تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 417645 / تحميل: 5437
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الشيخ محمد بن عبد الرحمن الخطاب شارح مختصر خليل قال:

مشينا مع شيخنا العارف بالله الشيخ عبد المعطي التنوسي لزيارة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلما قربنا من الروضة الشريفة ترجّلنا، فجعل الشيخ عبد المعطي يمشي خطوات ويقف، حتى وقف تجاه القبر الشريف، فتكلّم بكلامٍ لم نفهمه، فلمـّا انصرفنا سألناه عن وقفاته فقال: كنت أطلب الإذن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القدوم عليه، فإذا قال لي: أقدم، قدمت ساعةً ثم وقفت، وهكذا حتى وصلت إليه. فقلت:

يا رسول الله، كلّما رواه البخاري عنك صحيح؟

فقال: صحيح.

فقلت له: أرويه عنك يا رسول الله؟

قال: إروه عنّي.

وقد أجاز الشيخ عبد المعطي - نفعنا الله تعالى به - الشيخ محمد الخطّاب أنْ يرويه عنه. وهكذا كلّ واحد أجاز من بعده، حتى وصلت إلينا من فضل الله تعالى وكرمه.

وأجازني السيد أحمد بن عبد القادر النخلي أن نرويه عنه بهذا السند.

وأجاز النخلي لأبي طاهر، وأجاز أبو طاهر لنا.

ووجدت هذا الحديث بخط الشيخ عبد الحق الدهلوي بإسناد له عن الشيخ عبد المعطي بمعناه، وفيه: فلما فرغ من الزيارة وما يتعلّق بها، سأل أن يروي عنه صلّى الله عليه وسلّم صحيح البخاري وصحيح مسلم، فسمع الإجازة من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فذكر صحيح مسلم أيضاً ».

١٨١

١٨٢

وضع حديث

المنزلة للشيخين

١٨٣

١٨٤

وجاء بعض المتعصّبين للشيخين وضحّى بدينه وآخرته في سبيل الحماية عنهما بوضع حديث المنزلة في حقّهما

ذاك حديثٌ رواه الخطيب البغدادي، وذكره المنّاوي عنه بقوله:

« أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى. خط »(١) .

ذكره ابن الجوزي في الواهيات

لكن لمـّا كان « الحق يعلو ولا يعلى عليه » نرى أنّ ابن الجوزي - الذي طالما تمسّك بكلماته ابن تيمية وابن روزبهان والكابلي وحتى ( الدهلوي ) نفسه - يورده في كتابه في الأحاديث الواهية قال السّيوطي: « أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى. الخطيب. وابن الجوزي في الواهيات »(٢) .

ثم إذا راجعنا كتاب ابن الجوزي المذكور وجدنا فيه ما يلي:

« أنا أبو منصور القزاز قال: أنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز الطاهري قال: أنا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر قال: نا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري قال: نا بشر بن دحية قال: نا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال المؤلف: هذا حديث لا يصح، والمتهم به الشاعر، وقد قال أبو حاتم:

____________________

(١). كنوز الحقائق - حرف الألف، ط على هامش الجامع الصغير.

(٢). جمع الجوامع ٢ / ١٨٢.

١٨٥

لا يحتجّ بقزعة بن سويد، وقال أحمد: هو مضطرب الحديث »(١) .

قال الذهبي: كذب، منكر

وقد أورد الذهبي هذه الفرية بترجمة ( قزعة بن سويد ) الذي نقل ابن الجوزي القدح فيه عن أبي حاتم وأحمد، فأضاف إليه الذهبي قدح البخاري والنسائي وغيرهما، وهذه عبارته:

« قزعة بن سويد بن حجير الباهلي البصري، عن أبيه وابن المنكدر وابن أبي مليكة، وعنه: قتيبة ومسدّد وجماعة. قال البخاري: ليس بذاك القوي، ولابن معين في قزعة قولان فوثّقه مرة وضعّفه أخرى، وقال أحمد مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال س: ضعيف، ومشّاه ابن عدي.

وله حديث منكر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس مرفوعاً: لو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً ولكنّ الله اتّخذ صاحبكم خليلاً. أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى. رواه غير واحد عن قزعة »(٢) .

ولا يخفى أنّ ما ذكره الذهبي من القدح في « قزعة » إنّما هو كلمات بعض أساطينهم، فقد نقل ابن حجر العسقلاني القدح فيه عن أبي داود وعباس العنبري والعجلي، فهؤلاء كلّهم ضعّفوه بصراحة، وعن ابن حبّان: كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، والبزار: لم يكن بالقوي(٣) .

أمّا ابن حجر نفسه فحكم بضعفه بلا تردّد(٤) .

وذكر الذهبي هذا الحديث في موضع آخر وحكم بكذبه حيث قال:

____________________

(١). العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ١ / ١٩٩ رقم ٣١٢.

(٢). ميزان الإعتدال ٣ / ٣٨٩ رقم ٦٨٩٤.

(٣). تهذيب التهذيب ٨ / ٣٣٧ رقم ٦٦٨.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ١٢٦ رقم ١١٠.

١٨٦

« عمار بن هارون أبو ياسر المستملي، عن سلام بن مسكين وأبي المقدام هشام وجماعة، وعنه أبو يعلى والحسن بن سفيان. قال موسى بن هارون: متروك الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ كان يسرق الحديث، وقال محمد بن الضريس: سألت علي بن المديني عن هذا الشيخ فلم يرضه. ثم قال محمد: ثنا عمار حدثنا غندر بن الفضل ومحمد بن عنبسة، عن عبيد الله ابن أبي بكر، عن أنس مرفوعاً: بورك لُامّتي في بكورها.

إبن عدي: ثنا محمد بن نوح الجنديسابوري، ثنا جعفر بن محمد الناقد، ثنا عمار بن هارون المستملي، ثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس حديث: ما ينفعني مال ما ينفعني مال أبي بكر، وزاد فيه: وأبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى.

قلت: هذا كذب.

قال ابن عدي: ثناه ابن جرير الطبري، ثناه بشر بن دحية، ثنا قزعة نحوه.

قلت: ومن بشر؟

قال ابن عدي: قد حدّث به أيضاً مسلم بن إبراهيم عن قزعة.

قلت: وقزعة ليس بشيء»(١) .

وكذا في موضعٍ ثالث:

« علي بن الحسن بن علي الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري بخبر كذب هو المتّهم به، متنه: أبو بكر مني بمنزلة هارون من موسى »(٢) .

____________________

(١). ميزان الإعتدال ٣ / ١٧١ رقم ٦٠٠٩.

(٢). ميزان الإعتدال ٣ / ١٢٢ رقم ٥٨١٦.

١٨٧

قال ابن حجر: كذب، فرية

وتبع العسقلاني الذّهبي في الحكم بكذب هذا الحديث في أكثر من موضعٍ كذلك فقد قال:

« علي بن الحسن بن علي الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري بخبرٍ كذب هو المتّهم به، متنه: أبو بكر مني بمنزلة هارون من موسى، إنتهى.

ولا ذنب لهذا الرجل فيه كما ساُبيّنه. قال الخطيب في تاريخه: أنا علي بن عبد العزيز الظاهري، أنا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، ثنا أبو جعفر الطبري، ثنا بشر بن دحية، ثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس بهذا الحديث.

فشيخ الطبري ما عرفته، فيجوز أن يكون هو المفتري.

وقد قدّمت كلام المؤلف فيه في ترجمته، وأن ابن عدي أخرج الحديث المذكور بأتمّ من سياقه عن ابن جرير الطبري بسنده، فبرىء ابن الحسن من عهدته »(١) .

وقال أيضاً: « بشر بن دحية عن قزعة بن سويد، وعنه محمد بن جرير الطبري، ضعّفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان، فذكر عن ابن عدي أنه قال: حدّثنا محمد بن نوح، حدثنا جعفر بن محمد الناقد، حدثنا ابن هارون المستملي، أنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رفعه: ما نفعني مال ما نفعي مال أبي بكر، الحديث وفيه: وأبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال ابن عدي: وحدّثنا ابن جرير الطبري، حدثنا بشر بن دحية، حدّثنا قزعة، بنحوه.

____________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٢١٩ رقم ٥٧٥.

١٨٨

قال الذهبي: هذا كذب. وهو من بشر؟

قال: ثم قال ابن عدي: ورواه مسلم بن إبراهيم عن قزعة.

قال الذهبي: وقزعة ليس بشيء.

قلت: فبرىء بشر من عهدته(١) .

وسيأتي في ترجمة علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر أن المؤلف اتّهمه بروايته، وبرء من عهدته أيضاً ».

____________________

(١). لسان الميزان ٢ / ٢٣ رقم ٧٧.

١٨٩

١٩٠

نقض كلمات

الدهلوي حول الحديث

١٩١

١٩٢

قوله:

ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب.

أقول:

الحديث في الصحيحين عن سعد لا البراء

لا ينقضي العجب من هذا الرجل كيف يدعي التبحّر في علم الحديث وهو يعجز عن الرجوع إلى الصحيحين، لينقل الحديث عنهما مباشرة، وليفهم أن الحديث فيهما هو عن سعد بن أبي وقاص، لا عن البراء بن عازب

إن حديث المنزلة في الصحيحين من حديث سعد، وليس هو فيهما من حديث البراء، كما هو غير خاف على من رجع إليهما وألقى نظرةً فيهما

لكن ( الدهلوي ) تبع في هذا المقام - كما هو ديدنه - الكابليّ صاحب ( الصواقع ) وانتحل كلامه حيث تعرّض لحديث المنزلة وهذا نصّه:

« الثاني: ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلّف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله أتخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ».

ولو كان ( الدّهلوي ) محدّثاً محقّقاً حقاً لرجع إلى الصحيحين، أو إلى أحد كتب الشّيعة الناقلة عنهما، للوقوف على سند الحديث ومتنه في الكتابين!!

١٩٣

هذا، ولا وجه ظاهر ولا سبب واضح لعزو الحديث إلى البراء بن عازب والإباء عن نسبته إلى سعد بن أبي وقاص، إلّا اشتمال بعض ألفاظه على ما يبيّن حقيقة حال معاوية، وعدائه الشّديد، وحقده الوطيد على سيدنا أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسلام.

فقد جاء في تلك الألفاظ « أنّ معاوية أمر سعداً بسبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام » فامتنع سعد عن ذلك، واعتذر بذكر فضائل للأميرعليه‌السلام منها حديث المنزلة.

فلا عجب لو أعرضوا عن نسبة رواية الحديث إلى سعدٍ، لأنّ نسبتها إليه تفضي إلى تذكّر حال إمامهم معاوية، فلا بدّ من تغيير اسم الرّاوي ووضع ( البراء ) مكان ( سعد ).

ثم العجب من أولئك الذين يشاهدون هذه التصرّفات الفاضحة والأخطاء الفاحشة من ( الدهلوي )، ويصفونه مع ذلك بإمام المحدثين!!

تحريف لفظ الحديث في الصحيحين

ومن الطّرائف أن ( الدهلوي ) لم يقنع بتقليد الكابلي في صنيعه في نقل الحديث ونسبته إلى البراء دون راويه، بل حرَّف من عنده متن الحديث، فزاد عليه: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خلّف علياً في غزوة تبوك على أهل بيته من النساء والبنات

إنّ من الواضح عدم وجود قيد « على أهل بيته من النساء والبنات » في لفظٍ من ألفاظ الحديث في الصحيحين، وأنّ الكابلي أيضاً لم يذكره في كتابه الذي انتحله ( الدهلوي ) فهذه زيادة من ( الدهلوي ) في الحديث وفرية على البخاري ومسلم صاحبي الصحيحين

١٩٤

فظهر - إلى الآن - تصرّفان من ( الدهلوي ) في أصل نقل الحديث عن الصّحيحين فما يقول أولياؤه في مقام الدفاع عنه وتوجيه ما فعله؟!

إنه لا وجه لهذا إلّا مساعدة الّنواصب وتأييدهم، ليكون الحديث - بحسب رواية الصحيحين - دليلاً على ما يزعمونه من أن النبي إنّما استخلف الإمامعليه‌السلام على النساء، ولم يكن استخلافه في خلافةٍ مطلقة فهذا مدّعى الّنواصب - كما ينقل عنهم ( الدهلوي ) كلامهم - فهو إذاً - مؤيّد لهم!!

وهل يصدر تأييد النّواصب الأقشاب إلّا من إخوانهم الأوشاب؟

( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ) (١) .

وأيضاً فإنّ لأولياء ( الدهلوي ) أن يعتذروا له بعذرٍ آخر وهو:

إنّ هذه الخيانة التي صدرت منه، قد صدرت من بعض السابقين عليه، فليس هو البادي في ذلك، بل إنه مسبوق به وهو تبع

وهذا حق ألا ترى إلى حسام الدين السهارنفوري يزيد كلمة « في أهله » في لفظ الحديث لدى نقله عن الصحيحين لكن لم يصدر منه التصرّف الآخر، وهو وضع البراء موضع سعد

نعم، وقع ذلك التحريف من السهارنفوري في كتابه ( المرافض ) حيث قال: « روى مسلم والبخاري عن سعد بن أبي وقاص: أنّه لما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخروج من المدينة خلَّف علي بن أبي طالب في أهله. فقال علي: يا رسول الله ».

وظاهر أنّ لفظة « في أهله » غير موجودة في روايات البخاري ومسلم بل الذي فيها هو الإستخلاف المطلق، ففي البخاري « إنّ رسول الله صلّى الله

____________________

(١). سورة البقرة: ٢، الآية ٧٩.

١٩٥

عليه وسلّم خرج إلى تبوك واستخلف عليّاً »(١) وفي مسلم: « خلّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك »(٢) وفيه أيضاً: « وخلّفه في بعض مغازيه »(٣) .

فظهر أنّ ( الدّهلوي ) تبع الكابلي في أحد التحريفين، وتبع السهارنفوري في التحريف الآخر فكان جامعاً بين الخيانتين!!

وقد صدر التّحريف الثاني وهو زيادة لفظ « الأهل » من الشيخ عبد الحق الدهلوي أيضاً في كتابه ( مدارج النبوة )(٤) .

كما صدر التحريف الأول - وهو نسبة الحديث إلى البراء - من الشيخ القاضي سناء الله پاني پتي حيث قال في كتابه ( السيف المسلول ): « الثاني - ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلّف علي بن أبي طالب على المدينة في غزوة تبوك، فقال علي: يا رسول الله أتخلّفني في النساء والصبيان فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ».

فوا عجباه من هؤلاء المتحذلقين، كيف يزيدون ما يشاؤون في رواياتهم ويفترون ويكذبون ويحرّفون( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) .

وإذا عرفت أن القيد المذكور زيادة في الحديث وليس في الصحيحين عين منه ولا أثر فاعلم أنّه لو سُلّم وجوده في الحديث فلا يضرّ بالإستدلال به

____________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ٣.

(٢). صحيح مسلم: ٤ / ٣٢ رقم ١٨٧٠.

(٣). صحيح مسلم ٤ / ٣٢ رقم ١٨٧١.

(٤). مدارج النبوة: ١٨٤.

١٩٦

أبداً لأنّ ذكر الإستخلاف على الأهل والعيال لا يؤيّد مزعوم أهل الضّلال، ولا ينافي ثبوت استخلافهعليه‌السلام على المدينة وعموم الإستخلاف، لأنّ إثبات شيء لا يدلّ على نفي ما عداه ولو كان مجرد إثبات شيٍء دالاً على نفيٍ ما عداه لزم أن يكون قول القائل: « الله ربّي ومحمّد رسول الله نبيّي » نافياً لألوهيّة الله تعالى لسائر العباد، ونافياً لنبوّة النبيّ لسائر الأنام

وأيضاً: يلزم من قول القائل: « محمد رسول الله » نفي رسالة غيره من الأنبياءعليهم‌السلام

وأمثال ذلك ممّا لا يحصى

جملة: أتخلفني ليست في جميع روايات الصحيحين

وأيضاً: فإنّه ليس جملة « أتخلّفني في النساء والصّبيان » في جميع روايات الصحيحين المذكورة سابقاً بل هي في بعضها فقط فهي غير موجودة في رواية البخاري في كتاب المناقب، وهي غير موجودة في روايتين من صحيح مسلم

فاقتصار ( الدهلوي ) على الرواية المشتملة على هذه الجملة - التي ظنّ في باب المطاعن من كتابه كونها اعتراضاً من أمير المؤمنينعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظنّ هنا دلالتها على قصر خلافتهعليه‌السلام على الخلافة الخاصّة - لا وجه له وذلك:

أوّلاً: لأنّ استدلال الشيعة واحتجاجهم إنّما هو بالروايات الخالية عن هذه الجملة، وهو استدلال تام بلا كلام.

وثانياً: لأنّ وجود هذه الجملة - على تقدير التسليم بها - لا يضرّ باستدلالهم، ولا يثبت مزعوم النواصب ومقلّديهم كما سيجىء بيانه إن شاء الله تعالى.

١٩٧

تكذيب الدهلوي نفسه

قوله:

« قالت الشيعة: إنّ « المنزلة » اسم جنس مضاف إلى العلم.

أقول:

إنّ هذا الكلام نص واضح وبرهان قاطع واعتراف صريح وتصريح صحيح بأن التقرير الذي يذكره للإستدلال بحديث المنزلة هو للشيعة، فإن مراده من « قالوا » هم « الشيعة ».

لكن العجب أنّه يكذّب نفسه بعد ذلك، حيث يدّعي أنّ هذا الذي يقوله هو تهذيب وتنقيح لطريق تمسّك الشيعة بهذا الحديث، وإلّا فمن نظر في كتبهم يرى أن كلماتهم في هذا المورد مشوّشة جدّاً، ويعلم أنهم غير فاهمين للمطلب.

فهذه دعواه حول الشيعة في هذا المقام، وقد رأيت أنّ صدر كلامه يكذّب هذه الدعوى.

إعترافه بدلالة الحديث على الإمامة

قوله:

أصل هذا الحديث دليل لأهل السنّة أيضاً في إثبات فضيلة الإمام وصحة إمامته في وقتها.

أقول:

إذا كان الحديث دليلاً لأهل السنّة، ومرويّاً في صحاحهم، فكيف

١٩٨

يقدحون فيه؟ ولماذا يبطلونه؟ وهل مجرّد احتجاج الشيعة بحديث مخرّج في كتبهم الصحيحة يجوّز الطّعن فيه؟

إذا كان ( الدهلوي ) صادقاً في كلامه هذا فليعترف بدخول الآمدي ومقلّديه في زمرة النواصب، لأنّه وأتباعه قد قدحوا في حديثٍ أجمع أهل الإسلام على صحّته، وبلغ من القوّة حدّاً لا يتمكّن النواصب من القدح فيه معه، وإلّا لم يتمّ احتجاج أهل السنّة به على النواصب؟

أقول:

لأنّه يستفاد من هذا الحديث استحقاقه الإمامة.

أقول:

الحمد لله الذي ألجأ ( الدهلوي ) إلى الإعتراف والإقرار بمطلوب الشّيعة، فصرّح بأنّ هذا الحديث يدلّ على استحقاق أمير المؤمنينعليه‌السلام الإمامة وأبطل بهذه الكلمة كلّما نسجته أيدي المكابرين من التّرهات الشنيعة والتأويلات السقيمة، في مقام الجواب عن الإستدلال بهذا الحديث الشريف

نعم، إنّ هذه الكلمة تبطل جميع ما قالوه، لأن استحقاق أمير المؤمنينعليه‌السلام الإمامة على ضوء هذا الحديث لا يتم إلّا بدلالته على أنّه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسى في الإمامة، فلو لم يدل على كونه منهعليه‌السلام بمنزلة هارون من موسى في الإمامة لم يدل على استحقاقه الإمامة أبداً، لأنّه غير مستلزمٍ حتى للأفضليّة، فإنّ ذاك الأمر لا يفيد استحقاقه للإمامة أصلاً

وإذا دلّ هذا الحديث على أنّ أمير المؤمنين من رسول الله صلّى الله عليه

١٩٩

وآله وسلّم بمنزلة هارون من موسى في الإمامة، ثبت مطلوب الشيعة بلا كلفة، وسقطت شبهات المنكرين وهفوات الجاحدين بالبداهة فيكون الحديث نصّاً صريحاً في إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافته ولانصّ على غيره باعتراف ( الدهلوي ) نفسه وأسلافه، وتقدم غير المنصوص عليه على المنصوص عليه قبيح في الغاية عند جميع العقلاء.

وأيضاً، فإنّ مرتبة إمامة هارون من موسى لم تكن مع وجود فاصلٍ أو فواصل بينهما، فلاوجه لفصل الفواصل وتقييد إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بالمرتبة الرابعة، وهو تقييد لا يرتضيه أحد من العقلاء.

إعتراف الرّشيد الدّهلوي بدلالة الحديث على الإمامة

ولا يخفى أنّ ما اعترف به ( الدهلوي ) من دلالة هذا الحديث على صحّة إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام مقبول لدى تلميذه الرشيد الدهلوي، من غير مكابرةٍ أو تأويل، بل اعترف بذلك تبعاً له واستشهد بكلامه أيضاً حيث قال في ( إيضاح لطافة المقال ):

« قوله: الحديث الثاني: حديث المنزلة الذي يقولون أيضاً بصحّته.

أقول: إن هذا الحديث عند أهل السنة من أحاديث فضائل أمير المؤمنين الباهرة، بل هو دليل على صحة خلافة هذا الإمام، لكنْ من غير أنْ يدل على نفي خلافة غيره، كما صرّح به صاحب التحفة حيث قال: أصل هذا الحديث أيضاً دليل لأهل السنّة على إثبات فضيلة الأمير وصحة إمامته في حينها

ومتى كان هذا الحديث دالاًّ على فضل حيدر الكرّار، بل كان دليلاً على صحة خلافة ذاك الإمام، فدعوى أن أهل السنّة غير عاملين بمقتضى هذا الخبر بل معتقدون على خلافه عجيبة.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

باطلة ؛ لأنّ مَنْ بالبصرة لا يلزمه الحضور ببغداد في الخصومات ، والكفيل فرع المكفول ببدنه ، فإذا لم يجب عليه الحضور ، لا يمكن إيجاب الإحضار على الكفيل(١) .

وهو حسن.

مسألة ٥٧٠ : كلّ مَنْ يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع تجوز كفالته‌ ، فتصحّ كفالة مَن ادّعى عليه وإن لم تقم البيّنة عليه بالدَّيْن وإن جحد ؛ لاستحقاق الحضور عليه.

والأصل فيه : أنّ المنكر يجب عليه فصل الخصومة ، فإذا رضي بتأخيرها ، صحّت الكفالة عليه وإن كانت الكفالة في نفسها ليست لازمةً إذا طلب الفصل في الحال.

وأمّا كفالة الحقّ فالحقّ الذي يُدّعى على المكفول ببدنه إن ثبت بإقراره أو بالبيّنة ، فلا خلاف في صحّة الكفالة ببدنه.

وإن(٢) لم يثبت لكن ادّعى المدّعي عليه ، فإن لم ينكر ولم يصدِّق بل سكت ، صحّت الكفالة أيضاً.

وإن أنكر ، صحّت الكفالة أيضاً ؛ لأنّ الحضور مستحقّ(٣) عليه ، فجاز [ التزام ](٤) إحضاره ، ومعظم الكفالات إنّما تتّفق قبل ثبوت الحقوق ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : البطلان ؛ لأنّ الأصل براءة ذمّة المكفول ، وقد تأيّد ذلك بصريح الإنكار ، والكفالة ببدن مَنْ لا حقّ عليه باطلة(٥)

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧.

(٢) في « ث ، ر » : « فإن ».

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يستحقّ ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إلزام ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧.

٤٠١

والأوّل أقوى.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفالة وإن صحّت لكن ليس للمدّعي قبل ثبوت دعواه إلزام الغريم بكفيلٍ على الحضور ، كما ليس له إلزامه بكفيلٍ على المال ، لكن لو كفله شخص على الحضور قبل ثبوت الدعوى ، صحّ.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الكفالة تصحّ ببدن الغائب والمحبوس وإن تعذّر تحصيل الغرض في الحال ، كما يجوز من المعسر ضمان المال ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا تجوز(٢) .

وتصحّ كفالة مَنْ يُدّعى(٣) عليه الكفالة ، وكذا مَنْ يُدّعى عليه القصاص والحدّ ؛ لأنّ الحدّ وإن لم تصحّ الكفالة عليه فإنّه تصحّ الكفالة ببدن مَنْ يُدّعى عليه الحدّ ؛ لوجوب حضوره عند الحاكم ليثبت المدّعي عليه حقّه بالبيّنة أو الإقرار.

مسألة ٥٧١ : إذا عيّن الكفيل في كفالته مكانَ التسليم ، تعيّن ، ولم يجب عليه تسليمه في غير ذلك المكان‌ ، سواء كان أرفق له أو لا.

ولو طلب ذلك المكفولُ له ، لم تجب له إجابته.

وإن أطلق ، فالأقرب : وجوب تسليمه في موضع العقد ؛ لأنّه المفهوم عند الإطلاق.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ فيه قولين ، كما لو أطلق السَّلَم ولم يعيّن‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « ادّعي » بدل « يدّعى ».

٤٠٢

مكان التسليم(١) .

وقال الجويني : يُحمل على مكان الكفالة ، ولا يجي‌ء فيه ذلك الخلاف(٢) .

وعلى كلّ تقدير فالأقوى جواز الإطلاق ، وحمله على مكان العقد ، وقد بيّنّا أنّه إذا عيّن المكان أو أطلق وحملنا الإطلاق على موضع العقد فأحضره في غيره ، لم يلزمه تسلّمه ، سواء كان عليه مئونة أو مشقّة في حمله إلى المعيّن أو لا.

وقال الشافعي : إن كان عليه مؤونة أو مشقّة في حمله إلى الموضع الذي عيّنه ، لم يلزمه تسلّمه ، وإن لم يكن عليه في ذلك ضرر ، لزمه قبوله(٣) .

وحكى أبو العباس ابن سريج فيه وجهين(٤) .

والحقّ ما قلناه من أنّه لا يبرأ بالتسليم في غير المعيّن ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٥) .

وقال بعض العامّة : إن أحضره بمكانٍ آخَر من البلد وسلّمه ، برئ من الكفالة(٦) .

وقال بعضهم : متى أحضره في أيّ مكانٍ كان وفي ذلك الموضع‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٨٠.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٨١.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١٦٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٢ ، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٥٧ ، المغني ٥ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٣.

(٦) المغني ٥ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٣.

٤٠٣

سلطان ، برئ من الكفالة ؛ لكونه لا يمكنه الامتناع من مجلس الحكم ، ويمكن إثبات الحجّة فيه(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه سلّم ما شرط تسليمه في مكانٍ في غير ذلك المكان ، فلم يبرأ بهذا التسليم ، كما لو أحضر المُسْلَم فيه في غير المكان المشترط. ولأنّه قد سلّمه في موضعٍ لا يقدر على إثبات الحجّة فيه إمّا لغيبة شهوده ، أو لعدم(٢) معرفة الحاكم وأهل بلده بحالهم(٣) أو غير ذلك ، وقد يهرب منه ولا يقدر على إمساكه.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفيل إذا أتى بالمكفول [ به ] في غير الموضع ، لم يلزم المكفول له قبوله ، لكن يجوز له قبوله ، وله أن يمتنع وإن لم يكن له غرض ، خلافاً للشافعي(٤) ، كما تقدّم ، أو كان(٥) بأن كان قد عيّن مجلس الحكم أو بقعة يجد فيها مَنْ يعينه على خصمه.

مسألة ٥٧٢ : إذا دفع الكفيلُ المكفولَ ببدنه إلى المكفول له من غير حائلٍ من يد سلطان أو شبهه ، بل تسليماً تامّاً ، لزمه قبوله‌ ، أو إبراء ذمّة الكفيل من الكفالة ، فإن امتنع ، دَفَعه إلى الحاكم وسلّمه إليه ليبرأ. وإن لم يجد حاكماً ، أشهد عَدْلين بإحضاره إلى المكفول له وامتناع المكفول له.

والأقوى : أنّه يكفي الإشهاد على الامتناع ، وأنّه سلّمه إليه فلم يتسلّمه ، ولا يجب دفعه إلى الحاكم ؛ لأنّ مع وجود صاحب الحقّ لا يلزمه دَفْعه إلى مَنْ ينوب عنه من حاكمٍ أو غيره.

____________________

(١) المغني ٥ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٣.

(٢) في « ث ، ج » : « عدم ».

(٣) أي : حال الشهود.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٩.

(٥) أي : كان له غرض.

٤٠٤

وللشافعيّة القولان(١) .

ويبرأ الكفيل بتسليم المكفول [ به ] في المكان الذي وجب التسليم فيه ، سواء طلبه المستحقّ أو لم يطلبه بل أتاه به ، بشرط أن لا يكون هناك حائل من يد سلطانٍ ومتغلّبٍ وحبسٍ بغير حقٍّ لينتفع بتسليمه ويطالب الخصم.

ولو كان المكفول [ به ] محبوساً في حبس ظالمٍ ، لم يكن له أن يسلّمه إليه محبوساً ، ولا يبرأ بذلك ، ولا يلزمه أن يتسلّمه محبوساً ؛ لأنّ ذلك الحبس يمنعه من استيفاء حقّه(٢) .

وإن كان محبوساً عند الحاكم فسلّمه إليه محبوساً ، لزمه تسلّمه ، وبرئ الكفيل من الكفالة ؛ لأنّ حبس الحاكم لا يمنعه من استيفاء حقّه ، لإمكان إحضاره ومطالبته بالحقّ ، فإذا طالَب الحاكم بإحضاره ، أحضره بمجلسه ، وحَكَم بينهما ، فإذا فرغت الحكومة ، ردّه إلى الحبس بالحقّ الأوّل.

وإن توجّه عليه حقّ المكفول له ، حَبَسه بالحقّ الأوّل وحقّ المكفول له ، ومن أيّهما خلص بقي محبوساً على الآخَر.

فروع :

أ - لو ارتدّ المكفول به ولحق بدار الحرب ، لزم الكفيل إحضاره إن تمكّن منه ، وإلّا فلا‌. وكذا المحبوس عند غير الحاكم.

ب - لا يُشترط تسليم المكفول به من الكفيل في براءة ذمّة الكفيل‌ ،

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٩.

(٢) في « ث ، خ ، ر » والطبعة الحجريّة : « من الاستيفاء بحقّه ».

٤٠٥

بل لو جاء المكفول به وسلّم نفسه إلى المكفول له تسليماً تامّاً ، برئ الكفيل من الكفالة ؛ لأنّ القصد ردّه إلى المكفول له ، فلا فرق بين حصوله في يده بالكفيل أو بغيره نائباً عنه.

ج - لو أخذ المكفولُ له المكفولَ به إمّا طوعاً أو كرهاً وأحضره مجلس الحكم‌ ، برئ الكفيل من الكفالة ؛ لما تقدّم.

د - لو حضر المكفول به وقال : سلّمت نفسي إليك عن جهة الكفيل ، برئ الكفيل‌ ، كما يبرأ الضامنُ بأداء الأصيل الدَّيْنَ.

ولو لم يُسلّمه نَفْسَه عن جهة الكفيل ، لم(١) يبرأ الكفيل ؛ لأنّه لم يسلّمه إليه ولا أحد من جهته ، حتى قال بعض الشافعيّة : لو ظفر به المكفول له في مجلس الحكم وادّعى عليه ، لم يبرأ الكفيل(٢) .

وليس بجيّد ، والوجه : ما قلناه أوّلاً.

ه- لو سلّمه أجنبيّ لا عن جهة الكفيل ، لم يبرأ الكفيل.

ولو(٣) سلّمه عن جهة الكفيل ، فإن كان بإذنه ، فهو كما لو سلّمه بنفسه ؛ إذ لا تُشترط المباشرة. وإن كان بغير إذنه ، لم يجب على المكفول له القبولُ ؛ إذ لا يجب عليه قبض الحقّ إلاّ ممّن عليه. لكن لو قَبِل ، برئ الكفيل.

مسألة ٥٧٣ : لو تكفّل واحد ببدن رجلٍ لاثنين فسلّمه(٤) إلى أحدهما ، لم يبرأ من كفالة الآخَر‌ ، فإنّ العقد مع اثنين بمنزلة العقدين ، فهو كما لو‌

____________________

(١) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « لا » بدل « لم ».

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٨ - ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٣ - ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٩.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « وإن » بدل « ولو ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فسلّم ». والظاهر ما أثبتناه.

٤٠٦

تكفّل لكلّ واحدٍ منهما به على الانفراد ، وكما لو ضمن دَيْنين لشخصين فأدّى دَيْن أحدهما ، لم يبرأ من دَيْن الآخَر.

ولو كفل رجلان برجلٍ لرجلٍ ، صحّت الكفالة ، كما يصحّ أن يضمن اثنان واحداً. فإن ردّه أحدهما إلى المكفول له ، فهل يبرأ الآخَر؟ الأقرب : البراءة ، كما لو أدّى الدَّيْنَ أحدُ الضمناء ، برئ الباقون ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّهما إن كفلا على الترتيب ، وقع تسليمه عن المُسلِّم دون صاحبه ، سواء قال : سلّمتُ عن صاحبي ، أم لم يقل(١) .

وإن كفلا معاً ، فوجهان.

قال المزني : يبرأ المسلِّم والآخَر أيضاً ، كالضامنين إذا أدّى أحدهما.

وقال ابن سريج والأكثر : لا يبرأ ، كما لو كان بالدَّيْن رهنان فانفكّ أحدهما ، لا ينفكّ الآخَر ، بخلاف ما إذا أدّى أحد الضامنين الدَّيْنَ ، فإنّه يوجب براءة الأصيل ، وإذا برئ الأصيل برئ كلّ ضامنٍ ، وهنا سقطت الوثيقة عن أحدهما مع بقاء الحقّ(٢) .

ولو كفل اثنان بواحدٍ وكفل كلٌّ من الكفيلين ببدن صاحبه ، صحّت الكفالات كلّها ؛ لأنّ كلّ مكفولٍ هنا عليه حقٌّ. فعلى ما قلناه إذا أحضر أحدُهما المكفولَ به وسلّمه ، يبرأ كلّ واحدٍ منهما عن كفالة صاحبه وكفالة الذي كفلا به.

وعلى قول ابن سريج وجهان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٩ - ٤٩٠.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٠.

٤٠٧

أحدهما : يبرأ الأصيل والكفيل.

والثاني : أنّ الذي أحضره تسقط كفالته بالمكفول به ، وتسقط عن الآخَر كفالته بالكفيل الذي أحضره ، وبقي عليه وجوب إحضار المكفول به(١) .

مسألة ٥٧٤ : يصحّ ترامي الكفالات‌ ، فلو تكفّل رجل ببدن مَنْ عليه الحقُّ ثمّ تكفّل آخَر ببدن الكفيل وتكفّل ثالثٌ ببدن الكفيل الثاني ، جاز ، كالضمان يصحّ أن يضمن الضامن الحقَّ ويضمن ثانٍ عن الضامن ويضمن عن ضامن الضامن ضامنٌ آخَر ، وهكذا.

فإذا أحضر الكفيلُ الأوّل مَنْ عليه الحقُّ ، برئ وبرئ الكفيلان الآخَران ؛ لأنّهما فرعاه.

وإن أحضر الكفيل الثاني الكفيلَ الأوّل ، برئ وبرئ الثالث ؛ لأنّه فرعه ، ولم يبرأ الأوّل ولا مَنْ عليه الحقُّ.

فإن مات مَنْ عليه الحقُّ ، فعندنا وعند الشافعي(٢) يبرأ الكفلاء الثلاثة ، ولا شي‌ء عليهم.

وإن مات الكفيل الأوّل ، برئ الكفيلان الآخَران.

وإن مات الثاني ، برئ الثالث ، دون الأوّل.

وإن مات الثالث ، لم يبرأ الأوّلان.

مسألة ٥٧٥ : إذا مات المكفول به ، بطلت الكفالة ، ولم يلزم الكفيل شي‌ء‌ ، عند علمائنا - وبه قال شريح والشعبي وحمّاد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والشافعي وأحمد(٣) - لأنّه تكفّل ببدنه على أن يُحضره ، وقد‌

____________________

(١) لاحظ : العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٩٠.

(٢) في « ث » : « الشافعيّة ». ولاحظ الهامش التالي.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٥ ، المغني ٥ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٤.

٤٠٨

سقط الحضور عن المكفول [ به ] فيبرأ الكفيل ، كما لو برئ من الدَّيْن. ولأنّ ما التزم به من أجله يسقط عن الأصل(١) فيبرأ الفرع ، كالضامن إذا قضى المضمون عنه الدَّيْنَ أو أُبرئ منه عندهم(٢) . ولأنّه تكفّل ببدنه ، فلا يلزمه ما في ذمّته ، كما لو غاب غيبةً منقطعة. ولأنّه لا يلزمه بذل نفسه فما في ذمّته أولى.

وقال مالك والحكم والليث : يجب على الكفيل المال الذي كان في ذمّته - وبه قال ابن سريج من الشافعيّة - لأنّ الكفيل وثيقة على الحقّ ، فإذا تعذّر استيفاء الحقّ ممّن هو عليه ، استوفي من الوثيقة كالرهن(٣) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الرهن تعلّق بالمال ، فاستوفى منه.

وقال بعض الشافعيّة : لا تبطل الكفالة ، ولا ينقطع طلب الإحضار عن الكفيل - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة عندهم - بل عليه إحضاره ما لم يُدفن - وقلنا بتحريم النبش لأخذ المال - إذا أراد المكفول له إقامة الشهادة على صورته ، كما لو تكفّل ابتداءً ببدن الميّت(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الكفالة على الإحضار إنّما يُفهم منها إحضاره حالَ الحياة ، وهو المتعارف بين الناس والذي يخطر بالبال ، فيُحمل الإطلاق عليه.

وعلى قول ابن سريج ومالك هل يطالَب بالدَّيْن أو بالأقلّ من الدَّيْن‌

____________________

(١) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الأصيل ».

(٢) المغني ٥ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٤.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١ ، المغني ٥ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١.

٤٠٩

ودية المقتول؟ وجهان مبنيّان على القولين في أنّ السيّد يفدي العبد الجاني بالأرش أو بالأقلّ من الأرش وقيمة العبد؟(١) .

البحث الثالث : في الأحكام.

مسألة ٥٧٦ : إذا كانت الكفالة حالّةً أو مؤجَّلةً وحلّ أجلها ، فإن كان المكفول به حاضراً ، وجب على الكفيل إحضاره‌ إذا طلبه المكفول له ، فإن أحضره ، وإلّا حُبس. وإن كان غائباً فإن كان موضعه معلوماً يمكنه ردّه منه ، أُمهل الكفيل بقدر ذهابه ومجيئه ، فإذا مضى قدر ذلك ولم يأت به من غير عذرٍ ، حُبس ، ولا يُحبس في الحال ، وبه قال عامّة أهل العلم.

وقال ابن شبرمة : يُحبس في الحال ؛ لأنّ الحقّ قد توجّه عليه(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ الحقّ وإن كان قد حلّ فإنّه يُعتبر فيه إمكان التسليم ، وإنّما يجب عليه إحضار الغائب عند إمكان ذلك.

وإن كان غائباً غيبةً منقطعة - والمراد منها أن لا يُعرف موضعه وينقطع خبره - لم يكلَّف الكفيل إحضاره ؛ لعدم الإمكان ، ولا شي‌ء عليه ؛ لأنّه لم يكفل المال ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أحمد : يجب عليه المال(٤) ، مع أنّه قال : إذا مات المكفول برئ الكفيل ، ولا شي‌ء عليه(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٨٠ ، المغني ٥ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٠.

(٤) المغني ٥ : ٩٨ - ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٥) المغني ٥ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٤.

٤١٠

فروع :

أ - لو عرف موضعه ، فقد بيّنّا أنّه يجب عليه إحضاره‌ ، سواء كان على أزيد من مسافة القصر أو أنقص.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان دون مسافة القصر ، فعليه إحضاره ويُمهَل مدّة الذهاب والإياب ليتبعه. وإن كان على مسافة القصر ، فوجهان :

أظهرهما عندهم : أنّه كما لو كان دون مسافة القصر ، كما لو كان المديون غائباً إلى هذه المسافة ، يؤمر بإحضاره.

والثاني : أنّه لا يُطالَب بإحضاره ، إلحاقاً لهذه الغيبة بالغيبة المنقطعة ، كما لو غاب [ الولي ](١) أو شاهدا(٢) الأصل إلى مسافة القصر ، يكون كما لو غاب غيبةً منقطعة(٣) .

ب - لو كان غائباً حين كفل‌ ، فالحكم في إحضاره كما لو غاب بعد الكفالة.

ج - لو كانت الكفالة مؤجَّلةً ، لم يكن للمكفول له مطالبة الكفيل بالإحضار قبل الأجل‌ ، سواء كان عليه مئونة في التقديم أو لا.

ولو دَفَعه قبل الأجل ، لم يجب على المكفول له أخذه ، سواء كان عليه ضرر في أخذه ، أو انتفى الضرر.

وقال بعض العامّة : إذا انتفى الضرر ، وجب عليه أخذه(٤) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المولى ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « شاهد ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٠.

(٤) المغني ٥ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٣ - ١٠٤.

٤١١

وليس بمعتمد.

د - لو فرّط الكفيل في تحصيله بأن طالَبه المكفول له بإحضاره وكان متمكّناً منه‌

فهرّبه أو ماطَل بإحضاره حتى غاب غيبةً منقطعة ولم يُعرف له خبر ، فإن أوجبنا المال ، وجب هنا ، وإلّا فإشكال.

مسألة ٥٧٧ : قال الشيخرحمه‌الله : ومَنْ ضمن لغيره نفسَ إنسان إلى أجلٍ معلوم بشرط ضمان النفس ثمّ لم يأت به عند الأجل ، كان للمضمون له حبسه حتى يُحضِر المضمونَ‌ ، أو يخرج إليه ممّا عليه(١) .

وهذا يقتضي وجوب أحد الأمرين على الكفيل : الإحضار ، أو الأداء.

فإن طلب المكفول له الإحضار لا غير ، فالأقرب عندي : إلزامه به ؛ لأنّه قد يكون له غرض لا يتعلّق بالأداء ، وقد يرغب المكفول له في القبض من غير الغريم.

وعلى ظاهر كلام الشيخ يبرأ الكفيل بأداء المال.

إذا عرفت هذا ، فإذا أدّى الكفيل المالَ فإن كان قد كفل بإذنه أو أدّى بإذنه ، كان له الرجوع عليه ، بخلاف ما قلنا في الضمان : إنّه لو ضمن متبرّعاً وأدّى بالإذن ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّ الكفالة ليست بالمال ، فيكون حكمه حكمَ الأجنبيّ إذا أدّى بإذن مَنْ عليه الدَّيْنُ ، كان له الرجوع - على ما تقدّم - إن شرط الرجوع ، أو مطلقاً على الخلاف.

وإنّما أوجبنا الرجوع هنا فيما إذا كفل بإذنه ؛ لأنّ الإذن في الكفالة إذنٌ في لوازمها ، ومن لوازمها الأداء مع عدم الإحضار.

إذا ثبت هذا ، فإن تمكّن من الإحضار وأدّى المال من غير حبسٍ أو‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٥.

٤١٢

معه ، فالأقرب : أنّه لا يرجع وإن كفل بإذنه ؛ لأنّ الواجب في الكفالة الإحضار مع المكنة ، وقد أمكنه الإحضار ، فيكون في أداء المال متبرّعاً.

مسألة ٥٧٨ : قد بيّنّا أنّه لا يُعتبر رضا المكفول به عندنا ، وهو أحد قولَي الشافعي. وفي الثاني : يشترط‌(١) .

وإذا كفل بإذن المكفول به فأراد الكفيل إحضاره إمّا لطلب المكفول له أو ابتداءً ليخرج عن العهدة ، فعليه الإجابة ، ومئونة الإحضار على الكفيل.

وإن كفل بغير إذنه عندنا أو على قوله بالصحّة فطالَبه المكفول له بالإحضار ، فللكفيل مطالبته بالحضور على جهة التوكيل من المضمون له.

ولو قال : أُخرج من حقّي ، للشافعيّة وجهان :

أحدهما : قال ابن سريج : لم يكن له مطالبة المكفول به بالإحضار ، كما لو ضمن بغير إذنه مالاً وطالَب المضمون له الضامنَ ، فإنّه لا يطالب الأصيل.

والثاني : نعم ؛ لتضمّنه التوكيلَ في الإحضار(٢) .

مسألة ٥٧٩ : لو مات المكفول له ، انتقل حقّه من الكفالة إلى ورثته ، وتكون الكفالة باقيةً ، وتقوم ورثته مقامه ، كما لو ضمن له المال ، وهو أظهر وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّ الكفالة تنقطع ؛ لأنّها ضعيفة ، فلا يُحكم بتوريثها.

والثالث : إن كان له وصيٌّ أو عليه دَيْنٌ ، بقيت الكفالة ؛ لأنّ الوصيّ نائبه ، وتمسّ حاجته إلى قضاء الدَّيْن ، فإن لم يكن وصيٌّ ولا دَيْنٌ ، انقطعت الكفالة(٣) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٩٣ ، الهامش ( ٢ و ٥ ).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٩٤ ، الهامش (١)

(٣) الوسيط ٣ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

٤١٣

والصحيح عندنا : الأوّل ؛ لأنّه حقٌّ للميّت ، فانتقل عنه إلى ورثته ، كغيره من الحقوق.

ونمنع ضعفها. سلّمنا ، لكن تُنتقل إلى الوارث ضعيفةً.

والثالث لا وجه له ؛ لأنّ الكفالة إمّا أن تورث وتكون حقّاً متروكاً للميّت ، أو لا ، فإن كانت ، وُرثت على التقديرين. وإن لم تكن ، لم يُصيّرها الدَّيْن والوصيّ حقّاً موروثاً.

مسألة ٥٨٠ : إذا تكفّل برجلٍ إلى أجلٍ إن جاء به ، وإلّا لزمه ما عليه ، فإن قدّم كفالة النفس بأن قال : إن لم أُحضره كان علَيَّ كذا ، لم يلزمه إلّا الإحضار ، عند علمائنا ؛ لأنّ الضمان لا يقبل التعليق بخطر ، فإنّه لا يصحّ لو علّقه بقدوم زيدٍ ، فلهذا بطل ضمان المال ، ووجب عليه الإحضار بالكفالة ، ولا يضرّ ضميمة الضمان الباطل ؛ لأنّه قصد بالضمان تأكيد الحجّة عليه بالإحضار وتقوية حقّ الإحضار عليه.

وإن قدّم ضمانَ المال ، فقال : علَيَّ كذا إلى كذا إن لم أُحضره ، ولم يُحضره ، وجب عليه ما ذكره من المال ؛ لما رواه الخاصّة عن أبي العباس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهماً ، قال : « إن جاء به إلى أجلٍ فليس عليه مال ، وهو كفيل بنفسه أبداً إلّا أن يبدأ بالدراهم ، فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت [ به ] إلى الأجل الذي أجّله »(١) .

وعن أبي العباس أيضاً عن الصادقعليه‌السلام : رجل كفل لرجلٍ بنفس رجلٍ ، فقال : إن جئتُ به وإلّا فعلَيَّ خمسمائة درهم ، قال : « عليه نفسه ،

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٩ - ٢١٠ / ٤٨٨ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤١٤

ولا شي‌ء عليه من الدراهم » فإن قال : علَيّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه ، فقال : « تلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشافعي ومحمّد بن الحسن قالا : إذا تكفّل برجلٍ إلى أجلٍ إن جاء به فيه وإلّا لزمه ما عليه ، لا تصحّ الكفالة ، ولا يلزمه ما عليه. وكذا لو قال : متى لم أُحضره كان علَيَّ كذا وكذا ؛ لأنّ هذا خطر ، ولا يجوز تعليق الضمان به ، كما لو قال : إن جاء المطر فأنا ضامن ، لم يصح(٢) .

وقال أبو يوسف وأبو حنيفة وأحمد : تصحّ الكفالة ، فإن جاء به في الوقت وإلّا لزمه ما عليه ؛ لأنّ هذا موجَب الكفالة ومقتضاها ، فصحّ اشتراطه ، كما لو قال : إن جئتُ به في وقت كذا وإلّا فلك حبسي(٣) .

ولا بأس به عندي.

أمّا لو قال : إن جئتُ به في وقت كذا وإلّا فأنا كفيل ببدن فلان ، أو : فأنا ضامن ما لك على فلان ، أو قال : إذا جاء زيد فأنا ضامن ما عليه ، أو : إذا قدم الحاج فأنا كفيل فلان ، أو قال : أنا كفيل بهذا شهراً ، على إشكالٍ في الأخير ، لم تصح الكفالة - وبه قال الشافعي ومحمّد بن الحسن(٤) - لأنّ الضمان خطر ، فلا يجوز تعليقه على شرطٍ ، كالهبة.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : فتصحّ ؛ لأنّه أضاف الضمان إلى سبب‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٩ ، حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، المغني ٥ : ١٠٠ - ١٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠١.

٤١٥

الوجوب ، فتصحّ ، كضمان الدرك(١) .

وقال بعض العامّة : إذا قال : كفلتُ بفلان إن جئتُ به في وقت كذا وإلّا فأنا كفيل بفلان ، أو ضامنٌ المالَ الذي على فلان ، يصحّ(٢) .

والحقّ : البطلان ؛ لأنّ الأوّل موقوف ، والثاني معلَّق على شرط.

مسألة ٥٨١ : لو قال : كفلتُ ببدن فلان على أن يبرأ فلان الكفيل ، أو على أن تبرئه من الكفالة ، فالأقوى عندي : الصحّة‌ ؛ عملاً بقوله تعالى :

( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) وبقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٤) وهذا شرط تمسّ الحاجة إليه ، ولا وجه لفساده ؛ لأنّه شرط تحوّل الوثيقة التي على الكفيل إليه.

وقالت الشافعيّة : لا تصحّ الكفالة ؛ لأنّه شرط فيها شرطاً لا يلزمه الوفاء به ، فيكون فاسداً ، فتفسد به الكفالة(٥) .

ونمنع من عدم لزومه مع الشرط.

وقال ابن سريج كما قلناه ؛ لأنّه طلب تحويل الحقّ في الكفالة إليه(٦) .

فعلى هذا لا تلزمه الكفالة إلاّ أن يُبرئ المكفول له الكفيلَ الأوّل من‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٢) المغني ٥ : ١٠١ - ١٠٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ - ٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٠ - ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦ ، ولاحظ : المغني ٥ : ١٠٢ ، والشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ - ٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

٤١٦

الكفالة ؛ لأنّه إنّما كفل بهذا الشرط ، فلا تثبت كفالته بدون شرطه.

ولو قال : كفلتُ لك بهذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلان ، أو : ضمنتُ لك هذا الدَّيْن بشرط أن تُبرئني من ضمان الدَّيْن الآخَر ، أو : على أن تُبرئني من الكفالة بفلان ، خرج فيه الوجهان.

والأولى عندي : الصحّة.

وقال بعض العامّة : لا تصحّ ؛ لأنّه شرط فسخ عقدٍ في عقدٍ ، فلم تصح ، كالبيع بشرط فسخ بيعٍ آخَر(١) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل.

ولو شرط في الكفالة أو الضمان أن يتكفّل المكفول له أو المكفول به بآخَر أو يضمن دَيْناً عنه أو يبيعه شيئاً أو يؤجره داره ، فالأقرب : الصحّة ، خلافاً لبعض العامّة(٢) .

مسألة ٥٨٢ : تصحّ الكفالة ببدن المحبوس والغائب‌ ؛ لأنّ كلّ وثيقة صحّت مع الحضور صحّت مع الغيبة والحبس ، كالرهن والضمان. ولأنّ الحبس لا يمنع من التسليم ؛ لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم أو أمر مَنْ حَبَسه ثمّ يعيده إلى الحبس بالحقّين جميعاً ، والغائب يمضي إليه فيُحضره إن كانت الغيبة غيرَ منقطعة. وإن لم يعلم خبره ، لزمه ما عليه عند بعض العامّة(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تصحّ(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٠٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠١.

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

(٣) المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

٤١٧

مسألة ٥٨٣ : إذا دفع الكفيلُ المكفولَ به إلى المكفول له في وقته ومكانه وسلّمه تسليماً تامّاً ، برئ من الكفالة عند أكثر أهل العلم‌؛ لأنّه عقد على عملٍ ، فيبرأ منه بعمل المعقود عليه ، كالإجارة(١) .

وقال ابن أبي موسى : لا يبرأ حتى يقول : قد برئت يدي منه ، أو : قد سلّمتُه إليك ، أو : قد أخرجتُ نفسي من كفالته(٢) .

وإذا أبرأ المكفول له الكفيلَ من الكفالة أو اعترف بذلك بأن يقول : أبرأتُه ، أو : برئ إليَّ ، أو : ردّ إليَّ المكفول به ، برئ من الكفالة ، وإذا أُبرئ الكفيل ، لم يبرأ المكفول به من الدَّيْن ، بخلاف الضمان.

ولو أُبرئ المكفول به من الحقّ الذي كفل الكفيل عليه ، برئ الكفيل أيضاً.

ولو ادّعى الكفيل أنّ المكفول به برئ من الحقّ وأنّ الكفالة سقطت عنه ، وأنكر ذلك المكفولُ له ، فالقول قوله مع يمينه إذا لم تكن للكفيل بيّنة ، فإذا حلف برئ من دعوى الكفيل ، فإن جاء المكفول به فادّعى الإبراء ، لم يكتف باليمين التي حلفها للكفيل ، بل كان عليه يمينٌ أُخرى.

ولو نكل في دعوى الكفيل ، حلف الكفيل ، وبرئ من الكفالة ، ولا يبرأ المكفول به من الحقّ ؛ لأنّه لا يجوز أن يبرأ بيمين غيره.

ولو نكل عن يمين المكفول به ، حلف المكفول به ، وبرئ هو والكفيل وإن كان قد حلف على عدم الإبراء له.

ولو قال : تكفّلتُ لك به ولا حقّ لك عليه ، أو ضمنتُ ما عليه ولا شي‌ء عليه ، فالقول قول المكفول له ؛ لأنّ الظاهر صحّة الكفالة والضمان.

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

٤١٨

وهل يحلف؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : لا يحلف ؛ لأنّ دعوى الكفيل تخالف ظاهر قوله.

والثاني : يحلف ؛ لأنّ ما يدّعيه ممكن(١) .

فإن حلف ، فلا كلام. وإن نكل ، رددنا اليمين على الكفيل ؛ لجواز أن يعلم أنّه لا حقّ له عليه بقول المكفول له : إنّه لا حقّ لي عليه.

فإن قال : تكفّلتُ به بشرط الخيار ، لم يُقبل منه في قوله : « بشرط الخيار » وحُكم عليه بالكفالة ، سواء قلنا : إنّه يدخلها الخيار أو لا ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : يسقط إقراره(٢) .

والأصل فيه أنّه إذا عقّب إقراره بما يُبطله ، هل يبطل الإقرار أو المُبطل؟

ولو قال رجل لآخَر : إنّ فلاناً يلازم فلاناً ويضايقه على حقّه فاذهب وتكفّل به ، ففَعَل ، كانت الكفالة لازمةً للمباشر دون الآمر ؛ لأنّ المباشر فَعَل باختياره ، والأمر بذلك حثّ وإرشاد.

مسألة ٥٨٤ : مَنْ خلّى غريماً من يد صاحبه قهراً وإجباراً ، ضمن إحضاره‌ أو أداء ما عليه ؛ لأنّه غصب اليد المستولية المستحقّة من صاحبها ، فكان عليه إعادتها أو أداء الحقّ الذي بسببه تثبت اليد عليه.

ولو خلّى قاتلاً من يد الوليّ ، لزمه إحضاره أو الدية وإن كان القتل عمداً ، ولا نوجب عليه عين حقّ القصاص ؛ إذ لا يجب إلّا على المباشر ، فلمّا تعذّر استيفاؤه وجبت الدية ، كما لو هرب القاتل عمداً أو مات ، فإن‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ - ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥ - ٤٩٦.

٤١٩

دفع الدية ثمّ حضر القاتل ، تسلّط الوارث على قتله ، ويدفع ما أخذه من المخلّص ؛ لأنّ الدية إنّما أخذها لمكان الحيلولة وقد زالت.

وإن لم يقتل وتمكّن من استيفاء القصاص ، وجب دفع المال أيضاً إلى صاحبه ، ولا يتسلّط الكفيل لو رضي هو والوارث بالمدفوع بديةٍ ولا قصاص.

ولو تعذّر عليه استيفاء الحقّ من قصاصٍ أو مالٍ وأخذنا المال أو الدية من الكفيل ، كان للكفيل الرجوعُ على الغريم الذي خلّصه قصاصاً.

مسألة ٥٨٥ : إذا كفل بدن شخصٍ ادّعي عليه مال ثمّ قال الكفيل : لا حقّ لك عليه ، قُدّم قول المكفول له‌ ؛ لاستدعاء الكفالة ثبوت المال.

فإن تعذّر إحضاره ، فهل يجب عليه أداء المال من غير بيّنةٍ؟ إشكال أقربه : عدم الوجوب.

وإن أوجبناه فدفع المال ، لم يكن له الرجوعُ على المكفول به ؛ لأنّه اعترف ببراءة ذمّته وأنّه مظلوم في أخذ المال منه ، والمظلوم إنّما يرجع على مَنْ ظَلَمه.

مسألة ٥٨٦ : لو كان لذمّيٍّ على ذمّيٍّ خمرٌ وتكفّل به ذمّيٌّ آخَر ، فأسلم المكفول له أو المكفول عنه ، برئ الكفيل والمكفول عنه.

وقال أبو حنيفة : إذا أسلم المكفول عنه ، لم يبرأ واحد منهما ، ويلزمهما قيمة الخمر ؛ لأنّه كان واجباً ، ولم يوجد إسقاط ولا استيفاء ، ولا وُجد من المكفول له ما أسقط حقّه ، فبقي بحاله(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ المكفول به مسلم ، فلم يجب عليه الخمر ، كما لو كان مسلماً قبل الكفالة ، وإذا برئ المكفول به ، برئ كفيله ، كما لو أدّى الدَّيْن أو أُبرئ منه.

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ٢٤ ، اختلاف الفقهاء : ٢٦٩ ، المغني ٥ : ١٠٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510