تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 418901 / تحميل: 5484
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ووجب الترجيح بها وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران ولا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا لاجل ان دفع المفسدة أولى من ترك المصلحة ضرورة أنه رب واجب يكون مقدما على الحرام في صورة المزاحمة بلا كلام فكيف يقدم على احتماله احتماله في صورة الدوران بين مثليهما فافهم

______________________________

الجانبين (قوله: ووجب) معطوف على (لا يجوز) وضمير بها في المقامين راجع إلى الشك والزيادة (قوله: وكذا وجب) على معطوف (لا يجوز) ايضا يعنى بحيث تكون شدة الطلب تبلغ حدا موجبا للتعيين في محتملها عند الدوران بين التعيين والتخيير (قوله: الحرمة مطلقا) يعني وان لم تكن مشتملة على الشدة والزيادة (قوله: يكون مقدما على) كما لو توقف اتقاذ الغريق على استطراق ارض مغصوبة أو ركوب سفينة كذلك (قوله: على احتماله) ضمير الاول للواجب والثاني للحرام (قوله: مثليهما) اي الواجوب والتحريم. تنبيه. لو بني على التخيير في المقام فهل هو ابتدائي بحيث لا يجوز له في الزمان الثاني اختيار غير ما اختاره اولا، أو استمراري ؟ قولان اقواهما الثاني لعدم الفرق بين الوقائع في نظر العقل فكما يخير في الزمان الاول يخير في الزمان الثاني. ودعوى لزوم المخالفة القطعية لو اختار غير ما اختاره اولا مندفعة بلزوم الموافقة القطعية أيضا ولا ترجيح للموافقة الاحتمالية على الموافقة القطعية الملازمة للمخالفة القطعية. هذا بناء على التخيير العملي أما بناء على التخيير في الأخذ باحد المحتملين فحيث كان المستند فيه اخبار التخيير بين المتعارضين فالمرجع اطلاق تلك الاخبار، ومع عدمه الاستصحاب والظاهر ثبوت الاطلاق لأخبار التخيير من حيث الزمان لأن اختلاف الزمان موجب لتعدد الوقائع التي لا فرق فيها في مرجعية تلك الاخبار كما هو ظاهر بالتأمل، فالتخيير إذا استمراري ايضا وسيأتي انشاء الله في أحكام التعارض ماله نفع في المقام فانتظر والله سبحانه الموفق المعين

٢٨١

فصل

لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الايجاب أو التحريم فتارة لتردده بين المتباينين وأخرى بين الاقل والاكثر الارتباطيين فيقع الكلام في مقامين (المقام الاول) في دوران الامر بين المتباينين. لا يخفى أن التكليف المعلوم بينهما مطلقا - ولو كانا فعل أمر وترك آخر - ان كان فعليا من جميع الجهات بان

______________________________

الدورانه بينه المتباينين

(قوله: بين المتباينين) تباين المكلف به (تارة) يكون بالذات كما لو علم اجمالا بوجوب عتق رقبة أو صيام شهرين (وأخرى) بالعرض كما لو علم اجمالا بوجوب القصر أو التمام، فان القصر إنما يباين التمام بلحاظ اخذ بشرط لا في القصر وشرط شئ في التمام فلا ينطبق احدهما على الآخر، وهذا بخلاف الأقل والأكثر فان الأقل لا يباين الاكثر، بل الاقل بعض الاكثر الموجب لكون وجوده عين وجود الاكثر. وان شئت قلت: لابد في كل علم اجمالي قائم بالمتباينين من امكان فرض قضيتين شرطيتين مقدم احداهما احد الامرين وتاليها نقيض الآخر ومقدم ثانيتهما عين الآخر وتاليها نقيض مقدم الاولى كقولنا: إن كان العتق واجبا فليس الصيام واجبا، وان كان الصيام واجبا فليس العتق واجبا، وان كان القصر واجبا فليس التمام واجبا، وان كان التمام واجبا فليس القصر واجبا، ولا يصح فرضهما في الأقل والاكثر، فلا يقال: إن كانت العشرة واجبة فليست التسعة واجبة لان التسعة بعض العشرة فوجوب العشرة وجوب التسعة وزيادة. ثم إن المراد من القضية السلبية في التالي سلب المعلوم بالاجمال فلا ينافي احتمال فرد آخر غيره. فلاحظ (قوله: الارتباطيين) أما الأقل والاكثر الاستقلاليان فلا اجمال في المكلف به فيهما لأن الأقل معلوم التكليف به والزائد مشكوك التكليف بدوا (قوله: ولو كان فعل امر وترك) لا يخفى أنه إذا علم اجمالا بوجوب شئ وحرمة آخر فلا علم اجمالا

٢٨٢

يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الاجمال والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الاباحة مما يعم أطراف العلم مخصصا عقلا لاجل مناقضتها معه، وإن لم يكن فعليا كذلك - ولو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا عن شمول أدلة البراءة الشرعية للاطراف. ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيلي والاجمالي إلا أنه

______________________________

بوجوب أو تحريم وإنما علم اجمالا بالالزام المردد بين الوجوب والتحريم فلا يدخل في العنوان المذكور في صدر المبحث إلا إذا اريد من المكلف به ما هو اعم من الفعل والترك فانه حينئذ يصح أن يقال: علم بوجوب فعل احدهما أو ترك الآخر أو بحرمة احدهما أو ترك الآخر. لكن عليه كان اللازم الاكتفاء باحد الامرين من الوجوب والتحريم ولا داعي إلى ذكرهما معا، والامر سهل (قوله: فلا محيص عن تنجزه) قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن التكليف الفعلي من جميع الجهات حيث كان مضادا للترخيص الشرعي فلا فرق بين العلم به والظن به واحتماله ولو موهوما في امتناع شمول ادلة الترخيص لأن شمولها يوجوب إما العلم بالمتضادين أو الظن بهما أو احتمالهما، والجميع ممتنع ولا ميز للعلم الاجمالي على الظن والاحتمال في امتناع شمول ادلة الترخيص لمورده دون موردهما، بل الجميع مما لا مجال لشمول ادلة الترخيص لمورده. نعم بينهما ميز في ثبوت الترخيص العقلي وعدمه فان العلم لما كان واجدا لمقتضي الحجية سواء أكان بنحو العلية التامة أم مجرد الاقتضاء امتنع الترخيص العقلي في مخالفته، وليس كذلك الظن والاحتمال. هذا لو لم يكن معنى فعليته من جميع الجهات مساوقا لتنجزه وإلا فلا مجال لاحتمال فعليته من جميع الجهات مع عدم المنجز له في ظرف الشك فيه (قوله: لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا) (اما) عدم المانع عقلا فلان العلم الاجمالي ليس علة تامة للتنجز

٢٨٣

* كالعلم التفصيلي حتي يمتنع الترخيص الشرعي في مخالفته لكونه ترخيصا في المعصية قبيحا في نظر العقل كما أشار إليه في مبحث القطع. هذا وقد عرفت هناك ما فيه وأن العلم الاجمالي ليس سنخا غير سنخ العلم التفصيلي، بل كشفه واراءته لمتعلقه كشف العلم التفصيلي عنه، بل هو هو غاية الامر يشك في انطباقه على كل واحد من اطرافه على البدل، وهو امر خارج عن متعلق العلم، وقد يكون المعلوم بالتفصيل كذلك فيشك فيما علم وجوب اكرامه تفصيلا أنه عالم أو جاهل أو غني أو فقير... إلى غير ذلك من العناوين المنطبقة عليه، فكما لا يقدح ذلك في كشف العلم التفصيلي عن متعلقه لا يقدح الشك في انطباق المعلوم بالاجمال في كشف العلم الاجمالي عن متعلقه كما هو ظاهر. نعم الشك المذكور يوجب كون كل واحد من الاطراف موضوعا لادلة الاصول، وهذا المقدار لا أثر له في عدم منجزية العلم لأن إعمال أدلة الاصول في كل واحد من الاطراف يتوقف على عدم المانع عقلا عنه فإذا كان العلم الاجمالي منجزا لمتعلقه في نظر العقلاء منع ذلك من إعمال ادلة الاصول لأن إعمالها يكون ترخيصا في محتمل المعصية وهو قبيح عقلا. فالعمدة حينئذ هو اثبات هذه الجهة، اعني كونه منجزا في نظر العقلاء محدثا بمجرد حدوثه للداعي العقلي نحو موافقته كما في العلم التفصيلي فيكون ذلك مانعا عن اجراء الاصول في الاطراف، وإلا فمجرد كون كل واحد من الاطراف مشمولا لأدلة الاصول لا أثر له في رفع منجزيته، وقد عرفت فيما سبق أن احداثه للداعي العقلي إلى موافقته مما لا مجال للريب فيه عند العقلاء، إذ لافرق عندهم في حدوث الداعي المذكور بين أن يسمع العبد مولاه يقول: اكرم هذا، مشيرا إلى معين، وبين أن يسمعه يقول: اكرم زيدا، مع تردد زيد في نظر العبد بين شخصين معينين، وكما ينبعث نحو موافقة العلم في الاول بمجرد حصوله ينبعث نحو موافقته في الثاني ايضا كذلك ولا يتوقف حدوث الداعي له على عدم ورود الترخيص في مخالفته بحيث يكون منتظرا لذلك، بل لو سمع المولى يقول: لا تكرم هذا ولا ذلك لانك لا تعرف كلا منهما أنه زيد، عد ذلك منه مخالفا لقوله الأول مضادا له، وأقل

٢٨٤

* سبر لحال العقلاء في هذا المقام كاف في اثبات ما ذكرنا. مع ان ما ذكره المصنف (ره) لا يكاد يلتزم به هو (ره) ولا غيره في جميع الموارد الفقهية، وان صدر من بعضهم ما يوهم ذلك كان في مقام التشكيك وابداء الاحتمال مما لا يعد خلافا في المسألة فراجع كلماتهم في المباحث الفقهية وتامل (واما) عدم المانع شرعا فلان المحتمل في المنع احد امرين (الاول) ان موضوع ادلة الاصول ما لم يعلم انه حرام، وهذا العنوان مما لا يحرز في كل واحد من الاطراف لأن المعلوم بالاجمال لما كان معلوما أنه حرام فمع احتمال انطباقه على كل واحد من الطرفين يكون كل واحد منهما مما يحتمل أنه معلوم الحرمة واحتمال انه معلوم الحرمة ينافي احراز انه لم يعلم انه حرام، ومع عدم احراز عنوان العام لا يجوز التمسك بالعام (وهذه) الشبهة ذكرها المصنف (ره) في مجهول التاريخ في مبحث الاستصحاب ولم يذكرها هنا مع عدم ظهور الفرق بين المقامين (وحاصل) الوجه في دفعها: أن العلم ليس من الصفات التي تسري إلى ما ينطبق عليه موضوعها كالصفات الخارجية حتى يصح قياسها عليها بحيث يكون حال العلم حال نفس النجاسة، فكما أن احتمال انطباق النجس المعلوم بالاجمال على كل واحد من الاطراف موجبا لاحتمال كون كل واحد منها محتملا أنه نجس يكون احتمال انطباق المعلوم الحرمة على كل واحد من الاطراف موجبا لاحتمال كونه معلوم الحرمة بل ليس العلم إلا قائما بنفس الصورة لا يتعداها إلى ما تتحد معه تلك الصورة خارجا. والوجه في ذلك: انه لا ريب في مضادة الشك للعلم كما لا ريب في كون كل واحد من الاطراف مشكوك الحرمة فيمتنع ان يحتمل انه معلوم الحرمة، وهذا واضح بانى تأمل (الثاني) لزوم التناقض في مدلول أدلة الاصول لو بني على تطبيقها على كل واحد من الطرفين. فان قوله (ع): كل شئ لك حلال حتى تعلم انه حرام، لو بني على تطبيق صدره على كل واحد من الطرفين كان اللازم تطبيق ذيله على المعلوم بالاجمال فيلزم التناقض لأن عدم حل المعلوم بالاجمال وحل كل واحد من طرفيه مما لا يجتمعان (وفيه) أن هذا الاشكال على تقدير تماميته - كما سيجيئ توضيح الحال فيه في الاستصحاب انشاء الله - مختص بمثل

٢٨٥

* روايتي مسعدة وابن سنان المشتملتين على قوله (ع): فتدعه، فيكون نظير قوله (ع) في بعض أخبار الاستحصاب: ولكن تنقضه بيقين آخر، ولا مجال له في مثل احاديث الوضع والرفع والسعة، بل وفي مثل كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام لأن عدم الحكم على المعلوم بالاجمال من حيث كونه معلوما لا ينافي الحكم بالحل على كل واحد من طرفيه لكونه مشكوكا لجواز اجتماع عناوين متعددة بعضها موضوع للحكم وبعضها غير موضوع له، فان زيدا العالم يجب اكرامه لكونه عالما ولا يجب اكرامه لكونه غنيا أو فقيرا أو طويلا أو قصيرا... إلى غير ذلك. اللهم إلا أن يستفاد منه أن الحكم بالحل على المشكوك لعدم المقتضي للمنع وعدم الحكم به على المعلوم الحرمة لوجود المقتضي للمنع، وحينئذ ففعلية الحل لا تكون الا في ظرف عدم المانع عنه المقتضي للمنع، فلا يمكن تطبيق الرواية الا في مورد لا يكون فيه مانع عن الحكم بالحل كالشبهات البدوية، بل يشكل التمسك حينئذ بمثل حديث الرفع أيضا لوقوع التعارض بينه وبين الغاية في هذه الرواية الموجب لتقديم الغاية لعدم التنافى بين المقتضي واللا مقتضي، ويكون مفاد مجموع الأدلة أن المشكوك لا مقتضي فيه للمنع، والمعلوم فيه مقتضى المنع ففي الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي لا مجال لفعلية الحل في كل واحد من الاطراف للاقتران بالمانع. فلاحظ وتأمل (ثم انه) لو بني على شمول ادلة الاصول لكل واحد من الاطراف فلابد من رفع اليد عنها لما عرفت من كون العلم علة تامة للتنجز فيكون الترخيص في اطرافه ترخيصا في المعصية وهو قبيح بل ممتنع لانه نقض للغرض ومضاد للحرمة المعلومة كما عرفت الاشارة إليه في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية (فان قلت): رفع اليد عن عموم أدلة الاصول إنما يتم لو كان العلم الاجمالي علما حقيقيا أما لو كان دليلا علميا كالعموم أو الاطلاق أو نحوهما من الظهورات فلا وجه لتعين رفع اليد عن عموم أدلة الاصول بل يدور الامر بين رفع اليد عنها وبين رفع اليد عن الدليل المثبت للحرمة اجمالا، فلابد حينئذ من الرجوع إلى الاقوى فقد يكون عموم

٢٨٦

* الأصل وقد يكون دليل الحكم المعلوم بالاجمال (قلت): هذا الاشكال وان أجيب عنه بوجوه كثيرة، إلا أن التحقيق في الجواب أن اصالة الظهور في دليل التحريم حاكمة على اصالة العموم في دليل الأصل لأن أصالة الظهور في كل مقام انما تجري في مورد يحتمل مطابقة مؤداها للواقع اما لو علم بعدم مطابقة مؤداها للواقع فلا موضوع لها واعمال اصالة الظهور في دليل التحريم يوجب العلم بعدم مطابقة أصالة الظهور في دليل الأصل للواقع دون العكس لأن إعمال اصالة الظهور في دليل التحريم يوجب تنجز التحريم عند العقل، وحينئذ يمتنع الترخيص في مخالفته فيعلم بعدم مطابقة الظهور لدليل الترخيص للواقع فلا موضوع لأصالة الظهور فيه، وإعمال اصالة الظهور في دليل الترخيص لا يوجب العلم بعدم مطابقة ظهور دليل التحريم للواقع لامكان مطابقته للواقع حينئذ وانما توجب سقوط الظهور عن الحجية فيه إذ المصحح للترخيص عدم الحجة على التحريم الواقعي لا عدم التحريم في نفسه (والوجه) في أصل الاشكال توهم التنافي بين التحريم الواقعي والترخيص فتتعارض اصالة الظهور المثبتة لهما فلابد من الأخذ بالأقوى، وليس الامر كذلك لما عرفت من عدم التضاد بين الحكم الواقعي والظاهري وانما التنافي بين الحجة على الحكم الواقعي والترخيص في مخالفته فيكون العلم بالحجة على الحكم الواقعي وهي اصالة الظهور في دليل التحريم موجبا للعلم بعدم الترخيص فلا، مجال لاعمال اصالة الظهور في دليل الترخيص للعلم بمخالفتها للواقع، وليس العلم بالحجة على الترخيص موجبا للعلم بعدم التحريم واقعا، بل هو مستحيل إذ لا ترخيص الا في مورد الشك فيه فلا تكون اصالة الظهور في دليل الترخيص رافعة لموضوع اصالة الظهور في دليل الواقع، بل هذه مزيلة وتلك مزالة فلا يتعارضان (فان قلت): إذا كان العلم الاجمالي علة تامة للتنجز بنحو يمتنع الترخيص في مخالفته كان اللازم عدم العمل على الامارة القائمة على نفي التكليف في بعض الاطراف كما لو قامت البينة على طهارة احد الاناءين في الشبهة المحصورة، مع أنه لا ريب في جواز العمل عليها، فيكشف ذلك عن جواز الترخيص في مخالفته فلا يكون علة لوجوب الموافقة القطعية،

٢٨٧

* (قلت): قد عرفت الاشارة في مبحث القطع إلى أنه لا مجال للتفكيك في اقتضاء العلم الاجمالي بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، وما ذكر في السؤال لا يدل على خلاف ذلك لأن المقصود من كونه علة لوجوب الموافقة القطعية أنه يقتضي تنجز المعلوم بقول مطلق وليس للشارع الاقدس التصرف في مقام منجزيته له والردع عنها لا أنه بحيث يمنع عن تصرف الشارع الاقدس في مقام الفراغ، فان العلم التفصيلي - مع انه لا اشكال في منجزيته لمتعلقه - قد ثبت تصرفه في مقام الفراغ عنه بجعل الامارات والاصول المفرغة، مثل قاعدتي التجاوز والفراغ واصالة الطهارة من الخبث واستصحاب الطهارة من الحديث ونحوها والبينة القائمة على طهارة أحد الاناءين في الشبهة المحصورة من هذا القبيل، فان مدلولها المطابقي وان كان هو طهارة ما قامت على طهارته من الاناءين، الا ان مدلولها الالتزامي كون الآخر هو النجس، فمقتضي حجيتها في مدلولها الالتزامي أن ترك الآخر ترك المعلوم بالاجمال وفراغ عنه، فحجيتها في هذا المقام تصرف في مقام الفراغ عما تنجز بالعلم لا تصرف في أصل التنجز الممنوع عنه عقلا بناء على انه علة لوجوب الموافقة القطعية، وهذا هو ما اشتهر من جواز الترخيص بعد جعل البدل، واصل الطهارة ونحوه من الاصول النافية للتكليف انما امتنع جريانها في أحد الاطراف لانها لا تصلح لتعيين المعلوم بالاجمال الابناء على الأصل المثبت الذي لا نقول به (فان قلت): إذا جاء الترخيص بعد جعل البدل فلم لا يكون عموما أدلة الأصول بعد ما كان شاملا لكل واحد من الأطراف كاشفا عن جعل البدل ؟ فان عمومه لكل واحد منها وان كان شموليا لا بدليا إلا أنه لما امتنع ذلك لأنه ترخيص في المعصية فليحمل على أنه بدلي ويكون كاشفا عن جعل مقدار الحرام بدلا على البدل إذ هو أولى من رفع اليد عنه بالنسبة إلى جميع الأطراف بالمرة (قلت): قد عرفت سابقا أن المصحح للترخيص في نظر العقل ليس مجرد جعل البدل واقعا بل المصحح هو العلم بجعل البدل، واحتمال جعل البدل واقعا غير كاف بل هو نظير احتمال مخالفة الحجة القائمة على ثبوت المعلوم بالاجمال للواقع لا يصلح

٢٨٨

* عذرا في نظر العقل، فما لم يعلم العقل بجعل البدل يرد الترخيص، فإذا كانت صحة الترخيص في نظر العقل موقوفة على العلم بجعل البدل امتنع استكشاف جعل البدل من دليل الترخيص لأنه دور، فانه على هذا يكون العلم بجعل البدل موقوفا على العلم بالترخيص، وقد عرفت أن العلم بالترخيص موقوف على العلم بجعل البدل، (وبالجملة): احتمال جعل البدل لما لم يكن حجة على جعله ولا يصلح عذرا في نظر العقل كان اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية بحاله فيكون الترخيص في بعض الأطراف ترخيصا في محتمل المعصية الممتنع، فلا يخرج الترخيص عن كونه ترخيصا في محتمل المعصية حتى يكون جعل البدل معلوما محرزا فيمتنع استفادة العلم بجعل البدل من قبل دليل الترخيص. نعم لو فرض النص من الشارع الأقدس على جواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة لابد حينئذ من استفادة جعل البدل صونا لكلام الحكيم عن اللغوية، لكن هذا ليس مما نحن فيه لأن الكلام في استفادة جعل البدل من نفس دليل الترخيص بحيث يكون مدلولا التزاميا له فانه موقوف على احتمال ارادة الترخيص، وقد عرفت القطع بعدم ارادته لأنه ترخيص في المعصية والاستفادة في الفرض المذكور ليست من نفس الكلام الملقي إلى المكلف بل من قاعدة امتناع صدور اللغو من الحكيم. فتأمل في المقام فانه به حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (فان قلت): لو نذر المكلف ان يتصدق بدرهم لو لم يكن مشغول الذمة لزيد بدرهم، فانه يعلم اجمالا اما بوجوب دفع درهم لزيد وفاء لما في ذمته واما بوجوب الصدقة بدرهم، ولا ريب في جريان استصحاب عدم اشتغال ذمته بدين لزيد، وهذا الاستصحاب اصل ناف جار في بعض اطراف العلم وليس متعرضا لمقام الفراغ وجعل البدل فيكشف ذلك عن عدم وجوب الموافقة القطعية (قلت): ما ذكرت من جريان الاصل المذكور مسلم وكذا عدم كونه من قبيل جعل البدل لانه لابدان يكون بلسان تعيين المعلوم بالاجمال والاصل لا يفي بذلك الا بناء على الاصل المثبت، والوجه في جريانه - مع انه اصل ناف للتكليف - ان من آثار موارده ثبوت التكليف في الطرف الآخر

٢٨٩

* لا مجال للحكم الظاهري مع التفصيلي فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات وله مجال مع الاجمالي فيمكن أن لا يصير فعليا معه لامكان جعل الظاهري في اطرافه وإن كان فعليا من غير هذه الجهة فافهم. ثم إن الظاهر أنه لو فرض أن المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقا ولو كانت أطرافه غير محصورة وإنما التفاوت بين المحصورة وغيرها

______________________________

فيكون من قبيل الاصل المثبت للتكليف في احد الاطراف فيوجب انحلال العلم الاجمالي كما تقدم تفصيله فراجعه. ومن هنا يظهر لك الفرق بين جعل البدل وبين الانحلال مع اشتراكهما في عدم لزوم الاحتياط فان الاول يلزم فيه ان يكون متعرضا لتعيين المعلوم بالاجمال ولا كذلك الثاني، ويلزم في الثاني ان يكون متقدما أو مقارنا للعلم ولا يلزم ذلك في جعل البدل، فان الامارة القائمة بعد العلم على تعيين المعلوم بالاجمال تسوغ ارتكاب بقية الاطراف، ولا كذلك الاصل المثبت للتكليف في بعض الاطراف إذا كان متاخرا عن العلم كما عرفت ذلك كله في مبحث الانحلال والله سبحانه اعلم (قوله: لا مجال للحكم الظاهري) لأن العلم التفصيلي لا يكون مقرونا بالشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري فلا يمكن جعل الحكم الظاهري معه (قوله: وله مجال مع الاجمالي) أي وللحكم الظاهري مجال مع العلم الاجمالي (قوله: لامكان جعل) لاقترانه بالشك (قوله: فعليا من غير) اي فعليا من سائر الجهات بحيث لو علم تفصيلا لتنجز وان لم يكن فعليا من الجهة التي تضاد الترخيص وجعل الحكم الظاهري (قوله: ولو كانت أطرافه غير محصورة) إشكال على ما اشتهر من وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي إذا كانت محصورة وعدم وجوبه إذا كانت اطرافه غير محصورة، وحاصل الاشكال: ان الحكم المعلوم بالاجمال ان كان فعليا من جميع الجهات بحيث يمتنع الترخيص في مخالفته ولو في حال الشك فيه يجب الاحتياط في اطرافه وان كانت غير محصورة لامتناع الترخيص في بعض الاطراف حتى لا يجب الاحتياط فيه، وان لم يكن

٢٩٠

هو ان عدم الحصر ربما يلازم ما يمنع عن فعلية المعلوم مع كونه فعليا لولاه من سائر الجهات (وبالجملة) لا يكاد يرى العقل تفاوتا بين المحصورة وغيرها في التنجز وعدمه فيما كان المعلوم اجمالا فعليا يبعث المولى نحوه فعلا أو يزجر عنه كذلك مع ما هو عليه من كثرة أطرافه والحاصل أن اختلاف الاطراف في الحصر وعدمه لا يوجب تفاوتا في ناحية العلم ولو أوجب تفاوتا فانما هو في ناحية المعلوم في فعلية البعث أو الزجر مع الحصر وعدمها مع عدمه فلا يكاد يختلف العلم الاجمالي باختلاف الاطراف قلة وكثرة في التنجيز وعدمه ما لم يختلف المعلوم في الفعلية وعدمها بذلك وقد عرفت آنفا أنه لا تفاوت بين التفصيلي والاجمالي في ذلك ما لم يكن تفاوت

______________________________

فعليا كذلك بحيث يصح الترخيص في بعض اطرافه لا يجب الاحتياط في اطرافه وان كانت اطرافه محصورة كما عرفت سابقا فكون الاطراف محصورة أو غير محصورة مما لا أثر له في الفرق من حيث وجوب الاحتياط وعدمه، بل الفرق في ذلك انما ينشأ من اختلاف المعلوم من حيث كونه فعليا من جميع الجهات بحيث يضاده الترخيص الشرعي أو غير فعلي بحيث لا يضاده الترخيص الشرعي (قوله: هو ان عدم الحصر) يعني عدم حصر الأطراف قد يلازم وجود المانع من فعلية الحكم من سائر الجهات بحيث لولا المانع الملازم لكان فعليا من سائر الجهات غير الجهة التي تضاد الترخيص ولأجل المانع لا يكون فعليا من سائر الجهات بحيث لو علم به تفصيلا لما تنجز، وذلك مثل الخروج عن محل الابتلاء أو الاضطرار إلى الارتكاب أو غيرهما مما سيذكره المصنف (ره) (قوله: لولاه من سائر) ضمير (لولاه) راجع إلى (ما يمنع) و (من سائر) متعلق بقوله: (فعليا) (قوله: في فعلية) بيان ل‍ (ناحية المعلوم) و (مع الحصر) متعلق ب‍ (فعلية) (قوله: والاجمالي في ذلك)

٢٩١

في طرف المعلوم أيضا فتأمل تعرف وقد انقدح أنه

______________________________

المشار إليه التنجيز وعدمه (قوله: في طرف المعلوم) يعني من حيث كونه فعليا من جميع الجهات وليس فعليا كذلك فان العلم التفصيلي لما لم يكن معه الشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري صار الحكم معه فعليا من جميع الجهات والعلم الاجمالي لما كان معه الشك لم يكن الحكم معه كذلك. ثم إن اوجه ما يذكر في الفرق بين العلم بالمردد بين الأطراف المحصورة والعلم بالمردد بين الأطراف غير المحصورة أن احتمال انطباق المعلوم بالاجمال في الثاني على كل واحد من الاطراف لما كان ضعيفا لم يكن محركا على الموافقة بخلاف الأول، للفرق الواضح بين العلم بنجاسة اناء مردد بين اناءين وبين العلم بنجاسة اناء مردد بين عشرة الآف فان احتمال الانطباق في الاول لما كان قويا كان محركا على الموافقة وفي الثاني لما كان ضعيفا لم يصلح ان يكون محركا ونظيره في العرفيات سب أحد ثلاثة على الاجمال وسب واحد من اهل البلد كذلك إذ في الاول يتأثر كل واحد من الثلاثة، وفي الثاني لا يتأثر واحد من أهل البلد، وكذا لو علم أن في احد الاناءين سما فانه يمنع من استعمالهما معا ولا كذلك العلم بان في احد عشرة الآف سما فانه لا يصلح رادعا عن الارتكاب. وفيه أنه إن كان الغرض أن نفس العلم المتعلق بالامر المردد بين الامور غير المحصورة لا يصلح ان يكون بيانا على متعلقه ومنجزا له، ففيه ما عرفت من انه إذ لا قصور في ناحية العلم لكشفه عن متعلقه كشفا تاما، ولا في ناحية المعلوم لكونه فعليا بحيث لو علم به تفصيلا لوجبت موافقته فلم لا يكون بيانا عليه ؟ وان كان الغرض انه ينجز متعلقه لكن احتمال انطباقه على كل واحد لما كان ضعيفا لم يحدث داعيا إليه، ففيه أنه بعد تنجز المعلوم واستحقاق العقاب على مخالفته كيف لا يكون احتمال انطباقه على كل واحد من الاطراف موجبا لحدوث الداعي العقلي إلى اجتناب كل واحد منها ؟ مع أن احتمال الانطباق ملازم لاحتمال العقاب على تقدير الارتكاب المانع من جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان. واما ما ذكر من ضعف احتمال

٢٩٢

* لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة

______________________________

الانطباق، ففيه أنه مسامحة لأن ضعف احتمال الانطباق يلازمه قوة احتمال عدم الانطباق الذى هو الظن بعدم الانطباق ويلازمه الظن بالانطباق على غير الأطراف وهو خلف (وبالجملة): العلم المذكور بعد ما كان بيانا على متعلقه كان منجزا له، وحينئذ فيكون احتمال انطباقه على كل واحد من الأطراف ملازما لاحتمال العقاب على تقدير المخالفة، وهذا الاحتمال لابد أن يكون داعيا في نظر العقل موجبا لرجحان الاحتياط في كل واحد من الأطراف على عدمه وان كان ذلك الاحتمال ضعيفا جدا، ولذا لو فرض كون احتمال الانطباق على بعض الأطراف في الشبهة المحصورة كان ضعيفا لا مجال لتوهم عدم وجوب الاحتياط عقلا فيه. وأما ما ذكر من الأمثلة العرفية فلا مجال للاستشهاد به للفرق بينها وبين ما نحن فيه، فان قاعدة وجوب دفع الضرر المقطوع به أو المظنون أو المحتمل وان كانت من القواعد الفطرية الموجبة للداعي النفسي إلا أن باب تزاحم الدواعي واسع جدا، فقد يترجح عندهم الاقدام على الضرر المحتمل لداع آخر أهم إذ لو فرض الاجتناب عما يحتمل عندهم كونه سما لتردده بين الاطراف غير المحصورة لزم الهرج والمرج لوجود هذا الاحتمال في اكثر موارد الابتلاء، وكذا الحال في السباب فان سب واحد من أهل البلد لا يكون نقصا في كل واحد لكثرة وجود من يستحق السب في اكثر البلاد، وسب واحد من اثنين يكون نقصا في كل واحد لندرة الاستحقاق، ولذا ترى الانسان لا يتأثر إذا قيل له: أنت تغضب في السنة مرة، بل لعله يعده مدحا لكثرة وقوع الغضب من اكثر أفراد الانسان، ويغضب إذا قيل له: أنت تغضب في كل ساعة مرة (وبالجملة): لا مجال لقياس ما نحن فيه على الامور العرفية، والتأمل يشهد بذلك. فتأمل. ويمكن أن يقال: ان الشبهة بعد ما لم تكن الا محصورة أو غير محصورة كان الفرق بينهما دائما بزيادة واحد والعقل لا يجد لزيادة الواحد دخلا في عدم وجوب الاحتياط. فلاحظ، (قوله: لا وجه لاحتمال عدم) مما ذكرنا هنا وفي مبحث القطع الاجمالي

٢٩٣

مخالفتها ضرورة أن التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا وإلا لم يحرم مخالفته كذلك ايضا. ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معينا أو مرددا أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كايام حيض المستحاضة مثلا لما وجب موافقته بل جاز مخالفته وأنه لو علم فعليته ولو كان بين أطراف تدريجية لكان منجزا ووجب موافقته فان التدرج لا يمنع عن الفعلية ضرورة أنه كما يصح التكليف بامر حالي كذلك يصح بامر استقبالي كالحج في الموسم للمستطيع فافهم.

______________________________

يتضح لك سقوط هذا الاحتمال. فراجع وتأمل (قوله: مخالفتها) هذه الاضافة لا تخلو من سماجة وتقدم مثلها (قوله: أو من جهة تعلقه بموضوع) هذا لا ينبغي عده قسما مقابلا لما قبله فانه من القسم الاول أعني عدم الابتلاء، (قوله: كأيام حيض المستحاضة) يعني لو ابتلي الرجل بزوجته في أثناء الشهر فوجدها مستمرة الدم فانه يعلم بان لها أيام حيض يحرم فيها نكاحها لكن لا يدري انها فيما مضى أو في الحال أو فيما يأتي (قوله: بين أطراف تدريجية) كما لو نذر أن يصوم يوم الجمعة وتردد بين غده وما بعده فانه يعلم اجمالا بوجوب صوم الغد أو ما بعده وهما مترتبان زمانا ولا يقدح ترتبهما في وجوب الاحتياط. ودعوى أن ما بعد الغد مستقبل فلا يصح التكليف به لعدم القدرة عليه قبل وجوده فلا علم اجمالي بالتكليف. مندفعة بانه يصح التكليف بالاستقبالي كما يصح بالحالي كما هو موضح في الواجب المعلق، ونظيره التكليف بالحج في الموسم وهو أيام الحج من شهر ذي الحجة فانه يتحقق عند خروج الرفقة عليه بمدة طويلة،

٢٩٤

تنبيهات

(الأول): أن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين ضرورة

______________________________

 (قوله: ان الاضطرار كما يكون) اعلم ان الاضطرار إلى مخالفة العلم في بعض الاطراف (تارة) يكون إلى واحد معين (وأخرى) يكون إلى واحد غير معين، وكل منهما إنما أن يكون حال العلم، واما أن يكون طاريا بعده، وكل منهما إما أن يرتفع الاضطرار بحيث يحسن التكليف به حال العلم معلقا على ارتفاع الاضطرار، اولا اما لاستمرار الاضطرار إلى آخر العمر أو لارتفاعه في زمان بعيد عن العلم بحيث لا يحسن التكليف به. ولا بأس بالتعرض لاحكام كل واحدة من الصور تفصيلا (فنقول): إذا كان الاضطرار إلى معين حال العلم مستمرا أو مرتفعا بحيث لا يحسن التكليف به حال العلم معلقا فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب الاحتياط في بقية الاطراف لعدم العلم بالتكليف وان علم بموضوعه فان الفرد المضطر إليه مما يعلم بعدم التكليف به والفرد الآخر مما يشك في كونه موضوعا له فيكون التكليف به مشكوكا بدوا (فان قلت): لا ريب في كون الشك في الاضطرار إلى الحرام موضوعا لوجوب الاحتياط فالموضوع المحرم محرز الثبوت وانما الشك في الاضطرار إليه، فلا وجه لرفع اليد عن التكليف مع الشك في الاضطرار إليه (قلت): ما نحن فيه مما لم يحرز فيه موضوع التكليف لما عرفت من أن المضطر إليه خارج عن حيطة التكليف قطعا والطرف الآخر مما أحرز عدم الاضطرار إليه ويشك في كونه موضوعا للتكليف. نعم لو احرز موضوع التكليف كهذا الاناء المعين وشك في الاضطرار إليه كان ذلك مجرى لاصالة الاحتياط (وان كان) الاضطرار إلى المعين حال العلم يعلم بارتفاعه بحيث يحسن التكليف به بعده وجب الاحتياط في الطرف الآخر للعلم الاجمالي بالتكليف بالامر المردد بينه وبين المضطر إليه بعد ارتفاع الاضطرار. مثلا إذا

٢٩٥

حدث العلم بغصبية احد الاناءين يوم الخميس مع الاضطرار إلى استعمال الأبيض منهما إلى صباح الجمعة فانه يعلم بوجوب الاجتناب اما عن الابيض يوم الجمعة لو كان هو النجس أو الاسود من الآن فيجب الاجتناب عن الاسود لانه أحد الفردين المعلوم وجوب الاجتناب عن أحدهما (وان طرأ) الاضطرار إلى معين بعد حدوث العلم مستمرا أو بحيث لا يحسن التكليف به معلقا حال العلم وجب الاحتياط في الطرف الآخر، وذلك لأن التكليف بالمضطر إليه على تقديره وان كان ينتهي بالاضطرار إلا أن العلم الاجمالي حين حدوثه لما نجز المعلوم بالاجمال المحتمل الانطباق على الطرف الآخر كما يحتمل انطباقه على المضطر إليه قبل زمان الاضطرار وجب الاحتياط في الطرف غير المضطر إليه لاصالة الاشتغال، وان ارتفع العلم بالتكليف فعلا لانه يكفي في بقاء تنجز الصوم المردد بقاء العلم به ولو بعد موافقته في بعض أطرافه، ولا يعتبر في بقاء التنجز بقاء العلم بالتكليف الفعلي الباقي ببقاء العلم كما لو علم بوجوب صوم أحد اليومين من الخميس والجمعة فصام الخميس فانه في عشاء الجمعة لا يعلم بالتكليف فعلا لكنه يعلم بوجوب صوم اليوم المردد بين اليومين وهو كاف في بقاء تنجزه، فلم يكن بد من الاحتياط بصوم يوم الجمعة لقاعدة الاشتغال وان كان صوم يوم الجمعة مشكوك الوجوب لأن الشك في التكليف انما يكون موردا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان إذا لم يحتمل كونه المنجز، والا كان المرجع فيه قاعدة الاشتغال، ولذا لو شك في التكليف الذي علم ثبوته تفصيلا للشك في امتثاله كانت هي المرجع دون اصالة البراءة كما هو واضح فكذا في المقام (وان كان) الاضطرار إلى المعين طارئا بعد حدوث العلم ويعلم بارتفاعه في زمان يحسن التكليف به حال العلم معلقا وجب الاحتياط في الطرف الآخر لما عرفت وللعلم الاجمالي بالمردد بينه وبين المضطر إليه بعد العلم كما عرفته في الصورة الثانية فهذه صور أربع للاضطرار إلى معين لا يجب الاحتياط في الاولى منها ويجب في الثلاث الأخيرة (ولو كان) الاضطرار إلى غير المعين فصوره ايضا أربع وهي الجارية في الاضطرار إلى معين بعينها، ففي الصورة الاولى لا يجب الاحتياط

٢٩٦

* في غير ما اختاره عند المصنف (ره) خلافا لشيخه - رحمه الله - في رسائله فاوجب الاحتياط فيه، والوجه فيما اختاره المصنف (ره): ما ذكره في المتن من أن الاضطرار لما كان مانعا من فعلية التكليف كان الاضطرار إلى غير المعين موجبا لتضييق دائرة التكليف وتقييده بغير ما اختار فيكون ما اختاره اولا حلالا وما يبقى مشكوك الحرمة بدوا للشك في كونه هو النجس والاصل فيه البراءة، وقد عرفت في المقدمة الرابعة من مقدمات الانسداد الاشكال عليه من بعض مشايخنا المعاصرين دام تأييده، كما عرفت دفع ذلك الاشكال فيما هو محل الكلام من ارتكابهما تدريجا أما لو ارتكبهما دفعة فلا ينبغي التأمل في تحقق المعصية لاندفاع الاضطرار بغير الحرام جزما فلا وجه لارتفاع حرمته. وتوضيحه يظهر من ملاحظة تقريب الاشكال هناك فراجع وتأمل. وربما يوجه ما ذكره شيخنا في رسائله بان الاضطرار إلى واحد غير معين ليس اضطرارا إلى الحرام، ولذا لو انكشف الحال وارتفع الاجمال كان المتعين أنه الحلال كافيا في رفع الاضطرار، وإذا لم يكن الاضطرار إلى الحرام لا وجه لرفع اليد عن فعلية التكليف به غاية الامر أن العقل يعذر في ارتكاب واحد منهما فيبقي الباقي على منعه لأن الترخيص الآتي من قبل الاضطرار انما يمنع عن تحصيل العلم بالموافقة فيسقط وجوبه لا عن نفس الموافقة فيبقي وجوبها (وفيه) أنه لا ريب في أن الاضطرار إلى واحد غير معين من الامرين اضطرار إلى كل منهما تخييرا ولا فرق بين الاضطرار التعييني والتخييري في رفع فعلية التكليف (فان قلت): لازم ذلك جواز الارتكاب للنجس حتى لو ارتفع الاجمال (قلت): لا يجوز حينئذ لامكان الجمع بين غرضي الشارع وهما رفع الاضطرار والاجتناب عن النجس، ولولا ما ذكرنا من كون الاضطرار التخييري كالتعييني لم يكن وجه للترخيص في ارتكاب واحد من الأطراف لأن التكليف بالحرام إذا كان غير مزاحم بشئ كان مطلقا من حيث الانطباق على كل واحد من الطرفين، ومع هذا الاطلاق لا مجال للترخيص في بعض الاطراف فانه مناف للواقع المعلوم اجمالا كما هو ظاهر، فلا يكون الترخيص الا من جهة تقييد

٢٩٧

أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعيينا أو تخييرا وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم أو لا حقا وذلك لأن التكليف (١)

______________________________

الواقع بحالة عدم انطباقه على ما يختار، ولذا لا ريب في ان ما يختاره لرفع الاضطرار حلال واقعا وان كان هو النجس، وذلك كله شاهد بكون الاضطرار إلى غير المعين اضطرارا إلى الحرام في الجملة ولو تخييرا وانه كاف في تقييد الواقع. فلاحظ (وأما) بقية صور الاضطرار إلى غير معين فيعلم الحكم فيها مما تقدم في الثلاث الأخيرة من صور الاضطرار إلى معين لعدم الفرق بينها في مقتضيات الاحتياط. ويعلم ذلك بمقايسة كل صورة إلى نظيرتها، فلاحظ والله سبحانه ولي التوفيق (قوله: انه مطلقا) يعني سواء أكان اضطرارا إلى معين ام إلى غير معين (قوله: ارتكاب) يعني في الشبهة التحريمية (قوله: أو تركه) يعني في الشبهة الوجوبية (قوله: تعيينا) يعني إذا كان الاضطرار إلى معين (قوله: أو تخييرا) يعني إذا كان الاضطرار إلى غير معين (قوله: وهو ينافي العلم) لأن جواز ارتكاب واحد ينافي حرمته على تقدير الارتكاب فلابد من تضييق دائرة الحرمة وتقييد اطلاقها فتختص بالنجس ان كان هو الباقي ولا تكون له ان كان ما ارتكب فيكون ثبوت الحرمة مشكوكا للشك في كون الباقي هو النجس كما عرفت بيانه ايضا في الحاشية السابقة (قوله: وكذلك لا فرق) يعني فلا يجب الاحتياط في الباقي ولو كان الاضطرار مطلقا لاحقا للعلم الاجمالي (قوله: وذلك لان التكليف) اشارة إلى وجه القول بوجوب

______________

(١) لا يخفى ان ذلك انما يتم فيما كان الاضطرار إلى احدهما لا بعينه واما لو كان إلى احدهما المعين فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجز لعدم منعه عن العلم بفعلية التكليف المعلوم اجمالا المردد بين ان يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف أو المطلق في الطرف الآخر ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم اصلا وعروض -

٢٩٨

الاحتياط إذا كان الاضطرار لاحقا للعلم ودفعه، وحاصل الوجه: أنه قبل طروء الاضطرار يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب عن النجس المردد مثلا وهذا العلم يوجب تنجيز المعلوم بالاجمال، وبعد طروء الاضطرار إلى معين أو غير معين وان ارتفع العلم المذكور الا ان قاعدة الاشتغال بالتكليف المنجز تقتضي وجوب الاحتياط في الباقي. وحاصل الدفع: أن وجوب الاجتناب المعلوم قبل طروء الاضطرار ليس مطلقا بل هو مقيد بعدم طروء الاضطرار ففي زمان الاضطرار لا علم بالتكليف من أول الأمر حتى يكون الباقي طرفا لمعلوم منجز فيكون مجرى لقاعدة الاشتغال ليجب فيه الاحتياط. هذا وقد استشكل المصنف (ره) في هذا الدفع في حاشيته على المقام بان الباقي طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما الباقي مطلقا والمضطر إليه قبل طروء الاضطرار، كما اشرنا إليه هنا واوضحناه في مبحث الانحلال، فوجوب الاحتياط فيه لأجل هذا العلم القائم بين التدريجيين وان لم يكن طرفا لعلم اجمالي آخر قائم بين الدفعيين من جهة منافاة الاضطرار لفعلية التكليف مطلقا، لكنه خص هذا الاشكال بالاضطرار إلى معين دون الاضطرار إلى غير معين، مع ان الفرق بينهما غير واضح لانه إذا اختار المكلف احد الطرفين فارتكبه كان الآخر عنده طرفا لعلم اجمالي قائم بينه وبين ما ارتكبه قبل طروء الاضطرار بعين العلم الحاصل له في صورة الاضطرار إلى معين، ومن هنا ذكرنا سابقا ان الحكم في الصور الثلاث الاخيرة الجارية في الاضطرار إلى غير معين هو الحكم فيها في الاضطرار إلى المعين (فان قلت): إذا كان الاضطرار إلى غير معين منهما فكل منهما موضوع للاضطرار كما تقدم فلا يكون احدهما قبل الارتكاب طرفا لعلم اجمالي تدريجي (قلت): الاضطرار وان

______________

- الاضطرار انما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه لا عن فعلية المعلوم بالاجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في الآخر بعد العروض وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى احدهما لا بعينه فانه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا فافهم وتأمل (منه قدس سره)

٢٩٩

* المعلوم بينها من أول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه فلو عرض على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوما لاحتمال أن يكون هو المضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين (لا يقال): الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس الا كفقد بعضها فكما لا إشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه (فانه يقال): حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده كان التكليف المتعلق به مطلقا فإذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه فانه من حدود التكليف به وقيوده

______________________________

كان إلى كل منهما إلا أنه على البدل فيكون هناك علم اجمالي على البدل قائم بالطرف الذي لا ينطبق عليه الاضطرار فتأمل جيدا (قوله: محدودا بعدم) يعني مشروطا بعدم طروء الاضطرار بحيث ينتهي التكليف بطروئه، (قوله: حيث ان فقد المكلف به) المراد من المكلف به في المقام الموضوع الذي يتعلق به فعل المكلف مثل الاناء النجس كما تقتضيه قرينة السؤال ووجه الفرق بين فقد بعض الاطراف والعجز عنه والاضطرار إليه مع اشتراكها في كون عدمها دخيلا في التكليف في الجملة - بحيث ربما يقال يعتبر في التكليف عدم الاضطرار والقدرة وكون موضوعه في مقام الابتلاء بحيث يكون موجودا لا مفقودا - أن مقام شرطية هذه الامور الثلاثة للتكليف مختلفة فان شرطية عدم الاضطرار راجعة إلى شرطية عدم المزاحم للمصلحة المقتضية للحكم، فان المفسدة في النجس مثلا إنما تصلح للتأثير في حرمة شربه إذا لم تزاحم بمصلحة أهم كما لو توقف حفظ النفس من الهلاك على شرب النجس الذي هو معنى الاضطرار إليه أما إذا زوحمت كان شرب النجس ارجح من عدمه، وشرطية القدرة راجعة إلى شرطية عدم المانع من تعلق الارادة

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

النقص الحادث في المبيع ، فكذلك عدم المشروط. ولأنّ الإعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرطٍ ، ولا يثبت مثل ذلك في الحوالة ، فاختلفا(١) .

ونمنع كون الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط ، وقد سبق. ونمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط وبعدمه ، ونحن لا ندّعي مساواة الحوالة للبيع في جميع أحكامه.

تذنيب : لو كان المحال عليه معسراً ولم يعلم المحتال ثمّ تجدّد اليسار وعلم سبق الفقر ، احتُمل ثبوت الخيار ؛ للاستصحاب‌. وعدمُه ؛ لزوال المقتضي.

مسألة ٦٠٢ : إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرائط ، انتقل المال إلى ذمّة المحال عليه ، وبرئ المحيل‌ ، سواء أبرأه المحتال أو لا - وهو قول عامّة الفقهاء(٢) - لأنّ الحوالة مأخوذة من التحويل للحقّ ، وإنّما يتحقّق هذا المعنى لو انتقل المال من ذمّةٍ إلى أُخرى ، وليس هنا إلّا ذمّة المحيل والمحال عليه ، فإذا تحوّل الحقّ من ذمّة أحدهما إلى الآخَر مع اليسار أو علم الإعسار ، لم يعد الحقّ إليه ؛ لعدم المقتضي.

وقال شيخنارحمه‌الله في النهاية : ومَنْ كان له على غيره مالٌ فأحال به على غيره ، وكان الـمُحال عليه مليّاً به في الحال وقَبِل الحوالة وأبرأه منه ، لم يكن له الرجوعُ عليه ، ضمن ذلك المـُحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قَبِل الحوالة ، فإن لم يقبل الحوالة إلاّ بعد ضمان المـُحال عليه ولم يضمن مَنْ أُحيل عليه ذلك ، كان له مطالبة الـمُحيل ، ولم تبرأ ذمّته بالحوالة ، فإن انكشف لصاحب المال أنّ الذي أُحيل به عليه غير ملي بالمال ، بطلت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦٢.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

٤٤١

الحوالة ، وكان له الرجوعُ على المديون بحقّه عليه ، ومتى لم يُبرئ الـمُحال له بالمال الـمُحيل في حال ما يُحيله ، كان له أيضاً الرجوعُ عليه في أيّ وقت شاء(١) .

وكان الحسن البصري أيضاً لا يرى الحوالة مبرئةً إلّا أن يُبرئه(٢) .

واحتجّ الشيخرحمه‌الله بما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق أو الباقرعليهما‌السلام : في الرجل يحيل الرجل بمالٍ كان له على رجلٍ [ آخَر ] ، فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك ، قال : « إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يُبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله »(٣) .

وهذه الرواية لا بأس بها ؛ لصحّة السند ، لكنّ المشهور عند الأصحاب والعامّة البراءة بمجرّد الحوالة ، فلابدَّ من حمل الرواية على شي‌ء ، وليس ببعيدٍ من الصواب حملها على ما إذا شرط المحيل البراءة ، فإنّه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه ، أو نقول : إذا لم يُبرئه ، فله أن يرجع على الذي أحاله إذا تبيّن له إعساره وقت الحوالة.

النظر الثاني : في الرضا بالحوالة.

مسألة ٦٠٣ : يشترط في الحوالة رضا المحيل - وهو الذي عليه الحقّ - إجماعاً‌ ، فلو أُكره على أن يحيل فأحال بالإكراه ، لم تصحّ الحوالة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّ مَنْ عليه الحقّ مخيَّر في جهات القضاء ، فله أن يقضي من أيّ جهة شاء ، فلا يُعيَّن عليه بعض الجهات قهراً ، فلا يلزمه‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١١ - ٢١٢ / ٤٩٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤٤٢

أداؤه من جهة الدَّيْن الذي له على المحال عليه ، إلّا في صورةٍ واحدة لا يُعتبر فيها رضا المحيل ، وهي ما إذا جوّزنا الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه لو قال للمستحقّ : أحلت بالدَّيْن الذي لك على فلان على نفسي ، فقَبِل ، صحّت الحوالة ، فإذَنْ لا يشترط هنا رضا المحيل ، بل رضا المحتال والمحال عليه خاصّةً.

مسألة ٦٠٤ : يشترط رضا المحتال عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لأنّ حقّه ثابت في ذمّة المحيل ، فلا يلزمه نقله إلى ذمّةٍ أُخرى ، إلّا برضاه ، كما أنّه لا يجوز أن يُجبر على أن يأخذ بالدَّيْن عوضاً ، وكما إذا ثبت حقّه في عينٍ ، لا يملك نقله إلى غيرها بغير رضاه. وقال داوُد وأحمد : لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليّاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٢) والأمر للوجوب(٣) .

ونحن نمنع الوجوب ، بل المراد به الإرشاد.

مسألة ٦٠٥ : يشترط عندنا رضا المحال عليه‌ ، فلو لم يرض المحال عليه أو لم يُعلم هل رضي أم لا؟ لم تصحّ الحوالة ، وبه قال أبو حنيفة والزهري والمزني(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٢٥ ، ضمن ح ٩٦٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

٤٤٣

وقال أبو العبّاس ابن القاص : نصّ الشافعي في الإملاء على أنّها تفتقر إلى رضا المحال عليه - وإليه ذهب أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة - لأنّه أحد مَنْ تتمّ به الحوالة ، فأشبه المحتال والمحيل. ولأنّ الناس يختلفون في الاقتضاء والاستيفاء سهولةً وصعوبةً. ولأنّ الأصل بقاء الحقّ في ذمّة المحال عليه للمحيل ، فيستصحب إلى أن يظهر المعارض.

وأصحّ القولين عند الشافعي : أنّه لا يعتبر رضا المحال عليه إذا كانت الحوالة على مَنْ عليه دَيْنٌ للمحيل - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلم يفتقر إلى رضا مَنْ عليه الحقّ ، كما لو كان وكيلاً في قبضه ، بخلاف المحتال ، فإنّه ينتقل حقّه ، وتبرأ ذمّته منه. ولأنّ المحال عليه محلّ الحقّ والتصرّف ، فلا يعتبر رضاه ، كما لو باع عبداً ، لا يعتبر رضاه(١) .

وبنوا الوجهين على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ إن قلنا بالأوّل ، فلا يشترط ؛ لأنّه حقٌّ للمحيل ، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير. وإن قلنا بالثاني ، يشترط ؛ لتعذّر إقراضه من غير رضاه(٢) .

وإن كانت الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم تصحّ عند الشافعي إلّا برضا المحال عليه ؛ لأنّا لو صحّحناه ، لألزمناه قضاء دَيْن الغير قهراً. وإن رضي ، ففي صحّة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور(٣)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، التلقين ٢ : ٤٤٣ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٩ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٤

وسيأتي(١) .

فقد ظهر من هذا الإجماعُ على اعتبار رضا المحيل إلّا في الصورة التي ذكرناها في أوّل النظر ، وأنّ أصحابنا اشترطوا رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه.

النظر الثالث : في الدَّيْن.

مسألة ٦٠٦ : إذا أحال زيد عمراً على بكر بألف ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ(٢) مشغولةً بالألف لعمرو ، أو لا‌ ، وعلى كلا التقديرين فإمّا أن يكون بكر بري‌ء الذمّة منها أو مشغولها ، فالأقسام أربعة :

أ - أن تكون ذمّة زيدٍ وبكرٍ مشغولتين ، ولا خلاف هنا في صحّة الحوالة.

ب - قسيم هذا ، وهو أن تكون ذمّتهما بريئةً ، فإذا أحال زيد - وهو بري‌ء الذمّة - عمراً - ولا دَيْن له عليه - على بكر ، وهو بري الذمّة ، لم يكن ذلك إحالةً صحيحة ؛ لأنّ الحوالة إنّما تكون بدَيْنٍ ، وهنا لم يوجد ، بل يكون ذلك وكالةً في اقتراضٍ ، وإنّما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة ؛ لاشتراكهما في المعنى ، وهو استحقاق الوكيل أن يفعل ما أمره الموكّل من الاقتراض ، وأن يطالبه من المحال عليه ، كما يستحقّ المحتال مطالبة المحال عليه.

ج - أن يكون المحيلُ بري‌ءَ الذمّة والمحالُ عليه مشغولَها ، ( فيحيل‌

____________________

(١) في ص ٤٤٥ ، القسم « د » من الأقسام المذكورة في المسألة ٦٠٦.

(٢) في « ج » : « ذمّته » بدل « ذمّة زيد ».

٤٤٥

مَنْ لا دَيْن عليه مَنْ لا دَيْن له على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ )(١) بقبضه ، فلا يكون ذلك أيضاً حوالةً ؛ لأنّ الحوالة مأخوذة من تحوّل الحقّ وانتقاله ، ولا حقّ [ هاهنا ](٢) ينتقل ويتحوّل ، بل يكون ذلك في الحقيقة وكالةً في الاستيفاء ؛ لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة مَنْ عليه الدَّيْن ، كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه ، وتحوّل ذلك إلى الوكيل كتحوّله إلى المحيل.

د - أن يكون المحيل مشغولَ الذمّة والمحالُ عليه برئَ الذمّة.

وفي صحّة هذه الحوالة إشكال أقربه : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٣) - لأنّ المحال عليه إذا قَبِلها ، صار كأنّه قضى دَيْن غيره بذمّته ؛ لأنّ الحوالة بمنزلة الحقّ المقبوض ، وإذا قبض حقّاً من غيره ، صحّ وسقط عن غيره ، كذا هنا ، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ فإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تصحّ ؛ لأنّه ليس له على المحال عليه شي‌ء نجعله عوضاً عن حقّ المحتال. وإن قلنا : إنّها استيفاء حقٍّ ، صحّت(٤) ، كأنّه أخذ المحتال حقّه وأقرضه من المحال عليه(٥) .

قال الجويني : الصحيح عندي تخريج الخلاف على الخلاف في أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « فيحيل مَنْ لا دَيْن له عليه على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ ». وكذا في « ر » بإسقاط « له » من « لا دَيْن له عليه ».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع : فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٧٣ و ٧٤ ، وبدائع الصنائع ٦ : ١٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صحّ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٦

هل يصحّ الضمان بشرط براءة الأصيل؟ بل هذه(١) الصورة غير(٢) تلك الصورة ؛ فإنّ الحوالة تقتضي براءة المحيل ، فإذا قَبِل الحوالة ، فقد التزم على أن يُبرئ المحيل(٣) .

وهذا ذهابٌ منه إلى براءة المحيل وجَعْلها أصلاً مفروغاً عنه.

لكن للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يبرأ على قياس الحوالات.

والثاني - وبه قال أكثرهم - : أنّه لا يبرأ ، وقبول الحوالة ممّن لا دَيْن عليه ضمانٌ مجرّد(٤) .

ثمّ فرّعوا فقالوا : إن قلنا : لا تصحّ هذه الحوالة ، فلا شي‌ء على المحال عليه ، فإن تطوّع وأدّاه ، كان كما لو قضى دَيْنَ الغير. وإن قلنا : تصحّ ، فهو كما لو ضمنه ، فيرجع على المحيل إن أدّى بإذنه(٥) .

وكذا إن أدّى بغير إذنه عندنا وعلى أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٦) ؛ لجريان الحوالة بإذنه.

وللمحال عليه الرجوع على المحيل هنا قبل الأداء - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) - لأنّ المحيل يبرأ ، فينتقل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه بمجرّد الحوالة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هنا » بدل « هذه ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر « عين » بدل « غير ». وفي « ر » : « على غير ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٧

والثاني : ليس له ذلك بناءً على أنّ المحيل لا يبرأ ، كما أنّ الضامن لا يرجع على المضمون عنه قبل الأداء(١) .

وإذا طالبه المحتال بالأداء ، فله مطالبة المحيل بتخليصه.

وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال؟ الأقوى عندي : ذلك.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن(٢) .

ولو أبرأه المحتال ، لم يرجع على المحيل بشي‌ء.

ولو قبضه المحتال ثمّ وهبه منه ، فالأقوى : الرجوع ؛ لأنّه قد غرم عنه ، وإنّما عاد المال إليه بعقدٍ مستأنف.

وللشافعيّة وجهان يُنظر في أحدهما إلى أنّ الغُرْم لم يستقر عليه ، فلم يغرم عنه في الحقيقة شيئاً. وفي الثاني إلى أنّه عاد إليه بتصرّفٍ مبتدأ(٣) .

وهُما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول.

ولو ضمن عنه ضامنٌ ، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال المالَ منه أو من ضامنه.

ولو أحال المحتال على غيره ، نُظر إن أحاله على مَنْ عليه دَينٌ ، رجع على محيله بنفس الحوالة ؛ لحصول الأداء بها. وإن أحال على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم يرجع عليه الذي أحاله عليه.

مسألة ٦٠٧ : الأقوى عندي أنّه لا يشترط في الدَّيْن المحال به اللزومُ‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٨

- وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - كما لو أحال بالثمن في مدّة الخيار بأن يحيل المشتري البائعَ على رجلٍ أو يحيل البائع رجلاً على المشتري. ولأنّه صائرٌ إلى اللزوم ، والخيار عارضٌ فيه ، فيعطى حكم اللازم.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

وهو مصادرة على المطلوب.

قال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف مبنيّ على أنّ الحوالة معاوضة أو استيفاء؟ إن قلنا معاوضة ، فهي كالتصرّف في المبيع في زمان الخيار. وإن قلنا : استيفاء ، فتجوز(٣) .

قالوا : فإن قلنا بالمنع ، ففي انقطاع الخيار وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينقطع ؛ لحكمنا ببطلانه ، وتنزيلنا إيّاه منزلة العدم.

والثاني : نعم ؛ لأنّ التصرّف في عوض العقد يتضمّن الرضا بإبطال الخيار(٤) .

وإن قلنا بالجواز ، لم يبطل الخيار عند بعضهم(٥) .

وقال آخَرون : يبطل ؛ لأنّ قضيّة الحوالة اللزوم ، ولو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها ، وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم(٦) .

والأقوى : بقاء الخيار.

مسألة ٦٠٨ : إذا وقعت الحوالة بالثمن المتزلزل بالخيار ثمّ انفسخ البيع‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، الوسيط ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٤٩

بفسخ صاحب الخيار ، بطل الثمن ، وبطلت الحوالة المترتّبة عليه ، فلو أحال البائع على المشتري بالثمن رجلاً له عليه دَيْنٌ ثمّ فسخ المشتري بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لأنّها فرع البيع ، والبيع قد بطل.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ البيع لم يبطل من أصله ، وإنّما تجدّد له البطلان ، فلا يؤثّر في الحوالة التي جرت منهما.

ولو أحال المشتري البائعَ على غيره ثمّ فسخ البيع بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لترتّبها على البيع ، والبيع قد بطل.

ويُحتمل قويّاً عدم بطلان الحوالة.

وعلى قول الشافعيّة ببطلان الخيار لو أحال المشتري البائعَ على ثالثٍ ، يبطل خيارهما جميعاً ؛ لتراضيهما. ولو أحال البائع رجلاً على المشتري ، لم يبطل خيار المشتري ، إلاّ أن يقبل ويرضى بالحوالة(١) .

مسألة ٦٠٩ : لو أحال زيد على عمرو بكراً بمالٍ فأدّاه عمرو - بعد قبول الثلاثة الحوالة - إلى بكر‌ ، ثمّ جاء عمرو يطالب زيداً بما أدّاه بحوالته إلى بكر ، فادّعى زيد أنّه إنّما أحال بما لَه عليه ، وأنكر عمرو ذلك وأنّه احتال ولا شي‌ء لزيد عليه ، كان القولُ قولَ عمرو ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ويُحتمل أن يقال : إن قلنا بصحّة الحوالة على مَنْ لا مال عليه ، كان القولُ قولَ المحال عليه قطعاً. وإن قلنا : إنّها لا تصحّ ، كان القولُ قولَ المحيل ؛ لاعترافهما بالحوالة ، وادّعاء المحال عليه بطلانها ، والأصل الصحّة.

مسألة ٦١٠ : لو أحال السيّد على مكاتَبه بمال النجوم‌ ، فإن كان بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٥٠

حلوله ، صحّ ؛ لثبوته في ذمّة المكاتَب. وإن كان قبل الحلول ، فكذلك على الأقوى.

ويجي‌ء على قول الشيخرحمه‌الله المنع(١) ؛ لأنّ مال الكتابة غير واجبٍ - عنده(٢) - على المكاتَب ؛ إذ له أن يُعجّز نفسه ، فله أن يمتنع من أدائه.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أحال السيّد غيره على مكاتَبه بالنجوم.

أحدهما : الجواز - كما قلناه - لأنّ النجوم دَيْنٌ ثابت على المكاتَب ، فأشبه سائر الديون.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ النجوم غير لازمة على المكاتَب ، وله إسقاطها متى شاء ، فلا يمكن إلزامه الدفع إلى المحتال(٣) .

وعلى ما اخترناه - من صحّة الحوالة - لو أعتق السيّد عبده المكاتَب ، بطلت الكتابة ، ولم يسقط عن المكاتَب مال الحوالة ؛ لأنّ المال بقبوله الحوالة صار لازماً له للمحتال ، ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

ولو كان للسيّد عليه دَيْنُ معاملةٍ غير مال الكتابة ، صحّت الحوالة به قطعاً ؛ لأنّ حكمه حكم الأحرار في المداينات.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه مبنيّ على أنّ المكاتَب لو عجّز نفسه ، هل يسقط ذلك الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الحوالة ، وإلّا صحّت(٤) .

والمعتمد ما قلناه ، وهو قول أكثر الشافعيّة وقول أكثر العامّة(٥) .

ولو أحال المكاتَبُ السيّدَ على إنسانٍ بمال الكتابة ، صحّت الحوالة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢١.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٩٣ ، المسألة ١٧ ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٥) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

٤٥١

عندنا وعند أكثر الشافعيّة وأكثر المانعين من حوالة السيّد عليه بالنجوم(١) ، وتبرأ ذمّة المكاتَب من مال الكتابة ، ويتحرّر ، ويكون ذلك بمنزلة الأداء ، سواء أدّى المحال عليه أو مات مفلساً ؛ لأنّ ما أحاله عليه مستقرّ ، والكتابة لازمة من جهة السيّد ، فمتى أدّى المحال عليه وجب على السيّد القبول أو الإبراء.

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ هذه الحوالة أيضاً(٢) .

فللشافعيّة إذَنْ ثلاثة أقوال في الجمع بين الصورتين :

أحدها : جواز إحالة المكاتَب بالنجوم ، وإحالة السيّد على النجوم ، وهو قول ابن سريج.

والثاني : منعهما جميعاً.

والثالث : أظهرها عندهم ، وهو : جواز إحالة المكاتَب بها ، ومنع إحالة السيّد عليها(٣) .

ولو أحال السيّد بأكثر مال الكتابة ثمّ أعتقه ، سقط عن المكاتَب الباقي ، ولم تبطل الحوالة.

مسألة ٦١١ : مال الجُعْل في الجُعالة إن استحقّ بالعمل ، صحّت الحوالة به إجماعاً.

وإن لم يشرع في العمل ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّا نجوّز الحوالة على بري‌ء الذمّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠.

٤٥٢

وقياس الشافعيّة أنّه يجي‌ء في الحوالة به وعليه الخلافُ المذكور في الرهن به وفي ضمانه(١) .

وقال بعض الشافعيّة : تجوز الحوالة به وعليه بعد العمل ، لا قبله(٢) .

ولو أحال مَنْ عليه الزكاة الساعيَ على إنسانٍ بالزكاة ، جاز ، سواء قلنا : إنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت في الذمّة ، فجازت الحوالة.

وعندنا يجوز دفع قيمة الزكاة عن عينها ، فجاز الاعتياض فيها.

أمّا الشافعيّة فإنّهم منعوا من دفع القيمة في الزكاة ومن الاعتياض عنها(٣) ، فهنا قالوا : إن قلنا : إنّ الحوالة استيفاء ، صحّت الحوالة هنا. وإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تجز ؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة(٤) .

ولو أحال الفقير المديون صاحبَ دَيْنه بالزكاة على مَنْ وجبت عليه ، لم تصح ؛ لأنّها لم تتعيّن له إلّا بالدفع إليه.

ولو قَبِل مَنْ وجبت عليه ، صحّ ، ولزمه الدفع إلى المحتال.

مسألة ٦١٢ : تجوز الحوالة بكلّ مالٍ لازمٍ ثابتٍ في الذمّة معلومٍ‌ ؛ لأنّها إمّا اعتياض ، فلا تصحّ على المجهول ، كما لا يصحّ بيعه ، وإمّا استيفاء ، وإنّما يمكن استيفاء المعلوم ، أمّا المجهول فلا. ولاشتماله على الغرر.

فلو قال : أحلتك بكلّ ما لك عَلَيَّ ، فقَبِل ، لم تصح.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٢) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، و ٦ : ١٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٦٥ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٣

ويحتمل الصحّة ، ويكون على المحال عليه للمحتال كلّ ما تقوم به البيّنة ، كما قلناه في الضمان.

ولا يشترط اتّفاق الدَّيْنين في سبب الوجوب ، فلو كان أحدهما ثمناً والآخَر أُجرةً أو قرضاً أو بدلَ متلفٍ أو أرشَ جنايةٍ وما أشبهه ، جازت الحوالة ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٦١٣ : تصحّ الحوالة بكلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة‌ ، سواء كان مثليّاً ، كالذهب والفضّة والحبوب والأدهان ، أو من ذوات القِيَم ، كالثياب والحيوان وغيرهما - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه حقٌّ لازمٌ ثابتٌ في الذمّة ، فأشبه ما لَه مِثْلٌ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ الغرض من الحوالة إيصال الحقّ إلى مستحقّه من غير تفاوتٍ ، وهذا الغرض لا يتحقّق فيما لا مِثْل له ؛ لأنّ المثل لا يتحرّز(٢) ، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف(٣) .

والأوّل أصحّ. والوصول إلى الحقّ قد يكون بالمثل ، وقد يكون بالقيمة ، وكما يجوز إبراء المديون منه بالأداء ، كذا المحال عليه.

ولو كان المال ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه ، ففي جواز الحوالة به إشكال أقربه : الجواز ؛ لأنّ الواجب في الذمّة حينئذٍ القيمة ، وتلك العين لا تثبت في الذمّة ، فلا تقع الحوالة بها ولا بمثلها ؛ لعدمه ، بل بالقيمة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لا يتحرّر » بالراءين المهملتين.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٤

ولو كان عليه خمس من الإبل أرش الموضحة مثلاً ، وله على آخَر مثلها ، فأحاله بها ، فالأقرب : الصحّة ؛ لأنّها تنحصر بأقلّ ما يقع عليه الاسم في السنّ والقيمة وسائر الصفات ، وهو أحد قولَي الشافعي(١) .

والثاني : لا تجوز ؛ لأنّ صفاتها مجهولة(٢) .

وهو ممنوع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أحال بإبل الدية وعليها وفرّعنا على جواز الحوالة في المتقوّمات ، فوجهان أو قولان مبنيّان على جواز المصالحة والاعتياض عنها.

والأصحّ عندهم : المنع ؛ للجهل بصفاتها(٣) .

ولو كان الحيوان صداقاً ودخل بها ، جازت الحوالة عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يكون مجهولاً(٤) .

ومَنَعه بعضهم ؛ لأنّه لا تجوز المعاوضة معها(٥) .

النظر الرابع : في تساوي الجنسين.

مسألة ٦١٤ : من مشاهير الفقهاء(٦) وجوب تساوي الدَّيْنين‌ - أعني الدَّيْن الذي للمحتال على المحيل ، والذي للمحيل على المحال عليه - جنساً ووصفاً ، فلو كان له دنانير على شخصٍ فأحال عليه بدراهم ، لم تصحّ ؛ لأنّ الحوالة إن جعلناها استيفاءً ، فلأنّ مستحقّ الدراهم إذا‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، ولاحظ : حلية العلماء ٥ : ٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٤ و ٥) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢.

(٦) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦ ، المغني ٥ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٥٥

استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقّه إلى الدنانير.

وإن جعلناها معاوضةً ، فلأنّها وإن كانت معاوضةً فليست هي على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مالٍ أو زيادة قدرٍ أو صفة ، وإنّما هي معاوضة إرفاقٍ ومسامحة للحاجة ، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة ؛ لئلّا يتسلّط على المحال عليه ، كما في القرض.

ولأنّا نجبر المحال عليه عند مَنْ لا يشترط رضاه ، ولا يمكن إجباره مع الاختلاف.

ولأنّ الحوالة لا يُطلب بها الفضل ، ولهذا جازت دَيْناً بدَيْن ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو جوّزنا الإحالة مع الاختلاف في الجنس أو الوصف ، لكان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن.

ومع هذا فقد قال المشترطون للتساوي : إنّه تصحّ الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، والأحرى جواز الإحالة على مَنْ عليه دَيْن مخالف. لكنّ الغرض بقولهم : « إذا تغاير الدَّيْنان جنساً أو وصفاً أو قدراً ، لم تصحّ الحوالة » أنّ الحقّ لا يتحوّل بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ، لكنّها إذا جرت فهي حوالة على مَنْ لا دَيْن له عليه ، وحكمه ما تقدّم(١) .

مسألة ٦١٥ : لو كان عليه إبل من الدية وله على آخَر مثلها قرضاً ، فأحاله صاحب القرض على المقترض بإبل الدية‌ ، فإن قلنا : يردّ في القرض مثلها ، صحّت الحوالة ؛ لأنّه يمكن استيفاء الحقّ على صفته من المحال عليه. ولأنّ الخيرة في التسليم إلى مَنْ عليه الدَّيْن ، وقد رضي بتسليم ما لَه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٦

في ذمّة المقترض ، وهو مثل الحقّ ، فكانت الحوالة صحيحةً.

وإن قلنا : إنّه يردّ في القرض القيمة ، لم تصحّ الحوالة ؛ لاختلاف الجنس.

وكذا ما يثبت في الذمّة قيمته في القرض - كالجواهر واللآلئ وغيرهما ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه - لا تصحّ الحوالة به.

ولو احتال المقرض بإبل الدية ، لم تصح ؛ لأنّا إن قلنا : تجب القيمة في القرض ، فقد اختلف الجنس. وإن قلنا : يجب المثل ، فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته ، والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

مسألة ٦١٦ : يجب تساوي الدَّيْنين في القدر‌ ، فلا يحال بخمسة على عشرة ، ولا بعشرة على خمسة ؛ لما قلنا من أنّ هذا العقد للإرفاق ، ولإيصال كلّ حقٍّ إلى مستحقّه ، ولم يوضع لتحصيل زيادة أو حطّ شي‌ء.

والمراد بذلك وقوع المعاوضة بالقليل عن الكثير وبالعكس ، وإلّا فلو كان له عشرة فأحال بخمسة منها ، أو كان له خمسة فأحال بها وبخمسةٍ أُخرى ، فإنّه تصحّ.

وللشافعيّة وجهٌ في الإحالة بالقليل على الكثير : أنّها جائزة ، وكأنّ المحيل تبرّع بالزيادة(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج : الحوالة بيع إلّا أنّه غير مبنيّ على المكايسة والمغابنة وطلب الربح والفضل ، بل جُعل رفقاً ، كالقرض ، وإن كان نوعَ معاوضةٍ ، فلا تجوز إلّا مع اتّفاق الجنس جنساً وقدراً وصفةً ، وقد قال الشافعي في كتاب البيوع في باب الطعام قبل أن يستوفى : وإن حلّ عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٧

طعام فأحال به على رجل له عليه طعام أسلفه إيّاه ، لم تجز من قِبَل أنّ هذا الطعام لـمّا لم يجز بيعه لم تجز الحوالة به ؛ لأنّه بيع ، وهذا نصٌّ منه(١) .

وقيل : ليست بيعاً(٢) - وهو ما اخترناه نحن أوّلاً - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ندب إليها ، فقال : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٣) . ولأنّها لا تصحّ بلفظ البيع ، ولا تجوز الزيادة فيها ولا النقصان ، ولما جازت في النقود إلّا مع التقابض في المجلس ، إلّا أنّ هذا القائل لا يجوّز الحوالة بالـمُسْلَم فيه ، وهذا تشمير(٤) لقول مَنْ قال : إنّه بيع.

لا يقال : لو كان بيعاً ، لكان على المحيل تسليمه إلى المحال عليه ؛ لأنّه عوض من جهته ، كما إذا باع شيئاً في يد غيره ، فإنّه يطالبهما به المشتري.

لأنّا نقول : أجاب مَنْ قال : « إنّه بيع » : بأنّه لـمّا استحقّ مطالبة المحال عليه به لم يستحقّ مطالبة المحيل ؛ لأنّه لو استحقّ مطالبتهما ، لكان قد حصل له بالحوالة زيادة في حقّ المطالبة ، وقد ثبت أنّ الحوالة مبنيّة على أنّه لا يستحقّ بها إلّا مثل ما كان يستحقّه ، بخلاف البيع ؛ لأنّه تجوز فيه الزيادة.

وفائدة الاختلاف : ثبوت خيار المجلس إن قلنا : إنّها بيع.

والحقّ ما تقدّم ، والاعتذار باطل ؛ لأنّ تخلّف لازم البيع يقضي بانتفائه.

____________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦ ، وراجع : الأُم ٣ : ٧٣.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ٧٩ / ٢٤٤٥.

(٤) التشمير : التقليص والإرسال. لسان العرب ٤ : ٤٢٨ « شمر ».

٤٥٨

مسألة ٦١٧ : الأقرب : أنّه لا يشترط تساوي المالَيْن في الحلول والتأجيل‌ ، فيجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّ للمحيل أن يُعجّل ما عليه ، فإذا أحال به على الحالّ فقد عجّل.

وكذا يجوز أن يحيل بالحالّ على المؤجَّل.

ثمّ إن رضي المحال عليه بالدفع معجَّلاً ، جاز ، وإلاّ لم يجز ، ووجب على المحتال الصبر ، كما لو احتال مؤجّلاً.

وللشافعيّة قولان :

أصحّهما عندهم : أنّه يشترط التساوي في الحلول والتأجيل ؛ إلحاقاً للوصف بالقدر.

والثاني : أنّه يجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز العكس ؛ لأنّ حقّ المحتال حالٌّ ، وتأجيل الحالّ لا يلزم(١) .

ونحن نمنع عدم اللزوم مطلقاً ، بل إذا تبرّع به ، لم يلزم ، أمّا إذا شرطه في عقدٍ لازم ، فإنّه يلزم ، والحوالة عقد لازم ، والمحيل إنّما أحال بالمؤجَّل ، والمحال عليه إنّما قَبِل على ذلك ، فلم يكن للمحتال الطلبُ معجَّلاً.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْنان مؤجَّلين ، فإن تساويا في الأجل ، صحّت الحوالة قطعاً.

وإن اختلفا ، صحّت عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان بناءً على الوجهين في الحالّ والمؤجَّل ، فإن منعناه هناك ، منعناه هنا. وإن جوّزناه هناك ، جاز هنا على حدّ ما جاز هناك على معنى أنّه يجوز أن يحال بالأبعد على الأقرب ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٩

العكس ؛ لأنّه تأجيل الحالّ(١) .

ب - لو كان أحدهما صحيحاً والآخَر مكسَّراً‌ ، قالت الشافعيّة : لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأوّل ، وعلى الثاني يحال بالمكسَّر على الصحيح ، ويكون المحيل متبرّعاً بصفة الصحّة ، ولا يحال بالصحيح على المكسَّر ، إلَّا إذا كان المحتال تاركاً لصفة الصحّة ، ويرضى بالمكسَّرة رشوةً ليحيله المحيل.

ج - يُخرّج على هذا الخلاف عندهم حوالة الأردأ على الأجود في كلّ جنسٍ ، وبالعكس‌(٢) .

والأقرب عندي : جواز ذلك كلّه.

د - لو أدّى المحال عليه الأجود إلى المحتال ، وجب القبول‌. وكذا الصحيح عوض المكسَّر.

أمّا تعجيل المؤجَّل فلا يُجبر عليه ، خلافاً للشافعيّة ، فإنّهم أوجبوه(٣) ، حيث يجبر المستحقّ على القبول(٤) .

وهذا يتفرّع على الصحيح في أنّ المديون إذا جاء بأجود ممّا عليه من ذلك النوع ، يُجبر المستحقّ على قبوله ، ولا يكون ذلك معاوضةً؟(٥) .

ه- لو كان الدَّيْنان حالَّيْن فشرط في الحوالة أنّ المحتال يقبض حقّه أو بعضه بعد شهرٍ ، صحّ عندنا‌ - خلافاً لأحمد(٦) - لعموم قولهعليه‌السلام :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ - ١٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « جوّزوه » بدل « أوجبوه ».

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٢.

(٦) المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510