم أي في نهاره، القائم أي في ليله بالعبادة طول دهره وإنما كان أفضل منهما لأنّ الصائم إنما يكف نفسه عمّا أمر بالكف عنه في زمان يسير، وكذا القائم إنما ينفع نفسه في بعض الأزمان، والعالم يكف نفسه ونفوس أصحابه ومن اتبعه مدى الأعصار، عن الاعتقادات الباطلة والآراء الفاسدة بالدلائل القاطعة، ويوجب إقدام جم غفير في الأزمان المتطاولة بالصيام والقيام وغيرهما من الطاعات، والمجاهد يدفع غلبة الكفار على أبدان الخلق في زمان قليل والعالم يدفع استيلاء الشياطين وأهل الضلال على أديانهم إلى يوم القيامة فلذا كان العالم الرباني الهادي للخلق إلى الحقّ والصواب أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله.

باب فقد العلماء

الحديث الأول موثق.

الحديث الثاني حسن.

قولهعليه‌السلام ثلمة: هي بالضم: فرجة المكسور والمهدوم.

١٢٤

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض الّتي كان يعبد الله عليها وأبواب السماء الّتي كان يصعد فيها بأعماله وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها.

________________________________________________________

الحديث الثالث: ضعيف على المشهور وربما يعد موثقا.

قولهعليه‌السلام بكت عليه الملائكة أي الموكلون به أو الأعم، وقولهعليه‌السلام : يعبد الله على بناء المعلوم وما قيل: من احتمال بناء المجهول بعيد، وبكاء البقاع إمّا على المجاز والتمثيل كما هو الشائع بين العرب والعجم حيث يعبرون عن شدة المصيبة بأنه بكى لها السماء والأرض، أو بحذف المضاف أي بكى عليه أهل البقاع من الملائكة والجن والأرواح والمؤمنون، وكذا بكاء أبواب السماء يحتمل الوجهين ويحتمل أن يكون كناية عن أن يفقده بسوء حال العالم، وحال أجزائه، إذ به نظام العالم، وبفقده تنقص بركات السماء والأرض، لا سيما ما يتعلّق من العالم بالمؤمن نفسه من الملائكة الّتي كانت مسرورة بخدمته وحفظه، والبقاع الّتي كانت معمورة بحركاته وسكناته، وأبواب السماء كانت مفتوحة لصعود أعماله وحسناته، وقيل: لعل المراد بأبواب السماء ما يوصل الأعمال إلى مقرها من العلويات، ويكون وسيلة لوصولها ودخولها وانضباطها فيها،ملكاً كان أو روحا أو نفوسا كاملة شريفة قدسية، أو قوة أو نفسا علوية، وبالجملة يراد بالبكاء الحزن الموجب لجري الدموع فينا، سواء كان هناك مع الحزن جرى الدموع أو لا « انتهى ».

قولهعليه‌السلام كحصن: لعل المراد بالحصن أجزاء السور والمراد بالسور سور البلد وبالحصن الموضع الّذي يتحصن فيه أهل البلد، وحمله على المعنى المصدري لا يخلو من بعد لفظا ومعنى.

١٢٥

٤ - وعنه، عن أحمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه.

٥ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن داود بن فرقد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن أبي كان يقول إنّ الله عز وجل لا يقبض العلم بعد ما يهبطه ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجفاة فيضلون ويضلون ولا خير في شيء ليس له أصل.

٦ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمّد بن علي عمن ذكره، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان علي بن الحسينعليه‌السلام يقول إنه يسخي

________________________________________________________

الحديث الرابع: صحيح.

الحديث الخامس: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام لا يقبض العلم: أي إذا أفاض الله العلم الحقيقي على العالم الرباني لا يسلبه منه، فلا يكون فقد العلم بذهابه وبقاء محله، بل إنما يذهب بذهاب محله وبذلك ظهر أن ذهاب العالم أعظم المصائب لا هل العالم، إذ به يذهب العلم من بينهم.

قولهعليه‌السلام فتليهم الجفاة: أي تتصرف في أمورهم، من الولاية بالكسر وهي الإمارة، والجفاة البعداء عن الآداب الحسنة وأهل النفوس الغليظة، والقلوب القاسية الّتي ليست قابلة لاكتساب العلم والكمال.

قولهعليه‌السلام ولا خير: أي لما كان بناء الولاية والسياسة على العلم ولا خير في ولاية لا علم لصاحبها ولم يؤمر الناس بمتابعته وأخذ العلم عنه، أو المراد أن علومهم كلها جهل لا أصل لها أو أعمالهم بغير علم باطلة لا حقيقة لها.

الحديث السادس: مرسل.

قولهعليه‌السلام يسخى: في بعض النسخ يسخى من باب التفعيل، وفي بعضها تسخى من المجرد، وعلى النسخة الأولى فاعله: قول الله ومفعوله نفسي، وقوله: فينا متعلّق بسرعة

١٢٦

نفسي في سرعة الموت والقتل فينا قول الله -( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) وهو ذهاب العلماء.

باب مجالسة العلماء وصحبتهم

١ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس رفعه قال قال لقمان لابنه يا بني اختر المجالس على عينك فإن رأيت قوماً يذكرون الله جل وعز فاجلس معهم فإن تكن عالماً نفعك علمك وإن تكن جاهلاً علموك ولعل الله أن يظلهم برحمته فيعمك معهم وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم فإن تكن

________________________________________________________

الموت والقتل، ويحتمل تعلّقه بالقول، وعلى الثانية فاعله نفسي وقوله « فينا » خبر لقوله قول الله، فعلى الأول كان المراد التهديد والتخويف، بأن الأمة صاروا مستحقين لقبائح أعمالهم لا ذهابنا من بينهم ووقوع العذاب عليهم، وعلى الثاني الظاهر أن المراد إنا لا نخاف من الموت والقتل، لكن لا نطلبه من الله تعالى، لأنّه سبب لعذاب الناس وسلب الرحمة منهم، فيكون تقدير الكلام لكن فينا قول الله، ويحتمل أن يكون على هذا الوجه أيضاً تعليلاً للتسخية.

باب مجالسة العلماء وصحبتهم

الحديث الأول: مرفوع.

قولهعليه‌السلام على عينك: أي على بصيرة منك أو بعينك، فإن على قد تأتي بمعنى الباء كما صرح به الجوهري، أو المراد رجحه على عينك، أي ليكن المجالس أعز عندك من عينك.

قولهعليه‌السلام نفعك علمك: إمّا بأن تعلمهم أو تستفيد منهم تذكيراً وتأييداً لما تعلم، وما قيل: إن علمك بدل من الضمير البارز في نفعك، أي نفع الجلوس معهم علمك، تكلف مستغنى عنه.

قولهعليه‌السلام أن يظلهم: قال الفيروزآبادي: أظلني الشيء أي غشيني، والاسم

١٢٧

عالما لم ينفعك علمك وإن كنت جاهلاً يزيدوك جهلا ولعل الله أن يظلهم بعقوبة فيعمك معهم.

٢ - علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا، عن ابن محبوب، عن درست بن أبي منصور، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال محادثة العالم على المزابل خير من محادثة الجاهل على الزرابي.

٣ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت الحواريون لعيسى يا روح الله من نجالس قال من يذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله.

٤ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة.

٥ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني، عن سليمان

________________________________________________________

الظل أو دنا مني حتّى ألقى على ظله.

الحديث الثاني: ضعيف.

وقال في القاموس: الزرابي النمارق والبسط، أو كلّ ما بسط واتكأ عليه، الواحد زربي بالكسر ويضم.

الحديث الثالث: ضعيف.

الحديث الرابع: مجهول كالصحيح.

قولهعليه‌السلام أهل الدين: أي العلماء العاملين بعلمهم، ويحتمل شموله للعباد والزهاد أيضا.

الحديث الخامس ضعيف.

١٢٨

بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن مسعر بن كدام قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول لمجلس أجلسه إلى من أثق به أوثق في نفسي من عمل سنة.

باب سؤال العالم وتذاكره

١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات قال قتلوه ألا سألوا فإن دواء العي السؤال.

________________________________________________________

ومسعر بكسر الميم وفتح العين بين السين الساكنة والراء غير المعجمات وقد يفتح ميمه تفألا، وكدام بالكاف المكسورة والدال الغير المعجمة الخفيفة، ومسعر شيخ السفيانيين سفيان الثوري وسفيان بن عيينة.

قولهعليه‌السلام : لمجلس، وفي بعض النسخ المجلس ويحتمل أن يكون مصدراً ميميا، ويكون المنصوب في أجلسه في موضع المفعول المطلق كما قيل، ويحتمل أن يكون اسم مكان وتقدير الكلام أجلس فيه، وإلى بمعنى مع، أي مع من أثق به أو فيه تضمين والوثوق بعدم التقية، وكونه محلا للإسرار حافظا لها.

باب سؤال العالم وتذاكره

الحديث الأول: حسن.

قولهعليه‌السلام عن مجدور ...هو من به الجدري وهو بفتحتين وبضم الجيم داء معروف.

قولهعليه‌السلام قتلوه: إذ كان فرضه التيمم فمن أفتى بغسله أو تولى ذلك منه فقد أعان على فتله، وقولهعليه‌السلام ألا سئلوا؟ بتشديد اللام حرف تحضيض، وإذا استعمل في الماضي فهو للتوبيخ واللوم، ويحتمل أن يكون بالتخفيف استفهاما إنكاريا، والعي بكسر المهملة وتشديد الياء: الجهل وعدم الاهتداء لوجه المراد والعجز عنه، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة ولعله تصحيف.

١٢٩

٢ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد العجلي قالوا قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لحمران بن أعين في شيء سأله إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون.

٣ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال إن هذا العلم عليه قفل ومفتاحه المسألة.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

٤ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي جعفر الأحول، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يسع الناس حتّى يسألوا ويتفقهوا ويعرفوا إمامهم ويسعهم أن يأخذوا بما يقول وإن كان تقية.

٥ - علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس عمن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

________________________________________________________

الحديث الثاني: صحيح.

الحديث الثالث: ضعيف على المشهور وسنده الثاني أيضاً ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : هذا العلم إمّا إشارة إلى مطلق العلم أو إلى العلم الّذي يحتاج الناس إليه من علوم الدين ولعله أظهر.

الحديث الرابع: صحيح.

قولهعليه‌السلام : أن يأخذوا، أي قولا واعتقاداً في كلّ زمان بما يقول الإمام في ذلك الزمان وإن كان تقية فإن ما يقوله الإمام تقية يسع السائل أن يعتقده ويقول به، إذا لم يتنبه للتقية وأمّا العمل به والأمر بالعمل به مع التنبه للتقية أيضاً لازم عند التقية، ولا يسعهم ولا يكفيهم أن يأخذوا بما لم يتفقهوا فيه، ولم يعرفوه عن إمامهم وإن وافق الحقّ الصريح الّذي لا تقية فيه.

الحديث الخامس: مرسل.

١٣٠

قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أف لرجل لا يفرغ نفسه في كلّ جمعة لأمر دينه فيتعاهده ويسأل عن دينه وفي رواية أخرى لكل مسلم.

٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الله عز وجل يقول تذاكر العلم بين عبادي مما تحيا عليه القلوب الميتة إذا هم انتهوا فيه إلى أمري.

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام أف لرجل: أف بضم الهمزة وكسر الفاء المشددة منونا والتنوين للتكثير، وقيل للتنكير، ويجوز حذف التنوين ويجوز أيضاً فتح الفاء مع التنوين وبدونه، ويجوز الضم بالوجهين وهو كلمة تكره وتضجر، وقوله: لا يفرغ إمّا من المجرد ونفسه فاعله، أو على بناء التفعيل ونفسه مفعوله، والمراد بالجمعة أمّا اليوم المعهود، أو الأسبوع بتقدير يوماً، والأول أظهر، والمراد بالتفريغ ترك الشواغل الدنيوية والضمير في قوله فيتعاهده إمّا راجع إلى اليوم أو إلى الدين وعلى الأول المراد بتعاهده الإتيان بالصلاة والوظائف المقررة فيه، ومن جملتها تعلم المسائل واستماع المواعظ من الإمامعليه‌السلام أو نائبه الخاص أو نائبه العام.

الحديث السادس: حسن.

قولهعليه‌السلام تذاكر العلم أي تذاكر العباد وتشاركهم في ذكر العلم، بأن يذكر كلّ منهم للآخر شيئاً من العلم ويتكلم فيه مما يحيى القلوب الميتة، حالكونها ثابتة عليه وحاصله أنه من الأحوال الّتي تحيي عليها القلوب الميتة ويحتمل أن يكون على بمعنى الباء، وعلى التقديرين تحيي إمّا من المجرد المعلوم أو المزيد فيه المجهول، وقوله تعالى: إذا هم انتهوا فيه إلى أمري، يحتمل أن يكون المراد بالأمر فيه مقابل النهي، أي إذا كان تذاكرهم على الوجه الّذي أمرت به من أخذ العلم من معدنه والاقتباس من مشكاة النبوة، ويحتمل أن يكون المراد بالأمر مطلق الشأن فيكون المراد بالانتهاء إلى أمره الوصول إلى صفاته وأسمائه وأو أمره ونواهيه، بالمعرفة والإطاعة والانقياد، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالأمر الّذي كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليه‌السلام

١٣١

٧ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول رحم الله عبداً أحيا العلم قال قلت وما إحياؤه قال أن يذاكر به أهل الدين وأهل الورع.

٨ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن محمّد الحجال، عن بعض أصحابه رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فإن الحديث جلاء للقلوب إنّ القلوب لترين كما يرين السيف جلاؤها الحديث.

________________________________________________________

كما قال تعالى( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) (١) فيكون الانتهاء إليه عبارة عن استناد ما يتذاكرونه من العلوم الدينية إليهمعليه‌السلام ولا يخفى بعده.

الحديث السابع: ضعيف.

قولهعليه‌السلام أن يذاكر به أهل الدين: لعل التخصيص بأهل الدين وأهل الورع لأنّ غيرهم مظنة أن يغيروه ويفسدوه، فلا يوجب الذكر لهم والنقل عنهم حفظا، ولا يكون فيه إحياء، وقيل: إنما قيد بأهل الورع لأنّ العلم المحيي إنما هو علم الدين وطهارة القلب بالورع والتقوى شرط لحصوله، كما قال سبحانه:( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) (٢) .

الحديث الثامن: مرفوع.

قولهعليه‌السلام تذاكروا: قيل أمرعليه‌السلام بتذاكر العلم، ولما لم يكن صريحا في المراد وهو التحديث بالعلم عقبه بقوله وتلاقوا وتحدثوا، أي بالعلم بيانا للمراد من التذاكر أقول: ويحتمل أن يكون المعنى تذاكروا العلماء وبعد تحقيق الحقّ تلاقوا سائر الناس وعلموهم، والجلاء بالكسر هو الصقل مصدر، وقد يستعمل لما يجلي به وهو المراد هيهنا، أو حمل على الحديث مبالغة، والرين الدنس والوسخ، وقوله جلاؤه الحديد أي جلاء السيف، وفي بعض النسخ وجلاؤها الحديث وهو أظهر.

__________________

(١) سورة الشورى: ٥٢.

(٢) سورة البقرة: ٢٨٢.

١٣٢

٩ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان، عن منصور الصيقل قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة حسنة.

باب بذل العلم

١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن حازم، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قرأت في كتاب عليعليه‌السلام إنّ الله لم يأخذ على الجهال عهداً بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهال لأنّ العلم كان قبل الجهل.

________________________________________________________

الحديث التاسع: مجهول.

قولهعليه‌السلام دراسة: أي تعهد له وحفظ له عن الاندراس، وقال الجزري في الحديث: تدارسوا القرآن أي اقرءوه وتعهدوه لئلا تنسوه « انتهى » وقوله: والدراسة صلاة حسنة، يعني أن ثوابها ثواب صلاة حسنة كاملة، وقيل: المراد بالصلاة الدعاء أي يترتب عليها ما يترتب على أكمل الأدعية، وهو الدعاء الّذي يطلب فيه جميع الخيرات من المطالب الدنيوية والأخروية فيستجاب [ ولا يخفى بعده ].

باب بذل العلم

الحديث الأول: ضعيف كالموثق.

قولهعليه‌السلام لأنّ العلم كان قبل الجهل: هذا دليل على سبق أخذ العهد على العالم ببذل العلم على أخذ العهد على الجاهل بطلبه، أو بيان لصحته وإنما كان العلم قبل الجهل مع أن الجاهل إنما يكتسبه بعد جهله بوجوه:

الأول: أن الله سبحانه قبل كلّ شيء، والعلم عين ذاته فطبيعة العلم متقدمة على طبيعة الجهل.

والثاني: أن الملائكة واللوح والقلم وآدم لهم التقدم على الجهال من أولاد آدم.

١٣٣

٢ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة ومحمد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في هذه الآية -( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) (١) قال ليكن الناس عندك في العلم سواء.

________________________________________________________

والثالث: أن العلم غاية الخلق والغاية متقدمة على ذي الغاية لأنها سبب له.

والرابع: أن الجهل عدم العلم والإعدام إنما تعرف بملكاتها وتتبعها، فالعلم متقدم على الجهل بالحقيقة والماهية.

والخامس: أنه أشرف فله التقدم بالشرف والرتبة.

والسادس: أن الجاهل إنما يتعلم بواسطة العالم وتعليمه، يقال علمه فتعلم.

وقال بعض الأفاضل ونعم ما قال: لو حمل القبلية على الزمانية حيث كان خلق الجاهل من العباد بعد وجود العالم كالقلم واللوح والملائكة وآدم بالنسبة إلى أولاده، فيصح كون الأمر بالطلب بعد الأمر ببذل العلم، حيث يأمر الله تعالى بما تقتضيه حكمته البالغة وبما هو الأصلح عند وجود من يستحق أن يخاطب به، ولأن من لم يسبق الجهل على علمه يعلم باطلاع منه سبحانه حسن أن يبذل العلم ومطلوبيته له تعالى، وهذا أخذ العهد ببذل العلم، ولو حمل على القبلية بالرتبة والشرف فيمكن توجيهه بأن يقال: العلم لما كان أشرف من الجهل والعالم أقرب من جنابه سبحانه في الرتبة، ولا يصل العهد منه سبحانه إلى الجاهل إلا بوساطة يعلم العالم من ذلك أن عليه البذل عند الطلب، أو يقال من جملة علمه وجوب البذل عند الطلب.

الحديث الثاني: ضعيف كالموثق.

قوله تعالى( وَلا تُصَعِّرْ ) تصعير الخد إمالته تكبراً، ومعنى الآية لا تعرض بوجهك عن الناس تكبراً، ولعل معنى الحديث أن العالم إذا رجح بعض تلامذته على بعض في النظر وحسن المعاشرة، أو تكبر واستنكف عن تعليم بعضهم أو نصحه، فكأنه مال بوجهه عنه أو تكبر، ويؤيده أن هذا الخطاب كان من لقمانعليه‌السلام لابنه

__________________

(١) سورة لقما: ١٨.

١٣٤

٣ - وبهذا الإسناد، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال زكاة العلم أن تعلمه عباد الله.

٤ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن عمن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قام عيسى ابن مريمعليه‌السلام خطيباً في بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم

________________________________________________________

وأصحابه لم يكونوا إلا طلاب العلوم، فكأنه نصحه أن يسوي بينهم في الإفادة والإرشاد وقيل: إنما أولها بذلك لأنّ المقصد الأقصى من بعثة الرسل تبليغ الشريعة القويمة، وتعليم الدين المبين، فالظاهر كونه نهياً عمّا يخل بما هو المقصود الأصلي والأول أوجه.

الحديث الثالث: ضعيف.

قولهعليه‌السلام زكاة العلم.

التشبيه من وجوه:

الأول: أن الزكاة حق الله تعالى في المال بإزاء الإنعام به فكذا التعلم.

الثاني: أن الزكاة يوجب نمو المال فكذا تعليم العلم يوجب نموه وزيادته لأنّه شكر لنعمة العلم، وقد قال تعالى:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) (١) ولذا سمي زكاة لأنّ أحد معانيها النمو.

الثالث: أن الزكاة توجب طهارة المال عن الشبهات، فكذا تعليم العلم يوجب طهارته عن الشكوك والشبه بفضله سبحانه، مع أن مذاكرة العلم توجب قوته وزيادة اليقين فيه.

الرابع: أن الزكاة توجب حفظ المال عن التلف وكذا التعليم يوجب حفظه عن الزوال، فإن الضنة بالعلم يوجب أن يسلب الله علمه.

الحديث الرابع: مرسل.

قولهعليه‌السلام لا تحدثوا الجهال: لعل المراد بالجهال من لا يحب العلم ولا يطلبه ولا يرغب فيه أو المراد بالجهل ما يقابل العقل كما مر.

__________________

(١) سورة سورة إبراهيم: ٧.

١٣٥

باب النهي عن القول بغير علم

١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد وعبد الله ابني محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن مفضل بن يزيد قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام أنهاك عن خصلتين فيهما هلاك الرجال أنهاك أن تدين الله بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم.

٢ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم.

________________________________________________________

باب النهي عن القول بغير علم

الحديث الأول مجهول.

قولهعليه‌السلام أن تدين الله بالباطل، أي تتخذ الباطل دينا بينك وبين الله تعبد الله عز وجل به، سواء كان في القول والاعتقاد أو في العمل، والمراد بالباطل ما لم يؤخذ من مأخذه الّذي أمر الله تعالى بالأخذ منه، والمراد بالإفتاء بما لا يعلم، الإفتاء بما لم يؤخذ من الكتاب والسنة على وجه يجوز الأخذ منهما على هذا الوجه، أو إفتاء من لا يكون أهلا لاستنباط ذلك منهما.

الحديث الثاني: صحيح.

قولهعليه‌السلام برأيك: أي لا بالأخذ من الكتاب والسنة على منهاجه.

قولهعليه‌السلام : أو تدين بما لا تعلم: قال بعض الأفاضل أي أن تعبد الله بما لا تعلمه بثبوته بالبراهين والأدلة العقلية، أو بالكتاب والسنة، والأدلة السمعية، ويحتمل أن يكون من دان به أي اتخذه دينا، يعني إياك أن تتخذ ما لا تعلم دينا، وأن يكون تدين من باب التفعل أي تتخذ الدين متلبسا بالقول فيه بما لا تعلم، والدين اسم لجميع ما يتعبد الله به والملة.

١٣٦

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه.

٤ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان الأحمر، عن زياد بن أبي رجاء، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم إنّ الرجل لينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض.

________________________________________________________

الحديث الثالث صحيح.

قولهعليه‌السلام بغير علم: أي من الله كما للنبي والأئمّةعليه‌السلام أو هدي من ذي العلم كالعلماء من شيعتهم.

قولهعليه‌السلام : لعنته ملائكة الرحمة: لأنّه جعل الناس محرومين عن رحمة الله، وملائكة العذاب لأنّه جعلهم مستحقين لها.

قولهعليه‌السلام ولحقه وزر من عمل بفتياه: سواء كان العامل وازراً أو معذوراً، ولا ينقص من وزر الوازر شيء، والفتيا والفتوى ويفتح: ما أفتى به الفقيه.

الحديث الرابع موثق.

قولهعليه‌السلام ما علمتم: هذا خطاب مع العلماء من شيعته وأصحابه، وهم العالمون بكثير من المسائل أو أكثرها بالفعل أو بالقوة القريبة منه.

قولهعليه‌السلام إنّ الرجل: هو كالتعليل لما تقدم وقولهعليه‌السلام لينزع(١) الآية، أي يستخرجها ليستدل بها على مطلوبه، وقولهعليه‌السلام يخر إمّا حال من الضمير في ينزع أو خبر بعد خبر، والمعنى أنه يبعد عن رحمة الله أبعد مما بين السماء والأرض، أو يتضرر به أكثر من الضرر الّذي يصل إلى من سقط من السماء إلى الأرض، وقيل: المعنى أنه يقع في الآية أي في تفسيرها ساقطا على ما هو أبعد عن المراد منها مما بين السماء والأرض.

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « لينتزع » كما هو بعينك.

١٣٧

٥ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال للعالم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول الله أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك.

٦ - علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا سئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليقل لا أدري ولا يقل الله أعلم فيوقع في قلب صاحبه شكاً وإذا قال المسئول لا أدري فلا يتهمه السائل.

٧ - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن جعفر بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان، عن زرارة بن أعين قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام

________________________________________________________

الحديث الخامس: مجهول كالصحيح.

قولهعليه‌السلام وليس لغير العالم: وذلك لأنّ مقتضى صيغة التفضيل أن يكون للمفضل عليه شركة فيما فيه الفضل وليس للجاهل ذلك، وأمّا العالم فلما كان له نصيب من جنس العلم صح له هذا القول وإن كان حكمه حكم الجاهل فيما سئل عنه، وهذا لا ينافي الخبر السابق إذ حملناه على العالم، والمراد بالعالم ما فسرناه في ذلك الخبر، ويعبر عنه في هذه الأعصار بالمجتهد.

الحديث السادس صحيح.

قولهعليه‌السلام : فليقل لا أدري، يمكن حمله على غير العالم لئلا ينافي الخبر السابق وحينئذ يحتمل أن يكون المراد بالشك الشك في كونه عالماً إذ قول الله أعلم من شأن العلماء كما مر ويمكن أن يعم العالم وغيره ويكون المراد بإيقاع الشك الشك في كونه عالماً بالمسؤول عنه معرضا عن الجواب لضنته ويخص النهي بهذه الصورة، وذلك في العالم نادر، وفي غيره يكون غالبا، فإن العالم همه في نشر العلم وإذا عته، كما أن الجاهل همه في إخفاء ما اطلع عليه وإضاعته.

الحديث السابع ضعيف.

١٣٨

ما حق الله على العباد قال أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون.

٨ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي يعقوب إسحاق بن عبد الله، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّ الله خص عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا حتّى يعلموا ولا يردوا ما لم يعلموا وقال عز وجل( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَ ) (١) وقال( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (٢)

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ما حق الله على العباد؟ أي فيما آتاهم من العلم وأخذ عليهم من الميثاق، وإلا فحقوقه تعالى عليهم كثيرة، وقيل: أي الحقّ الواجب الثابت الّذي يطالب به صاحبه، وسؤاله عن الحقيق بهذا الاسم من بين الفرائض والواجبات.

الحديث الثامن حسن على الظاهر.

قولهعليه‌السلام إنّ الله خص: في بعض النسخ بالمعجمة بعد المهملة من الحض بمعنى الحث والترغيب، فيقدر كلمة على في أن لا يقولوا أي حث عباده بالآيتين على أن لا يقولوا قبل العلم، ولا يردوا إلا بعد العلم، ويحتمل أن يكون أن لا يقولوا تفسيراً لحثه تعالى و « لا » في الموضعين حينئذ للنهي، وعلى الأول للنفي وفي أكثر النسخ خص بالمهملة بعد المعجمة أي خص هذه الأمة، والتعبير عنهم بوصف العبودية مضافاً إليه سبحانه لتشريفهم وتعظيمهم من بين الأمم بإنزال آيتين من كتابه وإعلامهم بمضمونها، دون سائر الأمم، وقوله: أن لا يقولوا بدل من آيتين وعطف قوله وقال عز وجل على « خص » من عطف أحد التعبيرين عن الشيء على آخر، لمغايرة بينهما على بعض الوجوه، ويحتمل أن يكون الباء في قوله: بآيتين للسببية، وحرف الصلة في أن لا يقولوا مقدراً، وعلى التقديرين لا يخلو من تكلف، ويحتمل تقدير اللام في أن لا يقولوا، ولعله أظهر، ثمّ اعلم أن الظاهر أن المراد بالرد التكذيب والإنكار، لما لم يبلغ علمهم إليه مما وصل إليهم من الله تعالى، أو من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليه‌السلام وحمله على رد الجواب بعيد.

__________________

(١) سورة الأعراف: ١٦٩.

(٢) سورة يونس: ٣٠.

١٣٩

٩ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن داود بن فرقد عمن حدثه، عن ابن شبرمة قال ما ذكرت حديثاً سمعته عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام إلا كاد أن يتصدع قلبي قال حدثني أبي عن جدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ابن شبرمة وأقسم بالله ما كذب أبوه على جده ولا جده على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ومن أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك.

باب من عمل بغير علم

١ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعدا.

________________________________________________________

الحديث التاسع ضعيف وابن شبرمة هو عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي بضم المعجمة وسكون الموحدة وضم الراء كان قاضياً لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة، والانصداع: الانشقاق، والتصدع التفرق.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمقائيس: قال بعض الأفاضل المقياس ما يقدر به الشيء على مثال والمراد به ما جعلوه معيار إلحاق الفرع بالأصل، من الاشتراك في المظنون عليته للحكم وعدم الفارق، والمراد من العمل به اتخاذه دليلاً شرعياً معولا عليه، واستعماله في استخراج الحكم الشرعي والقول بموجبه ومقتضاه، وقولهعليه‌السلام : ومن أفتى الناس. أي بما يأخذه عن الكتاب والسنة.

باب من عمل بغير علم

الحديث الأول ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : على غير بصيرة: أي على غير معرفة بما يعلمه بما هو طريق المعرفة في العمليات.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ولأنّه لم يغرم سواها.

وبه قال أحمد(١) .

والثاني : أنّه يرجع بالألف ؛ لأنّه قد حصّل براءة ذمّته بما فَعَل ، ومسامحة ربّ الدَّيْن جرت معه(٢) .

ولو باع العبد بألف وتقاصّا ، احتُمل الرجوع بالألف ؛ لأنّه ثبت في ذمّته ألف ، وقيمةِ العبد ؛ لأنّ الضمان وُضع للارتفاق.

والشافعيّة على الأوّل خاصّة(٣) .

مسألة ٥٣٩ : لا فرق بين أن يدفع الأقلّ أو الأكثر في القدر أو الوصف فيما ذكرنا‌ ، فلو ضمن ألفاً مكسّرة ودفع ألفاً صحيحة ، لم يكن له الرجوع إلّا بالمكسّرة ؛ لأنّه تبرّع بالزيادة ، فلا يرجع بها.

ولو انعكس الفرض ، فضمن ألفاً صحيحة وأدّى ألفاً مكسّرة ، لم يكن له الرجوع بالصحيحة إلّا بالمكسّرة ؛ لأنّه إنّما يرجع بما غرم وبالأقلّ من المغروم والمال.

وللشافعيّة فيما إذا أدّى الضامن [ غير ](٤) الأجود قولان :

أحدهما : أنّ فيه الخلاف المذكور في اختلاف الجنس.

والثاني : القطع بأنّه يرجع بما أدّى(٥) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٨٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٢.

(٢) نفس المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء ما في المصدر له ، حيث إنّ القولين للشافعيّة في الأداء من غير الأجود.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

٣٦١

والفرق أنّ غير الجنس يقع عوضاً ، والمكسّرة لا تقع عوضاً عن الصحاح ، ولا يبقى إلّا رعاية حكم الإيفاء والاستيفاء.

مسألة ٥٤٠ : لو ضمن ألفاً ودفع إليه عبداً قيمته ستمائة ، فقال للمضمون له : بعتُ منك هذا العبد بما ضمنته لك عن فلان ، ففي صحّة البيع وجهان للشافعيّة‌(١) . فإن صحّحنا البيع ، رجع بالأقلّ - عندنا - من المال المضمون ومن قيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : يرجع بما ضمنه(٢) .

ولو لم يضمن ، بل أذن له المديون في الأداء بشرط الرجوع لو صالَح ربّ الدَّيْن على غير جنسه ، فهل له الرجوع أو لا؟ للشافعيّة ثلاثة أوجُه :

أصحّها عندهم : أنّ له الرجوعَ ؛ لأنّ مقصوده أن يبرئ ذمَّتَه وقد فَعَل.

وثانيها : ليس له الرجوع ؛ لأنّه إنّما أذن في الأداء دون المصالحة.

وثالثها : الفرق بين أن يقول : أدِّ ما علَيَّ من الدنانير - مثلاً - فلا يرجع ، وبين أن يقتصر على قوله : أدِّ دَيْني ، أو ما علَيَّ ، فيرجع ، ويرجع بما سبق في الضامن(٣) .

مسألة ٥٤١ : لو ضمن عشرة وأدّى خمسة وأبرأه ربُّ المال عن الباقي ، لم يرجع الضامن إلّا بالخمسة التي غرمها‌ ، وتسقط الخمسة الأُخرى عن الأصيل عندنا ؛ لأنّ إبراء الضامن يستلزم إبراء المضمون عنه ، خلافاً للجمهور ؛ فإنّهم قالوا : تبقى الخمسة في ذمّة الأصيل يطالب بها المضمون له ؛ لأنّ إبراء الضامن لا يوجب براءة الأصيل(٤) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١.

٣٦٢

ولو صالحه من العشرة على خمسة ، لم يرجع إلّا بالخمسة أيضاً ، لكن يبرأ الضامن والأصيل عن الباقي وإن كان صلح الحطيطة إبراءً في الحقيقة عند الشافعيّة ؛ لأنّ لفظ الصلح يشعر برضا المستحقّ بالقليل عن الكثير ، بخلاف ما إذا صرّح بلفظ الإبراء عندهم(١) .

واعترض بعض الشافعيّة : بأنّ [ لفظ ](٢) الصلح يتضمّن الرضا بالقليل ممّن يجري الصلح معه ، أم على الإطلاق؟ الأوّل مسلَّم ، والثاني ممنوع ، ولم يتّضح لهم الجواب(٣) .

ولو أدّى الضامن جميع الدَّيْن ولم يُبرئه المضمون له من شي‌ء منه ، لكن وهبه الدَّيْن بعد دفعه(٤) إليه ، فالأقرب : أنّ له الرجوع.

وفيه للشافعيّة وجهان مبنيّان على القولين [ فيما لو وهبت المرأة ](٥) الصداق من الزوج ثمّ طلّقها قبل الدخول(٦) . وسيأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ٥٤٢ : لو ضمن ذمّيٌّ لذمّيٍّ دَيْناً عن مسلمٍ ثمّ تصالحا على خمر ، فهل يبرأ المسلم أم لا؟ يحتمل البراءة‌ ؛ لأنّ المصالحة بين الذمّيّين ، وأن لا يبرأ ، كما لو دفع الخمر بنفسه.

وفيه للشافعيّة وجهان ، فإن قالوا بالأوّل ، ففي رجوع الضامن على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧.

(٤) في « ث ، ج ، ر » : « الدفع » بدل « دفعه ».

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كما لو وهب ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ - ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٢.

٣٦٣

المسلم وجهان ، إن اعتبروا بما أدّى ، لم يرجع بشي‌ء ، وإن اعتبروا بما أسقط ، يرجع بالدَّيْن(١) .

والوجه عندي : أنّ المضمون عنه يؤدّي أقلّ الأمرين من قيمة الخمر عند مستحلّيه ، ومن الدَّيْن الذي ضمنه.

مسألة ٥٤٣ : لو ضمن الضامنَ ضامنٌ آخَر ، انتقل المال من ذمّة الضامن الأوّل إلى ذمّة الثاني‌ ، وسقطت مطالبة المضمون له عن الأصيل والضامن الأوّل عند علمائنا وجماعةٍ تقدّم(٢) ذكرهم.

وقال أكثر العامّة : لا ينتقل ، بل تبقى الذمم الثلاث مشتركة ، ويصحّ الضمان ؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّة الضامن ، كما هو ثابت في ذمّة الأصيل ، فإذا جاز أن يضمن عن الأصيل جاز أن يضمن عن الضامن(٣) .

لا يقال : الضمان وثيقة على الحقّ ، فلا يجوز أن يكون له وثيقة ، كما لا يجوز أن يأخذ رهناً بالرهن.

لأنّا نقول : الفرق : أنّ الضمان حقٌّ ثابت في الذمّة ، والرهن حقٌّ متعلّق بالعين ، والرهن لا يصحّ بحقٍّ متعلّقٍ بالعين ، فافترقا.

فإن أدّى الثاني ، فرجوعه على الضامن الأوّل كرجوع الضامن الأوّل على الأصيل ، فيراعى الإذن وعدمه.

وإذا لم يكن له الرجوع على الأوّل ، لم يثبت بأدائه الرجوع للأوّل على الأصيل ؛ لأنّ الضامن إنّما يرجع بما أدّى وغرم ، والضامن الأوّل لم يغرم شيئاً ، فلا يكون له مطالبته بشي‌ء.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١.

(٢) في ص ٣٤٢ ، النظر الأوّل من البحث الرابع : في أحكام الضمان.

(٣) المغني ٥ : ٨٣ - ٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٢ ، وراجع الهامش (٢) من ص ٣٤٤.

٣٦٤

ولو ثبت له الرجوع على الأوّل فرجع عليه ، كان للأوّل الرجوع على الأصيل إذا وجد شرط الرجوع.

ولو أراد الثاني أن يرجع على الأصيل ويترك الأوّل ، فإن كان الأصيل قد قال له : اضمن عن ضامني ، ففي رجوعه عليه للشافعيّة وجهان(١) ، كما لو قال الإنسان : أدِّ دَيْني ، فأدّى ، وليس هذا كقول القائل لغيره : اقض دَيْن فلان ، ففَعَل ، حيث لا يرجع على الآمر ؛ لأنّ الحقّ لم يتعلّق بذمّته.

وإن لم يقل له : اضمن عن ضامني ، فإن كان الحال بحيث لا يقتضي رجوع الأوّل على الأصيل ، لم يرجع الثاني عليه.

وإن كان يقتضيه ، فكذلك على أصحّ الوجهين عندهم ؛ لأنّه لم يضمن عن الأصيل(٢) .

والوجه عندي : أنّه ليس للثاني أن يرجع على الأصيل على كلّ تقدير ، إلّا أن يقول : اضمن عن ضامني ولك الرجوع علَيَّ.

ولو ضمن الثاني عن الأصيل أيضاً ، لم يصح الضمان عندنا إن ضمن للمضمون له ؛ إذ لا مطالبة للمضمون له ، فيكون في الحقيقة ضمان ما لم يجب ، ولا يتحقّق سبب الوجوب. وإن ضمن للضامن ، فالأقوى : الجواز ؛ لوجود سبب الوجوب.

وعند أكثر العامّة يصحّ ضمان الثاني عن الأصيل ؛ لشغل ذمّته وذمّة الضامن الأوّل معاً ، فتتشارك الذمم الثلاث في الشغل ، فحينئذٍ لا يرجع أحد الضامنين على الآخَر ، وإنّما يرجع المؤدّي على الأصيل(٣) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٦٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١ ، المغني ٥ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٣.

٣٦٥

ولو ضمن عن الأوّل والأصيل جميعاً ، لم يصح ضمانه عن الأصيل عندنا.

وعندهم يصحّ ، فإن أدّى ، كان له أن يرجع على أيّهما شاء ، وأن يرجع بالبعض على هذا وبالبعض على ذاك. ثمّ للأوّل الرجوع على الأصيل بما غرم إذا وجد شرط الرجوع(١) .

مسألة ٥٤٤ : لو كان لرجلٍ على اثنين عشرةٌ على كلّ واحدٍ منهما خمسةٌ فضمن كلّ واحدٍ منهما صاحبَه‌ ، فإن أجاز المضمون له الضمانَ ، لم يُفد الضمان شيئاً عندنا في باب المطالبة ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل ، فإذا ضمن كلّ واحدٍ منهما الآخَر ، فقد انتقل ما على كلّ واحدٍ منهما إلى الآخَر وكانا في الدَّيْن كما كانا قبل الضمان ، إلّا أنّه يستفاد بالضمان صيرورة المال الأصلي في ذمّة كلّ واحدٍ منهما منتقلاً إلى ذمّة الآخَر.

ولا نقول : إنّه يبطل الضمان من أصله ؛ لأنّه قد يستفاد منه فائدة ، وهي : لو أدّى أحد الضامنين عن مال الضمان بعضَه ثمّ أبرأه صاحب الدَّيْن من الباقي ، لم يكن له الرجوع على المضمون عنه إلّا بما أدّاه.

وإن لم يأذن لهما المضمون له بالضمان فضمنا ، فإن رضي بضمان أحدهما خاصّةً ، كان الدَّيْنان معاً عليه ، ولم يبق له مطالبة الآخَر ، لكنّ الضامن يرجع على الآخَر إن ضمن بإذنه ، وإلّا فلا.

وعند أكثر العامّة يصحّ ضمان كلٍّ منهما عن صاحبه ، ويبقى كلّ الدَّيْن مشتركاً في ذمّتهما معاً على ما هو أصلهم ، فلربّ المال - عندهم - أن يطالبهما معاً ومَنْ شاء منهما بالعشرة ، فإن أدّى أحدهما جميعَ العشرة ، برئا‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠١ - ٥٠٢.

٣٦٦

معاً ، وللمؤدّي الرجوع بخمسة إن وجد شرط الرجوع. وإن أدّى كلّ واحدٍ منهما خمسةً عمّا عليه ، فلا رجوع ، فإن أدّاها عن الآخَر ، فلكلّ واحدٍ الرجوعُ على الآخَر. ويجي‌ء خلاف التقاصّ.

وإن أدّى أحدهما خمسةً ولم يؤدّ الآخَر شيئاً ، فإن أدّاها عن نفسه ، برئ المؤدّي عمّا كان عليه وصاحبُه عن ضمانه ، وبقي على صاحبه ما كان عليه ، والمؤدّي ضامن له.

وإن أدّاها عن صاحبه ، رجع عليه بالمغروم ، وبقي عليه ما كان عليه(١) ، وصاحبه ضامن له.

وإن أدّاها عنهما ، فلكلٍّ نصفُ حكمه(٢) .

وإن أدّى ولم يقصد شيئاً ، فوجهان عندهم(٣) : التقسيط عليهما ؛ لأنّه لو عيّنه عن كلّ واحدٍ منهما ، وَقَع ، فإذا أطلق اقتضى أن يكون بينهما ؛ لاستوائهما فيه. وأن يقال : اصرفه إلى ما شئت ، كما لو أعتق عبده عن كفّارته وكان عليه كفّارتان ، كان له تعيين العتق عن أيّهما شاء. وكذا في زكاة المالَيْن.

ومن فوائده أن يكون بنصيب أحدهما رهنٌ ، فإذا قلنا : له صرفه إلى ما شاء ، فصَرَفه إلى نصيبه ، انفكّ الرهن ، وإلّا فلا.

ولو اختلفا فقال المؤدّي : أدّيتُ عمّا علَيَّ ، فقال ربّ المال : بل أدّيتَ عن صاحبك ، فالقول قول المؤدّي مع يمينه ، وإنّما أحلفناه ؛ لأنّه قد‌

____________________

(١) كلمة « عليه » لم ترد في « ر ، ث ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٢ - ٥٠٣.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٣.

٣٦٧

يتعلّق بهذا فوائد ، وإن كان قد يستحقّ المطالبة بالكلّ ؛ لأنّه قد يكون ثمناً ، فإذا أفلس ، رجع في المبيع ، ويسقط أيضاً عن صاحبه ، فإذا حلف ، برئ عمّا كان عليه ، ولربّ المال مطالبته بخمسة ؛ لأنّه إن كان صادقاً ، فالأصل باقٍ عليه. وإن كان كاذباً ، فالضمان باقٍ.

وقال بعض الشافعيّة : لا مطالبة له ؛ لأنّه إمّا أن يطالب عن جهة الأصالة وقد حكم الشرع بتصديق المؤدّي في البراءة عنها ، أو عن جهة الضمان وقد اعترف ربّ المال بأنّه أدّى عنها.

هذا حكم الأداء ، أمّا لو أبرأ ربّ الدَّيْن أحدهما عن جميع العشرة ، برئ أصلاً وضماناً عندهم ، وبرئ الآخَر عن الضمان دون الأصيل عندهم ؛ لأنّ الدَّيْن عندهم لا يسقط عن المضمون عنه بسقوطه عن الضامن.

وعندنا يسقط.

ولو أبرأ أحدهما عن خمسة ، فإن أبرأه عن الأصيل ، برئ عنه وبرئ صاحبه عن ضمانه ، وبقي عليه ضمان ما على صاحبه. وإن أبرأه عن الضمان ، برئ عنه ، وبقي عليه الأصلُ ، وبقي على صاحبه الأصلُ والضمان.

وإن أبرأه من الخمسة عن الجهتين(١) جميعاً ، سقط عنه نصف الأصل ونصف الضمان ، وعن صاحبه نصفُ الضمان ، ويبقى عليه الأصلُ ونصفُ الضمان فيطالبه بسبعة ونصف ، ويطالب المبرأ عنه بخمسة.

وإن لم يَنْوِ عند الإبراء شيئاً ، فيُحمل على النصف ، أو يُخيّر ليصرف إلى ما شاء؟ فيه الوجهان.

ولو قال المبرئ : أبرأت عن الضمان ، وقال المبرأ عنه : بل عن الأصل ، فالقول قول المبرئ(٢) .

____________________

(١) أي : جهتا الأصالة والضمان.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٣.

٣٦٨

هذا كلّه على مذهب الشافعي ، وقد بيّنّا مذهبنا في صدر المسألة.

مسألة ٥٤٥ : لو كان على زيد عشرة فضمنها اثنان كلّ واحدٍ منهما خمسة ، وضمن أحدهما عن الآخَر وبالعكس ، فقد بيّنّا أنّه بمنزلة عدم الضمان‌ إذا أجاز المضمون له ضمانهما معاً.

وعند أكثر العامّة يصحّ ضمانهما معاً ، فلربّ المال - عندهم - مطالبة كلّ واحدٍ منهما بالعشرة نصفها عن الأصيل ونصفها عن الضامن الآخَر ، فإن أدّى أحدهما جميعَ العشرة ، رجع بالنصف على الأصيل وبالنصف على صاحبه.

وهل له الرجوع بالكلّ على الأصيل إذا كان لصاحبه الرجوعُ عليه إن غرم؟ فيه الوجهان عندهم.

وإن لم يؤدّ إلّا خمسة ، فإن أدّاها عن الأصيل أو عن صاحبه أو عنهما ، ثبت له الرجوع بخمسة(١) .

مسألة ٥٤٦ : لو باع شيئاً وضمن ضامنٌ الثمنَ فهلك المبيع قبل القبض‌ ، أو وجد به عيباً فردّه ، أو ضمن الصداق فارتدّت المرأة قبل الدخول ، أو فسخت بعيبٍ ، فإن كان ذلك قبل أن يؤدّي الضامن ، برئ الضامن والأصيل.

وإن كان بعده فإن كان بحيث يثبت له الرجوع ، رجع بالمغروم على الأصيل ، ورجع الأصيل على ربّ المال بما أخذ إن كان هالكاً ، وإن كان باقياً ، ردّ عينه.

وهل له إمساكه وردّ بدله؟ فيه خلاف مأخوذ ممّا إذا ردّ المبيع بعيبٍ‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٢.

٣٦٩

وعين الثمن عند البائع ، فأراد إمساكه وردّ مثله.

والأصحّ : المنع ، وبه قال الشافعي(١) .

ولو كان الذي دفعه الضامن أجود أو أزيد ، فالأقرب : أنّه ليس للأصيل أخذُ الزيادة.

وإنّما يغرم ربّ المال للأصيل دون الضامن ؛ لأنّ في ضمن الأداء عنه إقراضه وتمليكه إيّاه.

وإن كان بحيث لا يثبت له الرجوع ، فلا شي‌ء للضامن على الأصيل ، وعلى المضمون له ردّ ما أخَذَه.

وعلى مَنْ يردّ؟ فيه احتمال أن يردّه على الضامن ، أو على الأصيل. وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في المتبرّع بالصداق إذا طلّق الزوج قبل الدخول.

مسألة ٥٤٧ : لو كان لرجلٍ على آخَر دَيْنٌ فادّعى صاحبُ الدَّيْن على آخَر بأنّه ضمنه له على المديون‌ ، فأنكر الضامن الضمانَ ، سقط حقّ ربّ المال عن الأصيل عندنا ؛ لانتقال المال عن ذمّته إلى ذمّة الضامن ، خلافاً لأكثر العامّة(٢) .

ثمّ مدّعي الضمان إن لم تكن له بيّنة فأحلف الضامن على أنّه لم يضمن ، سقط ما لَه ، أمّا عن الضامن : فلبراءته باليمين ، وأمّا عن الأصيل : فلاعترافه ببراءة ذمّته بالضمان.

وإن كان له بيّنة فأقامها على الضامن بالضمان ، ثبت له عليه المطالبة ، فإذا رجع عليه بالمال ، رجع الضامن على الأصيل وإن كان قد كذّب المدّعي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٢.

(٢) راجع الهامش (٢) من ص ٣٤٤.

٣٧٠

للضمان ؛ لأنّ البيّنة أبطلت حكم إنكاره ، فكأنّه لم ينكره.

وهذا كما لو اشترى عيناً فادّعى آخَر أنّها ملكه وأنّ بائعها غصبها منه ، فقال المشتري في جوابه : إنّها ملك بائعي وليس لك فيها حقٌّ ، وإنّها اليوم ملكي ، فأقام المدّعي البيّنة ، فإنّ المشتري يرجع على البائع وإن أقرّ له بالملك.

وكذا لو باع عيناً على رجل وادّعى على آخَر أنّه ضمن الثمن عن المشتري وأقام على ذلك بيّنةً وأخذ الثمن من الضامن ، يرجع الضامن على الأصيل.

واعترض بعض الشافعيّة : بأنّ البيّنة إنّما تُقام عند الإنكار ، وإذا أنكر كان مكذّباً للبيّنة زاعماً أنّ صاحب المال ظالم فيما أخذ منه ، فكيف يرجع على الأصيل بما ظلمه به والمظلوم إنّما يرجع على ظالمه!؟(١) .

والجواب : نمنع أنّ البيّنة إنّما تُقام عند الإنكار ، بل يجوز أن يُقرّ الضامن وتقام البيّنة للإثبات على الأصيل.

سلّمنا أنّه لم يُقرّ ، لكنّ البيّنة لا تستدعي الإنكار بخصوصه ، بل يكفي الإنكار وما يقوم مقامه كالسكوت ، فربما كان ساكتاً.

سلّمنا استدعاءها الإنكار ، لكنّها لا تستدعي الإنكار منه بخصوصه ، بل يكفي صدور الإنكار من وكيله في الخصومات ، فلعلّ البيّنة أُقيمت في وجه وكيله المنكر.

سلّمنا أنّه أنكر ، لكنّه ربما أنكر الضمان وسلّم البيع ، وهذا الإنكار لو مَنَع لكان مانعاً للرجوع بجهة غرامة المضمون.

وجائزٌ أن يكون هذا الرجوع باعتبار أنّ المدّعي ظَلَمه بأخذ ما على الأصيل منه ، وللظالم مثل المأخوذ على الغائب ، فيأخذ حقّه ممّا عنده.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠.

٣٧١

أمّا لو وجد منه التكذيب القاطع لكلّ الاحتمالات ، فأصحّ وجهي الشافعيّة أنّه يمنع من الرجوع(١) .

وقيل : لا يمنع(٢) على ما اخترناه أوّلاً.

البحث الخامس : في اللواحق.

مسألة ٥٤٨ : كلّ موضعٍ قلنا فيه بأنّ المأذون له في الأداء أو الضامن يرجع على الآذن والمضمون عنه بما غرم‌ فإنّما هو مفروض فيما إذا أشهد المؤدّي أو الضامن على الأداء شهادةً يثبت بها الحكم ، سواء أشهد رجلين أو رجلاً وامرأتين.

ولو أشهد واحداً اعتماداً على أن يحلف معه ، فالوجه : الاكتفاء ؛ لأنّ الشاهد مع اليمين حجّة في نظر الشرع ، كافية لإثبات الأداء ، عند أكثر العلماء(٣) ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه لا يكفي ؛ لأنّهما قد يترافعان إلى حنفيٍّ لا يقضي بالشاهد واليمين ، فكان ذلك ضرباً من التقصير(٤) .

وإنّما تنفع الشهادة ما إذا أشهد عَدْلين أو عَدْلاً وامرأتين ثقتين أو عَدْلاً واحداً على الخلاف.

ولو أشهد فاسقين مشهورين بالفسق ، لم يكف ، وكان مقصّراً.

ولو أشهد مستورين فبانا فاسقين ، فالأقرب : الاكتفاء ؛ إذ يمتنع الاطّلاع على البواطن ، فكان معذوراً ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠.

(٣) المغني ١٢ : ١١ ، الشرح الكبير ١٢ : ٩٤.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٠ ، الوسيط ٣ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠ - ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

٣٧٢

وفي الثاني : لا يكفي ، ويكون بمنزلة مَنْ لم يُشهد ؛ لأنّ الحقّ لا يثبت بشهادتهما(١) .

وهو غلط ، كما لو فسقا بعد الإشهاد والأداء.

ولا تكفي شهادة مَنْ يُعرف ظعنه(٢) عن قريبٍ ؛ لأنّه لا يفضي إلى المقصود.

أمّا إذا أدّى من غير إشهادٍ ، فإن كان الأداء في غيبة الأصيل ، فهو مقصّر بترك الإشهاد ؛ إذ كان من حقّه الاحتياط وتمهيد طريق الإثبات. وإن كان بحضوره ، فلا تقصير.

مسألة ٥٤٩ : لو جحد ربّ الدَّيْن أداء الضامن إليه ، وادّعاه الضامن ، ولا بيّنة ، فإن كذّب الأصيل الضامنَ في الدفع ، لم يرجع عليه‌ ، فإذا حلف ربّ الدَّيْن ، أخذ من الضامن ثانياً ، ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أدّاه ثانياً ، إلّا أن يكون الذي أدّاه أوّلاً أقلَّ مقداراً أو أقلَّ صفةً وادّعى رضاه به ، فإنّه يرجع بما أدّاه أوّلاً.

وإن صدّقه الأصيل ، فالأقوى : رجوع الضامن عليه بما أدّاه أوّلاً إن ساوى الحقّ أو قصر عنه ، لا بما يؤدّيه ثانياً بحلف المضمون له ، ويؤدّي الضامن إلى المضمون له ثانياً لحلفه.

وللشافعيّة فيه وجهان ، هذا أحدهما.

والثاني : أنّه ليس له الرجوع بما أدّاه أوّلاً وصدّقه عليه ؛ لأنّه لم يؤدّ بحيث ينتفع به الأصيل ، فإنّ ربّ المال منكر ، والمطالبة بحالها(٣) .

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٢) ظعن : سار. الصحاح ٦ : ٢١٥٩ « ظعن ». والمراد هنا السفر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

٣٧٣

ولا بأس به عندي.

فعلى هذا القول لو كذّبه الأصيل هل يحلف؟ قال بعض الشافعيّة : يبنى على أنّه لو صدّقه هل يرجع عليه؟ إن قلنا : نعم ، حلّفه على نفي العلم بالأداء. وإن قلنا : لا يرجع ، يبنى على أنّ النكولَ وردَّ اليمين كالإقرار ، أو كالبيّنة؟ إن قلنا بالأوّل ، لم يحلّفه ؛ لأنّ غايته أن ينكل فيحلف الضامن ، فيكون كما لو صدّقه ، وذلك لا يفيد الرجوع. وإن قلنا بالثاني ، حلّفه طمعاً في أن ينكل فيحلف(١) ، فيكون كما لو أقام البيّنة(٢) .

ولو كذّبه الأصيل وصدّقه ربّ المال ، فالأقوى : أنّه يرجع على الأصيل ؛ لسقوط المطالبة بإقراره ، وإقراره أقوى من البيّنة مع إنكاره ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة.

والثاني : أنّه لا يرجع ، ولا ينهض قول ربّ المال حجّةً على الأصيل(٣) .

ولو أدّى في حضور الأصيل ، قال بعض الشافعيّة : إنّه لا يرجع(٤) ، كما لو ترك الإشهاد في غيبته(٥) .

وظاهر مذهب الشافعي : أنّه يرجع(٦) ؛ لأنّه حال الغيبة مستبدّ بالأمر ، فعليه الاحتياط والتوثيق بالإشهاد ، وإذا كان الأصيل حاضراً ، فهو أولى بالاحتياط ، والتقصير بترك الإشهاد في حضوره مستند إليه(٧) .

مسألة ٥٥٠ : إذا توافق الأصيل والضامن على أنّ الضامن أشهد بالأداء‌

____________________

(١) في « ج ، ر » والمصدر : « ويحلف ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إنّه يرجع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه لا يرجع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

٣٧٤

ولكن مات الشهود أو غابوا ، ثبت له الرجوع على الأصيل ؛ لاعترافه بأنّ الضامن أتى بما عليه من الإشهاد والتوثيق ، والموت والغيبة ليسا إليه ، وهو قول الشافعي(١) .

ونَقَل الجويني وجهاً بعيداً : أنّه لا يرجع ؛ إذ لم ينتفع بأدائه ، فإنّ القولَ قولُ ربّ المال في نفي الاستيفاء(٢) .

ولو ادّعى الضامنُ الإشهادَ ، وأنكر الأصيلُ الإشهادَ ، فالقولُ قولُ الأصيل مع اليمين ؛ لأصالة عدم الإشهاد ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ القولَ قولُ الضامن ؛ لأنّ الأصل عدم التقصير. ولأنّه قد يكون صادقاً ، وعلى تقدير الصدق يكون منعه من الرجوع إضراراً ، فليصدَّق ؛ للضرورة ، كما يصدَّق الصبي في دعوى البلوغ ؛ إذ لا يُعرف إلاّ من جهته(٣) .

ولو قال : أشهدت فلاناً وفلاناً ، وكذّباه ، فهو كما لو لم يُشهد.

ولو قالا : لا ندري وربما نسيناه ، احتُمل تصديقه وتكذيبه.

ولو أقام بيّنةً على الشاهدين بأنّهما أقرّا بالشهادة ، فالأقوى : السماع.

وإذا لم يُقم بيّنةً على الأداء وحلف ربّ المال ، بقيت مطالبته بحالها ، فإن أخذ المال من الأصيل ، فذاك. وإن أخذه من الضامن مرّةً أُخرى ، لم يرجع بهما ؛ لأنّه مظلوم بإحداهما ، فلا يرجع إلّا على مَنْ ظَلَمه.

وفي قدر رجوعه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه لا يرجع بشي‌ء ، أمّا بالأوّل(٤) : فلأنّه قصّر عند أدائه بترك الإشهاد. وأمّا بالثاني(٥) : فلاعترافه بأنّه مظلوم به.

والأظهر عندهم : أنّه يرجع ؛ لأنّه غرم لإبراء ذمّته(٦) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨١ - ١٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٤.

(٤ و ٥) أي : المبلغ الأوّل المبلغ الثاني.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٥.

٣٧٥

وعلى هذا [ هل ](١) يرجع بالأوّل ؛ لأنّه المبرئ للذمّة ، أو بالثاني ؛ لأنّه المسقط للمطالبة؟ فيه لهم وجهان(٢) .

مسألة ٥٥١ : إذا ضمن المريض في مرض موته ، فإن كان على وجهٍ يثبت له الرجوع ووجد الضامن مالاً يرجع فيه ، فالضمان صحيح‌ ، يُخرج من صلب المال ؛ لأنّه عقد شرعيّ ناقل للمال ولم يوجد تبرّعٌ من المريض ، فكان ماضياً من الأصل.

وإن كان الضمان متبرَّعاً به غير متضمّن للرجوع ، أو كان بالسؤال وله الرجوع ، لكن لم يجد مالاً يرجع فيه ، بأن يموت الأصيل معسراً ، فهذا الضمان من الثلث ؛ لأنّه تبرّعٌ محضٌ ، فلا ينفذ في أكثر من الثلث. فإذا ضمن المريض تسعين درهماً عن رجلٍ بأمره ، ولا مال للمريض سوى التسعين ومات الأصيل ولم يترك إلاّ نصف التسعين ومات الضامن ، دَخَلها الدور.

وتقريره أن نقول : إذا وفت التركة بثلثي الدَّيْن ، فلا دَوْر ؛ لأنّ صاحب الحقّ إن أخذ الحقَّ من تركة الضامن ، رجع ورثته بثلثي الدَّيْن في تركة الأصيل. وإن أخذ تركة الأصيل وبقي شي‌ء ، أخذه من تركة الضامن ، ويقع تبرّعاً ؛ لأنّ ورثة الضامن لا يجدون مرجعاً.

وإن لم تف التركة بالثلثين - كما في هذه الصورة - فقد ثبت الدَّوْر.

وتحقيقه أن نقول : صاحب الحقّ بالخيار إن شاء أخذ تركة الأصيل بتمامها ، وحينئذٍ فلا دَوْر أيضاً ، وله مطالبة ورثة الضامن بثلاثين درهماً ، ويقع تبرّعاً ؛ إذ لم يبق للأصيل تركة حتى يُفرض فيها رجوعٌ.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٥.

٣٧٦

فإن أراد الأخذ من تركة الضامن ، لزم الدَّوْر ؛ لأنّ ما يغرمه ورثة الضامن يرجع إليهم بعضُه من جهة أنّه يصير المغروم دَيْناً لهم على الأصيل يتضاربون به مع صاحب الحقّ في تركته ، ويلزم من رجوع بعضه زيادة التركة ، ومن زيادة التركة زيادة المغروم ، ومن زيادة المغروم زيادة الراجع.

وطريق معرفته أن يقال : يأخذ صاحب الحقّ من ورثة الضامن شيئاً ، ويرجع إليهم مثل نصفه ؛ لأنّ تركة الأصيل نصف تركة الضامن ، فيبقى عندهم تسعون إلّا نصف شي‌ء ، وهي تعدل مِثْلَي ما تلف بالضمان ، والتالف نصف شي‌ء ، فمِثْلاه شي‌ءٌ ، فإذَنْ تسعون إلّا نصف شي‌ء يعدل شيئاً ، فإذا جبرنا وقابلنا ، عدلت تسعون شيئاً ونصف شي‌ء ، فيكون الشي‌ء ستّين ، فبانَ لنا أنّ المأخوذ ستّون ، وحينئذٍ تكون الستّون دَيْناً لهم على الأصيل ، وقد بقي لصاحب الحقّ ثلاثون ، فيضاربون في تركته بسهمين وسهمٍ ، وتركته خمسة وأربعون يأخذ منها الورثة ثلاثين ، وصاحب الحقّ خمسةَ عشر ، ويعطّل باقي دَيْنه ، وهو خمسة عشر ، فيكون الحاصل للورثة ستّين ، ثلاثون بقيت عندهم ، وثلاثون أخذوها من تركة الأصيل ، وذلك مِثْلا ما تلف ووقع تبرّعاً ، وهو ثلاثون.

ولو كانت المسألة بحالها لكن تركة الأصيل ثلاثون ، قلنا : يأخذ صاحب الحقّ شيئاً ، ويرجع إلى ورثة الضامن مثل ثلثه ؛ لأنّ تركة الأصيل ثلث تركة الضامن ، فيبقى عندهم تسعون ناقصةً ثلثَي شي‌ء تعدل مثْلَي المتلف بالضمان ، وهو ثلثا شي‌ء ، فمِثْلاه شي‌ء وثلث ، فإذَنْ تسعون إلاّ ثلثَي شي‌ء تعدل شيئاً وثلثاً ، فيُجبر ويُقابل ، عدلت تسعون شيئين ، فالشي‌ء خمسة وأربعون ، وذلك ما أخذه صاحب الحقّ ، وصار دَيْناً لورثة الضامن على الأصيل ، وبقي لصاحب الحقّ عليه خمسة وأربعون أيضاً ، فيتضاربون‌

٣٧٧

في تركته بسهمٍ وسهمٍ ، فيجعل بينهما نصفين.

ولو كانت تركة الأصيل ستّين ، فلا دَوْر ، بل لصاحب الحقّ أخذ تركة الضامن كلّها بحقّ الرجوع ، ويقع الباقي تبرّعاً.

ولو كانت المسألة بحالها وكان قد ضمن عن الضامن ضامنٌ ثانٍ ومات الضامن الثاني ولم يترك إلّا تسعين درهماً أيضاً ، كان لصاحب الحقّ أن يطالب ورثة أيّهما شاء.

فإن طالَب به ورثة الضامن الأوّل ، قال بعض الشافعيّين : كان كالمسألة الأُولى يأخذ ستّين ، ومن ورثة مَنْ كان عليه أصل المال خمسةَ عشر ، ويرجع ورثة الضامن على ورثة الذي كان عليه الحقُّ بثلاثين(١) .

وإن طالَب ورثة الضامن الثاني ، أخذ منهم سبعين درهماً ، ومن ورثة مَنْ كان عليه الأصلُ خمسةَ عشر ، ويرجع ورثة الضامن الثاني على الضامن الأوّل بأربعين درهماً ، ويرجع الضامن الأوّل في مال مَنْ عليه أصلُ الحقّ بثلاثين.

وإنّما كانت هذه المسألة كالأُولى فيما إذا طالَب ورثة الضامن الأوّل ؛ لأنّه لا يأخذ منهم إلّا ستّين ، ويأخذ من تركة الأصيل خمسةَ عشر ، كما في الصورة السابقة ، لكن لا يتلف من ماله شي‌ء هنا ، بل يطالب بالباقي - وهو خمسة عشر - ورثة الضامن.

وأمّا إذا طالَب ورثة الضامن الثاني ، فقد غلّطه جماعة الشافعيّة في قوله من جهة أنّه أتلف من مال الثاني ثلاثين ؛ لأنّه أخذ منهم سبعين ، وأثبت لهم الرجوع بأربعين ، وكان الباقي عندهم عشرين ، فالمجموع ستّون ، ولم يتلف من مال الأوّل إلّا عشرة ؛ لأنّه أخذ منهم أربعين ، وأثبت لهم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٣.

٣٧٨

الرجوع بثلاثين ، ومعلومٌ أنّ الضامن الثاني إنّما ضمن تسعين عمّن يملك تسعين ، والأوّل ضمن تسعين عمّن يملك خمسةً وأربعين ، فكيف يؤخذ من الثاني أكثر ممّا يؤخذ من الأوّل!؟(١) .

واختلفت الشافعيّة في الجواب.

فقال الأُستاذ أبو إسحاق(٢) : يأخذ صاحب الحقّ من ورثة الضامن خمسةً وسبعين ، ويرجعون بمثلها على ورثة الأوّل ، ويرجع [ ورثة ](٣) الأوّل على ورثة الأصيل بتركته ، وهي خمسة وأربعون ، فيكون جملة ما معهم ستّين : خمسة عشر من الأصل ، والباقي من العوض ، وذلك مِثْلا الثلاثين التالفة عليهم ، ولم يثبت لصاحب الحقّ مطالبة ورثة الثاني بكمال الدَّيْن(٤) .

وقال الأكثر : له مطالبة ورثة الثاني بجميع الدَّيْن ، ثمّ هُمْ يرجعون على ورثة الأوّل بخمسة وسبعين ، ويتلف عليهم خمسة عشر ؛ للضرورة ، ويرجع ورثة الأوّل على ورثة الأصيل بتركته ، كما ذكره الأُستاذ(٥) .

قال الجويني : كأنّ الأُستاذ اعتقد أنّ ضمان الأوّل لم يصح إلاّ في قدرٍ لو رجع معه في تركة الأصيل لما زاد التالف من تركته على ثلثها ، وإذا لم يصح ضمانه فيما زاد ، لم يصح ضمان الثاني عنه ، وإلّا دارَ(٦) .

قالوا : إنّما لا يؤخذ أكثر من الثلث لحقّ الورثة ، لكنّه صحيح في الجميع متعلّق بالذمّة ، فيكون ضمان الثاني عنه فيما زاد كالضمان عن المعسر(٧) ‌.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٤.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر : « أبو منصور ».

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤ - ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٤.

٣٧٩

ويجب أن يكون هذا الخلاف جارياً في مطالبتهم بتتمّة التسعين إذا طالب أوّلاً ورثة الضامن الأوّل وإن [ لم ](١) يُذكر ثَمَّ. وإن أخذ المستحقّ أوّلاً بتركة الأصيل ، برئ الضامنان عن نصف الدَّيْن.

ثمّ المستحقّ - على جواب الأكثرين - إن شاء أخذ من ورثة الأوّل ثلاثين ، ومن ورثة الثاني خمسةَ عشر ، وإن شاء أخذ الكلَّ من ورثة الثاني وهُمْ يرجعون على ورثة الأوّل بثلاثين ، فيصل إلى تمام حقّه بالطريقين.

وعلى جواب الأُستاذ ليس له من الباقي إلّا ثلاثون ، إن شاء أخذها من ورثة الأوّل ولا رجوع ، وإن شاء أخذها من ورثة الثاني ، وهُمْ يرجعون بها على ورثة الأوّل(٢) .

مسألة ٥٥٢ : يجوز ترامي الضمان لا إلى غايةٍ معيّنة.

وهل يجوز دَوْرُه بأن يضمن ضامن رجلاً على دَيْنٍ ثمّ يضمن الرجل المضمون الضامنَ على ذلك الدَّيْن بعينه؟ مَنَع منه الشافعيّة ؛ لأنّ الضامن فرع المضمون عنه ، فلا يجوز أن يكون أصلَه(٣) .

وفيه عندي نظر.

أمّا لو ضمن غيرَ ذلك الدَّيْن ، فإنّه يجوز قطعاً ؛ لأنّ الأصل في شي‌ءٍ قد يكون فرعاً لفرعه في شي‌ءٍ آخَر.

وكذا لو تبرّع الضامن بالضمان ، فإنّ الحقّ يثبت في ذمّته ، وتبرأ ذمّة المضمون عنه عندنا ، فيجوز حينئذٍ للمضمون عنه أن يضمن الضامنَ.

فلو كان له على اثنين عشرةٌ على كلّ واحدٍ منهم خمسةٌ ، فضمن كلّ واحدٍ صاحبَه فضمن ثالثٌ عن أحدهما العشرةَ وقضاها ، سقط الحقّ‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٤.

(٣) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٤.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510