تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 432290 / تحميل: 5970
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الرابع

الإمام الحسينعليه‌السلام ترجمته وفضائله

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مولده ووفاتهعليه‌السلام وعمره الشريف

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه ـ أولادهعليه‌السلام

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام :

ـ فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

ـ الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

ـ جملة من مناقب الحسينعليه‌السلام

٦ ـ الذرية والإمامة :

ـ قصة الحجاج مع يحيى بن يعمر

ـ قصيدة لابن المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.

١٦١
١٦٢

الفصل الرابع :

الإمام الحسينعليه‌السلام

(ترجمته وفضائله)

١٠٦ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)

ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى ، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.

الإمام الهمام ، وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.

ريحانة الرسول ، وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة الثقلين ، أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

١٠٧ ـ نسبه الشريف :

الإمام الحسينعليه‌السلام هو أحد أولاد الإمام عليعليه‌السلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنينعليها‌السلام .

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم ذرية سوى فاطمةعليها‌السلام التي تزوجها الإمام عليعليه‌السلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن

١٦٣

والحسينعليهما‌السلام لا نقطعت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد تربيا في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن ألقابهما السبطان(١) وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام بعد أخيه الحسنعليه‌السلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين

إمامان ، قاما أو قعدا».

٢ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف

١٠٨ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف :

قال ابن سعد في (الطبقات) : علقت فاطمة بالحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد مولد الحسنعليه‌السلام بخمسين ليلة.

ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع هجرية.

وقال ابن شهراشوب في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :

ولد الحسينعليه‌السلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.

وقال مصعب الزبيري في (نسب قريش ، ص ٤٠) :

ولد الحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.

وقال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) :

الأشهر في ولادتهعليه‌السلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه‍ يوم الخميس. وقيل ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه‍ ، وهو قول الشيخ المفيد.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) :

وكانت مدة حمله ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، والحسين بن عليعليهم‌السلام .

وروى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسنعليه‌السلام والحمل بالحسينعليه‌السلام إلا طهر واحد.

والعلماء مجمعون على أن وفاة الحسينعليه‌السلام كانت بكربلاء يوم العاشر من

__________________

(١) السبط : يطلق على ابن البنت ، والحفيد : يطلق على ابن الولد ، ذكرا كان أو أنثى.

١٦٤

المحرم سنة ٦١ ه‍ ، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت.ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

فيكون عمره الشريف سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليه‌السلام .

١٠٩ ـ معاصرته للمعصومينعليهم‌السلام :

وقد عاش الحسينعليه‌السلام من حياته مع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيهعليه‌السلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.

وحين توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعده بقليل ، كان عمر الحسينعليه‌السلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه

١١٠ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

لما ولد الحسينعليه‌السلام جاءت به أمه فاطمةعليها‌السلام إلى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بريقه وتفل

في فمه.

فلما كان اليوم السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، وكان وزنه درهما. وسماهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.

١١١ ـ اسمه الشريف :

يقول محمّد مهدي المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ، وفي الانجيل (طاب).

وحسين مصغّر حسن ، كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم

١٦٥

كما لا يخفى على البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيىعليه‌السلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.

وقد ذكر ابن الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسينعليهما‌السلام حتّى سمّى بهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت الجاهلية بهما.

وفي (مدينة المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :

عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) [مريم : ٧] الحسين بن عليعليهما‌السلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكرياعليه‌السلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.

١١٢ ـ ألقابهعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ، والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.

ونقش خاتمه : (لكل أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).

١١٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)

قالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما سقط الحسينعليه‌السلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.

قالت صفية : فقبّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟.قال : يقتله فئة باغية من بني أمية.

١٦٦

(أقول) : لم يسمع بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسينعليه‌السلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.

١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس :

(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)

في مسند الإمام الرضاعليه‌السلام عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول من مولد الحسنعليه‌السلام ولد الحسينعليه‌السلام . فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.قالت أسماء : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمةعليها‌السلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعليعليه‌السلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير. قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسينعليه‌السلام .

ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال : الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.

١١٥ ـ رواية أم الفضل :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال : وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة) من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في حجرك. قالت :فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم

١٦٧

حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟. قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا.فقلت : هذا!. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.

وقد دمجنا روايتين بنفس المضمون مع بعضهما.

١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسينعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت فاطمةعليها‌السلام لما ولدت الحسينعليه‌السلام وجف لبنها.فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل الله له في إبهام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رزقا يغذوه.

ويقال : بل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه(١) . فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :

يبدو من الروايات أن فاطمةعليها‌السلام لما ولدت بالحسينعليه‌السلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أرضعه.

والظاهر أن الحسينعليه‌السلام لما لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».

ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرضع الحسينعليه‌السلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل فأرضعته وحضنته.

ولله درّ الشاعر حيث قال :

لله مرتضع لم يرتضع أبدا

من ثدي أنثى ، ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة

لسانه ، فاستوت منه طبائعه

__________________

(١) غرّ الطائر فرخه يغرّه : أي زقّه الطعام

١٦٨

١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟ :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)

نبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودمه من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولذا كان يشمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».

يقول الشيخ محمّد مهدي المازندراني :

أما اللحم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أراقته سيوف بني أمية.وأما العظم الّذي تربّى من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :

ومن ارتبى طفلا بحجر محمّد

حتّى اغتذى وحي الإله رضيعا

يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا

منه ترضّ الصافنات ضلوعا

وقد تربّى الحسينعليه‌السلام في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :

يومان لم ترني الأيام مثلهما

فسرّني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به

ويوم شمر على صدر الحسين رقى

١١٨ ـ أولاد الحسينعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :

ـ علي الأكبر : قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.

ـ علي الأوسط : زين العابدينعليه‌السلام وكان مريضا في كربلاء.

ـ علي الأصغر : أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.

ـ عبد الله الرضيع : قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.

ـ محمّد وجعفر : ماتا صغيرين في حياة أبيهماعليه‌السلام .

ـ البنات : زينب وفاطمة وسكينة ورقيةعليهم‌السلام .

* وقد مرّ ذلك مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.

١٦٩

والذكر المخلّد هو لزين العابدينعليه‌السلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

١١٩ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته :

(غصن الرسول : الحسين بن عليعليه‌السلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)

في كتاب (الشفا) للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسينعليه‌السلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رجل الشعر ، متماسك البدن.

١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه :

(المصدر السابق ص ٣٥)

روى ابن عساكر عن قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.

وروى ابن كثير في (البداية والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد:رأيت الحسين؟. قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبّها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).

وعن الشعبي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام يتختّم في شهر رمضان.

وفي (بحار الأنوار) للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسينعليه‌السلام

١٧٠

وهو في قصر بني مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال :خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم يعجل.

وقال المفيد في (الإرشاد) : كانعليه‌السلام يخضب بالحناء والكتم(١) ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه(٢) .

١٢١ ـ جمال الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)

كان الحسينعليه‌السلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).

وكان الحسنعليه‌السلام يشبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رأسه إلى صدره ، والحسينعليه‌السلام يشبه من صدره إلى رجليه.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسينعليه‌السلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسينعليه‌السلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال :أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أي أشبه أهل البيت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى ابن كثير وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسينعليه‌السلام غنّة.

١٢٢ ـ نور وجههعليه‌السلام :

في (المنتخب) للطريحي ، أن الحسينعليه‌السلام كان إذا جلس في المكان المظلم

__________________

(١) الكتم : نبت يخلط بالحناء ، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٢) يقال : نصل الخضاب من اللحية ، إذا بانت أصولها ، بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام ، فهي سوداء وأصل الشعر أبيض.

١٧١

يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام

١٢٣ ـ بعض فضائل الحسينعليه‌السلام :

فضائل الإمام الحسينعليه‌السلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.

يقول الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسينعليه‌السلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من نواحيه وأطرافه!.

١٢٤ ـ وصف الإمام الحجةعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام في زيارة الناحية :

قال الحجة المهديعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسينعليه‌السلام : كنت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا. حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.

١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسينعليه‌السلام :

في (مناقب ابن شهراشوب) وغيره ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسينعليه‌السلام ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».

١٧٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

وروى محمّد بن أبي عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : قال الحسنعليه‌السلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا) ، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسينعليه‌السلام .

فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

١٢٦ ـ ما علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)

قيل للحسينعليه‌السلام : ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال سمعته يقول :

«إن الله يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) [الإخلاص : ١] ، وعلّمني الصلوات الخمس.

وسمعته يقول : «من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».

١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)

عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا الحسينعليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول :«أنت سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».

١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره ، وهو يقول :

١٧٣

«هذا من أطائب أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».

قال ابن عباس : ثم أغمي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :

«يا حسين ، إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة».

١٢٩ ـ الحسينعليه‌السلام سبط من الأسباط :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)

حدثنا الحسين بن عرفة عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.

١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)

روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن أو للحسينعليهما‌السلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».

١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله :

(المصدر السابق)

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فإني سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

وفي (القمقام) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسينعليه‌السلام . إنما الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».

فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.

١٧٤

١٣٣ ـ الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)

وروى الخوارزمي بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧] ، وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.

ألا وإن الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة».

١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب :

في (البحار) عن أبي بن كعب ، قال : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟. فقال :

«يا أبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن عليعليهما‌السلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين العرش :

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»

وفي رواية الشيخ الصدوق :

(مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن اللهعزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).

ثم أخذ بيده ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي محبّيه في الجنّة».

١٣٥ ـ عوّض الله الحسينعليه‌السلام عن قتله بأربع خصال :

عن حميد بن مسلم ، قال : سمعت الباقر والصادقعليهما‌السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسينعليه‌السلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.

١٧٥

وسوف نشرح بعد قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه إلى آخر الموسوعة.

فضائل الحسينعليه‌السلام على لسان الصحابة

١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)

روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

١٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)

روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال :هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.

١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)

روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال : أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«هما ريحانتاي من الدنيا».

١٧٦

وروى الترمذي عن عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر تمام الحديث ، ثم قال :

حسن صحيح.

١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة :

(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)

روى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟.(وفي رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له : ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».

وفي رواية ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ :والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».

رواية مشابهة عن الحسن البصري :

(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)

وسأل أهل الكوفة مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسينعليه‌السلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.

الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

١٤٠ ـ التشابه بين الحسينعليه‌السلام والقرآن :

(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)

ألفّ الشيخ جعفر التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسينعليه‌السلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.

١٧٧

قال الشيخ جعفر التستري :

* القرآن فيه البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسينعليه‌السلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.

* القرآن يقسّم إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل(١) ، والحسينعليه‌السلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح ، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء أطراف الجسد متفرقة.

* القرآن سمّاه الله مباركا ، فقال :( هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ ) ، وقد سمّى الله الحسينعليه‌السلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة ، فيقول :

«بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».

* القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والحسينعليه‌السلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.

١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسينعليه‌السلام في القرآن :

(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)

يقول الشيخ جعفر التستري :

١ ـ في بيان الحمل بهعليه‌السلام وولادته ، وهو قوله تعالى :( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (١٥) [الأحقاف : ١٥].

__________________

(١) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت السّبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل». وإليك بيان ذلك :

السبع الطوال : من البقرة إلى التوبة. المئين : بعد السبع الطوال ، وهي سبع سور تحوي كل واحدة مائة آية أو يزيد قليلا أو يقلّ ، وهي : بنو إسرائيل ـ الكهف ـ مريم ـ طه ـ الأنبياء ـ الحج ـ المؤمنون. المثاني : السور بعد المئين. المفصّل : السور القصار بعد الحواميم إلى آخر القرآن. وذكر وجه التسمية لها بالمفصل ، أن هذه السور قصيرة ، ولذلك كثر الفصل بينها بالتسمية.

١٧٨

ومن الثابت أن الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسينعليه‌السلام ويحيى بن زكرياعليه‌السلام .

يقول : فلو قال في الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) [الأحقاف : ١٥] أي بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ في بيان خروجه من المدينة ، وهو قوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن هذه الآية نزلت في عليعليه‌السلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسينعليه‌السلام أيضا.

٣ ـ في قلة أنصاره ، وهو قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) [النساء : ٧٧]. وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسنعليه‌السلام حين كفّ يده وصالح.( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ) [النساء : ٧٧] أي مع الحسين( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) [النساء : ٧٧]. وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليه‌السلام .

٤ ـ في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاتهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :( كهيعص ) (١) [مريم : ١]. وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.

٥ ـ فيما نودي من الله به عند قتلهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (٣٠) [الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : يعني الحسينعليه‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.

٦ ـ في طلب ثأره في الرجعة ، وهي قوله تعالى :( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) (٣٣) [الإسراء : ٣٣].فالحسينعليه‌السلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائمعليه‌السلام .( فَلا يُسْرِفْ فِي ) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.

٧ ـ في الانتقام له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٩) [التكوير : ٨ ـ ٩]. عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنها نزلت في الحسينعليه‌السلام ،

١٧٩

لأن الحسينعليه‌السلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ، فهم كالموؤودة في التراب.

والمقصود( الْمَوْؤُدَةُ ) (٨) [التكوير : ٨] : ولاية أهل البيتعليهم‌السلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.

وفي (مناقب ابن شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :

عن الإمام الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ) (٨) [التكوير : ٨] يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.

جملة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام

سوف نسرد في هذه الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تشمل محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم وشجاعته.

يقول الشيخ أحمد فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) :وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الحب للحسينعليه‌السلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.

١٤٢ ـ شدة حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)

قال ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الحسينعليه‌السلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.

ومرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيت فاطمةعليها‌السلام فسمع الحسينعليه‌السلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

(أقول) : لم يستطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمع بكاء الحسينعليه‌السلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ، وقد قطع الجمّال يديه!.

١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم علي؟ :

(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)

في (تظلّم الزهراء) عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

باطلة ؛ لأنّ مَنْ بالبصرة لا يلزمه الحضور ببغداد في الخصومات ، والكفيل فرع المكفول ببدنه ، فإذا لم يجب عليه الحضور ، لا يمكن إيجاب الإحضار على الكفيل(١) .

وهو حسن.

مسألة ٥٧٠ : كلّ مَنْ يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع تجوز كفالته‌ ، فتصحّ كفالة مَن ادّعى عليه وإن لم تقم البيّنة عليه بالدَّيْن وإن جحد ؛ لاستحقاق الحضور عليه.

والأصل فيه : أنّ المنكر يجب عليه فصل الخصومة ، فإذا رضي بتأخيرها ، صحّت الكفالة عليه وإن كانت الكفالة في نفسها ليست لازمةً إذا طلب الفصل في الحال.

وأمّا كفالة الحقّ فالحقّ الذي يُدّعى على المكفول ببدنه إن ثبت بإقراره أو بالبيّنة ، فلا خلاف في صحّة الكفالة ببدنه.

وإن(٢) لم يثبت لكن ادّعى المدّعي عليه ، فإن لم ينكر ولم يصدِّق بل سكت ، صحّت الكفالة أيضاً.

وإن أنكر ، صحّت الكفالة أيضاً ؛ لأنّ الحضور مستحقّ(٣) عليه ، فجاز [ التزام ](٤) إحضاره ، ومعظم الكفالات إنّما تتّفق قبل ثبوت الحقوق ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : البطلان ؛ لأنّ الأصل براءة ذمّة المكفول ، وقد تأيّد ذلك بصريح الإنكار ، والكفالة ببدن مَنْ لا حقّ عليه باطلة(٥)

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧.

(٢) في « ث ، ر » : « فإن ».

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يستحقّ ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إلزام ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧.

٤٠١

والأوّل أقوى.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفالة وإن صحّت لكن ليس للمدّعي قبل ثبوت دعواه إلزام الغريم بكفيلٍ على الحضور ، كما ليس له إلزامه بكفيلٍ على المال ، لكن لو كفله شخص على الحضور قبل ثبوت الدعوى ، صحّ.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الكفالة تصحّ ببدن الغائب والمحبوس وإن تعذّر تحصيل الغرض في الحال ، كما يجوز من المعسر ضمان المال ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا تجوز(٢) .

وتصحّ كفالة مَنْ يُدّعى(٣) عليه الكفالة ، وكذا مَنْ يُدّعى عليه القصاص والحدّ ؛ لأنّ الحدّ وإن لم تصحّ الكفالة عليه فإنّه تصحّ الكفالة ببدن مَنْ يُدّعى عليه الحدّ ؛ لوجوب حضوره عند الحاكم ليثبت المدّعي عليه حقّه بالبيّنة أو الإقرار.

مسألة ٥٧١ : إذا عيّن الكفيل في كفالته مكانَ التسليم ، تعيّن ، ولم يجب عليه تسليمه في غير ذلك المكان‌ ، سواء كان أرفق له أو لا.

ولو طلب ذلك المكفولُ له ، لم تجب له إجابته.

وإن أطلق ، فالأقرب : وجوب تسليمه في موضع العقد ؛ لأنّه المفهوم عند الإطلاق.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ فيه قولين ، كما لو أطلق السَّلَم ولم يعيّن‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « ادّعي » بدل « يدّعى ».

٤٠٢

مكان التسليم(١) .

وقال الجويني : يُحمل على مكان الكفالة ، ولا يجي‌ء فيه ذلك الخلاف(٢) .

وعلى كلّ تقدير فالأقوى جواز الإطلاق ، وحمله على مكان العقد ، وقد بيّنّا أنّه إذا عيّن المكان أو أطلق وحملنا الإطلاق على موضع العقد فأحضره في غيره ، لم يلزمه تسلّمه ، سواء كان عليه مئونة أو مشقّة في حمله إلى المعيّن أو لا.

وقال الشافعي : إن كان عليه مؤونة أو مشقّة في حمله إلى الموضع الذي عيّنه ، لم يلزمه تسلّمه ، وإن لم يكن عليه في ذلك ضرر ، لزمه قبوله(٣) .

وحكى أبو العباس ابن سريج فيه وجهين(٤) .

والحقّ ما قلناه من أنّه لا يبرأ بالتسليم في غير المعيّن ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٥) .

وقال بعض العامّة : إن أحضره بمكانٍ آخَر من البلد وسلّمه ، برئ من الكفالة(٦) .

وقال بعضهم : متى أحضره في أيّ مكانٍ كان وفي ذلك الموضع‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٨٠.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٨١.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١٦٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٢ ، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٥٧ ، المغني ٥ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٣.

(٦) المغني ٥ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٣.

٤٠٣

سلطان ، برئ من الكفالة ؛ لكونه لا يمكنه الامتناع من مجلس الحكم ، ويمكن إثبات الحجّة فيه(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه سلّم ما شرط تسليمه في مكانٍ في غير ذلك المكان ، فلم يبرأ بهذا التسليم ، كما لو أحضر المُسْلَم فيه في غير المكان المشترط. ولأنّه قد سلّمه في موضعٍ لا يقدر على إثبات الحجّة فيه إمّا لغيبة شهوده ، أو لعدم(٢) معرفة الحاكم وأهل بلده بحالهم(٣) أو غير ذلك ، وقد يهرب منه ولا يقدر على إمساكه.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفيل إذا أتى بالمكفول [ به ] في غير الموضع ، لم يلزم المكفول له قبوله ، لكن يجوز له قبوله ، وله أن يمتنع وإن لم يكن له غرض ، خلافاً للشافعي(٤) ، كما تقدّم ، أو كان(٥) بأن كان قد عيّن مجلس الحكم أو بقعة يجد فيها مَنْ يعينه على خصمه.

مسألة ٥٧٢ : إذا دفع الكفيلُ المكفولَ ببدنه إلى المكفول له من غير حائلٍ من يد سلطان أو شبهه ، بل تسليماً تامّاً ، لزمه قبوله‌ ، أو إبراء ذمّة الكفيل من الكفالة ، فإن امتنع ، دَفَعه إلى الحاكم وسلّمه إليه ليبرأ. وإن لم يجد حاكماً ، أشهد عَدْلين بإحضاره إلى المكفول له وامتناع المكفول له.

والأقوى : أنّه يكفي الإشهاد على الامتناع ، وأنّه سلّمه إليه فلم يتسلّمه ، ولا يجب دفعه إلى الحاكم ؛ لأنّ مع وجود صاحب الحقّ لا يلزمه دَفْعه إلى مَنْ ينوب عنه من حاكمٍ أو غيره.

____________________

(١) المغني ٥ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٣.

(٢) في « ث ، ج » : « عدم ».

(٣) أي : حال الشهود.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٩.

(٥) أي : كان له غرض.

٤٠٤

وللشافعيّة القولان(١) .

ويبرأ الكفيل بتسليم المكفول [ به ] في المكان الذي وجب التسليم فيه ، سواء طلبه المستحقّ أو لم يطلبه بل أتاه به ، بشرط أن لا يكون هناك حائل من يد سلطانٍ ومتغلّبٍ وحبسٍ بغير حقٍّ لينتفع بتسليمه ويطالب الخصم.

ولو كان المكفول [ به ] محبوساً في حبس ظالمٍ ، لم يكن له أن يسلّمه إليه محبوساً ، ولا يبرأ بذلك ، ولا يلزمه أن يتسلّمه محبوساً ؛ لأنّ ذلك الحبس يمنعه من استيفاء حقّه(٢) .

وإن كان محبوساً عند الحاكم فسلّمه إليه محبوساً ، لزمه تسلّمه ، وبرئ الكفيل من الكفالة ؛ لأنّ حبس الحاكم لا يمنعه من استيفاء حقّه ، لإمكان إحضاره ومطالبته بالحقّ ، فإذا طالَب الحاكم بإحضاره ، أحضره بمجلسه ، وحَكَم بينهما ، فإذا فرغت الحكومة ، ردّه إلى الحبس بالحقّ الأوّل.

وإن توجّه عليه حقّ المكفول له ، حَبَسه بالحقّ الأوّل وحقّ المكفول له ، ومن أيّهما خلص بقي محبوساً على الآخَر.

فروع :

أ - لو ارتدّ المكفول به ولحق بدار الحرب ، لزم الكفيل إحضاره إن تمكّن منه ، وإلّا فلا‌. وكذا المحبوس عند غير الحاكم.

ب - لا يُشترط تسليم المكفول به من الكفيل في براءة ذمّة الكفيل‌ ،

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٩.

(٢) في « ث ، خ ، ر » والطبعة الحجريّة : « من الاستيفاء بحقّه ».

٤٠٥

بل لو جاء المكفول به وسلّم نفسه إلى المكفول له تسليماً تامّاً ، برئ الكفيل من الكفالة ؛ لأنّ القصد ردّه إلى المكفول له ، فلا فرق بين حصوله في يده بالكفيل أو بغيره نائباً عنه.

ج - لو أخذ المكفولُ له المكفولَ به إمّا طوعاً أو كرهاً وأحضره مجلس الحكم‌ ، برئ الكفيل من الكفالة ؛ لما تقدّم.

د - لو حضر المكفول به وقال : سلّمت نفسي إليك عن جهة الكفيل ، برئ الكفيل‌ ، كما يبرأ الضامنُ بأداء الأصيل الدَّيْنَ.

ولو لم يُسلّمه نَفْسَه عن جهة الكفيل ، لم(١) يبرأ الكفيل ؛ لأنّه لم يسلّمه إليه ولا أحد من جهته ، حتى قال بعض الشافعيّة : لو ظفر به المكفول له في مجلس الحكم وادّعى عليه ، لم يبرأ الكفيل(٢) .

وليس بجيّد ، والوجه : ما قلناه أوّلاً.

ه- لو سلّمه أجنبيّ لا عن جهة الكفيل ، لم يبرأ الكفيل.

ولو(٣) سلّمه عن جهة الكفيل ، فإن كان بإذنه ، فهو كما لو سلّمه بنفسه ؛ إذ لا تُشترط المباشرة. وإن كان بغير إذنه ، لم يجب على المكفول له القبولُ ؛ إذ لا يجب عليه قبض الحقّ إلاّ ممّن عليه. لكن لو قَبِل ، برئ الكفيل.

مسألة ٥٧٣ : لو تكفّل واحد ببدن رجلٍ لاثنين فسلّمه(٤) إلى أحدهما ، لم يبرأ من كفالة الآخَر‌ ، فإنّ العقد مع اثنين بمنزلة العقدين ، فهو كما لو‌

____________________

(١) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « لا » بدل « لم ».

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٨ - ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٣ - ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٩.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « وإن » بدل « ولو ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فسلّم ». والظاهر ما أثبتناه.

٤٠٦

تكفّل لكلّ واحدٍ منهما به على الانفراد ، وكما لو ضمن دَيْنين لشخصين فأدّى دَيْن أحدهما ، لم يبرأ من دَيْن الآخَر.

ولو كفل رجلان برجلٍ لرجلٍ ، صحّت الكفالة ، كما يصحّ أن يضمن اثنان واحداً. فإن ردّه أحدهما إلى المكفول له ، فهل يبرأ الآخَر؟ الأقرب : البراءة ، كما لو أدّى الدَّيْنَ أحدُ الضمناء ، برئ الباقون ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّهما إن كفلا على الترتيب ، وقع تسليمه عن المُسلِّم دون صاحبه ، سواء قال : سلّمتُ عن صاحبي ، أم لم يقل(١) .

وإن كفلا معاً ، فوجهان.

قال المزني : يبرأ المسلِّم والآخَر أيضاً ، كالضامنين إذا أدّى أحدهما.

وقال ابن سريج والأكثر : لا يبرأ ، كما لو كان بالدَّيْن رهنان فانفكّ أحدهما ، لا ينفكّ الآخَر ، بخلاف ما إذا أدّى أحد الضامنين الدَّيْنَ ، فإنّه يوجب براءة الأصيل ، وإذا برئ الأصيل برئ كلّ ضامنٍ ، وهنا سقطت الوثيقة عن أحدهما مع بقاء الحقّ(٢) .

ولو كفل اثنان بواحدٍ وكفل كلٌّ من الكفيلين ببدن صاحبه ، صحّت الكفالات كلّها ؛ لأنّ كلّ مكفولٍ هنا عليه حقٌّ. فعلى ما قلناه إذا أحضر أحدُهما المكفولَ به وسلّمه ، يبرأ كلّ واحدٍ منهما عن كفالة صاحبه وكفالة الذي كفلا به.

وعلى قول ابن سريج وجهان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٩ - ٤٩٠.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٠.

٤٠٧

أحدهما : يبرأ الأصيل والكفيل.

والثاني : أنّ الذي أحضره تسقط كفالته بالمكفول به ، وتسقط عن الآخَر كفالته بالكفيل الذي أحضره ، وبقي عليه وجوب إحضار المكفول به(١) .

مسألة ٥٧٤ : يصحّ ترامي الكفالات‌ ، فلو تكفّل رجل ببدن مَنْ عليه الحقُّ ثمّ تكفّل آخَر ببدن الكفيل وتكفّل ثالثٌ ببدن الكفيل الثاني ، جاز ، كالضمان يصحّ أن يضمن الضامن الحقَّ ويضمن ثانٍ عن الضامن ويضمن عن ضامن الضامن ضامنٌ آخَر ، وهكذا.

فإذا أحضر الكفيلُ الأوّل مَنْ عليه الحقُّ ، برئ وبرئ الكفيلان الآخَران ؛ لأنّهما فرعاه.

وإن أحضر الكفيل الثاني الكفيلَ الأوّل ، برئ وبرئ الثالث ؛ لأنّه فرعه ، ولم يبرأ الأوّل ولا مَنْ عليه الحقُّ.

فإن مات مَنْ عليه الحقُّ ، فعندنا وعند الشافعي(٢) يبرأ الكفلاء الثلاثة ، ولا شي‌ء عليهم.

وإن مات الكفيل الأوّل ، برئ الكفيلان الآخَران.

وإن مات الثاني ، برئ الثالث ، دون الأوّل.

وإن مات الثالث ، لم يبرأ الأوّلان.

مسألة ٥٧٥ : إذا مات المكفول به ، بطلت الكفالة ، ولم يلزم الكفيل شي‌ء‌ ، عند علمائنا - وبه قال شريح والشعبي وحمّاد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والشافعي وأحمد(٣) - لأنّه تكفّل ببدنه على أن يُحضره ، وقد‌

____________________

(١) لاحظ : العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٩٠.

(٢) في « ث » : « الشافعيّة ». ولاحظ الهامش التالي.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٥ ، المغني ٥ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٤.

٤٠٨

سقط الحضور عن المكفول [ به ] فيبرأ الكفيل ، كما لو برئ من الدَّيْن. ولأنّ ما التزم به من أجله يسقط عن الأصل(١) فيبرأ الفرع ، كالضامن إذا قضى المضمون عنه الدَّيْنَ أو أُبرئ منه عندهم(٢) . ولأنّه تكفّل ببدنه ، فلا يلزمه ما في ذمّته ، كما لو غاب غيبةً منقطعة. ولأنّه لا يلزمه بذل نفسه فما في ذمّته أولى.

وقال مالك والحكم والليث : يجب على الكفيل المال الذي كان في ذمّته - وبه قال ابن سريج من الشافعيّة - لأنّ الكفيل وثيقة على الحقّ ، فإذا تعذّر استيفاء الحقّ ممّن هو عليه ، استوفي من الوثيقة كالرهن(٣) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الرهن تعلّق بالمال ، فاستوفى منه.

وقال بعض الشافعيّة : لا تبطل الكفالة ، ولا ينقطع طلب الإحضار عن الكفيل - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة عندهم - بل عليه إحضاره ما لم يُدفن - وقلنا بتحريم النبش لأخذ المال - إذا أراد المكفول له إقامة الشهادة على صورته ، كما لو تكفّل ابتداءً ببدن الميّت(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الكفالة على الإحضار إنّما يُفهم منها إحضاره حالَ الحياة ، وهو المتعارف بين الناس والذي يخطر بالبال ، فيُحمل الإطلاق عليه.

وعلى قول ابن سريج ومالك هل يطالَب بالدَّيْن أو بالأقلّ من الدَّيْن‌

____________________

(١) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الأصيل ».

(٢) المغني ٥ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٤.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١ ، المغني ٥ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١.

٤٠٩

ودية المقتول؟ وجهان مبنيّان على القولين في أنّ السيّد يفدي العبد الجاني بالأرش أو بالأقلّ من الأرش وقيمة العبد؟(١) .

البحث الثالث : في الأحكام.

مسألة ٥٧٦ : إذا كانت الكفالة حالّةً أو مؤجَّلةً وحلّ أجلها ، فإن كان المكفول به حاضراً ، وجب على الكفيل إحضاره‌ إذا طلبه المكفول له ، فإن أحضره ، وإلّا حُبس. وإن كان غائباً فإن كان موضعه معلوماً يمكنه ردّه منه ، أُمهل الكفيل بقدر ذهابه ومجيئه ، فإذا مضى قدر ذلك ولم يأت به من غير عذرٍ ، حُبس ، ولا يُحبس في الحال ، وبه قال عامّة أهل العلم.

وقال ابن شبرمة : يُحبس في الحال ؛ لأنّ الحقّ قد توجّه عليه(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ الحقّ وإن كان قد حلّ فإنّه يُعتبر فيه إمكان التسليم ، وإنّما يجب عليه إحضار الغائب عند إمكان ذلك.

وإن كان غائباً غيبةً منقطعة - والمراد منها أن لا يُعرف موضعه وينقطع خبره - لم يكلَّف الكفيل إحضاره ؛ لعدم الإمكان ، ولا شي‌ء عليه ؛ لأنّه لم يكفل المال ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أحمد : يجب عليه المال(٤) ، مع أنّه قال : إذا مات المكفول برئ الكفيل ، ولا شي‌ء عليه(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٨٠ ، المغني ٥ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٠.

(٤) المغني ٥ : ٩٨ - ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٥) المغني ٥ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٤.

٤١٠

فروع :

أ - لو عرف موضعه ، فقد بيّنّا أنّه يجب عليه إحضاره‌ ، سواء كان على أزيد من مسافة القصر أو أنقص.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان دون مسافة القصر ، فعليه إحضاره ويُمهَل مدّة الذهاب والإياب ليتبعه. وإن كان على مسافة القصر ، فوجهان :

أظهرهما عندهم : أنّه كما لو كان دون مسافة القصر ، كما لو كان المديون غائباً إلى هذه المسافة ، يؤمر بإحضاره.

والثاني : أنّه لا يُطالَب بإحضاره ، إلحاقاً لهذه الغيبة بالغيبة المنقطعة ، كما لو غاب [ الولي ](١) أو شاهدا(٢) الأصل إلى مسافة القصر ، يكون كما لو غاب غيبةً منقطعة(٣) .

ب - لو كان غائباً حين كفل‌ ، فالحكم في إحضاره كما لو غاب بعد الكفالة.

ج - لو كانت الكفالة مؤجَّلةً ، لم يكن للمكفول له مطالبة الكفيل بالإحضار قبل الأجل‌ ، سواء كان عليه مئونة في التقديم أو لا.

ولو دَفَعه قبل الأجل ، لم يجب على المكفول له أخذه ، سواء كان عليه ضرر في أخذه ، أو انتفى الضرر.

وقال بعض العامّة : إذا انتفى الضرر ، وجب عليه أخذه(٤) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المولى ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « شاهد ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٠.

(٤) المغني ٥ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٣ - ١٠٤.

٤١١

وليس بمعتمد.

د - لو فرّط الكفيل في تحصيله بأن طالَبه المكفول له بإحضاره وكان متمكّناً منه‌

فهرّبه أو ماطَل بإحضاره حتى غاب غيبةً منقطعة ولم يُعرف له خبر ، فإن أوجبنا المال ، وجب هنا ، وإلّا فإشكال.

مسألة ٥٧٧ : قال الشيخرحمه‌الله : ومَنْ ضمن لغيره نفسَ إنسان إلى أجلٍ معلوم بشرط ضمان النفس ثمّ لم يأت به عند الأجل ، كان للمضمون له حبسه حتى يُحضِر المضمونَ‌ ، أو يخرج إليه ممّا عليه(١) .

وهذا يقتضي وجوب أحد الأمرين على الكفيل : الإحضار ، أو الأداء.

فإن طلب المكفول له الإحضار لا غير ، فالأقرب عندي : إلزامه به ؛ لأنّه قد يكون له غرض لا يتعلّق بالأداء ، وقد يرغب المكفول له في القبض من غير الغريم.

وعلى ظاهر كلام الشيخ يبرأ الكفيل بأداء المال.

إذا عرفت هذا ، فإذا أدّى الكفيل المالَ فإن كان قد كفل بإذنه أو أدّى بإذنه ، كان له الرجوع عليه ، بخلاف ما قلنا في الضمان : إنّه لو ضمن متبرّعاً وأدّى بالإذن ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّ الكفالة ليست بالمال ، فيكون حكمه حكمَ الأجنبيّ إذا أدّى بإذن مَنْ عليه الدَّيْنُ ، كان له الرجوع - على ما تقدّم - إن شرط الرجوع ، أو مطلقاً على الخلاف.

وإنّما أوجبنا الرجوع هنا فيما إذا كفل بإذنه ؛ لأنّ الإذن في الكفالة إذنٌ في لوازمها ، ومن لوازمها الأداء مع عدم الإحضار.

إذا ثبت هذا ، فإن تمكّن من الإحضار وأدّى المال من غير حبسٍ أو‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٥.

٤١٢

معه ، فالأقرب : أنّه لا يرجع وإن كفل بإذنه ؛ لأنّ الواجب في الكفالة الإحضار مع المكنة ، وقد أمكنه الإحضار ، فيكون في أداء المال متبرّعاً.

مسألة ٥٧٨ : قد بيّنّا أنّه لا يُعتبر رضا المكفول به عندنا ، وهو أحد قولَي الشافعي. وفي الثاني : يشترط‌(١) .

وإذا كفل بإذن المكفول به فأراد الكفيل إحضاره إمّا لطلب المكفول له أو ابتداءً ليخرج عن العهدة ، فعليه الإجابة ، ومئونة الإحضار على الكفيل.

وإن كفل بغير إذنه عندنا أو على قوله بالصحّة فطالَبه المكفول له بالإحضار ، فللكفيل مطالبته بالحضور على جهة التوكيل من المضمون له.

ولو قال : أُخرج من حقّي ، للشافعيّة وجهان :

أحدهما : قال ابن سريج : لم يكن له مطالبة المكفول به بالإحضار ، كما لو ضمن بغير إذنه مالاً وطالَب المضمون له الضامنَ ، فإنّه لا يطالب الأصيل.

والثاني : نعم ؛ لتضمّنه التوكيلَ في الإحضار(٢) .

مسألة ٥٧٩ : لو مات المكفول له ، انتقل حقّه من الكفالة إلى ورثته ، وتكون الكفالة باقيةً ، وتقوم ورثته مقامه ، كما لو ضمن له المال ، وهو أظهر وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّ الكفالة تنقطع ؛ لأنّها ضعيفة ، فلا يُحكم بتوريثها.

والثالث : إن كان له وصيٌّ أو عليه دَيْنٌ ، بقيت الكفالة ؛ لأنّ الوصيّ نائبه ، وتمسّ حاجته إلى قضاء الدَّيْن ، فإن لم يكن وصيٌّ ولا دَيْنٌ ، انقطعت الكفالة(٣) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٩٣ ، الهامش ( ٢ و ٥ ).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٩٤ ، الهامش (١)

(٣) الوسيط ٣ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

٤١٣

والصحيح عندنا : الأوّل ؛ لأنّه حقٌّ للميّت ، فانتقل عنه إلى ورثته ، كغيره من الحقوق.

ونمنع ضعفها. سلّمنا ، لكن تُنتقل إلى الوارث ضعيفةً.

والثالث لا وجه له ؛ لأنّ الكفالة إمّا أن تورث وتكون حقّاً متروكاً للميّت ، أو لا ، فإن كانت ، وُرثت على التقديرين. وإن لم تكن ، لم يُصيّرها الدَّيْن والوصيّ حقّاً موروثاً.

مسألة ٥٨٠ : إذا تكفّل برجلٍ إلى أجلٍ إن جاء به ، وإلّا لزمه ما عليه ، فإن قدّم كفالة النفس بأن قال : إن لم أُحضره كان علَيَّ كذا ، لم يلزمه إلّا الإحضار ، عند علمائنا ؛ لأنّ الضمان لا يقبل التعليق بخطر ، فإنّه لا يصحّ لو علّقه بقدوم زيدٍ ، فلهذا بطل ضمان المال ، ووجب عليه الإحضار بالكفالة ، ولا يضرّ ضميمة الضمان الباطل ؛ لأنّه قصد بالضمان تأكيد الحجّة عليه بالإحضار وتقوية حقّ الإحضار عليه.

وإن قدّم ضمانَ المال ، فقال : علَيَّ كذا إلى كذا إن لم أُحضره ، ولم يُحضره ، وجب عليه ما ذكره من المال ؛ لما رواه الخاصّة عن أبي العباس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهماً ، قال : « إن جاء به إلى أجلٍ فليس عليه مال ، وهو كفيل بنفسه أبداً إلّا أن يبدأ بالدراهم ، فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت [ به ] إلى الأجل الذي أجّله »(١) .

وعن أبي العباس أيضاً عن الصادقعليه‌السلام : رجل كفل لرجلٍ بنفس رجلٍ ، فقال : إن جئتُ به وإلّا فعلَيَّ خمسمائة درهم ، قال : « عليه نفسه ،

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٩ - ٢١٠ / ٤٨٨ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤١٤

ولا شي‌ء عليه من الدراهم » فإن قال : علَيّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه ، فقال : « تلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشافعي ومحمّد بن الحسن قالا : إذا تكفّل برجلٍ إلى أجلٍ إن جاء به فيه وإلّا لزمه ما عليه ، لا تصحّ الكفالة ، ولا يلزمه ما عليه. وكذا لو قال : متى لم أُحضره كان علَيَّ كذا وكذا ؛ لأنّ هذا خطر ، ولا يجوز تعليق الضمان به ، كما لو قال : إن جاء المطر فأنا ضامن ، لم يصح(٢) .

وقال أبو يوسف وأبو حنيفة وأحمد : تصحّ الكفالة ، فإن جاء به في الوقت وإلّا لزمه ما عليه ؛ لأنّ هذا موجَب الكفالة ومقتضاها ، فصحّ اشتراطه ، كما لو قال : إن جئتُ به في وقت كذا وإلّا فلك حبسي(٣) .

ولا بأس به عندي.

أمّا لو قال : إن جئتُ به في وقت كذا وإلّا فأنا كفيل ببدن فلان ، أو : فأنا ضامن ما لك على فلان ، أو قال : إذا جاء زيد فأنا ضامن ما عليه ، أو : إذا قدم الحاج فأنا كفيل فلان ، أو قال : أنا كفيل بهذا شهراً ، على إشكالٍ في الأخير ، لم تصح الكفالة - وبه قال الشافعي ومحمّد بن الحسن(٤) - لأنّ الضمان خطر ، فلا يجوز تعليقه على شرطٍ ، كالهبة.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : فتصحّ ؛ لأنّه أضاف الضمان إلى سبب‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٩ ، حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، المغني ٥ : ١٠٠ - ١٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠١.

٤١٥

الوجوب ، فتصحّ ، كضمان الدرك(١) .

وقال بعض العامّة : إذا قال : كفلتُ بفلان إن جئتُ به في وقت كذا وإلّا فأنا كفيل بفلان ، أو ضامنٌ المالَ الذي على فلان ، يصحّ(٢) .

والحقّ : البطلان ؛ لأنّ الأوّل موقوف ، والثاني معلَّق على شرط.

مسألة ٥٨١ : لو قال : كفلتُ ببدن فلان على أن يبرأ فلان الكفيل ، أو على أن تبرئه من الكفالة ، فالأقوى عندي : الصحّة‌ ؛ عملاً بقوله تعالى :

( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) وبقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٤) وهذا شرط تمسّ الحاجة إليه ، ولا وجه لفساده ؛ لأنّه شرط تحوّل الوثيقة التي على الكفيل إليه.

وقالت الشافعيّة : لا تصحّ الكفالة ؛ لأنّه شرط فيها شرطاً لا يلزمه الوفاء به ، فيكون فاسداً ، فتفسد به الكفالة(٥) .

ونمنع من عدم لزومه مع الشرط.

وقال ابن سريج كما قلناه ؛ لأنّه طلب تحويل الحقّ في الكفالة إليه(٦) .

فعلى هذا لا تلزمه الكفالة إلاّ أن يُبرئ المكفول له الكفيلَ الأوّل من‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٢) المغني ٥ : ١٠١ - ١٠٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ - ٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٠ - ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦ ، ولاحظ : المغني ٥ : ١٠٢ ، والشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ - ٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

٤١٦

الكفالة ؛ لأنّه إنّما كفل بهذا الشرط ، فلا تثبت كفالته بدون شرطه.

ولو قال : كفلتُ لك بهذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلان ، أو : ضمنتُ لك هذا الدَّيْن بشرط أن تُبرئني من ضمان الدَّيْن الآخَر ، أو : على أن تُبرئني من الكفالة بفلان ، خرج فيه الوجهان.

والأولى عندي : الصحّة.

وقال بعض العامّة : لا تصحّ ؛ لأنّه شرط فسخ عقدٍ في عقدٍ ، فلم تصح ، كالبيع بشرط فسخ بيعٍ آخَر(١) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل.

ولو شرط في الكفالة أو الضمان أن يتكفّل المكفول له أو المكفول به بآخَر أو يضمن دَيْناً عنه أو يبيعه شيئاً أو يؤجره داره ، فالأقرب : الصحّة ، خلافاً لبعض العامّة(٢) .

مسألة ٥٨٢ : تصحّ الكفالة ببدن المحبوس والغائب‌ ؛ لأنّ كلّ وثيقة صحّت مع الحضور صحّت مع الغيبة والحبس ، كالرهن والضمان. ولأنّ الحبس لا يمنع من التسليم ؛ لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم أو أمر مَنْ حَبَسه ثمّ يعيده إلى الحبس بالحقّين جميعاً ، والغائب يمضي إليه فيُحضره إن كانت الغيبة غيرَ منقطعة. وإن لم يعلم خبره ، لزمه ما عليه عند بعض العامّة(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تصحّ(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

(٣) المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

٤١٧

مسألة ٥٨٣ : إذا دفع الكفيلُ المكفولَ به إلى المكفول له في وقته ومكانه وسلّمه تسليماً تامّاً ، برئ من الكفالة عند أكثر أهل العلم‌؛ لأنّه عقد على عملٍ ، فيبرأ منه بعمل المعقود عليه ، كالإجارة(١) .

وقال ابن أبي موسى : لا يبرأ حتى يقول : قد برئت يدي منه ، أو : قد سلّمتُه إليك ، أو : قد أخرجتُ نفسي من كفالته(٢) .

وإذا أبرأ المكفول له الكفيلَ من الكفالة أو اعترف بذلك بأن يقول : أبرأتُه ، أو : برئ إليَّ ، أو : ردّ إليَّ المكفول به ، برئ من الكفالة ، وإذا أُبرئ الكفيل ، لم يبرأ المكفول به من الدَّيْن ، بخلاف الضمان.

ولو أُبرئ المكفول به من الحقّ الذي كفل الكفيل عليه ، برئ الكفيل أيضاً.

ولو ادّعى الكفيل أنّ المكفول به برئ من الحقّ وأنّ الكفالة سقطت عنه ، وأنكر ذلك المكفولُ له ، فالقول قوله مع يمينه إذا لم تكن للكفيل بيّنة ، فإذا حلف برئ من دعوى الكفيل ، فإن جاء المكفول به فادّعى الإبراء ، لم يكتف باليمين التي حلفها للكفيل ، بل كان عليه يمينٌ أُخرى.

ولو نكل في دعوى الكفيل ، حلف الكفيل ، وبرئ من الكفالة ، ولا يبرأ المكفول به من الحقّ ؛ لأنّه لا يجوز أن يبرأ بيمين غيره.

ولو نكل عن يمين المكفول به ، حلف المكفول به ، وبرئ هو والكفيل وإن كان قد حلف على عدم الإبراء له.

ولو قال : تكفّلتُ لك به ولا حقّ لك عليه ، أو ضمنتُ ما عليه ولا شي‌ء عليه ، فالقول قول المكفول له ؛ لأنّ الظاهر صحّة الكفالة والضمان.

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

٤١٨

وهل يحلف؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : لا يحلف ؛ لأنّ دعوى الكفيل تخالف ظاهر قوله.

والثاني : يحلف ؛ لأنّ ما يدّعيه ممكن(١) .

فإن حلف ، فلا كلام. وإن نكل ، رددنا اليمين على الكفيل ؛ لجواز أن يعلم أنّه لا حقّ له عليه بقول المكفول له : إنّه لا حقّ لي عليه.

فإن قال : تكفّلتُ به بشرط الخيار ، لم يُقبل منه في قوله : « بشرط الخيار » وحُكم عليه بالكفالة ، سواء قلنا : إنّه يدخلها الخيار أو لا ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : يسقط إقراره(٢) .

والأصل فيه أنّه إذا عقّب إقراره بما يُبطله ، هل يبطل الإقرار أو المُبطل؟

ولو قال رجل لآخَر : إنّ فلاناً يلازم فلاناً ويضايقه على حقّه فاذهب وتكفّل به ، ففَعَل ، كانت الكفالة لازمةً للمباشر دون الآمر ؛ لأنّ المباشر فَعَل باختياره ، والأمر بذلك حثّ وإرشاد.

مسألة ٥٨٤ : مَنْ خلّى غريماً من يد صاحبه قهراً وإجباراً ، ضمن إحضاره‌ أو أداء ما عليه ؛ لأنّه غصب اليد المستولية المستحقّة من صاحبها ، فكان عليه إعادتها أو أداء الحقّ الذي بسببه تثبت اليد عليه.

ولو خلّى قاتلاً من يد الوليّ ، لزمه إحضاره أو الدية وإن كان القتل عمداً ، ولا نوجب عليه عين حقّ القصاص ؛ إذ لا يجب إلّا على المباشر ، فلمّا تعذّر استيفاؤه وجبت الدية ، كما لو هرب القاتل عمداً أو مات ، فإن‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ - ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥ - ٤٩٦.

٤١٩

دفع الدية ثمّ حضر القاتل ، تسلّط الوارث على قتله ، ويدفع ما أخذه من المخلّص ؛ لأنّ الدية إنّما أخذها لمكان الحيلولة وقد زالت.

وإن لم يقتل وتمكّن من استيفاء القصاص ، وجب دفع المال أيضاً إلى صاحبه ، ولا يتسلّط الكفيل لو رضي هو والوارث بالمدفوع بديةٍ ولا قصاص.

ولو تعذّر عليه استيفاء الحقّ من قصاصٍ أو مالٍ وأخذنا المال أو الدية من الكفيل ، كان للكفيل الرجوعُ على الغريم الذي خلّصه قصاصاً.

مسألة ٥٨٥ : إذا كفل بدن شخصٍ ادّعي عليه مال ثمّ قال الكفيل : لا حقّ لك عليه ، قُدّم قول المكفول له‌ ؛ لاستدعاء الكفالة ثبوت المال.

فإن تعذّر إحضاره ، فهل يجب عليه أداء المال من غير بيّنةٍ؟ إشكال أقربه : عدم الوجوب.

وإن أوجبناه فدفع المال ، لم يكن له الرجوعُ على المكفول به ؛ لأنّه اعترف ببراءة ذمّته وأنّه مظلوم في أخذ المال منه ، والمظلوم إنّما يرجع على مَنْ ظَلَمه.

مسألة ٥٨٦ : لو كان لذمّيٍّ على ذمّيٍّ خمرٌ وتكفّل به ذمّيٌّ آخَر ، فأسلم المكفول له أو المكفول عنه ، برئ الكفيل والمكفول عنه.

وقال أبو حنيفة : إذا أسلم المكفول عنه ، لم يبرأ واحد منهما ، ويلزمهما قيمة الخمر ؛ لأنّه كان واجباً ، ولم يوجد إسقاط ولا استيفاء ، ولا وُجد من المكفول له ما أسقط حقّه ، فبقي بحاله(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ المكفول به مسلم ، فلم يجب عليه الخمر ، كما لو كان مسلماً قبل الكفالة ، وإذا برئ المكفول به ، برئ كفيله ، كما لو أدّى الدَّيْن أو أُبرئ منه.

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ٢٤ ، اختلاف الفقهاء : ٢٦٩ ، المغني ٥ : ١٠٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510